شرح ألفية ابن مالك للحازمي

عناصر الدرس
* شرح الترجمة (النائب عن الفاعل) ـ
* أحكام ما ينوب عن الفاعل (المفعول به) ـ
* صورة بناء فعل النائب عن الفاعل.

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
قال الناظم رحمه الله تعالى: النَّائِبُ عَنِ الفَاعِلِ.
بعدما بين لنا أحكام الفاعل ذكر ما ينوب عنه وعنون بهذا العنوان المختصر وهو النَّائِبُ عَنِ الفَاعِلِ، وهذه العبارة أولى مما يعبر به عند بعضهم بِالْمَفْعُولِ الَّذِي لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ، من جهتين:
أولاً: أن تلك العبارة فيها طول: الْمَفْعُولُ الَّذِي لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ، فهي ست كلمات، وأما النَّائِبُ عَنِ الفَاعِلِ هذه ثلاث كلمات في الجملة.
كذلك الْمَفْعُولُ الَّذِي لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ يصدق على ديناراً من نحو: أعطي زيد ديناراً أعطي هذا فعل ماضي مغير الصيغة وزيد هذا نائب فاعل، وديناراً هذا مفعول لم يسم فاعله، فحينئذٍ دخل فيه ما الأصل خروجه، وعدم صدقه على الظرف وغيره مما ينوب عن الفاعل، النائب عن الفاعل هذا أعم، وأما المفعول الذي لم يسم فاعله فحينئذٍ نحتاج إلى الظرف الذي لم يسم فاعله، والمصدر الذي لم يسم فاعله، والجار والمجرور الذي لم يسم فاعله؛ لأننا خصصنا الحكم بالمفعول به، وحينئذٍ خرج الظرف والجار والمجرور والمصدر، ولذا قلنا: النائب عن الفاعل أعمل، وأجيب بأنه صار علماً بالغلبة، المفعول الذي يسم فاعله صار علماً بالغلبة، مثل جمع المؤنث السالم، حينئذٍ المفعول سمي مفعولاً باعتبار الأصل؛ لأنه لا ينوب المصدر والجار والمجرور ولا الظرف إذا وجد المفعول؛ فهو سيدهم، وحينئذٍ إذا وجد المفعول به امتنع إقامة غيره كما هو مذهب البصريين خلافاً للكوفيين.
فإذا قيل: الْمَفْعُولُ الَّذِي لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ عبر بالأصل فحينئذٍ صار علماً بالغلبة على ما ينوب عن الفاعل، ومع ذلك فالأولى أن يقال: النائب عن الفاعل لما ذكرناه، هي أخصر من حيث الكلمات وتصدق النائب عن الفاعل، ويدخل فيه المفعول ويدخل فيه الجار والمجرور والظرف بنوعيه المكاني والزماني، ويدخل فيه المصدر، وكذلك لا يصدق على ديناراً: أعطي زيد ديناراً بخلاف الجملة السابقةز
النَّائِبُ عَنِ الفَاعِلِ.
يَنُوبُ مَفْعُولٌ بِهِ عَنْ فَاعِلِ ... فِيمَا لَهُ كَنِيلَ خَيْرُ نَائِلِ

يحذف الفاعل لغرض من الأغراض اللفظية أو المعنوية، وبحث هذه المسألة يعتني بها البيانيون، لماذا يحذف الفاعل ويناب عنه غيره! ولكن في الجملة نقول: يحذف الفاعل إما لغرض لفظي وإما لغرض معنوي، أما الأسباب اللفظية فهذه كثيرة منها: القصد للإيجاز في العبارة -الاختصار-، ((فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ)) لا شك أن الذي يعاقب به الإنسان قد لا يمكن حصره، فحينئذٍ حذف الفاعل هنا وأنيب المفعول به منابه من أجل الاختصار، ومنها المحافظة على السجع الكلام المنثور كما ذكر ابن هشام ذلك في شرح القطر، ومثل له بقوله: "مَنْ طَابَتْ سَرِيرَتُهُ حُمِدَتْ سِيرَتُهُ"، يعني حمد الناس سيرته؛ إذ لو ذُكر الفاعل لطالت الفاصلة، ولم تكن موافية لما سبق، كذلك المحافظة على الوزن في الشعر؛ إذ لو ذكر الفاعل قد ينكسر معه الوزن وقد يطول به الكلام، ويمثلون لذلك بقول الأعشى:


عُلِّقتُهَا عَرَضَاً وعُلِّقَتْ رَجُلاً ... غَيْرِى وَعُلِّقَ أُخْرَى غيرَها الرَّجُلُ

ثلاثة أفعال كلها مبنية للفاعل، عُلِّقتُهَا: يعني أحبها، عَرَضَاً وعُلِّقَتْ رَجُلاً غَيْرِى وَعُلِّقَ أُخْرَى غيرَها الرَّجُلُ، حينئذٍ لو ذكر الفاعلِينَ هنا، حينئذٍ لما استقام له الوزن.
وأما الأسباب المعنوية فكثيرة، منها كون الفاعل معلوماً للمخاطب ((خُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفاً)) معلوم أن الخالق هو الله عز وجل، فيحذف حينئذٍ الفاعل للعلم به بين المخاطب والمتكلم، كذلك كونه مجهولاً للمتكلم لا يعرفه: "سُرِقَ الَمَتَاعُ "، سرق السارق المتاع هذا الأصل، هنا لم يحذف لكونه لا يمكن أن يوجد الفعل، لا، يمكن أن يوجد باسم فاعل مشتق من مصدر الفعل، سُرق سَرق، السارق متاعي، لكن إذا قيل: سرق السارق متاعي، أو سرق اللص متاعي .. ليس فيه كبير فائدة، لن يسرق إلا اللص، ولن يسرق إلا السارق، ولذلك لما قيل: سرق متاعي علمنا أنه سارق، وعلمنا أنه لص؛ إذ ليس سارق وليس بلص، نقول: هذا معلوم من السياق.
كذلك رغبة المتكلم في الإخفاء: تُصدق بألف دينار، أراد نفسه مثلاً ولم يرد أن يخبر بأنه الذي تصدق، تُصدق بألف دينار، ومنها رغبة المتكلم في إظهار تعظيم للفاعل لئلا يقترن به ما هو حقير، خلق الخنزير، خلق الحمار، خلق إبليس .. معلوم أن إبليس والخنزير والحمار هذه مما يستقذر منها.
كذلك رغبة المتكلم في إظهار تحقير الفاعل بصون لسانه عن أن يجري بذكره: ادُّعِيَت النُّبُوَّةُ، يريد احتقار المدعي، فيحذف الفاعل حينئذٍ، ومنها خوف المتكلم من الفاعل فيعرض عن ذكره، لا يريد أن يبين، قيل: ارتُكب كذا، أو فُعل كذا، ويخشى من الفاعل هو يعلمه لكن يخفيه من أجل خوفه على نفسه.
وغير ذلك من المعاني التي يتكلم عنها البيانيون
وحذفُهُ للخَوفِ والإِبهَامِ ... والوَزنِ والتَّحقِيرِ والإِعظَامِ
والعِلمِ والجَهَلِ والاقتِصَارِ ... والسَّجعِ والوِفَاقِ والإِنكَارِ

وغير ذلك من الأغراض التي يتكلم عنها البيانيون، وإنما غرض النحاة هنا في بيان الأحكام، ما الذي ينبني على الكلمة إذا حذف الفاعل وأنيب المفعول أو غيره منابه!
قال: يَنُوبُ مَفْعُولٌ، يَنُوبُ هذا فعل مضارع ومَفْعُولٌ فاعل-المفعول هنا فاعل-.
مَفْعُولٌ بِهِ إن كان موجوداً، وإن لم يكن موجوداً حينئذٍ ينوب غيره، فليس كلامه هنا على إطلاقه وينوب مفعول به إن كان للفعل مفعولاً واحداً، وينوب عن الفاعل مفعول أول إن كان له أكثر من مفعول، وسيأتي خلاف في المفعول الثاني.
إذاً قوله: يَنُوبُ مَفْعُولٌ بِهِ، نقول: إن وجد المفعول في الكلام، وإن لم يوجد حينئذٍ عدل إلى ما ينوب عنه، كذلك مَفْعُولٌ بِهِ: نقول: هذا قد يصدق على المفعول حقيقة وهو فيما إذا كان الفعل له مفعولاً واحداً ضرب زيد عمراً، لا شك أنه مفعول واحد، فتقول: ضُرب عمروٌ، وسيأتي البحث فيما إذا كان متعدياً إلى اثنين سواء كان من باب كسى، أو باب علم، أو متعدي إلى ثلاثة.


عَنْ فَاعِلِ حذف لغرض لفظي أو معنوي، فِيما لَهُ يعني: في الذي استقر له –للفاعل- من الأحكام السابقة؛ لأنه سبق أن الفاعل له الرفع، وسبق أن الفاعل يكون بعد الفعل ولا يتقدم عليه، سبق أن الفاعل لا بد من ذكره أو استتاره لا يحذف، سبق أن الفاعل لا بد من تجريد العامل من علامة تدل على تثنيته أو جمعه، فيما إذا كان مثنىً أو جمعاً، سبق أن الفاعل لا بد من تأنيث الفعل له إن كان مؤنثاً حقيقياً بالشرط السابق، وقد يجوز ذلك، سبق أن الفاعل قد لا يتقدم على فاعله، لا بد من تأخره .. وغير ذلك من الأحكام، وهذه بخلافها للمفعول، المفعول الأصل فيه أن يكون منفصلاً عن العامل، وهنا سيكون متصلاً به، الأصل في المفعول أنه منصوب، والأصل في المفعول أنه يجوز تقدمه على العامل، الأصل في المفعول ألا يراعى من جهة كونه مؤنثاً أو لا! ليس له علاقة، العامل لا علاقة له، ضرب زيد هنداً، بخلاف ضربت هند زيداً لا بد من التأنيث إذا كان الفاعل مؤنثاً، حينئذٍ نقول: الأحكام السابقة كلها التي ثبتت للفاعل تثبت للمفعول به، فكان فضلة صار عمدة، كان منصوباً صار مرفوعاً، كان جائز التقدم على العامل صار واجب التأخر، كان الأصل فيه أن ينفصل عن العامل صار الأصل فيه أو الاستحقاق أن يتصل بالعامل، كان الأصل ألا يراعى من جهة التأنيث، فحينئذٍ صار واجب المراعاة من جهة التأنيث: ضرب زيد هنداً، ضُربت هند وجب التأنيث من أجل المفعول به، إذاً كل الأحكام السابقة للفاعل تثبت للمفعول إذا أنيب مناب الفاعل.
كالرفع، والعمدية، ووجوب التأخير، ووجوب ذكره، واستحقاقه الاتصال بالعامل، وكونه كالجزء منه -كان منفصلاً صار كالجزء بدليل أنه يسكن له آخر الفعل الماضي، تأنيث الفعل- لتأنيثه على التفصيل السابق، وإغنائه عن الخبر في نحو: أمضروب العبدان، أغنى هنا عن الخبر، وهو نائب فاعل.
وتجريد العامل من علامة التثنية والجمع على اللغة الفصحى كما سبق.
يَنُوبُ مَفْعُولٌ بِهِ عَنْ فَاعِلِ ... فِيما لَهُ: يعني في الذي استقر له من الأحكام فِيما لَهُ: استقر له، لَهُ هذا متعلق بمحذوف صلة الموصول فيما يعني في الذي استقر له من الأحكام؛ للفاعل من الأحكام السابقة التي بيناها.
كَنِيلَ: كقولك نِيلَ خَيْرُ نَائِلِ: أصلها نال زيد خَيْرُ نَائِلِ، حذف الفاعل الذي هو زيد وأنيب خَيْرُ منابه، فارتفع، كان منصوباً فصار مرفوعاً، كان خيرَ بالنصب، صار خيرُ، كان منفصلاً عن العامل نَائِلِ صار متصلاً به، كان جائز التقدم، نال زيد خير نائل، خير نائل نال زيد، هذا جائز، لكن لما ارتفع على أنه نائب فاعل امتنع.
إذاً كل الأحكام قد ثبتت لنائب الفاعل.
كَنِيلَ خَيْرُ نَائِلِ: يقال نلته المعروف وأنلته ونولته، أي: أعطيته، والاسم النوْل والنوَال، وليس خيرَ نائل، الظاهر أنها ليست أفعل التفضيل ولا مصدراً وإنما هو بمعنى المال، ((إِن تَرَكَ خَيْرَاً)) يعني مالاً، ونائل اسم فاعل، فالمعنى أُعطي مال شخص نائل، أي معطٍ، إذاً نِيلَ، نقول: هذا مغير الصيغة كما سيأتي، وخَيْرً هذا نائب عن الفاعل المحذوف؛ إذ الأصل نال زيد خير نائل.


