شرح ألفية ابن مالك للحازمي

عناصر الدرس
* شرح الترجمة (المفعول المطلق) وحده وعلاقته بالمصدر
* العامل في المفعول المطلق
* ماالأصل في الإشتقاق؟
* أنواع المفعول المطلق من حيث الفائدة
* ماينوب عن المفعول المطلق.

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
قال الناظم رحمه الله تعالى: المَفْعُولُ المُطْلَقُ، هذا شروع منه في بيان المنصوبات كما ذكرنا سابقاً، ولذلك قدَّم بابين سابقين: تَعَدِّي الفِعلِ وَلُزُومُهُ، وكذلك: بابُ التَّنازُعِ، إذ كل منهما له علاقة بالعمل.
فبين لنا أن الفعل يطلب مفعولاً، وذكر المفعول به، حينئذٍ إن اعتُبر ذكر المفعول أصالة في ذلك الباب، حينئذٍ يكون هذا الباب هو الثاني، من باب المنصوبات، وإن اعتبر أنه من باب الاستطراد كما قال بعضهم، حينئذٍ نقول هذا هو الباب الأول في المنصوبات، والأولى أن يجعل ذاك له علاقة بالمفعول به؛ لأنه قال:
عَلاَمَةُ الْفِعْلِ الْمُعَدَّى
ثم قال:
فَانْصِبْ بِهِ مَفْعُولَهُ إِنْ لَمْ يَنُبْ
فبين أن المفعول منصوب إِنْ لَمْ يَنُبْ عَنْ فَاعِلٍ نَحْوُ: تَدَبَّرْتُ، وهذا يدل على أنه أراد المفعول به، ولذلك قلنا: علامة الفعل أي: الفعل التام، ولم يدخل فيه الناقص؛ لأنه أراد أن يمهد لنا ما هو العامل الأصلي في المفعول به، وإن لم يكن مقصوراً عليه؛ لأن الوصف قد ينصب مفعولاً، ((إِنَّ اللَّهَ بَالِغٌ أَمْرَهُ)) [الطلاق:3]-قراءة التنوين-: ((إِنَّ اللَّهَ بَالِغٌ أَمْرَهُ))، كذلك المصدر: انصب عجبت من ضربك زيداً، زيداً هذا منصوب، على كلٍ هو ذكر الفعل لأنه يعمل بالأصالة، وما عداه فهو محمول عليه بالفرعية.
المفاعيل عند النحاة على الصحيح خمسة: مفعول به، ومفعول مطلق، ومفعول له، ومفعول فيه، ومفعول معه، هذا هو الصحيح أنها خمسة: مفعول به، ومفعول مطلق، ومفعول له، ومفعول فيه، ومفعول معه، سيذكرها الناظم على هذا الترتيب.
ونقص الزجاج منها: المفعول معه، فجعلها أربعة لا خمسة، نقص المفعول معه، فجعله مفعولاً به، يعني أدمج بين بابين، المفعول معه، والمفعول به.

ونقص الكوفيون منه: المفعول له، وجعلوه من باب المفعول المطلق، أدمجوا بابين: المفعول له، -المفعول لأجله-، والمفعول المطلق سيان عند الكوفيين، فالمفاعيل عندهم أربعة، وزاد السيرفي سادساً، وهو المفعول منه، وهذا سبقك ((وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ)) [الأعراف:155] أي: من قومه، قَوْمَهُ قال: على معنى (من) فهو مفعول منه.
وسمى الجوهري المستثنى مفعولاً دونه، فهي ستة عندهم، والمستثنى الأصل فيه أنه مستقل، هومنصوب لا شك، لكنه ليس من المفاعيل.
قال: المَفْعُولُ المُطْلَقُ، يعني مطلق عن القيد، الإطلاق والقيد متقابلان، إذا قيل: مطلق معناه مطلق عن القيد؛ لأنه يقع عليه اسم المفعول من غير تقييد بحرف جر، لا يقال: مفعول به، مفعول معه؛ لأن تلك أما أن يقيد بحرف جر، وإما أن يقيد بظرف: مفعول معه ظرف، مفعول له جار، كلها مقيدة، إلا هذا النوع، فلذلك سمي مطلقاً، يعني مطلقاً عن القيد، إما بحرف، وإما بظرف؛ لأنه يقع عليه اسم المفعول من غير تقييد بحرف جر.


ولهذه العلة قدَّمه ابن الحاجب عن المفعول به، وهو أولى، لأنه أولى ما يسمى مفعولاً هو المفعول المطلق، وقدمه على المفعول به، وقيل: سمِّي مفعولاً مطلقاً؛ لأن حمل المفعول عليه لا يُحوِجُ إلى صلة؛ لأنه مفعول الفاعل حقيقة: ضربتُ ضرباً، ضرباً هو مفعول الفاعل حقيقة، ضربتُ ما الذي أحدث الفاعل هنا؟ أحدث ضرباً، فهو المفعول حقيقة، بخلاف ضربتُ زيداً، زيداً ليس هو مفعول الفاعل، مفعول الفاعل هو الضرب، والمفعول به ليس هو المفعول حقيقة للفاعل، وإنما هو زيد، وهو شيء مغاير للضرب، كذلك المفعول معه سرتُ والنيلَ، النيلَ ليس هو فعل الفاعل السير، وإنما هو شيء مغاير له، وكذلك المفعول فيه: صمت يوم الخميس، يوم الخميس ليس هو عين الصوم، بل هو ظرف له، إذاً ليس مفعولاً حقيقة، وإنما الذي يكون مفعولاً حقيقة، هو المَفْعُولُ المُطْلَقُ: ضربتُ ضرباً، ضرباً هو الحدث الذي دل عليه ضربت، فهو جزء من الفعل، فهو المفعول حقيقة.
سمي مفعولاً مطلقاً لأن حمل المفعول عليه لا يحوج إلى صلة، فلا يقال: مفعول به، ولا مفعول معه الخ؛ لأنه مفعول الفاعل حقيقة، بخلاف سائر المفعولات، فإنها ليست بمفعول الفاعل، وتسمية كل منها مفعولاً إنما هو باعتبار إلصاق الفعل به، أو وقوعه لأجله، أو فيه، أو معه على حسب العلة التي ذُكر ذلك المفعول، إما لكونه مع الفاعل، وإما لكونه ظرفاً له، وإما لكونه علةً له، الخ ما ذكر.
فلما كان مقارناً له حينئذٍ قُيِّد بحرف أو ظرف، وهذا لا، مخالف له، فلذلك احتاجت في حمل المفعول عليها إلى التقييد بحرف الجر بخلافه، وبهذا استحق أن يقدم عليها في الوضع.
ولذلك ابن مالك بقوله: فَانْصِبْ بِهِ مَفْعولَهُ، إنما ذكره من باب الاستطراد، وهذا أول المفاعيل وهو المفعول المطلق، يرِدُ عليه أنه ذكره في باب تعدي الفعل ولزومه، نقول هناك ذكره استطراداً، هذا وجه لبعضهم.
المَفْعُولُ المُطْلَقُ: زاد في شرح الكافية في الترجمة: وهو المصدر، وهذا كثير ما يعبر به النحاة عن المفعول المطلق، هل هو المصدر؟
نعم. هو المصدر، لذلك عرفه الناظم هنا، بدأ بالمصدر، المفعول المطلق ثم قال: الْمَصْدَرُ، كأنه قال: وهو المصدر، ثم عرَّف المصدر، هذا بناءً على مسألة مختلف فيها، هل المفعول المطلق لا يكون إلا مصدراً؟ أم يكون مصدراً وغير مصدرٍ؟
فمن اشترط المصدرية، صدَّر تعريف المفعول المطلق بالمصدر، ومن لم يشترط المصدرية قال: هو اسم، عمم، حينئذٍ يرد الخلاف في النائب عن المفعول المطلق، هل هو مفعول مطلق حقيقة أم أنه نائب عنه وليس بحقيقة؟
هذا ينبني على الخلاف في اشتراط المصدرية في المفعول المطلق، فمن اشترط المصدرية، حينئذٍ قال: تلك نائبة عن المفعول، ليست مفعولاً حقيقةً، وإنما هي نائبة، وهذا ظاهر صنيع الناظم؛ لأنه قال: المفعول المطلق: الْمَصْدَرُ عرَّفه، ثم قال: وَقَدْ يَنُوبُ عَنْهُ عن المصدر، مَا عَلَيْهِ دَلّ، فدل على أن النائب ليس بمفعولٍ مطلقاً حقيقة، وإنما هو نائب عنه، وعليه يشترط في المفعول المطلق أن يكون مصدراً.


