شرح ألفية ابن مالك للحازمي عناصر الدرس
* شرح الترجمة
* شرح حد الكلام
* خلاف الشراح في قوله: (كاستقم) إلخ.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ
سؤال: هذا يقول: ما المراد بقول ابن مالك: وتبسط البذل بوعد منجز؟
- تبسط، قلنا: توسع، الوسع: العطاء، والبذل: هو العطاء، بوعد منجز،
يعني: مع وعد، وهذا الوعد منجز، قد يخلف الوعد وقد ينجزه وهو قد وفى
بما ذكره، يعني: من باب مدح الألفية فحسب.
- هذا يحكي قصة ..... لكن لا أدري ما صحتها، هل صحيح أن ابن مالك رحمه
الله عندما وصل إلى قوله:
وَتَقْتَضي رِضاً بِغَيرِ سُخْطِ ... فَائِقَةً ألْفِيَّةَ ابْنِ
مُعْطِي
قال بعدها: فائقة له بألف بيت، ثم لم يستطع إكمال هذا البيت فنام فرآى
في المنام ابن معطي يكمله إلى آخره ..
- ما أدري هذه القصة وصحتها.
- هذا يريد كلمات قبل الدرس.
- هذا ما يمكن.
- ما اسم كتاب الشوكاني رحمه الله الذي نقلتم منه درس أمس؟
- هذا أدب الطلب الذي كتب عليه: كيف تصبح عالماً؟
أي طالب عنده سؤال يكتبه فيما يتعلق بالدرس، أما خارج الدرس فلا.
- لماذا كان الأولى في المتعلق: لي وله، وفي درجات الآخرة .. لي وله في
درجات الآخرة، أن نقول: إنه متعلق أن .. متعلقه محذوف.
- لا، قلنا: يقضي، والله يقضي لي وله، وأما في درجات الآخرة، هذا محل
إشكال لو جعلناه متعلقاً بيقضي، وإنما الأولى أن يكون متعلقاً بمحذوف
صفة لهبات.
نقاش غير واضح .............
- ما هو تعريف الملكة؟ ذكرناه بالأمس.
- ............... يستحضر بها المعلومات يعني التي تعلمها، أو يستحصل
بها ما لم يكن، يعني: ما لم يعلمه، وهذه الهيئة أو الملكة إنما تكون
بالدربة، يعني: بالممارسة ممارسة العلم، وهذا قد يكون في النحو وقد
يكون في الفقه، وقد يكون في سائر العلوم.
- هل تقولون بالمجاز؟
- في المسألة خلاف بين أهل العلم، من قال بالمجاز مع إثبات الصفات هذا
الخلاف معه لفظي لا بأس به المسألة اصطلاحية، وإذا نظر الإنسان في أدلة
القائلين بالمجاز والمانعين بالمجاز لا يكاد أن يذهب إلا إلى القول
بالمجاز، القول بالمجاز موجود، ووجوده أو الالتزام به لا يلزم به أن
يقول بما قال به المؤولة من تحريف النصوص، وأما تحريف النصوص فهم
يقولون بأن المجاز لا يعدل إليه إلا عند تعذر الحقيقة، ولا يلزم أن
يكون قائلاً ببدعة ... لا، وعده من الطواغيت، هذا باعتبار أنه يستند
إليه في التحريف وتأويل النصوص.
- ما الفرق بين الحال المقارن والحال .....
- ستأتي أنواع الحال كلها في باب الحال، فلا تستعجل.
ولذلك الرد على المجازيين أو على المؤولة والمحرفة، بأن إنكار المجاز
يبطل مذهبهم هذا ضعيف، يعني: إذا أردت .. أن البعض يظن من طلاب العلم
ظاهرية أنه إذا أبطل المجاز أبطل حجة المعتزلي أو الأشعري وكلهم هؤلاء
أبطلها من أصل .. لا ليس صحيحاً، لماذا؟ لأنه هو قال بالمجاز فرعاً لا
أصلاً، اعتقد أن ظاهر النصوص المماثلة هذا أولاً، ثم لما اعتقد هذا مع
تنزيه عدل إلى أن الظاهر غير مراد، حينئذٍ أوله وحرفه إلى القول
بالمجاز.
- المعلوم أن هو ضمير فصل لا محل له من الإعراب فكيف أعرب هو في قول
ابن مالك: هو ابن مالك، مبتدأً، كيف أعرب؟
هو مبتدأ ليس كل ما جاء هو حينئذٍ يكون
ضميراً فاصلاً لا محل له من الإعراب، لا تلازم، ليس بينهما تلازم
حينئذٍ قد يكون مبتدئاً، وقد يكون ضمير فصل لا محل له من الإعراب،
ولذلك له شروط: أنه لا يكون إلا بين متلازمين كالمبتدأ والخبر ونحو
ذلك.
بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحِيمِ
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله
وصحبه أجمعين، أما بعد:
قال المصنف رحمه الله تعالى:
الكلام وما يتألف منه، ثم قال:
كَلامُنَا لَفْظٌ مُفِيدٌ كاسْتَقِمْ
واحِدُهُ كَلِمَةٌ والقَوْلُ عَمْ ... وَاسْمٌ وَفِعْلٌ ثُمَّ حَرْفٌ
الْكَلِمْ
وَكِلْمَةٌ بِهَا كَلاَمٌ قَدْ يُؤَمْ
هذا أول باب افتتح به المصنف رحمه الله تعالى هذه الألفية، وجرت عادة
مؤلفيه أن يبوبوا ويفصلوا ويكتبوا الكتب بناءً على حكمة عندهم، والحكمة
من التبويب جرت عادة المصنفين أن يفصلوا تآليفهم بالأبواب لأمور منها:
أولاً: أن تكون كل مسألة مجموعة تتبع نظائرها في باب مستقل، بحيث إذا
أراد الطالب مراجعة مسألة طالع بابها فقط فيسهل عليه الأمر، يعني: من
حيث جمع النظير إلى نظيره، فإذا أراد مسألة تتعلق بأحكام الاستنجاء
والاستجمار حينئذٍ رجع إلى باب الاستنجاء والاستجمار، ولا يرجع إلى باب
الإجارة، لماذا؟ لأن كل شيء يقرن بنظيره، فما كان متعلقاً بالاستنجاء
والاستجمار يرجع إلى محله.
ومنها: إذا ختم الطالب باباً حصل له النشاط للآخر، يعني: فيه نوع تقويم
وزيادة همة للطالب، فإذا ختم باباً حصل له النشاط للآخر، فالمسافر يفرح
بقطع كل مسافة إذا كانت الطريق مقدرةً، كان ذلك أبعث له على السفر،
ولذلك قيل، كما قال الزمخشري وغيره: كان القرآن سوراً؛ لأنه إذا انتهى
من سورة حينئذٍ ينشط للأخرى.
الكلام وما يتألف منه، عرفنا أن هذا الباب قدمه لما ذكرنا.
ثانياً: لماذا بدأ المصنف رحمه الله تعالى بباب الكلام؟ وقد بدأ غيره
بالحديث عن الكلمة، كما صنع ابن هشام في: قطر الندى وغيره، وإن كان
الكثير من النحاة إذا كتبوا إنما يبدؤون بباب بالكلام؛ لأن الكلام هو
المقصود بالذات، والحديث عن الكلمة إنما يفصل وينظر فيها من أجل أن يصل
إلى الكلام، فالكلام مركب من مسند ومسند إليه، مبتدأ وخبر وفعل وفاعل،
حينئذٍ النظر إلى الفعل وحده، والنظر إلى الفاعل وحده، والمبتدأ وحده،
والخبر وحده، من أجل ماذا؟ من أجل أن يوصلنا ذلك إلى إقامة الكلام على
الوجه الصحيح.
إذاً: المقصود هو الكلام، هو المقصود بالذات؛ ولأنه يقع به التفاهم
والتخاطب، فالنتيجة حينئذٍ من أجل أن يفهم كلام غيره، وخاصة إذا كان
الوحيين، وكذلك ليصلح كلامه هو، من أجل أن يوصل المعاني التي تكون في
نفسه بلفظ صحيح واضح بين، فإذا خلط في كلامه حينئذٍ يكون ثم خلط في
إيصال المعاني إلى الغير.
وقيل: هو محط الفائدة، فالكلام هو محط الفائدة .. هو النتيجة، وهو الذي
يقع به التفاهم والتخاطب، بخلاف الكلمة.
