شرح ألفية ابن مالك للحازمي

عناصر الدرس
* شرح الترجمة (العلم) ـ
* أقسام العلم من حيث التسمية
* أقسام العلم من حيث (الوضع وغيره) ـ

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
سبق البيت الأخير الذي ذكرناه في المعرفة والنكرة:
وَفِي لَدُنِّي لَدُنِي قَلَّ وَفِي ... قَدْنِي وَقَطْنِي ....

قلنا: قد وقط اسم بمعنى حسب، وسبق أنها (اسم فعل) ليس بصحيح، الصواب أنها اسم بمعنى حسبي، قدني أي: حسبي، وقطني أي: حسبي.
وأما التي بمعنى يكفي فهذه يجب اتصالها؛ لأنه سبق أن ياء المتكلم إذا نصبت باسم الفعل أنه يجب اتصال نون الوقاية بها، وقط وقد هذه تأتي اسمان بمعنى حسب، ويأتيان بمعنى اسم الفعل يكفي، إذا كانت بمعنى اسم الفعل يكفي فحينئذ تلزمها نون الوقاية.
وأما إذا كانت بمعنى فحسب، فحينئذ يجوز فيها الوجهان، والأكثر اتصال نون الوقاية بها وقليل حذفها.
ثم قال الناظم رحمه الله تعالى: العلم، (هذا باب العلم) بعد أن انتهى من كلامه على النكرة والمعرفة، وقدم الضمير لأنه هو أعرف المعارف، ومضمر أعرفها ثم العلم،
العلم يأتي في الرتبة الثانية.
العلم أي: هذا باب العلم، إعرابه واضح كما سبق بيانه.
والعلم في لسان العرب: لفظ مشترك يطلق على عدة معان، منها: الجبل، قال الله تعالى: ((وَلَهُ الْجَوَارِ الْمُنشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالأَعْلامِ)) [الرحمن:24] يعني: كالجبال.
وقالت الخنساء ترثي أخاها صخراً:
وَإِنَّ صَخراً لتَأْتَمُّ الهُداةُ بِهِ ... كَأَنَّه عَلَمٌ فِي رَأْسهِ نَار

كأنه جبل.
ومنها من المعاني: الراية التي تجعل شعاراً للجند ونحوه.
ومنها: العلامة، وهذا هو المعنى الأنسب لاشتقاق العلم للشخص المعين أو الذي يعين مسماه، لأنهم يقولون: إنه علامة على مسماه. زيد نقول: هذا لفظ أطلق وأريد به مسماه، إذاً عيَّن مسماه، فهو علامة عليه. وإذا كان كذلك حينئذ الأنسب أن يكون مشتقاً من العلم بمعنى العلامة.
العلم في اصطلاح النحاة ينقسم إلى قسمين: علم شخص وعلم جنس، والمصنف رحمه الله تعالى يرى أن علم الشخص مغاير لعلم الجنس، وحينئذ عَّرف لنا أولاً بما يختص بعلم الشخص، ولا يدخل تحته علم الجنس. وبدليل قوله:
وَوَضَعُوا لِبَعْضِ الأجْنَاسِ عَلَمْ
إذاً قوله:
اسْمٌ يُعَيِّنُ المُسَمَّى مُطْلَقاً عَلَمُهُ
مع قوله:
وَوَضَعُوا لِبَعْضِ الأجْنَاسِ عَلَمْ
يدل على أنه لا يرى دخول علم الجنس تحت علم الشخص، يعني لا يمكن أن يجمعهما تعريف واحد.
العلم؛ قال:
اسْمٌ يُعَيِّنُ المُسَمَّى مُطْلَقاً عَلَمُهُ
عَلَمُهُ: الضمير هنا يعود على المسمى، أي: علم المسمى: اسم يعين المسمى مطلقاً.
عَلَمُهُ: هذا مبتدأ مؤخر.
واسْمٌ: هذا خبر مقدم.
ويُعَيِّنُ المُسَمَّى: هذا فصل أو صفة في محل رفع.
ومُطْلَقاً: هذا حال من فاعل يعين مستتم، يعيِّن المسمى تعييناً مطلقاً.


عَلَمُهُ: هذا قلنا: مبتدأ مؤخر، هذا أنسب من أن يجعل اسم مبتدأ وعلمه خبره، لماذا؟ لأن العلم هو المحدود، وإذا كان كذلك حينئذ كان الأنسب أن يكون مبتدأً والحد يكون خبراً، ولذلك الأصل، -هل الأصل أن يقدم المحدود على الحد أو بالعكس؟ - هل نقول: القول المفرد كلمة أو الكلمة قول مفرد؟ هذا فيه نزاع، والصواب أنه يقدم المحدود الذي هو لفظ كلمة ثم يؤتى بالحد، لماذا؟ لأننا نريد أن نكشف حقيقة الكلمة. إذا قيل: ما الكلمة؟ قلنا: الكلمة هي التي نريد أن نكشف حقيقتها، وهي التي نريد أن نخبر عنها بالحد، فنقول: الكلمة: قول مفرد. علم المسمى: اسم يعين المسمى مطلقاً، إذاً علم هذا الأصل أن يكون مبتدأً وأن يكون محكوماً عليه.
وكونه مؤخراً هنا في اللفظ في تركيب البيت هذا لضرورة النظم، وإلا الأصل: علم المسمى اسْمٌ يُعَيِّنُ المُسَمَّى مُطْلَقاً، هذا أولى، بل قد يتعين عند بعضهم، خاصة قوله: اسم، هذا نكرة في الأصل وإن وصف، إلا أن قوله: علمه، معرفة بالإضافة إلى الضمير، فيكون هو الأولى بجعله مبتدأً، فإذا دار الأمر بجواز أمرين أن يجعل أحد اللفظين مبتدأ والآخر نكرة حينئذ الأعرف هو الذي يجعل مبتدأ.
إذاً: علمه أعرف من قوله: اسم يعين، إذاً هو أولى بأن يكون مبتدأ.
ثانياً: علمه محدود، والمحدود أولى أن يجعل مبتدأ.
علم: اسم يعين المسمى، هذا أولى مما ذكره المعرب ..... اسْمٌ يُعَيِّنُ المُسَمَّى
اسْمٌ: هذا جنس، جنس يشمل ماذا؟ يشمل النكرة والمعرفة، لأننا في مقام الحديث عن الاسم باعتبار تقسيمه إلى نكرة ومعرفة، ولا زال الحديث في باب النكرة والمعرفة، هذا هو الأصل، وإنما عقد فصلاً أو باباً لبيان العلم؛ لأن كلاً من هذه المعارف الستة تحتاج إلى تفصيل، فالأنسب أن يفصل بعضها عن بعض بهذه التبويبات، وإلا الأصل أن الحديث لا زال في باب المعارف.
اسْمٌ: إذاً اسم هذا يشمل النكرة والمعرفة، ودخلت النكرة في حد العلم، أراد أن يخرج النكرة فقال: يعين المسمى، يعين المسمى: هذا فصل أخرج به النكرة، ودخل معنا جميع المعارف؛ لأن المعارف كلها تدل على معناها، على مسماها، ولذلك المعرفة: لفظ أو ما وضع ليستعمل في معين. كل المعارف كاسمها معارف، يعني وضعت في أصل وضعها في لسان العرب من أجل أن تعين وأن تحدد المسمى الذي يراد من إطلاق هذا اللفظ، ولكن يبقى أن كلاً من هذه المعارف بعضها يعين مسماه بقرينة وبعضها يعين مسماه بلا قرينة.
المعارف وضعت لتستعمل في معين، إذاً تدل على معين، ثم دلالتها سواء كان ضميراً أو علماً أو اسم إشارة أو موصولاً أو محلىً بـ (أل) أو مضافاً قد تدل على المسمى إما بقرينة أو بلا قرينة.
ما دل على المسمى بلا قرينة نقول: هذا هو المراد بالعلم، هذا المراد بالعلم.


اسْمٌ يُعَيِّنُ المُسَمَّى مُطْلَقاً: أي بدون قرينة من ذات اللفظ، حسب ذات اللفظ، وأخرج سائر المعارف بقوله: مطلقاً، وحينئذ كل معرفة ليست علماً إنما تدل على المسمى بواسطة، وهذه الواسطة تسمى قرينة: إما الحس، وإما اللفظ، وإما المعنى. إما قرينة لفظية، وإما قرينة معنوية، وإما قرينة حسية. قرينة لفظية مثل المحلى بـ (أل) نقول: رجل، الرجل، الرجل دل على مسمى معين، اسْمٌ يُعَيِّنُ المُسَمَّى، الغلام، المسجد، الفرس، هذه كلها أسماء عينت المسمى، لكن بماذا؟ بواسطة (أل)، إذاً: هذه قرينة لفظية.
غلام زيد، عين المسمى لكن تعيينه للمسمى بواسطة هنا بقرينة، ليس بذات اللفظ، وإنما بقرينة الإضافة، وهي قرينة لفظية.
إذاً: المحلى بـ (أل) والمضاف إلى المعرفة نقول: هذا عيَّن مسماه بقرينة لفظية. أما القرينة المعنوية فهذه خاصة بالضمير؛ لأن الضمير إنما يعرف ويعين مسماه، إن كان ضمير متكلم فبقرينة التكلم، وإن كان بضمير خطاب فالخطاب قرينة دالة وهي معنوية، إن كان بضمير الغيبة وحينئذ نقول: الغيبة هي القرينة المعنوية.
ثالثاً: القرينة الحسية، هذه خاصة بأسماء الإشارة، وحينئذ أسماء الإشارة كما سيأتي في حدها: ما وضع لمسمىً وإشارة إليه، فالإشارة الحسية باليد مثلاً هذه داخلة في ما وضع له في لسان العرب، ولذلك إذا قلت: هذا زيد، ما يعرف زيد، لو كان عندنا أشخاص ولا تعرفهم قلت: هذا زيد ولم أشر إليه بيدي تعرفونه؟ لو قلت: هذا عبد الله، ما تعرفون، مع أن هذا اسم إشارة وهو معرفة ويعين المسمى، لكن لما لم تحصل معه الإشارة التي وضعت لفظة هذا شاملة لتعيين المسمى مع الإشارة الحسية، -لما لم يكمل الجزء الثاني- لم يكن معرفاً، لكن لو قلت: هذا عبد الله بالإشارة، فحينئذ صار معرفة، بذاته أم بقرينة خارجية؟ بقرينة خارجية. لفظية أو معنوية أو حسية؟ حسية، بقرينة حسية. بقي الموصول -هذا على خلاف فيه-، هل التعريف فيه بـ (أل) أو بالصلة؟ على خلاف، سواء قلنا بـ (أل) أو قلنا بالصلة حينئذ يكون داخلاً في القرينة اللفظية.
اسْمٌ يُعَيِّنُ: قلنا: هذا فصل مخرج للنكرات، كرجل وفرس؛ فإنها لا تعيين فيها أصلاً مطلقاً، أي: مجرداً عن القرائن الخارجية -عن ذات الاسم-، مطلقاً أي: مجرداً عن القرائن الخارجية.
قلنا: هذه المعارف كلها إما أن تدل على المسمى بقرينة أو لا، كلها تدل على المسمى بقرينة إلا واحد، وهو العلم.
إذاً قوله: مطلقاً أخرج الضمير؛ لأنه يدل أو يعين مسمى لا مطلقاً، بل بقرينة معنوية وهي التكلم والخطاب والغيبة، أخرج اسم الإشارة، قوله: مطلقاً أخرج اسم الإشارة؛ لأنه يعين المسمى لكن مع قرينة حسية وهي الإشارة إليه، أخرج الموصول؛ لأنه يعين المسمى، لكن بقرينة لا مطلقاً وهو الصلة أو (أل) على الخلاف، أخرج المحلى بـ (أل) لأنه اسم يعين المسمى، لكن لا مطلقاً وإنما بقرينة وهي (أل)، كذلك المضاف، ماذا بقي؟ بقي نوع واحد وهو العلم، حينئذ صدق هذا الحد على العلم كزيد، فهو يدل ويعين مسمى مطلقاً بدون قرينة لا لفظية ولا معنوية ولا حسية.
اسْمٌ: هذا جنس يشمل النكرة والمعرفة.