فَأَوَّلَ الْفِعْلِ اضْمُمَنْ وَالمُتَّصِلْ: بعد أن بين لنا أن المفعول ينوب مناب الفاعل في الأحكام السابقة كلها، حينئذٍ إذا ناب فالأصل بقاء الفعل على ما كان عليه، إذا قيل: ضرب زيد عمراً، حذفت الفاعل وهو زيد وأعطيت الأحكام كلها السابقة لعمرو، فقلت: ضرب عمرو، رفعت عمراً بعد أن كان منصوباً واتصل بالعامل بعد أن كان منفصلاً، حينئذٍ التبس بالفاعل، ضرب زيد ضرب عمرو، ما الذي أدرانا أن هذا نائب وهذا فاعل! فأوجب النحاة على ما استعمل في لسان العرب من تغيير الصيغة للدلالة على أن ما بعده نائب فاعل وليس بفاعل، فمنذ أن ينطق بالفعل في أول الكلام تعلم أن الذي سيذكر بعده نائب فاعل وليس بفاعل، منذ أن تقرأ أو تسمع ضُرب تعلم أن زيد الذي يليه نائب فاعل، ما الذي أدرانا؟ تغيير الصيغة.
إذاً: يجب تغيير الصيغة من أجل تمييز النائب -نائب الفاعل- عن الفاعل؛ لأنه لو لم تغير الصيغة لالتبس ذا بذاك، فقيل: ضرب زيد عمرو، ضرب عمرو، حينئذٍ ما حصل حذف وأين النائب؟ وما الذي دلنا على هذا؟ فلذلك وجب تغيير الصيغة، والأبيات التي ستأتي معنا كلها في بيان الأحكام المتعلقة بالفعل من أجل الحكم على أن ما بعده نائب فاعل وليس بفاعل، وهذه كلها في الجملة متفق عليها ليس فيها خلاف.
فقال رحمه الله: فَأَوَّلَ الْفِعْلِ اضْمُمَنْ: إذاً للانتقال.
يَنُوبُ مَفْعُولٌ بِهِ عَنْ فَاعِلِ ... فِيمَا لَهُ كَنِيلَ خَيْرُ نَائِلِ

ثم ينتقل إلى الفعل، نقول: لماذا؟ لبيان أن الفعل يجب تغييره تغيير صيغته من أجل تأكيد الحكم على أن ما بعد الفعل نائب فاعل وليس بفاعل.
فَأَوَّلَ: هذه الفاء للتفريع، يعني إذا ناب المفعول مناب الفاعل يتفرع على ذلك وجوب تغيير الصيغة، ولا تتركه هكذا ضرب زيد عمراً، ضرب عمرو؛ لأنك لو تركته دون أن تضم أوله لالتبس بالفاعل.
فَأَوَّلَ -الفاء هذه للتفريع- الْفِعْلِ اضْمُمَنْ: اضْمُمَنْ: هذا فعل أمر اتصل به نون التوكيد الخفيفة، فهو مبني معها على الفتح.
أَوَّلَ الْفِعْلِ: هذا مفعول به مقدم، والأصل في الفعل المؤكد ألا يتقدم معموله عليه، جماهير النحاة على ذلك إلا في مقام الضرورة كالبيت هنا، وإلا الأصل اضْمُمَنْ أَوَّلَ الْفِعْلِ، لا يجوز أن يتقدم، فإذا أعرب مثل هذا التركيب (أَوَّلَ) مفعول به لـ (اضْمُمَنْ) وهو مؤكد، سواء كان مؤكداً بالنون أو بقد أو باللام أو نحو ذلك، لا يجوز أن يتقدم معموله عليه إلا في مقام الضرورة كالوزن ونحو ذلك.
هنا أَوَّلَ: نقول هذا مفعول به مقدم على اضْمُمَنْ وهو العامل فيه.
فَأَوَّلَ الْفِعْلِ: المراد بأول الفعل (فاء الفعل)؛ لأن ضَرَبَ على وزن فَعَلَ، فاء الفعل هي الأول، وعين الفعل هي الثاني، ولام الفعل هي الثالث، وهذه اصطلاحات عند الصرفيين، يسمون الأول من الكلمة الأصلية الحرف الأصلي يسمى فاء الفعل؛ لأنه مقابل للفاء في الوزن، فيقال: ضرب على وزن فعل، ففعل ضرب، الضاد هي فاء الفعل، والراء هي عين الفعل، والباء هي لام الفعل.
فاضْمُمَنْ أَوَّلَ الْفِعْلِ، يعني فاء الفعل الذي هو الحرف الأصلي، وهذا المراد به في الثلاثي كما سيأتي.
فَأَوَّلَ الْفِعْلِ: أي فاء الكلمة -الفعل الذي تبنيه للمفعول-.


اضْمُمَنْ: مطلقاً سواء كان ماضياً أو مضارعاً، فأطلق قوله: الْفِعْلِ ليشمل الماضي والمضارع؛ لأن الحكم عام.
فكل فعل مغير الصيغة في هذا الباب أوله مضموم قطعاً، ثم الضم قد يكون ملفوظاً به وقد يكون مقدراً، فاضْمُمَنْ ولو تقديراً، كما في قيل وبيع كما سيأتي؛ لأن قيل أصله مضموم الأول، وبيع أصله مضموم الأول، فحينئذٍ ضُم لكنه مقدر، وبيع ضُم لكنه مقدر، إذاً اضْمُمَنْ مطلقاً، سواء كان الفعل ماضياً أو مضارعاً فالحكم عام، حينئذٍ تقول: ضرب، ضُ .. ضممت الأول، يُضرب، يُـ .. تضم حرف المضارعة، وهذا الحكم قلنا عام يشمل فيما إذا كان الأول مكسور فيما هو الثلاثي المعل العين كما سيأتي في قيل وبيع، فحينئذٍ يكون الضم مقدراً، أو كان ملفوظاً به وهو الأصل، إذاً عمم القاعدة في الأول فَأَوَّلَ الْفِعْلِ اضْمُمَنْ: يعني سواء كان الفعل ماضياً أو مضارعاً اضْمُمَنْ، ولو تقديراً، ولو مثل بنيِلَ خَيْرُ نَائِلِ جيد.
وَالمُتَّصِلْ بِالآخِرِ اكْسِرْ: أما ما قبل الآخر ففيه تفصيل بين النوعين الماضي والمضارع؛ لأن الأمر هنا لا يتصور أن يدخل معنا، لماذا؟ لأن فاعله لا يحذف، لا يمكن أن يحذف بل هو ضمير مستتر واجب الاستتار، فحينئذٍ بقي الأمر متردداً بين الماضي والمضارع، فإذا قيل: بأن الماضي والمضارع يضم أولهما بقي التفريق بينهما فيما قبل الآخر، أما الآخر فهذا يكون محلاً للإعراب والبناء، بقي حكم الصرف معلقاً بما قبل الآخر، فإن كان ماضياً قال: اكْسِرْ، واكسر المتصل بالآخر في مضيٍ، متصل بالآخر ما هو؟ الذي قبل الآخر، المتصل يعني: الحرف المتصل بالآخر الذي هو قبل الآخر، ضَرَب الراء هذه متصلة بالآخر وهي الباء، في الماضي تقول: ضُرِب فَأَوَّلَ الْفِعْلِ اضْمُمَنْ، ثم اكسر ما قبل آخره ضُرِب، وأما الباء فهي حركته حركة بناء.
واكْسِرْ الحرف المُتَّصِلْ هذا مفعول به وقف بالإسكان للروي مفعول مقدم لقوله: اكْسِرْ، اكْسِرْ المُتَّصِلْ، يعني الحرف المتصل.
بِالآخِرِ: هذا متعلق بالمتصل، متصل بالآخر يعني الذي يكون آخر الكلمة وهو محل إعراب أو بناء، المتصل به الذي قبله.
فِي مُضِيٍّ: هذا تخصيص –تقييد-، ليس الحكم كالأول فَأَوَّلَ الْفِعْلِ اضْمُمَنْ! لا، هنا تفصيل، أوَّل عمم وأطلق وهنا فصل، وهذا تستدل به على أنه أراد بقوله: الفعل، فَأَوَّلَ الْفِعْلِ العموم؛ لأنه إذا أطلق -هذا حتى في الفقهيات- إذا أطلق الحكم في مسألة، ثم جاء في المسألة التي تليها فصّل بين ما يمكن إدخاله في المسألة الأولى، تعمم الأولى وتخصص الثانية، هنا قال: فَأَوَّلَ الْفِعْلِ اضْمُمَنْ، قد يقول قائل: هذا ليس نصاً في أن المضارع داخل فيه، أو أن الحكم خاص بالماضي، نقول: لا، كونه فصل قال: فِي مُضِيٍّ، ثم قال: وَاجْعَلْهُ مِنْ مُضَارِعٍ، في المتصل بالآخر، علمنا أن قوله: فَأَوَّلَ الْفِعْلِ، أنه عام، وهذا كثير في الفقه هناك.
وَالمُتَّصِلْ بِالآخِرِ -منه- اكْسِرْ، هذا أمر وجوباً ولو تقديراً، كـ (رُدَّ) فيما هو ثلاثي مُضَعَّف، رُدَّ فِي مُضِيٍّ، هذا قيد أفاد أن قوله: أَوَّلَ الْفِعْلِ عام، وأن هذا الحكم خاص بالماضي دون المضارع.