وإنما صدر بها بعض النحاة نظراً لاعتبارين أو أمرين:
الأول: كما سبق أن موضوع علم النحو هو
الكلمات العربية من حيث الإعراب والبناء، إذاً: موضوع فن النحو هو
الكلمات العربية، فأول ما يبدأ به من الأبواب والحديث ما هو الأنسب؟ أن
يكون الموضوع هو الذي يتحدث عنه أولاً.
ثانياً: نظر الآخر أن الكلمة جزء، والكلام كل، يعني: مركب من أجزاء،
وأجزاؤه عبارة عن كلمات، ومعرفة الجزء مقدمة على معرفة الكل طبعاً فقدم
وضعاً، ليوافق الوضع الطبع، كما هو الشأن عند أرباب الكلام وغيرهم.
وقدم الأول عند الوضع ... لأنه مقدم بالطبع
يعني: إدراك المفردات مقدم على إدراك المركبات، هذا بطبيعة النفس ..
طبيعة النفس لا تدرك الكليات إلا إذا أدركت الجزئيات، والعلم بالجزئيات
وسيلة إلى العلم بالكليات، فلذلك قدم بعضهم الكلام على الكلمة.
الكلام وما يتألف منه: .. الكلام لوحده نقول: هذا مفرد، كلام مفرد، ثم
حصلت الفائدة، والمراد بحصول الفائدة هنا الفائدة التامة التي هي
الفائدة الكلامية، وهذه تستلزم التركيب، يعني: لا تحصل الفائدة
الكلامية التي يحسن سكوت المتكلم عليها بحيث لا ينتظر السامع إلى شيء
آخر انتظاراً تاماً إلا إذا كان ثمة تركيب من مسند ومسند إليه، من
مبتدأ وخبر أو فعل وفاعل.
هنا قوله: الكلام وما يتألف منه، الكلام بالرفع، هذا إذا قيل بأنه
مبتدأ على أنه مسند إليه حينئذٍ ينتظر الطالب أو السامع أو القارئ
المسند الذي هو الحكم، وإذا نظر فإذا به تأتي إليه الواو، ومن القاعدة
عند النحاة كما ذكر ابن هشام في المغني وغيره: أن المبتدأ إذا حكم عليه
الطالب بأنه مبتدأ ثم أراد أن يبحث عن خبره، فإذا جاءت الواو فليقف ولا
يبحث ما بعدها عن الخبر، لماذا؟
لأن الواو عاطفة فاصلة، يعطف بها بعدها عما قبلها، ولا يمكن أن يوجد
خبر بعد واو عن مبتدأ قبلها، كما أنه لا يمكن أن يوجد فاعل بعد واو
معطوفاً على فعله هذا ممتنع، فإذا كان كذلك حينئذٍ إذا طبقنا هذه
القاعدة: الكلام مبتدأ، وقد حصلت به الفائدة، وما و .. إذاً: جاءت
الواو لا يمكن أن يكون ما بعدها خبراً عما قبلها، حينئذٍ نقول: لا بد
من محذوف نقدره، فصار التقدير واجباً؛ لأن الذي عندنا كلمة واحدة، ومن
المعلوم أن الكلام لا يكون كلمةً واحدة، لا بد أن يكون مركباً من مسند
ومسند إليه، مبتدأ وخبر أو فعل وفاعل .. جملة فعلية أو جملة اسمية،
والكلام لوحده هكذا لا يمكن أن يكون كلاماً، يعني: لفظ الكلام، إذاً:
لا بد من التقدير، فصار التقدير واجباً.
وأكثر شراح الألفية على تقدير: هذا باب شرح الكلام، وشرح ما يتألف
الكلام منه .. هذا باب شرح الكلام: الكلام في الرابعة جاءت، هذا مبتدأ،
وباب: خبره، وباب: مضاف وشرح: مضاف إليه، وشرح: مضاف، والكلام: مضاف
إليه .. الكلام في الأصل مجرور بالكسرة على أنه مضاف إليه، حذف المبتدأ
هذا فأقيم مقامه باب الذي هو المضاف إليه.
حذف المبتدأ، ثم صار باب شرح الكلام، باب:
هذا الخبر، حذف الخبر باب، وأقيم مقامه المضاف إليه وهو شرح، فارتفع
ارتفاعه شرحُ الكلامِ، ثم حذف هذا الذي أقيم مقام الخبر شرحُ بالرفع،
حذف وأقيم المضاف إليه مقامه، فصار: الكلام، إذاً: بعد حذفين، حينئذٍ
لا بد من تقدير مبتدءٍ محذوف على حذف مضافين من الخبر، باب شرح الكلام،
وهذا فيه نوع تكلف، ولو قيل: هذا باب الكلام، ثم جعل الشرح مقدراً أو
البيان على أنه بيان لمعنى، لا بيان لإعرابه.
وفرق بين أن يقدر الشيء من أجل تصحيح المعنى، أو من أجل تصحيح الإعراب،
فرق بينهما، ولذلك دائماً نقول في الشروح: باب العام .. باب مضاف،
والعام مضاف إليه، أي: باب بيان العام، ولا يحتاج أن نقول: حذف الباب
وأضيف إليه كذا وإلى آخره، نقول: هذا كله لا داعي له.
وإنما يقدر المضاف من باب التبيين والإيضاح، حينئذٍ صار هذا التقدير
تقدير معنى لا تقدير إعراب، والفرق بينهما:
أن تقدير المعنى إنما يكون من أجل إيضاح التركيب فحسب، ولا دخل له في
الإعراب، وأما تقدير الإعراب حينئذٍ لا بد وأن يكون له أصل في الإعراب،
فالأولى أن يقال: باب الكلام، هذا باب الكلام، ثم نقول: هذا باب، أي:
باب بيان وإيضاح حقيقة الكلام وشرح الكلام.
الكلام، إذا حذفنا المضافات التي ذكرناها حينئذٍ نقول: هو خبر لمبتدأ
محذوف، على حذف مضافين، باب وشرح، والأصح أن يقال: على حذف مضاف واحد،
ولا نحتاج إلى كلمة شرح إلا من جهة إيضاح المعنى.
ويصح أن يكون الكلام مبتدأً خبره محذوفاً، الكلام وما يتألف منه هذا
محله، وهذان الوجهان المرجح منهما الوجه الأول، وهو: أن يكون الكلام
خبراً لمبتدأ محذوف، ويجوز النصب الكلامَ وما يتألف منه، يعني: اقرأ
باب الكلام، ثم حذف باب وأقيم مقامه الكلام.
ويجوز عند الكوفيين، بابِ الكلامِ بالجر على حذف حرف الجر مع إبقاء
عمله.
على كلٍ: أرجحها أن يكون الكلام خبراً لمبتدءٍ محذوف، وهذا أولى؛ لأن
القاعدة عند النحاة: أنه إذا دار الأمر مع جواز حذف الخبر أو المبتدأ
فالأولى أن يجعل المحذوف مبتدأً ولا يجعل خبراً؛ لأن الخبر إنما جيء به
من أجل الفائدة:
وَالْخَبَرُ الْجُزْءُ الْمُتِمُّ الفَائِدَهْ .... !
والأصل في المبتدأ أن يكون معلوماً، وإذا كان كذلك فحينئذٍ حذف المعلوم
أولى من حذف المجهول، الأصل في المبتدأ أن يكون معرفةً:
وَلاَ يَجُوزُ الابْتِدَا بِالنَّكِرَهْ ... مَا لَمْ تُفِدْ
هذا الأصل .. والأصل في الخبر أن يكون مجهولاً .. الأصل في المبتدأ أن
يكون معلوماً، والأصل في الخبر أن يكون مجهولاً؛ لأنه حكم، حينئذٍ إذا
جاز حذف أحد الطرفين فالأولى أن يرجح حذف المبتدأ؛ لأنه معلوم بينك
وبين المخاطب، وإنما جيء بالخبر من أجل إفادة الحكم الذي تضمنه ذلك
الخبر.
إذاً: إعراب الترجمة الكلام وما يتألف منه الأصل هذا باب شرح الكلام
وشرح ما يتألف الكلام منه، اختصر للوضوح، يعني: اختصره المصنف للوضوح.
فالناظم ترجم في هذه الترجمة لشيئين: فشرح أولاً الكلام بتعريفه:
كَلامُنَا لَفْظٌ مُفِيدٌ كاسْتَقِمْ
والكلم التي يتألف منها ثانياً بذكر
أسمائها وعلاماتها فالشرح مختلف، يعني: الشرح الأول مختلف عن الشرح
الثاني؛ لأنه ترجم لشيئين: تعريف الكلام، قال: وما يتألف الكلام منه،
وهو الاسم والفعل والحرف، فعددها قال:
وَاسْمٌ وَفِعْلٌ ثُمَّ حَرْفٌ الْكَلِمْ.
