شرح ألفية ابن مالك للحازمي عناصر الدرس
* الوصفية والعدل , وتعريف العدل واثتاته عند النحاة
* جمع الجموع وصيغة منتهى الجموع وما شابهه.
بِسمِ اللَّهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه
أجمعين.
أما بعد:
قال الناظم - رحمه الله تعالى -:
وَمَنْعُ عَدْلٍ مَعَ وَصْفٍ مُعتَبَرْ ... فِي لَفْظِ مَثْنَى
وَثُلاَثَ وَأُخَرْ
وَوَزْنُ مَثْنَى وَثُلاَثَ كَهُمَا ... مِنْ وَاحِدٍ لأَرْبَعٍ
فَلتَعْلَمَا
سبق أن العلل التي يُمنع الاسم من الصَرف من وجودها فيه محصورة في تسع،
منها اثنتان راجعتان إلى معنى، وهما: العلمية، والوصف، وبقية العلل
إنما هي راجعة للفظ:
اجْمَعْ وَزِنْ عَادِلاً أَنِّثْ بِمَعْرِفَةٍ ... رَكِّبْ وَزِدْ
عُجْمَةً فَالْوَصْفُ قَدْ كَمُلاَ
سبق أيضاً أن ما يقوم مقام علتين هذا محصورٌ في شيئين، وهما:
- ألف التأنيث مُطلقاً، وقد بدأ بها الناظم في قوله:
فَألِفُ التَّأْنِيْثِ مُطْلَقَاً مَنَعْ ... صَرْفَ الَّذِيْ حَوَاهُ
كَيْفَمَا وَقَعْ
هذا النوع الأول.
- ثُمَّ النوع الثاني: ما كان على وزن: (فَعلَان) بزيادة ألف ونون، وهو
وَصْفٍ سَلِمْ ... مِنْ أَنْ يُرَى بِتَاءِ تَأْنِيْثٍ خُتِمْ.
- ثُمَّ النوع الثالث: وهو الوصف الأصلي مع وزن: (أفعَلَا) وقلنا:
الأولى أن يُعبَر بكون الفعل أولى به.
- ثُمَّ الرابع: وهو الذي عناه بقوله:
وَمَنْعُ عَدْلٍ مَعَ وَصْفٍ مُعتَبَرْ ... فِي لَفْظِ مَثْنَى. . . .
الـ (عَدْلُ) هو من العلل اللفظية .. التي ترجع إلى اللفظ، ولا يكون
العدل في المعاني البتَّة، إلا على قولٍ قيل به، لكن المشهور عند
النحاة: أن العدل إنما يكون في اللفظ، والمراد بالعدَل: تَحويل الاسم
من حالةٍ إلى حالةٍ أخرى مع بَقَاء المعنى الأصلي، هذا أسهل ما عُرِّفَ
به العَدل، والعَدل في أصله علةٌ مُتكَلَّفة، يعني: مُقدَّرة فقط ..
اعتبارية في الذهن، وإلا لا وجود لها، وإنما ألجأ النحاة إلى ذلك
لكونهم لم يجدوا في بعض الأسماء ما يُمنع من الصرف مع العلمية، لم
يُوجد إلا عِلة واحدة فابتكروا هذه العِلة، وقالوا: هذا اللفظ معدُولٌ
عن كذا .. أصله كذا.
حينئذٍ يَحتاج إلى ثَبَت، أن أصل عُمَر (عَامِر) وأصل زُحَل (زاحل)
وقُثَم (قَاثِم) وجُشَم (جَاشِم) نقول: ما الدليل على أن أصل هذه
الأسماء (فُعَل) هو ما ذكرتموه كونه معدولاً عن فاعل، حينئذٍ لمَّا
وجدوا: عمر، وزحل، وهبل، ومثنى، وثلاث، ورباع، وجدوها ممنوعة من الصرف،
ولم يوجد في: عمر ونحوه إلا العلمية فقط، ولم يوجد في مثنى ونحوه إلا
الوصفية فقط.
حينئذٍ إمَّا أن يُقال: بأنه مُنِع لعلة واحدة: الوصفية في مثنى وثلاث
ورباع ونَحوها، وإمّا أن يقال بِثَمَّ عِلَة لكنها مُقدَّرة، فابتكروا
عِلَة (العَدل) قالوا إذاً: في مثنى وثلاث ورباع، علةٌ معنوية وهي
الوصفية، ومعه علة أخرى وهي كَونه مَعدولاً عن اسم الآخَر، فأصل مثنى
(اثنان اثنان) وأصل مثلث كذلك (ثلاثة ثلاثة) إذاً: عُدِل عن الاسمين
مثنى (اثنين اثنين) عُدِل عنهما وعُبِّرَ بـ: (مثنى) وكذلك (ثُنَا) كما
سيأتي.
حينئذٍ كونه مَعدولاً حُوِّل الاسم من اسمٍ
إلى اسمٍ آخر مع بقاء المعنى الأصلي، (مثنى) اثنان اثنان: جاء الزيدون
اثنين اثنين، حينئذٍ نقول: (اثنين اثنين) هذا دَلَّ على كونهما قد جاءا
اثنين اثنين، يعني: دخلا اثنين اثنين، حينئذٍ المعنى باقٍ في قولنا:
مثنى .. جَاء الزَيدون مثنى، أو: جاء الزيدان مثنى، نقول: المعنى باقٍ،
إذاً: ما الذي حصل؟ حُوِّل اللفظ من لفظٍ إلى لفظٍ آخر، نقول: هذه
العِلة عِلة مبتَكرة، وعِلة في الأصل أنها معدومة، ولذلك لا يلجأ .. بل
يُصرِّح النحاة: أنه لا يُقال بالعَدل إلا عند عدم إمكان وجود عِلةٍ
صالحة في المَحل، وهذا يَدُل على أنها ضعيفة، وأنها مُبتَكرة ..
خيالية، يعني: أمر في الذهن فحسب، وأمَّا في الوجود فلا وجود لها.
إذاً نقول: العَدلُ قد يكون مع الوصفية، وقد يكون مع العَلَمِية،
العَلَمية سيأتي في مَحله.
هنا قال: (وَمَنْعُ عَدْلٍ مَعَ وَصْفٍ) إذاً العَدل: هو تحويل الاسم
من حالةٍ إلى حالةٍ أخرى، مع بقاء المعنى الأصلي، وهو خاصٌ باللفظ لا
يكون في المعاني.
(وَمَنْعُ عَدْلٍ) (مَنْعُ) هذا مبتدأ، وهو مضاف، و (عَدْلٍ) هذا مضاف
إليه، مَصدَر مُضاف إلى فاعله، العدل هو الذي يَمنع .. يَمنع العَدل.
(مَعَ وَصْفٍ) هذا نعت .. صفة، لأنها قَيد، (مَنْعُ عَدْلٍ مَعَ
وَصْفٍ) وعرفنا الوصف المراد به، وهو عِلةٌ معنوية، إذاً: اجتمع عندنا
علتان: إحداهما ترجع إلى اللفظ، والأخرى ترجع إلى المعنى، العَدل يرجع
إلى اللفظ، والوصف يرجع إلى المعنى.
(مُعْتَبَرْ) المنع مُعتَبَرٌ، يعني: يَمنع الاسم وجود هاتين العلتين
وهما: العَدل مع الوصفية، (فِي لَفْظِ) جار ومجرور مُتعلِّق بقوله:
(مُعْتَبَرْ) قلنا: (مُعْتَبَرْ) هذا خبر، (فِي لَفْظِ مَثْنَى)
(لَفظِ) مضاف، و (مَثْنَى) مضاف إليه مَجرور وجرُّه فتحة مُقدَّرة على
آخره، لأنه ممنوع من الصرف، ولذلك قال: (وَثُلاَثَ) بالفتح، وهو معطوف
على (مَثْنَى) والمعطوف على المجرور مجرور، وجَرُّه فتحة نائبةً عن
الكسرة لأنه ممنوع من الصرف للعَدل والوصفية، (وَأُخَرْ) وأُخَرَ: هذا
معطوف على (مَثْنَى) يعني: كما يكون العَدل في العدد .. في أسماء
العدد، يكون في غيره.
ولذلك ابن هشام في (القطر) قال: " العَدل يكون في المعارف وفي غيرها،
وغير المعارف يكون في الصفات – أسماء العدد – وغيرها " والمراد بأسماء
العدد ما ذكره بـ: (مَثْنَى وَثُلاَثَ) وما فُرِّعَ عليهما.
(وَأُخَرْ) المراد به هذا اللفظ بعينه فقط، وأمَّا (سَحَر وأمسِ) فهذا
سيأتي في العَلَمية، وأمَّا هنا في باب النكرات .. الصفات فليس عندنا
إلا لفظ (أُخَرْ) .. مثنى وثلاث وأخر، إذاً نقول: مِمَّا يَمنع الصرف:
اجتماع العَدل والوصف .. مما يَمنع الاسم أن يكون ممنوعاً من الصرف
والتنوين والجر معاً: العَدل والوصف، وذلك في موضعين:
الأول: المعدُول في العدد إلى (مَفعَل) نحو: مَثنَى، أو (فُعَال) نحو:
ثلاث، إذاً: وزنان لا ثالث هما، إمَّا (مَفْعَل) وإمَّا (فُعَال)،
إذاً: هذان الوزنان خاصان بالعَدل في باب العدد.
والثاني: في (أُخَر) المقابل لـ: (آخرين) ولذلك قال: (لَفْظِ مَثْنَى
وَثُلاَثَ وَأُخَرْ).
إذاً: وقَعَ العَدل في هذين النوعين: اسم
العدد ولفظ (أُخَر) المقابل لـ: (آخرين).
أمَّا المعدُول في العدد فالمناع له عند سيبويه والجمهور: العَدل
والوصف، فـ: (أُحَاد) و (مَوحَد) مَعدُولان عن: (واحد واحد) و (ثُنَاء)
و (مَثنَى) معدولان عن: (اثنين اثنين) وكذلك: (ثُلَاث ومَثلَث) و
(رُبَاع ومَربَع) إلى هنا باتفاق .. من واحد إلى أربعة باتفاق، ولذلك
قال هنا: (مِنْ وَاحَدٍ لأَرْبَعٍ) خَصَّ الناظم هذا العدد إلى هنا لا
لكونه لا يَصِح في غيره، وإنما ثَمَّ اتفاق وثَمَّ خلاف، يعني: الأعداد
التي يأتي على وزن (مَفعَل) و (فُعَال) من واحد لأربع متفق عليه.