يُعَيِّنُ المُسَمَّى: الجملة في محل رفع صفة لاسم. قلنا: أخرج النكرات، بقي سائر المعارف، نريد أن نخرج سائر المعارف حتى يبقى معنا العلم ليختص به الحد فيكون جامعاً مانعاً، نظرنا فإذا المعارف تدل على المسمى إما بقرينة أو لا، الثاني العلم فقلنا: مطلقاً، أي: مجرداً عن القرائن عن ذا الخارجية عن ذات الاسم.
عَلَمُهُ: هذا خبر، أو مبتدأ، والأولى أن يكون مبتدأً.
إذاً: يعين المسمى قلنا: خرج به النكرات كرجل وفرس، فإنها لا تعيين فيها أصلاً، وشمس وقمر، إذا قيل: شمس نكرة أو معرفة؟ نكرة، لماذا؟ ... نَكِرَةٌ قَابِلُ أَلْ مُؤَثِّرَا
وحينئذ أفادت التعريف، شمس نقول: هذا نكرة ولذلك يعامل معاملة النكرات، لكن من جهة المسمى هل مسماه معين أو لا؟ معين. قمر: معين، هذا التعيين هل هو في أصل الوضع أم أنه طارئ؟ طارئ، عرفنا الجواب.
إذاً شمس وقمر نقول: هذا يعين المسمى، فإنهما وإن عينا فردين لكن ذلك التعيين لأمر عارض بعد الوضع، وإلا يصدق عليه حد النكرة، ما شاع في جنس موجود أو مقدر، شاع في جنس موجود يعني: في أفراد جنس موجود، -له وجود، له آحاد، له أفراد- كرجل، رجل هذا يطلق على كل ذكر بالغ عاقل من بني آدم، لا نحتاج إلى عاقل. كل ذكر من بني آدم بالغ يطلق عليه أنه رجل، له آحاد؟ له آحاد، هذا الأصل. زيد رجل، عمرو رجل، خالد رجل .. إلى آخره. إذاً: له أفراد وله آحاد وله جنس، قدر مشترك بينهم، حينئذ زيد وخالد ومحمد كل منهما رجل، وهو قدر مشترك بين ثلاثة، لكن شمس نقول: هذا في أصل وضعه، وضع لكل، اسم لكل كوكب نهاري ينسخ ظهوره وجود الليل-هكذا قيل- حينئذ الأصل أن يكون له أفراد، لكن لما لم يوجد في الخارج إلا فرد، حينئذ تعين مسماه لا باعتبار أصل وضعه، وإلا لو وجد شمس أخرى ووجد ثانية وثالثة كل منهما سمي شمساً أو سميت شمساً، وحينئذ الكوكب النهاري -الذي وصفه وصف الشمس الفرد المعين- لو وجد نظير له حينئذ سمي شمساً، وثالثاً ورابعاً .. كرجل، لكن لما لم يوجد إلا شمس واحدة حينئذ تعين باعتبار عدم وجود فرد آخر لا باعتبار أصل وضعه، وإلا فهو صالح لكل كوكب نهاري ينسخ ظهوره وجود الليل، فحينئذ نحكم على كلمة شمس أنها نكرة، ولا نقول: إنها علم، مع كون حد العلم قد يصدق عليها، اسْمٌ يُعَيِّنُ المُسَمَّى، فإذا قلت: شمس عيَّن المسمى، قمر عين المسمى، لكن نقول: تعيين المسمى هنا طارئ عارض، والعبرة بالأصول في أصل الوضع لا بما عرض لها.
لأمر عارض بعد الوضع، وهو عدم وجود غيرهما من أفراد المسمى، وأما بحسب الوضع فلا تعيين فيهما، إذاً خرج بقوله: يُعَيِّنُ المُسَمَّى شمس وقمر؛ لأنهما وإن عيَّنا فإنما كان التعيين باعتبار أمر عارض لا باعتبار أصل الوضع.
ودخل نحو زيد مسمىً به جماعة، زيد وزيد وزيد، نقول: جاء زيد، قد لا يعرف من زيد هذا، ما عين المسمى، أليس كذلك؟ لو عندك محمد ومحمد، قلت: جاءني محمد، محمد من هذا؟ هل عيَّن المسمى؟ ما عين المسمى، لماذا؟ لكونه مشتركاً بين أفراده. هل هو داخل في حد العلم أم لا؟ نقول: نعم، داخل.


ودخل: نحو زيد مسمىً به جماعة، فإنه باعتبار كل وضع يعين مسماه، والشيوع إنما جاء من تعدد الأوضاع وهو أمر عارض، الأصل زيد وزيد وزيد، هذا اسمه زيد وهذا اسمه زيد وهذا اسمه زيد، هل الوضع واحد أو متعدد؟ متعدد، كل لفظ من هذه الألفاظ موضوع لذات مشخصة بالخارج، ثم وضع وضعاً ثانوياً لفظ زيد ليعين مسماه ثم زيد ثم زيد، لو وجد عندنا مائة كلهم اسمهم زيد نقول: هؤلاء ألفاظهم وضعت مرة واحدة أو مائة مرة؟ مائة مرة، لماذا؟ لأننا لو قلنا الوضع متحد فحينئذ صار اللفظ مشتركاً من حيث الوضع ومن حيث المعنى، فحينئذ لا يعين المسمى إلا بقرينة، فلا يصدق عليه حد العلم، وإنما نقول: الوضع متعدد، فكل لفظ من هذه الألفاظ التي اشترك جماعة في الاسم حينئذ كل لفظ من هذه الألفاظ وضع وضعاً مستقلاً عن الآخر، إذاً لا اشتراك، فدخل في قوله: يُعَيِّنُ المُسَمَّى.
ولا يخرج بقوله: مطلقاً؛ لأنه وإن احتاج إلى قرينة في تعيين مسماه من وصف أو إضافة أو نحوهما، لكن ذلك الاحتياج عارض لا بالنسبة إلى أصل الوضع كبقية المعارف، يعني إذا قيل: زيد يعين المسمى، هو مشترك بينه وبين غيره، قلنا: الوضع متعدد، مطلقاً أخرج ما عين المسمى بقرينة، فإذا قلت: جاءني زيد أو محمد وله متعدد حينئذ نحتاج إلى قرينة حتى نميز من الذي جاء، صار كالمحلى بـ (أل) وكالضمير وغيره.
هل يخرج بقوله مطلقاً؟ نقول: لا. لماذا؟ لأن الاحتياج هنا إلى قرينة عارض وليس في أصل الوضع كما هو في المحلى بـ (أل) أو الموصول ونحو ذلك.
اسْمٌ يُعَيِّنُ المُسَمَّى مُطْلَقَاً ... عَلَمُهُ كَجَعَفَرٍ وَخِرْنِقَا

قال السيوطي: العلم ما وضع لمعين لا يتناول غيره البتة، يعني: يشخصه، وحينئذ إذا شخصه لا يحتمل إلا مسماه، فإذا قيل: جاء زيد لا يحتمل إلا واحد شخصاً واحداً، واحتماله لآخر نقول: هذا أمر عارض والأصل فيه التقعيد بأصل الوضع، فخرج بالمعين النكرات، وبما بعده سائر المعارف، فإن الضمير صالح لكل متكلم ومخاطب وغائب، وليس موضوعاً لأن يستعمل في معين خاص بحيث لا يستعمل في غيره، لكن إذا استعمل صار جزئياً، وهذه المعارف بعضهم يرى أنها كلية الوضع جزئية الاستعمال، يعني (أنا) لفظ (أنا) ضمير نقول: هو معرفة وضع ليستعمل في معين، لكن في أصل الوضع إذا قلت: أنا، اختص بي دون غيري أم لغيري أن يستعمله فيقول: أنا؟ منذ أن وضع لفظ (أنا) والأمم كلها تستعملها، أنا أنا أنا، أنت، هو، هي، أنتما، الضمائر كلها على هذا النمط، فحينئذ من حيث أصل الوضع وضع كلياً بحيث يدخل تحته أفراد لا حصر لهم، وهذا الذي يسمى الكلي عند المناطقة، ما لا يمنع العقل من تصوره وقوع الشركة فيه،
فَمُفْهِمُ اشْتِراكٍ الكُلِّيُّ.