ثم بين مزية كل واحد منها بعلامتها:
بالجَرِّ وَالْتَّنْوِينِ، ثم قال: بتاء فعلت، وآتت، هذا تمييز لها
بعلاماتها، إذاً: ترجم لشيئين، وقدم الكلام؛ لأنه أصل، وثنى بما يتألف
منه الكلام؛ لأنه جزء له، حينئذٍ ترجم لشيئين وعرف الكلام أولاً، ثم
أتبعه بالثاني وهو الذي يتألف منه الكلام.
وللإشارة إلى اختلاف الشرحين صرح بعضهم بقوله: وشرحِ ما يتألف الكلام
منه، كما صنع الكثير، السيوطي في شرحه والمكودي والأشموني وغيرهم،
ونقول: الأولى عدم ذكر كلمة شرح من جهة الإعراب، وإنما تذكر من جهة
البيان والإيضاح، فهو تقدير معنى لا تقدير إعراب.
والكلام خبر لمبتدأ محذوف، الأصل: هذا باب الكلام، هاء: حرف تنبيه،
وذا: اسم إشارة مبتدأ، والإشارة إلى ما في الذهن من المعاني سواء قلنا:
إن ما في داخل الترجمة وضع قبل الترجمة أو بعدها، وباب: خبره، والكلام
بالجر مضاف إليه، ثم حذف هذا المبتدأ وحذف الخبر الذي هو باب مضاف
وأقيم المضاف إليه الذي هو الكلام مقامه فارتفع ارتفاعه، وهذا أظهر
وأشهر من جعل الكلام مبتدأً وخبره محذوف، ومن جعل الكلام بالنصب
مفعولاً بمحذوف، وهذا كما ذكرنا أن غيره هو الأولى.
الكلام وما يتألف منه .. الكلام وما يتألف منه، يعني: وما يتألف الكلام
منه، هنا أعاد الضمير بالتذكير منه، والأصل أن يقول: منها، يعني: يجوز
الوجهان، أن يقول: منه، وأن يقول: منها، لماذا؟ لأن ما هذه اسم موصول
يقع على الأشياء التي يتألف الكلام منها، وهذه الأشياء التي يتألف
الكلام منها ثلاثة: اسم وفعل وحرف، فحينئذٍ هي من جهة المعنى مؤنث؛
لأنها جمع أشياء- جمع - ومن جهة اللفظ مذكر، وإذا عاد الضمير على
الموصول وهو في اللفظ مذكر وفي المعنى مؤنث جاز الوجهان: أن يذكر
اعتباراً باللفظ، وأن يؤنث اعتباراً بالمعنى، فيجوز: وما يتألف الكلام
منها، يعني: من هذه الأشياء الثلاثة، وما يتألف الكلام منه، يعني: من
هذه الأشياء الثلاثة، هذا جائز وذاك جائز.
قال: وما يتألف منها، مراعاة لما وقعت عليه: ما، يعني: المعنى المؤنث،
والذي وقعت عليه ما الأشياء الثلاثة: الاسم والفعل والحرف، قال: وما
يتألف، ولم يقل: ما يتركب؛ لأن ثم فرق بين التركيب والتأليف، التركيب:
وضع شيءٍ على شيءٍ مطلقاً، سواء كان على جهة الثبوت أو لا، وسواء كان
بينهما مناسبة أو لا.
إذا كان وضع شيءٍ على شيءٍ على جهة الثبوت فهذا يسمى: بناءً، ولذلك
يقال: كل بناء تركيب ولا عكس، العلاقة بينهما العموم والخصوص المطلق،
وإذا كان وضع شيءٍ على شيءٍ على وجه المناسبة بينهما فهو تأليف، ولذلك
التأليف أخص من التركيب، فكل تأليف تركيب ولا عكس.
هنا قال: وما يتألف منه، ولم يقل: وما
يتركب؛ لأن التأليف أخص، إذ هو تركيب وزيادة، تركيب: وضع شيءٍ على
شيءٍ، وزيادة، ما هي هذه الزيادة؟ الألفة والتناسب بين الجزأين،
فحينئذٍ عبر بالتأليف ولم يعبر التركيب، مع أن أكثر النحاة في تعريف
الكلام يقول: اللفظ المركب، مراعاة إلى وضع الشيء على الشيء مطلقاً،
سواء كان بينهما ألفة أم لا.
وابن مالك هنا راعى الألفة بين الجزأين.
إذ هو تركيب وزيادة، وهي: وقوع الألفة بين الجزأين، والمراد بالألفة:
الارتباط بين الكلمتين بإسناد إحداهما إلى الأخرى، ارتباط وتعلق ونسبة
بين الجزأين .. بين المسند والمسند إليه، أو إضافتها إليها، أو وصفها
بها أو نحو ذلك، بخلاف ضمها إليها بدون مناسبة.
الحجر مأكول! طار الجدار! مات السقف! بينهما مناسبة أو لا؟ ليس بينهما
مناسبة؛ لأن الموت لا يصدر عن الجماد، لا يوصف به إلا من صح أن لا ينفى
مثلاً الشيء عن الشيء إلا إذا صح وصفه به، حينئذٍ إذا قيل: طار الجدار!
نقول: الجدار لا يطير، مات الجدار! الحجر مأكول! نقول: هذه كلها ليس
بينها ألفة.
وقال بعضهم: هما بمعنىً واحد، يعني: التركيب والتأليف، والمشهور
التفريق بينهما.
الكلام وما يتألف منه، يعني: وما يتألف الكلام منه، عرفنا لماذا عبر
المصنف بالتأليف إذ هو مقصود عنده، فليس الشرط في الكلام أن يكون
مركباً فحسب، بل لا بد أن يكون بين الجزأين المسند والمسند إليه مناسبة
وارتباط وتعلق بينهما، وأما ما لم يكن كذلك فحينئذٍ هل هو كلام أم لا؟
ينبني على اشتراط التركيب أو التأليف في حد الكلام، وابن مالك أشار إلى
التأليف.
الكلام بفتح الكاف، له معنيان:
معنىً لغوي، ومعنىً اصطلاحي، ونقول بفتح الكاف؛ لأن الكلام مثلث الكاف،
يقال: الكُلام، والكِلام، أما الكُلام: فهو اسم للأرض الصعبة، هذه أرض
كُلام فهو مفرد، ويقال: الكِلام بالكسر، وهو جمع وليس مفرداً، جمع
كَلمٍ: وهو الجرح، فالكِلام الجراحات، زيد به كِلام، أي: جراحات.
قال ابن يعيش في شرح المفصل: وسمي الكلام كلاماً؛ لأنه يكلم القلب،
يعني: يجرحه.
جِراحاتُ السِّنانِ لَها التِئامٌ ... ... ولا يَلْتامُ ما جَرَحَ
اللِّسانُ
فالكلام يجرح، أليس كذلك؟ فحينئذٍ سمي الكلام كلاماً لكونه .. إذاً:
كِلام: هذا جمع وليس مفرداً، جمع لأي شيء؟ لكَلْمٍ، أصله: كَلَمَ
يكْلُمُ كَلْماً، من باب نصر: نصر ينصر نصراً، كلم يكلم كلماً، هذا ليس
مراداً معنا، إنما الذي يكون معنا هو الكلام بفتح الكاف،
وهو لغةً: القول وما كان مكتفياً بنفسه، وهو مركب من شيئين:
القول وما كان مكتفياً بنفسه .. المراد بالقول: اللفظ الدال على معنى،
أو التلفظ قليلاً كان أو كثيراً، يعني: شيء يلفظ من الفم، صوتٌ معه
حروف، هذا يسمى قولاً، وبالمعنى الأخص: القول هو اللفظ الدال على معنى،
احترازاً عن القول الذي لا يدل على معنى، إذا عممنا القول وجعلناه
مراداً للفظ كما هو قول لبعضهم.
فحينئذٍ اللفظ الدال على المعنى هذا احترز
به عن اللفظ الذي لا يدل على معنى وهو المهمل، لكن هل هو المراد هنا أم
لا؟ هذا محل النزاع، فالقول إما أن يفسر بالمعنى الأخص الذي سيأتي في
قول المصنف: والقول عم، وهو اللفظ الدال على معنى، أو يفسر بالمعنى
الأعم الذي هو التلفظ قليلاً كان أو كثيراً، فكل شيء يتلفظ به سواء كان
مهملاً أو مستعملاً فهو قول، حينئذٍ يطلق على المهمل أنه كلام لغةً،
لماذا؟ لكونه صوتاً مشتملاً على بعض الحروف الهجائية.
