شرح ألفية ابن مالك للحازمي عناصر الدرس
* شرح الترجمة. نعم وبئس وما جراهما.
* نعم وبئس. فعلان لا إسمان
* حالات فاعل. نعم وبئس.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه
أجمعين.
أما بعد:
قال الناظم رحمه الله تعالى:
نِعْمَ وَبِئْسَ وَمَا جَرَى مَجْرَاهُمَا
أي: هذا باب بيان ما يتعلق بِـ: نِعْمَ وَبِئْسَ وَمَا جَرَى
مَجْرَاهُمَا، فجعل الباب يشتمل على نوعين:
أولاً: نِعْمَ وَبِئْسَ وهما أصل الباب، والثاني: ما حمل على نعم وبئس
في المعنى والعمل، أو في المعنى دون العمل.
نِعْمَ وَبِئْسَ وَمَا جَرَى مَجْرَاهُمَا: أي: في المدح والذم، كحبذا
وساء، سيأتي أنه: وَاجْعَلْ كَبِئْسَ سَاءَ، كذلك في المدح أو الذم:
حبذا ولا حبذا.
نعم وبئس في لسان العرب لهما استعمالان: أن يستعملا متصرفين كسائر
الأفعال، حينئذٍ يكون لهما مضارع وأمر واسم فاعل وغيرها كشأن الأفعال
المتصرفة، حينئذٍ لا يكونا جامدين كما هو الشأن في الاستعمال الثاني.
إذن: أن استعملا متصرفين كسائر الأفعال حينئذٍ يشتق من الماضي مضارعٌ
وأمرٌ واسمٌ فاعل وغيرها، وهما إذ ذاك للإخبار بالنعمة والبؤس، فتقول:
نعم زيدٌ أو نَعِمَ زيدٌ بكذا ينعم به فهو ناعمٌ، ينعم فعل مضارع،
وناعم هو اسم فاعل، وبئسُ يبأس فهو بائس.
إذن: على هذا النوع نقول: هذا الاستعمال ليس وارداً في هذا الباب، وليس
هو المقصود؛ لأن نعمَ وبئسَ كما قال الناظم هنا فِعْلاَنِ غَيْرُ
مُتَصَرِّفَيْنِ، وهما في هذا الاستعمال اشتق لهما مضارع وأمر اسم
فاعل.
إذن: ليس هذا النوع هو الذي عناه الناظم رحمه الله تعالى.
النوع الثاني أو الاستعمال الثاني: أن يستعملا لإنشاء المدح والذم،
وسبق أن الكلام قسمان: خبرٌ وإنشاء، خبرٌ، وهو ما احتمل الصدق والكذب
لذاته، وإنشاءٌ، وهو ما لم يحتمل الصدق والكذب، حينئذٍ نعم الرجل زيدٌ،
نقول: أريد به إنشاء المدح، يعني: أنه ليس موجوداً، وإنما وجد بهذه
الجملة: نعم الرجلُ زيدٌ، وبئس الرجل زيدٌ، نقول: المراد به إنشاء
الذمِ وإنشاء المدح، يعني: بهذا التركيب حصل المدح، وبهذا التركيب حصل
الذمُّ.
فلم يكن موجوداً في الخارج، ثم أخبر عنه؛ لأن هذا شأن الخبر، الخبر
إنما يكون عن شيء موجود سابق، ولذلك من باب التقريب في ضبط الخبر
والإنشاء أن يقال: بأن متعلق الخبر ماضٍ .. شيءٌ وقع وحصل، ومتعلق
الإنشاء شيء مستقبل .. يقع في المستقبل، كل ما لم يقع قبل التلفظ فهذا
إنشاء، وكل ما وقع قبل التلفظ بالجملة فهو خبر، هذا من باب التقريب
فحسب، وإلا قد يستعمل الإنشاء في مقام الخبر، والعكس بالعكس.
إذن: يستعملا بئسَ ونعمَ لإنشاء المدح
والذم، وهما في هذا الاستعمال لا يتصرفان، يعني: يلزمان حالة واحدة وهي
الفعل الماضي نِعْمَ وَبِئْسَ فحسب، فلا يشتق منهما فعل مضارع ولا أمرٌ
ولا اسم فاعل بخلاف الاستعمال الأول؛ لخروجهما عن الأصل في الأفعال؛
لأن الأصل في الفعل أن يكون دالاً على حدث وزمن، وهذا هو الأصل، ولكن
نِعْمَ وَبِئْسَ لا يدلان على الحدث ولا على الزمن، فكيف حينئذٍ نقول:
هما فعلان؟ نعم هما فعلان، ويصدق عليهما حد الفعل، كلمة دلت على معنى
في نفسها واقترنت بأحد الأزمنة الثلاثة، كيف اقترنت بأحد الأزمنة
الثلاثة، ونحن نقول هنا: سُلب منها الزمن، وسُلب منها الحدث؟ نقول:
النظر هنا باعتبار الوضع، فلا عبرة بسلب الزمن طارئاً، فإذا قيل: كلمة
دلت على معنى في نفسها واقترنت بأحد الأزمنة الثلاثة، حينئذٍ خرج
نِعْمَ وَبِئْسَ، ودخل اسم الفاعل واسم المفعول، ولذلك الصواب أن يزاد
في حد الاسم وفي حد الفعل وضعاً، يعني: باعتبار الوضع هو الذي يكون
مآلاً في ضبط الأسماء وضبط الأفعال، فيقال: كلمة دلت على معنى في نفسها
واقترنت بأحد الأزمنة الثلاثة وضعاً يعني: في أصل الوضع، فإن نزع منها
الدلالة على المعنى بالاستعمال لا يخرجها عن كونها فعلاً، فإن نزع منها
الدلالة على أحد الأزمنة الثلاثة، حينئذٍ نقول: لا يسلبها وصف الفعلية،
وإنما النظر في الأصل، حينئذٍ نقول: نعم في الأصل دال على حدثٍ وزمن،
وبئسَ في الأصل .. أصل الوضع دال على حدثٍ وزمن، لكن لما استعملا في
المدح والذم، حينئذٍ يرد السؤال: هل الذم والمدح يناسبه أن يكون الفعل
الدال عليهما في زمن مضى وانتهى أم يناسبه أن يدل عليه فعلٌ في كل
زمنٍ؟ لا شك أنه الثاني، تقول: نعم الرجل زيدٌ، مدحته، متى؟ في الزمن
الماضي والآن انقطع؟ هذا لا يناسب المدح، وإنما يناسب المدح أن يكون
مستمراً، ويناسب الذم الذي ينبني عليه الأحكام أن يكون مستمراً، وهذا
لا يناسبه أن يدل عليه بفعلٍ ماضي ينقطع، ولذلك سُلب الزمن من نِعْمَ
وَبِئْسَ للدلالة على الاستمرار، حينئذٍ نعم الرجل زيدٌ في كل وقت؛ في
الماضي وفي الحال وفي المستقبل، إذن: سلبُ الزمن من: نِعْمَ وَبِئْسَ
نقول: هذا عارض، لاستعمالهما في المدحِ والذمِ؛ لأن المدح والذم لا
يناسبه الزمن الماضي المنقطع، ولا الزمن المستقبل، ولا الزمن الحال
الذي مآله الانقطاع ينتهي، زيدٌ يصلي الآن، إذن: بعد وقت لا يصلي، لو
قيل: نمدح زيد الآن: ينعمُ زيدٌ، ينعمُ الرجلُ الآن، حينئذٍ نقول: ماذا
حصل؟ حصل المدح في هذا الزمن الحال، وبعد ذلك وقبل ذلك؟ نقول: هذا لا
يناسبه المدح.