وأمَّا: مَخْمَس وخُمَاس، ومَسْدَس وسُدَاس، ومَسْبَع وسُبَاع،
ومَثْمَن وثُمَان، ومَتْسَع وتُسَاع، ومَعْشَر وعُشَار، هذا محل نزاع
عند النحاة هل سمع أم لا؟ والصحيح: أنه سُمِع من واحدٍ إلى عشرٍ، كلها
تأتي على هذا الوزن: (مَفْعَل وفُعَال) ولذلك نَصَّ هنا قال:
وَوَزْنُ مَثْنَى وَثُلاَثَ كَهُمَا ... مِنْ وَاحِدٍ لأَرْبَعٍ
فَلْتَعْلَمَا
وأمَّا الوصف فلأن هذه الألفاظ لم تُستَعمل إلا نكرات، عرفنا العَدل
وأنه يأتي من واحد إلى عشر، وإنما نَصَّ الناظم إلى الأربع لكونه
متفقاً عليه، وما عداه فهو ثابت كما سيأتي.
وأمَّا الوصف فلأن هذه الألفاظ لم تستعمل إلا نكرات، ولذلك لا تكون
معارف، (مَثنَى) وإلى آخره لا تكون معارف البتَّة، وكذلك: (أُخَر)
إمَّا نعتاً نحو: ((أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ))
[فاطر:1] (أُولِي أَجْنِحَةٍ) أصحاب أو صاحبات أجنحة، (مَثنَى) اثنين
اثنين، (وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ) ثلاثة ثلاثة، وأربعة أربعة، من الملائكة
منها ما هو ذو جناحين: مثنى مثنى، ومنها ما هو: ثلاثة ثلاثة، ومنها ما
هو: أربعة أربعة، دَلَّ على ذلك هذا العَدل، لأننا قلنا: (مَثنَى)
معناه: اثنان اثنان، وكذلك (مَثْلَث) و (مَربَع).
إذاً: جاءت نعتاً ((أُولِي أَجْنِحَةٍ)) [فاطر:1] مَعرفة أو نكرة؟
نكرة، إذاً: وقع هنا (مَثْنَى) وما عطف عليه صفة لنكرة فهو نكرة. أو
حالاً، نحو: ((فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى
وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ)) [النساء:3] حال كونهما نكاح اثنتين اثنتين، أو
ثلاثة ثلاثة، أو أربعة أربعة، هل هذا المراد؟ نعم، هذا المراد، لكن
ليست الواو هنا للجمع خلافاً لابن حزم وغيره.
((مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ)) [النساء:3] أربع وثلاث: سعبة، واثنان:
تسعة، إذاً: يَجوز تسعة، إذا قلنا الواو هنا للجمع فقد قيل به.
وإمَّا حالاً نحو: ((فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ
مَثنَى)) [النساء:3] حال كون المنكوح مَثنَى، وإمَّا خبراً نحو:
{صَلاَةِ اللَّيلِ مَثنَى مَثنَى} (صَلاَةِ اللَّيلِ مَثنَى) هذا خبر،
والثاني توكيد له.
وإمَّا خبراً نحو: {صَلاَةِ اللَّيلِ
مَثنَى مَثنَى} وإنما كُرِّرَ لقصد التأكيد، لا لإفادة التَكرَار،
اثنان اثنان .. اثنتين اثنتين، معلومٌ من الأولى، وأما الثانية قُصِدَ
بها التوكيد، ولا تدخلهما (أل) وإضافتهما قليلة، يعني: ما كان على وزن
(مَثنَى وثُنَاء .. مَفْعَل وفُعَال) لا تدخل عليهما (أل) وقيل: لا
تضاف، وقيل: إضافتها قليلة، وحينئذٍ تبقى على الأصل، فهي نكرة ولا تقبل
التعريف البتَّة.
إذاً:
وَمَنْعُ عَدْلٍ مَعَ وَصْفٍ مُعتَبَرْ ... فِي لَفْظِ مَثْنَى
وَثُلاَثَ .. . . .
ثُمَّ بَيَّن أن:
وَوَزْنُ مَثْنَى وَثُلاَثَ كَهُمَا ... مِنْ وَاحِدٍ لأَرْبَعٍ
..........
مثلهما .. كَهُمَا، هنا الناظم اضطَرَّ إلى إدخال الكاف على الضمير،
وهذا كما سبق: أنه لا يدخل عليه.
(وَوَزْنُ مَثْنَى وَثُلاَثَ كَهُمَا) (وَزْنُ) هذا مبتدأ، وهو مضاف، و
(مَثْنَى) مضاف إليه، (وَثُلاَثَ) بالفتح، يعني: مجرور بالفتحة نيابة
عن الكسرة، لأنه معطوف على (مَثْنَى) المضاف إليه، وهو ممنوع من الصرف
للعَدل والوصفية.
(كَهُمَا) هذا خبر المبتدأ - مثلهما يعني - أي: مثلهما، وأدخَلَ كاف
التشبيه على المضمر لضرورة الوزن، (مِنْ وَاحِدٍ لأَرْبَعٍ) حالٌ من
الضمير المستتر في الخبر، (كَهُمَا) مثلهما .. كائنٌ مثلهما، (مِنْ
وَاحِدٍ لأَرْبَعٍ) هذا حال من الضمير المستتر في الخبر،
(فَليُعْلَمَا) فَليُعلماً، الفاء هذه زائدة، أو حرف عطف، جملة معترضة
جاءت متأخرة، واللام هذه لام الأمر، و (يُعلَمَن) هذا فعل مضارع مؤكد
بنون التوكيد الخفيفة المنقلبة وقفاً ألفاً.
إذاً يعني: ما وازن مثنى وثلاث من ألفاظ العدد المعدول من واحد إلى
أربعٍ فهو مثلهما في امتناع الصرف للعدل، يعني قوله: في لفظ مثنى وثلاث
لا تظن أن الحكم خاصٌ بهذين اللفظين فحسب، بل يَتَعدَّى إلى غيره، لأنه
نَصَّ على: (فِي لَفْظِ مَثْنَى وَثُلاَثَ) لو سكت قد يقول قائل: إنما
أراد الحصر: (مَثْنَى وَثُلاَثَ) ما عداهما فهو مصروف، قال: لا،
(وَوَزْنُ مَثْنَى وَثُلاَثَ - مِثلُهما - مِنْ وَاحِدٍ لأَرْبَعٍ)
يعني: زاد على ما سبق: مثلث وثلاث، ومربع ورباع فقط، زاد لفظتين فصارت
حينئذٍ أربعة.
فهو مثلهما في امتِناع الصرف للعَدل والوصف، تقول: مررت بِقوم
مَوْحَداً وأُحَاد، يعني: بالجر بالفتحة نيابة عن الكسرة، و (مَثنَى
وثُنَاء) و (مَثلَث وثُلَاث) و (مَربَع ورُبَاع) وهذه الألفاظ الثمانية
متفقٌ عليها، ولهذا اقتصر عليها الناظم، هي ثمانية من حيث التفصيل،
وأربع من حيث الجملة.
قال في (شرح الكافية): "وروي عن بعض العرب: (مَخمَس) و (عُشَار) "
(مَخمَس) إذاً: مسموع، و (عُشَار) مسموع، و (مَعشَر) كذلك مسموع، ثُمَّ
قال: " ولم يرد غير ذلك " يعني: زيادة عن الأربع .. الأقسام السابقة
الثمانية عند التفصيل، يُزَاد عليها (مَخمَس وعُشَار ومَعشَر) " ولم
يرد غير ذلك " هكذا نفاه في (شرح الكافية).
وفي (التسهيل) قال: "إنه سُمِع (خُمَاس) أيضاً " مع كونه نفى في (شرح
الكافية) لأنه أثبت: (مَخمَس) ولم يثبت: (خُمَاس).
واختُلِف فيما لم يُسمَع على ثلاثة مذاهب،
يعني: إذا لم يسمع قيل: مَسْدَس وسُدَاس، ومَسْبَع وسُبَاع، ومَثمَن
وثُمَان، حينئذٍ إذا لم يُسمع هل يُقَاس عليه أم لا؟ نقول: فيه ثلاثة
مذاهب.
واختُلِف فيما لم يُسمَع على ثلاثة مذاهب، الأول: أنه يُقَاس على ما
سُمِع، وهو مذهب الكوفيين، لوضوح طريق القياس فيه، يعني: العِلة
موجودة، وهو كونه عدد، وسُمِع من واحد إلى أربع، بل وسُمِع (مَعشَر
وعُشَار) حينئذٍ لا مانع أن يُقال ما بينهما مَثل الأول والمنتهى، وهو
مَعشَر وعشار، وهو مذهب الكوفيين: أنه يُقَاس على ما سُمِع.
المذهب الثاني: أنه لا يُقَاس بل يُقتَصر على المسموع، وهو مذهب جمهور
البصريين، لأنك لو قِست أحدَثتَ لفظاً لم يَتكلَّم به الواضع، ففيه
إحداث لفظٍ لم تَتَكلَّم به العرب.
الثالث: أنه يُقَاس على (فُعَال) لِكَثرته لا على (مَفعَل) لِقلَته،
(فُعَال) أكثر – هي عشرة ألفاظ – (فُعَال) أكثر و (مَفعَل) قليل، إذاً:
يُقاس على (فُعَال) لا على (مَفعَل) وهذا تَحكُّم لأن الباب واحد،
حينئذٍ الفصل بينهما وخاصةً أنه مَسمُوع بالفظين (مَفعَل وفُعَال) من
واحد لأربع، فالأصل حينئذٍ أن يكونا متساويين، فإمَّا أن نُرَجِّح
المذهب الأول أو الثاني.
والصحيح أنه مسموع في الكل، قال أبو حيان: "والصحيح أن البنائين –
مَفعَل وفُعَال - مسموعان من واحد إلى عشرة" وكل منهم أثبت، هذا سَمِع
مَخمَس، وهذا خُمَاس، وهذا مَعشَر، يثبت ما سَمعه وينفي الآخر بناءً
على علمه، ومن حَفِظ حجة على من لم يَحفظ، فأثبت ابن مالك بعضاً، وأثبت
غيرُه بعضاً آخر.
وحكا البنائين أبو عمرو الشيباني، يعني: (مَفعَل وفُعَال) من واحد إلى
عشرة، وحكا أبو حاتم وابن السِكيِت: من أُحَاد إلى عُشَار، ومن حفظ حجة
على من لم يَحفظ، إذاً: الصواب أنه لا يُقتَصر على الأربعة وإن كان
متفقاً عليها.
وَوَزْنُ مَثْنَى وَثُلاَثَ كَهُمَا ... مِنْ وَاحِدٍ لأَرْبَعٍ
فَلْتَعْلَمَا
(فِي لَفْظِ مَثْنَى وَثُلاَثَ وَأُخَرْ) (أُخَرْ) قيل: جمع (أخرى)
مُؤنَّث آخر، أُخرى .. أنثى آخر: مررت بزيدٍ وبرجل آخر، مررت بهندٍ
وبامرأة أخرى، إذاً: (آخر) مؤنثه (أخرى) لمعنى مُغَايِر، و (أُخَرْ)
ممنوع من الصرف ((فَعِدَّةٌ مِن أَيَّامٍ أُخَرَ)) [البقرة:185] ممنوع
من الصرف، فالمانع له أيضاً العَدل والوصف، ولذلك جَمع بينهما في بيت
واحدٍ .. العدل والوصف.