ولذلك نعرف اللفظ: بأنه الصوت المشتمل على بعض الحروف الهجائية التي
أولها الألف وآخرها الياء، مهملاً كان أو مستعملاً، فاللفظ جنس دخل
تحته شيئان: اللفظ المهمل .. مهمل مأخوذ من الإهمال وهو الترك، وهو
الذي لم تضعه العرب، واللفظ المستعمل: وهو الذي وضعته العرب، كزيد
والأول المهمل كديز أو رفعج .. ديز مقلوب زيد، العرب وضعت ماذا؟ وضعت
زيداً علماً على الذات المشخصة، يعني: نطقت بزيد مراداً به معنىً خاصاً
وهو الذات المشخصة المشاهدة في الخارج، هل وضعت: ديز مقلوب زيد؟ لا، لم
تنطق بهذا.
نقول: هذا مهمل، يعني: تركته العرب فلم تضعه، كذلك: رفعج .. وضعت جعفر
علماً على ذات مشخصة، ولم تضع مقلوب جعفر وهو رفعج، فصار متروكاً
مهملاً، هل هذا مرادف للقول أم لا؟ هذا مختلف فيه سيأتي أن ترجيح
المصنف بأن القول أخص من مطلق اللفظ، فكل قول لفظ ولا عكس.
إذاً: القول المراد به هنا في حد الكلام اللغوي هو التلفظ قليلاً كان
أو كثيراً، وما كان مكتفياً بنفسه هذا عطف مغاير، بأن الإفادة والمعنى
التي يستفيدها الناظر أو السامع إما أن تكون بلفظ أو لا، الفائدة التي
تستفيدها أنت إما أن تستفيدها مع لفظ، وإما أن تكون بدون لفظ، كالإشارة
والكتاب ةونحوها، حينئذٍ ما كانت الاستفادة بلفظ هذا خصه بقوله: القول؛
لأنه لا بد أن يكون ملفوظاً، إما مرادف للفظ وإما أخص.
وما كان، وما، يعني: شيء، هذا الشيء ليس بلفظ، وما شيء كان هذا الشيء
مكتفياً اكتفى بنفسه بذاته في إفادة المعنى دون ضميمة لفظ إليه، وهذا
ما يسمى بالدوال الأربعة، كالكتابة والخط والإشارة والرمز، وزاد بعضهم:
لسان الحال، هي ليست محصورة في الأربع وإنما اشتهر منها الأربع فعلق
الحكم بها، وإلا وهي أكثر من ذلك.
فحينئذٍ كل ما أفاد ولم يكن لفظاً، نقول: هذا كلام لغةً لا اصطلاحاً،
فلو أشار إليه أفاد أم لا؟ أفاد، هل هو لفظ؟ الجواب: لا، هل هو كلام
لغةً؟ الجواب: نعم، وسيأتي أنهم اتفقوا على أنه مجاز على الإشارة.
كذلك الكتابة: لو كتب قام زيد فقرأ .. قام زيد، استفاد معنى، نقول: هذا
المعنى الذي استفاده لم يستفده من لفظ مسموع يلج آذانه، وإنما من شيء
مقروء، والكتابة ليست لفظاً، فحينئذٍ استفاد معنىً من هذه النقوش، هو
ثبوت قيام زيد ولم تكن الكتابة لفظاً فحينئذٍ صار مبايناً للأول، القول
وما كان مكتفياً بنفسه.
فأفادت الكتابة معنىً دون ضميمة لفظ إليها
.... النُّصُب .. ما هي النُّصُب؟ الشيء الذي ينصب علامةً على شيء آخر،
كالمحراب، تدخل المسجد فترى المحراب تعرف أن هذه جهة القبلة، من الذي
أخبرك؟ المحراب، هو الذي أخبرك، كيف أخبرك، نطق؟ نطق بلسان حاله لا
بلسان مقاله، ليس له لسان، حينئذٍ نقول: المحراب أفاد فائدة واستفدت
منه حكماً ومعنىً، هذا المعنى هو تحديد جهة القبلة.
إذاً: شيء اكتفى بنفسه في إفادة المعنى، كجهة القبلة، ولم يكن ثم لفظ
معه.
يقال: النُّصُب بضمتين، والنُّصْبُ والنَّصْبُ ثلاث لغات، وكذلك العقد،
وهذه طريقة كانت عند العرب، يعقد بالأصابع لإثبات عدد معين، إذا عقدت
عرف أن المراد بالعدد هو كذا.
والرمز، قيل: الرمز هو الإشارة بالحاجب ونحوه، هذا قد يفيد معنىً، وهذا
المعنى استفيد من نفس إشارة الحاجب، هل هو لفظ؟ الجواب: لا، إذا: قوله:
القول وما كان مكتفياً بنفسه، أفاد أمرين:
أن الكلام لغةً على أحد وجهين: إما أن يكون لفظاً، وإما أن يكون شيئاً
ليس بلفظ ولكنه مفيد، حينئذٍ نأخذ قاعدة: وهي أن الفائدة لا تستلزم
اللفظ، بل قد تكون الفائدة مأخوذة من غير لفظ، كالإشارة وما ذكرناه.
يطلق الكلام لغةً: على الخط والإشارة وما يفهم من حال الشيء، وهو ما
يسمى: بلسان الحال، وإطلاقه على هذه الثلاثة مجاز، هكذا قال السيوطي
في: همع الهوامع، أن إطلاقه على الكتابة مجاز، وكذلك إطلاقه على
الإشارة مجاز، وما يفهم من حال الشيء، كذلك لسان الحال إطلاق الكلام
عليه مجاز.
ويطلق الكلام على التكليم الذي هو المصدر، يعني: يطلق على الحدث نفسه،
وهو التكلم، فيطلق الكلام مراداً به التكلم، قالوا:
قَالُوا كلاَمُكَ هِنْداً وَهْيَ مُصْغِيَةٌ ... يَشْفِيكَ قُلْتَ
صَحِيحٌ ذَاكَ لَوْ كانَاَ
كلاَمُكَ هِنْداً، يعني: تكليمك هنداً، كلمها يحصل لك الصحة، لماذا؟
لأنه مرض بحبها، فإذا كلمها وحصل له تكليم منه لها حينئذٍ حصل العلاج،
قالوا: كلامك هنداً، إذاً: يطلق على الحدث، وهذا لا بأس به.
ويطلق عند كثير من المتأخرين على ما في النفس من المعاني التي يعبر
عنها، وهذا وإن ذكره الكثير إلا أنه لا دليل عليه، لا من اللغة ولا من
الشرع، فحينئذٍ يفسر الكلام بالمعنى القائم بالنفس، ولذلك حرفوا صفة
الكلام الثابتة لله عز وجل بأنها معنىً قائم .. معنىً قديم قائم بذاته
جل وعلا، وإذا أطلق الكلام في الشرع وهو صفة لله عز وجل فسر بهذا
المعنى: المعنى القائم بالنفس، وهذا باطل لا دليل عليه.
بل بإجماع أهل اللغة أن مسمى الكلام والقول إذا أطلقا، يعني: دون قرينة
.. دون قيد، إذا أطلق لفظ الكلام وأطلق لفظ القول انصرفا إلى المعنى
واللفظ جميعاً، كلفظ الإنسان ينصرف إلى الجسد والروح، فلا نقول: المراد
بالإنسان هو الجسد دون الروح، ولا المراد بالإنسان هو الروح دون الجسد،
بل متى ما أطلق لفظ الإنسان انصرف إلى الشيئين معاً، ولا ترجيح لأحدهما
على الآخر من حيث الإطلاق إلا بقرينة.
ولذلك جاء القيد في قوله تعالى:
((وَيَقُولُونَ فِي أَنفُسِهِمْ)) [المجادلة:8] في أنفسهم، وهذا يرد
عليهم، إذ لو كان القول الأصل فيه أنه يطلق على المعنى القائم في النفس
ما الداعي إلى قوله: في أنفسهم؟ لو قال: وَيَقُولُونَ .... لَوْلا
يُعَذِّبُنَا اللَّهُ، حينئذٍ نقول: لو قالوا: ويقولون دون قيد انصرف
إلى المعنى النفسي، لماذا قيده وقال: في أنفسهم؟ هذا دل على أنه لو
أطلق لانصرف إلى اللفظ والمعنى معاً، ولا يصح إطلاقه على حديث النفس
إلا بقيد.
إذاً: قولهم: أن الكلام يطلق على المعنى دون اللفظ، وإطلاقه عليه
حقيقة، هذا قول باطل وليس عليه دليل.