إذن: نقول: هما غير متصرفين لجمودهما، وخروجهما عن الأصل في الأفعال من
الدلالة على الحدثِ والزمانِ، فأشبها الحرف، كما أن الحرف لا يتصرف
كذلك ما أشبه الحرف لا يتصرف، حينئذٍ نقول: نِعْمَ وَبِئْسَ بالمعنى
الطارئ عليهما لا يدلان إلا على المدحِ والذمِ، والكلام هنا باعتبار
الاستعمال الثاني، لا باعتبار الأول.
نِعْمَ وَبِئْسَ وَمَا جَرَى مَجْرَاهُمَا:
يعني: ما سلك مسلك نِعْمَ وَبِئْسَ في المدح والذم كحبذا وساء. ونِعْمَ
وَبِئْسَ هكذا: نِعْمَ، أصلهما على وزن فَعِلَ، كذلك بَئِسَ هذا الأصل
فيهما، وقد يردان كذلك: نَعِمَ وَبَئِسَ، هذه لغة فيها، أو بسكون العين
وفتح الفاء، نَعْمَ، بَئْسَ، نَعم الرجل زيدٌ، وبَئسَ الرجلَ زيدٌ،
وكسرها: نعِمَ وبَئِسَ كذلك، وكسر الفاء مع إسكان العين: نِعْمَ
وبِئْسَ وهذا هو الأصل، أو بكسرهما معاً: نِعِم وبِئِس، نِعِم هذه
مستعمل: نِعِم بكسر الفاء والعين، وكذلك بِئِس، نقول: هذه لغة فيها،
وأفصحها: نِعْمَ ثم نِعِم ثم نَعْمَ ثم نَعِمَ هذه أربع لغات، والناظم
ذكرها باللغة المشهورة نِعْمَ وَبِئْسَ، وقد يقال في بِئْسَ بَيْسَ،
بياءٍ مبدلة عن الهمزة على غير قياس: بِئْسَ بَيْسَ، جميل هذا.
فِعْلاَنِ غَيْرُ مُتَصَرِّفَيْنِ ... نِعْمَ وَبِئْسَ رَافِعَانِ
اسْمَيْنِ
نِعْمَ وَبِئْسَ: نِعْمَ مبتدأ مؤخر وبِئْسَ معطوف عليه، وفِعْلانِ:
هذا خبر مقدم، غَيْرُ مُتَصَرِّفَيْنِ: هذا نعت لفعلانِ، رَافِعَانِ
اسْمَيْنِ، أعربها المكودي نعت لفعلانِ، يعني: نعت ثاني، فِعْلانِ
غَيْرُ مُتَصَرِّفَيْنِ رَافِعَان اسْمَيْنِ نِعْمَ وَبِئْسَ هذا
التركيب، حينئذٍ فيه فصلٌ بين المنعوت ونعته بالمبتدأ الذي هو نِعْمَ
وَبِئْسَ.
قال: ولا يجوز أن يكون غَيْرُ مُتَصَرِّفَيْنِ ورَافِعَانِ أخباراً، لا
يجوز أن يكون غَيْرُ مُتَصَرِّفَيْنِ خبر؛ لأنه يحتمل أن نقول:
فِعْلانِ: خبر أول، تعدد الخبر، غَيْرُ مُتَصَرِّفَيْنِ هذا خبر ثاني،
رَافِعَانِ هذا خبر ثالث، هذا جائز من حيث الصنعة، من حيث الصنعة
وَأَخْبَرُوا بِاثْنَيْنِ أَوْ بِأكْثَرَا عَنْ وَاحِدٍ، تقول: هذا
جائز، لكن من حيث المعنى لا. ولا يجوز أن يكون غَيْرُ مُتَصَرِّفَيْنِ
ورَافِعَانِ أخباراً؛ لأنهما قيد في فعلين، قيد لهما، وليس المراد أن
يخبر بهما عن نِعْمَ وَبِئْسَ، فالمراد هنا أنه يقيِد فِعْلانِ، وليس
المراد أنه يخبر عن نِعْمَ وَبِئْسَ، نعم هذا صحيح، إذا قلت الكلام
هكذا: نِعْمَ وَبِئْسَ مبتدأ، فِعْلانِ غَيْرُ مُتَصَرِّفَيْنِ، غَيْرُ
مُتَصَرِّفَيْنِ خبر لنعمَ أو لفعلين .. نعت له؟ الظاهر الثاني، أن
غَيْرُ مُتَصَرِّفَيْنِ نعت لـ فِعْلانِ، رَافِعَانِ اسْمَيْنِ، نقول:
كذلك الأصل فيه أنه نعت لـ فِعْلانِ، لكن لا مانع من جعل رَافِعَانِ
خبراً لمبتدأ محذوف، وأكثر المعربين للألفية جعلوا هكذا: أن رَافِعَانِ
خبراً لمبتدأ محذوف تقديره وهما رَافِعَانِ اسْمَيْنِ، اسْمَيْنِ هذا
مفعول به لـ رَافِعَانِ، رَافِعَانِ مثنى رافع وهو اسم فاعل فنصبه
مثنى، وَمَا سِوَى الْمُفْرَدِ مثْلَهُ جَعِلْ، إذن: رفع برافع، فإذا
قيل رَافِعَانِ خبراً لمبتدأ محذوف تقديره هما، والواو يحتمل أنها واو
الحال لا بأس، أو على الاستئناف، حينئذٍ أخبر عن نِعْمَ وَبِئْسَ
بخبرين أولاً: كونهما فعلين، وكون الفعلين غير متصرفين، وأخبر عنهما
بكونهما رافعينِ ولا بأس بهذا .. لا إشكال فيه.
فِعْلانِ غَيْرُ مُتَصَرِّفَيْنِ نِعْمَ
وَبِئْسَ، حكم على نِعْمَ وَبِئْسَ بأنهما فعلان، وهذا على مذهب جمهور
البصريين وهو المرجح أن نِعْمَ وَبِئْسَ فعلانِ وليس اسمين خلافاً
للفراء ومن وافقه من الكوفيين، بدليل دخول تاء التأنيث الساكنة عليهم،
وسبق أن تاء التأنيث الساكنة من خواص الأفعال، بل من خواص الفعل
الماضي، وأتت -كما سبق- وأتت، أي: تاء وأتت، دالة على تأنيث المسند
إليه، وهذه من خواص الفعل، بل من خواص الفعل الماضي، فلما اتصلت تاء
التأنيث بِـ نِعْمَ وَبِئْسَ حكمنا عليهما بكونهما فعلين؛ لأنه اتصل
بهما ما هو من خصائص الأفعال، ولذلك جاء في الحديث: {فَبِهَا
وَنِعْمَتْ}، ويقال: نعمت المرأة هند، وبئست المرأةُ دعدٌ، إذن: أنثنا،
نعمت المرأةُ، المرأةُ هذا فاعل، ونعمت دخلت عليه تاء التأنيث فدل على
أنه فعلٌ لأنه لا يؤنثُ بهذه التاء الخاصة إلا الفعلُ، وكذلك بئست
المرأةُ لا يؤنث بئسَ إلا لكونه فعلاً. وحكى الكسائي قولهم: نعما
رجلينِ، ونعموا رجالاً، نعما رجلينِ، نعما الألف هذه فاعل، والفاعل هذا
ضميرٌ بارز، والضمير البارز المتصل لا يتصل إلا بالفعل، فدل على أنه
فعلٌ، كذلك نعموا رجالاً بالواو، هذا وإن كان شاذاً يحفظ ولا يقاس عليه
إلا أنه تؤخذ منه أحكام، ولذلك سبق معنا قاعدة: أن ما كان شاذاً قد
يصرح به للدلالة على الأصلية ... على أنه هو الأصل، حينئذٍ يعتبر في
أخذ الأحكام، فلا نقول: هذا شاذ لا يفرع عليه، لا، نقول: نستفيد منه
أنه اتصل به ضمير الاثنين في قوله: نعما رجلين، وضمير الواو نعموا
رجالاً؛ لأن ضمائر الرفع لا تتصل إلا بالأفعال.