أمَّا الوصف هذا شأنه ظاهر، لأنه على زنة اسم التفضيل، واسم التفضيل
معلومٌ أنه من المشتقات. أمّا الوصف فظاهر؛ لأنه اسم تفضيل بمعنى
مُغَايِر.
وأمَّا العَدل قالوا: فهو مَعدُول، مَعدُول
عن أي شيء؟ تحويل اسمٍ إلى اسمٍ آخر مع بقاء المعنى الأصلي. وأمَّا
العَدل فقال أكثر النحاة: إنه مَعدُول عن الألف واللام، عن: (الأُخَر)
يعني: الأصل أن يقال: (الأُخَر) وإنما قيل: (أُخَر) حينئذٍ مَعدُول عن
(الأُخَر) إذاً: أصله محلاً بـ: (أل) ثُمَّ استُعمِل نكرةً، فقيل:
(أُخَر) فهذا معنى العدل عندهم: تحويل اسمٍ إلى اسمٍ آخر مع بقاء
المعنى الأصلي، فقال أكثر النحويين: إنه مَعدُول عن الألف واللام، لأنه
من باب أفعَل التفضيل، فحقه ألاَّ يُجمَع إلا مقروناً بـ: (أل) هذا
الأصل، كما سبق في باب: اسم التفضيل.
وقيل: إنه مَعدُول عَمَّا كان يستحقه من استعمال، إذاً: أكثر النحاة:
أن العَدل الذي هو سببٌ وعِلَّة في منع (أُخَرَ) من الصرف مع الوصفية:
أنه مَعدُول عن (الأُخَرَ) بـ: (أل)، عندنا (أل) وعندنا بدون (أل)
(الأُخَرَ) هو الأصل، و (أُخَرَ) هذا فرعٌ، إذاً: لماذا مُنِع:
(فَعِدَّةٌ مِن أَيَّامٍ أُخَرَ)) [البقرة:185]؟ نقول: لكونه مَعدُولٌ
عن (الأُخَرَ) لأن أفعَل التفضيل إذا كان جمعاً يَتعيَّن في القاعدة
السابقة معنا أنه يُحلى بـ: (أل) هذه عِلَّة.
وقيل: إنه مَعدُول عمَّا كان يستحقه من استعماله بلفظ ما للواحد
المذَكَّر بدون تَغيُّر معناه، لأن (أُخَرَ) و (آخَر) هذا مُفرَد وهو
مُذكَّر، حينئذٍ ما كان مُجرَّداً من (أل) والإضافة الأصل فيه أنه يلزم
الإفراد مُطلقاً، سواءً كان الموصوف مَذكَّراً مُفرداً، أو مؤنَّثاً
مُثنَّىً أو جَمعاً، هذا الأصل فيه، لكن قيل: مَررت بزيدٍ وبِرجلٍ
آخَر، وبرجلين آخرَين، وبرجالٍ آخرِين، وبامرأة أُخرَى، والأصل فيه أن
يُقال: مررت بزيدٍ وبرجلٍ آخر، وبرجلين آخر، وبرجالٍ آخر، وبامرأة آخر،
أن يلتزم هذا الأصل، لأنه مُجرَّد من (أل) ومن الإضافة.
وسَبَق أنه إذا كان مُجرَّداً من (أل) والإضافة يلتزم الإفراد
والتَذكِير، فيوصف به المُذكَّر والمؤنَّث، والمثنى المُذكَّر، والمثنى
المُؤنَّث، والجمع المُذكَّر، والجمع المؤنَّث مُطلقاً، لكن هنا عُدِل
به عن هذا الأصل فاستُعمِل مثنىً مع المثنى، والجمع مع الجمع،
والمؤنَّث مع المؤنَّث، فقيل: (أُخرَى) كما في قوله تعالى:
((فَتُذَكِّرَ إِحدَاهُمَا الأُخرَى)) [البقرة:282] جاء بلفظ (أُخرَى)
وكذلك في قوله: ((وَآخَرُونَ اعتَرَفُوا بِذُنُوبِهِم)) [التوبة:102]
(آخَرُونَ) جُمِع بالواو والنون، وكذلك: ((فَآخَرَانِ يَقُومَانِ))
[المائدة:107] جيء به مُثنَّى حينئذٍ لم يُلتَزَم القاعدة الأصلية: وهي
كونه يستحق الإفراد والتذكِير، هذا عُدُولٌ به عن أصله، فاستُعمِل
مثنَّى ومجموعاً ومؤنَّثاً.
هذا يَصدُق عليه حد العَدل أم لا؟ يَصدُق عليه حد العَدل، لأنه إذا
قيل: برجلين آخرين، نقول: هذا الأصل أن يُقال: برجلين آخر، فاستعمل
(آخرين) مقام (آخر) إذاً: عُدِل به في هذا المحل عن المُذكَّر المفرد
إلى المثنَّى، وكذلك: ((وَآخَرُونَ اعتَرَفُوا)) [التوبة:102] الأصل أن
يقول: (وآخر) وكذلك: امرأة أخرى، الأصل: بامرأة آخر، قالوا: هذا هو
عُدولٌ في هذا المحل، وهذا مال إليه ابن مالك رحمه الله تعالى كما
سيأتي نَصُّه.
إذاً قيل: إنه مَعدُول عمَّا كان يستحقه من
استعماله بلفظ ما للواحد المُذكَّر مُطلقاً، سواءً كان الموصوف
مُذكَّراً أو مؤنَّثاً، مَجموعاً أو مُثنَّى، فيلتزم الإفراد والتذكير.
ما للواحد المُذكَّر بدون تَغيُّر معناه، وذلك أن (آخَرَ) من باب أفعل
التفضيل، فحقه ألا يُثنَّى ولا يُجمَع ولا يؤنَّث، إلا مع الألف واللام
أو الإضافة، إذا كان مُجرَّداً فَحقُه إلا يُجمع ولا يُثنَّى، ولا
يُؤنَّث، إلا إذا كان مُحلاً بـ: (أل) أو مضافاً، وهنا: (آخَرَ) هذا
غير مُحلاً بـ: (أل) وغير مُضاف، الأصل فيه أنه يَلتزِم الإفراد
والتذكير، فعُدِل في تَجرُّده منهما واستعمَاله لغير الواحد المُذكَّر
عن لفظ (آخَر) إلى لفظ التثنية والجمع والتأنيث، بحسب ما يُراد به من
المعنى، فقيل: عِندي رجلان آخَرَان، ورجال آخَرُون، وامرأة أخرى، ونساء
أخر.
حينئذٍ كل هذه مَعدُولة، وكان القياس أن يُمنع من الصرف الجمع، لكن
تَعذَّر في (آخَرَان) و (آخرُون) لأننا نَبحَث عن نيابة حَركةٍ عن
حركة، و (آخران) هذا مرفوع بالألف، إذاً: لا دَخل له في باب المَنع من
الصرف، و (آخرُون) كذلك لا دخل له في المنع من الصرف، بقي (أُخرَى)
فيها ألف التأنيث، وقلنا: إذا وجِدَ عِلَّة غير العَدل فهي مُقدَّمة
على العَدل، إذاً: ألف التأنيث تكفي فيها، لم يبق معنا إلا هذا اللفظ.
ونساء أخر، فكل من هذه الأمثلة صفة مَعدُولة عن: (آخَر)، إلا أنَّه لم
يَظهَر أثَر الوصفية والعَدل إلا في (أُخَر) فقط، لماذا؟ لأنه مُعرَب
بالحركات، بِخلاف (آخران) و (آخرون) وليس فيه ما يَمنع من الصرف
غيرُهما، بِخلاف (أخرَى) فإن فيها أيضاً ألف التأنيث، فلذلك خُصَّ
(أُخَر) بنسبة اجتماع الوصفية والعَدل إليه، ومنعه من الصرف.
حينئذٍ نقول: العِلَّة هنا ليست العِلَّة التي عند الجمهور، عند
الجمهور كون (أُخَر) مَعدُولاً عن (الأُخَر) وهذا واضح بَيِّن، وعلى
رأي ابن مالك: أن التحقيق أنه عُدِل به عن المفرد واستُعمِل جمعاً،
حينئذٍ (أُخَرَ): بِنساء أُخَرَ .. ((فَعِدَّةٌ مِن أَيَّامٍ أُخَرَ))
[البقرة:184] الأصل أن يقول: (آخَرَ) فعُدِل به إلى الجمع، فالأصل فيه
أن يُستَعمل مُفرداً مُذكَّراً، فعدل به إلى الجمع، فهذا محل منع
الصرف.
هنا قال السيوطي في (همع الهوامع): " (أُخَر) جمع: أخرى، تأنيث (آخَر)
بالفتح المجموع على (آخرين)، أمَّا كونه صفة فَلِكَونه من باب أفعل
التفضيل، تقول: مررت بزيدٍ ورجلٍ آخر، أي: أنَّه أحَق بالتأخير من زيدٍ
في الذكر، لأن الأول قد اعتُني به في التَقدُّم في الذكر، وأمَّا عَدله
فقال أكثر النحويين إنه مَعدُولٌ عن الألف واللام، لأن الأصل في أفعل
التفضيل ألا يُجمع إلا مَقروناً بهما كـ: (الكُبَر والصُغَر) - ولذلك
يُغلِّطُون العَرُوضِيين: فاصلةٌ صُغرى، وفاصلةٌ كبرى - فعُدِل عن أصله
وأُعطِي من الجمعية مُجرَّدَا ما لا يُعطي غيره إلا مَقروناً " على ما
سَبق.
وقال ابن مالك هنا – هذا القول الآخر -: "
التحقيق أنه مَعدُولٌ عن (أُخَرَ) مراداً به جمع المؤنَّث، لأن الأصل
في أفعل التفضيل: أن يُستَغنى فيه بـ: (أفعَل) عن (فُعَل) " يعني: نأتي
بـ: (أفعَل) مُجرَّداً مُفرداً مُذكَّراً عن (فُعَل) الذي هو جَمع
المؤنَّث، حينئذٍ لمَّا استُعمِل (فُعَل) محل (أفعَل) صار عدلاً، وهذا
واضحٌ بَيِّن.
أن يُستغنى فيه بـ: (أفعَل) تفضيل عن (فُعَل) لتَجرُّده عن الألف
واللام والإضافة، كما يستغنى بـ: (أكبَر) عن (كُبَر) في نحو: رأيتها مع
نسوة أكبَر منها، هكذا تقول، ولا تقول: (كُبَر) بالجمع، وإنما تأتي
بالمفرد مُذكَّراً: أكَبَر منها.
كما يستغنى بـ: (أكبَر) عن (كُبَر) في نحو: رأيتها مع نسوة أكبَر منها،
فلا يُثنَّى ولا يُجمع، لكونهم أوقعوا (أفعَل) موقع (فُعَل) فكان ذلك
عَدلاً من مثالٍ إلى مثال، كأن العدل هنا حَصَل في استعمالٍ عن
استعمال، استُعمِل (أُخَرَ .. فُعَل) مَحلَّ (أفعَل) فصار عَدلاً، وكما
ترى أنها فيها نوع تَكَّلُف.