وإذا لم نشترط حينئذٍ نقول: كل ما أعرب مفعولاً مطلقاً فهو مفعول مطلق، كل ما انتصب على المفعولية المطلقة سواء كان مصدراً أو لا، فهو مفعول مطلق، والأشهر هو الأول، أن المفعول المطلق لا يكون إلا مصدراً، وما ذُكر من النيابة فهو نائب عنها، فحينئذٍ تقول: هذا نائب عن المفعول المطلق، وليس بمفعول مطلق، والمصدر أعم مطلقاً من المفعول المطلق، إذا قيل بأن المفعول المطلق لا يكون إلا مصدراً، حينئذٍ تصير العلاقة بين المفعول المطلق والمصدر العموم والخصوص المطلق، كل مفعول مطلق مصدر ولا عكس: ضربتُ ضرباً، (ضرباً) هذا مصدر ومفعول مطلق.
وقد ينفرد المصدر، ولا يكون مفعولاً مطلقاً، كلامك كلام حسن، هذانِ مصدران مبتدأ وخبر، وليسا بمفعولٍ مطلق، وقد ينفرد المفعول المطلق بالنيابة، ولا يصدق عليه أنه مصدر، وقيل -على القول الثاني-، تكون العلاقة بين المفعول المطلق والمصدر: العموم والخصوص الوجهي، والذي ذكرناه العموم والخصوص المطلق، السابق.
إذاً: قد تكون العلاقة بين المصدر والمفعول المطلق العموم والخصوص المطلق، حينئذٍ نفتقر إلى مادتين: مادة الاجتماع ومادة الافتراق، مادة الاجتماع ضربتُ ضرباً، مفعول مطلق ومصدر، وحينئذٍ إذا انفرد النائب ليس بمفعول مطلق، جِدَّ كُلَّ الجِدِّ، هذا ليس بمفعول مطلق، بل هو نائب، إذا خرج عن الحد، ويوجد المصدر، ولا يكون مفعولاً مطلقاً مثل: كلامك كلام حسن، هذا بناءً على أن المفعول المطلق لا يكون إلا مصدراً، فالنائب حينئذٍ ليس بمفعول مطلقاً، وإنما يطلق عليه من باب التجوز.
وإذا قلنا: الأمر أعم لا يشترط فيه المصدرية، حينئذٍ صارت العلاقة العموم والخصوص الوجهي، فنحتاج إلى ثلاث مواد: مادة الاجتماع، ومادتي الافتراق، مادة الاجتماع: ضربتُ زيداً ضرباً شديداً، نقول: ضرباً نقول: هذا اجتمع فيه أنه مصدر ومفعول مطلق.
وينفرد المصدر عن المفعول المطلق بماذا؟ كلامك كلام حسن، هذان مصدران، وليس بمفعول مطلق، ينفرد المفعول المطلق –النائب-، هذا عنده مفعول مطلق حقيقة، جِدَّ كُلَّ الْجِدِّ، هذا كل ليس بمصدر، وإنما هو مفعول مطلق.
إذاً: إذا اشترطنا المصدرية، حينئذٍ النائب ليس بمفعول مطلق حقيقة، وإنما هو من قبيل التجوز، فالعلاقة حينئذٍ بين المصدر والمفعول المطلق العموم والخصوص المطلق، إذا لم نشترط المصدرية، فحينئذٍ: وَقَدْ يَنُوبُ عَنْهُ ينوب عنه في تأدية ما يؤديه المصدر، فيكون مفعولاً مطلقاً حقيقةً، حينئذٍ تكون العلاقة بين المصدر والمفعول المطلق العموم والخصوص الوجهي، يجتمعان في مادة، ويفترق كل واحد منهما في مادة أخرى.
إذاً: المصدر أعم مطلقاً من المفعول المطلق؛ لأن المفعول المطلق لا يكون إلا مصدراً، بناءً على أن ما يقوم مقامه مما يدل عليه خَلَفٌ عنه، وهو الأصل -المصدر هو الأصل-، وذاك خَلَفٌ عنه، إذاً: ليس بمفعول مطلق، إنما نائب عن المفعول المطلق، وفرق بين أن يكون الشيء نائباً، وبين أن يكون حقيقةً، وهو مفعول مطلق.


وقيل: المصدر والمفعول المطلق بينهما عموم وخصوص من وجه، يجتمعان في الصورة إذا نصب على أنه مفعول مطلق، وينفرد المصدر فيما إذا خرج عن المفعول المطلق، وينفرد المطلق فيما إذا كان نائباً عن المصدر، مثل (كل) وهو مفعول مطلق حقيقة.
يجتمعان في: ضربته ضرباً، وينفرد المصدر في: ضَرْبُكَ ضَرْبٌ أليم، وينفرد المفعول فيما ينوب عن المصدر، أما حقيقة المفعول المطلق، فنقول: هو المصدر، الفضلة، المسلط عليه عامل من لفظه، أو من معناه، هذا شمل النوعين اللفظي، والمعنوي، والمعنوي هذا فيه خلاف هل هو مفعول مطلق أم لا؟
والجمهور على أنه مفعول مطلق.
المصدر، الفضلة، المسلَّط عليه عامل من لفظه، أو من معناه، مسلَّط عليه عامل من لفظه، يعني وافق المصدر عامله في اللفظ، والمعنى معاً، يعني في الحروف والمعنى: ((وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا)) [النساء:164] كلَّمَ تَكْلِيمًا، جلستُ جلوساً، قعدت قعوداً، ضربت ضرباً، نقول: هذا مصدر، وافق العامل في الحروف وفي المعنى، هذا محل وفاق أنه مفعول مطلق، ويُعَنْوَنُ له باللفظي، أو في معناه نحو: قعدت جلوساً، جلوساً هذا منصوب على أنه مفعول مطلق عند الجمهور، وسيأتي الخلاف فيه، هل العامل فيه الملفوظ أم لا؟
على رأي ابن مالك رحمه الله تعالى هنا، أن جلوساً منصوب بقعدت، قعد وجلس في المعنى واحد، وفي الحروف والمادة مختلفان، إذاً: جلوساً هذا منصوب بعاملٍ هو مفعول مطلق، منصوب بعامل، وافقه هذا المصدر في المعنى دون الحروف، ولذلك قلنا: المسلَّط عليه عامل من لفظه، وهو اللفظي، أو من معناه مثل: قعدت جلوساً، فـ ((كَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا)) توافقا في اللفظ والمعنى، في الحروف -في المادة-، والمعنى، فـ (تَكْلِيمًا) هذا مفعول مطلق والعامل فيه (كَلَّمَ) وهو موافق له في اللفظ والمعنى: قعدت جلوساً، على قول الجمهور سيأتي الخلاف فيه، جلوساً هذا مفعول مطلق، وعلى رأي ابن مالك والمازني والمبرد أنه منصوب بالفعل المذكور، والجمهور يقدرون له موافق للفظه، فهو منصوب بالفعل المذكور.
حينئذٍ نقول: وافقه في المعنى دون الحروف؛ لأن الجلوس والقعود بمعنى واحد، وأما الحروف فهما مختلفان.
وتَأَلَّيْتُ حِلفةً، اللية هي الحلف، تَأَلَّيْتُ حِلفةً، حِلفةً نقول: هذا مفعول مطلق، والعامل فيه تألى، وهو موافق له في المعنى دون الحروف.
المَصْدَرُ الفَضْلَةُ خرج بالفضلة ما إذا كان المصدر عمدة، قد يكون المصدر عمدة؛ لأنه قد يأتي فاعل، وقد يأتي مبتدأً، وقد يأتي خبراً، وقد يأتي اسم إن أو خبر إن، أو اسم كان، أو المفعول الأول، أو خبر كان، أو المفعول الأول في باب ظن، أو الثاني، إلى آخره، قد يقع عمدة أصالة في الحال، أو بما هو الأصل: كلامك كلام حسن، كلامك مبتدأ، وهو مصدر، وكلام حسن هذا خبر، كلامك كلام حسن، كلامك ما العامل فيه؟ مبتدأ العامل فيه: الابتداء، هل هو من لفظه ومعناه، أو من معناه دون لفظه؟ لا هذا، ولا ذاك؛ لأنه شيء معنوي، لا حروف له، لأنه ما ليس للسان فيه حظ، هذا ضابط العامل المعنوي، والابتداء منه، جعلك الاسم أولاً لتخبر عنه ثانياً.


إذاً كلامك نقول: هذا مبتدأ، والعامل فيه الابتداء، كلام حسن، كلام، هذا خبر، العامل فيه كلامك وهو المبتدأ.
وَرَفْعُوا مُبْتَدَأً بِالإبْتِدَا ... كَذَاكَ رَفْعُ خَبَرٍ بِالمُبْتَدَا

إذاً الخبر مرفوع بالمبتدأ، وهنا العامل فيه موافق له في اللفظ والمعنى، كلامك كلام حسن، مثل ضربتك ضرباً، وافقه في اللفظ والمعنى، هل نقول أنه مفعول مطلق؛ لأنه موافق له في اللفظ والمعنى مثل: ((كَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا))؟ لا، لماذا؟ لأن كلامك كلام حسن، كلام حسن هذا عمدة لأنه خبر، وإذا كان كذلك لا يمكن أن يكون فضلة؛ لأن الفضلة ما ليس بعمدة، إذاً هنا تسلَّط على الخبر عامل من لفظه ومعناه، ولم يعرب مفعولاً مطلقاً لم ننصبه على المفعولية المطلقة لماذا؟ لانتفاء شرط الفضلة.
كذلك: جَدَّ جِدُّهُ يعني: نشط أمره، جَدَّ فعل ماضي، وجِدُّهُ هذا مصدره، تسلط عليه عامل من لفظه ومعناه، ومع ذلك لم ينتصب على المفعولية المطلقة؛ لكونه عمدة، ويشترط في المفعول المطلق أن يكون فضلة، وهذا ليس بفضلة، وحقيقة الفضلة: ما ليس ركناً في الإسناد، وهنا الفاعل، وذاك الخبر، ركنان في الإسناد، فـ: كلامك وجده سُلِّط عليهما عامل من لفظهما، وهما الفعل والمبتدأ، وليس من المفعول المطلق في شيء.
إذاً: عرفنا هو المصدر، لا بد أن يكون مصدر، فإذا أخذنا المصدر جنساً في حد المفعول المطلق، ما ليس بمصدر ليس بمفعول مطلق، هذه قاعدة مطردة، إذا عرَّفنا وذكرنا الجنس، حينئذٍ كل ما ليس من الجنس ننفي عنه المحدود، فنقول: العلاقة بين المفعول المطلق والمصدر -دائماً بين المحدود والجنس- العلاقة بينهما العموم والخصوص المطلق؛ لأننا أخذناه قيداً في حد المفعول المطلق، حينئذٍ تقول: المفعول المطلق هو المصدر، إذاً كل مفعول مطلق هو مصدر من غير عكس، يرد: جِدَّ كُلَّ الْجِدِّ وَافْرَحِ الْجَذَلْ تقول: هذا نائب عن المفعول المطلق، ونحن نحد المفعول المطلق حقيقة أصالة، وهذا قد ناب عنه، حينئذٍ لا إشكال.
إذاً كل ما ليس بمصدر ليس بمفعول مطلق، كل ما كان مصدراً وليس بفضلة ليس بمفعول مطلق، كل ما كان مصدراً فضلة، ولم يكن موافقاً لعامله في اللفظ والمعنى، أو في المعنى دون اللفظ ليس بمفعول مطلق، هذه القيود كلها أشبه ما تكون شروطاً تبين لنا حقيقة المفعول المطلق.
عرَّفه في الأوضح بقوله: هو اسم -صدره بالاسم؛ لأنه لا يشترط فيه أن يكون مصدراً، على هذا التعريف إذا قلنا: لا يشترط أن يكون فيه مصدر، والنائب عن المفعول المطلق هو مفعول مطلق حقيقة، حينئذٍ نصدر الحد بكونه اسماً-.