إذن: حكمنا بكون نِعْمَ وَبِئْسَ فعلين بدليلين: الأول: اتصال تاء
التأنيث بهما، وتاء التأنيث لا تتصل إلا بالفعل، ثانياً: اتصال الضمائر
البارزة بهما، كما فيما حكاه الكسائي: نعما رجلين ونعموا رجالاً،
وضمائر الرفع المتصلة لا تتصل إلا بالأفعال، فهذا مذهب البصريين وهو
المرجح، وذهب جماعة من الكوفيين ومنهم الفراء إلى أنهما اسمان: نِعْمَ
اسم، وبِئْسَ اسم، حينئذٍ نقول: ما الدليل على اسميتهما وقد دخلت التاء
على نِعْمَ وَبِئْسَ، ما الدليل؟ قالوا: الدليل دخول حرف الجر على
نِعْمَ وَبِئْسَ، وحروف الجر من خصائص الأسماء، كما استدللتم أنتم بأن
تاء التأنيث من خصائص الأفعال، وحكمتم على نِعْمَ وَبِئْسَ بأنهما
فعلان، نحن نحكم عليهما بأنهما اسمان لدخول ما هو من خصائص الأسماء،
واستدلوا بدخول حرف الجر عليهما في قول بعضهم: نعم السيرُ على بئس
العير، وقول الآخر: والله ما هي بنعم الولدُ، حينئذٍ دخلت الباء على
بئس: نعم السير على بئسَ، كما تقول: علا الرجلُ، هذا فعل، وتقول: جلستُ
على الكرسي، الكرسي هذا اسم لدخول على عليه.
إذن: دخل حرف الجر على بئسَ فدل على أنها
اسمٌ، كذلك: بنعمَ الولدُ، دخلت الباء على نِعمَ فدل على أنها اسمٌ،
حينئذٍ يرد الإشكال لابد من الجواب، ونحن نسلم معهم بأن حرف الجر من
خصائص الأسماء، لكننا لا نسلم بأننا ظاهريون، وهو أنه كلما وجد حرف
الجر داخلاً على كلمة فهي اسمٌ، لا، نقول: مدخول حرف الجر قد يكون
اسماً ظاهراً وقد يكون اسماً مؤولاً بالظاهر، اسماً ظاهراً منطوقاً به،
وقد يكون اسماً مؤولاً بالظاهر، لما ثبتت فعلية بئس ونعم باتصال ما هو
من خصائص الأفعال بهما، حينئذٍ تعين أن نحمل بئس ونعم في هذين المثلين
على أن حرف الجر لم يدخل على بئس ونعم، وإنما دخل على اسم؛ لأنه من
خصائص الاسمية، فلابد أن يكون ما بعده اسم، وأمكن تأويل هذين المثلين،
حينئذٍ نقول: لا خلاف بين دخول حرف الجر وبين اتصال تاء التأنيث بنعم
وبئس، كل منهما على مورد، حينئذٍ لا خلاف، ولذلك أُوِّلَ دخول حرف الجر
"على" على بئس والباء على نِعمَ، لكونهما مفعولين لقول محذوف، يعني:
دخل حرف الجر على موصوفٍ محذوف، ما هي بنعم الولد، يعني: ما هي بولد
مقولٍ فيه نِعمَ الولدُ، ما هي بولد مقول فيه حذف الموصوف وصفته وهو
ولد، ما هي بولدٍ، إذن: الباء دخلت على ولد وهو اسمٌ، ولا إشكال فيه،
الولد هذا موصوف بصفة، ما هي الصفة؟ مقولٍ فيه، فحذف الموصوف وصفة
الموصوف، الولد والمقول حذفهما معاً، وأقيم مقول القول الذي هو نعم
الولد مقام المحذوف فدخلت الباء عليه في اللفظ، حينئذٍ نحكم بكون الباء
في (بنِعمَ) بأنها لم تدخل على نِعمَ مباشرة، وإنما دخلت على موصوف
محذوف وصفته. لقول محذوف واقع صفة لموصوف محذوف، وهو المجرور بالحرف لا
نِعمَ وبئس، والتقدير: نِعمَ السير على عير مقولٍ فيه بئس العير، وما
هي بولد مقولٍ فيه نِعمَ الولدُ، وهذا واضح بين، قد يقول قائل: لماذا
تؤولون؟ نقول: لأنه قد سمع دخول حرف الجر على ما هو متفق عليه بيننا
وبينهم، وهو الفعل الماضي.
والله مَا لَيْلِي بِنَامَ صَاحِبُه
والله مَا لَيْلِي بِنَامَ: نَامَ نَامَ فعل ماضي باتفاق البصريين
والكوفيين، إذن: هل نقول بدخول حرف الجر هنا على نَامَ صار اسماً؟ لن
نقول لا الكوفيون ولا البصريون، حينئذٍ نقول: دخول حرف الجر هنا على
نام هل هو مخرج له عن الفعلية، بكون حرف الجر لا يدخل إلا على الاسم؟
نقول: لا؛ لأن حرف الجر ليس ظاهراً بأن كل ما دخل على لفظٍ حكمنا
باسميته، نقول: لا، قد يكون داخلاً على محذوف، والله ما ليلي بليلٍ
مقولٍ فيه نام صاحبه.
إذن: مثل التقدير الذي قدرناه هناك، فلما وجِدَ مثل هذا المثال: والله
مَا لَيْلِي بِنَامَ واتفقنا على تأوليه، حينئذٍ لما اتصلت التاء
واتصلت الضمائر بنعم وبئس حكمنا عليهما بكونهما فعلين وأولنا بنعم
الولد وعلى بئس العير، وهذا أمر مطرد وجمعاً بين النصوص وجمعاً بين
الأدلة، وأما الكوفيون فمذهبهم ضعيف في هذا.