وَمَنْعُ عَدْلٍ مَعَ وَصْفٍ مُعْتَبَرْ ... فِي لَفْظٍ مَثْنَى
وَثُلاَثَ وَأُخَرْ
إذاً: عَرفنَا أن العَدل مع الوصفية يقع في بابين:
- اسم العَدَد والصفات، نحو: (أُخَرْ)، والمنع في: (مَثْنَى وَثُلاَثَ)
للوصفية، وهذا شأنه واضح، وفي العَدل كونه معدولاً عن: اثنين اثنين، أو
ثلاث ثلاث، إلى ما ذكرناه وهو مسموعٌ من واحد إلى عشرة على الصحيح،
وإنَّمَا نَصَّ الناظم هنا على أنه مسموعٌ من واحد إلى أربعة، بل لم
يذكر واحد هنا (فِي لَفْظِ مَثْنَى وَثُلاَثَ) استدرك فذكر: (مِنْ
وَاحِدٍ لأَرْبَعٍ) إذاً: (مِنْ وَاحِدٍ لأَرْبَعٍ) نقول: هذا مسموعٌ
باتفاق، وما عداه ففيه خلاف، والصواب: أنه مسموعٌ كذلك.
قال الشارح هنا: " مما يمنع صرف الاسم العدل والصفة، وذلك في أسماء
العدد المبنية على (فُعَال) و (مَفعَل) كـ: (ثَلَاث ومثلث) فـ:
(ثُلَاث) مَعدُولة عن: ثلاثة ثلاثة، و (مَثنَى) مَعدولةٌ عن اثنين
اثنين، فتقول: جاء القوم ثُلَاثَ، يعني: دخلوا ثلاثة ثلاثة، ومَثنَى
أي: اثنين اثنين، وسُمِع استعمال هذين الوزنين: (فُعَال) و (مَفعَل) من
واحد واثنين وثلاثة وأربعة، وسُمِع أيضاً في خمسة وعشرة، خُماس ومَخمس،
وعُشَار ومَعشر.
وزَعَم بعضهم أنه سُمِع أيضاً في ستة وسبعة وثمانية وتسعة، نحو: سُدَاس
ومَسدَس، وسُبَاع ومَسبع، وثُمَان ومَثمن، وتُسَاع ومَتسع، وهو الصحيح.
ومما يُمنع من الصرف للعَدل والصفة (أُخَر) التي في قولك: مررت بِنسوة
أُخَرَ، وهذا مَعدُولٌ عن (الآخَر) محلاً بـ: (أل) وعلى رأي ابن مالك:
مَعدُولٌ عن (آخَرَ) يعني: بدون (أل)، إذاً: (أُخَر) جمع (أخرى) و
(أخرَى) أنثى (آخَر) والقاعدة: أن كل (فُعلَى) مؤنَّثة (أفعَل) لا
تُستَعمل هي ولا جمعها إلا بالألف واللام أو الإضافة، كـ: (الكبرى
والصغرى، والكُبَر والصُغَر) ((إِنَّهَا لَإِحدَى الكُبَرِ))
[المدثر:35].
وتَلخَصَّ من كلام المصنف: أن الصفة تَمنع -يعني: الصرف- مع الألف
والنون على ما سبق هناك:
- (وَزَائِدَا فَعْلاَنَ) الألف والنون الزائدتين.
- ومع وزن الفعل.
- ومع العّدل.
وزن الفعل: (أفعَل) ومع العدل، هذه الأحوال
الثلاثة تمنع من الصرف، إذا سُمي بشيءٍ من هذه الأنواع الثلاثة، وهي:
ذو الزيادتين، وذو الوزن، وذو العدل، بقي على منع الصرف، يعني: فيما
سبق كُلُه نكرة لم يذكُر التعرِيف، إنما هي: وصفية والزيادة .. وصفية
ووزن الفعل .. وصفية والعَدل.
طيب! لو سُمي رجل بـ: (مَثنَى) أو سُمي بـ: عطشان، أو سكران، لو سُمي
عَلَماً بذلك يُمنع من الصرف أو لا .. زالت الوصفية .. زالت إحدى
العِلَّتين، هل يُصرف؟ قلنا: وزن العدل والوصفية في (مَثنَى) مُوجبان
للمنع من الصرف، لا بُدَّ منهما معاً، لو زالت إحداهما اختل الحكم، لو
سُمينا به، رجل سُمي: مَثنَى، أو ثُنَاء، أو مَثلَث، يُمنع أو لا
يُمنع؟ نعم، ذهبت الوَصفية وحَلَّت العَلَمِية .. ذهب مانع وحَلَّ
مانع، قلنا: انتَقَل من الوصفِية إلى العَلَمية، والعَلَمية مع العَدل
كما سيأتي كذلك تَمنع من الصَرف.
إذاً: هذه الثلاث التي ذكرها الناظم هنا وعَرَّج عليها ابن عقيل، نقول:
إذا سُمِّي بشيءٍ من هذه الأنوَاع الثلاثة، وهي:
- ذو الزيادتين، يعني: زيادة الألف والنون، قلنا: عَطشَان هذا ممنوع من
الصرف، لأن مُؤنَّثَه على وزن (فَعَلى) إذاً: (فَعلاَن) فإذا سُمِّي
رجل (فَعلاَن .. عَطشَان) حينئذٍ نقول: هو ممنوعٌ من الصرف، لأنه بقيت
الزيادة .. الألف والنون وهي مانعة مع الوصفية، ثُمَّ زَالَت الوصفِية
وحَلَّت مَحَلَّها العَلَمية، وكلا الوصفية والعلمية يعتبران من موانع
الصرف.
- وذو العَدل، بقي على منع الصرف، لأن الصفة لمَّا ذَهَبَت بِالتسمِية
خَلَفَتها العَلَمية.
ثُمَّ قال رحمه الله:
وَكُنْ لِجَمْعٍ مُشْبِهٍ مَفَاعِلاَ ... أَوِ المَفَاعِيْلَ بِمَنْعٍ
كَافِلاَ
هذا مما يقوم فيه عِلَّةٌ مقام عِلَّتين، وسبق أن الذي يقوم مقام علتين
شيئان فقط لا ثالث لهما، وهو ما كان مختوماً بألف التأنيث مُطلقاً
سواءٌ كانت ممدودة أو مقصورة .. مُطلقاً سواءٌ كانت اسماً أو صفةً ..
مفرداً أو غير ذلك .. نكرة أو معرفة، فهي تمنع الصرف مع النكرة ومع
المعرفة، فلا تأثير للتنكير، ولا تأثير للتعريف.
هنا ذَكَر ما يُسمى بـ: (صِيغَة مُنتهَى الجُموع) وضابطه: ما كان على
وزن (مَفَاعل) أو (مَفَاعِل) كل ما كان على هذا الوزن فهو ممنوع من
الصرف، لقيام عِلَّة واحدة مَقَام عِلَّتَين، كونه صيغة منتهى الجموع
لخروجه عن آحاد الأفراد .. المفردات هذه عِلَّة، وكونه جمعاً، وسبق أن
الجمع فرعٌ عن الإفراد، وكونه خارجاً عن نظائر الآحاد، هذا يُعتبَر
كذلك عِلَّة، فنظراً إلى الجهتين قالوا: عِلَّة قامت مقام العِلَّتين.
وضابطه من جهة أخرى: أن يقال: "كل جمعٍ بعد ألف تَكسِيره حرفان، أو
ثلاثة أحرف بينها ساكن " وهذا أولى من أن يُقال: (مَفَاعِل) و
(مَفَاعيل) لأنه قَد يُظَن بأن (مَفَاعل) و (مَفَاعيل) أن يكون الجمع
الممنوع من الصرف مَخصوصاً بِما كان مُفتَتَحاً بالميم وليس الأمر
كذلك، لا فَرق في منع ما جاء على أحد الوزنين المذكُورَين بين أن يكون
أوله ميماً نحو: مساجد ومصابيح، أو لم يكن نحو: دراهم ودنانير، فدراهم
ممنوع من الصرف لكونه على وزن (مَفَاعيل) يعني: ما كان بعد ألفه .. ألف
تكسيره، حرفان.
وكذلك: دنانير، هذا ممنوع من الصرف لكونه
على وزن (مَفَاعيل) وهو ما كان بعد ألف تكسيره ثلاثة أحرف بينها ساكن.
إذاً: إذا قيل بهذا الضابط فهو أولى، وكثير من المسائل المتَعلِّقة،
بهذا المبحث هنا (مَفَاعل ومَفَاعيل) مَرَدُّه إلى عِلم الصرف، يعني:
لا بُدَّ من فَهَم بعض مسائل الإعلال هناك من أجل أن تُضبَط هذه
المسائل، ولن نذكرها.
وَكُنْ لِجَمْعٍ مُشْبِهٍ مَفاعِلاَ ... أَوِ المَفَاعِيْلَ بِمَنْعٍ
كَافِلاَ
(كُنْ) كن أنتَ أيُّها النَّحوِّي (كُن لِجمعٍ مُشبهٍ مَفاعِلاً أوِ
المفاعيلَ) كُن: اسم كُن ضمير مستتر، خبره: (كَافِلاَ).
(بِمَنْعٍ) هذا مُتعلِّق بـ: (كَافِلاَ) بِمنعٍ لأي شيء؟ لصرفه، إذاً:
مُتعلِّق المنع هنا - وهو مصدر - مُتعلِّقه محذور، لمنعٍ لأي شيء؟ منعٍ
لصرفه، ولذلك لا بُدَّ من التقدير، وسبق ولم ننبه عليه:
وَمَنْعُ عَدْلٍ مَعَ وَصْفٍ ..
(مَنْعُ عَدْلٍ) قلنا: هذا من إضافة المصدر إلى فاعله، أين مفعوله؟
محذوف: (وَمَنعُ عَدل صَرفَ) لا بد من تقدير مفعولٍ محذوف.
وهنا قال: (كَافلاً بِمنعٍ) يعني: لصرفه، (لِجَمْعٍ) هذا مُتعلِّق
بقوله: (كَافِلاَ) و (مُشْبِهٍ) هذا صفة لـ: (جَمْعٍ).
(مُشْبِهٍ مَفاعِلاً) ما إعرابه؟ (مُشْبِهٍ) أشبَه .. يُشبِه، فهو
مُشبِه، (مُشْبِهٍ) اسم فاعل، وهو مُعتَمِد هنا الجمع .. الموصوف ..
جاء صفةً، حينئذٍ صار عَامِلاً فيَنصِب مفعولاً به (مُشبهٍ مَفاعِلاً)
(مَفَاعِلاً) هذا مفعول به لقوله: (مُشْبِهٍ) أو المفاعيل مَعطوفٌ عليه
(بِمَنْعٍ كَافِلاَ) كافلاً بِمنعٍ.