هو اسم يؤكد عامله أو يبين نوعه أو عدده. هذا بيان لأنواع، وأغراض، والفوائد التي يؤتى من أجلها بالمفعول المطلق، لماذا جيء به؟ بعض النحاة يدخل هذه الأنواع الثلاثة في الحد، والأولى إخراجها؛ لأنها أنواع، إذا عرفنا حقيقة المفعول المطلق، حينئذٍ نقول: يتنوع إلى كذا، كما نقول: الكلمة قول مفرد، ثم هي ثلاثة أقسام. إذاً لا ندخل الاسم -حقيقة الاسم- والفعل والحرف في داخل حد الكلمة، بل نحد الشيء ثم نقول: يقسم إلى كذا وكذا، نقول: الكلام هو اللفظ المركب المفيد بالوضع، وينقسم إلى خبر وإنشاء. إذاً القسمة لا تدخل في الحد، هذا أولى من صنيع ابن هشام -رحمه الله تعالى-.
وليس خبراً ولا حالاً، -هذا الذي أردتُه-، وليس خبراً ولا حالاً، نحو ضربت ضرباً، هذا مثال لمؤكد عامله، ضربت ضرب الأمير للمبين للنوع، ضربت ضربتين للمبين للعدد، بخلاف ضربك ضربٌ أليم، هذا مبين للنوع، لكنه ليس بمفعول مطلق، ضربك ضربٌ أليم، مثل كلامك كلام حسن، ولا حالاً نحو: وَلَّى مُدْبِرًا، هذا قد يقال: بأنه مثل قعدت جلوساً، نقول: لا؛ لأن هذا حال، وإنما جيء بها لبيان صفة صاحب الحال؛ لأنها قيد لعاملها، ووصف لصاحبها، ففرق بين المفعول المطلق وبين الحال.
وَلَّى مُدْبِرًا هذا حال مؤكدة، وافق فيها المنصوب هنا، العامل في المعنى دون اللفظ، لكن نقول: فرق بين الحال والمفعول المطلق، ويفرق بينهما بمعرفة حقيقة الحال ما هي كما سيأتي في محله.
وأكثر ما يكون المفعول المطلق مصدراً، هكذا قال بعد هذا التعريف، صدره بالاسم ثم قال: وأكثر ما يكون المفعول المطلق مصدراً. إذاً قد يكون المفعول المطلق ليس مصدراً، مثل: جِدَّ كُلَّ الْجِدِّ، وعلى هذا معناه أن جِدَّ كُلَّ الْجِدِّ، ((فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ)) [النساء:129] هذا مفعول مطلق حقيقة، ولا تقل: نائب عن المفعول المطلق، والصحيح أنه نائب عن المفعول المطلق.
والمصدر اسم الحدث الجاري على الفعل، فخرج بهذا القيد اسم المصدر، إذا قيل: حقيقة المفعول المطلق المصدر، معلوم أن ثَمَّ فرقاً بين المصدر واسم المصدر، وسيعقد لهذا باباً في الأخير إن شاء الله تعالى، سيعقد باباً للفرق بين المصدر واسم المصدر، ثم عمل كل منهما.
المصدر ما وافق فعله في الحروف كلها: أعطى إعطاءً، نقول: هذا مصدر، وإذا نقص حرف من المصدر، انتقل من المصدر إلى اسم المصدر، من اسم المصدر يعني أن لا نطلق عليه مصدراً إلى عنوان جديد، وهو اسم المصدر فتقول: أعطى عطاءً أين الهمزة إعطاءً عطاءً؟ كلاهما مصدران في الأصل لأعطى، إلا أنه لما نقص حرف عطاءً، سميناه اسم مصدر، ففرق بين المصدر واسم المصدر، المصدر يكون موافقاً لفعله في عدد الحروف، المادة لا شك فيها في الاثنين، أما المصدر لا بد أن يكون موافقاً لعدد الحروف فلا ينقص حرفاً، قد يزيد لا إشكال، أكرم إكراماً، إكرا .. زاد، أكرم إكراماً زاد حرفاً، لكن لا ينقص، فإن نقص حينئذٍ سميناه اسم مصدر.


هل يأتي اسم المصدر مفعولاً مطلقاً؟ الجواب: لا، وإنما يكون نائباً، اغتسلت غسلاً، اغتسلت اغتسالاً، قال: اغتسلت غسلاً، غسلاً هذا نقول: نائب عن المفعول المطلق لماذا؟ لكونه اسم مصدر، والشرط هنا أن يكون مصدراً، فانتفى، المصدر قد يكون مصدراً صريحاً، وقد يكون مؤولاً بالصريح، مصدر صريح ننطق به كما هو: كلامك كلاماً حسن، ضربت زيداً ضرباً، ضرباً هذا مصدر صريح، والمصدر المؤول بالصريح ((وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ)) [البقرة:184] قلنا: المبتدأ قد يكون اسماً صريحاً، وهو الذي لا يحتاج في جعله مبتدأً إلى تأويل، وقد يكون اسماً مؤولاً بالصريح، وهو فيما إذا احتجنا إلى جعله مبتدأً إلى تأويل: يعني المؤولات السابقة -الثلاث الأول-، فحينئذٍ نقول: ((أَنْ تَصُومُوا)) أن وما دخلت عليه في تأويل مصدر، جعلنا المصدر هذا مبتدأ.
هل يكون المفعول المطلق مصدراً مؤولاً؟ الجواب: لا، لا يكون. إذاً نقيد المصدر بالصريح احترازاً من المؤول بالصريح، فإنه لا يكون مفعولاً مطلقاً.
قال الناظم -رحمه الله تعالى-:
اَلْمَصْدَرُ اسْمُ مَا سِوَى الزَّمَانِ مِنْ ... مَدْلُولَيِ الْفِعْلِ كَأَمْنٍ مِنْ أَمِنْ

إذاً أراد أن يعرف لنا المصدر؛ لأن المفعول المطلق لا يكون إلا مصدراً، كيف تحكم عليه بأنه مصدر وأنت لا تعرف المصدر، وإن كان هذا باب سيأتي، (أبنية المصدر)، والأصل أنه بحث صرفي، لكن سيذكره الناظم في محله، لكن من حيث المعنى ما المراد بالمصدر؟ لاشك أن الفعل مركب، مركب من حدث ومن زمن، كل فعل ماضي أو مضارع أو أمر، لا بد وأنه مشتمل على شيئين اثنين، شيئين اثنين من حيث الوضع لا من حيث دلالة التزام، هذا شيء آخر، كلامنا في الوضع، يعني ما يدل عليه الفعل بالمطابقة، حينئذٍ قام، قام يدل على قيام وزمن ماضٍ، ويقوم يدل على قيام وزمن في الحال، وقم يدل على طلب قيامٍ حدثٍ في الزمن المستقبل.
إذاً دلالة قام على الشيئين، نقول: دلالة مطابقة، وهذه من المهمات تحفظها، دلالة قام على القيام الذي هو الحدث والزمن بالمطابقة، دلالته على الحدث فحسب، تضمن:
دَلاَلةُ اللَّفْظِ عَلَى مَا وافَقَهْ
وجُزئِهِ تَضَمَناً ....... ... يَدْعُونَها دَلالَةَ المُطَابَقَةْ

إذا دل على جزئه، على جزء الفعل الزمن دون الحدث أو العكس، فهي دلالة تضمن.
إذاً دلالته على الاثنين نقول: دلالة مطابقة، ودلالته على شيء واحد منهما دون الآخر دلالة تضمن، إن دل على المصدر نقول: المصدر يؤخذ من الفعل بالمادة، يعني: كيف نقول: الفعل هذا للماضي وهذا للمستقبل وهذا للحال؟ ونقول: هذا مأخوذ من مصدر كذا، وهذا مأخوذ من مصدر القيام، وهذا مأخوذ من مصدر الجلوس أو القعود؟ نقول: دلالة الفعل على المصدر بالمادة، يعني بالحروف، كيف تعرف أن هذا مأخوذ من القيام، قام ويقوم وقم؟ نقول: مأخوذ من القيام، القيام هو المصدر، ما الذي دلنا التخرص؟ نقول: لا هذا مأخوذ من المادة يعني من الحروف: القاف والألف والميم، كذلك صام مأخوذ من الصيام أو الصوم، حينئذٍ نقول: دل عليه بالمادة بالحروف.