اكْسِرْ: نقول: ضُرِب، أصلها ضَرَب مفتوحة الراء، فجعلت الفتحة كسرة، تقول: ضُرِب، إذاً تغيرت صيغة الفعل الماضي.
ضَرَب، صار ضُرِب ضُمَّ أوله وكسر ما قبل آخره، وهذا واضح فيما إذا كان مفتوحاً .. ضرَب، فعَل العين مفتوحة الراء مفتوحة، إذا كان مثل علِم اللام مكسورة في أصلها، فحينئذٍ إذا قيل اللام مكسورة في أصلها، إذا قلت: عُ ضممت أوله، لِ كسرت ما قبل الآخر أو نبقيه كما هو؟ قولان للنحاة، والظاهر أنها ما كان مكسور قبل الآخر يبقى على كسرته، لا نحتاج أن نقول هذه الكسرة محدثة وأسقط الكسر السابق، هو محتمل، لكن نقول: المراد هنا التمييز تمييز الفعل من أجل الحكم على أن ما بعده نائب فاعل، فحينئذٍ حصل بوجود الكسر فأغنت هذه الكسرة عن إحداث كسرة أخرى، فإذا قيل: عُلِم قد يرد السؤال: هذه الكسرة هل هي الكسرة الأصلية في عُلِم أم أنها كسرة محدثة مثل ضُرِب، نقول: الظاهر أنها هي الأصل، وليست محدثة.
اكْسِرْ: نقول هذا ظاهره فيما إذا لم يكن مكسوراً في الأصل كضَرَب، فإن كان مكسوراً في الأصل كعلِم، فإما أن يقال: يُقدر زوال الكسر الأصلي وأتي بكسر بدله، هذا فيه تكلف، بمعنى أنه يقال هذه الكسرة ليست هي كسرة علِم، بل كسرة محدثة جديدة، وتلك قد سقطت، أو يقال المراد الكسر إذا لم يكن مكسوراً في الأصل، واكْسِرْ إذا لم يكن مكسوراً في الأصل، وهذا جيد وأحسن، ومناسب للقواعد التي تكون منطقية، ويقبلها العقل، حينئذٍ نقول: واكْسِرْ إذا لم يكن مكسوراً، فإن كان مكسوراً بقي على كسره ولا نحتاج إلى التكلف.
والكسر هو الكثير في لسان العرب، ومنهم من يسكنه لغة، ضُرِبَ يقول: ضُرْبَ زيد بإسكان الثاني، والكثير المشهور هو كسره، ويجوز تسكينه فيقال: ضُرْبَ، عُلْمَ زيد، يعني عُلِم، ومنهم من يفتحه في معتل العين، ويقلب الياء ألفاً، رُئِيَ زيد، يفتح ما قبل الآخر وهو الهمزة، فحينئذٍ نقول: تحركت الياء وانفتح ما قبلها فقلبت ألفاً فصار رُؤى، رؤى زيد.
إذاً: الصحيح يكون فيه لغتان: نحو ضُرِب فيه لغتان: كسر ما قبل الآخر وهو الأفصح والأكثر، وتسكينه.
وأما إذا كان معتل اللام مثل رأى رؤي، ففيه ثلاث لغات، الأولى الكسر رئي، ثم رؤى الذي هو الإسكان، ثم فتح ما قبل الآخر فتقلب الياء ألفاً رأي، تحركت الياء وانفتح ما قبلها، فحينئذٍ قلبت ألفاً وصار رؤى، رؤى زيد، ففيه ثلاث لغات، لكن المشهور ما ذكره الناظم هنا رحمه الله تعالى.
فِي مُضِيٍّ: قلنا هذا متعلق بقوله: اكْسِرْ، كَوُصِلْ، وصل زيد وصلت الشيء، الأصل وصلت، وصل مثل ضرب .. وصلت الشيء ووصل الشيء ضُم أوله وكسر ما قبل آخره حقيقة، فحذف الفاعل وأقيم المفعول به مقامه، فتغير فَعَل بفتح أوله فُعِل، هذا إذا كان ماضياً.
إن كان مضارعاً أشار إليه بقوله:
وَاجْعَلْهُ مِنْ مُضَارِعٍ مُنْفَتِحَا ... كَيَنْتَحِي الْمَقُولِ فِيهِ يُنْتَحَى

وهذا كما ذكرنا لا خلاف فيه بين النحاة، كل هذه المسائل متفق عليها، وهي المسائل المأخوذة من فن الصرف؛ لأنه لا علاقة للنحاة بأول الفعل ولا أوسطه، وإنما يتعرضون لهذه الأبحاث وإن لم تكن من فنهم من أجل إتقان الباب فحسب؛ لأنه لا يتم معرفة نائب الفاعل إلا بذكر هذه المسائل.


وَاجْعَلْهُ: يعني المتصل بالآخر.
مِنْ مُضَارِعٍ: عرفنا حكم الماضي، إذاً ليس للاحتراز، وإنما هو لبيان الواقع.
مُنْفَتِحَا: يعني مفتوحاً، وهذا مفعول ثاني لقوله: اجْعَلْ، والهاء هذه مفعول أول.
وَاجْعَلْهُ مِنْ مُضَارِعٍ مُنْفَتِحَا: ولو تقديراً كـ (يُقال)، قال يقالُ يقولُ .. ضُمَّ أوله وفُتِح ما قبل آخره، صار يُقْوَلُ يُفْعَلُ مثل: يُضربُ، يُقتلُ، هذه مغير الصيغة، فيقال: يُقْوَلُ، أريد قلب الواو ياء، فنقلت حركة الواو إلى ما قبلها، من أجل أن ندعي أن الواو تحركت وانفتح ما قبلها فقلبت ألفاً، أو نقول: اكتفاء بجزء العلة؛ لأن العلة مركبة هنا، لا بد من تحرك الواو وانفتاح ما قبلها، فإذا قيل: يُضرَب، يُقْوَلُ تحركت الواو ولم يفتح ما قبلها، ماذا نفعل؟ تكلف الصرفيون لهذا القلب علة أخرى وهي: أن الواو قد نقلت إلى ما قبلها، حينئذٍ صار النظر إلى فعلين: يُقْوَلُ واو مفتوحة، ثم لما نقلوا الفتحة إلى ما قبلها صار (يَق) تحركت الواو ثم سكنت الواو، بالنظرين قبل النقل وبعد النقل قالوا: تحركت الواو في يُقْوَلُ، وانفتح ما قبلها في يَقْوَلُ، وحينئذٍ قلبت ألفاً، وهذا فيه تكلف، والأصح أن يقال: اكتفاء بجزء العلة، لماذا؟ لأنه سمع كذا، يُقَالُ لا يوجد يُقْوَلُ أبداً، وإنما هذه فلسفة من أجل معرفة أن هذه الألف منقلبة عن واو، وهو صحيح متفق على أن هذه الألف منقلبة عن واو، كيف انقلبت؟ نقول: نحن عندنا قاعدة أن الواو لا تقلب ألفاً إلا إذا تحركت وانفتح ما قبلها، قال: قوَل، تقول: تحركت الواو وانفتح ما قبلها فقلبت ألف، باع بيَع تحركت الياء وانفتح ما قبلها فقلبت ألفاً.
هنا ليس عندنا تحرك الواو وانفتح ما قبله، فقالوا: إذاً نتكلف علة من أجل تمكين هذه الواو من قلبها ألفاً، إذاً إذا قيل: يقال، ما قبل الأخير هو الواو المنقلبة ألفاً.
قال: وَاجْعَلْهُ مِنْ مُضَارِعٍ مُنْفَتِحَا أين الانفتاح هنا؟ ليس فيه فتحة، وإنما نقول: هنا مقدر؛ لأنه قبل قلب الألف واواً.
وَاجْعَلْهُ: يعني اجعل المتصل بالآخر يعني ما قبل الآخر مِنْ مُضَارِعٍ مُنْفَتِحَا ولو تقديراً كـ (يُقال)، اجْعَلْهُ الضمير هنا مفعول أول مُنْفَتِحَا مفعول ثاني، مِنْ مُضَارِعٍ متعلق باجْعَلْهُ.
كَيَنْتَحِي: يعني كقولك في مثال ذلك ينتحي، هذا من الانتحاء وهو الاعتماد، المبني للمعلوم.


يَنْتَحِي بإثبات الياء، يَنْتَحِي أصلها ينتحيا، حينئذٍ تحركت الياء وانفتح ما قبلها فقلبت ألفاً فصار يَنْتَحِي، هذه ألف ويَنْتَحِي هذه ياء، نقول: تحركت الياء وانفتح ما قبلها فوجب قلبها ألفاً، حينئذٍ يَنْتَحِي هذا مضارع مبني للمعلوم، يَنْتَحِي هذا مضارع مغير الصيغة، والأولى أن يعبر في مثل هذا التركيب بمغير الصيغة وإن انتشر عند الكثير بأنه مبني للمجهول لسببين: أولاً: المبني للمجهول هذا فيه تخصيص لغرض واحد من أغراض حذف الفاعل؛ لأنه كما سبق حذف الفاعل ليس خاصاً بالمجهول، هل كلما حذف الفاعل معناه للجهل به؟ قلنا: قد يخاف من ذكره، قد يكون معلوماً ((خُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفاً)) معلوم هذا؟ مقطوع العلم هذا، لا خالق إلا الله، حينئذٍ ليس إذا قيل: مبني للمجهول فيه حصر لغرض حذف الفاعل في الجهل به، وهذا غلط ليس بصحيح، بل قد يحذف للعلم به، قد يحذف للخوف منه، قد يحذف لمصلحة ألا يصرح به، قد يحذف للتعظيم، للتحقير .. إلى آخره، ليس للجهل به.
ثم إذا جئنا في حكم شرعي وإذا جئنا نطبق مثل هذا الإعراب في بعض الآيات التي يكون فيها الرب جل وعلا هو الفاعل الذي حذف، هذا لا يجوز نقول: ((خُلِقَ الإِنسَانُ)) خُلِقَ مبني للمجهول! هذا لا يجوز، ولو اصطلح النحاة على هذا، لماذا؟ لأنه لا يدَّعى أن الله عز وجل مجهول، ((خُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفاً)) خُلِقَ، نقول: هذا فعل مبني للمجهول، أين المجهول؟ ليس عندنا مجهول، فلا يلتبس؛ لأنه كثير ما يقول النحاة مبني للمجهول! لا، نقول: مغير الصيغة، فعل ماضي مغير الصيغة، فعل مضارع مغير الصيغة، ومبني للمجهول هذه إن استعملت فرآها إنسان لا يستعملها في مثل هذه المواضع.
إذا كان المحذوف النبي صلى الله عليه وسلم أو أحد من الصحابة مثلاً والقول منسوب إليه، أو الملائكة .. حينئذٍ نقول: لا، لا ينبغي بل لا يجوز أن يقول: مبني للمجهول؛ لأن التجهيل هذا صعب.
وَاجْعَلْهُ مِنْ مُضَارِعٍ مُنْفَتِحَا ... كَيَنْتَحِي الْمَقُولِ فِيهِ: الْمَقُولِ يجوز فيه وجهان: مَقُولِ على أنه نعت ليَنْتَحِي؛ لأنه قصد لفظه، كَيَنْتَحِي الأولى أن يجعل الكاف هنا داخلة على اسم، يَنْتَحِي هذا قصد لفظه، وإنما نقدر القول فيما إذا كان جملة، يعني لو قال: كَيَنْتَحِي زيد عمرو كقولك، أما إذا جاء بالفعل نفسه نقول: هذا قصد لفظه فصار علماً، فالكاف هنا داخلة على اسم، فلا نحتاج إلى التقدير.
كَيَنْتَحِي الْمَقُولِ: نعت له.
الْمَقُولِ فِيهِ: (فِيهِ) هذا نائب فاعل المقول، يعني اسم مفعول، يَنْتَحِي هذا محكي بالقول؛ لأن المقول والقول وما تصرف منه قلنا هذا يتعدى، هذا الأصل، حينئذٍ يكون نائب فاعل ليس فيه، وإنما ينتحى هو المحكي بالمقول.
ويجوز الْمَقُولِ فِيهِ يَنْتَحِي، الْمَقُولِ مبتدأ، ويَنْتَحِي هذا خبر، يجوز هذا ويجوز ذاك. الْمَقُولِ فِيهِ يَنْتَحِي، لكن إذا قيل: الْمَقُولُ بالرفع يكون الترتيب للبيت هكذا:
وَاجْعَلْهُ مِنْ مُضَارِعٍ كَيَنْتَحِي ... مُنْفَتِحَا الْمَقُولِ فِيهِ يُنْتَحَى