ويطلق على اللفظ المركب أفاد أم لم يفد، فيشمل حينئذٍ الكَلِم،
والكَلِم قسمان:
كلم مفيد، وكلم غير مفيد، حينئذٍ يطلق عليه أنه كلام، وهل هو حقيقة
فيهما، أو في الأول فقط، أو الثاني فقط؟ ثلاثة مذاهب للنحاة، يعني:
إطلاق لفظ الكلام على المعنى القائم بالنفس، وإطلاق الكلام على المركب
أفاد أم لا؟ هل هو حقيقة فيهما، أم في الأول دون الثاني، أم في الثاني
دون الأول؟ هذه ثلاثة مذاهب للنحاة.
والصحيح أنه لا يطلق الكلام على المعنى القائم بالنفس البتة، إلا
بقرينة، فإن وجدت قرينة فحينئذٍ لا بأس، وإلا فنرجع إلى الأصل؛ لأن
الأصل حمل الكلام على حقيقته، فإن امتنع حمل الكلام على حقيقته، إن
قلنا بالمجاز حينئذٍ نصرفه إلى المجاز.
ويطلق على الكلمة الواحدة، فيقال: زيد كلام، لكنه من جهة اللغة لا من
جهة الاصطلاح.
إذاً: هذا معنى الكلام في لغة العرب: أنه القول وما كان مكتفياً بنفسه.
قال في حده من جهة الاصطلاح:
كلامنا لفظ مفيد كاستقم.
قال ابن مالك: كلامنا، قيد بالإضافة فنسب الكلام إلى نفسه هو ومن معه؛
لأن: نا، الدالة على الفاعلين قد يراد بها المتحدث ومن معه .. إذا كان
معظماً نفسه حينئذٍ صار من معه ادعاءً، وإن كان يريد أن هذا مذهب
النحاة فحينئذٍ قد عبر بنا الدالة على نسبة الحكم إلى النحاة أجمعين.
فقوله: كلامنا، هل فيه احتراز عن كلام غيره، أم لا؟ هذا محتمل، لماذا؟
لأننا قررنا البارحة: أن المصنف رحمه الله تعالى قال:
وَأَسْتعِينُ اللهَ فِي ألْفِيَّهْ ... مَقَاصِدُ النَّحْوِ بِهَا
مَحْوِيَّهْ
إذاً: ماذا سينظم لنا؟ سينظم لنا ما يتعلق بمقاصد النحو، فلو قال:
الكلام لفظ مفيد، هل ينصرف الكلام هنا إلى غير الكلام عند النحاة؟ لا،
إذاً: كلامنا نقول هنا: ليست الإضافة للاحتراز عن كلام غير النحاة؛ لأن
النحاة لهم كلام، والأصوليين لهم كلام، والفقهاء لهم كلام، والمناطقة
لهم كلام، كل له كلام، وكلهم يحده بحد ينفصل به عن غيره، ولذلك قيل:
الكلام عند الفقهاء كل ما أبطل الصلاة من حرف مفهم كقي وعي أو حرفين
مطلقاً وإن لم يفهما.
هذا الكلام عند الفقهاء، يعني: لا يشترط في إبطال الصلاة على هذا الحد
أن يقول: قام زيد، وزيد قائم، يا فلان تعال إلى ... حتى تبطل الصلاة،
لو قال: قي، يعني: أمر من الوقاية، عي: أمر من الوعاية، حينئذٍ أقول:
هذا الكلام يعتبر كلاماً عند الفقهاء فتبطل به الصلاة، ما دام أنه مؤلف
من حرف مفهم أو حرفين مطلقاً وإن لم يفهما أبطل الصلاة.
مع كونه إذا كان مؤلفاً من حرفين وإن لم
يفهما لا يسمى كلاماً عند النحاة، لو عكس لم قال: مل ولم ينوي به معنىً
حينئذٍ أقول: هذا ليس بكلام عند النحاة؛ لأنه مؤلف من حرفين، وإذا كان
مؤلفاً من حرفين ليس عندنا إسناد، وليس عندنا مسنداً، ولا مسنداً إليه
حينئذٍ انتفى عنه وصف الكلام عند النحاة.
وأما الكلام عند الأصوليين فهو اللفظ المنزل على محمد صلى الله عليه
وسلم للإعجاز بأقصر سورة منه المتعبد بتلاوته:
لفظ منزل على محمد ... لأجل الاعجاز وللتعبد
هذا خاص بالقرآن، إذاً: الكلام عند الأصوليين، ولذلك يقولون: الكتاب ..
يبدءون بأول الأدلة، ومراد به القرآن، هذا عند الأصوليين.
بقي الكلام عند أهل الكلام: وهو عبارة عن المعنى القديم القائم بنفسه
بذاته جل وعلا، وهذا قلنا أنه باطل.
إذاً: قوله: كلامنا، هل هو احتراز عن كلام الأصوليين، وكلام الفقهاء،
وكلام المتكلمين والمناطقة؟ نقول: لا، ليس للاحتراز، أتى بالإضافة وإن
كان مستغناً عنها بكون التأليف في النحو كما صرح به في الخطبة: مقاصد
النحو .. للإشارة إلى اختلاف الاصطلاحات لغةً واصطلاحاً، يعني: أهل
اللغة لهم كلام، هو إمام يتكلم بلسان العرب، إذاً: عندنا دائرة وهي: من
يتكلم في اللغة، وهؤلاء أهل لغة ونحاة .. لما قال: مقاصد النحو .. قد
يتكلم متكلم من أهل اللغة فيعرف الكلام في فن اللغة وليس في فن النحو،
حينئذٍ يكون الاحتراز هنا ليس عن فن مغاير كل المغايرة لعلم اللغة،
وإنما لذكر أن الكلام له معنىً في أصل اللغة، ثم جعل له حقيقةً عرفية
عند النحاة.
فالاحتراز هنا ليس عن مطلق الكلام في سائر الفنون، وإنما عن دائرة وإن
كانت ضيقة في فن اللغة على جهة العموم.
للإشارة إلى اختلاف الاصطلاحات لغةً واصطلاحاً، والكلام الآن في
الاصطلاحي لا في اللغوي، وفيه إشارة إلى أن المصنف من مجتهدي النحاة،
كلامنا .. أتى بـ: نا، الدالة على التعظيم، وهذا قد يستخدمه الكبير.
إذاً: كلامنا معاشر النحويين لفظ مفيد، يعني: ما اشتمل على جزأين ..
على أمرين اثنين، إن وجدا حكمنا عليه بأنه كلام عند النحاة، فإن انتفى
واحد منهما انتفت حقيقة الكلام عند النحاة، فضلاً عن انتفاء الركنين أو
الجزأين، وهما: اللفظ والإفادة، فما كان لفظاً مفيداً فهو كلام عند
النحاة، وما كان لفظاً غير مفيد بالفائدة المرادة عند النحاة فليس
بكلام اصطلاحاً، وما كان مفيداً فائدة تامة ولم يكن لفظاً، حينئذٍ ليس
بكلام عند النحاة.
وهل يكون مفيداً فائدة تامةً وليس بلفظ؟ نعم، يمكن قلنا: الإشارة،
معناها: قم هذه، أو اجلس، نقول: هذه استفاد منها معنىً تام، يعني:
فائدة تامة، لكنها ليست بلفظ، حينئذٍ لا بد من اجتماع الأمرين، الأول:
اللفظ والثاني: الإفادة.
قوله: لفظ، هذا مصدر: لفظ يلفظ لفظاً، لكنه من إطلاق المصدر وإرادة اسم
المفعول؛ لأن اللفظ هو التلفظ .. هو فعل الفاعل، كما أن التكلم هو فعل
الفاعل متكلم، والأثر الذي يكون بالمصدر هو المراد حده هنا، وهو
الكيفيات الحاصلة من فعل الفاعل.
لفظ، أي: ملفوظ، وهذا عند من يثبت المجاز
يعتبره مجازاً، من إطلاق المصدر وإرادة اسم المفعول، ولما كان حقيقةً
عرفيةً عندهم اغتفر دخول المجاز في مثل هذه الحدود وإلا الأصل فيه
المنع.
اللفظ له معنىً لغوي، ومعنىً اصطلاحي.
أما المعنى اللغوي: فهو يأتي بمعنى الطرح والرمي مطلقاً سواء كان من
الفم أو من غيره، من الفم مثل: أكلت التمرة ولفظت نواها، هذا بفهمه،
ومن غير الفهم: لفظت الرحى الدقيق، يعني: رمته وطرحته، إذاً: الطرح
والرمي هو معنى اللفظ، سواء كان من الفم أو من غيره.