إذاً: هذا أفهم اشتراك من حيث أصل الوضع، ولكن إذا استعمل بالفعل حينئذ صار جزئياً لا يحتمل غيره، ألا نقول: الضمير يعين المسمى؟ عين المسمى، طيب في أصل وضعه نقول: هو صالح لكل متكلم، كل متكلم أراد أن يتكلم عن نفسه فليقل: أنا، والجماعة يقولون: نحن، إذاً ليس خاصاً بزيد وليس خاص بعمرو وليس خاص بجماعة كذا ولا طائفة، وإنما هو مشترك بين كل متكلم، وكذلك ضمير المخاطب أنت مشترك بين كل مخاطب، وضمير الغيبة كذلك مشترك بين كل غائب، طيب هذا الاشتراك هو المفهوم الكلي، ثم إذا قلت: أنا صار معيناً وهذا معنى الجزئي؛ فيتناقضان، نقول: لا، لا تناقض، وإنما في أصل الوضع هو كلي وفي الاستعمال جزئي.
إذاً: وضع المعارف كلها من حيث أصل الوضع كليات، وهو يصدق عليه حد الكل، فمفهم اشتراكٍ الكلي. كأسد، وعكسه الجزئي الذي لا يفهم اشتراكاً، فإذا استعملت لفظ الضمير في شأنك أنت بالفعل حينئذ نقول: هذا جزئي، لأنه لا يحتمل إلا مسماه وهو أنت المتكلم، زيد ضربته الضمير هنا يعود إلى زيد لا يحتمل غير زيد، هذا حقيقة الكلي أو الجزئي؟ الجزئي، لكن قبل استعماله (أنا) نقول: قبل استعماله هذا يصلح أن يتكلم به زيد وعمرو وخالد .. إلى آخره، صار مشتركاً.
إذاً: في أصل الوضع هو مشترك وهو كلي، ومن حيث الاستعمال فهو جزئي، هذا، هذان، هاتان، نقول: أسماء الإشارة في أصل الوضع كلية، لأن هذا يصدق أن يشار به إلى زيد، إلى عمرو، إلى البيت، إلى السماء، إلى .. إلى آخره.
كل مشارٍ إليه يصلح لمفرد مذكر، سواء كان عاقل أو غير عاقل، عالم أو لا، يصلح أن يكون أو أن يشار إليه بـ (ذا)، إذاً هذا صار مشتركاً، فَمُفْهِمُ اشْتِراكٍ، لكن إذا استعمل بالفعل صار جزئياً لا يحتمل غيره، فإذا قلت: هذا زيد صار مسمى هذا معين ولا يحتمل غير زيد الذي أشير إليه، وأما قبل الاستعمال فهو صالح لزيد أن تشير إليه ولغيره.
وهذا مراده إن الضمير صالح لكل متكلم، كيف صالح لكل متكلم؟ نقول: هذا قبل استعماله، قبل الاستعمال، فهو كلي يفهم اشتراكاً، وأما بعد الاستعمال فهو جزئي صالح لكل متكلم ومخاطب وغائب.
وليس موضوعاً في الأصل في أوصل وضعهن لأن يستعمل في معين خاص بحيث لا يستعمل في غيره، لأنه لو كان خاصاً أول واحد يستعمل كلمة (أنا) أخذها عنا، ما نستعملها انتهى، انتهت صلاحيتها. إذا قال: هذا زيد الذي سبق أولاً، سبق إليها نحن لا نستحقها، لماذا؟ لأنه صار خاصاً.
وليس موضوعاً لأن يستعمل في معين خاص بحيث لا يستعمل في غيره، لكن إذا استعمل صار جزئياً، ولم يشركه أحد في ما أسند إليه، واسم الإشارة صالح لكل مشار إليه، فإذا استعمل في واحد لم يشركه في ما أسند إليه أحد، و (أل) صالحة لأن يعرف بها كل نكرة، فإذا استعملت في واحد عرفته وقصرته على شيء بعينه، وهذا معنى قولهم: إنها كليات وضعاً جزئيات استعمالاً. وهذا القول هو المرجح في هذه المسألة، وبعضهم يرى أنها جزئية وضعاً واستعمالاً، وبعضهم يعكس: كلية وضعاً واستعمالاً، والوسط هو الذي ذكرناه أنها كلية باعتبار الوضع جزئية باعتبار الاستعمال.
اسْمٌ يُعَيِّنُ المُسَمَّى مُطْلَقاً
إذاً: يعين المسمى فصل يخرج النكرات.
واسْمٌ: هذا جنس.


ويُعَيِّنُ المُسَمَّى: قلنا: المصنف لا يرى أن علم الجنس داخل معنا في هذا الحد، وإنما فصله لأنه يرى أنه نكرة، فأخرجه وخصه بقوله:
وَوَضَعُوا لِبَعْضِ الأجْنَاسِ عَلَمْ
يُعَيِّنُ المُسَمَّى: حينئذ نخصص تعريفه بالعلم الشخصي، والعلم الشخصي هو الذي يعين مسماه خارجاً -خارج الذهن-، لأنه كما سبق أن التعيين -تعيين الحقائق- إما أن يكون في الذهن فحسب، وإما أن يكون في الخارج، وإما أن يكون في الذهن باعتبار فرد في الخارج، فحينئذ إذا كان المعين –المسمى- خارجاً فهو علم الشخص، زيد إذا قلت زيد أنت في ذهنك أن هذا اللفظ مسمى شخص، هذا الشخص أين يوجد؟ في داخل ذهنك أو في الخارج؟ في الخارج قطعاً؛ لأنه ليس معنى، الذات نفسه الشخص هذا وجوده خارج الذهن، لأنك تقول: اسم زيد، أحمد مثلاً مسماه هذا الذي تراه، هذا أين يوجد؟ في الخارج، هل يمكن أن يوجد في الذهن؟ لا وجود له في الذهن.
إذاً: تَشَخُّصُ علم الشخص يكون خارجياً، يعني: خارج الذهن، وداخلياً يعنون به داخل الذهن، إذ قد يكون الشيء مشخصاً في الداخل لا في الخارج، وقد يكون مشخصاً في الداخل باعتبار فردٍ في الخارج ملاحظاً به.
يُعَيِّنُ المُسَمَّى: أي خارجاً كعلم الشخص الخارجي، أو ذهناً كالعلم الذي يضعه الوالد لابنه المتوهم وجوده خارجاً في المستقبل.
اسْمٌ يُعَيِّنُ المُسَمَّى مُطْلَقاً
لو قال قائل: إذا جاء لي ولد أسميه محمد، محمد علم أو لا؟ -هو ما جاء- هل يصدق عليه اسْمٌ يُعَيِّنُ المُسَمَّى، أين هو؟ نحن نقول: علم الشخص له مشخص في الخارج، هذا متوهم في الذهن، إذاً: صار التعيين هنا أمراً ذهنياً لا أمراً خارجياً، أليس كذلك؟ إذا قال: حد العلم اسم يعين المسمى في الخارج -خارج الذهن- مثل الذات فحينئذ إذا قال: إذا جاءني ولد أسميه محمداً، نقول: محمد هذا علم، كيف نحكم عليه بأنه علم ثم نقول: العلم اسم يعين المسمى؟ هذا ما له وجود في الخارج، بل قد يكون ما وجد حتى في بطن أمه؟ نقول: هذا علم ويعين المسمى مطلقاً لكنه في الذهن، أو ذهناً يعني: يكون تعيين المسمى ذهناً، كالعلم الذي يضعه الوالد لابنه المتوهم وجوده خارجاً في المستقبل، وكعلم القبيلة كذلك مثله -لكن هذا عام وذاك خاص- وكعلم القبيلة؛ فإنه موضوع لمجموع أبناء الأب الموجودين حين الوضع وغير الموجودين حينه، فإن الجميع لا وجود له إلا في ذهن الواضع، إذا قيل: هذا قبيلة حرب مثلاً، قبيلة حرب يصدق على الموجودين وعلى ما سيكون في المستقبل، إذاً هذا صار علماً، -حرب علم- علم على الموجودين الآباء وأبنائهم، وأبناء أبناء أبناء الأبناء غير الموجودين؟ نقول: هذا مشخص لكنه ذهني، كالأول المتوهم لكن ذاك شخص واحد سمى ولده وهذا علم على قبيلة، وحينئذ نقول: اسم يعين المسمى مطلقاً كحرب، -بني تميم- ونحو ذلك، وحينئذ نقول: هذا اسم يعين المسمى مطلقاً، طيب، قد يكون بعد مائة سنة لا وجود لمسمى هذا اللفظ؟ نقول: لكنه موجود في الذهن.
فقولهم: تشخص العلم الشخصي خارجي أغلبي. نخلص من هذا: أن تشخص العلم الشخصي الأصل فيه أن يكون خارجياً بالفعل موجود، وقد لا يكون موجوداً.


إذاً قول النحاة: تشخص علم الشخص خارجي يعني: مسماه لا بد أن يكون خارج الذهن، نقول: هذه قاعدة أغلبية، بل قد يكون في الذهن ولا وجود له في الخارج كعلم من توهم ولداً فسماه قبل أن يولد، وكذلك أبناء القبيلة.
وقوله: يُعَيِّنُ المُسَمَّى: أي أنه يدل على مسمى معين لا أنه يحصل له التعيين؛ لأنه معين في نفسه فيلزم تحصيل الحاصل. إذا قلنا: العلم يعين المسمى قبل العلمية، قبل أن نطلق اللفظ هل هو معين أم لا؟ إن قلنا معين فعينه العلم صار من باب تحصيل الحاصل.
إذاً: يعين المسمى المعين في نفسه، هو متعين في نفسه، لكن اللقب أو اللفظ جعل دليلاً عليه من جهة الوضع الشخصي.
إذاً: يعين المسمى، أي: أنه يدل على مسمىً معين، لا أنه يحصل له التعيين لأنه معين في نفسه، فيلزم تحصيل الحاصل. فالمراد بتعينه: تمييزه عند المخاطب عما عداه، وهذا التمييز حاصل بالعلم كسائر المعارف.
اسْمٌ يُعَيِّنُ المُسَمَّى مُطْلَقاً
مُطْلَقاً: المراد به: بدون قيد، وهذا القيد إما أن يكون لفظياً، وإما أن يكون معنوياً، وإما أن يكون حسياً. هذه ثلاثة تشمل سائر المعارف، يبقى: من يعين المسمى لا بقيد، فهي أربعة، الأخير هذا هو الذي يسمى علماً. ومطلقاً فصل يخرج المقيدات: إما بقيد لفظي وهو المعرفة بالصلة و (أل) والمضاف إليه، أو معنوي وهو اسم الإشارة والمضمر، فدخل في المعنوي الحسي في اسم الإشارة.
.................................
وَقَرَنٍ وَعَدَنٍ وَلاَ حِقِ ... ........ كَجَعَفَرٍ وَخِرْنِقَا
وَشَذْقَمٍ وَهَيْلَةٍ وَوَاشِقِ