هذا أولى، إذا جُعِل مرفوعاً يكون تقدير البيت: وَاجْعَلْهُ مِنْ مُضَارِعٍ كَيَنْتَحِي .. حينئذٍ كَيَنْتَحِي هذا متعلق بقوله: مُضَارِعٍ، مُنْفَتِحَا هذا مفعول ثاني، وإذا قيل: الْمَقُولِ فيبقى على ما ذكره الناظم رحمه الله تعالى.
إذاً: الماضي والمضارع إذا أريد صوغهما لنائب الفاعل حينئذٍ يضم الأول (فَ)، ثم ننظر إلى ما قبل الآخر فالماضي نكسره لفظاً أو تقديراً ويجوز لغةً تسكينه، وإذا كان معتل اللام جاز فتحه، فصار فيه ثلاث لغات، وما قبل المضارع يفتح ولو تقدير، وهذا محل وفاق والحمد لله.
وَالثَّانِيَ التَّالِيَ تَا الْمُطَاوَعَهْ ... كَالأَوَّلِ اجْعَلْهُ بِلاَ مُنَازَعَهُ

وهذا أيضاً محل وفاق.
وَالثَّانِيَ: يعني الحرف الثاني، هذا منصوب على الاشتغال، وهذا سيأتينا: إِنْ مُضْمَرُ اسْمٍ سَابِقٍ فِعْلاً شَغَلْ، اجْعَلْهُ الضمير هنا راجع إلى الثاني، لكنه نصبه حينئذٍ تعين أن يكون الأول من باب الاشتغال.
وَالثَّانِيَ: يعني اجعل الثاني، والمراد بالثاني هنا الحرف -الحرف الثان-ي.
التَّالِيَ تَا الْمُطَاوَعَهْ: تَا الْمُطَاوَعَهْ المراد بها حصول الأثر من الأول للثاني، قد تتصل بالفعل الماضي تاء تسمى تَا الْمُطَاوَعَهْ، والمراد بها قبول الأثر، أو حصول الأثر من الأول للثاني، يعبر بالحصول والقبول لا شك، هذا وذاك، يقال: حصول الأثر من الأول للثاني، أو قبول الأثر من فعل سابق وحصوله نتيجة لتأثيره، علَّمتُه فتعلم، علمته: حصل تعليم مني، فقبل العلم فتعلم، أما إذا لم يقبل لا يصح أن يقال: فتعلم؛ لأنه لم يقبله، كسَّرته فتكسَّر، إذاً تكسر حينئذٍ قلنا قبل الأثر، إذا لم يتكسر لا يقال: تكسر، إذا كسرت الزجاج كسرته كسرته تقول: كسّرته فتكسَّر، إذا لم يتكسَّر لا يصح أن يقال: تكسَّر، التاء هذه تدل على أن ثم تأثير من خارج لهذا المحل، فقبله ذلك المحل، إذا قبل وجاءت التاء، قلنا هذه تَا الْمُطَاوَعَهْ.
قال: وَالثَّانِيَ التَّالِيَ تَا الْمُطَاوَعَهْ: وتا المطاوعة هذه لا تتصل إلا بالفعل الماضي، وإذا كان كذلك خصصنا هذا البيت بالفعل الماضي لأنه لا تأتي في الفعل المضارع.
هذا في الماضي لا في المضارع؛ لأن تَّالِيَ تَا الْمُطَاوَعَهْ لا يكون ثانياً في المضارع بل ثالثاً فيه؛ لزيادة حرف المضارعة قبلها؛ لأنه قال: وَالثَّانِيَ، هذا لا يتصور في المضارع وإنما يتصور في الماضي فحسب.
وَالثَّانِيَ التَّالِيَ تَا الْمُطَاوَعَهْ: الذي يتلو تَا الْمُطَاوَعَهْ: حينئذٍ تَا الْمُطَاوَعَهْ تكون أولاً، وحكمها معلوم مما سبق فَأَوَّلَ الْفِعْلِ اضْمُمَنْ، الكلام الآن ليس في تَا الْمُطَاوَعَهْ، تَا الْمُطَاوَعَهْ داخل في قوله: فَأَوَّلَ الْفِعْلِ اضْمُمَنْ، حينئذٍ حكمها الضم؛ لأنها أول الفعل فَأَوَّلَ الْفِعْلِ اضْمُمَنْ مطلقاً، أي فعل ماضي سواء كان مجرداً كضرب، أو دخلت عليه تاء المطاوعة أو همزة الوصل كانفعل، أو استفعل .. كل فعل ماضي أوله مضموم، وتعلَّم وتكسَّر أوله التاء وهي تاء المطاوعة؛ إذاً ليس الحكم المراد به هنا تاء المطاوعة، وإنما المراد به الثاني الذي يتلوه.


وَالثَّانِيَ: يعني الحرف الثاني التَّالِيَ تَا الْمُطَاوَعَهْ: قصره للضرورة.
كَالأَوَّلِ اجْعَلْهُ: بدل من أن يقول: كتاء المطاوعة قال: كالأول من باب التفنن، وإلا الأصل أن يقول مثلها، يعني فيأخذ الحكم الثاني التالي تا المطاوعة الذي يتلوها، أن يأخذ حكمها، قال: كَالأَوَّلِ اجْعَلْهُ، قد يظن الظان بأن قوله: كَالأَوَّلِ أن ثم فرقاً بين تاء المطاوعة والأول! لا، هي عينها؛ كأنك تقول: تَعلَّم، تُعلمِّ، ماذا صنعت؟ ضممت الأول على الأصل، الأصل تعلَّم، ما القاعدة؟ فَأَوَّلَ الْفِعْلِ اضْمُمَنْ، وما قبل الآخر وَالمُتَّصِلْ بِالآخِرِ اكْسِرْ فِي مُضِيٍّ كَوُصِلْ.
إذاً: تعُلِّم كسرت ما قبل الميم وهو اللام.
الفائدة في هذا البيت أن ماكان مفتتحاً بتاء المطاوعة وهو فعل ماضي الثاني يتبع الأول، فتقول: تُعُلِّم .. ضممت العين كما ضممت التاء، تدحرج تُدُحرج، تكسر تُكُسر، إذاً ضممت الثاني مع الأول.
تغافل تُغُوفِل كسرت الفاء على الأصل، وَالمُتَّصِلْ بِالآخِرِ .. ، تَقَاَتلَ تُقُوتِلَ، تضاربا تضوربا .. إذاً ما كان مفتتحاً بالتاء وهو وزنان: تَفَعَّّل وتَفَاعَلَ، يتبع الثاني الأول، فتقول: تُفُعِّل وتُفُوعِل.
وَالثَّانِيَ التَّالِيَ تَا الْمُطَاوَعَهْ
كَالأَوَّلِ اجْعَلْهُ بِلاَ مُنَازَعَهُ

بِلاَ مُنَازَعَهُ: يعني بلا خلاف في هذه المسألة وفي غيرها، ولذلك قال المكودي أن هذا تتمة للبيت، يعني ليس فيه قائدة.
إذاً: وَالثَّانِيَ: هذا منصوب على الاشتغال.
والتَّالِيَ: هذا نعت له.
تَا الْمُطَاوَعَهْ: التَّالِيَ هذا اسم فاعل دخلت عليه أل فينصب، يعني الذي تلا، والفاعل فيه ضمير مستتر يعود على الثاني، الحرف الثاني، الذي تلا .. تلا ماذا؟ تلا تاء المطاوعة، فتاء هذا مفعول به للتالي.
كَالأَوَّلِ اجْعَلْهُ: اجعله كالأول، الهاء مفعول أول وكَالأَوَّلِ هذا متعلق بمحذوف، مفعول ثاني مقدم على اجْعَلْهُ، يعني مفعول ثاني لاجعله، بِلاَ مُنَازَعَهُ.
وَالثَّانِيَ التَّالِيَ تَا الْمُطَاوَعَهْ: قلنا المراد هنا في الماضي، هذا الحكم متعلق بالماضي لا في المضارع، لماذا؟ لأن التالي لتا المطاوعة لا يكون ثانياً في المضارع البتة، بل ثالثاً فيه لزيادة حرف المضارعة قبلها، إذا قلت: تعلَّم، تعلَّم فعل ماضي، أَدخل عليه حرف المضارعة يتعلم، هنا قال: وَالثَّانِيَ التَّالِيَ تَا الْمُطَاوَعَهْ: الذي يتلو تا المطاوعة يكون ثانياً، الذي يأتي بعده.
يَتَعَلّـ .. التالي لتاء المطاوعة جاء ثالثاً وهو العين ولم يكن ثانياً، (يَتَ) حرفان، (عَ) جاء ثالثاً، إذاً الذي تلا حرف المطاوعة جاء ثالثاً ولم يأت ثانياً، فالحكم حينئذٍ لا يتصور في المضارع، يعني ضم الثاني الذي يتلو تا المطاوعة لا يتصور في الفعل المضارع ولو دخلت عليه تا المطاوعة، لماذا؟ لأنها لا تكون ثانياً، بل يكون ثالثاً، يعني الذي يتلو تا المطاوعة يكون ثالثاً.


لزيادة حرف المضارعة قبلها فالتالي لتاء المطاوعة في المضارع باقٍ على ما كان عليه في المبني للفاعل، تقول: يَتعلم، يُتعلم بقي كما هو، يَتعلم زيد المسألة، تُتَعَ .. بقيت العين كما هي، يَتعَ، يُتعَ بقيت العين كما هي مفتوحة، والحكم حينئذٍ يكون خاصاً بالماضي.
وَالثَّانِيَ التَّالِيَ: والثاني من الفعل الماضي المفتتح بتاء المطاوعة، قيل: وشبهها من كل تاء مزيدة، فالحكم حينئذٍ -ولذلك اعترض على الناظم هنا أن الحكم ليس خاصاً بتاء المطاوعة فحسب، بل كل فعل ماضي على وزن تفعَّل أو تفاعَل، وهذا ضبطه أحسن؛ لأن تكبَّر على وزن تفعَّل، لكن التاء ليست للمطاوعة، ومع ذلك نقول: تُكُبِّر على زيد، فحينئذٍ نقول: الكاف هنا ضمت تابعة للتاء، طيب ليست تاء المطاوعة هي شبيهة بها؛ لأنه على وزن تفعّل، ويقال: تخيّر تُخيّر، الحكم عام-.
إذاً قوله: تا المطاوعة جرى على الغالب، ولو قيل من باب أن التاء هنا الثاني يضم تابعاً للأول إذا كان من باب تعلم، تفعّل وتفاعل .. إذاً ضبطه بباب تفعّل وتفاعل أجود من أن يقال بأن أوله تاء المطاوعة؛ لأنه قد يكون أوله تاء من باب تفعل وليس التاء فيه تاء المطاوعة مثل تكبّر وتخير.
وَالثَّانِيَ التَّالِيَ تَا الْمُطَاوَعَهْ ... كَالأَوَّلِ اجْعَلْهُ بِلاَ مُنَازَعَهُ