وأما في الاصطلاح: فالمشهور تعريفه أنه صوت مشتمل على بعض الحروف
الهجائية، التي أولها الألف وآخرها الياء مهملاً كان أو مستعملاً،
فالصوت المراد به هنا: المصوت، يعني: ليس المراد به المعنى المصدري،
فصوت يستعمل مصدراً: لصات يصوت فيكون معناه: فعل الشخص الصائت، ويستعمل
بمعنى: الكيفية المسموعة الحاصلة من المصدر، وهو المراد .. يعني: أثر
المصدر، أثر المصدر.
عندنا تكلم وكلام، وعندنا تلفظ وملفوظ، التلفظ: هو حركة الفم، وهذا
يدرك بالبصر، لا يدرك بالسمع، والذي يدرك بالسمع هو الكلام، والذي يدرك
بالبصر هو فعل الكلام، يعني: المصنع الذي يخرج الكلام، هو الذي يدرك
بالبصر، وأما الذي يدرك بالسمع هذا أثر المصدر، هنا المراد به الصوت
ليس هو الكيفية التي تكون بإخراج الصوت، هذا فعل الصائت وليس هو
المراد، وإنما المراد الشيء المصوت الذي يلج الأذن.
إذاً: يستعمل مصدراً ويستعمل بمعنى الكيفية المسموعة الحاصلة من المصدر
وهو المراد هنا، والصوت عرض مسموع، والأحسن أن يقال: صفة مسموعة، فكل
ما يسمع هو صوت، الصوت: كل ما يسمع، والسمع: هو إدراك المسموعات.
ثم الصوت قد يكون خارجاً من الفم وقد لا يكون، ما لم يكن خارجاً من
الفم ليس داخلاً معنا، لو ضرب على اللوح مثلاً يسمعه هذا صوت، مدرك
بالسمع، لكنه ليس خارجاً من الفم، وما كان خارجاً من الفم إما أن يكون
معه حرف أو لا، صحيح! يمكن خروج الصوت من الفم وليس معه حرف؟! نعم،
يصفر .. الصفير هذا نقول: ليس .. هو صوت ولكن ليس معه حرف، هذا النوع
يسمى بالصوت الساذج الذي ليس معه حرف.
هنا قال: الصوت، فهو جنس، له عموم يشمل الصوت الذي معه حرف والصوت الذي
ليس معه حرف، وهو الصوت الساذج، فلو فرك أسنانه خرج صوت من فمه، هذا
صوت لكنه ليس معه حرف.
هنا قال: المشتمل على بعض الحروف: احترازاً عن الصوت الذي لم يشتمل على
شيء من الحروف، حينئذٍ خرج هذا النوع، المشتمل على بعض الحروف، يعني:
لا على كلها.
الحروف الهجائية: نسبةً إلى الهجاء وهو والتقطيع؛ لأن الهجاء به يعرف
تركيب الكلم، زيد مم تتألف هذه الكلمة؟ نقول: زه يه ده! الزاي: اسم
مسماه: زه، والياء، اسم مسماه: يه، حرف نفسه تنطق به مع هاء الكست،
الدال هكذا الدال هذا اسم ليس بحرف بدليل دخول أل عليه، وتقول: هذه
دالٌ بالتنوين، والتنوين من علامات الأسماء إذاً: ليس بحرف، كيف تقول:
إنه حرف، نقول: لا، دال والدال هذا اسم، مسماه: ده، المنطوق به في زيد.
إذاً: الهجاء هو التقطيع .. تقطيع الكلمة
من أجل معرفة أجزائها التي تألفت منها وهي الحروف، على بعض لا على كل،
الحروف الهجائية التي أولها الألف وآخرها الياء، مهملاً كان أو
مستعملاً، مهملاً كان أو مستعملاً، يعني: الصوت المشتمل على بعض الحروف
الهجائية قد يكون مهملاً، والمهمل اسم مفعول من: أهمل، أو: يهمل،
أَهْمَلَ أو أُهمِلَ يُهْمَلُ، أيهما المراد؟ أُهمِلَ يُهْمَلُ فهو
مُهْمَل، حينئذٍ نقول: المهمل: هو الذي لم تضعه العرب، يعني كما قلنا:
ديز مقلوب زيد.
والمستعمل: الذي استعملته العرب كزيد وجعفر وسماء وأرض وجبال ورياح
ونحو ذلك، إذاً: اللفظ جنس تحته قسمان: مهمل، ومستعمل، وحقيقة اللفظ:
هو الصوت المشتمل على بعض الحروف الهجائية التي أولها الألف وآخرها
الياء، ثم ذكر النوعين لأقسام اللفظ وهو المهمل والمستعمل.
حينئذٍ يرد إشكال: وهو أننا أخذنا اللفظ جنساً في حد الكلام، وقلنا: ما
تخلف عنه اللفظ، هذا الشرط وهذا القيد لا يسمى كلاماً .. ليس بكلام،
يرد معنا: قم، هذا كلام أو لا؟ كلام لا شك؛ لوجود الفائدة التامة،
والفائدة التامة تستلزم التركيب، وإذا كان كذلك: اسكن وقم، هل هذا مركب
أو لا؟ من فعل وفاعل، أين الفعل؟ قم، أين الفاعل؟ مستتر، هل هو ملفوظ
به؟ .. تخلف عنه اللفظ؟ تخلف عنه اللفظ، في الظاهر أنه تخلف عنه اللفظ،
قالوا: لا بد من إدخاله في الحد.
فنقول: المراد بالصوت هنا مطلق الصوت، فيشمل نوعين: الصوت المصوت
بالفعل حقيقة والإيجاد والنطق به.
والصوت المصوت بالقوة، ليشمل الضمائر المستترة واجبة الاستتار؛ لأنها
ليست ملفوظاً بها، ولكن العرب أرادتها معنىً وقصدتها قصداً بدليل ماذا؟
بدليل ثلاثة أمور:
أولاً: الإسناد إليها، أسندت إليها، اسكن: هذا طلب السكون، قم: هذا طلب
القيام، هو فعل وحدث، هل يتصور وجود حدث بدون محدث؟ الجواب: لا، إذاً:
هو مقصود من جهة المعنى.
ثانياً: أكدته، اسكن أنت: أنت: هذا إعرابه توكيد، توكيد لأي شيء، لشيء
عدم أو لشيء موجود؟ الثاني ولا شك، إذ العدم لا يؤكد؛ لأنه ليس بشيء،
فإذا كان ليس بشيء لا يمكن أن يكون قوله: أنت تأكيد له؛ لأنه عدم محض،
لكن لما كان له وجود حينئذٍ صح تأكيده.
الثالث: العطف عليه، اسكن أنت وزوجك، الواو: حرف عطف، وزوجك: معطوف على
الضمير المستتر، وليس على أنت، أنت: توكيد، وزوجك: هذا بالرفع، عطف على
الضمير المستتر، ثم هو مرفوع، وحكم المعطوف حكم المعطوف عليه، فحكمه
الرفع، إذاً قوله: الصوت يشمل النوعين، فيكون اللفظ له أفراد محققة
موجودة منطوق بها، وله أفراد مقدرة، وهذا المقدر المراد به الذي لا
يمكن النطق به .. يتعذر أن ينطق به، وإنما استعارت العرب له أنت ونحوه
من أجل تقريب المعنى والتدريب فقط، وليس المراد أنه مصور له من كل وجه،
واضح هذا؟
فاسكن أنت، نقول: أنت هذا تأكيد، وإذا قيل
في الإعراب، اسكن: فعل أمر والفاعل ضمير مستتر تقديره أنت، كيف تقديره
أنت وهو واجب الاستتار؟ نقول: هذا من باب التقريب والتدريب فحسب، وليس
المراد أنه قد برز بعد أن كان مستتراً واجب الاستتار، إذاً اللفظ له
أفراد محققة وله أفراد مقدرة، والمراد بالأفراد المقدرة هنا الضمائر
المستترة واجبة الاستتار.
وما حذف للعلم به، نقول: هذا داخل في المحققة، يجوز حذف المبتدأ أليس
كذلك؟ يجوز حذف المبتدأ، إذا علم، ويجوز حذف الخبر إذا علم، ويجوز حذف
الفعل إذا علم، حينئذٍ إذا حُذِفت هذه المذكورات من المبتدأ والخبر
والفعل، نقول: عدم ذكرها هل يجعلها من الأفراد المحققة أو المقدرة؟
المحققة، حينئذٍ المحققة تحتها فردان:
محقق منطوق به بالفعل، ومحقق غير منطوق به، لكنه منطوق به بالقوة.