فِعْلانِ غَيْرُ مُتَصَرِّفَيْنِ، إذن:
حكمنا على نِعْمَ وَبِئْسَ بأنهما فعلان، وكل فعلٍ يلزم منه أن يرفع
فاعلً، حينئذٍ على مذهب البصريين تقول: نعم الرجلُ زيدٌ، نِعمَ: فعل
ماضٍ مبني على الفتح، لم فعل ماضي؟ لاتصال ما هو من خصائص الأفعال به،
ولماذا بنيَ؟ على الأصل، فلا يسأل عنه، نِعْمَ، ولم حرك؟ للتخلص من
التقاء الساكنين، ولم كانت الحركة فتحة؟ طلباً للخفة، وما بعده يكون
فاعلاً، نِعمَ الرجل، الرجلُ فاعل لنعمَ، ولذلك قال الناظم: رَافِعَانِ
اسْمَيْنِ على الفاعلية، نعم الرجل زيدٌ، وزيدٌ هذا مخصوص مبتدأ مؤخر،
والجملة من الفعل والفاعل في محل رفع خبر مقدم، وعلى رأي الكوفيين:
نِعمَ الرجلُ زيدٌ هم يسلمون بهذا التركيب: نِعمَ الرجلُ زيدٌ، نِعمَ
عندهم مبتدأ، وهو اسم بمعنى الممدوح مبني على الفتحِ في محل رفع، لم
بني والأصل أنه معرب؟ قالوا: لتضمنه معنى الإنشاء وهو من معاني الحروف،
كما بنيت أسماء الإشارة لتضمنها معنى الإشارة، إذن: نِعمَ هذا مبتدأ
مبني على الفتح في محل رفع، والرجلُ عطف بيان أو بدل مرفوع بالضمة،
لذلك رفع ليس فاعلاً، وزيدٌ خبر، إذن: نِعمَ زيدٌ مبتدأ وخبر، والرجل
الذي وقع بينهما هذا يعرب عطف بيان أو بدل، ولذلك رفع نظراً لمحل
نِعمَ، لكن يرد عليه إشكال، وهو قول القائل السابق: نعم السير على بئس
العيرُ، هم أعربوا: نِعمَ الرجل على أنه بدل .. بدل المرفوع مرفوع،
وبِئسَ الرجل بدل المرفوع مرفوع، أو عطف بيان، حينئذٍ يكون آخذاً حكم
ما سبق، لكن بِنِعمَ الولدُ؟ إذا حكمنا على نِعمَ بأنها اسم حينئذٍ هو
مجرور فلماذا قيل: الولدُ بالرفع؟ إذا كان ما بعد نعم يكون عطف بيان أو
بدل، حينئذٍ الأصل: بِنعمَ الولدِ وعلى بئس العيرِ بالجر، هذا الأصل،
اعترض عليهم، ما هي بنِعمَ الولدُ: كان القياس ما ذهب إليه هؤلاء أن
يكون الولدُ بدلاً أو عطف بيان من نعم المخفوض محلاً بالباء، والعير
كذلك من بئس في قوله على بئس العيرُ، لكن الرواية بالرفع، هذا محل
إشكال. وخُرِّج ذلك على أن (ما) نافية مهملة، ما هي (ما) مهملة، و (هي)
مبتدأ، وبنِعمَ الباء حرف جر زائد، ونِعمَ خبر، حينئذٍ صار نعم لها
محلان، رفعٌ وخفضٌ، خفضٌ بالباء الزائدة؛ لأنها واقعة بعد (ما)، وسبق
أن (ما) مطلقاً سواء كانت حجازية أو تميمية وحجازية مهملة أو عاملة
تدخل الباء في خبر (ما) حينئذٍ الباء هنا زائدة، ونِعمَ نقول: هذا
مجرور، فله محلان، جر بالباء وله محل لأنه خبر مرفوع، إذن: الولدُ
بالرفع بناء على محل نِعمَ على أنه خبر للمبتدأ. وخُرِّج ذلك على أن
(ما) نافية مهملة، هي مبتدأ وبنِعمَ الباء حرف جر زائد، نعم اسم بمعنى
الممدوح وهو خبر المبتدأ مبني على الفتح وله محلان، الجر بالنظر إلى
الباء والرفع بالنظر إلى الخبرية، والولد عطف بيان على نِعمَ، باعتبار
المحل، أو الباء أصلية، ونِعمَ في محل جر بها، والجار والمجرور متعلق
بمحذوف خبر المبتدأ هي، والولدُ نعت مقطوع فهو خبر مبتدأ محذوف.
يعني: لو قيل: بأن الباء أصلية لا نقول بأنها زائدة، ما هي بنعم الولد،
نقول: الباء أصلية، جار ومجرور متعلق بمحذوف، حينئذٍ صار خبراً للمبتدأ
هي.
طيب. الولدُ بالرفع لا إشكال، فالأصل فيه
أنه نعت، والنعت يجوز قطعه عن المنعوت، فتقول: بنعم هي الولدُ فصار خبر
مبتدأ محذوف.
إذن: هذا على مذهب الكوفيين، وقلنا: الصواب أنهما فِعْلانِ غَيْرُ
مُتَصَرِّفَيْنِ، حينئذٍ ما بعدهما يعرب فاعلاً ولا يعرب خبراً.
فِعْلانِ غَيْرُ مُتَصَرِّفَيْنِ ... نِعْمَ وَبِئْسَ رَافِعَانِ
اسْمَيْنِ
رَافِعَانِ قلنا: هما رافعان، خبر مبتدأ محذوف، اسْمَيْنِ هذا مفعول به
لرافعان، رَافِعَانِ معاً اسمين أو كل واحد منهما يرفع اسماً؟ كل واحد
منهما يرفع اسماً، لا أن كل واحد يرفع اسمين، قد يفهم من العبارة ذلك،
لكن ليس هذا المراد، المراد: رَافِعَانِ اسْمَيْنِ، أن كل واحد منهما
يرفع ما بعده على أنه فاعل له.
يعني: أن كل واحد منهما يرفع اسماً، ومجموعهما يرفع اسمين، لا أن كل
واحد منهما يرفع اسمين، رَافِعَانِ اسْمَيْنِ على الفاعلية، سواء كان
هذا الاسم ظاهراً أو مضمراً.
فهم أن رفع الاسمين بعدهما على الفاعلية؛ لتصريحه بفعليتهما؛ لأنه قد
يقال: رَافِعَانِ اسْمَيْنِ لا يلزم أن يكون فاعلاً، نقول: لا هو قال:
فِعْلانِ، إذن: حكم على نعم بكونها فعل، وإذا رفع الفعل اسماً حينئذٍ
رفعه على أنه فاعل لا على أنه خبر، هذا واضح بين؛ لأنه صرح بفعلية
نِعْمَ وَبِئْسَ، ثم ذكر أن لهما اسمين مرفوعين بهما، يقتضي ذلك أنهما
على الفاعلية، ثم لما كان فاعل نِعْمَ وَبِئْسَ له خصائص أراد أن يبين
خصائص فاعل نِعْمَ وَبِئْسَ؛ لأنه ينفرد عن كل فاعل ببعض الأحكام
الخاصة به، فقال: رَافِعَانِ اسْمَيْنِ .. مُقَارِنَىْ أَلْ أوْ مَضَا
فَينِ لِمَا قَارَنَهَا .. وَيَرْفَعَانِ مُضْمَراً يُفَسِّرُهُ
مُمَيِّزٌ هذه ثلاثة أنواع لفاعل نِعْمَ وَبِئْسَ.
إذن: ليس كل اسم ظاهر يصح أن يرفع على أنه فاعل لِـ نِعْمَ وَبِئْسَ،
بل لابد من ضوابط.
قال: مُقَارِنَىْ (ألْ): مُقَارِنَىْ صفة لاسمين، رافعان اسمين على
الفعلية.
مُقَارِنَىْ (أَلْ): مُقَارِنَىْ مضاف و (أَلْ) مضاف إليه،
ومُقَارِنَىْ أين النون؟ حذفت للإضافة، و (أل) حرف تعريف، فكيف صار
مضافاً إليه والمضاف لا يكون إلا اسماً؟ قصد لفظه.
إذن: قصد لفظه مُقَارِنَىْ (أَلْ). إذن: النوع الأول أن يكون الفاعل
مقارناً لـ (أل)، أي (أل)؟ الموصولية أم الزائدة أم المعرفة أم
الاستفهامية؟ أطلق الناظم مُقَارِنَىْ (أَلْ)، والأصل في (أل) أنها
معرِّفة، حينئذٍ مُقَارِنَىْ (أَلْ) لا الموصولة ولا الاستفهامية ولا
الزائدة وإنما هي المعرِّفة.
إذن: نقول النوع الأول من أنواع فاعل نِعمَ: أن يكون محلىً بالألف
واللام، كما الناظم: (أل)، نِعمَ الرجلُ زيدٌ، نِعمَ العبدُ .. بئس
الشرابُ، ((نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ)) [الأنفال:40]، هذا
النوع الأول أن يكون فاعل نِعمَ وبئس محلىً بـ (أل)، ثم أل هذه اختلف
فيها، بعد أن سلمنا بأنها معرِّفة، وسبق أن المعرِّفة أنواع: جنسية
وعهدية، والجنسية قد تكون حقيقة وقد تكون مجازية، والمعرِّفة قد تكون
تعريف ذهني أو ذكري أو حضوري.