قيل: لئلا يلتبس بالمضارع الذي للفاعل، يعني المبني للفاعل، هكذا عُلل، لكن السماع هو الذي يقدم.
كَالأَوَّلِ اجْعَلْهُ: فيقال: تُدحرج الحجر، وتغوفل عن الأمر بإتباع الثاني الأول في الضم.
بِلاَ مُنَازَعَهُ: قلنا هذا جار ومجرور متعلق بقوله: اجعله.
إذاً هذا ما كان في أوله تاء المطاوعة على ما ذكره الناظم، وقلنا نعمم البيت ونقول: ما كان على وزن تفعّل وتفاعَل.
انتقل إلى ما كان أوله همز الوصل، وهذا أيضاً خاص بالماضي؛ لأن المضارع لا يكون في أوله همز الوصل، المضارع لا يفتتح بهمز الوصل البتة.
وَثَالِثَ الَّذِي بِهَمْزِ الْوَصْلِ ... كَالأَوَّلِ اجْعَلَنَّهُ كَاسْتُحْلِي

وَثَالِثَ: هذا أيضاً منصوب بالاشتغال؛ لأنه قال: اجْعَلَنَّهُ، وهذا مؤكد والهاء هنا ضمير وهو مفعول أول والمفعول الثاني كَالأَوَّلِ، مثل السابق .. كَالأَوَّلِ اجْعَلَنَّهُ، كَالأَوَّلِ اجْعَلَنَّهُ، الفرق بينهما أن الثاني مؤكد والتوكيد هنا لا وجه له، يعتبر حشواً، إلا إذا كان ثم خلاف الله أعلم، لا أعرف الخلاف في هذه المسائل.
وَثَالِثَ: يعني وثالث الفعل، أي: الماضي، الزائد على أربعة أحرف؛ لأنه لا يكون كذلك إلا إذا كان زائداً على أربعة أحرف؛ لأن همزة الوصل لا تلحق المضارع والماضي الثلاثي والرباعي.
الرباعي همزته همزة قطع، أكرم وأخرج، همزته أفعل همزة قطع، والثلاثي ضرب ليس فيه همزة أصلاً، والمضارع ليست فيه همزة وصل.
إذاً قوله: وَثَالِثَ الفعل الَّذِي أي: في الماضي الزائد على أربعة أحرف، أما الثلاثي لا يتصور فيه همزة؛ لأنها زائدة، إذا كان ثلاثياً حينئذٍ اقتضى أن يكون كل الحروف أصلية: ضرب، وعلم وظرف .. إلى آخره، كلها حروف أصلية لا يتصور فيها زيادة، لما ذكرناه سابقاً أن أقل ما يوضع عليه الفعل هو ثلاثة أحرف وكذلك الأسماء.


أي الماضي الزائد على أربعة أحرف؛ لأن همزة الوصل لا تلحق المضارع البتة كله، ولا الماضي الثلاثي ولا الرباعي.
فاختص بثلاثة أبواب من باب الفعل المضارع: انفعل انطلق، افتعل اجتمع، استفعل استخرج .. ثلاثة أبواب.
انفعل انطلق، افتعل اجتمع من باب اجتمع، استفعل استخرج.
حينئذٍ انفعل إذا أردت الفعل المغير الصيغة ماذا تصنع، ما هو الأول هنا؟
همزة الوصل.
ما حكمها؟ الضم، فَأَوَّلَ الْفِعْلِ اضْمُمَنْ.
(انفَ) .. ضممنا الأول.
وَثَالِثَ الَّذِي بِهَمْزِ الْوَصْلِ ... كَالأَوَّلِ: ما هو الثالث هنا؟ انفَ، الفاء -فاء الكلمة-، اتبع ثالث انفعل لأوله، وهو الهمز، فقيل: انطُلق، ما قبل الآخر كما هو، اللام قبل الآخر كما هي، انطُلق لزيد، اجتُمع، استُخرج، استُغفر .. نقول: هذه كلها مغير الصيغة وهي مما على وزن انفعل وافتعل واستفعل، حينئذٍ الثالث يأخذ حكم الأول.
وَثَالِثَ الَّذِي بِهَمْزِ الْوَصْلِ: ثالث الفعل الذي بهمز الوصل، يعني الذي بدأ وافتتح بهمز الوصل.
فهم منه أن ذلك لا يكون إلا ماضياً لأن المضارع لا يفتتح بهمزة الوصل كما سبق.
كَالأَوَّلِ اجْعَلَنَّهُ كَاسْتُحْلِي: كَالأَوَّلِ يعني مضموماً، اجْعَلَنَّهُ لئلا يلتبس بالأمر في بعض أحواله.
كَاسْتُحْلِي: اسْتُحْلِي الأصل استحلى، حينئذٍ ضم أوله (الهمزة)، و (استُ) التاء ثَالِثَ الَّذِي بِهَمْزِ الْوَصْلِ يتبع كالأول بالضم فقيل: استُحلي .. حينئذٍ كسر ما قبل آخره كما هو الأصل.
إذاً القاعدة في هذا الباب نقول: كالسابق: يضم أوله ويكسر ما قبل آخره، لا فرق بين ضرب وبين استفعل، وانطلق، وتفعَّل، وتفاعل .. كلها مشتركة في حكم واحد وهو: ضم أوله وكسر ما قبل الأخر، هذا حكم عام ليس خاص بما هو سوى تفعل وغيرها! لا، بل الحكم عام من أول الباب إلى آخره يضم أوله ويكسر ما قبل آخره، هذا فيما إذا كان ماضياً، والمضارع يفتح ما قبل آخره، الماضي يزاد على ذلك إن كان أوله تاء المطاوعة كما قال الناظم، وقلنا من باب تفعّل أو تفاعل، نزيد على ضم الأول وكسر ما قبل الآخر حكماً وهو إلحاق الثاني بالأول، فصار فيه ثلاثة أحكام ضرب فيه حكمان: ضم الأول وكسر ما قبل الآخر.
نزيد عليه حكماً في باب تفعّل وهو إتباع الثاني للأول، نزيد عليه حكماً ثالث في باب استخرج وانطلق وهو إتباع الثالث للأول.
وَثَالِثَ الَّذِي: ثَالِثَ قلنا: هذه منصوب على الاشتغال، الذي: يعني ثالث الفعل الذي بدأ بهمز الوصل.
كَالأَوَّلِ: يعني كالحرف الأول.
اجْعَلَنَّهُ كَاسْتُحْلِي: وهذا يجعلنا نرجع هناك فنقول: قوله: فأول الفعل، الأولى ألا نقيده بفاء الكلمة، بل نقول: أول الفعل مطلقاً، يعني أول ما ينطق بالفعل، لماذا؟ لأن انطلق، قلنا الطاء هنا هي فاء الكلمة، والهمزة هذه زائدة، جعلناها أول الفعل، لذلك قال هنا:
وَثَالِثَ الَّذِي بِهَمْزِ الْوَصْلِ ... كَالأَوَّلِ: التي هي همزة الوصل.


فحينئذٍ الثالث هو فاء الكلمة، انطًُلق انفُع .. إذاً صارت هي فاء الكلمة، هذا يجعلنا نصحح المعلومة هناك، فنقول: قوله: فَأَوَّلَ الْفِعْلِ اضْمُمَنْ، لا نعممه بل نقول: أول الفعل الشامل لفاء الكلمة وغيرها فيما إذا كان مزيداً بهمزة الوصل أو حرف المطاوعة فهو عام، إذاً أَوَّلَ الْفِعْلِ المراد به أول ما ينطق به سواء كان فاء الكلمة أو حرفاً زائداً كتاء المطاوعة أو همزة الوصل.
وَاكْسِرْ أَوَ اشْمِمْ فَا ثُلاَثِيٍّ أُعِلّ ... عَيْنَاً وَضَمٌّ جَا كَبُوعَ فَاحْتُمِلْ

وَاكْسِرْ أَوَ اشْمِمْ، وَضَمٌّ جَا، هذه ثلاث لغات في الفعل الماضي المبني للمفعول ثلاثي معل اللام خاص بباب قال وباع، هذا ثلاثي معل العين؛ لأن قال أصله قَوَلَ، وباع أصله بَيَعَ .. قَوَلَ، هذا معتل، وقال مُعل، فرق بين التسميتين، وإن كان ابن عقيل يقول: ثلاثي معتل العين، فيه نظر هذا، بل يقال: معل العين، ولا يقال معتلاً، لماذا؟ لأن معتل العين ما كانت عينه واواً أو ياءً، ولا تقلب مثل عَوِرَ، وصَيِدَ .. نقول: عور عينه معتل، هذا معتل، لكن قال، نقول: معل، لماذا؟ لأن حرف العلة قلب ألفاً، إذا حصل الإعلال -إعلال بالقلب- سمي معلاً، دخله الإعلال.
وإذا لم يحصل فيه إعلال حينئذٍ يسمى معتلاً، إذاً قَوَلَ نقول معتل، فأعلت عينه هكذا نقول: قول معتل العين، فأعلت عينه، يعني قلبت ألفاً.
هذا النوع مثله: باع بَيَعَ .. هذا معتل العين بالياء، فأعلت عينه فقلبت ألفاً لتحركها في الموضعين وانفتاح ما قبلها: قَوَلَ تحركت الواو وانفتح ما قبلها، فوجب قلبها ألفاً، وكذلك بَيَعَ تحركت الياء وانفتح ما قبلها، فوجب قلبها ألفاً.
هذا النوع الذي قال فيه: وَاكْسِرْ أَوَ اشْمِمْ: هاتان لغتان فصيحتان قرئ بهما في المتواتر.
فَا ثُلاَثِيٍّ أُعِلّ: اكْسِرْ فَا، اشْمِمْ فَا، ثُلاَثِيٍّ إذاً لا رباعي ولا خماسي ولا سداسي، أُعِلّ لا معتلاً وإنما هو مما قلبت عينه ألفاً، إذاً خرج: عَوِرَ وصَيِدَ واعْتَوَرَ .. حينئذٍ نقول: هذه ليست داخلة؛ لأنها معتلة والناظم قد قل: أُعِلّ.
حينئذٍ قال: اكْسِرْ الفاء، فتقول: قيل وبيع.
واشْمِمْ وهو أن تأتي بحركة بين الكسرة والضمة كما سيأتي، وهذا يعرف باللفظ لا بالكتابة.
وَضَمٌّ جَا قُولَ وبُوعَ، فيه ثلاث لغات: إخلاص الكسر، وإخلاص الضم، والإشمام وهو لغة مركبة بين اللغتين.
لغة الضم قُولَ وبُوعَ هذه قليلة جداً، ولذلك لم ترد في القرآن، وأما قيل بإخلاص الكسر وبالإشمام هذه متواترة.
وَاكْسِرْ فَا ثُلاَثِيٍّ أُعِلّ: فقل: قيل، قلنا أصل قيل وبيع هذا الباب لم يخرج عن الأصل، وإنما اكسر واشمم وضم، هذا باعتبار النهاية، وأما باعتبار الأصل فهو من باب ضُرب على الأصل، يعني ليس استثناء بل هو:
فَأَوَّلَ الْفِعْلِ اضْمُمَنْ وَالمُتَّصِلْ ... بِالآخِرِ اكْسِرْ فِي مُضِيٍّ، قاعدة عامة حتى في باب قال وباع، لكن هنا حصل إعلال تركيب، فلما حصل إعلال في النطق في النهاية حصل اختلاف لغات، فالخلاف هنا ليس خلافاً في تطبيق قواعد، وإنما هذه لغة لفلان وهذه لغة من بني فقعس، وهذه لغة مشهورة عند الحجازيين، وهلم جرَّا.