وأما دلالته على الزمن فهذه مأخوذة بالصيغة، وهذه مبحثها عند الصرفيين، ما كان على وزن كذا فهو ماضٍ، وما كان على وزن كذا فهو مضارع، وما كان على وزن كذا فهو أمر، حينئذٍ يحدد الماضي، ولذلك له عند التجرد له ثلاثة أوزان فَعَل فَعِل فَعُل، كذلك المضارع: يَفْعُل يَفْعِل يَفْعَل، ثم بزيادة أحرف المضارعة، الأمر، حينئذٍ نقول: بهذه الصيغ، هي التي تدل على الفعل على الذي دل عليه الفعل، فمعرفة الزمن من جهة الصيغة، ومعرفة المصدر من جهة المادة.
بقي دلالته على شيئين اثنين: الفاعل والمكان، فهي دلالة التزامية؛ لأن اللفظ لا يدل على المكان، وكذلك على الفاعل، لا يدل على الفاعل، اللفظ قام لا يدل على الفاعل، ولا يدل على المكان، فدلالة الفعل على الزمن أقوى من دلالة الفعل على المكان؛ لأن دلالة الفعل على الزمن دلالة تضمنية بالمطابقة بالوضع، أصل الوضع، ودلالته على المكانة، دلالة التزامية، دلالته على الفاعل، دلالة التزامية، لازم له، ولذلك بعضهم يجعل هذا الجزء في وضع الفعل فيقول: الفعل مركب من ثلاثة أشياء، ليس من شيئين، مركب من ثلاثة أشياء: المصدر والزمن والنسبة إلى فاعلٍ ما، هذه النسبة إلى فاعلٍ ما، مأخوذة بدلالة الالتزام، لكن هل هي مرادة عند الواضع وضعاً أم التزاماً، هذا محل نزاع، والأشهر أنه بدلالة التزام، وأن الفعل يدل على شيئين اثنين فقط.
اَلْمَصْدَرُ -أراد أن يعرفه- اسْمُ: يعني هو، اسْمُ يدل على مَا سِوَى الزَّمَانِ، ما هو سِوَى الزَّمَانِ؟ هو الحدث؛ لأنه ليس عندنا إلا اثنان، إما زمان وإما حدث، مَا سِوَى الزَّمَانِ هو الحدث، والمصدر اسم الحدث، والحدث ما هو؟ هو ما يقوم به الفاعل، ما يفعله الفاعل، يعني: نحن نبحث عن ألفاظ، ومدلول الألفاظ قائمة بحركات الناس وسكناتهم، إذا قلت: نام، النوم أين يحدث في الفم أم خارج الفم؟ إذا قلت: نام، النوم له حقيقة، نام زيدٌ، فقلت: زيد، زيد أين هو في فمك أم خارج؟ إذاً المعاني التي تدل عليها الألفاظ، هذه موجودة في الخارج في الواقع، والألفاظ هذه أدلة عليها.
اَلْمَصْدَرُ اسْمُ مَا سِوَى الزَّمَانِ يعني: اسم الحدث الجاري على الفاعل، فإذا قلت: ضربٌ، نقول: ضربٌ هذا مصدر، نحن قلنا: الحدث، أين هو الحدث؟ إذا قلت: ضربٌ، ضربٌ هذا في فمك، ما يصدق عليه ضربٌ أين هو؟ في الخارج، إذاً ليس هو بلغو، الذي يكون محسوساً اسمه ضرب، ضربٌ اسمه مصدر. إذاً المصدر اسم مسماه اللفظ، سبق معنا أن الكلمة قد تطلق ويكون مسماها ذات كزيد، أو معنىً كعلم، وعقل، وقد يكون مسماها لفظاً، تقول: زيدٌ كلمةٌ، كلمة في هذا التركيب اسم، مسماه لفظ زيد، هنا إذا قلت: مصدراً، قتلٌ مصدر، ضربٌ مصدر، أكلٌ مصدر. إذاً مصدر هذا اسم، مسماه اللفظ، وأما اللفظ المسمى الذي هو الضرب، اسم الحدث الجاري الواقع من الشخص نفسه.
اَلْمَصْدَرُ اسْمُ مَا سِوَى الزَّمَانِ مِنْ ... مَدْلُولَيِ الْفِعْلِ .. وهو الحدث.


إذاً المصدر اسم الحدث الجاري على الفعل، اسم مسماه اللفظ، يعني ليس المراد به القتل نفسه هو المسمى المصدر، لا، ليس هذا. كلمة مصدر ليس مسماه القتل نفسه، أو الضرب نفسه، أو النوم، أو الأكل، أو الشرب، لا، ليس هذا، وإنما اسم مسماه اللفظ الدال على الحدث نفسه، فتقول: مصدر مسماه القتل، والقتل مسماه حقيقة القتل نفسه، الذي تراه تدركه بالنظر أو بالفعل، ففرق بين دلالة الشيء على اللفظ ودلالة الشيء على المعنى.
اَلْمَصْدَرُ اسْمُ مَا سِوَى الزَّمَانِ يعني: يدل على ما سوى الزمان، اَلْمَصْدَرُ هذا مبتدأ، واسْمُ هذا خبره، ومَا في محل جر مضاف إليه، وسِوَى متعلق بمحذوف صلة (ما)، يعني الذي استقر.
سِوَى الزَّمَانِ يعني غير الزمانِ.
مِنْ مَدْلُولَيِ هذا في موضع حال، نصب حال من الضمير المستتر في الصلة، يعني استقر سوى الزمانِ حال كونه من مدلولي الفعل، ثَنَّى مَدْلُولَيِ؛ لأن الفعل ليس له إلا مدلولان: الحدث والزمان.
قال: اَلْمَصْدَرُ اسْمُ. إذاً عبر بكون المصدر اسم، اسْمُ مَا سِوَى الزَّمَانِ، ما هو سِوَى الزَّمَانِ؟ الحدث. إذاً المصدر اسم الحدث، تأخذ من هذا البيت أن المصدر اسم الحدث، وأما الحدث نفسه فهو الذي يدرك بالحس، اسمه: اللفظ الذي وضع له في لسان العرب.
كَأَمْنٍ مِنْ أَمِنْ، أَمِنْ هذا مصدر، أَمن يأمن أمناً، كضرب يضربُ ضرباً. أَمِنْ هذا اسمه مصدر، والأمنُ اسم مسماه الأمن، حقيقة الأمن نفسه، فرق بين الاثنين، كأمنٍ من مدلولي أمن، وقتلٍ من مدلولي قتل، وضربٍ من مدلولي ضرب، وشرب من مدلولي شرب، وهَلُمَّ جَرّاً.
إذاً اَلْمَصْدَرُ اسْمُ (مَا): مَا حدث مَا سِوَى الزَّمَانِ مِنْ مَدْلُولَيِ الْفِعْلِ، فـ (ما) واقعة على حدث.
قال الشارح: الفعل يدل على شيئين: الحدث والزمان، يدل عليهما، يعني بالوضع ليس مطلقاً؛ لأن دلالة الالتزام معتبرة هنا، وهو يدل على الفاعل بدلالة الالتزام، ويدل على المكان بدلالة الالتزام، فقام يدل على قيام في زمن ماضي، ويقوم يدل على قيام في الحال، أو الاستقبال، هذا على المشهور أنه حقيقة في الحال والاستقبال، والصواب أنه حقيقة في الحال مجاز في الاستقبال، هذا الصحيح لماذا؟ لأنه إذا أريد الاستقبال لا بد من قرينة، إما (لن) أو (السين) أو (سوف) .. إلى آخره، وما افتقر أو احتاج إلى قرينة، هذا فرع ما لا يحتاج إلى قرينة، وإذا أُطلق الفعل المضارع حُمِل على الحال، وقم يدل على طلب قيام في الاستقبال، والقيام هو الحدث، وهو أحد مدلولي الفعل، وهو المصدر، وهذا معنى قوله: مَا سِوَى الزَّمَانِ مِنْ مَدْلُولَيِ الْفِعْلِ .. فكأنه قال: المصدر اسم الحدث كَأَمْنٍ، -وهذا حق-، المصدر اسم الحدث كَأَمْنٍ، المصدر اسم. إذاً الاسم أعم من المصدر، فكل مصدر اسم ولا عكس.
إذاً من علامات الاسم كونه مصدراً، إذا ثبت أنه مصدر فهو من علامات الاسم.
والمفعول المطلق: هو المصدر المنتصب توكيداً لعامله، أو بياناً لنوعه أو عدده، نحو: ضربتُ ضرباً، وسرتُ سَيرَ زيدٍ، وضربتُ ضربتين.
ثم قال:
بِمِثْلِهِ أَوْ فِعْلٍ أوْ وَصْفٍ نُصِبْ