لفظ مفيد: عرفنا معنى اللفظ وأنه جنس يشمل نوعين، وهو المهمل
والمستعمل، قوله: مفيد، هذا فصل أخرج به غير المفيد من اللفظ؛ لأن
اللفظ يشمل نوعين: مهمل ومستعمل، أخرج المهمل بقوله: مفيد، ثم المستعمل
على نوعين: مفرد ومركب.
ابن مالك رحمه الله تعالى جرى على اختيار حد الكلام بالمختصر، لفظ
مفيد، والتعريف الأولى أن يقال: الكلام هو اللفظ المركب المفيد
بالموضع، هذا تعريف ابن آجروم، وهو أخذه من تعريف ابن معطي في الفصول
الخمسون، وهذا أولى من الذي ذكره ابن مالك رحمه الله تعالى، ولذلك فهمه
فيه نوع صعوبة، الكلام: هو اللفظ المركب المفيد بالموضع، الاحترازات
منه واضحة بينة، ولكن لما أدخل المفيد في الحد ثم جعل الوضع الذي هو
المقصود داخلاً في المفيد على قوله، وأدخل المركب داخلاً في المفيد
حينئذٍ صعب الاحترازات، فلا بد أن يقال: لفظ، هذا يشمل أمرين: مهمل
ومستعمل، ثم المستعمل هذا يشمل أمرين: مفرداً وهو الكلمة، ومركباً.
المفرد: خرج بقوله مفيد؛ لأن المفيد المراد به ما أفاد فائدةً يحسن
السكوت عليها من المتكلم كما سيأتي، فحينئذٍ نقول: هل المفرد لوحده ..
الكلمة: زيد، وإلى، وقال، هل هذه لوحدها تفيد فائدةً يحسن السكوت عليها
من المتكلم؟ الجواب: لا، إذاً خرجت بقوله: مفيد.
ماذا بقي؟ بقي معنا المركب، والمركب أنواع: منه مركب إضافي كعبد الله،
ومنه مركب مزجي بعلبك، وحضرموت، ومنه مركب توصيفي تقييدي كالإنسان
حيوان ناطق مثلاً، ومنه مركب إسنادي.
قولنا، مفيد: أخرج المركب الإضافي؛ لأنه غير مفيد فائدة تامة، وقولنا
مفيد: أخرج المركب التوصيفي؛ لأنه غير مفيد فائدة تامة، وأخرج كذلك
المركب المزجي كبعلبك فإنه غير مفيد فائدة تامة، بقي ماذا؟ المركب
الإسنادي، المركب الإسنادي هذا نسبة إلى الإسناد، والإسناد: هو نسبة
حكم إلى اسم إيجاباً أو سلباً، نسبة حكم إلى اسم، يعني: إضافة .. إضافة
حكم إلى اسم، والمراد به هنا في باب النحو: نسبة حكم الذي هو الفعل أو
الخبر إلى اسم، المراد به المبتدأ أو الفاعل إيجاباً إثباتاً أو نفياً،
زيد قائم .. قام زيد، هذا فيه إثبات معنى القيام ومضمون الخبر الذي هو
القيام لزيد، ومثله: قام زيد، هذا نسميه ماذا؟ نسميه إسناداً.
المركب الإسنادي على ثلاثة أنواع: مركب
إسنادي مسمىً به كتأبط شراً، وشاب قرناها، هذا في الأصل قبل جعله علماً
هو مركب من فعل وفاعل، تأبط: هذا فعل ماضي، والفاعل ضمير مستتر جوازاً
تقديره هو، وشراً: مفعول به، هذا قبل جعله علماً، ثم لما جعل علماً
حينئذٍ خرج عن أصله وهو الإفادة فائدة تامة، وصارت فائدته جزئية.
النوع الثاني: مركب إسنادي مقصود لذاته، بمعنى: أنه ركب من فعل وفاعل
ومبتدأ وخبر، وأريد به الدلالة التامة الظاهرة من لفظه، قام زيد هذا
أريد به ماذا؟ أريد به إثبات القيام لزيد في الزمن الماضي، زيد قائم،
فيه إثبات القيام لزيد دون تقييد بزمن، نقول: هذا مركب إسنادي مقصود
لذاته.
النوع الثالث: مركب إسنادي مقصود لغيره، يعني: لم يقصد لذاته وإنما جعل
متمماً لغيره في إفادة المعنى، وهذا سبعة أنواع: جملة الخبر، وجملة
الصفة، وجملة الصلة، وجملة الحال، وجملة الجواب .. جواب الشرط، وجملة
الشرط، وجملة القسم، هذه سبعة بالتتبع والاستقراء يراد بها: إفادة
الجملة التي جعلت جزءاً منها تقول: زيد قام أبوه، زيد: مبتدأ، وقام
أبوه: فعل وفعال، هل هو مركب إسنادي؟ نقول: نعم مركب إسنادي، هل مقصود
لذاته في إفادة الخبر، أو أنه مقصود لغيره بمعنى: أنه متمم لجملة جعل
جزء جملة؟ الثاني، هل هذا يسمى كلاماً في اصطلاح النحاة؟ الجواب: لا،
هل المركب الإسنادي المسمى به يسمى كلاماً في اصطلاح النحاة؟ الجواب:
لا.
إذاً: ماذا بقي معنا؟ المركب الإسنادي المقصود لذاته، فحينئذٍ قوله:
مفيد، ماذا أخرج؟ أخرج المهمل، وأخرج المفرد، وأخرج المركب الإضافي
والمركب المزجي والتوصيفي، والإسنادي المسمى به، والإسنادي المقصود
لغيره، هذه كم؟ سبعة، أخرجها بقوله: مفيد، ومفيد أصل وزنه: مُفْيِدْ
يعني: على وزن مُفْعِلْ، أكرم يكرم فهو مكرم، فهو اسم فاعل، من أفاد
الرباعي، أصله: مفيد، يعني: بكسر الياء، استثقلت الكسرة على الياء
فنقلت إلى ما قبله فصار: مُفِيد، ومفيد قلنا: من أفاد الرباعي، مأخوذ
من الفيد وهو: استحداث المال والخير، والمراد به هنا: مصطلح خاص عن
النحاة وهو إذا أطلقت الإفادة فالمراد بها الفائدة التي يحسن السكوت
عليها من المتكلم، وقيل: من السامع، وقيل: منهما، والأول أصح أنه من
المتكلم، لماذا؟
قالوا: لأن الكلام صفة له، هذا حق هو الذي
يتكلم، ثم إذا سكت وحصلت الفائدة لا يسكت السامع وإنما يسكت المتكلم،
هو الذي أدرى بما يقول، فكما أن الكلام صفة له فكذلك السكوت يكون صفةً
له، هذه الفائدة إذا أطلقت عند النحاة انصرفت إلى هذا المعنى، فإذا
قيل: لفظ مفيد، معناه: مفيد فائدةً تامة بحيث يحسن السكوت عليها من
المتكلم، لا يصير السامع منتظراً لشيء آخر انتظاراً تاماً، بمعنى: أنه
يوجد التركيب الإسنادي الفعل مع فاعله والمبتدأ مع خبره، إذا وجد الفعل
مع الفاعل والمبتدأ مع الخبر حينئذٍ وجد أصل الكلام، وما زاد على ذلك
من الفضلات والمفعولات والأحوال والتمييز هذا ليس داخلاً في حد الكلام
من حيث الوجود، ولذلك قيل: انتظاراً تاماً احترازاً عن الانتظار الناقص
ليشمل الفعل المتعدي إذا ذكر فاعله ولم يذكر مفعوله، لو قال: قام زيٌد،
قام: فعل ماضي، وزيٌد: فاعله، إذاً إذا قلت: قام زيد، وسكت أنت فهمت من
هذا ماذا؟ أن قام فعل ماضي وهو لازم لا يتعدى إلى مفعول وزيد هو المتصف
بالقيام، وأن هذا القيام وقع في الزمن الماضي.
وإذا قلت: ضرب زيدٌ، هذا فعل متعد، فإذا قلت: ضرب زيدٌ علمت أن الضرب
قد وقع من زيد، وأنه فاعل الضرب، وأن هذا الضرب قد وقع في الزمن
الماضي، لكن وقع على من؟ هل هناك انتظار أم لا؟ هناك انتظار لكنه
انتظار ناقص، هل عدم ذكر المفعول به يكون نقضاً لأصل الكلام؟ لا.