حينئذٍ نقول: قال أصله قُوِلَ، وباع أصله بُوِعَ، قيل أصل قُوِلَ؛ لأنه من قوَل ضرب، ماذا تصنع؟ اعتمد الأصل قَوَلَ، ضم الأول القاف واكسر ما قبل الآخر، تقول: قُوِلَ كضُرب، هنا نظران: استثقلت الكسرة على الواو، فنقلت إلى القاف بعد سلب القاف حركتها، لماذا؟ عندنا الآن إعلال بالنقل، نقل حركات تنقل حركة إلى موضع آخر، عندنا الواو مكسورة، ومعلوم أن الواو إذا كسرت استثقلت الواو، أردنا نقلها إلى القاف، القاف مشغولة بالضم، لا يمكن أن ننقل كسرة الواو إلى القاف إلا بعد أن نزحلق حركة القاف، زحلقناها حذفناها، فنقلنا الكسرة إلى القاف، فقيل: قِو .. يعني سكنت الواو وكسر ما قبل الآخر، والقاعدة: أنه إذا سكنت الواو وكسر ما قبل آخرها وجب قلبها ياء فقيل: قِيلَ، إذاً قيل هذا أصله من باب فُعِل ضُرِب، أصله قُوِلَ كضُرِب استثقلت الكسرة على الواو فنقلت إلى ما قبلها، هذا نسميه إعلال بالنقل، الإعلال بالنقل لا يتم إلا إذا كان الحرف الذي قبل المنقول إليه منقول عنه ساكن، لا بد أن نحذف حركة القاف، فنقلنا الحركة صار قِوْل سكنت الواو وانكسر ما قبلها فوجب قلبها ياء، هذا إعلال بالقلب، فدخله إعلالان: إعلال بالنقل، وإعلال بالقلب.
باع: بِيِعَ، الأصل بُيِعَ، استثقلت الكسرة على الياء –ثقيلة- لأن الكسرة عبارة عن ياء، والياء عبارة عن كسرتين، هذا فيه ثقل، حصل إعلال بالنقل، حينئذٍ نقلنا بعد إسقاط حركة الباء، أصلها بُيِعَ صار بِيعَ، سكنت الياء وكسر ما قبلها، صحت الياء ليس عندنا إعلال بالقلب كما هو الشأن هناك، هناك سكنت الواو وكسر ما قبلها، والقاعدة أنه يجب قلب الواو ياء، لا تبقى الواو هكذا يجب قلبها، أما بِيعَ بعد نقل كسرة الياء إلى ما قبلها صحت الياء، لا تقلب، تقلب إلى أي شيء؟! هي ياء، الياء يناسبها ما قبلها كسرة، وأما هنا قِوْلَ ما يناسب الواو أن يكون ما قبلها مكسورة، وإنما يناسب الياء، حينئذٍ حصل هنا في بِيعَ حصل فيه إعلال بالنقل فحسب، هذه اللغة التي هي الأشهر، ولذلك قدمها الناظم: وَاكْسِرْ هي أعلى اللغات في هذا الباب، ثُلاَثِيّ، معلل عين، كسر فائه هذا هو الأفصح والأشهر.
وَاكْسِرْ، فَا ثُلاَثِيٍّ أُعِلّ عَيْناً وَضَمٌّ جَا: هو نفس اللغة السابقة، وإن كان نسبت إلى بني دبير من بني فقعس وهما من فصحاء بني أسد، أصلها قُوِلَ وبُوِعَ، نفسها، قُوِل قلنا استثقلت الكسرة على الواو، حذفت مباشرة لم تنقل، فصار قُوْلَ، بُوْعَ مثله، فصحت الواو؛ لأن ما قبلها مضموم وليس بمكسور، لو كان ما قبلها مكسور لما صحت الواو، صحت بمعنى: بقيت على حالها لم تقلب، تسمى واواً صحيحة.
بيع أصلها بُيِعَ، احذف الكسرة، بُيْعَ سكنت الياء وضم ما قبلها، لا يناسبها، وجب قلب الياء واواً عكس اللغة السابقة، القلب هناك في قِيل ليس في بِيعَ، وهنا القلب في بوع لا في قُوْلَ، فسكنت الياء وضم ما قبله فوجب قلب الياء واواً فقيل: بُوْعَ.
إذاً قُوْلَ وبُوْعَ بصحة الياء في قُوْلَ وبقلب الياء واواً في بُوْعَ، هذه لغة ثانية، والإشمام بينهما.
وَاكْسِرْ فَا ثُلاَثِيٍّ أُعِلّ: يعني اكسر كسراً خالصاً قيل، ليس مشوباً بضمة.


وَاكْسِرْ كسراً خالصاً فَا ثُلاَثِيٍّ، هذا شمل مفتوح العين نحو: باع ومكسور العين نحو خاف؛ لأنه أطلق: فَا ثُلاَثِيٍّ، والثلاثي قد يكون من باب فعَل أو فعِل أو فعُل، وهنا عام الحكم في باب فعَل وفعِل.
فَا ثُلاَثِيٍّ أُعِلّ: (أُعِلّ) صفة لثلاثي، عَيْناً هذا تمييز، واوياً كان الثلاثي أو يائياً، واوياً مثل قال، ويائياً مثل باع وغِيض.
وَضَمٌّ جَا: وَضَمٌّ هذا مبتدأ، وإن كان نكرة سوغ الابتداء به كونه في معرض التفصيل، وَضَمٌّ للفاء -فاء الثلاثي المعل العين-، جَا بدون همز، لغة جا يجي، جاء هذا لغة فصيحة، وجَا بالقصر لغة أيضاً، لا نقول ضرورة، جَا يجي.
جَا كَبُوعَ: جا في بعض اللغات كبوع، مثل بوع.
فَاحْتُمِلْ: يعني قبل واغتفر.
وفيه إشارة إلى ضعف هذه اللغة بالنسبة للغتين الأوليين؛ لأن الكسر والإشمام لغتان فصيحتان وقرئ بهما في المتواتر، وأما الإشمام هنا فالمراد به عند النحاة الإتيان على الفاء بحركة بين الضم والكسر، بأن يؤتى بجزء من الضمة قليل سابق وجزء من الكسرة كثير لاحق، ومن ثم تمحضت الياء، يعني لم تقلب، لو قيل: قُيِلَ يعني صحت الياء، لو كانت الضمة هذه خالصة لوجب قلب الياء واواً كما قلبت هناك بالضمة الخاصة قلبت الواو ياءً.
تمحضت الياء وقيل: كسرة مشوبة بشيء من صوت الضمة، وَاكْسِرْ إذاً: إخلاص الكسر، فيقال: قِيل وبِيع، ومنه قوله:
حِيكَت عَلَى نِيرَين إِذ تُحَاكُ ... تَختَبِطُ الشَّوكَ ولاَ تُشَاكُ

هذا حِيكت، وورد أيضاً في وراية حِوْكَت باللغتين: حيكت، حِوْكَت أصلها حُوِكَت، استثقلت الكسرة على الواو فنقلت إلى ما قبلها بعد إسقاط حركة الحاء، وصار حِوْ سكنت الواو وانكسر ما قبلها فوجب قلبها ياءً فقيل: حيكت، إذاً الياء هذه منقلبة عن واو، وليست ياءً أصلية بذاتها وإنما منقلبة عن أصلها، وحِوْكَت على الرواية الثانية أصلها حُوِكَت، فعل مثل ضرب، استثقلت الكسرة على الواو فحذفت، ليس عندنا إعلال فبقيت كما هي، لماذا لم تقلب ياء؟ لأنها لا تقلب ياء إلا إذا كسر ما قبلها، وهنا ضم ما قبلها فصحت، قيل: حُوكَت.
ابن عقيل لم يرتب الأشهر، الأولى أن يقدم الإشمام
على إخلاص الضم، ولذلك الناظم أراد عيناً أن يقدم الكسر، ثم الإشمام، ثم الضم .. كأن الأول والثاني لغتان فصيحتان، ولذلك قرئ بهما في المتواتر، وأما ضم هذا ما ورد في القرآن، وإخلاص الضم قُول وبُوع.
لَيْتَ وَهَلْ يَنْفَعُ شَيْئاً لَيْتُ؟ ... لَيْتَ شَبَاباً بُوعَ فَاشْتَرَيْتُ

بُوع الأصل بُوِعَ، استثقلت الكسرة على الواو فحذفت وبقيت الضمة وبقيت الواو ليس عندنا إعلال بالقلب.
ثم قال: والإشمام هو الثالث: الإتيان بالفاء بحركة بين الضم والكسر ولا يظهر ذلك إلا في اللفظ ولا يظهر في الخط، قريء في السبعة.


إذاً وَاكْسِرِ هذا فعل أمر، أَوَ اشْ .. أصلها أَشْمِمْ، هنا الهمزة أين ذهبت؟ نقول: بنقل حركة الهمزة إلى الواو أَوَ .. أصل الواو هنا ساكنة، أَوَ حرف مبني على السكون، هنا حركت أَوَ اشْ .. من أين جاءت نقول: حركة الواو هذه؟ أصلها أو أشمم، أشمم من أشمَّ، حينئذٍ نقول: أريد التخفيف بحذف الهمزة، لكن عندنا همزة حرف وهي حرف حلقي ثقيل، ومحرك، قالوا: إذاً لا بد من التدرج، لا نحذفها هكذا بحركتها، وإنما نلقي حركتها إلى ما قبلها إذا كان ساكناً، فقال: أَوَ اشْ .. تحركت الواو بالفتحة، هذه الفتحة من أين جاءت؟ هي حركة الهمزة المحذوفة تخفيفاً.
إذاً أَوَ اشْمِمْ نقول: بنقل حركة الهمزة إلى الواو، أَوَ اشْمِمْ (فا) هذا تنازع فيه اكسر واشمم، سيأتينا التنازع عاملان سلطا على معمول واحد، فَا ثُلاَثِيٍّ، يعني فاء ثلاثي، فا مضاف، وثلاثي مضاف إليه وهو مفعول به، وقلنا هذا يشمل الثلاثي هنا مفتوح العين كبَاعَ فَعَل، ومكسور العين خاف، خِيف أصلها خُوِفَ فُعل ضُرب، استثقلت الكسرة على الواو فنقلت إلى ما قبلها، فقيل: خِوْ .. سكنت الواو وكسر ما قبلها فوجب قلبها ياء.
خُوف مثل بُوع، خُوِف استثقلت الكسرة على الواو فحذفت، فبقيت كما هي.
فَا ثُلاَثِيٍّ أُعِلّ: أُعِلّ هو يعني الثلاثي، بمعنى أن عينه معتلة فقلبت، يعني غيرت عينه، حصل إعلال بالقلب، تنبه إلى الفرق بين معتل ومعل، هذا الصحيح.
أُعِلّ بمعنى غيرت عينه، فخرج المعتل الذي لم تغير عينه نحو: عَوِر، وصَيِد، واعتور .. فإنه إذا بني للمفعول سلك به مسلك الصحيح، وستبقى كما هي صيد وعور كما هو، لا يرد فيه اللغات الثلاث، وإنما ذاك خاص بالمعل.
وَضَمٌّ جَا -في بعض اللغات- كَبُوعَ فَاحْتُمِلْ: فدل على أنه مغتفر في هذا المحل، وهو ضعيف في نفسه، وهذا يدل على أن القرآن محمول على أفصح اللغات، هذه دائماً إذا مر معنا أفصح تجد أن القرآن يأتي دائماً بالأفصح، هنا الكسر والإشمام وارد في القرآن، وأما بُوع مع أنها موجودة لغة، ولذلك قال ابن عقيل: وهي لغة بني دَبِير، والصبان دُبَير يقول بالتصغير، وبني فقعس وهما من فصحاء بني أسد، ومع ذلك لم يرد حرف واحد بصحة الواو أو الياء، والإشمام كما ذكرنا.
وَإِنْ بِشَكْلٍ خِيفَ لَبْسٌ يُجْتَنَبْ ... وَمَا لِبَاعَ قَدْ يُرَى لِنَحْوِ حَبّ

وَإِنْ بِشَكْلٍ خِيفَ لَبْسٌ يُجْتَنَبْ: يعني في اللغات الثلاث السابقة: قِيل، وقُول، والإشمام.
إذاً يضم أوله ضماً خالصاً: قُولَ، ويكسر كسراً خالصاً، وثم ما هو بين المنزلتين، لغة مركبة بين الثنتين.
قد يلتبس الفعل الماضي إذا أسند -وهو مبني للمعلوم- إذا أسند للمتكلم أو المخاطب، قد يكون في أوله مضموماً، أو مكسوراً، فحينئذٍ إذا جيء به وهو مبني للمعلوم مكسوراً، وقد جاز في المبني للمجهول أو مغير الصيغة الكسر يحصل لبس بين الموضعين.