أراد أن يبين المفعول المطلق ما العامل فيه، قال: قد ينصب بالفعل وهو الأصل، وينصب بالوصفِ، وهو اسم الفاعل، واسم المفعول، وأمثلة المبالغة، واختلف في أفعل التفضيل، والصفة المشبهة.
أو بمثله وهو المصدر.
إذاً المفعول المطلق ينصب بمثله، يعني: بمصدر مثله، لفظاً ومعنىً، أو معنىً دون لفظٍ، يعني: يعمل المصدر في المصدر، فينصبه على أنه مفعول مطلق له، ثم قد يكون المفعول المطلق، موافقاً للعامل المصدر، في اللفظ والمعنى معاً، أو في المعنى دون اللفظ ((فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ جَزَاءً مَوْفُورًا)) [الإسراء:63] جَزَاءً مفعولٌ مطلق، العامل فيه جَزَاؤُكُمْ، ((فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ)) وقع خبراً، وهو مصدر موافقٌ له (جَزَاءً) في اللفظ والمعنى.
ولو معنىً دون لفظٍ، نحو: أعجبني قيامك وقوفاً، على ما سبق، أعجبني: فعل ومفعول به، قيامك فاعل، وهو مصدر مضاف إلى فاعل، وقوفاً هذا مصدر، عمل فيه قيامك، كل منهما مصدر، مثل قعدتُ جلوساً، قيامك وقوفاً، نقول: وقوفاً هذا مفعول مطلق، والعامل فيه المصدر، وهو موافق له في المعنى دون اللفظ؛ لأن القيام والوقوف بمعنى واحد.
بِمِثْلِهِ: هذا جار ومجرور متعلق بقوله: نُصِبْ، نصب بمثله يعني: المفعول المطلق -المصدر السابق-، ينصب بمثله، وهو المصدر، سواء كان موافقاً له في اللفظ والمعنى كالآية المذكورة، أو في المعنى دون اللفظ كالمثال المذكور.
أَوْ للتنويع.
فِعْلٍ فيكون العامل في المفعول المطلق فعل، كقوله: ((وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا)) [النساء:164]، ويشترط في الفعل الذي ينصب مفعولاً مطلقاً، أن يكون متصرفاً، وأما الجامد فلا، الجامد مثل (نعم) و (بئس)، و (عسى)، و (ليس)، وفعل التعجب، هذه لا تنصب مفعولاً مطلقاً.
أن يكون تاماً، أن لا يكون ناقصاً، فكان وأخواتها هل تنصب مفعولاً مطلقاً؟ الجواب: لا.
أن لا يكون مُلغىً عن العمل، وهذا فيما إذا كان ظن وأخواته، اإذا توسطت ورجحنا الإلغاء، أو تأخرت ورجحنا الإلغاء، هذا الأصل فيه، أو يكون متقدماً فيلغى من جهة اللفظ فحسب.
إذا ثلاثة شروط يجب أن تتوفر في الفعل الذي ينصب المفعول المطلق، وهل يشترط فيه أن يكون متعدياً؟
لا يشترط في المفعول الذي يُنصب بفعلٍ أن يكون متعدياً إلا نوعاً واحداً، وهذا ذكرناه، ولذلك قلنا: الحال لا يشترط فيها أن يكون العامل فيها متعدياً، ومثَّلنا بقوله: جاء زيدٌ راكباً، قلنا: راكباً هذا حال، والعامل فيه جاء، وهو لازم ليس بـ بمتعدي: فَانْصِبْ بِهِ مَفْعولَهُ، قلنا: ينصب الفعل المتعدي المفعول، وما عداه لا يتعدى إلى مفعول به البتة، وأما سائر المفاعيل هذا لا يشترط فيها التعدي، بل تكون مع اللازم، ومع المتعدي.
إذاً بِمِثْلِهِ أَوْ فِعْلٍ أوْ وَصْفٍ ((وَالصَّافَّاتِ صَفًّا)) [الصافات:1] صَفًّا: هذا مفعولٌ مطلق موافقٌ لعامله في اللفظ والمعنى، والعامل فيه الصَّافَّاتِ، وهو اسم فاعل جمع صاف، وكذلك ((وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا)) [الذاريات:1] ذَرْوًا مفعولٌ مطلق ((فَالْعَاصِفَاتِ عَصْفًا)) [المرسلات:2] عَصْفًا مفعولٌ مطلق .. إلى آخر.


فالعامل فيه وصف، وهو مضروب ضرباً، ضرباً هذا مفعولٌ مطلق، والعامل فيه مضروبٌ، وهو اسم مفعول.
يشترط في الوصف الذي ينصب المفعول المطلق شرطان: أحدهما أن يكون متصرفاً، فالجامد لا ينصب مفعولاً مطلقاً، ثانيهما أن يكون اسم فاعل، أو اسم مفعول، أو صيغة مبالغة، هذه ثلاثة، فإن كان اسم تفضيل لم ينصب المفعول المطلق بغير خلافٍ فيما نعلم، -جوَّزه بعضهم،- وأما قول الشاعر:
أَمَّا المُلُوكُ فَأنتَ اليَوْمَ أَلأَمُهُمْ ... لُؤْمًا وَأَبْيَضُهُمْ سِرْبَالَ طَبَّاخِ

أَلاَمُهُمْ لَؤْماً، لُؤْمًا ظاهره أنه مصدر عمل فيه أَلأَمُهُمْ، وهو أفعل تفضيل، فانتصب على أنه مفعولٌ مطلق، هذا الظاهر، والجماهير أو من حكى الإجماع على المنع، يقدره مصدراً لفعلٍ محذوف: فأنت اليوم ألأمهم تلؤم لُؤماً، تَلؤُمُ تفعُلُ، تَلؤُمُ لُؤماً، حينئذٍ لُؤماً هذا مفعول مطلق، لكن ليس العامل فيه اسم التفضيل، بل فعل مقدر من لفظه.
واختلفوا في الصفة المشبهة، فحملها قوم على أفعل التفضيل، ومنعوا من نصبها المفعول المطلق، وذهب ابن هشام إلى جواز نصبها إياه مستدلاً بقول النابغة الذبياني:
وَأَرَانِي طَرِبَاً فِي إِثْرِهِمْ ... طَرَبَ الوَالِهِ أو كالمُخْتَبَلْ

طَرِبَاً على وزن فَعِل حَذِر، وهو صفة مشبهة. طَرِبَاً طَرَبَ الوَالِهِ مثل: ضرب الأمير.
إذاً هذا في ظاهره أنه منصوبٌ بـ (طرباً)، وهو صفة مشبهة، وبقي على ظاهره ابن هشام، فجوَّز في الصفة المشبهة أن تنصب مفعولاً مطلق، لكن الجماهير على أن يقدر له مثل ما قُدِّر في: أَلاَمُهُمْ لَؤْماً، حينئذٍ التقدير يكون: أراني طرباً في إثرهم أطربُ طربَ الواله، على نحو ما قالوه في أفعل التفضيل.
إذاً نُصِبْ المفعول المطلق، أو ذالك المصدر على المفعولية المطلقة بِمِثْلِهِ أَوْ فِعْلٍ أوْ وَصْفٍ، هذه الثلاثة الأشياء تعمل في المفعول المطلق، وأفعل التفضيل، حكي الإجماع على أنها لا تنصب المفعول المطلق، والصفة المشبهة الجماهير على المنع، وجوزه ابن هشام -رحمه الله تعالى-.
نُصِبْ قال بعضهم: إِنْ لَمْ يَنُبْ عَنْ فَاعِلٍ فإن أنيب حينئذٍ رفع، كما هو الشأن في المفعول به: فَانْصِبْ بِهِ مَفْعولَهُ إِنْ لَمْ يَنُبْ، هنا نُصِبْ: إِنْ لَمْ يَنُبْ عَنْ فَاعِلٍ غُضِب غضب شديد، غضبتُ غضباً شديداً، فأراد أن يحذف الفاعل؛ لئلا يساء به أنه سريع الغضب، قال: غُضِب –اليوم-، أو غُضب غضبٌ شديد، غضبٌ شديد هذا نائب فاعل، حينئذٍ من جوز أن يكون هذا المفعول المطلق نائب فاعل، حينئذٍ ينصب ما لم ينب عن الفاعل، فإن أنيب حينئذٍ أخذ حكم نائب الفاعل.
وَكَوْنُهُ أَصْلاً لِهذَيْنِ، وَكَوْنُهُ أي المصدر أَصْلاً في الاشتقاق، لِهذَيْنِ الفعل والوصف، اُنتُخِبَ يعني اختيرَ، وهذا مذهب البصريين، ومسألة المصدر والفعل المشتق منه، وأيهما مشتق من الآخر، هذه طويلة الذيل قليلة النفع، بل معدومة النفع، وكثر الكلام حولها أيهما أصلٌ للآخر، وإن كان المرجح أن المصدر أصلٌ لفرعيه:
والمَصْدرُ الأَصْلُ وَأَىُّ أَصْلِ ... وَمِنهُ يَا صَاحِ اشْتِقَاقُ الفِِعْلِ