الفائدة التامة حصلت بقولنا: ضرب زيٌد حصلت أو لا؟ نقول: نعم حصلت؛ لأن
الفائدة التامة المراد بها وجود المسند والمسند إليه بقطع النظر عن
المتعلقات، فلو كان هذا الفعل يتعلق به ظرف زمان أو ظرف مكان أو جار
ومجرور، حينئذٍ نقول: هذه لا أثر لها في الحكم على اللفظ وعلى التركيب
بأنه مفيد فائدةً تامة، بل هو مفيد فائدة تامة، ولو كان منتظراً
المتكلم أو السامع لشيء آخر، هل له أثر؟ نقول: ليس له أثر، إذاً:
المراد بالمركب الإسنادي هنا: المركب الإسنادي المقصود لذاته، وهذا
إنما يحصل بماذا؟ بوجود المسند والمسند إليه، بقطع النظر عن المتعلقات
التي تتعلق بالمسند أو بالمسند إليه.
إن وجد الفعل مع فاعله ووجد المبتدأ مع خبره، حينئذٍ نقول: وجدت
الفائدة التامة، لفظ مفيد، هل يشترط في الكلام أن يكون مركباً؟ قلنا:
يشترط باتفاق النحاة، لماذا لم ينص عليه الناظم هنا كما نص عليه غيره؟
قالوا: نحن اشترطنا الفائدة التامة، وهذه الفائدة التامة يتعذر وجودها
دون تركيب، إذاً: هذا القيد وهذا الشرط الذي هو التركيب موجود في الحد
ضمناً، وقيل: استلزاماً، وإذا كان استلزاماً حينئذٍ اعترض عليه بأن
دلالة الالتزام مهجورة في الحدود والتعاريف، ودلالة الالتزام هي دلالة
اللفظ على مسماه، أو على خارج عن مسماه لازم له لزوماً ذهنياً؛ لأن
المفيد المراد به ما أفاد فائدةً، وهذا لا يلزم منه أن يكون التركيب
داخلاً في مسماه بل هو شيء خارج عنه.
إن منعنا دلالة الالتزام حينئذٍ توجه النقد
إلى هذا الحد بعدم ذكر التركيب، ولذلك نقول: الأولى ألا يُدل على شيء
في الحدود بدلالة التزام، لماذا؟ لأن دلالة الالتزام مهجورة في الحدود،
والحدود إنما جيء بها من أجل إيضاح الماهية؟ يعني: الماهية التي سئل
عنها وأراد الشارح أو المعرف أو الذي يحل .. إذا أراد أن يشرح الماهية
حينئذٍ لا بد أن يذكر أركانها التي يتألف منها، وهنا يتألف من التركيب
كما أنه يتألف من اللفظ ومن الإفادة، فلا بد أن يذكر وينص التركيب عليه
لفظاً، ولا يكفي أن يحيل عليه بدلالة الالتزام، ولذلك الأولى ما ذكرناه
سابقاً أن يقال بالبسط لا بالاختصار، الكلام: هو اللفظ المركب المفيد
بالوضع.
قوله: بالوضع، لم يذكره ابن مالك رحمه الله تعالى، قيل: المفيد
يستلزمه، لماذا؟ قالوا: لأنه لا يحسن السكوت من المتكلم على كلام إلا
إذا كان قاصداً له، وهذا إذا فسرنا الوضع بمعنى القصد كما سيأتي وهو
ضعيف، والصواب: أن يفسر الوضع في الحدود حد الكلام بالوضع العربي،
يعني: أن يكون منطوقاً بلفظ عربي، احترازاً عن غيره من اللغات
الأجنبية، فإن تكلم بلغة ليست عربية فليس بكلام عند النحاة، وإذا
اشترطنا القصد حينئذٍ دخل معنا كلام البربر وغيره، وخرج عنا يعني: عن
الحد، كلام الساهي والنائم والمجنون ومن جرى على لسانه ما لا يقصده،
فهؤلاء هل إذا تكلموا بلفظ مفيد: قام قائم من نومه، وقال لزيد علي ألف،
هل هو كلام أم لا؟ هو نائم .. !
نقول: إذا اشترطنا القصد ليس بكلام؛ لأنه لم يقصد .. لم يقصد الذي
قاله، إن لم نشترط القصد حينئذٍ قلنا هذا لفظ مفيد مركب وهو بالوضع
العربي، وعليه على الصحيح أنه لا يشترط القصد وإنما المراد أن يكون
موضوعاً بالوضع العربي، يعني: باللسان العربي .. تكون الكلمات عربية،
يصير كلام النائم كلاماً أو لا؟ ما نطق به النائم يصير كلاماً على
الصحيح.
بعضهم نفى أن يكون كلاماً، لماذا؟ قال: لأنه إذا قال لزوجته وهو نائم:
أنت طالق تطلق أو لا؟ لا تطلق، فيه خلاف؟ ليس فيه خلاف، هل عدم طلاق
زوجته لكون كلامه أو ما نطق به ليس كلاماً عربياً أو لشيء خارج عنه؟
لشيء خارج عنه، وهو أن النائم رفع عنه قلم التكليف، فحينئذٍ الخلاف لا
ارتباط له بالأحكام الشرعية، نحن نتكلم في اللغات ولا نتكلم في
الشرعيات، فإذا ثبت أنه كلام عربي حينئذٍ انتفاء ترتيب الأحكام الشرعية
عليه ليس لكونه ليس كلاماً، وإنما لأمر خارج عنه، ولذلك جاء الحديث:
{رفع القلم عن ثلاثة} وذكر منهم: عن النائم حتى يستيقظ.
إذاً: لفظ مفيد، هذا حد الكلام عند المصنف، لم يذكر التركيب ولم يذكر
القصد، لماذا؟ قيل: لأن التركيب داخل في قوله: المفيد ضمناً بدلالة
التضمن، وهذا ضعيف جداً، وقيل: لأنه دل عليه بدلالة الالتزام وهي ضعيفة
أيضاً، وكذلك القصد، قيل: المراد بالمفيد أن يكون مقصوداً، يعني: يقصده
بقلبه ينويه، فحينئٍذ المفيد دل عليه، والصواب: أنه لا يدل عليه، بل
المراد بالمفيد: ما أفاد فائدةً يحسن السكوت عليها.
كاستقم: هل هذا مثال أو تتميم للحد؟ محل
خلاف عند الشراح؛ لأنه ترك التركيب، فقال بعضهم: نص عليه بقوله:
كاستقم، استقم: هذا مركب من فعل وفاعل، إذاً: لم يترك المركب بل دل
عليه بقوله: كاستقم، وقال بعضهم: لا، بل المراد بقوله: كاستقم: أن يكون
الكلام موضوعاً، أي: مقصوداً كقصد المتكلم لقوله: استقم، حينئذٍ اشترط
شرط القصد، ما المراد ب: كاستقم، هل المراد به اشتراط التركيب، أم
اشتراط القصد؟ هذا محل نزاع بين الشراح.
أو يكون المراد بقوله: كاستقم: تمثيلاً فقط وليس متمماً للحد، كونه
تمثيلاً لا إشكال فيه، كونه تمثيلاً للكلام المفيد لا إشكال فيه، ولكن
هل مع التمثيل زيادة إتمام للحد أو لا؟ هذا محل نزاع، ابنه .. الشارح
قال: تمم الحد بقوله: كاستقم، وأراد به القصد .. أراد به الوضع الذي هو
التركيب.
والسيوطي رحمه الله قال: بل المراد به اشتراط القصد، وأولى القولين أن
يقال: بأنه متمم للحد، وهل اشترط به القصد أم التركيب؟ الظاهر والله
أعلم أنه أراد به التركيب؛ لأن قوله: كاستقم، هذا لفظ مؤلف .. هذا كلام
مؤلف من لفظين، الأول قوله: استقم، والثاني: الضمير المستتر وجوباً
فيه، فحينئذٍ تركب من كلمتين، ولذلك قال: وما يتألف منه، أراد أن يشير
إلى أن الكلام يتألف من كلمتين، أقل ما يتألف منه الكلام اسم وفعل، أو
اسمين .. أقل ما يتألف منه الكلام إما اسم واسم، مبتدأ وخبر، أو: اسم
وفعل، فعل وفاعله أو نائب الفاعل.
قوله: كاستقم أشار إلى هذا المعنى، حينئذٍ يكون المراد به أنه مركب،
وليس المراد به أنه مقصود، وإن كان ابن مالك يشترط ذلك فيما سيأتي: ...
كَلامُنَا لَفْظٌ مُفِيدٌ كاسْتَقِمْ ... وَاسْمٌ وَفِعْلٌ ثُمَّ
حَرْفٌ الْكَلِمْ
نقف على هذا والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه
أجمعين ... !!!
|