باع قلنا مبني للمجهول، ماذا نقول فيه؟ كيف نغير الصيغة؟ نقول: بِيعَ، بيع العبد، العبد هذا نائب فاعل، طيب، ائت بباع وهو مسند إلى تاء المتكلم ماذا تقول؟ بِعتُ، بِيعَ، أول الحرف الفاء هذا مكسور، في المسند إلى المتكلم وهو مبني للمعلوم وفي المغير الصيغة، حينئذٍ لا يدرى إذا قيل: بِعتَ يا عبد، هذا للمخاطب، قد يأتي مثل صُمتُ مثال آخر، بعت يا عبد، هل هذا مبني للمعلوم أو مبني للمجهول؟ لأنك تقول: بِعتَ الثوب وبِعتَ يا زيد الثوب، بِعتَ هذا مسند إلى تاء المخاطب وهي فاعل، وقد يقال: بِعتَ يا عبد، بمعنى أنه مَبِيع وقع عليه البيع، ما الذي يميز هذا عن ذاك؟ قالوا: هنا وقع لبس، فحينئذٍ وجب تغييره إلى الضم أو الإشمام، فلا تقل: بِعتَ يا عبد، وإنما تقل: بُعتَ، فالسامع حينئذٍ إن كان يفهم يعلم أن هذا الفعل مسند إلى نائب الفاعل وليس إلى الفاعل، فتقول: بُعتَ يا عبد ولا تقل: بِعت يا عبد.
وَإِنْ بِشَكْلٍ: من هذه الأشكال الثلاثة: إخلاص الكسر، وإخلاص الضم، والإشمام الأصل فيه لا يرد، لا يرد هنا الإشمام؛ لأنه واضح، لأنه لا يكون في المبني للمعلوم، وإنما الضمة والكسرة هي المحتملة.
المراد بالشكل هنا الكيفية الحاصلة للفظ، ولا مانع من إطلاقه على الإشمام، هو كيفية لا شك، مثل إخلاص الضم وإخلاص الكسر، والكسرة المشوبة بالضمة، نقول: هذا لا بأس أن يطلق عليه بأنه شكل، هذا شكل وهذا شكل وهذا شكل؛ لأنه نطق بحرف بصيغة معينة، لكن الإشمام لا يخاف به اللبس، فالأحسن أن نفسره هنا بشكلي الضم والكسر.
وَإِنْ بِشَكْلٍ خِيفَ: المراد به إخلاص الضم وإخلاص الكسر؛ لأن الإشمام وإن سمي شكلاً إلا أنه لا يخاف منه اللبس أبداً؛ لأنه منذ أن يشم الكسرة ضمة، حينئذٍ علمنا أنه مبني لما لا يسمى فاعل.
وَإِنْ بِشَكْلٍ -من هذه الأشكال- خِيفَ لَبْسٌ: خِيفَ أصله خُوِفَ، هذا مبني للمجهول، لَبْسٌ هذا نائب فاعل، أي بين الفعل المبني للفاعل والفعل المبني للمفعول، فيلتبس النائب عن الفاعل بالفاعل، بسبب شكل، حينئذٍ قال: يُجْتَنَبْ، يعني وجب تركه، الذي يحصل به اللبس وجب تركه، يعني ما كان في المغير الصيغة موافقاً للمبني للمعلوم وجب تركه في المغير الصيغة؛ لأن عندنا ثلاثة أشياء: كسر، وضم، وإشمام، إذا حصل اللبس بالكسر وجب اجتناب الكسر، فيبقى عندنا الضم والإشمام، وإذا حصل اللبس بالضم وجب الكسر والإشمام كما سيأتي في كلام الشارح.
وَإِنْ بِشَكْلٍ خِيفَ لَبْسٌ: حينئذٍ بسبب شكل تُرك ذلك الشكل الموقع في اللبس واستُعمل الشكل الذي لا لبس فيه، ولذلك قال: يُجْتَنَبْ، قال في الصبان: حيث لا قرينة.
مثاله: بيع العبد، إذا أسندته إلى ضمير المخاطب فقلت: بِعتَ يا عبد بإخلاص الكسر لم يعلم، هل هو فاعل أو نائب فاعل، بِعت يا عبد، ما يُدرَى هل هو فاعل أو نائب فاعل، فيُترك الكسر ويُرجع إلى الضم أو الإشمام فيقال: بُعتَ يا عبد، وكذلك خاف إذا أسند إلى تاء الضمير تقول: خِفت، أنا يعني، أفاد: أنه إذا بني للمفعول، إن كسرت حصل اللبس، خِفتُ أنا، خِفتَ هذا يحتمل أنه للمخاطب فاعل، فحينئذٍ تقول: خُفتَ، إذا خُفتَ عند الناس هذه صيحة، إلا اللهم إذا كان المراد بها البناء للمعلوم.


خُفتَ الفعل هنا مغير الصيغة، يتعين عند الناظم أن نأتي بالضمة أو الإشمام، ولا يجوز خِفت؛ لأن خِفت هذا مسند إلى الفاعل، فإذا قلت: خِفت على الأصل في اللغة، أنه يجوز إخلاص الكسر في مغير الصيغة، حينئذٍ التبس ومعلوم أن القاعدة الكبرى عند العرب دفع الإلباس، وهذه قعد بها حتى في الأشباه والنظائر السيوطي وفرع عليها مسائل -دفع الاجتناب والإلباس هذا من أغراض القواعد العامة في لسان العرب-، حينئذٍ وجب العدول عن خِفت إلى خُفتَ دفعاً للإلباس.
وطُلتُ: أي غلبته في المطاولة يجتنب فيه الضم لئلا يلتبس بطُلت المسند الفاعل من الطُول ضد القصر، إذاً كل ما احتمل أنه إما مسند إلى الفاعل أو نائب الفاعل وجب العدول إلى غيره.
وَإِنْ بِشَكْلٍ خِيفَ لَبْسٌ يُجْتَنَبْ: يُجْتَنَبْ ظاهر كلامه وجوب اجتناب الشكل الملبس، يعني يجب ولا يجوز استعماله، هذا رأي الناظم وهو الظاهر، وقد صرح به في شرح الكافية، وظاهر كلام سيبويه: جواز الأوجه الثلاثة، -ولو وقع لبس، هذا مذهب سيبويه،- وظاهر كلام سيبويه جواز الأوجه الثلاثة مطلقاً، ولم يلتفت لالتباس لحصوله في نحو: مختار وتضار ((غَيْرُ مُضَارِ)) -هذا يجوز، فهذا من المجمل عند الأصوليين-في الاسم والفعل والاجتناب أولى وأرجح، عند سيبويه لا يجب وإنما هو أولى وأرجح، وهذا مذهب الكثير من النحاة، الجمهور على هذا تبعاً لسيبويه، إذَا قَالَتْ: حَذَامِ فَصَدِّقُوهَا، هذه حجتهم.
وابن مالك رحمه الله تعالى يرى أنه إذا وقع اللبس حينئذٍ قاعدة العرب المطردة أنه يجب دفع اللبس، وهذا من حيث التأصيل قياسه هو السليم، أنه يجب ترك ما يلبس بغيره، ورأي سيبويه أنه موجود في مضار، وتضار، لكن هناك ضرورة لا بد منه.
وَإِنْ بِشَكْلٍ خِيفَ لَبْسٌ يُجْتَنَبْ.
قال ابن عقيل: إذا أسند الفعل الثلاثي المعتل العين بعد بنائه للمفعول -أيضاً المعل- العين-؛ لأن القاعدة ما زالت فيما سبق: وَاكْسِرْ أَوَ اشْمِمْ فَا ثُلاَثِيٍّ أُعِلّ جوَّز لك ثلاث لغات، ثم قد يقع اللبس في بعضها، قال: وَإِنْ بِشَكْلٍ من الأشكال الثلاثة السابقة فالحكم ما زال بفاء الثلاثي المعلّ.
بعد بنائه للمفعول إلى ضمير متكلم أو مخاطب أو غائب فإما أن يكون واوياً أو يائياً.
قال أو باع إما هذا وإما ذاك.
فإن كان واوياً نحو: سام من السَوم وجب عند المصنف كسر الفاء أو الإشمام، إذاً وجب اجتناب الضم، إذا كان واوياً وجب اجتناب الضم؛ لأنه إذا أسند في الفاعل بقي على أصله وهو الضم.
وعُدِل إلى الكسر أو الإشمام، فتقول: سِمت ولا يجوز الضم فلا تقول: سُمت؛ لأن سُمت هذا مبني للفاعل، وإذا أردت البناء للمجهول أو مغير الصيغة تقول: سِمتُ؛ لئلا يلتبس بفعل الفاعل فإنه بالضم ليس إلا: سُمتُ العبد، وإن كان يائياً نحو باع من البيع وجب عند المصنف اجتناب الكسر؛ اليائي وجب اجتناب الكسر؛ لأنه هو الذي يقع اللبس مع الفاعل، والواوي وجب اجتناب الضم؛ لأنه الذي يقع الالتباس مع الفاعل.
وجب عند المصنف ضمه أو الإشمام فتقول: بُعت ولا يجوز الكسر فلا تقول: بِعت لئلا يلتبس الفعل بالفاعل فإنه بالكسر فقط نحو: بِعت الثوب.
لكن لو وجد قرينة ما المانع! بِعتَ يا عبد.