إذاً: (وكُن كافلاً بِمنع لِصرف جَميعٍ مُشبهٍ مَفَاعِلا، أو
المفَاعِيل) فـ: (بِمَنْعٍ) جار ومجرور مُتعلِّق بقوله: (كَافِلاَ) و
(لِجَمْعٍ) كذلك مُتعلِّق بقوله: (كَافِلاَ) يعني: أنَّ مِمَّا يمنع من
الصرف الجمع المشبِه (مَفَاعِل) أو (مَفَاعيل).
ودَلَّ بقوله: (مُشْبِهٍ) أنه لا يُشترط أن يكون مبدوءً بِميم، بل قال:
ما أشبه هذين اللفظين، حينئذٍ يفهم أن الحكم ليس خَاصَّاً بما كان
مفتتحاً بالميم، يعني: أن مما يَمنع من الصرف الجمع المُشبِه (مَفَاعل)
أو (مَفَاعيل) كَون أوله مفتوحاً، وهذا شرط: دراهم ودنانير، كون أوله
مَفتوحاً، وثَالِثه ألفاً غَيَر عِوضٍ، يليها كسر غير عارضٍ، مَلفُوظ
أو مُقدَّر على أول حرفين بعدها، أو ثلاثة أوسَطُها ساكن غَير مَنوي به
وبما بعده لانفصال، فإن الجمع متى ما كان بهذه الصفة كان فيه فرعية
اللفظ بِخروجه عن صِيَغ الآحاد العربية، لأنه قد يكون جَمع جَمعٍ، وقد
يكون جَمعاً فقط.
قد يكون جَمع جَمعٍ ولذلك يُعبَّر عنه بـ: (صيغة منتهى الجموع) الجمع:
جمع المفرد على نوعين:
- جمعٌ قياسي.
- وجمعٌ سماعي، ولذلك المضبوط في باب الصرف في جمع التكسير قليل، والذي
لا يَنضَبِط كثير، يعني: الخارج عن القياس أكثر مما يدخل تحت الضوابط،
ولذلك قال بعضهم: جمع التكسير كله سماعي، ليس فيه قياس، لأن القَواعد
المُقعَّدة كما سيأتي في مَحله .. في جمع التكسير، القَواعد المُقعَّدة
ما يَخرُج عنها أكثر مِمَّا يدخل تَحتها، وهذا يقوي القول بأنه سماعي.
على كلٍّ: الجمع الأول للمفرد: منه ما هو
قياسي، ومنه ما هو سماعي، ثُمَّ هذا الجمع قد يطرأ عليه جَمعٌ فيُجمَع
الجمع، وهذا كله سماعي، يعني: لا بُدَّ من الرجوع إلى نَقل الأئمة
والحكم على كون هذا جَمع جَمعٍ، حينئذٍ لا بُدَّ من الرجوع إلى
المعاجم، فيحكم على كون هذا الجمع جمع جمعٍ، لأن الجمع قد يُجمع، ثُمَّ
الجمع قد يُجمع مرة ثالثة.
كان فيه فَرعِية اللفظ بِخروجه عن صِيَغ الآحاد العربية، لا يُوجد
مُفرد على هذا الوزن (مَفَاعل) و (مَفَاعيل) إلا (سراويل) كما سيأتي،
وهو مُفرَد لكنه أعجمي.
وفرعية المعنى بالدلالة على الجمعية فاستحقَّ منع الصرف، إذاً: عِلَّةٌ
قامت مَقَام العِلَّتين:
- كونه جمعاً، وهذا واضح أنه فرعٌ عن المُفرَد، وهذا لا إشكال فيه ..
مُتَّفَق عليه،
- والعلة الثانية: كونه خارجاً عن صِيَغ الآحاد، يعني: المفردات الوزن
هذا (مفاعل) و (مفاعيل) لا نضير له، كونه خارجاً جعلوه مقام علتين،
ولذلك نقول: اتفقوا على أنَّ إحدى العِلَّتين هي الجمع وهذا مُتَّفَق،
لأنها واضحة بَيِّنة لا تحتاج، وهي عِلَّةٌ فرعية بالمعنى، دلالة على
الجمعية، واختلفوا في العِلَّة الثانية، ما هي؟ لا بُدَّ، لأنه لا يكون
عِلَّة واحدة لا تقوم مَقَام عِلَّتين أو لا تكون مع عِلَّة أخرى
مستقلة ويكون مانعاً من الصرف، لا يُمنع إلا بوجود عِلّيَتين، لأنه
إنما أشبَه الفعل في دلالة الفعل على عِلَّتين: إحداهما لفظية، والأخرى
معنوية.
لا بُدَّ أن يوجد في الاسم من أجل أن يُلحق بالفعل، فيمنع من التنوين
والخفض بالكسرة لوجود هاتين العِلَّتين، إن ظهرت فبها ونعمت، وإن لم
تظهر لا بُدَّ أن نأتي بعِلَّة من أجل أن نحكم عليه بكونه ممنوعاً من
الصرف، لمَّا وجدوا ألف التأنيث لوحدها (صحراء) ليس فيه إلا ألف
التأنيث، تَكلَّفوا عِلَّة أخرى، ولذلك يختلفون في أيهما اللفظية
والأخرى المعنوية.
وكذلك الجمع هنا مصابيح ومساجد ونحوها ممنوعة من الصرف، قالوا:
العِلَّة الظاهرة أنه جمع، والجمع فرعٌ عن الإفراد، هذا واضح بَيِّن،
ما هي العِلَّة الثانية؟ لا بُدَّ من إيِجاد علة، ولذلك اتفقوا على أن
إحدى هي الجمع لظهورها ووضحوها، واختلفوا في العِلَّة الثانية، فقال
أبو علي الفارسي: " هي خروجه عن صِيَغ الآحاد، وهذا هو المُرجَّح عند
المتأخرين ".
أبو علي الفارسي، أحياناً يُقال: قال الفارسي، وأحياناً يقال: قال أبو
علي، من النحاة، لا تظن أنهما رجلان بل هو واحد، وأحياناً يجمع بينهما:
قال أبو علي الفارسي وهذا قليل، لكن قد يطلق بالكنية، وقد يأتي باللقب.
فقال أبو عليٍ: " هي خروجه عن صيغ الآحاد" وهذا هو المُرجَّح عند
المتأخرين، وهو معنى قولهم: إن هذه الجَمعِية قائمةٌ مقام عِلَّتين:
- العِلَّة الأولى الجمعية .. من جهة المعنى، العلة الثانية خروجه عن
نظائره - عن صِيَغ الآحاد -.
- وقيل العِلَّة الثانية: تَكرار الجمع،
ولذلك يُسمى: صيغة مُنتهى الجموع، (مُنتهى) يعني: وقف الجمع عندها، فلا
يُجمع مرةً أخرى، فحينئذٍ نقول: تَكرار الجمع قد يكون ظاهراً، مثل:
(أكلُب وأكَالِب) كَلب .. أكلُب .. أكَالِب، (كَلب) يُجمع على (أكلُب)
هذا الجمع الأول، (أكلُب) نفسه يُجمع على (أكَالِب) تَكرار الجمع واضح
بَيِّن، لكن (مَسَاجِد) ليس فيه تَكرار، يُقدِّرون فيه التَكرار من أجل
ماذا؟ من أجل أن تصلح العِلَّة وتكون تامة.
وقيل: العلة الثانية: تَكرار الجمع تَحقيقاً أو تَقدِيراً، ودائماً هذا
تَجد: تحقيقاً أو تَقدِيراً، لأنه لا بُدَّ من شواذ تَخرج عن التحقيق،
لا بُدَّ من أدخالها مرة أخرى في القاعدة، فقالوا: أو تقديراً،
فيُتَكلَّف لها في كيفية الدخول.
تَكرار الجمع تحقيقاً أو تَقدِيراً، فالتحقيق نحو: (أكلُب) (أكَالِب)
جمع الجمع، التَكرار واضح بَيِّن، يعني: جُمع مرتين. و (أرَاهِط) إذ
هُما جمع: أكَلُب وأرهُط، والتقدير في نحو: مساجد ومنابر، هذا مُكَرَّر
كأنه كُرِّرَ مرة أخرى. و (منابر) فإنه وإن كان جمعاً من أول وهلة،
لكنه بِزِنة ذلك المُكرَّر وهو: (أكَاَلِب وأرَاهِط) فكأنه أيضاً جُمِع
مرة أخرى فيكون جمع جمعٍ، وهذا اختيار ابن الحاجب.
لأن (مَسَاجِد) جاء على وزن (مَفَاعِل) و (مَفَاعِل) يكون مُكرَّراً
كأنه كُرِّرَ مرةً أخرى، هذا فيه تَكلُّف ولذلك القول الأول أرجح: أنَّ
العِلَّة الثانية هي خروجه عن صيغ الآحاد، يعني: لا يوجد في المفردات
ما هو على زِنَة (مَفَاعل) أو (مَفَاعِيل) وأمَّا بالتَكرار نقول: هذا
فيه نظر، لأنه قد يَتخَلَّف عن بعضها (مَسَاجِد) لم يُجمع، فكيف حينئذٍ
نقول: هو مُكرَّر؟ ثُمَّ نُقعِّد قاعدة وهي: أن جمع الجمع سَماعي، وهذا
يكاد يكون اتفاق، وأمَّا الجمع نفسه فهذا مختلفٌ فيه.
إذاً:
وَكُنْ لِجَمْعٍ مُشْبِهٍ مَفَاعِلاَ ... أَوِ المَفَاعِيْلَ بِمَنْعٍ
كَافِلاَ
(كُن كافلاً بِمنعٍ) يعني: لصرف، (لِجَمْعٍ مُشْبهٍ مَفَاعِلاً .. أَوِ
المَفَاعِيلَ) هذان الوزنان، موازنة هذين الجمعين وكلاهما لا نظير له
في الآحاد، وهي مُستقلة بِمنع الصرف أيضاً، كما أنَّ ألف التأنيث
مستقلةٌ بِمنعٍ الصرف، إذ الاسم بها فرعٌ من جهة الجمعية وجهة عدم
النظير بخلاف سائر الجموع، فإنها قد يوجد لها نظير في الآحاد، يعني: قد
تأتي -كما يأتي معنا إن شاء الله-: أنَّ زِنَة جَمع التكسير قَد يكون
مثله وزنٌ في الآحاد، يعني: في المفردات، وأمَّا هذه لا، خَرَجت عن
الآحاد فلا نظير لها.
ولا يُشتَرط أن يكون في أوله ميمٌ زائدة، بل أن يكون أوله حرفاً
مفتوحاً، أيَّ حرفٍ كان، وأن يكون بعد ألف الجمع حرفٌ مكسورٌ لفظاً أو
تقديراً، وهذا على مذهب سيبويه، اشتراط كَسر ما بعد الألف، مذهب سيبويه
والجمهور، يعني: (مفاعِـ) لا بُدَّ أن يكون ما بعد ألف مكسور
(مَفَاعِيل) فلو لم يكن مَكسوراً لم يُمنع من الصرف.