هذا الذي اختاره ابن مالك -رحمه الله تعالى-، وابن الأنباري في الإنصاف في مسائل الخلاف، عنون لهذه المسألة، وأطال النفس فيها، فمن أرادها فليرجع إليها.
وَكَوْنُهُ أي المصدر، كَوْنُهُ هذا مبتدأ مضاف إلى اسمه، وهو كان، وأَصْلاً هذا خبر كان، وجملة: اُنتُخِبَ خبر المبتدأ، فكان هنا مبتدأ فتحتاج إلى خبرين: خبر باعتبارها مبتدأ، وخبر باعتبارها فعلاً ناقصاً، خبرها باعتبار كونها –كان-ناقصة أصلاً، وباعتبار كونها مبتدأ اُنتُخِبَ، ولِهذَيْنِ المراد به الفعل والوصف، متعلق بقوله: أَصْلاً، لماذا انتُخِبَ اختِيرَ؟ لأن كل فرع يتضمن الأصل وزيادة، هذه أقوى حجة عند البصريين؛ أن كل فرع يتضمن الأصل وزيادة، والفعل والوصف بالنسبة إلى المصدر كذلك دونه؛ لأن المصدر يدل على حدث فقط، والفعل يدل على حدث وزيادة، وهو الزمن، والوصف يدل على حدث وزيادة، وهو الذات، حينئذٍ نقول: الوصف يدل على الفاعل -من جهة العموم-، والحدث بدلالة المطابقة، على جزئه، الذات فقط، أو الحدث فقط نقول: دلالة تضمن، مقصودي بهذا: أن الفعل مع كونه أصل دل على الفاعل بدلالة التزام، واسم الفاعل مع كونه فرع عن الفعل، دل على الفاعل بدلالة المطابقة، وأيهما أقوى، أيُّ الدلالتين أقوى؟ المطابقة لأنها وضعية، وأما دلالة الالتزام، لا، هذه خارجة عن مسمى اللفظ، حينئذٍ دلالة الفرع على الفاعل أقوى من دلالة الأصلِ.
الشاهد أن الفعل يدل على حدث وزيادة وهو الزمن، والوصف يدل على حدث وزيادة، وهو دلالة الذات، والمصدر يدل على الحدث فقط، وما دل على شيئين اثنين فرع عما دل على شيء واحد، وهذا واضح بين.
وَكَوْنُهُ أي المصدر، أَصْلاً لِهذَيْنِ الفعل والوصف، اُنتُخِبَ اختِيرَ، وهو الأرجح.
قال رحمه الله: ينتصب المصدر بمثله، أي بالمصدر أو بالفعل أو بالوصفِ، ومذهب البصريين أن المصدر أصلٌ، والفعل والوصف مشتقان منه، وهذا معنى قوله: وَكَوْنُهُ أَصْلاً لِهذَيْنِ انْتُخِبْ، أي المختار أن المصدر أصلٌ لهذين أي الفعل والوصف، ومذهب الكوفيين عكس، الفعل أصل، والمصدر مشتق منه، وهذا مردود ضعيف؛ لأنه يلزم منه أن يكون الفرع يدل على شيءٍ واحد، والأصل يدل على شيئين، وهذا خلاف المنطوق خلاف المعقول، المعقول يدل على أن الفرع يكون متضمناً للأصل وزيادة، هذا هو الأصل، فإذا عكسنا ما هو معقول ومنطوق، حينئذٍ نقول: هذا فيه نظر.
وأما القول بأنه إذا جيء بالمصدر يكون ثالثاً ضربَ يضربُ ضرباً، ابن آجروم هكذا عرَّفه: الذي يجيء ثالثاً في تصريف الفعل، هذا مشكل ضرَبَ يضرِبُ ضرباً.


إذاً الأصل هو الفعل الماضي، ثم جاء ضرباً نقول: لا، هذا ليس بمطرد، وإنما اصطلح النحاة على أنهم يذكرون المصدر بعد الفعل، وليس بلازم، لو قال: ضربَ ضرباً يضربُ، ضرباً ضربَ يضربُ، يضرب ضرباً ضرب، نقول: هذا كله جائز؛ لأن الأصل الذي اتخذه النحاة من تقديم الفعل الماضي على المصدر، ليس لدلالة على أنه أصل، وإنما للذكر فحسب، أشبه ما يكون بشيء عُرفي عند النحاة فحسب، وإلا لو قدم وأخر لا بأس به، لا نقول: إذا قال: ضرباً ضربَ يضرب، وقع في محذور منكر، نقول: لا، هذا صحيح، وذاك صحيح، وإنما الأولى أن يقدم الفعل الماضي: ضرَبَ يضرِبُ ضَرْباً، الذي يجيء ثالثاً في تصريف الفعل، وهذا من باب التقريب للمبتدأ: قَتَلَ يقتُلُ قتلاً، جلسَ يجلسُ جلوساً.
إذاً لا بد من الرجوع إلى معرفة أبنية المصادر، فهي مسألة توقيفية يعني: أشياء تحفظ، ويقاس عليها، منها ما هو قياسي، ومنها ما هو سماعي، والقياسي كثير، وفي باب الثلاثي السماعي كثير حتى قيل أنه لا قياسي فيه، نفى بعضهم القياس، وأظُن ابن حاجب على هذا في الشافية، ومر معنا.
إذاً مذهب الكوفيين، أن الفعل أصل؟؟؟، والصحيح المذهب الأول؛ لأن كل فرع يتضمن الأصل وزيادة، والفعل والوصف بالنسبة للمصدر كذلك؛ لأن كلاً منهما يدل على المصدر وزيادة، فالفعل يدل على المصدر والزمان، والوصف يدل على المصدر والفاعل، هذا أرجح.
تَوْكِيدَاً أَوْ نَوْعَاً يُبِينُ أَوْ عَدَدْ ... كَسِرْتُ سَيْرَتَيْنِ سَيْرَ ذِي رَشَدْ

أراد أن يبين لنا بعد ما بين حقيقة المفعول المطلق، ما هي الفوائد والأغراض التي يؤتى بالمفعول المطلق من أجلها؟
قال: ثلاث فوائد: تَوْكِيدَاً، أَوْ نَوْعاً، أَوْ عَدَدْ، إما أن يجاء بالمفعول المطلق ليؤكد عامله، أو يبين نوعه، أو يبين عدده، إما هذا، وإما ذاك.
كَسِرْتُ سَيْرَتَيْنِ سَيْرَ ذِي رَشَدْ قسمهُ إلى ثلاثة أنواع، ومثَّل بمثالين، مثَّل للعدد بقوله: سَيْرَتَيْنِ، وللنوع بقوله: سَيْرَ ذِي رَشَدْ.
قوله: تَوْكِيدَاً هذا مفعولٌ مقدم لقوله: يُبِينُ، (يبين توكيداً او نوعاً)،بإسقاط همزة أو للوزنِ، تَوْكِيدَاً أوْ نَوْعاً يُبِينُ، يُبِينُ هذا فعل مضارع، وتَوْكِيدَاً هذا مفعول به مقدم عليه، و (أَوْ) حرف عطف، ونَوْعَاً معطوف على المنصوب، والمعطوف على المنصوب منصوب.
إذاً أول غرض وأول حكمة وفائدة لمجيئنا بالمفعول المطلق، أنه يكون مؤكِّداً، مؤكِّداً لأي شيء؟ يطلق النحاة مؤكِّداً لعامله فتقول: ضربتُ ضرباً، ضرباً هذا مؤكِّد للعامل، وهو الضرب.
توكيداً لعامله، والأولى أن يقال: لمعنى عامله.


المؤكِّد لعامله أي لمعنى عامله، ثم المراد بمعنى عامله المصدر، المراد به بعض الفعل، بعض العامل، وليس كل العامل لماذا؟ لأنك إذا قلت: ضربتُ ضرباً، ضرباً هذا تأكيد للعامل، وهو ضرب، مؤكِّد له توكيداً لفظياً أو معنوياً؟ التوكيد المعنوي محصور في النفس والعين، وتلك الألفاظ الخمسة، هذا ليس واحداً منها، حينئذٍ هو لفظي، إذاً صار تأكيداً لفظياً حينئذٍ لا بد أن يكون المؤكَّد والمؤكِّد متحدين في المعنى، كلٌ منهما مدلوله شيء واحد، لا يكون المؤكِّد دالاً على شيء واحد، والمؤكَّد دالاً على شيئين اثنين، وإذا نظرنا إلى (ضرباً) أنه توكيد بضربَ، ضَرْب يدل على شيء واحد؛ لأنه مصدر، وضَرَبَ يدل على شيئين اثنين، ومن شرط التأكيد اللفظي التطابق في المعنى، فلا بد أن يكون المؤكِّد، وهو ضرباً مطابقاً للمعنى الذي دل عليه المؤكَّد وهو ضرَبَ، فحينئذٍ لابد من جعل ضرْباً مؤكِّداً للمصدر الذي دل عليه ضربَ لا لجميع ضرَبَ، فهو مؤكِّد لبعض الفعل العامل، وليس لكله، أما قلنا: الفعل مركب من شيئين زمن ومصدر؟ إذاً ضرباً هذا مؤكِّد للزمن؟ لا، ليس مؤكِّداً للزمن، وإنما هو مؤكِّدٌ للمصدر، إذاً تطابقا أو لا؟ تطابقا، لابد من التأويل، وهذا فقه عجيب.
ضربتُ ضرباً، ضرباً نقول: هذا مؤكِّد للمصدر الذي دل عليه ضَربَ لا لمجموع ضَربَ؛ لأننا لو جعلناه مؤكِّداً لمجموع ضرب، وهو مركب من شيئين، لتخالف عندنا المؤكِّد، والمؤكَّد، وهذا فساد، فحينئذٍ نقدر أن ضرباً مؤكِّد للمصدر فنقول: ضربتُ ضرباً، كأنه قال: أحدثتُ ضرباً ضرباً، ضربتُ ضرباً في قوة قولك: أحدثتُ ضرباً ضرباً، فضرباً ضرباً نقول: الثاني هو المؤكِّد، وضرباً الأول هو الذي دل عليه الفعل، إذا أردنا حل الجملة نقول: أحدثت ضرباً ضرباً؛ لأن ضَربَ معناه أحدثت ضرباً، أكلتُ أحدثتُ أكلاً، نمتُ أحدثتُ نوماً .. إلى آخره، فضَربَ أحدثتُ ضرباً ضرباً، جاء مؤكِّداً للمصدر.
إذاً توكيد لمعنى عامله أي للمصدر الذي دل عليه العامل.
المؤكِّد لعامله: أي لمصدر عامله الذي تضمنه ليتحد المؤكِّد والمؤكَّد، فنجعله مؤكِّداً للمصدر الذي دل عليه العامل، إذ ذالك شرطٌ في التوكيد اللفظي الذي هذا منه، ضربتُ ضرباً نقول: هذا توكيد لفظي.
إذاً القسم الأول المفعول المطلق المؤكِّد، هذا نقول: توكيدٌ لفظي، وليس توكيداً معنوياً.
فمعنى قولك: ضربتُ ضرباً أحدثتُ ضرباً ضرباً، والمراد إفادته التوكيد من غير بيان نوعٍ أو عدد؛ لأن المراد تأكيد المصدر فحسب، وأما الضرب هذا يتنوع، الضرب منه قبيح منه حسن منه شديد مؤلم، منه ضعيف، منه بين بين، إذاً أنواع هو، وكذلك قد يكون ضربة، وضربتين، وضربات، وعشر ضربات، نقول: هذا المراد بالمؤكِّد هنا اللفظي بيان تأكيد المصدر فحسب بقطع النظر عن نوعه وعدده؛ لأن هذا له قسمان مستقلان.
من غير بيان نوعٍ أو عدد، وإلا فالتوكيد لازم للمفعول المطلق مطلقاً، كل الأنواع فيها نوع توكيد، وإن كان لا يقصد، وسمي توكيداً؛ لأنه لم يفد غير ما أفاده الفعل الناصب له.
إذاً تَوْكِيدَاً المراد إفادته التوكيد من غير بيان نوعٍ أو عدد.