هذه أنواع نوع الأمثلة المصنف رحمه الله تعالى ليدل على أن العلم شخصي لا يختص بأولي العلم من الناس البشر، وإنما هو عام، فنوع المثال لذلك، ولذلك قال في الشرح: ثم مثل الشيخ بأعلام أناسي وغيرهم تنبيهاً على أن مسميات الأعلام، العقلاء وغيرهم من المألوفات.
كَجَعَفَرٍ: يعني وذلك كجعفر، وهو اسم رجل جعفر.
وَخِرْنِقَا: الألف للإطلاق، اسم امرأة من شعراء العرب وهي أخت طرفة بن العبد لأمه.
وَقَرَنٍ: بفتحتين علم على قبيلة في اليمن من بني مراد ومنها أويس القرني.
وَعَدَنٍ: عدن كذلك اسم مكان علم لبلد بساحل بحر اليمن، هكذا قيل.
وَلاحِقِ: اسم فرس.
وَشَذْقَمٍ: بالذال وضبط بالدال، وقيل: يجوز فيه الوجهان. شدقم، شذقم، إما هذا وإما ذاك. وقيل: يجوز فيه الوجهان، شذقم اسم جمل قيل للنعمان بن المنذر.
وَهَيْلَةٍ: اسم شاة.
وَوَاشِقِ: اسم كلب، اسم كلب هذا وقع ثامناً، قال بالتصريح: ((وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ)) [الكهف:22] يعني: وافق الآية، لأنه قال: كجعفر واحد، وخرنق اثنين، وقرن ثلاثة، وعدن أربعة، ولاحق خمسة، وشذقم ستة، وهيلة سبعة، وواشق ثمانية. ((وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ)).
وَاسْمَاً أتَى وَكُنْيَتةً وَلَقَبَا
إذاً حد العلم: اسْمٌ يُعَيِّنُ المُسَمَّى مُطْلَقاً (عَلَمُهُ)، هذا الأولى أن يجعل مبتدأ، واسم هذا خبر مقدم، وإذا كان خبر مقدم صار واجب التقديم، كما سيأتي في محله أن المبتدأ إذا اشتمل على ضمير يعود على بعض الخبر حينئذ وجب تأخير المبتدأ وتقديم الخبر. على التمرة مثلها زبدة، سيأتينا إن شاء الله.


وَاسْمَاً أَتَى وَكُنْيَةً وَلَقَبَا ... وَأَخِّرَنْ ذَا إِنْ سِوَاهُ صَحِبَا

قسم لنا العلم إلى ثلاثة أقسام: اسم وكنية ولقب.
واسماً أتى: واسماً هذا حال من الضمير المستتر في الفعل الذي يليه.
أتى: وأتى العلم حالة كونه اسماً وكنية ولقباً، والاسم له ثلاث إطلاقات إذا وقفنا عند هذا.
واسماً أتى: صار الاسم له ثلاث إطلاقات، الاسم مقابل الفعل والحرف هناك، واسم وفعل ثم حرف الكلم، صار له إطلاق وهو مقابل الفعل، ويرد أيضاً مقابل للصفة كعامر ومذنب، ويأتي كذلك مقابل للكنية واللقب، وهو الذي معنا. هذه ثلاثة إطلاقات إلى هذا الموضع.
وَاسْمَاً أتَى وَكُنْيَتةً: ينقسم العلم إلى ثلاثة أقسام: إلى اسم وكنية ولقب، والمراد بالاسم هنا: ما ليس بكنية ولا لقب، -بالنفي- إذاً نعرف الكنية أولاً ثم اللقب ثم نعرف أن الاسم ما عدا الكنية واللقب؛ لأنه نفي. ما المراد بالاسم؟ ما ليس بكنية ولا لقب، طيب. ما هي الكنية؟ ما صدر بأب أو أم. ما هو اللقب؟ ما أشعر بمدح أو ذم. وبالكنية ما كان مصدراً بأب أو أم، أم عبد الله، أبو عبد الله، أبو أم، هذا يشترط فيه أن يكون كنية ما لم يسم به ابتداءً، فلو سمى الأب ابنه ابتداءً أول ما وضع عليه من العلمية سماه أبو بكر صار علماً، ولا يقال بأنه كنية، صار اسمه أبو بكر، مثل أبو الدرداء، أبو الدرداء هذا اسمه أول ما وضع ليس كنيته، ولذلك يقول: يا أبو الدرداء! على الأصل، فحينئذ إذا سماه ابتداءً أبو بكر نقول: هذا ليس بكنية، وإنما الكنية تكون طارئة بعد العلم الذي وضع له ابتداءً، فإذا سماه زيداً ثم قال: هو أبو عبد الله نقول: هذا الكنية طارئة ولم يجعله اسماً.
إذاً: الكنية ما كان في أوله أب أو أم. وقيل: أو بابن أو ابنة. هل إذا صدر بابن كابن عمر أو بنت كبنت عمر مثلاً، هل يعتبر كنية أو لا؟ هذا محل نزاع، والأكثر على أنه يشترط في الكنية أن تكون مصدرة بأب أو أم، لكن الصحيح أنه اشتهر عند الصحابة بعضهم من عرف بكنيته ومنها -لأنه قد تتعدد الكنى- ومنها أنه ابن عمر، ابن عباس، هذا سيأتي أنه كنية وله جهة أخرى أن يكون علماً بالغلبة، فلا تنافي بين كونه علماً بالغلبة وبين كونه كنية، ولذلك صحح الرضي: أن الكنية يصح أن تصدر بابن أو بنت، لكن المشهور ما ذكره المصنف هنا.
واللقب ما أشعر بمدح أو ذم، ما أشعر بمدح كزين العابدين، جمال العابدين –زينهم- زين العابدين، الصديق، الفاروق، هذه ألقاب وهي مشعرة بالمدح.
أو ذم كأنف الناقة هذا ذم اسم قبيلة، ذم، نقول: هذا أشعر بذم.
إذاً: وَاسْمَاً أتَى: أتى العلم حالة كونه اسماً، وأتى العلم كنية وهو ما كان في أوله أب أو أم.
وَلَقَبَا: الألف هذه بدلٌ من التنوين وقفا. وهو ما أشعر بمدح أو ذم.


قال الرضي: والفرق بين اللقب والكنية معنىً، يعني ما الفرق بين هذا وذاك؟ أنف الناقة، الصديق، الفاروق، ما الفرق بينه وبين الكنية؟ قال: الفرق معنىً أن اللقب يُمدح المُلَقَبُ به أو يُذم بمعنى ذلك اللفظ، ما تحمَّله اللفظ من معنى يصدق على المُلَقَبِ به. الصديق هذا لقب لكثرة صدقه، والفاروق، لأن الله تعالى فرق به بين الحق والباطل، زين العابدين، لأنه كان من العباد ومن أجودهم وأحسنهم، أنف الناقة؛ لأنه كان من الأفعال ما يصير أنفاً للناقة.
أن اللقب يمدح الملقب به أو يذم بمعنى ذلك اللفظ، بخلاف الكنية؛ فإنه لا يعظم المكني بمعناها بل بعدم التصريح بالاسم ليس لها معنى، أبو عبد الله، كل الناس أبو، ليس فيه معنىً ينفرد به عن غيره بخلاف زين العابدين والصديق والفاروق ونحو ذلك، هذا فيه معنى قد ينفرد به عن غيره، أما أبو عبد الله وأم عبد الله، كل الناس، كل من كني فيكون هذا الوصف مشتركاً.
إذاً: ليس المدح بما دل عليه لفظ الكنية، وإنما بكونه لم يصرح باسمه، -هذا فيه تعظيم- بخلاف الكنية؛ فإنه لا يعظم المكني بمعناها، بل بعدم التصريح بالاسم، فإن بعض النفوس تأنف أن تخاطَب باسمها، بعض النفوس تأنف، لا تقل له: يا زين، لا بد أن تأتي بكنيته أو نحو ذلك، فإذا كان الفرق بين الكنية واللقب: أن يكون المعنى المراد من اللقب حصل به المدح أو الذم حينئذ دل اللفظ على مسماه، وإذا كان المراد بالكنية ليس معناها الذي هو الوضعي في لسان العرب وإنما من جهة عدم التصريح باسمه تعظيماً له، لا يقال: يا زيد أو يا محمد .. إلى آخره.
أُكنيهِ حِينَ أُنادِيهِ لأُكرِمَهُ ... ولاَ أُلقِّبهُ والسوأَةُ اللَّقَبُ

وَاسْمَاً أتَى وَكُنْيَةً وَلَقَبَا
عرفنا هذه الثلاثة.
وَأخِّرَنْ ذَا إنْ سِوَاهُ صَحِبَا
وَأخِّرَنْ: وجوباً، ولذلك جاء بفعل الأمر مؤكَّداً بنون التوكيد الخفيفة، إذاً هو واجب وهو مراد المصنف.
وَأخِّرَنْ ذَا: المشار إليه يعود إلى أقرب مذكور وهو اللقب.
إنْ سِوَاهُ: سوى اللقب.
صَحِبَا: الألف للإطلاق.
بعد ما قسم لك العلم إلى اسم وكنية ولقباً، قد يجتمع بعضها مع بعض أو قد يجتمع الجميع، هل بينها ترتيب أو تقول ما شئت؟ قال: لا.
وَأخِّرَنْ ذَا إنْ سِوَاهُ صَحِبَا: إذا صحب اللقب الاسم أو الكنية وجب تأخير اللقب، وهل هذا متفق عليه؟ الجواب: لا.
وَأخِّرَنْ ذَا: أي اللقب.
إنْ سِوَاهُ صَحِبَا: إذا صحب اللقب الاسم وجب تأخيره، زيد أنف الناقة، زيد زين العابدين وجب تأخير اللقب، ولا يصح أن تقول: زين العابدين زيد، أنف الناقة زيد نقول: هذا لا يجوز، بل يجب تأخير اللقب عن الاسم.
ولا يجوز تقديمه على الاسم، فلا تقول: أنف الناقة زيد إلا قليلاً ومنه قول الشاعر:
بِأَنَّ ذَا الْكَلْبِ عَمْراً خَيْرَهُمْ حَسَباً ... بِبَطْنِ شِرْيَانَ يَعْوِي حَوْلَهُ الذِّيبُ

بأن ذا الكلب عمْراً صاحب الكلب، بأن ذا، ذا: اسم إشارة بمعنى: صاحب، اسم أن.
الكلب: صاحب الكلب عمْراً كيف يكون لقباً إذاً؟ ما يكون لقباً.
بِأَنَّ ذَا الْكَلْبِ عَمْراً خَيْرَهُمْ حَسَباً، إذا جُعِل ذا اسم بمعنى صاحب هذا فيه إشكال.