إذن: الاختلاف هنا لا يخرجها عن كونها
معرِّفة، هي معرِّفة، اُختلف في أل هذه، نِعمَ العبد، نِعمَ المولى،
نِعمَ النصير، فقال الأكثرون: هي للجنس، أكثر النحاة والبيانيين على
أنها للجنس حقيقة لا مجازاً، فحينئذٍ مدحت الجنس كله من أجل زيد، جنس
الرجل، يعني: إذا قلت: نِعمَ الرجل، جنس الرجل، فشمل كل من يصدق عليه
هذا اللفظ، يعني: مدحت كل الأفراد، زيد وعمرو وخالد إلى ما لا نهاية،
كل المدح هذا من أجل زيد. نِعمَ الرجل فمدحت الجنس كله، يعني: أريد
بمدخولها جميع أفراد الجنس قصداً أو تبعاً للمدوح، فمدحت الجنس كله من
أجل زيد، ثم خصصت زيداً بالذكر، فتكون حينئذٍ مدحته مرتين، ويكون من
باب ذكر الخاص بعد العام، كأنه ذُكر العام أولاً ثم خصصته بالذكر، وهذا
مبالغة في المدح .. غاية أن تمدح كل الرجال من أجل زيد، يعني من أجل أن
تثني على زيد، ثم بعد ذلك تخصه بالذكر، فحينئذٍ دخل أولاً في الرجل، ثم
نصصت عليه مرة أخرى، فحينئذٍ مدحته مرتين، فإذا قلت: نِعمَ الرجلُ زيدٌ
فالجنس كله ممدوح، وزيدٌ مندرج تحت الجنس، الجنس المراد به الأفراد
هنا، شمل كل الأفراد حقيقة. فالجنس كله ممدوح وزيدٌ مندرج تحت الجنس؛
لأنه فرد من أفراده، وفي تقريره قولان، يعني: كيف وصلنا إلى هذا المدح.
الأول: أنه لما كان الغرض المبالغة في إثبات المدح للممدوح، جعل المدح
للجنس الذي هو منه، إذ الأبلغ في إثبات الشيء جعله للجنس حتى لا يتوهم
كونه طارئاً على المخصوص، يعني: مثلما قال ابن عقيل، جعلنا المدح
منصباً أولاً على كل أفراد الجنس، ثم ذكرناه بعد ذلك.
الوجه الثاني في تقرير المدح هنا: أنه لما
قصدوا المبالغة عدَّوا المدح إلى الجنس مبالغة، ولم يقصدوا غير مدح
زيدٍ، فكأنه قيل: ممدوح جنسه لأجله، يعني: مُدح الجنس ظاهراً لا حقيقة،
وهذا أشبه ما يكون بالقول الثاني وهو المجازي؛ أنه لما قصدوا المبالغة
عدوا المدح إلى الجنس مبالغة يعني في المدح، ولم يقصدوا غير مدح زيدٍ،
فكأنه قيل: ممدوحٌ جنسُه لأجله، فالجنس ممدوح تبعاً لا قصداً، يعني:
القول الأول أن الجنس ممدوحٌ قصداً وتبعاً لزيد، وعلى القول الثاني أن
الجنس غير مراد هنا، بل مدح تبعاً لزيد. وقيل: هي للجنس مجازاً، فإذا
قلت: نعم الرجلُ زيدٌ، جعلت زيداً جميع الجنس مبالغةً ولم تقصد غير مدح
زيد، يعني: كأنك أسندت المدح إلى الجنس ظاهراً، وأنت مقصودك بالمدح زيد
فحسب، لم تقصد الجنس، وإنما ذكرت الجنس مبالغة فحسب، ولذلك الأكثر على
أنه ليس مجازاً. وقيل: هي للجنس مجازاً، وكأنك قد جعلت زيداً الجنس كله
مبالغةً، وقيل: للعهدِ، ثم اختلف، قيل: العهد الذهني، وقيل: العهدُ
الخارجي، فعلى القول بأنها للعهدِ الذهني؛ لأن مدخولها فرد مبهم؛ وذلك
كقول القائل: ادخل السوق، اشتري اللحمَ، إذا قال قائل: اذهب إلى
المسجد، ولم يكن ثم بينك وبينه عهد، هل المراد أل هنا تشمل كل المساجد؟
اذهب صلِّ في المسجد، أو اذهب إلى السوق، أو اشترِ اللحم، لو قيل: أل
هنا للاستغراق أو للجنس، حينئذٍ دخل كل سوق تحت قولنا: ادخل السوق،
ودخل كل مسجد تحت قولنا: ادخل المسجد أو صلِّ في المسجد، نقول: لا،
المراد به هنا واحد مفرد .. فرد، لكنه مبهم غير معين، فصار كأنه معين
من جهة العرف؛ لأنه لا يتصور عقلاً أنك تدخل كل سوق أو أنك تصلي في كل
مسجد أو أنك تشتري كل ما يصدق عليه اللحم، لا، المراد بالحقيقة العرفية
المتعارف بين المخاطب والمتكلم أنك إذا قيل لك: ادخل السوق يعني: سوق
واحد، لكن هذا السوق غير معين، فهو فردٌ مفهم، فإذا قيل: نعم الرجلُ
فحينئذٍ مدحت واحداً فقط، لكنه فرد مفهم، ثم عينته، فقلت: نِعمَ الرجلُ
زيدٌ وهذا أقرب إلى الحقيقة من ذاك الذي تمدح الناس كلهم من أجل زيد.
ادخل السوق ولا تريد الجنس ولا معهوداً بينك وبين المخاطب، أما لو كانت
أل للعهد لا، الحكم يختلف، لو قلت لك: ادخل السوق وأنا بيني وبينك
معهود .. سوق معين لا، ليس الأمر كذلك، وإنما المراد إذا لم يكن بيني
وبينك خطاب يعني سابق، حينئذٍ نقول: أل هنا للعهد الذهني والمعهود مفرد
أو فرد مبهم غير معين، فإذا قيل: نعم الرجلُ مدحت الرجل، لكنه مبهم وهو
فرد داخل تحت الرجل، ثم عينته فقلت: زيد.
وقيل: للعهد الخارجي والمعهود هو الفرد المعين يعني: الشخص الذي مدحته،
الذي هو المخصوص بالمدح أو الذم، فالرجل في نِعمَ الرجل: زيد، نِعمَ
الرجلُ: من هو؟ زيد معين، فرد معين، ثم قلت: زيد، والأصل أن يقول:
نِعمَ الرجلُ هو، لكنه أقيم هنا الظاهر مقام الضمير، وإلا الأصل أن
يقال: نِعمَ الرجلُ هو.
إذن: أل هذه مُقَارِنَىْ (أَلْ) نقول: أكثر
النحاة والبيانيين على أنها جنسية، ثم اختلفوا هل هو الجنس الحقيقي أو
المجازي؟ الأكثر على أنه الحقيقي، وقال بعضهم: المراد به العهد، ثم
اختلفوا، هل العهد الخارجي أو العهد الذهني؟ على كلٍّ الأقرب إلى
الحقيقة أن يقال: العهد الذهني، أما أكثر النحاة فاختاروا ما ذكرناه.
مُقَارِنَىْ (أَلْ): هذا النوع الأول، أَوْ: للتنويع، وهو النوع الثاني
من فاعل نِعمَ وبئسَ، مَضَافَينِ: يعني: لا يكونان مقارني لـ (أل)،
انتفت (أل).