وَمَا لِبَاعَ قَدْ يُرَى لِنَحْوِ حَبّ: حَبّ ما نوع هذا فعل ثلاثي مضعَّف، مدغم، أصله حبَبَ مثل مدَّ وشدَّ.
وَمَا لِبَاعَ قَدْ يُرَى لِنَحْوِ حَبّ، وردّ من كل فعل ثلاثي مضاعف مدغم، شدّ نقول: هذا مضاعف، بمعنى أن عينه ولامه من جنس وأدغمت العين في اللام فقيل: شدّ .. شدد، كذلك مدّ وحبَّ وردَّ، نقول: هذه كلها فعل ثلاثي مضعَّف.
اللغات الثلاث التي في: (قِيل وبِيع) في (حبَّ وردَّ)، حبَّ حِبَّ .. حبَّ هذا ماضي مسند إلى الفاعل، إذا أردت صيغته لنائب الفاعل مغير الصيغة، حُبَّ مثل قُولَ، أصلها حُبِبِ، حِبَّ بالكسر، بقي الإشمام حبَّ يعني تأتي بالكسرة مع حركة الفم بالضم، حبَّ.
الثلاث اللغات السابقة موجودة في هذا الفعل.
وَمَا لِبَاعَ: يعني والذي، هذا مبتدأ، والذي لباع، والذي استقر لفاء باع، بَاعَ هذا من اللفظ تأخذ أنه ثلاثي أعلت عينه، معل العين من الثلاثي باب باع، يُعنون هكذا، مثلما يقال: باب نصر، وباب فتح إلى آخره، وحسب، نقول: باب باع، هنا في هذا المقام المراد به الثلاثي معل عين، يجوز فيه ثلاث لغات، هذه اللغات الذي استقر لباع لفاء باع، قَدْ يُرَى (قَدْ) للتقليل، قَدْ يُرَى فيه قلة، قَدْ يُرَى لِنَحْوِ حَبّ بإسكان الباء، حب للوزن، وردَّ من كل فعل ثلاثي مضاعف مدغم، ولكن الجمهور على أنه يجب الضم فحسب، والناظم هنا سوغ الكسر مع الإشمام لوروده في القرآن، وإلا الجمهور على أنه يجب فيه الضم فحسب، جمهور النحاة ليس عندهم إلا حُبَّ ورُدَّ وشُدَّ ومُدَّ .. هذا مغير الصيغة، بالضم على القاعدة: فَأَوَّلَ الْفِعْلِ اضْمُمَنْ.
وحينئذٍ ما قبل الآخر مكسور أو لا؟ أنت تقول: مُدَّ أصله مُدِدَ، شُدَّ أصله شُدِدَ، لكن الكسرة من أجل الإدغام حذفت، يسكن ما يمكن الإدغام إلا بإسكان الأول، وحذفت الكسرة وأدغمت الدال في الدال، قيل: شُدَّ ومُدَّ.
فوجب فيه لغة واحدة عند النحاة وهي الأصلية شُدَّ ومُدَّ وحُبَّ .. إلى آخره.
وعند ابن مالك رحمه الله وقلة من النحاة أنه من باب باع، فيجوز فيه ثلاث لغات.
لكن الأفصح هنا الضم، هناك في باب باع قلنا: ثلاث لغات، الأفصح إخلاص الكسر، ثم الإشمام، ثم إخلاص الضم، هنا العكس: الأفصح الضم، ثم الإشمام، ثم الكسر.
لكن الأفصح هنا الضم حتى أوجبه بعضهم وهو الجمهور، أوجب الضم لا غير، والصحيح الجواز فقد قرأ علقمة: ((رُدَّتْ إِلَيْنَا))، ((وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا)) رِدوا بالكسر، ثبت، إذا ثبت انتهينا، ثبتت قراءة حينئذٍ نقول: جاز لغةً أن يكسر أول المضاعف في مغير الصيغة، ((وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا)) فحينئذٍ نقول: رِدَّ هذا فعل ماضي مغير الصيغة، والواو هذا نائب فاعل ((بِضَاعَتُنَا رُدَّتْ إِلَيْنَا)) نقول: هذا مغير الصيغة، وكسر أوله لغة، حينئذٍ هذا من باب إخلاص الكسر ((وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا)) نقول: هذا فعل ماضي مغير الصيغة والواو فاعل، ((رُدَّتْ إِلَيْنَا)) نقول: هذا فعل ماضي مغير الصيغة.
إذاً قوله: وَمَا لِبَاعَ: يعني والذي استقر لباع.


قَدْ يُرَى لِنَحْوِ حَبّ: يعني يجوز في فاء الفعل الثلاثي المضاعف ما جاز في فاء باع من كسر وإشمام وضم، وقوله: قَدْ يُرَى هذا مفهومه أن ذلك قليل، ومَا هذا مبتدأ، وَقَدْ يُرَى الجملة خبر والمفعول الأول ونائب الفاعل ضمير مستتر ولِنَحْوِ هذا مفعول ثاني.
حَبّ نحو: فاء حب، قد بالمضاف، إذاً: قَدْ يُرَى لِنَحْوِ حَبّ، يعني لمثل، لِنَحْوِ بمعنى: مثل، حبّ ليس لكله وإنما فاء حَبّ، فيقال: حَبَّ وحُبَّ وحِبَّ، بالكسر مع الإخلاص.
قال ابن عقيل: وقوله: وَمَا لِبَاعَ قَدْ يُرَى لِنَحْوِ حَبّ معناه أن الذي ثبت لفاء باع من جواز الضم والكسر والإشمام يثبت لفاء المضاعف نحو: حِب فتقول: حُب وحِب وإن شئت أشممت، هذا عند ابن مالك رحمه الله تعالى، ومن اعتبر قراءة علقمة، ومن لم يعتبرها أوجب الضم وهم الجمهور، لا يجوز إلا حُب في المضاعف، والصواب ما ذكره الناظم.
وَمَا لِفَا بَاعَ لِمَا الْعَيْنُ تَلِي ... فِي اخْتَارَ وَانْقَادَ وَشِبْهٍ يَنْجَلِي

ما كان من الفعل المعتل العين على وزن افتعل أو انفعل، سبق الحكم هناك في انطُلِق، اجتُمع، هذاك الصحيح، وهنا المعتل معتل العين إن شئت قل: معل العين، إذا كانت عينه معلة، اختار أصله انفعل اختِور، فالألف هذه منقلبة عن واو، والواو هي العين؛ لأن اختار وزنه انفعل، انفَ .. اختَ، انفعل، حينئذٍ نقول: الألف هذه هي عين الكلمة، انفعل اختَوَر، فالواو تحركت وانفتح ما قبلها فوجب قلبها ألفاً فهو معل، كذلك انقاد، قاد يقود، حينئذٍ نقول أصل انقاد انقَوَد، تحركت الواو وانفتح ما قبلها فوجب قلبها ألفاً.
إذاً العين هنا معلة، قال الناظم: حكم هذا الفعل كالفعل الثلاثي معل العين، يجوز فيه ثلاثة أوجه:
وَمَا لِفَا بَاعَ: (وَمَا) مبتدأ، (لِفَا بَاعَ) يعني: والذي استقر لِفَا جار ومجرور متعلق بمحذوف صلة الموصول، والذي استقر لِفَا بَاعَ ونحوه مما سبق من جواز الأوجه الثلاثة، ثابت لِمَا الْعَيْنُ تَلِي، ثابت للذي العين تلي، الْعَيْنُ مبتدأ، وجملة تَلِي خبر.


ما الذي تليه العين في باب اختار، الذي تليه العين وليس هو الذي يتلو العين، أين العين؟ عرفنا العين اختار هي الألف، ما الذي تليه؟ تلت التاء، إذاً الأوجه الثلاثة تكون في تاء اختار، وَانْقَادَ القاف، فحينئذٍ تقول في اختار إذا بنيته للمجهول اختِير تي تُو .. اختار أصله اختَوَر، افتعل، فالعين مفتوحة التي هي واو، تحركت الواو وانفتح ما قبلها فوجب قلبها ألفاً، إذا أردت إسناده إلى نائب الفاعل فحينئذٍ تقول: اختار إذا كسرت التاء اختِير .. لماذا؟ لأنه يجوز في ما كان على وزن افتعل، معل العين يجوز في تاء ثلاثة أوجه، فحينئذٍ إذا كسرت التاء الواو التي هي عين لا يناسبها إلا أن تقلب ياءً، فوجب قلب الواو ياءً لمناسبة الكسرة التي قبلها، كما قلنا هناك في قِول، الواو لا يمكن أن توجد واو بعد كسرة، وإنما يناسبها ما قبلها الضمة، فحينئذٍ قُول قلنا: قِو لا يجوز، بل يجب قلب الواو ياءً، هنا اختِو يجب قلب الواو ياء، فقيل: اختِير، اختُور .. صحت الواو لماذا؟ لأن الضمة التي على التاء قبل الواو وهي مناسبة للواو، فيقال: اختِير بقلب الواو ياء لمناسبة الكسرة التي قبلها، فيقال: اختُور.
انقِيد، انقِو كسرة ثم واو، وجب قلب الواو ياء، انقُود: صحت الواو لأن ما قبلها ضمة.
وَمَا لِفَا بَاعَ لِمَا الْعَيْنُ تَلِي: لِمَا أي: للحرف الذي تليه العين.
فِي اخْتَارَ: أي في كل فعل على وزن افتعل.
وَانْقَادَ: أو انفعل، ولو المضاعفين كاشتدَّ وانهلَّ، فإن اللغات الثلاث تجري في ذلك، وإن أوهم كلام المصنف خلافه؛ حيث اقتصر على التمثيل بالمعل فحسب، الحكم عام، لكن الكثير هو هذا: اخْتَارَ وَانْقَادَ.
وَشِبْهٍ يَنْجَلِي: هذا معطوف على اخْتَارَ وَانْقَادَ، لو قيل: وَشِبْهٍ يَنْجَلِي مبتدأ وخبر كان أفيد، وَشِبْهٍ لذين اخْتَارَ وَانْقَادَ، يَنْجَلِي: يعني ينكشف ويتضح أمره.
إذاً القاعدة، المراد هنا: ما كان من الفعل المعتل العين على وزن افتعل أو على وزن انفعل يجوز في الحرف الذي تليه العين ما جاز في فاء باع من الأوجه الثلاثة السابقة.
قال ابن عقيل: أي يثبت عند البناء للمفعول لما تليه العين من كل فعل يكون على وزن: افتعل أو انفعل وهو معتل العين، معل العين يعني، ما يثبت لفاء باع من جواز الكسر والضم وذلك نحو: اخْتَارَ وَانْقَادَ، انظر اختار الحرف الأول ما حكمه؟ إذا قلت: اختِير، هذا مبني لما لم يسمَ فاعله، أو قل: مغير الصيغة.
فَأَوَّلَ الْفِعْلِ اضْمُمَنْ، هنا قال: اختِير، هذا استثناء لما سبق، وكان الأولى أن الناظم ينبه عليها؛ لئلا يدخل في القاعدة السابقة.
ما يثبت لفاء باع من جواز الكسر والضم نحو: اخْتَارَ وَانْقَادَ، وشبههما فيجوز في التاء والقاف ثلاثة أوجه: الضم: اُختور بضم الهمزة، واُنقود بضم الهمزة كذلك، والكسر: اِختير بكسر الهمزة، واِنقيد والإشمام وتحرك الهمزة بمثل حركة التاء والقاف، فتكون مثلها.
وإن أوهم كلام المصنف لزوم الضم مطلقاً؛ لأنه أطلق أولاً أن الفعل يضم أوله واقتصر هنا على جريان الأوجه الثلاثة فيما قبل العين.


قد يقال أن الأصل الضم، لكن لمناسبة التاء كسرت في انقِيد واختِير، وهناك قيل: اختُور وانقُود على الأصل، وإنما يعلل ما جاء على خلاف الأصل، فيقال: انقِيد لمناسبة الياء؛ لأن الانتقال من ضم إلى كسر هذا فيه ثقل.
هذا ما يتعلق بتغيير صيغة الفعل، وهو بحث صرفي بحت، والله أعلم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين ... !!!