على كلٍ؛ الكلب المراد به هنا اللقب، وعمْراً هذا اسم، حينئذ قدم اللقب على الاسم، وهذا قليل. وابن مالك جرى على أنه يجب التقديم في ظاهر عبارته هنا، يجب تقديم الاسم مع اللقب والكنية مع اللقب، يعني يقدم الاسم ويؤخر اللقب، وتقدم الكنية ويؤخر اللقب، هذا ظاهر العبارة؛ لأنه قال: سواه، وسوى اللقب أمران، لكن جماهير الشراح إن لم يكونوا كلهم قالوا: لا، العبارة ليست على ظاهرها، بل ثَمَّ إما خلل في النسخ وإما في غيرها.
وَأخِّرَنْ ذَا إنْ سِوَاهُ: قالوا: المراد به الاسم فحسب، وليس مراده الكنية؛ لأن اللقب إذا اجتمع مع الكنية فقدمن ما شئت، قدم وأخر، قدمت اللقب أو أخرته كلاهما سيان، وإنما مراد المصنف هنا أنه إذا اجتمع الاسم مع اللقب.
إنْ سِوَاهُ: المراد به الاسم كما وجد في بعض النسخ، إن سواها، سواها يعني: سوى الكنية، وهو الاسم، إذا اجتمع الاسم مع اللقب وجب تأخير اللقب.
وعلله ابن مالك وصرح به في التسهيل، وعلله في شرحه بأن الغالب أن اللقب منقول من اسم غير إنسان، هذا الغالب، بطة وقُفَّة هذا الأصل لقب .. ؟؟؟ ... أنف الناقة .. إلى آخره. فإذا قدم اللقب حينئذ قد يظن السامع المخاطب أن المراد به معناه الأصلي. إذاً: أوقع في لبس، وكل ما يوقع في لبس حينئذ الأصل منعه، فوجب تأخير اللقب لئلا يقع في اللبس. لو قال: بطة، ماذا يفهم منها؟ يظن البطة بطة هي نفسها، لكن قال: زيد بطة عرف أنه لقب.
بأن الغالب أن اللقب منقول من اسم غير إنسان كبطة وقُفَّة، فلو قدم لتوهم السامع أن المراد مسماه الأصلي، وهذا لبس، وذلك مأمون بتأخيره فلم يعدل عنه، لا يجوز أن يتقدم اللقب على الاسم لئلا نقع في محذور وهو اللبس؛ لأن أكثر الألقاب إنما هي منقولة عن غير إنسان -أوصاف- إما حيوانات أوغيرها، فحينئذ لو أطلق ابتداءً توهم السامع أن المراد معناه الأصلي، وهذا يجب دفعه صيانة للإنسان.
وعلله غيره بأنه أشهر من الاسم، اللقب أشهر من الاسم؛ لأن فيه العلمية مع شيء من معنى النعت، فلو أتى به أولاً لأغنى عن الاسم، لو قال: بطة محمد أو زيد، حينئذ هذا فيه وصل، لأن اللقب يكون مشعراً بمدح في نفس المسمى، أو مشعراً بذم في نفس المسمى، وحينئذ فيه دلالة على الاسم وشيء من النعت، فلو قدم لقدم الوصف على الموصوف، وقدم الاسم على الاسم الحقيقي، قالوا: إذاً نمنع. والأشهر ما ذكره ابن مالك أولاً.


وإن كان مع الكنية فالذي ذكروه جواز تقديمه عليها، يجوز: أبو عبد الله أنف الناقة، أنف الناقة أبو عبد الله، يجوز الوجهان، لكن ظاهر كلام المصنف المنع أيضاً، لماذا؟ لأن العلة -إذا قلنا: الأحكام معللة- حينئذ العلة من منع تقديم اللقب على الاسم ما هي؟ توهم مراد المعنى الأصلي من اللفظي. لو قال: بطَّة أبو عبد الله، العلة موجودة أو لا؟ قلنا: يمتنع أن نقول: بطة محمد، لماذا؟ لأنك أول ما قدمت بطة ظن أنها البطة، لكن إذا أخرت قلت: محمد بطة علمت أن هذا لقب له، طيب هذا المعنى الذي أوجب تأخير اللقب؛ لو قلت: بطة أبو عبد الله مع الكنية، -لأنهم يقولون: قدمن ما شئت- العلة موجودة، المحذور، اللبس موجود أو لا؟ موجود نفسه، فكان الأصل يقتضي أن يمنع مطلقاً، أن يمنع تقديم الكنية على اللقب، كما يمنع تقديم الاسم على اللقب، هذا الظاهر، وهو ظاهر عبارة المصنف ولا تحتاج إلى تأويل، بل هو قوله وهو منسوب إليه.
وَأخِّرَنْ ذَا إنْ سِوَاهُ: يعني سوى الاسم والكنية، فيجب تأخير اللقب مع الكنية، ويجب تأخير اللقب مع الاسم، ولا نحتاج أن نقول: قال في الكافية كذا وقال في التسهيل كذا.
وإن كان مع الكنية؛ فالذي ذكروه جواز تقديمه عليها وتقدمها عليه.
ومقتضى تعليل ابن مالك: امتناع تقديمها عليه، وهو المختار -وهكذا قال السيوطي في جمع الجوامع- أن المختار هو ما يقتضيه تعليل ابن مالك رحمه الله تعالى من منع تقديم اللقب على الاسم لأن العلة موجودة مع الكنية كذلك، قال السيوطي: وهو المختار.
إذاً قوله: وَأخِّرَنْ ذَا إنْ سِوَاهُ: هذا شامل للاسم والكنية، فيجب تأخير اللقب مع الكنية، ويجب تأخير اللقب مع الاسم. هل هو مراد المصنف أو لا؟ ظاهر العبارة أنها مرادة.
إنْ سِوَاهُ صَحِبَا: سواه نقول: شامل للاسم والكنية، وقيل: الضمير وسواه عائد إلى الكنية باعتبار تأولها بالعلم، لكن هذا أيضاً فيه تحريف.
قال ابن عقيل: وظاهر كلام المصنف أنه يجب تأخير اللقب إذا صحب سواه، ويدخل تحت قوله: سواه؛ الاسم والكنية، وهو إنما يجب تأخيره مع الاسم -عند الشارح، أما المصنف لا-.
فأما مع الكنية فأنت بالخيار بين أن تقدم الكنية على اللقب، فتقول: أبو عبد الله زين العابدين، وبين أن تقدم اللقب على الكنية فتقول: زين العابدين أبو عبد الله، ويوجد في بعض النسخ بدل قوله: وَأخِّرَنْ ذَا إنْ سِوَاهُ صَحِبَا: وذا اجعل آخراً إذا اسماً صحبا، نص على الاسمية، وهو أحسن منه لسلامته مما ورد على هذا، لكن دعوى الإجماع أنهم أجمعوا على جواز التقديم والتأخير بين اللقب والكنية هذا محل خلاف، ليس محل إجماع، وإنما نص السيوطي في جمع الجوامع أنه مختلف فيه، والمختار هو أنه يمنع والحكم واحد، وأنه لا فرق بين الكنية والاسم في وجوب تأخير اللقب عليهما، وهو الظاهر.
وَإِنْ يَكُونَا مُفْرَدَيْنِ فأَضِفْ ... حَتْمَاً وَإِلاَّ أَتْبِعِ الَّذِي رَدِفْ

إذا تأخر اللقب عن الاسم أو اجتمع الاسم واللقب.
وَإنْ يَكُونَا: الاسم واللقب.
مُفْرَدَيْنِ: المفرد هنا ما يقابل المضاف، فإما مفردين فأضف حتماً.


َإنْ يَكُونَا مُفْرَدَيْنِ فأضِفْ حَتْماً: يعني وجوباً عند البصريين، إذا كان الاسم مفرداً وكان اللقب مفرداً عند البصريين لا يجوز إلا وجه واحد: وهو أن تضيف الأول إلى الثاني، فأضِفْ –وجوباً- الأول إلى الثاني، وهذا عند البصريين نحو: سعيد كرز، سعيد: هذا علم –اسم- وكرز: هذا لقب، هو في الأصل خرج الراعي، ويطلق على اللئيم والحاذق، سعيد كرزٍ: مضاف ومضاف إليه. وسيأتي في باب الإضافة: أنه يمتنع إذا اتحد المعنى أن يضاف بين الاسمين.
وَلاَ يُضَافُ اسْمٌ ِلَما بِهِ اتَّحَدْ ... مَعْنىً وَأَوِّلْ مُوهِمَاً إِذَا وَرَدْ