إذن عندنا مرحلة ثانية: وهي أن يكونا مضافين لما قارنها، مثل ماذا؟
نِعْمَ عُقْبَىْ الْكُرَمَا كما قال الناظم هنا: نِعْمَ عُقْبَىْ، ما
فيه أل، هو فاعل نِعمَ، لكنه أضافه إلى ما فيه أل، فجوز أن يكون فاعلاً
لنِعمَ.
أَوْ مَضَافَينِ لِمَا: مضافين هذا معطوف على قوله: مُقَارِنَىْ،
ولِمَا هذا متعلق به، لأنه مضاف اسم مفعول، قَارَنَهَا .. مضافين لما
قارنها: يعني: للذي قَارَنَهَا، وقَارَنَهَا صلة الموصول، كقولك: الكاف
داخل على مقول محذوف، كقولك: نِعْمَ عُقْبَىْ الْكُرَمَا .. الكرماءُ
بالهمز، لكنه قصره للضرورة.
إذن: نِعْمَ فعل ماضي وعُقْبَىْ فاعله، وحينئذٍ لو قيل: ما دخلت عليه
أل؟ نقول: نعم، لكنه أضيف إلى ما فيه (أل)، وهذا جائز.
أَوْ مُضَافَيْنِ لِمَا قَارَنَهَا: يعني: قد لا تضاف إلى ما فيه أل،
قد يضاف فاعل نِعمَ إلى لفظ لم يقترن بـ (أل)، لكنه يضاف هو إلى ما فيه
(أل)، وهذا داخل في قول الناظم: قَارَنَهَا.
ولذلك قال الصبان: أَوْ مَضَا فَينِ لِمَا قَارَنَهَا ولو بواسطة، إما
أن يكون مباشراً لها، مثل: عُقْبَىْ الْكُرَمَا، مضاف إليه باشر أل، أو
قد لا يكون فيه أل، لكنه أضيف هو أيضاً إلى ما فيه أل، كقول الشاعر:
فَنِعْمَ ابنُ أُخْتِ الْقَوْمِ
فَنِعْمَ ابنُ أُخْتِ: لو وقفنا إلى هنا قلنا: لا يجوز؛ لأن ابن هذا
فاعل نِعمَ، وهو قد أضيف، لكنه لم يضف إلى ما فيه أل، لكننا نقول: لا،
قد أضيف هذا أُخْتِ إلى ما فيه أل وهو الْقَوْمِ، وظاهر كلام الناظم
أنه لا يريد هذا النوع لقلته، ولكن لا مانع من إدخاله، فنقول: أَوْ
مُضَافَيْنِ لِمَا قَارَنَهَا ولو بواسطة، حينئذٍ أُخْتِ هو الواسطة
هنا.
فَنِعْمَ ابنُ أُخْتِ الْقَوْمِ غَيْرَ مُكَذَّبِ
ولم ينبه عليه لكونه بمنزلة السابق، وقد نبه عليه في التسهيل .. هو
نفسه رحمه الله.
وَيَرْفَعَانِ: هذا النوع الثالث أو الربع، النوع الثالث باعتبار كلام
الناظم في ظاهره، والنوع الرابع باعتبار ما زدناه.
وَيرْفَعانِ أَيضًا عَلى الفَاعِليَّة
مُضْمَراً يُفَسِّرُهُ مُمَيِّزٌ، هذا النوع الثاني من الفاعل الذي
يرفعه نِعْمَ وَبِئْسَ، قلنا: رَافِعَانِ اسْمَيْنِ ظاهراً أو مضمراً،
يحتمل هذا وذاك فهو داخل فيه، فحينئذٍ رَافِعَانِ اسْمَيْنِ ظاهراً
ومضمراً، وَيَرْفَعَانِ أيضاً على الفاعلية مُضْمَراً هذا مفعول لقوله
يَرْفَعَانِ، والألف في يَرْفَعَانِ فاعل، ورفعه يكون بثبوت النون، ما
الدليل؟ وَاجْعَلْ لِنَحْوِ يَفْعَلاَنِ النُّونَا رَفْعاً، إذن: مرفوع
بثبوت النون أو بثبات النون، وَيَرْفَعَانِ مُضْمَراً: مُضْمَراً:
مبهماً، لابد أن يكون مبهماً، هذا الشأن فيه، يُفَسِّرُهُ مُمَيِّزٌ:
ظاهره أنه متأخر ولا يتقدم، وهذا قول جمهور النحاة؛ أن ضمير المرفوع
بنِعمَ وبئسَ على أنه فاعل لهما، يجب أن يُفَسَّر بـ (مُمَيّزٍ) لأنه
مبهم في نفسه. كَنِعْمَ قَوْماً مَعْشَرُهُ، يعني: كقولك، الكاف إذا
دخلت على جملة لابد من التأويل، فنقول: كقولكَ داخلة على محذوف هو قوم،
نِعْمَ قَوْماً مَعْشَرُهُ، ننزل كلام الناظم هنا نِعْمَ فعل ماضي، وهو
غير متصرف، وقَوْماً: هذا بالنصب، لا يصلح أن يكون فاعلاً؛ لأنه ليس
مقارناً لـ (أل)، وليس مضافاً لما فيه أل، حينئذٍ يتعين أن يكون الضمير
مستتراً هنا فاعلاً لنعم، فنقول: نِعْمَ فعل ماضٍ وفاعله ضمير مستتر،
قَوْماً: هذا واجب ذكره، لماذا؟ لأن الضمير الذي أسند إليه نِعْمَ
مبهم، لابد من تفسيره، من مرجع يفسره، هذا المراد، فقوماً منصوبٌ على
التمييز، على أنه مفسر للضمير المستتر في نِعمَ، وواجب التأخير عند
جمهرة النحاة، حينئذٍ يلزم منه عود الضمير على متأخرٍ لفظاً ورتبة،
وقلنا: هذا من المسائل المستثناة، ستة أبواب أو ست مسائل استثناها
النحاة؛ من عود الضمير على متأخر لفظاً ورتبة خلافاً للأصل المطرد في
لسان العرب ومنها باب نِعمَ وبئسَ في هذا المقام، وهو أن نعم وبئس
يرفعان ضميراً مستتراً، ثم نقول: يجب أن يفسر بتمييز منصوب بعده،
حينئذٍ رجع الضمير، نعم هو مثلاً أو هم قوماً لا يجوز إظهاره، لكن من
باب التعليم، نِعمَ هم، هم من؟ ليس هناك كلام سابق رجع إليه، هم قوماً،
إذن: هم رجع إلى قوماً وهو متأخر في اللفظ والرتبة، حينئذٍ نقول: هذا
مما يستثنى في لسان العرب، وإلا الأصل في عود الضمير أن يكون على
متقدمٍ لفظاً ورتبةٍ.
إذن: قَوْماً منصوبٌ على التمييز، والجملة
في رفع نِعمَ، والفاعل في محل رفع خبر مقدم، ومَعْشَرُهُ نقول: هذا
مبتدأ مؤخر، ويسمى المخصوص كما سيأتي، فمن المثال حينئذٍ نقول: المثال
هنا دل على أن نِعمَ وبئسَ لا يكتفيان بالفاعل، بل لابد من اسم آخر
يسمى مخصوصاً وسيأتي: وَيُذْكَرُ الْمَخْصُوصُ بَعْدُ، إذن:
وَيَرْفَعَانِ مُضْمَراً: يعني: مبهماً على الفاعلية، يُفَسِّرُهُ
مُمَيِّزٌ، فإذا قلت: زيدٌ نِعمَ رجلاً، لم يعد الضمير على زيد، بل على
(رجلاً) هذا واضح، زيدٌ نعمَ رجلاً، في المثال الذي ذكره الناظم:
نِعْمَ قَوْماً مَعْشَرُهُ لا يلتبس أن عود الضمير على المتأخر، لكن لو
قلت: زيدٌ نِعمَ رجلاً، نعمَ هل الضمير هنا المستتر الذي هو فاعل يعود
على زيد أو على رجل؟ على رجل، لا على زيد؛ لأنه هنا عمم الناظم:
وَيَرْفَعَانِ مُضْمَراً مطلقاً سواء تقدم المخصوص أم تأخر،
يُفَسِّرُهُ مُمَيِّزٌ هذه الجملة من فحواها تدل على أن المميز ..