المؤكِّد إذا جيء به ضربتُ ضرباً، المراد به التوكيد من غير تعرض لعدد أو بيان نوع؛ لأن كلاً منهما قد وضع له قسم مستقل، وإلا فالتوكيد لازم للمفعول المطلق مطلقاً، يعني الأقسام الثلاثة كلها مؤكِّدة، لكن لما تمحض القسم الأول للتوكيد عُنوِن له بهذا العنوان، ولما كان مراعاة بيان النوع في القسم الثاني مع التوكيد جُعل مبيناً للنوع، ولما كان الغالب أو المراد أو المقصد من العدد بيان العدد مع التأكيد، جُعل عنواناً له وترجمةً له، وإلا الثلاثة كلها من المؤكِّدات، لكن المؤكِّد الأول النوع الخاص؛ لأنه تمحض للتأكيد، ولم يأت لبيان عددٍ، ولا بيان نوعٍ، حينئذٍ سمي مؤكِّداً، وإن كان لا يقصد، وسمي توكيداً؛ لأنه لم يفد غير ما أفاده الفعل الناصب له، ضربتُ ضرباً ما زاد شيئاً، أحدثت ضرباً ضرباً لم يزد أي شيء، بخلاف ضربتُ ضرب الأمير، وضربتُ ضربتين، فيه زيادة على ما دل عليه المصدر، أما ضربتُ ضرباً ليس فيه زيادة.
والمؤكِّد صورته، أو حقيقته، وضابطه: أن يكون مصدراً منكراً، ضرباً، ضربتُ ضرباً، هذا مصدر منكر، غير مضاف ولا موصوف؛ لأنه لو أضيف أو وصف حينئذٍ تعين، صار فيه نوع تخصيص، وهو المراد به أن يكون اسم جنس مبهم كما سيأتي.
سواء كان عامله فعلاً نحو: ضربتُ ضرباً، أم وصفاً نحو: أنا ضاربٌ زيداً ضرباً، ضرباً هذا نقول: مفعول مطلق، والعامل فيه الوصف كما سبق، وسواء كان من مادته كالمثالين السابقين أم كان العامل من مادة مرادف لمادته، -هذا كما ذكرناه-: أعجبني قيامك وقوفاً، وقوفاً نقول: هذا مصدر مفعولٌ مطلق، والعامل فيه السابق.
نحو: قعدتُ جلوساً –السابق-، وأنا قاعدٌ جلوساً.
تَوْكِيدَاً أوْ نَوْعاً.
إذاً تَوْكِيدَاً يبين المصدر إذا ذُكر مع عامله توكيداً، نحو: اضرب ضرباً.
أوْ نَوْعَاً يعني أو يبين المصدر نوعاً، يعني بيان نوع العامل؛ لأن العامل يختلف، له أنواع فيما يكون له أنواع، فحينئذٍ يجاء بالمفعول المطلق للدلالة على نوع العامل، ما نوعه؟ نقول: هذا له صور، وصوره عديدة، أشهرها أن يكون مصدراً مضافاً، إذا أُضيف المصدر، حينئذٍ نقول: هذا مُبينٌ للنوع، كالمثال الذي ذكره الناظم: سِرْتُ سَيْرَ ذِي رَشَدٍ، السير يختلف، ذي رشد، وغير الرشد، قال: سِرْتُ سَيْرَ ذِي رَشَدٍ، إذاً خصص العامل، سِرْتُ هذا مطلق، فيه إطلاق، سير ذي رشد وغيره، فلما جاء سَيْرَ ذِي رَشَدْ نقول: هذا بيَّن نوع العامل.
إذاً الأول أن يكون مصدراً مضافاً، ومنه المثال الذي ذكره الناظم.


الثاني: أن يكون المصدر مقروناً بـ (أل) سواء كانت (أل) عهدية، أو كانت جنسية دالةً على الكمال: اجتهدتُ الاجتهادَ، الاجتهادَ: هذا مفعول مطلق، و (أل) هذه يحتمل أنها عهدية، يعني اجتهدت الاجتهاد الذي بيني وبينك معهود، إما أنه قوي وإما أنه ضعيف .. إلى آخره، يعني يحتمل، أو: اجتهدت الاجتهاد يعني الاجتهاد الكامل، هذا إذا جعلنا (أل) جنسية للدلالة على الكمال، حينئذٍ في النوعين: العهدية والجنسية، نجعل هنا المصدر مبيناً لنوع العامل؛ لأن اجتهدتُ .. -وهذا الاجتهاد يختلف له صور عديدة جداً-، فإذا قال: الاجتهاد اجتهدتُ الاجتهاد المعهود بيني وبينك إما قوةً، أو ضعفاً، أو توسطاً، حينئذٍ نقول: هذا تخصيص له في بعض أفراده، والذي دل على ذلك (أل) العهدية، وإن كان المراد به كمال الاجتهاد، حينئذٍ نجعل (أل) هذه جنسية دالة على الكمال.
ثالثاً: أن يكون المصدر موصوفاً، ضربتُ زيداً ضرباً شديداً، شديداً هذا صفة لـ (ضرباً)؛ لأن الضرب أنواع، فإذا قلت: شديداً، حينئذٍ وصفته، بينت نوع العامل.
أن يكون المصدر موصوفاً: ضربت زيداً ضرباً شديداً.
الرابع: أن يكون المفعول المطلق وصفاً مضافاً إلى المصدر: رضيتُ عن زيدٍ أجملَ الرِّضا، هنا وصفٌ مضاف إلى الرِّضا، وهو مصدر، وهذا سيأتي أنه من باب النيابة.
أن يكون المفعول المطلق وصفاً مضافاً إلى المصدر: رضيتُ عن زيدٍ أجملَ الرِّضا، نقول: أجملَ الرِّضا هذا نائب عن المفعول المطلق، وهو مضاف إلى المصدر، ما نوعه؟ نقول: مبين للنوع.
الخامس: أن يكون المفعول المطلق اسم إشارة منعوتاً بمصدرٍ مُحلى بـ (أل): أكرمتُكَ ذلك الإكرامَ، أكرمتُكَ ذلك -ذاك-، ولا يشترط أن يوصف كما سيأتي، فحينئذٍ نقول: ذاك أو ذلك هذا مفعول مطلق، وصف بالمصدر.
السادس: أن يكون المصدر نفسه دالاً على نوع من أنواع عامله: رجعتُ القهقرى، رجعتُ، الرجوع هذا يختلف أنواع، والقهقرى هذا مصدر، وهو بنفسه، بلفظه بمعناه بصيغته دال على نوع من أنواع العامل. سرتُ الخبَبَ.
السابع: أن يكون المفعول المطلق لفظ (كل)، أو (بعض) مضافاً إلى المصدر ((فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ)) [النساء:129] كُلَّ هذا نائب عن المفعول المطلق كما سيأتي، وهو مضاف مصدر، ضربتُ زيداً بعض الضربِ، بعض الضربِ هذا مضاف إلى المصدر.
الثامن: أن يكون المفعول المطلق (اسم آلة) للعامل: ضربته سوطاً، الأصل ضربتهُ ضربَ سوطٍ حُذف المضاف، وأقيم المضاف إليه مقامه، وانتصب انتصابه، هذه بعضها من النائب، وبعضها مما هو أصل.