سعيد كرزٍ هذا مثال يذكرونه هناك. سعيد كرزٍ، حينئذ لا بد من التأويل؛ لأن سعيد مسماه هو مسمى كرز، وكرز مسماه هو مسمى سعيد، إذاً كيف يضاف الشيء إلى نفسه؟ هذا أشبه ما يكون بالمترادفين.
قالوا: لا بد من التأويل، يعني: مسمى كرزٍ، فلوحظ في الأول الذات –الاسم-، ولوحظ في الثاني المعنى.
وإلاَّ يكونا مفردين بأن كان أحدهما مركباً، وحينئذ إما أن يكونا مركبين، وإما أن يكون الأول مركب والثاني مفرد أو بالعكس، فالصور أربعة.
اجتماع اللقب مع الاسم، الصور أربعة: إما أن يكون مفردين، يعني غير مضافين، وحينئذ عند البصريين وجوب إضافة الأول للثاني، سعيد كرزٍ لا وجه له ثانٍ. وعند الكوفيين يجوز الإتباع، وسيأتي.
وإلاَّ يكون مفردين بأن كانا مركبين، أنف الناقة عبد الله، عبد الله أنف الناقة، عبد الله، هذا مركب، وأنف الناقة، هذا مركب، أو يكون الأول مفرد، والثاني مركب، الأول مفرد مثل: زيد أنف الناقة، أو بالعكس أن يكون الأول مركب الذي هو الاسم عبد الله، والثاني يكون مفرداً: عبد الله كرز، إذاً افترقا.
وإلا يكونا مفردين بأن كانا مركبين، أو أحدهما مركب والثاني مفرد قدمت أو أخرت.
أَتْبِعِ: الثاني.
الَّذِي رَدِفْ: أتبع الثاني للأول، يعني يكون تابعاً له، والتوابع كم أربعة. والمراد هنا إما أن يكون بدلاً، بدل كل من كل أو عطف بيان، إما أن تعربه بدل كل من كل، أو عطف بيان، يعني: لا تجوز الإضافة؛ لأن العرب لا تضيف ثلاثة أشياء، وإنما جوزوا في الأول: سعيد كرز لأن كلاً منهما مفرد، وأما إذا كانا مركبين حينئذ أضفت أربعة أشياء، أربعة أسماء وهذا ممتنع، وإذا كان أحدهما مفرد والثاني مركب حينئذ أضفته بين ثلاثة أشياء، وهذا أيضاً ممتنع.
إذاً: وجب الإتباع، ولا يجوز الإضافة، وإنما الإضافة فيما إذا كانا مفردين.
وَإنْ يَكُونَا: يعني اللقب والاسم.
مُفْرَدَيْنِ: غير مضافين.
فأضِفْ حَتْماً: أضف الأول إلى الثاني حتماً وجوباً عند البصريين، نحو: سعيد كرزٍ أي: مسماه. وأجاز الكوفيون الإتباع، سعيدٌ كرزٌ، جاء سعيدٌ كرزٌ، جاء: فعل ماض، وسعيد: فاعل، وكرز: هذا بدل كل من كل أو عطف بيان، مع الإضافة.
وأجاز الكوفيون الإتباع، واختاره في الكافية والتسهيل، وعلى الأول جواز الإضافة حيث لا مانع من (أل) نحو: الحارث وكرزٍ.
دائماً الشراح يفسرون الألفية بالكافية، وهذا مثال واضح بين أن هذا الطريق ليس صحيح.
هنا قال: وَإنْ يَكُونَا مُفْرَدَيْنِ فأضِفْ حَتْماً


اختار وجوب الإضافة، في الكافية رجح مذهب الكوفيين: وهو أنه يجوز الإتباع، حينئذ لا ينبغي أن يفسر هذا بذاك، لماذا؟ لأنه لم يختصر الخلاصة من الكافية مباشرة حتى نقول: أنه لم يرجع عن أقواله، -لم يصحح بعض المذاهب- وإنما ألف الكافية والله أعلم كم الزمن الذي وقع بين الخلاصة والكافية، في هذا الزمن تتغير وتتبدل أمور، يرجع عن أقوال وينفي أمور يثبتها، ويثبت أموراً نفاها .. إلى آخره. فالآراء تتبدل وتتغير؛ لأنها من باب الاجتهادات، وحينئذ: وَإنْ يَكُونَا مُفْرَدَيْنِ نقول: في الكافية اختار مذهب الكوفيين، وهنا رجح مذهب البصريين. وهذا يدل على أنه لا علاقة من حيث الترجيح -وإن كانت هذه خلاصة- لا علاقة من حيث الترجيح بما في الكافية وتكون حاكمة على الألفية.
وأجاز الكوفيون الإتباع، واختاره في الكافية والتسهيل، وعلى الأول جواز الإضافة حيث لا مانع من (أل)، نحو: الحارث كرزٌ، يعني: مذهب البصريين أنه لا يجوز أن يكون المضاف محلىً بـ (أل) وهذا متفق عليه لا إشكال فيه إلا إذا كان وصفاً، وهذا له حالاته.
الحارث، نقول: هذا محلىً بـ (أل). الحارثُ كرزٌ، هل يصح أن نضيف الأول إلى الثاني فيكون داخلاً في قوله: وَإنْ يَكُونَا مُفْرَدَيْنِ، مع كونهما مفردين؟ نقول: نعم. فإذا أضفنا قلنا: الحارث كرزٍ -على الأصل على القاعدة- وقعنا في محذور: وهو أن المضاف هنا محلىً بـ (أل)، فإذا كان كذلك حينئذ وجب الاستثناء من القاعدة - وَإنْ يَكُونَا مُفْرَدَيْنِ - بشرط ألا يكون الأول محلىً بـ (أل)، فالحارثُ كرزٍ هذا عندهم لا يصح، وإنما تقول: الحارثُ كرزٌ بالرفع على أنه بدل أو عطف بيان، إما بدل وإما عطف بيان.
قال الشارح هنا: إذا اجتمع الاسم واللقب؛ فإما أن يكونا مفردين، والمفرد هنا ما قابل المركب، أو مركبين، أو الاسم مركباً واللقب مفرداً، أو الاسم مفرداً واللقب مركباً، فإن كانا مفردين، إن كان في الأول (أل) فليس إلا الإتباع وفاقاً نحو: الحارث كرزٌ، وجب عند البصريين الإضافة على تأويل الأول بالمسمى، والثاني بالاسم تخلصاً من إضافة الشيء إلى نفسه.
وَلاَ يُضَافُ اسْمٌ ِلَما بِهِ اتَّحَدْ ... مَعْنىً وَأَوِّلْ مُوهِمَاً إِذَا وَرَدْ

سعيدُ كرزٍ نقول: هذا مثله؛ لأنه هو نفس المسمى واحد، ما يصدق عليه المضاف هو الذي يصدق عليه المضاف إليه. إذاً: لا بد من التأويل، من إضافة المسمى إلى الاسم، نحو: سعيدُ كرزٍ ورأيت سعيدَ كرزٍ ومررت بسعيدِ كرزٍ، مضاف ومضاف إليه مثل عبد الله، جاء عبدُ الله، رأيتُ عبدَ الله، مررتُ بعبدِ الله، جاء سعيدُ كرزٍ، رأيت سعيدَ كرزٍ، مررت بسعيدِ كرزٍ.


وأجازه الكوفيون واختاره ابن مالك الذي هو الإتباع. وأجاز الكوفيون الإتباع واختاره ابن مالك على البدل أو عطف بيان، فتقول: هذا سعيدٌ كرزٌ، ورأيت سعيداً كرزاً، ومررت بسعيدٍ كرزٍ –مطلقاً- جاء سعيدٌ كرزٌ، سعيد: فاعل، وكرزٌ: بدل أو عطف بيان. رأيت سعيداً كرزاً، كرزاً: عطف بيان أو بدل كل من كل؟ مررت بسعيدٍ كرزٍ، كرزٍ عطف بيان أو بدل كل من كل، لماذا؟ قالوا: لأن الإضافة في مثل ذلك خلاف الأصل، الإضافة هنا -وهذا توجيه جيد- وهو أن الإضافة هنا من إضافة الشيء إلى نفسه، اتحد معناه، وهذا خلاف الأصل، وإنما الأصل أنك تغاير بين المضاف والمضاف إليه، غلام زيد، غلام مصدقه غير مصدق زيد، هذا الأصل في الإضافة أنك تقيد الأول بالثاني. أما سعيدُ كرزٌ هو عينه، تضيفه إلى أي سبب؟ ما الموجب؟ حينئذ إذا قلت: غلام زيد عبد الله ثَمَّ سبب، ثَمَّ موجب، تقيد الأول بالثاني، أما سعيدُ كرزٍ ما الفائدة؟ ليس فيه فائدة، ولذلك مذهب الكوفيين أرجح، لأن الإضافة في مثل ذلك خلاف الأصل.
وإن لم يكونا مفردين، وهو الذي أشار إليه بقوله: وإلاَّ (إن لا)، (إن) أدغمت في لا.
وإلاَّ -يكونا مفردين- أتبع الثاني الذي ردف، يعني: الأول –له- في إعرابه على أنه بدل أو عطف بيان، وحينئذ نقول: امتنعت الإضافة، لا يجوز أن يضاف، لماذا؟ لأنه لا يضاف ثلاثة أسماء فضلاً عن أربعة أسماء، إذا قلت: أنف الناقةِ، محمد أنفِ الناقةِ، أضفت ثلاثة أسماء، وهذا ممتنع في لسان العرب؛ لأنه ثقيل، محمد أنفِ الناقة مثل سعيد كرز نقول: هذا فيه ثقل.
بأن كانا مركبين، نحو: عبد الله أنف الناقة، أو مركباً ومفرداً: عبدُ الله كرزٌ وسعيد أنف الناقة وجب الإتباع، فتتبع الثاني الأول في إعرابه،- هذا هو الأصل- ثم يجوز لك وجه آخر وهو القطع، -القطع هذا يكون في باب النعت- يعني تجعل الكلام جملتين وليس جملة واحدة. جاء سعيدٌ أنفُ الناقةِ، أنفُ الناقةِ هذا بدل أو عطف بيان، يجوز أن تقول: جاء سعيدٌ أنفَ الناقةِ، يعني بالنصب، قطعت الرفع إلى النصب على تقدير فعل أعني، وحينئذ صار الكلام جملتين، ولذلك القطع خلاف الأصل، الأصل في الكلام أن يكون متصلاً بعضه ببعض، وما جيء بحروف العطف إلا من أجل إيصال الكلام بعضه ببعض، وحينئذ يجوز أن تقطع فتقول: جاء سعيدٌ أنفُ الناقةِ، جاء سعيدٌ أنفَ –بالنصب- على أنه مفعول به لفعل محذوف وجوباً أعني.
وكذلك إذا كان منصوباً تقطعه إلى الرفع، رأيت سعيداً يجوز أن تقول: أنفَ الناقة على أنه بدل أو عطف بيان، ويجوز أن تقول: رأيت سعيداً أنفُ بالرفع على أنه خبر لمبتدأ محذوف.
إذاً: تقطع الرفع إلى النصب وإلى رفع لا بأس، لماذا؟ لأنك قد تنوي بأن الجملة الثانية مغايرة للأخرى، يعني هل يجوز أن يقال: جاء سعيد أنفُ الناقةِ؟ أنفُ يجوز لك إعراب أنفِ: إما بدل أو عطف بيان، أو أنه خبر لمبتدأ محذوف وهو أنفُ الناقة ولا بأس.