التمييز متأخر عن الضمير قطعاً وهذا واجب التأخير، حينئذٍ إذا قيل:
زيدٌ نعمَ رجلاً، نقول: نِعمَ فيه ضمير، هذا الضمير لا يعود على زيد
المتقدم، وإنما يعود على رجلاً المتأخر.
إذن: قوله: يُفَسِّرُهُ مُمَيِّزٌ فيه أن الضمير يعود على المتأخر
مطلقاً، ولو تقدم المخصوص على القول بجواز تقدم المخصوص، وحكى ابن هشام
في القطر الإجماع على جوازه، ويجوز وصف هذا المميز: نعم رجلاً صالحاً
زيدٌ، يجوز وصفه: نِعمَ رجلاً صالحاً زيدٌ، وكذا فصله: ((بِئْسَ
لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا)) [الكهف:50]، بئسَ بدلاً للظالمين، فُصل
بالجار والمجرور.
وَيَرْفَعَانِ مُضْمَرًا يُفَسِّرُهْ ... مُمَيِّزٌ كَنِعْمَ قَوْمًا
مَعْشَرُهْ
أن يكون الفاعل مضمراً مفسراً بنكرة بعده منصوبة على التمييز، وهذا
مذهب الجمهور، ولم يجوزوا أن يكون المذكور المرفوع فاعلاً كما سيأتي؛
لأنك إذا قلت: نعمَ رجلاً زيدٌ، بعضهم قال: لا نحتاج إلى ضمير، لا
نحتاج إلى أن نقول الفاعل ضمير، بل نقول: نعمَ رجلاً زيدٌ، زيدٌ هو
الفاعل، كأنك قلت: نعمَ زيدٌ رجلاً، هذا نقول: فاسد لا يمكن، لماذا؟
لأن أولاً قولهم نِعمَ رجلاً أنت، وبئسَ رجلاً هو، فلو كان هذا المرفوع
المتأخر على أنه فاعل لاتصل بارزاً في المثال الأول ومستتراً في
الثاني: نِعمَ رجلاً هو، يجوز أن يقع المخصوص ضمير منفصل هو، لو كان
فاعلاً لوجب اتصاله، لا يصح أن يقال: نِعمَ رجلاً هو، لوجب أن يتصل بـ
(نِعمَ)، ومتى ما أمكن الاتصال حينئذٍ لا يجوز أن يعدل إلى الانفصال،
فلو كان الأمر كذلك لوجب اتصاله، لكن لما لم يتصل علمنا أنه ليس بفاعل.
إذن: نعم رجلاً أنت، ونِعمَ رجلاً هو، هذان
المثالان يدلان على أن المرفوع بعد نِعمَ إذا وجد النكرة المنصوب على
التمييز ليس بفاعل، إذ لو كان فاعلاً لاستتر في الثاني الذي هو (هو)
وبرز في الأول الذي هو (أنت)، الثاني: قولهم: نِعمَ رجلاً كانَ زيدٌ،
ما وجه الاستدلال على أنَّ نِعمَ رجلاً زيدٌ ليس بفاعل؟ نِعمَ رجلاً
كان زيدٌ، هذا تركيب مسموع، لو كان الذي بعد رجلاً يجوز أن يكون فاعلاً
لما دخل عليه كان؛ لأن كان تدخل على المبتدأ ولا تدخل على الفاعل، إذن:
لما سمع نِعمَ رجلاً كان زيدٌ، دخلت كان على زيد، وهو المرفوع المتأخر
بعد نِعمَ رجلاً، وكان لا تدخل على الفاعل، فدل على أنه لا يمكن أن
يكون فاعلاً، ولذلك أوجب الجمهور أن يكون في مثل هذا التركيب ضميراً
مستتراً واجب الاستتار، وله أحكام كما سيأتي. وأنه لا يجوز أن يرفع
المذكور بعد التمييز على أنه فاعل لنِعمَ.
نِعْمَ قَوْماً مَعْشَرُهْ، ففي نِعْمَ ضمير مستتر يفسره قَوْماً،
ومَعْشَرُهُ مبتدأ.
إذن: الجملة السابقة نِعْمَ قَوْماً نقول: هذه الجملة في محل رفع خبر
مقدم، ومَعْشَرُهُ مبتدأ مؤخر، والرابط العموم .. الضمير للمبتدأ على
أن المراد بالضمير الجنس، أو إعادة المبتدأ بمعناه وعلى أن المراد به
الشخص، هذا سبق معنا في باب المبتدأ والخبر:
وَمُفْرَداً يَأْتِي وَيَأْتِي جُمْلَهْ ... حَاوِيَةً مَعْنَى الَّذِي
سِيقَتْ لَهْ
قلنا: نعم الرجلُ زيدٌ، إما أن الرابط العموم، وإما أنه إعادة المبتدأ
بمعناه، إذا جعلنا: أل في الرجل للجنس، حينئذٍ الرابط العموم، وإذا
جعلناها عهدية، فالرابط إعادة المبتدأ بمعناه.
إذن: فيه ضمير مستتر يفسره قَوْماً، ومَعْشَرُهُ مبتدأ، والرابط ما
ذكرناه الضمير يعود على المبتدأ، وهذا الضمير المستتر له أحكام أربعة،
ليست كسائر الضمائر.
الأول: أنه واجب الاستتار، ليس بجائز الاستتار، فلا يبرز في تثنية ولا
جمعٍ، استغناء بتثنية تمييزه وجمعه، يعني: قد يجمع التمييز وقد يثنى،
فإذا ثني أو جمع حينئذٍ لا نحتاج إلى أن نجمع أو نثني الضمير، بل هو
واجب الاستتار، وأجاز ذلك قومٌ من الكوفيين، وحكاه الكسائي عن العرب،
ومنه قول بعضهم: مررتُ بقومٍ نعموا قوماً، أبرز الضمير على أنه فاعل،
وقوماً هذا منصوب على أنه تمييز .. نكرة، نعموا قوماً، رجع الضمير من
نعم متصل إلى قوماً.
إذن: جمعه بناء على أن التمييز جمع، نقول: هذا نادرٌ بل شاذٌ يحفظ ولا
يقاس عليه، بل يجب أن يكون مستتراً فلا يثنى ولا يجمع، حينئذٍ إذا
أردنا التثنية أو الجمع، ثنينا وجمعنا التمييز، نِعمَ رجلينِ الزيدان،
نِعمَ رجالاً الزيدون، فنكتفي برجالاً ورجلينِ، ونثني ونجمع كذلك
المخصوص لابد من التطابق، حينئذٍ نقول: نِعمَ رجلينِ، رجلينِ هذا منصوب
على التمييز وهو مثنى، ولا نقول: نعما –بالألف- رجلينِ، ولا نقول:
نعموا رجالاً، لا، وإنما نثني ونجمع التمييز، فنكتفي به. وهذا نادر.