وأن يكون بعد ألف الجمع حرفٌ مكسورٌ لفظاً
أو تقديراً، لفظاً واضح: (مَسَاجِد .. مَصَابِيح) وأمَّا التقدير،
فنحو: (دوآب) أصله: (دوابِب) ما بعد الألف مكسور وهو الباء، ثُمَّ
أرِيد إدغامها في الباء الثانية، سُلِبَت ثُمَّ أدغمت، إذاً: هو مكسور
لكنه مُقدَّر: (دوابَّ) مُشدَّد ما بعد الألف، حينئذٍ نقول: هو مكسورٌ
في التقدير، لأن هذا أصله.
فإن كان الساكن بعد الألف لا حَضَّ له في الحَرَكة نحو: (عَبالَّ) جمع:
عَبَالَّةٍ وهي: الثِّقَل، و (حَمارَّ) جمع: حَمَارَّةٍ، يُقال:
حَمَارَّة القيض: شِدَّة حره، فمصروف، لماذا؟ لأن: (عَبالَّ) ما بعد
الألف ما هو؟ ساكن ليس مُتحرِّكاً، ونحن نشترط أن يكون مُتحرِّكاً،
ومُتحرِّكاً بالكسر، وهنا ساكن (عَبالَّ .. حَمارَّ) نقول: الأول
مُدغَم في الثاني، وهو ساكن فَدَّل على أنه ليس مكسوراً، فحينئذٍ هذا
يكون مصروفاً لِتخلُّف الشرط، هذا مذهب سيبويه والجمهور.
وذهب الزَجَّاج إلى أنه لا يشترط ذلك، يعني: لا يشترط أن يكون ما بعد
ألفه مكسوراً، فحينئذٍ (حَمارَّ وعَبالَّ) يكون ممنوعاً من الصرف عند
الزَجَّاج، ولا يُعتَدُّ في هذا الوزن بكسرةٍ عارضة، لا بُدَّ من أن
تكون الكسرة أصلية احترازاً من نحو: تَوانٍ وتَغازٍ، لأن (تَوانٍ)
الكسرة هنا من أجل أن تَصِح الياء، لأنه على وزن (تَفَاعُل) أصله:
(تَوانِيُ) لو قيل بالضمَّة على النون وجب قلب الياء كسرة لأنه من
التواني، أصله: (توانِيُ) ما يأتي (نِيُ) لكن نقول: الياء بعد الضمة،
فأصله على وزن: (تَفَاعُل) حينئذٍ أصله (تَواني) النون هُنا مَضمُومة.
إذاً: ياءٌ ساكنة قبلها ضمة، فيجب قلب الياء .. إذا سَكَنَت الياء
وضُمَّ ما قبلها وجَبَ قلب الياء واواً، فراراً من هذه العِلَّة قلبنا
الضَمَّة كسرة، فقيل: (توانٍ) يعني: دخل التنوين فحذفت الياء، ومثله:
(تَغازٍ) أصله: (تغازُي)!
على كلٍّ: الواو الساكنة قبلها ضَمَّة، فوجب قلب الياء واواً، حينئذٍ
وجب قلب الضَمَة كسرة لتَصِح الياء. فإن الكسرة فيهما مُحوَّلةً عن
ضَمَّةٍ لاعتلال الآخِر، إذ أصله: (تَفَاعُل) بِضمِّ العين، مصدر
(تَفَاعَل) (تَوانِي).
ولا ياء النسب نحو: (مدائني وحواري) لأن الياء هذه عارضة كما سيأتي،
ياء النسب يجب أن يكون ما قبلها مكسور: (قُرَشِيٍّ) -في بعضه سيأتي-.
لوجود ياء النسب فيهما قبل الجمع، ولا بألفٍ مُعوَّضَة من ياء النسب،
نحو: (يمانٍ وشامٍ) فإنهما مصروفان، لأن الألف عِوَضٌ من يَاء النَسب
والأصل: (يَمنِي وشَامِي) ويأتي في مَحلِّه.
ولو دخلت التاء هذا الجمع صُرِفَ - التاء
.. تاء التأنيث - لو دخلت هذا الجمع ما كان على وزن: (مَفَاعل أو
مَفَاعِيل) صُرِفَ، يعني: ارتفع المنع من الصرف، نحو: (صَيَاقِلةٌ)
لأنه بدخولها أشبه المفردات، نحو: (كَرَاهية) إذاً: كل جَمعٍ أرِيد
صَرفُه من هذه الأوزان (مَفَاعل ومَفَاعِيل) حينئذٍ أَدخل عليه التاء،
إذا صَحَّ لغةً حينئذٍ يكون مَصرُوفاً، ولو حُذفت التاء من كلمةٍ فبقيت
بوزن هذا الجمع مُنِعَت الصرف على العَكس، الممنوع من الصرف إذا
دَخَلَت عليه التَاء صَرَفَته، ولو كان هو مختوماً بالتاء ثُمَّ حُذِفت
التاء كـ: (عَلَانِية) حينئذٍ لو حذفت التاء صار: (عَلَانيَ) مَنَعتَه
من الصرف لأنه صَار على وزن (مَفَاعِل).
ولو حُذِفَت التاء من كلمةٍ فبقيت بوزن هذا الجمع مُنِعَت الصرف، كأن
يُسمَّى رجل: (عَلَاني) من (عَلَانيةٍ) ولو سُمِّي بهذا الجمع كـ:
(مَساجِد) .. سَمَّيت رجلاً (مَساجِد) فلا خلاف في منع صَرفِه، وقد
مَنَعَت العرب: (شَراحِيل) من الصرف وهو جَمعٌ سُمِّي به رجل، يعني:
اجتمع فيه العَلَمية والجمع.
وَكُنْ لِجَمْعٍ مُشْبِهٍ مَفَاعِلاَ ... أَوِ المَفَاعِيلَ بِمَنْعٍ
كَافِلاَ
قوله (لِجَمْعٍ) هذا اعتُرِض لأنه قد لا يكون جَمعاً، وأرادوا به
المنقول أو نحو: (سَرَاوِيل) لأن سَرَاوِيل مفرد، وهو ممنوع من الصرف
لكونه مشبهاً (مَفَاعِيل) إذاً: هو مُفرَد، وأنت تقول (وَكُنْ
لِجَمْعٍ) وهو ليس بِجمعٍ، كذلك لو سُمِّي به رجل (مَصَابِيح) سَمَّيت
رجلاً، صار ليس بِجمعٍ .. صار مُفرداً، فكيف يُقال بأنه لجمعٍ؟
اعتُرِضَ بأن الجمعية ليست شرطاً، بل كل ما كان على هذين الوزنين،
واستوفى الشروط المذكورة مُنِعَ صَرفُه، وإن فُقِدَت الجمعية كان
الأولى أن يقول: (للفظٍ) يعني: وكُن للفظٍ مُشبهٍ مَفاعِلاً، هذا أولى
ليَعُمَّ ما ذَكَرُوه.
ويُجاب: بأن الجمع في كلامه تَمثِيلٌ لا تقييد، وإنما نظر إلى الغالب
والأكثر، بل نَظَر إلى الأصل، إذاً لم يوجد من المُفرَد أصالةً إلا
سَرَاويِل فقط، والبقة كله جَمع، إذاً: لماذا يَعتبِر هذا المفرد .. هو
واحد لماذا يَعتبِره؟ ثُمَّ ما نُقِل للعلمية، هذا خلاف الأصل، الأصل
اعتباره قَبَل النقل، فإذا نُقِل هذا صار فرعاً.
ويُجاب: بأن الجمع في كلامه تَمثِيلٌ لا تقييد، بدليل قوله:
وَلِسَرَاوِيلَ المنع، وإنما آثر الجمع بالتمثيل لأنه الغالب في
الوزنين.
قال الشارح هُنا: " هذه العِلَّة الثانية التي تَستَقل بالمنع، وهي
الجمع المتناهي – وعرفنا المراد بالجمع المتناهي – لَكنَّه ليس
مُطَّرِداً، الاسم هذا ليس مُطَّرِداً، في جميع ما كان على وزن
(مَفَاعِل ومَفَاعِيل) وإنما يَصِح فيما إذا جُمع الجمع، إلا إذا قلنا
بأن الجمع انتهى عِنَد: (مَسَاجِد ومَنَابِر) فلم يُجمع مرةً أخرى فلا
إشكال فيكون مُطَّرداً.
وضابطه: كل جَمعٍ بعد ألف تكسيره حرفان أو
ثلاثة، أوسطها ساكن نحو: (مَسَاجِد ومَصَابِيح) ونَبَّه بقوله:
(مُشْبِهٍ مَفَاعِلاً أَوِ المَفَاعِيْلَ) على أنه إذا كان الجمع على
هذا الوزن مُنِع، وإن لم يكن في أوله ميم، فيدخل (ضَوَارِب) ونحوه، فإن
تَحرَّك الثاني صُرِف نحو: (صَيَاقل) تَحرَّك الثاني، وهذا متى
يَتَحرَّك؟ إذا دخلت عليه تاء التأنيث، ولذلك مَثَّلُوا: (صَيَارِف
وأشَاَعِر، وأحَامِر، وعبَاقِر، ومَيَاثِر، وغَسَاسِن) ونحو ذلك، نقول:
هذا إذا دَخَلت عليه تاء التأنيث، هذا الضابط فيه، وأمَّا إذا تَحرَّك
هكذا ..
فإن تَحرَّك الثاني، يعني: الثاني بعد الألف فيما إذا اشتُرِط فيه
ثلاثة. فإن تَحرَّك الثاني بعد الألف صُرِفَ نحو: (صَيَاقِل):
وَذَا اعْتِلاَلٍ مِنْهُ كَالجَوَارِي ... رَفْعَاً وَجَرّاً أَجْرِهِ
كَسَارِي
يعني: ما كان مُعتلاً مَختوماً بياء مما كان على وزن (مَفَاعِل) أو
(مَفَاعِيل) ولا يكون في لسان العرب مَختوماً بواو، وإنما دائماً يكون
مَختوماً بالياء، حينئذٍ قال في حالتي الجر والإضافة: (أَجْرِهِ
كَسَارِي) (سَارٍ) هذا ليس بجمع ممنوع الصرف، وإنما المراد به أن يكون
مَحمُولاً على: (سارٍ وقاضٍ) في كونه يُنوَّن وتحذف الياء للتَّخلُّص
من التقاء الساكنين، ولذلك (جواري) بعد ألف تَكسيِره حرفان، (غواشي)
بعد ألف تَكسيِره حرفان، نحن نقول: (غَوَاشٍ وجَوَارٍ) حينئذٍ هو
ممنوعٌ من الصرف ويدخله التنوين، وسبق معنا أن تَنوِين العِوَض وكذلك
تنوين المقابلة يدخلان المصروف وغير المصروف، فإذا وجد التنوين فحينئذٍ
في نحو: (عَرَفاتٍ) نقول: هذا ممنوع من الصرف، كيف دخله التنوين، ونحن
نقول: ممنوع من الصرف، أي: التنوين؟
نقول: الممنوع من الصرف الذي هو تنوين الصرف .. تنوين التمكين، وليس
بتنوين المُقابَلة وتنوين العِوَض، وأمَّا: (مُسلِمَات) و (أذرِعَات)
فالتنوين فيه تنوين مُقَابَلة، و (جوارٍ) و (غواشٍ) مَمنوع من الصرف،
حينئذٍ كيف يكون ممنوعاً من الصرف وقد دخله التنوين، والمنع من الصرف
هو المنع من التنوين؟! نقول: هو ممنوعٌ من الصرف، وهو تنوين الصرف
اللاَّحِق للأسماء المُعرَبة المُنصرِفة، وهذا التنوين الذي في (جوارٍ)
و (غواشٍ) تنوين عوضٍ عن حرفٍ، وتنوين العوض عن حرف وعن كلمة يدخل في
المُنصرِف وغيره، على جهة الإجمال.