ويجوز أن تقطعه من الرفع إلى النصب، ولذلك قال هنا: ويجوز القطع إلى الرفع بإضمار هو، يعني: مبتدأ محذوف، ويكون الذي قطعته خبراً لمبتدأ محذوف، أو النصب بإضمار أعني، مررت بزيدٍ أنفُ الناقة، -لا إشكال- يعني: وهو أنفُ الناقة. وأنفَ الناقة أعني: أنفَ الناقة. فالرفع على إضمار مبتدأ، والتقدير: هو أنف الناقة. والنصب على إضمار فعل والتقدير: أعني أنفَ الناقة، فيقطع مع المرفوع إلى النصب، ومع المنصوب إلى الرفع، ومع المجرور إلى النصب أو الرفع، ولا يقطع الرفع أو النصب إلى الجر، لا يقطع المرفوع أو المنصوب إلى الجر، لماذا؟ لأن العامل الذي يقدر هو فعل أو اسم، وحرف الجر لا يعمل مقدراً على الصحيح، ولذلك قلنا: المرجح (اضرب): أنه فعل مبني وليس معرباً خلافاً للكوفيين أنه مجزوم بلام الأمر مقدرة.
إذاً:
وَإِنْ يَكُونَا مُفْرَدَيْنِ فأَضِفْ ... حَتْمَاً وَإِلاَّ أَتْبِعِ الَّذِي رَدِفْ

إلاَّ: قالوا: ظاهره امتناع الإضافة إذا كان الأول مفرداً والثاني مركباً.
قال الصبان: والوجه خلافه، كما صرح به الرضي بجواز كون المضاف إليه مركباً نحو: غلام وعبد الله، بخلاف المضاف، والإتباع أقيس من الإضافة، والإضافة أكثر.
وَمِنْهُ مَنْقُولٌ كَفَضْلٍ وَأَسَدْ ... وَذُو ارْتِجَالٍ كَسُعَادَ وَأُدَدْ
وَجُمْلَةٌ وَمَا بِمَْزجٍ رُكِّبَا ... ذَا إِنْ بِغَيْرِ وَيْهِ تَمَّ أُعْرِبَا
وَشَاعَ فِي الأَعْلاَمِ ذُو الإِضَافَهْ ... كَعَبْدِ شَمْسٍ وَأَبِي قُحَافَهْ

ينقسم العلم باعتبار كونه منقولاً أو مرتجلاً إلى قسمين، وزاد بعضهم ثالثاً لا منقولاً ولا مرتجلاً.
وَمنْهُ مَنْقُولٌ: أي: ومن العلم علم منقول، وأرادوا به أنه ما سبق له استعمال في غير العلمية، يعني: كان نكرة، كان جملة، كان فعلاً ماضياً، كان مضارعاً، كان اسماً جامداً، كان اسم فاعل، كان اسم جنس في الأصل، ثم نقلته فجعلته علماً، اسْمٌ يُعَيِّنُ المُسَمَّى مُطْلَقاً، هذا يسمى منقولاً، يعني سبق له استعمال في غير علم. فضل مثلاً، هذا مصدر جامد، لو قلت: فضلٌ، هذا فضل الله؛ شيء غير معين، لكن لو جاءك ولد وقلت: هذا سميته فضل، حينئذ نقلت المصدر من دلالته على المصدر وعدم التعيين لأنه جامد فصار علماً لذاتٍ مشخصة، هذا يسمى علماً منقولاً.
ومرتجل هذا مأخوذ من الارتجال وهو ابتداء الشيء على غير تهيئٍ، والمراد به: ما لم يسبق له استعمال قبل العلمية في غيرها،- أول ما وضع في لسان العرب وضع اسماً علماً يعين المسمى-لم يستعمل كمصدر أو فعل أو جملة ثم نقل إلى العلمية، بل أول ما وضع وضع علماً.
إذاً: العلم إما منقول وإما مرتجل. المنقول: ما سبق له استعمال في غير علمية، قبل العلمية. والمرتجل الذي لم يسبق له استعمال قبل العلمية في غيرها، أو سبق وجهل –قولان-، قد يكون سبق لكنه جهل، حينئذ ما حكمه؟ إذا سبق له وجهل لا ندري هل هذا ابتداءً أم أنه نكرة، ابتداءً علماً مرتجلاً أم أنه منقول ما ندري، حينئذ صار حكمه حكم المنقول، لأنه لا بد وأن يعتبر إما نكرة وإما فعل إلى آخره، فإذا لم يعلم حينئذ رجعنا إلى الأصل.


وَمنْهُ مَنْقُولٌ: منه أي: من العلم، علم منقول إلى العلمية بعد استعماله في غيرها، كفضل -هذا مصدر- وأسد -هذا اسم جنس، وحينئذ المنقول إما أن ينقل من صفة كحارث، أو من مصدر كفضل، أو من اسم جنس كأسد، وهذه تكون معربة.
وقد يكون النقل من جملة إما فعلية -وهو المسموع في لسان العرب- وإما اسمية وهذا مقيس عند النحاة على الجملة الفعلية- يعني: لم يسمع نقل جملة إلى العلمية إلا الفعلية فحسب، شاب قرناها، شاب: فعل ماض، وقرناها: فاعل، تأبط شراً: هذا فعل وفاعل ومفعول به، هذا الذي سمع.
وأما لو قيل: زيد عالم،-سميت ولدك زيد عالم- هذه جملة اسمية، هل نقل في لسان العرب؟ الجواب: لا، لأنهم لما سموا بالجملة الفعلية حينئذ قاسوا عليها الجملة الاسمية لانتفاء الفرق بينهما.
أو من جملة كقام زيد وزيد قائم، وحكمها أنها تحكى، كما سيأتي.
وَمنْهُ مَنْقُولٌ كَفَضْلٍ وَأَسَدْ ... وَذُو ارْتِجَالٍ ..............

وَذُو ارْتِجَالٍ: يعني: ومنه ذو ارتجال، والارتجال: ابتداء الشيء على غير تهيئٍ.
كَسُعَادَ وَأُدَدْ، أدد هذا نُوزع فيه بأنه؟؟؟ أو لا، قيل: جمع أدة بمعنى المرة من الود، والهمزة منقلبة عن الواو.
سعاد هذا أول ما نقل، أول ما وضع وضع علماً، لم يسبق أن يستعلم في غير العلمية ثم استعمل في العلمية، وأدد مثله عند الناظم إلا أنه نُوزع فيه.
وقيل: من العلم ما ليس منقولاً ولا مرتجلاً، لا يوصف بهذا ولا بذاك، فهو واسطة بينهما. وهو الذي علميته بالغلبة، هذا يأتي في المعرف بـ (أل).
وَقَدْ يَصِيرُ عَلَمَاً بِالْغَلَبَهْ ... مُضَافٌ اوْ مَصْحُوبُ أَلْ كَالعَقَبَةْ

المدينة: هذا علم بالغلبة، يعني إذا أطلقت المدينة صرفت إلى المدينة هي هي، عينها، وحينئذ هل هذا منقول؟ هل هذا مرتجل؟ الجواب: لا، لا منقول ولا مرتجل.
وَمِنْهُ مَنْقُولٌ كَفَضْلٍ وَأَسَدْ ... وَذُو ارْتِجَالٍ كَسُعَادَ وَأُدَدْ

ذهب بعضهم إلى أن الأعلام كلها منقولة، -كلها ليس فيه تفصيل لا منقول ولا مرتجل، بل كلها منقولة- وليس منها شيء مرتجل. قال قائله: إن الوضع سبق ووصل إلى المسمى الأول، وعلم مدلول تلك الألفاظ في النكرات وسمي بها، وجهْلنا نحن أصلها فحينئذ توهمنا من سمى بها من أجل ذلك مرتجلاً، فحينئذ كونها مرتجلة أو منقولة هذا وهم يعني من باب التوهم عند المسمي، وإلا الأصل كلها منقولة.
وذهب الزجاج إلى أنها كلها مرتجلة، عكس الأول، والمرتجل عنده ما لم يقصد في وضعه النقل من محل آخر إلى هذا، ولذلك لم تجعل (أل) في الحارثِ زائدة، وموافقتها للنكرات بالغرض لا بالقصد؛ لأنه يرد عليه أن عندنا مصدر هو (فضل)، وعندنا جملة: شاب قرناها، وعندنا جملة أخرى: تأبط شراً، لو كانت كلها أعلام بالأصل وعندنا هذه أفعال مستعملة في غير العلمية وعندنا فضل مصدر وعندنا أسد اسم جنس مستعلمة في غير العلمية، كيف يقال؟ قال: هذا لا، هذه موافقة لا بالقصد، وإنما بالتوافق وحسب، الأصل وضع فضلٌ علماً، ووضع نكرة كذلك موافقاً له في اللفظ والمعنى لا أنه نقل من المصدر إلى علمية، وهذا فيه تكلف، أن يقال: بأن فضل وضع مرتين: مرة علماً ومرة نكرة هذا يحتاج إلى إثبات.


إذاً: ثَمَّ خلاف في العلم المنقول والعلم المرتجل، لكن لا ينبني عليه كبير فائدة.
وَمِنْهُ مَنْقُولٌ كَفَضْلٍ وَأَسَدْ ... وَذُو ارْتِجَالٍ كَسُعَادَ وَأُدَدْ

وَجُمْلَةٌ: يعني ومنه جملة، يعني: يقع جملة مركبة من فعل وفاعل ومبتدأ وخبر، لكن ليس بعد العلمية، وإنما هو قبل العلمية، يعني منقول من الجملة كما ذكرناه سابقاً، قام زيد، جاء قام زيد، رأيت قام زيد، مررت بقام زيد، نقول: قام زيد هذا اسم كزيد، حينئذ تحكى الجملة ولا تعرب إلا إعراباً مقدراً، تحكى كما هي يعني: لا يبدل، لا تقل: جاء قاموا زيد، قاموا بالرفع على أنه فاعل، وإنما تحكى كما هي؛ لأنه في الأصل فعل ماض وهو مبني فيبقى على نفس اللفظ ولا يتبدل ولا يتغير، ولذلك قال هنا: تحكى، فتقول: جاءني زيد قائم ورأيت زيد قائم ومررت بزيد قائم، وهذا من الأعلام المركبة، لكنه كما ذكرنا لم يسمع أنهم سموه بالجملة الاسمية، وإنما ورد تسميتهم بالجملة الفعلية.
كَذَبْتُم وبَيْتِ الله لاَ تَنكِحُونَهُ ... بَني شَابَ قَرنَاهَا تَصُرُّ وتَحلِبُ