إذاً أوْ نَوْعاً يُبِينُ، المراد بالمصدر إذا دل على نوع عامله بوجه من الوجوه إما بإضافة وإما بعلمية، وإما بـ (أل)، وإما بوصف، وإما أي شيء يدل على التخصيص، حينئذٍ نقول: هذا مبين للنوعِ، فالفرق بينه وبين التوكيد، أن التوكيد يأتي مطلقاً هكذا (ضرباً)، لا يتصل به أي شيء لا إضافة، ولا (أل)، ولا .. إلى آخره، كل ما ذكر لا يتصل بهذا المصدر، حينئذٍ نقول: هذا مؤكِّد، ضربت ضرباً، ولذلك قلنا: ضرباً يشترط فيه أن يكون مصدراً منكراً غير مضاف، ولا موصوف، ولا محلىً بـ (أل)، والمبين للنوع، حينئذٍ كل ما اتصل به مما يفيد تخصيص ذلك المصدر، حينئذٍ لو قيل بأنه كل ما أفاد شيئاً من خصائص العامل فهو نوعي.
أَوْ عَدَدْ، هذا النوع الثالث، أَوْ عَدَدْ يعني المصدر المسوق مفعولاً مطلقاً لبيان عدد عامله، مثل ما مثل الناظم: سَيْرَتَيْنِ، سِرْتُ سَيْرَتَيْنِ؛ لأن السير قد يختلف، سَيرٌ في أول الليل، سَيرٌ في آخر الليل، سَيرٌ خفيف، سَيرٌ قوي، سَيرُ ذي رشدي، سَيرُ سفيه.
إذاً سَيْرَتَيْنِ: يعني مرتين.
إذاً المفعول المطلق، قد يكون مبيناً لعدد عامله، يعني: عدد مرات إيقاع العامل، فإن وقع مرة واحدة قال: ضربتُ ضربةً بـ (التاء)، إن وقع مرتين قال: ضربتُ ضربتين، إن وقع مرات ضربت ضربات، إذاً بيَّن عدد وقوع العامل.
وهذا يكون في ثلاث صور: أن يكون مصدراً مختوماً بتاء الوحدة، ضربته ضربة.
أن يكون مصدراً مختوماًَ بعلامة تثنية أو جمع، ضربته ضربتين أو ضربات، ومنه مثال الناظم.
ثالثاً: أن يكون المفعول المطلق اسم عدد مميزاً بمصدر، اسم عدد مثل: (فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً)) [النور:4] ثَمَانِينَ هذا اسم عدد مميز بمصدر، حينئذٍ نقول: هذا نائب عن المفعول المطلق.
في هذه الصور الثلاث يُحدَد العددي، كما حُدِّد النوعي في ثماني صور، وأما التوكيدي فليس له إلا صورة واحدة، وهي كونه منكراً غير مضاف ولا موصوف.
تَوْكِيدَاً أَوْ نَوْعاً يُبِينُ أَوْ عَدَدْ ... كَسِرْتُ سَيْرَتَيْنِ سَيْرَ ذِي رَشَدْ

قال الشارح: المفعول المطلق يقع على ثلاثة أحوال: أن يكون مؤكِّداً، وهو ما جرد عن الوصف وعن الإضافة: ضربت ضرباً، والثاني أن يكون مبيناً للنوع: سِرْتُ سَيْرَ، سير هذا مصدر، والمصدر اسم جنس مبهم، هذا الأصل فيه، اسم جنس مبهم يعني يحتاج إلى تفصيل، وهو يقع على القليل، والكثير كـ: ماء، وعسل، وخل، وزيت، قلنا: هذا اسم جنس إفرادي يقع على القليل والكثير، كذلك اسم الجنس المبهم كضرب يقع على القليل والكثير، تقول: ضرب زيد ضرباً أبهمت، وهذا (ضرباً) يحتمل ضرباً قليلاً كثيراً مرةً مرتين عشراً، مؤلم غير مؤلم، محتمل للكل، فهو اسم جنس مبهم.
سرت سيراً حسناً، للوصف.
أن يكون مبيناً للعدد، من لفظ المصدر، هذا الأصل فيه: ضربته ضربةً من نفس المصدر، ضربتين ضربات، أما ثمانين جلدة هذا من النائب عن المصدر.
إذاً هذه ثلاثة أنواع للمفعول المطلق.


بعضهم قسمه إلى قسمين، قال: مبهم ومختص، نفسها، المبهم هو التوكيدي؛ لأنه اسم جنس مبهم، ووجه الإبهام الاحتمال -غير معين-، ضربت ضرباً قلنا: هذا غير معين، والمختص على قسمين: معدود وغير معدود، المعدود العددي، والغير معدود هو النوعي.
وَقَدْ يَنُوبُ عَنْهُ مَا عَلَيْهِ دَلّ ... كَجِدَّ كُلَّ الْجِدِّ وَافْرَحِ الْجَذَلْ

قَدْ يَنُوبُ عَنْهُ: عن المصدر في الانتصاب على المفعول المطلق.
الظاهر من صنيع الناظم هنا رحمه الله، أنه يخص المفعول المطلق بالمصدر؛ لأنه قال: المَفْعُولُ المُطْلَقُ، ثم: اَلْمَصْدَرُ اسْمُ .. إلى آخره، ثم قال: وَقَدْ يَنُوبُ عَنْهُ، يَنُوبُ عَنْهُ عن المصدر في الانتصاب على أنه مفعول مطلق ما سيذكره، وقَدْ هنا للتحقيق.
وَقَدْ يَنُوبُ عَنْهُ عن المصدر، يَنُوبُ عَنْهُ مَا عَلَيْهِ دَلّ: ما دل عليه، مَا هذه فاعل لينوب.
ما دل عليه، على المصدر، دَلّ يعني بمغايرة له في اللفظ، ودال عليه بالمعنى، لا بد أن تكون ثم مغايرة بين الدال والمدلول، إذ لو كان ثم مطابقة لصار عينه هو، ضربت ضرباً، إذاً لا بد أن يغاير المفعول المطلق للمصدر في اللفظ، ولو كانا مصدرين مثل: وَافْرَحِ الْجَذَلْ، الْجَذَلْ هذا مصدر، لكنه ليس مطابقاً لعامله وهو: وَافْرَحِ في المادة، مع كون: الْجَذَلْ هو معنى الفرح، الْجَذَلْ هذا نقول: نائب عن المفعول المطلق مع كونه مصدر، لكنه ليس موافقاً للأول، لعامله في اللفظ والمعنى.
وهنا ابن مالك -رحمه الله تعالى- مثل بهذا المثال للنائب، وقد سبق معنا: قعدتُ جلوساً، جلوساً هل هو مفعول مطلق أو لا؟ إن جعلناه مفعولاً مطلقاً، فالجمهور على أنه مفعول مطلق لعامل محذوف من لفظ مذكور: قعدتُ وجلستُ جلوساً، الجمهور على هذا، وعند السيرافي والمازني والمبرِّد أنه منصوب بالفعل المذكور، فحينئذٍ إذا جعلنا من شرط المفعول المطلق، المطابقة للعامل في اللفظ والمعنى، حينئذٍ: وَافْرَحِ الْجَذَلْ ليس بمفعول مطلق، وإنما هو نائب عن المفعول المطلق، وصنيع الناظم هنا يدل على الثاني، أنه نائب وليس بمفعول مطلق، ولذلك قال: وَقَدْ يَنُوبُ عَنْهُ، ثم قال: وَافْرَحِ الْجَذَلْ مثَّل بهذا النوع، مِثل قعدتُ جلوساً، هو نفسه، قعدتُ جلوساً، جلوساً نائب عن المفعول المطلق؛ لأنه غير مطابق، وَقَدْ قلنا: للتحقيق، يَنُوبُ عَنْهُ: عن المصدر في الانتصاب على المفعول المطلق، مَا هذه واقعة على النائب، عَلَيْهِ دَلّ، عَلَيْهِ الضمير يعود على المصدر، ودَلّ هذه صلة مَا، وعَلَيْهِ جار ومجرور متعلق بـ (دَلّ).


وَقَدْ يَنُوبُ عَنْهُ أي عن المصدر المتأصل في المفعولية المطلقة، وهو ما كان من لفظ عامله، لا مطلق المصدر، حتى يرد أن المفعول المطلق في وَافْرَحِ الْجَذَلْ مصدر، المراد هنا في النيابة عن المصدر، مصدر ناب عن مصدر، المصدر المتأصل في باب المفعولية المطلقة ما كان موافقاً لعامله في اللفظ والمعنى، هذا هو الأصل، فإن خالف فليس بأصل بل هو نائب عنه، حينئذٍ نقول: القاعدة هنا، الأصل في المفعول المطلق أن يكون من لفظ العامل فيه ومعناه، هذا الأصل؛ فالأصل في المفعول المطلق أن يكون من لفظ العامل فيه ومعناه، نحو ضربت ضرباً، وقد ينوب عنه ما دل عليه من مغاير لفظ العامل فيه، نحو: جِدَّ كُلَّ الْجِدِّ الذي ذكره الناظم هنا، جِدَّ هذا فعل أمر، كُلَّ الْجِدِّ، كُلَّ هذا لفظ مضاف إلى المصدر، ليس هو مصدر، وإنما اكتسب معنى المصدرية من المضاف إليه؛ لأن كُلَّ هذه باعتبار مضاف إليه، إن أضيفت إلى زمن فهي ظرف زمان، وإن أضيفت إلى مكان فهي ظرف مكان، وإن أضيفت إلى مصدر فهي مصدر، إذاً مصدر بالقوة، إذاً هو في قوة المصدر؛ لأنه ليس من لفظ الفعل.
جِدَّ كُلَّ الْجِدِّ، فكلُّ –بالنصب- منصوب على أنه مفعول مطلق، وليس من لفظ جِدَّ، لكنه دال عليه لإضافته إلى لمصدر الذي هو من لفظ الفعل، ومثله وَافْرَحِ الْجَذَلْ، فإن الجذل هو الفرح.
والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه أجمعين ... !!!