الثاني: أنه لا يتبع يعني بشيء من التوابع،
وأما نحو: نِعمَ هم قوماً فشاذٌ، نِعمَ هم قوماً، الجمهور منعوا
الإتباع وأعربوا هذا البيت على النحو التالي: نِعمَ: فعلٌ ماضي والفاعل
ضمير مستتر وهم توكيد للضمير المستتر، نِعمَ هم قوماً، قوماً هذا
تمييز، لكن حكموا عليه بكونه شاذاً يحفظ ولا يقاس عليه؛ لأن من شأن هذا
الضمير أن لا يتبع، يعني لا يعطف عليه، ولو فصل بينهما فاصل، ولو كان
مشروعاً عندهم، وكذلك لا يؤكد ولا يبدل منه، مطلقاً، جميع التوابع
الأربعة لا ترِد في ضمير نِعمَ.
إذن: نقول: هذا الضمير لا يتبع بشيءٍ من التوابع، وذلك لقوة شبهه
بالحرف؛ لأن فهمه لفظاً ومعنى متوقفٌ على التمييز، نِعمَ الضمير ما هو؟
قوماً رجلاً .. إلى آخره، فنقول: لا يفهم الضمير، ولذلك قلنا: مضمراً
مبهماً، لا يفهم الضمير إلا بالتمييز، يُفَسِّرُهْ يكشفه ويوضحه هذا
التمييز. لأن فهمه لفظاً ومعنى متوقفٌ على التمييز الواقع بعده، وقد
سمع نِعمَ هم قوماً، وخرجوه على أن الفاعل مستتر وهم توكيد للفاعل،
وهذا شاذٌ عند الجمهور.
الثالث: أنه إذا فسِّر بمؤنث لحقته تاء التأنيث وجوباً، نحو: نعمتِ
امرأةٌ هندٌ، ولكن هذا ليس متفقاً عليه، وهذا سبق في باب الفاعل:
وَالْحَذْفَ فِي نِعْمَ الْفَتاةُ اسْتَحْسَنُوا ... لأِنَّ قَصْدَ
الْجِنْسِ فِيهِ بَيِّنُ
لكن ليس هو الذي معنا هنا.
وَالْحَذْفَ فِي نِعْمَ الْفَتاةُ اسْتَحْسَنُوا: نحن الآن هنا نتحدث
عن الفاعل إذا كان ضميراً، لا إذا كان اسماً ظاهراً محلىً بـ (أل)
والحكم مختلف. أنه إذا فسر بمؤنث لحقته تاء التأنيث وجوباً، نحو: نعمت
امرأةً -بالنصب- هندٌ، هندٌ هذا مخصوص وامرأةً منصوبٌ على التمييز
والفاعل ضمير مستتر، والتاء هذه للتأنيث، تأنيث الضمير المستتر. وقيل:
لا تلحق .. محل نزاع محل خلاف. وقيل لا تحلق، وإنما يقال: نِعمَ امرأة
هندٌ استغناءً بتأنيث المفسِّر، وقيل: بجواز الأمرين.
إذن: إذا كان المفسِّر مؤنثاً حينئذٍ في تأنيث الفعل ثلاثة أقوال: يجب
التأنيث بناءً على أن المفسر .. التمييز مؤنث: نعمت امرأةً هندٌ، وقيل:
لا يلزم اكتفاء بتأنيث المفسر أو المميز، وقيل: يجوز الأمران، هذه
ثلاثة أحكام تتعلق بالضمير المستتر.
وأما المفسِّر فيشترط فيه شروط:
أولاً: أن يكون مؤخراً عنه، فلا يجوز أن يتقدم: رجلاً نِعمَ، لا يصح،
وإنما يجب أن يكون مؤخراً عنه، فلا يجوز تقديمه على نِعمَ وبئسَ، فلا
يقال: رجلاً نِعمَ زيدٌ، هذا فاسد.
ثانياً: أن يتقدم على المخصوص فلا يجوز تأخيره عنه عند جميع البصريين،
وعندهم نحو: نِعمَ زيدٌ رجلاً شاذٌ وقد أجازه الكوفيون، وهذا يأتي
بحثه. أن يتقدم على المخصوص، يعني: أن تقول: نِعمَ رجلاً زيدٌ، ولا يصح
أن يقال: نِعمَ زيدٌ رجلاً هذا شاذ عندهم، وإن كان الظاهر جوازه، وقد
أجازه الكوفيون.
الثالث: أن يكون مطابقاً للمخصوص في الإفراد والتثنية والجمع والتذكير
والتأنيث، فتقول: نِعمَ رجلاً زيدٌ، ونِعمَ رجلين الزيدان، ونِعمَ
رجالاً الزيدون، ونِعمت فتاةً هندٌ لابد أن يكون مطابقاً للمخصوص
إفراداً وتثنية وجمعاً، يعني: لا يقال: نِعمَ رجلاً الزيدان، ولا نِعمَ
رجلين زيدٌ، لابد أن يكون مطابقاً له.
الرابع: أن يكون نكرة، التمييز يجب أن يكون
نكرة، وهذا واضح، التمييز عند البصريين لا يكون نكرة، لكن يزاد عليه أن
يكون نكرةً قابلاً لـ (أل)، نَكِرَةٌ قَابِلُ أَلْ مُؤَثِّرَا، أن يكون
نكرة قابلاً لـ (أل)؛ لأن هذا التمييز خلف عن الفاعل المقرون بـ (أل)،
فيجب أن يكون قابلاً لها، فلا يجوز أن يكون هذا التمييز من الألفاظ
التي لا تقبل (أل)، مثل: مثل وغير وأَيٍّ وأفعل التفضيل المضاف أو
المقرون بـ (من)، حينئذٍ كل ما لا يقبل (أل) ولو قلنا بأنه نكرة لا يصح
أن يقع تمييزاً لنِعمَ، لماذا؟ لأن هذا التمييز خلف عن الفاعل المقرون
بـ (أل)، حينئذٍ إذا كان كذلك لا يقع محله إلا ما يقبل التعريف.
الخامس: أن يكون -هذا التمييز- نكرةً عامة، أي: لها أفراد في الوجود
متعددة، فلا تقل: نِعمَ شمساً هذا الشمسُ، لا يصح هذا؛ لأن الشمس غير
متعددة، لكن لو قلت: نِعمَ شمساً شمسُ هذا اليوم، نِعمَ شمساً، شمساً
منصوبٌ على التمييز، نقول: يجوز، بناءً على أن الشمس لها مطالع، تختلف،
أمس شديدة الحر، اليوم متوسطة، تختلف كل يوم لها حرارتها المناسبة ولها
قبولها عند الناس وعدم ذلك.
إذن: لو قلت: نِعمَ شمساً شمسُ هذا اليوم لجاز؛ لأنك جعلت الشمس متعددة
بتعدد الأيام.
السادس: لزوم ذكره، يجب أن يكون مذكوراً. نص عليه سيبويه، وقيل: لا
يجوز حذفه -التمييز- وإن فهم المعنى، وجوز حذفه ابن مالك وابن عصفور
وقال في التسهيل: لازمٌ غالباً، لحديث: {فَبِهَا وَنِعْمَتْ}، ما ذكر
تمييزاً، لكنه لما فهم المعنى حذف التمييز، ابن مالك جيد في الاستدلال
بالأحاديث والآيات، وتبعه على هذا النهج ابن هشام رحمه الله تعالى،
ولذلك إذا فتحت كتاب لابن مالك، أو إذا أردت مثال من القرآن أو من
السنة فانظر أي كتاب لابن هشام أو لابن مالك، وقد تبحث في كتب البعض
تتعب أن تجد آية في باب كامل، وهذا سنة حسنة سنها ابن مالك وتبعه ابن
هشام، على أنهم جعلوا النحو ممزوجاً بالقرآن وبالسنة، حينئذٍ نقول: هذه
حسنة جيدة.
إذن: جوزه ابن مالك بناء على أنه سمع: {فَبِهَا وَنِعْمَتْ}، هذه ستة
شروط لابد من توفرها في التمييز.
نقف على هذا.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه ... !!!
|