وَجُمْلَةٌ: يعني ومنه جملة.
وَمَا بِمَْزجٍ رُكِّبَا: يعني ومنه بما بمزج، يعني: الذي بسبب مزج ركبا، والمزج عندهم أخذ اسمين ويجعلا اسماً واحداً، وينزل الثاني منزلة تاء التأنيث من الأول -هكذا قيل- بأن أخذ اسمان وجعلا اسماً واحداً ونزل ثانيهما من الأول منزلة تاء التأنيث من الكلمة، بعلبك، حضرموت، معدي كرب، هذا مركب مزجي، سيبويه هذا مركب مزجي، حينئذ بعلبك، بعل هذا جزء، بك هذا جزء ثان. قيل: جعل بك بمنزلة تاء التأنيث، عائش عائشة، أليس كذلك؟ عائش الشين هي محل الإعراب، جاء عائش اسم رجل هذا، جاء عائشٌ، رأيت عائشاً، مررت بعائشٍ، إذاً: الشين هي محل الإعراب، إذا اتصلت به تاء التأنيث؛ جاءت عائشةُ صارت التاء هي محل الإعراب، هذا مثله (بعل) اللام هي محل الإعراب، فلما اتصل به ركب ومزج بين الكلمتين (بعل بك) صار الجزء الثاني كالتاء من تاء التأنيث انتقل الإعراب من بعل من اللام إلى آخره فنزل منزلة تاء التأنيث. كل كلمتين نزلت ثانيهما منزلة تاء التأنيث مما قبله، بمعنى: أنه صار بعد التركيب والمزج صار حرف إعراب في آخره.
وَمَا بِمَْزجٍ رُكِّبَا: الألف هذه للإطلاق.
ذَا: ما هو المشار إليه؟ ذا الذي هو المركب المزجي.
إنْ بِغَيْرِ وَيْهِ تَمَّ أُعْرِبَا
إنْ: حرف شرط، وفعل الشرط محذوف وجوباً يفسره المذكور تم، إن تم وختم بغير لفظ ويه، أُعْرِبَا: هذا جواب الشرط، أعربا. إذاً متى يكون مبنياً؟ ومتى يكون معرباً؟ فصل المصنف رحمه الله تعالى.
إنْ بِغَيْرِ وَيْهِ: كبعلبك وحضرموت ومعدي كرب، إذاً: هذا تم وختم بغير ويه، أعرب صار معرباً إعراب ما لا ينصرف. مفهومه: إن ختم بويه -اسم صوت- صار مبنياً؛ لأن الحكم هنا أعرب علق على وصف، إن وجد ذلك الوصف وجد معه الإعراب، وإن لم يوجد حينئذ وجد نقيضه وهو البناء.
ذَا: أي: المركب المزجي.
إن بغير لفظ ويه تم أي ختم أعربا كبعلبك، إعراب ما لا ينصرف، فإن ختم بويه حينئذ صار مبنياً.


ذَا إنْ بِغَيْرِ وَيْهِ تَمَّ أُعْرِبَا: إذاً المركب المزجي نوعان: إما أن يكون مختوماً بويه كسيبويه، وخالويه، ونفطويه، وإما ألا يكون مختوماً بويه، إن كان مختوماً بيويه كسيبويه نقول: هذا مبني، بل فيه لغات، الفصحى بناؤه على الكسر، سيبويهِ مبني على الكسر، ويليها: -يلي هذه اللغة الفصحى- ممنوع الصرف يمنع من الصرف، تقول: جاء سيبويه، ورأيت سيبويهَ ومررت بسيبويهَ ممنوع من الصرف.
وغير المختوم بويه كمعدي كرب، وبعلبك فيه ثلاث لغات، إذاً سيبويه كم لغة فيه؟ فيه لغتان: البناء على الكسر وهو اللغة الفصحى سيبويهِ مطلقاً رفعاً ونصباً وجراً.
اللغة الثانية: إعرابه إعراب ما لا ينصرف، وأما غير المختوم بويه والذي نص عليه المصنف أنه معرب ففيه ثلاث لغات، الفصحى إعرابه إعراب ما لا ينصرف على الجزء الثاني، ويفتح آخر الأول للتركيب ما لم يكن ياء كمعدي كرب فيسكن. إعراب ما لا ينصرف يكون الإعراب على الحرف الأخير، بعلبك -هو رجل اسمه بعلبك-، جاء بعلبكُ تقول: هذا فاعل مرفوع، ورفعه ضمة ظاهرة على آخره، ولا تقل: بعلبكٌ بالتنوين؛ لأنه ممنوع من الصرف، جاء بعلبكُ، رأيت بعلبكَ، مررت ببعلبكَ ممنوع من الصرف، مثلما تقول: جاء أحمد، رأيت أحمدَ، ومررت بأحمدَ، نقول هذا ممنوع من الصرف.
ويفتح آخر الأول -بعلَبكَ- في المواضع كلها إلا إذا كان ياءً فيسكن، جاء معدي كرب، رأيتُ معدي كرب، مررت بمعدي كرب .. ساكنة في الثلاثة الأحوال، وأما كرب وهذه في حالة الرفع تضم، جاء معدي كربُ فاعل، رأيتُ معدي كربَ مررت بمعدي كربَ؛ لأنه ممنوع من الصرف وهو الذي نص عليه المصنف.
ويليها إعراب المتضايفين بإضافة صدره إلى عجزه، فيخفض ويجري الأول بوجوه الإعراب، تقول: جاء بعلبكُ، تحركها بالضمة، والثاني يجر، بعلُبكِّ –مثل عبدُ اللهِ_ جاء بعلُبكِّ، رأيت بعلَبكِّ، مررت ببعلِبكِّ، جاء حضرُموتٍ، رأيت حضرَموت، مررت بحضرِموت -هذا إعراب عبد الله- متضايفين، إضافة الأول إلى الثاني، ويجري الأول بوجوه الإعراب، يعني الحركات تكون على اللام، بعلَ، بعلِ، بعلُ.
واللغة الثالثة: بناؤه على الفتح في الجزأين ما لم يعتل الأول فيسكن كخمسة عشر، يعني بعلبك مبني على فتح الجزأين مثل: خمسة عشر، إلا إذا كان الأول معتلاً مثل معدي فيبقى على السكون ولا يحرك بالفتح.
إذاً: ذو المزج -النوع الذي أراده المصنف- وهو كل اسمين نزل ثانيهما منزلة هاء التأنيث نقول: نوعان مختوم بويه كسيبويه وفيه لغات، الفصحى بناؤه على الكسر، ويليها الإعراب ممنوع من الصرف، وغير المختوم بويه كمعدي كرب وبعلبك ففيه ثلاث لغات.
الفصحى إعرابه إعراب ما لا ينصرف على الجزء الثاني، ويفتح آخر الأول للتركيب ما لم يكن ياء كمعدي كرب فيسكن، ويليها إعراب المتضايفين بإضافة صدره إلى عجزه فيخفض يعني الثاني، ويجري الإعراب بوجوه الإعراب على الأول، والثالثة بناؤه على الفتح في الجزأين ما لم يعتل الأول فيسكن كخمسة عشر.
وَمَا: ومنه -ما علم- بِمَْزجٍ: بسبب المزج رُكِّبَا الألف للإطلاق، والذي ركب بمزج، والجملة صلة الموصول لا محل لها من الإعراب.
(ذا) أي: المركب تركيب مزجي، إنْ بِغَيْرِ لفظ وَيْهِ تَمَّ -ختم- أُعْرِبَا.


وَشَاعَ فِي الأعْلاَمِ -المركبة- ذُو الإضَافَهْ: وشاع، يعني كثر وانتشر في الأعلام المركبة.
ذُو الإضَافَهْ: يعني صاحب الإضافة، مضاف ومضاف إليه، هذا أكثر من المزجي، وأكثر من الإسنادي، والمفرد أكثر منهم، لكن إذا قيل: العلم إما مفرد وإما مركب، والمركب إما مركب تركيباً إسنادياً، وهو ما سمي بجملة فعلية أو اسمية، والمركب تركيب مزجي، والمركب تركيب إضافي .. هذه ثلاثة أنواع للأعلام المركبة، أكثرها في لسان العرب المضاف، وَشَاعَ: كثر وانتشر، في الأعلام المركبة: ذو الإضافة.
والإضافة المراد بها: -المضاف والمضاف إليه-: كل كلمتين نزل ثانيهما منزلة التنوين مما قبله، غلامٌ ثم أضفته إلى زيد قلت: غلامُ حذفت التنوين، زيدٍ جعلت التنوين في آخر الكلمة، إذاً نزلت زيد من غلام منزلة التنوين، وليست هي محل إعراب، بخلاف بعلبك نزل الجزء الثاني منزلة تاء التأنيث، وتاء التأنيث تكون محلاً للإعراب.
إذاً المضاف والمضاف إليه أو المركب الإضافي: كل كلمتين نزلت ثانيهما منزلة التنوين مما قبله، غلام زيدٍ أصلها غلامٌ زيدٌ، كل منهما مفرد، أردت الإضافة حذفت التنوين من غلام المضاف إليه وجوباً ثم أضفته إلى زيد فجعل زيد محلاً لظهور التنوين الذي كان في الأول.
كَعَبْدِ شَمْسٍ: يعني وذلك كعبد شمس، وهو علم لأخِ هاشم بن عبد مناف، وأَبِي قُحَافَهْ: علم لوالد أبي بكر.
نبه بالمثالين على أن الجزء الأول يكون معرباً بالحركات كعبد، وبالحروف كأبي.
والجزء الثاني يكون منصرفاً كشمسٍ، وغير منصرف كقحافة.
إذاً: أشار بهذه الأبيات إلى تعداد أنواع العلم، منه ما هو منقول، ومنه ما هو مرتجل، منه ما هو جملة، ومنه ما هو مركب، والمركب قد يكون مركباً إسنادياً وقد يكون مركباً تركيبياً أو مركباً إضافياً، ومنه ما هو مفرد ولم ينص عليه لأنه الأصل، أو يقال: بأنه سبق في قوله: وَاسْمَاً أتَى، وَكُنْيَتةً وَلَقَبَا، ولذلك قال السيوطي: علم الشخص أربعة أنواع: أولاً: المفرد، وهو ما عري من إضافة وإسناد ومزج كزيدٍ.
ثانياً: ذو الإسناد، وهو المحكي من جملة نحو: برق نحره، وتأبط شراً، وشاب قرناها.
وهذا أشار إليه المصنف بقوله: وجملة.
ثالثاً: ذو المزج، وذكرناه وأشار إليه بقوله: وَمَا بِمَْزجٍ رُكِّبَا إلى آخره.
الرابع: ذو الإضافة، وهو اسم وكنية، فالأول كعبد الله والثاني ما صدر بأب أو أم، زاد الرضي أو بابن أو بنت، وأشار إليه بقوله:
وَشَاعَ فِي الأعْلاَمِ ذُو الإِضَافَهْ، والمركب أو الكنية أشار إليه بقوله: وَاسْمَاً أتَى وَكُنْيَتةً
والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين ... !!!