هنا قال: (وَذَا اعْتِلاَلٍ مِنْهُ) (وَذَا) هذا منصوبٌ على الاشتغال:
أجرِ ذَا اعتِلالٍ (مِنْهُ) هذا مُتعلِّق بقوله (اعْتِلاَلٍ) (مِنْهُ)
الضمير يعود إلى (جَمْعٍ مُشْبِهٍ مَفَاعِلاً أَوِ المَفَاعِيْلَ)،
(وَذَا اعْتِلاَلٍ مِنْهُ) يعني: من الجمع المُتقَدِّم (كَالجَوَارِي)
حالٌ من (ذَا اعْتِلاَلٍ).
(رَفْعَاً وَجَرَّاً) منصوبان بِنَزع الخافض، يعني: في حالة الرفع وفي
حالة الجر، وسَكَتَ عن حالة النصب لأنها على الأصل، تبقى الياء وتظهر
الفتحة عليها.
(رَفْعَاً وَجَرَّاً أَجْرِهِ كَسَارِي) إذاً: مراده بهذا البيت أن
يُبيِّن -كالاستثناء مما سبق- في أن ما كان على وزن (مَفَاعِل) أو
(مَفَاعِيل) يدخله تنوين العِوَض عن الحرف، يعني: ما كان من الجمع
الموازن (مَفَاعِل) مُعتلاً فله حالتان:
الأولى: أن يكون آخره ياءً قبلها كسرة نحو:
(جوارٍ) و (غواشٍ).
النوع الثاني من (مَفَاعِل): أن تُقلب ياؤه ألفاً نحو: (عَذَارَى) و
(مَدَارَى) يعني: تَحرَّكَت الياء وانفتح ما قبلها فوجب قلبها ألفاً،
وكذلك في (مَدَارَى).
والشاهد هناك في الأول، الأول الذي يكون آخره ياءً قبلها كسرة، نحو:
(جوارٍ) و (غواشٍ)، الأول هذا النوع وهذا هو الغالب فيه: أن تبقى
الكسرة كما هي: (جوارِي .. غواشِي) فإذا خلا من (أل) والإضافة، حينئذٍ
هو مَمنوعٌ من الصرف، يجري في رفعه وجَرِّه مَجرَى (قاضٍ وسارٍ) .. إذا
خلا من (أل) والإضافة والكسرة باقية في نحو (جوارٍ) و (غواشٍ) نقول:
يجري في رفعه وخفضه قاضٍ في الرفع والجر
وَنَوِّنِ المُنَكَّرَ المَنقُوصَا ... فِي رَفْعِهِ وَجَرِّهِ
خُصُوصَا
إذاً: في هاتين الحالتين تبقى الياء، ثُم تبقى الكسرة على ما هي، كما
سيأتي.
يَجري في رَفعه وجَرِّه مَجرى (قاضٍ وسارٍ) في حذف ياءه وثبوت تنوينه،
نحو: ((وَمِن فَوقِهِم غَوَاشٍ)) [الأعراف:41] (غَوَاشٍ) حذفت الياء
للتَخلُّص من التقاء الساكنين، ((وَالفَجرِ * وَلَيَالٍ عَشرٍ))
[الفجر: 1 - 2] وفي النَصب يَجرى مَجرى (دَرَاهِم) يعني: تبقى على ما
عليه الفتحة في سلامة آخره، وظهور الفتحة نحو: ((سِيرُوا فِيهَا
لَيَالِيَ)) [سبأ:18] هناك قال: ((وَالفَجرِ * وَلَيَالٍ)) [الفجر: 1 -
2] حَذَف الياء ونَوَّن، وهنا قال: ((لَيَالِيَ)) [سبأ:18] ما الفرق
بينهما؟
نقول: هُنا (لَيَالِيَ) في حالة النَصب، تبقى الياء كما هي فيُعَامل
مُعَامَلة (دَرَاهِم) مثل: رأيت قَاضياً، تبقى الياء، والتنوين هذا
تَنويِن صرف، وليس بِتنوين عِوَض عن حرف على الصحيح، وأمَّا هذا (قاضٍ)
ومررت بِقاضٍ حينئذٍ تُحذف الياء والتنوين يكون تنوين صَرفٍ، والحذف
إنما يكون للتَخلُّص من التقاء الساكنين.
والثاني الذي هو (عَذارَى) و (مَدارَى) يُقدَّر إعرابه ولا يُنوَّن،
هذا لا إشكال فيه واضح، يُقدَّر إعرابه ولا يُنوَّن بِحال، ولا خلاف في
ذلك، وهذا خرج من كلامه بقوله: (كَالجَوَارِي) حينئذٍ (عَذارَى) و
(مَدارَى) لم يَقصِده الناظم، لأن الياء انقَلَبت ألفاً، كل جَمعٍ
مُعتَل بالياء وهو مِمَّا على صيغة (مَفَاعِل) فقلبت الياء ألفاً
حينئذٍ لا يُنوَّن وإنما يُنوَّن ما بقيت فيه الياء ولم تُقلَب ألفاً،
والكسرة على حالها قبل الياء، فحينئذٍ في حالة الرفع والجر يكون
مُنوَّناً، وأمَّا في حالة النصب فيبقى على أصله.
تنوين (جوارٍ وغواشٍ) تنوين عِوَضٍ عن الياء المحذوفة في حالتي الرفع
والجر، وهذا في كل اسمٍ ممنوعٍ من الصرف منقوصٍ كـ: (عَوَادٍ) و
(أعَيمٍ): تصغير أعمى، (يُعَيلٍ): تصغير يعلى، يَبقى التنوين.
ومذهب الجمهور على تقديم الإعلال على منع الصرف، يعني: أولاً أعِلَّ،
ثُمَّ بعد ذلك مُنِع من الصرف، وجهه أن يُقَال: بأن منع الصرف
مُتعلِّقٌ بِحال الكلمة، وأمّا الإعلال مُتعلِّقٌ بجوهر الكلمة، لأن
الإعلال قلب حرف أو حذفٌ وهذا مُتعلِّق بِجوهر الكلمة، وأمَّا كونه
ممنوعاً من الصرف فهذا صفة، حينئذٍ إذا اختُلِف أيهما أولى – والخلاف
موجود – هل الإعلال مُقدَّم على منع الصرف، أو منع الصرف مُقدَّمٌ على
الإعلال؟
الجمهور على أن الإعلال مُقدَّم على منع
الصرف، إذاً: أُعِلَّ أولاً ثُمَّ مُنِع من الصرف، لماذا قلنا بهذا؟
لأن الإعلال مُتعلِّقٌ بذات الكلمة .. بِحرفها .. بِجوهرها، وأمَّا منع
الصرف هذا مُتعلِّقٌ بِحال الكلمة.
إذاً: مذهب الجمهور على تَقديم الإعلال على منع الصرف لِتعلُّق الإعلال
بجوهر الكلمة، بِخلاف منع الصرف فإنه حَالٌ للكلمة، فأصل (جَوَارٍ):
(جَوارِيٌ) ياءٌ مضمومة مع التنوين، لا تَقُل: ممنوع من الصرف ولا
يدخله التنوين لا، ما نظرنا إلى الصرف، أولاً تقول: (جَوارِيٌ)
بالضَمِّ والتنوين، واستُثقِلت الضمَّة على الياء فحُذِفت، ثُمَّ
حُذِفَت الياء لالتقاء الساكنين.
إذاً: (جَوارِيٌ) ياءٌ مضمومة مع التنوين، أول خطوة تقول: هو باقٍ على
أصله، قبل أن تنظر فيه من جهة منع الصرف، فتقول أصله: (جَوارِيٌ).
الخطوة الثانية تقول: استثقِلَت الضمَّة على الياء ثُمَّ حُذِفَت،
فصارت الياء ساكنة، حينئذٍ التقى ساكنان الياء والتنوين، حذفت الياء
لِمَا ذكرناه سابقاً: أنه حرف عِلَّة وقبله مَا يَدل عليه، صار (جوارٍ)
بعد الحذف .. إذاً: سَبَق الإعلال هُنا، بعده تنظر إلى كون (جَوَارِي)
على وزن (مَفَاعِل) فتمنعه من الصرف، كيف يكون على وزن (مَفَاعِل)
والياء محذوفة؟ قالوا: الياء محذوفة هنا لعلةٍ تصريفية، والمحذوف لعلة
تصريفية كالثابت .. كالموجود، فالياء كأنها موجودة، فكأنك قلت:
(جَوَارِي) فلاحظت فيه صيغة منتهى الجموع فمنعته من الصرف.
إذاً: ذهب السبب المقتضي لحذف الياء، إذاً: سترجع الياء، لأن الياء
إنما حذفت بسبب التنوين، ونحن منعناه من الصرف، إذاً: سترجع الياء،
قالوا: قطعاً لطمع رجوع الياء نأتي بِعِوَضٍ عن هذه الياء، ولذلك قيل:
بأن هذا التنوين تنوين عِوَض، يعني: لئلا ترجع الياء طَلباً للخفة - من
جهة اللفظ والمعنى كما سيأتي – طَلباً للخفة، فقطعاً لطمع رجوع الياء
جئنا بالتنوين عِوَضاً عن هذه الياء، ليبقى السبب الموجب لحذفها،
حينئذٍ صار الإعلال مقدماً على منع الصرف.
إذاً: أصل (جَوَارٍ) (جواريٌ) بالضَمِّ والتنوين، استثقلت الضمَّة على
الياء فحُذِفت، ثُمَّ حُذِفَت الياء لالتقاء الساكنين، ثُمَّ حُذِفَ
التنوين لوجود صيغة منتهى الجموع تقديراً، لأن المحذوف لعلة كالثابت،
فخيف رجوع الياء لزوال الساكنين في غير المُنصَرِف المُستَثقَل لفظاً
لكونه منقوصاً، ومعنىً لكونه فرعاً، هذه عِلَّة حذف الياء، لماذا
نَحذفها والتنوين قد أُزِيل والأصل أنها ترجع؟ قالوا: لا، الممنوع من
الصرف ثقيل من جهة المعنى لأنه جَمع، ومن جهة اللفظ، فالياء حينئذٍ
الأولى أن تُحذف.
فخيف رجوع الياء لزوال الساكنين في غير
المُنصَرِف المُستَثقَل لفظاً لكونه منقوصاً، لأن المنقوص ثقيل آخره
ياءٌ ساكنة، ومعنىً لكونه فرعاً، فعوضوا التنوين من الياء لينقطع طَمَع
رجوعها، هذا تعليل، وهذا المشهور عِنَد المتأخرين، بأن الإعلال سابقٌ
على الصرف. أو للتخفيف، يعني: حُذِفَت الياء تَخفيفاً، بناءً على حَمل
مذهبهم على تقديم منع الصرف على الإعلال، فأصله بعد منع صرفه
(جَوارِيُ) هذا الأصل بدون تنوين .. بإسقاط التنوين، استُثقِلَت
الضمَّة على الياء فحُذِفَت، أصله: (جَوَارِيُ) ممنوع من الصرف،
استُثقِلَت الضمَّة على الياء فحُذِفَت، ثُمَّ حُذِفَت الياء تخفيفاً
وعُوضَ عنها التنوين لئلا يكون في اللفظ إخلال بالصيغة.
هذا مذهب سيبويه والجمهور: أن التنوين عِوَض عن الياء، في كلا القولين،
سواءٌ قلنا الإعلال مُقدَّم على منع الصرف أو بالعكس، فالتنوين في
الحالين عِوضٌ عن الياء.
ومذهب المبَرِّد والزجَّاج: أنه عِوضٌ عن حركة الياء، التنوين في
(جَوَارٍ، وغَوَاشٍ) ليس عِوضاً عن الياء بل عِوضٌ عن الحركة.
ومنعُ الصرف مُقدَّم على الإعلال، فأصله بعد منع صرفه (جَوَارِيُ)
بإسقاط التنوين، استثقلت الضمَّة على الياء فحذفت، وأتي بالتنوين عوضاً
عنها، وهذا غريب لأن التنوين لا يُعَوَّض عن حَرَكَة، وإنما يُعوَّض به
عن حرفٍ. ثُمَّ حُذِفَت الياء لالتقاء الساكنين.
إذاً: التنوين جيء به عوضاً عن الحركة، ثُمَّ التقى ساكنان: الياء
والتنوين، فحُذِفَت الياء لالتقاء الساكنين، وكذا يُقال في حالة الجر
على الأقوال الثلاثة.
وَذَا اعَتِلاَلٍ مِنْهُ كَالجَوَارِيَ ... رَفْعَاً وَجَرّاً أَجْرِهِ
كَسَارِي
أَجْرِهِ: يعني: ما سبق، (كَسَارِي)، فإذا قلت: مررت بِجوارٍ، فعلامة
جَرِّه فتحة مُقدَّرة على الياء، مررت بِجوارٍ (جَوَارٍ) تقول: هذا
اسمٌ مَجرور بالباء، وجَرُّه فتحة مُقدَّرة على الياء نيابةً عن
الكسرة، لأنه غير مُنصَرِف، وإنما قُدِّرَت مع خفة الفتحة لأنها نَابت
عن الكسرة، بعضهم رأى: أنه إذا كان الفتحة لا تظهر، لماذا نقول: عِوَض
.. لماذا لا نأتي بالأصل؟ نقول: لا، كونها نائبةً عنها فيه ثِقَل.
وإنما قُدِّرَت مع خفة الفتحة لأنها نابت الكسرة فاستُثقِلَت لنيابتها
عن المُستَثقَل، وقد ظهر أن قول الناظم: (كَسَارٍ) إنما هو في اللفظ
فقط، وليس المراد أنه ممنوع من الصرف، لأن (سَارٍ) هذا اسم فاعل كـ:
(قَاضٍ) فالمراد به أنه مِثلَه في اللفظ، فالتشبيه حينئذٍ يكون تشبيه
لفظٍ بلفظٍ فقط دون التقدير، لأن (سَارٍ) كـ: (قاضٍ) مُنصَرِف فجرُّه
كسرة مُقدَّرة، وتنوينه تنوين التمكِين لا العِوَض لأنه مُنصَرِف.
إذاً فرقٌ بين: (جَوَارٍ) و (سَارٍ)، (جَوارٍ) هذا ممنوعٌ من الصَرف و
(سَارٍ) مصروف، (جَوَارٍ) التنوين فيه عِوَض عن حرف، و (سَارٍ) تنوين
صَرفٍ .. تنوين تَمكِين.
وَذَا اعَتِلاَلٍ مِنْهُ كَالجَوَارِيَ ... رَفْعَاً وَجَرّاً أَجْرِهِ
كَسَارِي
قلنا: سكت عن حالة النصبِ ففُهِم منه أنه على الأصل كالصحيح.
إذاً: قوله: (كالجوَارِي) احتَرَز به مِمَّا إذا قلبت الياء ألفاً كـ:
(العَذَارَى) و (المَدَارَى) هذا يبقى على الأصل.
فإذا كان (مَفَاعِل) منقوصاً فقد تُبدل
كسرته فتحة فتنقلب ياؤه ألفاً، فلا يُنوَّن نحو: (عَذَارَى) و
(مَدَارَى).
وَلِسَرَاوِيلَ بِهَذَا الْجَمْعِ ... شَبَهٌ اقْتَضَى عُمُومَ
الْمَنْعِ
(سَرَاويلَ) هذا خبر .. جار ومجرور مُتعلِّق بمحذوف خبر مُقدَّم، و
(شَبَهٌ) هذا مبتدأ مؤخر، (شَبَهٌ بِهذا الجمع) .. (ولِسرَاوِيل شَبَهٌ
بِهذا الجَمع) أيُّ جمعٍ؟ صيغة منتهى الجموع، اقْتَضَى هذا الشَبَه
(عُمُومَ الْمَنْعِ) يعني: عموم منع الصرف في جميع الاستعمالات، فلا
يُقال: بأنه يُصرَف أو أنه يَحتمل الوجهين كما قاله بعضهم، حينئذٍ
(لِسَرَاوِيلَ بِهَذَا الْجَمْعِ شَبَهٌ) إذاً: لَمَّا أشبَه هذا اللفظ
وهو لفظ (سَرَاوِيلَ) ما كان على وزن (مَفَاعِيل) حينئذٍ اقتضى أن يمنع
من الصرف.
(سَرَاوِيلَ) اسم مُفرد أعجمي، جاء على وزن (مَفَاعِيل) فمُنِع من
الصرف لشبهه بالجمع في الصيغة المعتَبَرة، لِمَا سَبَق: أن (مَفَاعِل)
و (مَفَاعِيل) لا يكونان في لسان العرب إلا لجمعٍ، أو منقولٍ من جَمعٍ،
(مَفَاعِل) أو (مَفَاعِيل) إمَّا أصالةً أو فرعاً، أصالةً: أن يكون
المراد به حقيقة الجمع، أو أن يكون منقولاً عن الجمع فيُسمَّى به،
فَحقُّ ما وازنهما أن يُمنع من الصرف، وإن فُقِدت منه الجمعية إذا
تَمَّ شَبَهه بهما.
حينئذٍ نقول: ما كان على وزن (مَفَاعِل) أو (مَفَاعِيل) مُطلقاً يُمنَع
من الصرف، سواءٌ كان باقياً على الجمعية، ولذلك قيل: (وكُن لِجَمعٍ)
اعتُرِض هنا، لأنه قد لا يكون جمعاً، قد يكون مسمَّاه مُفرَد واحد،
ثُمَّ هذا المفرد قد يكون مسموعاً في استعمال العرب، وهو (سَرَاويلَ)
وليس له ثانٍ، وقد يكون أصله الجمع لَكنَّه نُقِل إلى العَلَمية.
سَمَّيت زيداً واحداً من الناس سَمَّيتَه: مَسَاجِد ومَنَابِر، حينئذٍ
تمنعه من الصرف، مَدلُوله جَمع أو مُفرَد؟ مَدلُوله مُفرد، يُمنَع من
الصرف، لكونه شَابَه (مَفَاعِل) و (مَفَاعِيل) حينئذٍ يُمنَع من
الصَرف.
وإن فُقِدَت منه الجمعية إذا تَمَّ شَبَهه بهما.
إذاً: (وَلِسَرَاوِيلَ بِهَذَا الْجَمْعِ ... شَبَهٌ) لِسَراوِيل
شَبَهٌ لِسَراوِيل بِهذا الجمع، فُهِم منه أنه ليس بِجمع، لأنه قال:
(شَبَهٌ) وشَبَه الشيء غيرُه، دَلَّ على أنه ليس بِجمعٍ، فَدَلَّ على
أن ابن مالك - رحمه الله - يَرَى أنَّ (سَرَاوِيلَ) مُفرَدٌ وليس
بَجمعٍ.
ومن النحاة من يقول -وهو المُبَرِّد-: " إن (سَرَاوِيلَ) جَمعٌ حقيقةً،
ومُفرَدُه: (سِرْوالة) سُمّي به المفرد " يعني: في الأصل هو جمع،
لَكنَّه نُقِل، مثل لو سَمَّيت رجلاً: مَسَاجِد، حينئذٍ صار في الأصل
هو جمع، لَكنَّه أريد به المفرد.
ومُفرَدُه: (سِروالة) ويستدِل على هذا بقول الشاعر:
عَلَيهِ مِنَ اللُّؤْمِ سِرْوَالَةٌ ..
(سِرْوَالَةٌ) قالوا: جمعه على: سَرَاوِيل، ورُدَّ: بأن (سِرْوَالَة)
لم يُسمَع، وهذا البيت؟! قالوا: مَصنُوع لا حُجَّة فيه البَتَّة،
(مَصنوع) يعني: مُوَلَّد، أصحابه ليسوا مِمَّن يُحتَّجُ بقولهم،
فحينئذٍ يُقَال: هذا لا يُحتَّج به، لأنه من المُولَّد.
وذَكَرَ في (شرح الكافية): " أن
(سِرْوَالَة) لغةٌ في: سَرَاوِيل، لأنها بمعناه فليس جمعاً لها " ابن
مالك يرى أنَّ (سِرْوَالَة) ثَابِت لَكنَّه لغة أخرى في (سَرَاوِيلَ)
فكلاهما مُفرَد، فليس جمعاً له، إذاً: مُختلفٌ فيه، لَكِن الأكثر على
أنه مُفرَد.
وَلِسَرَاوِيلَ بِهَذَا الْجَمْعِ ... شَبَهٌ اقْتَضَى عُمُومَ
الْمَنْعِ
إذاً: قوله (شَبَهٌ) فُهِم منه: أنَّه ليس بِجمعٍ، خلافاً لمن قال: إنه
جمع (سِروال) أو (سِروَالَة).
وقوله: (اقتضى عُمُومَ المَنعِ) أي: عموم منع الصرف في جميع الاستعمال،
خلافاً لِمن زَعَمَ غير ذلك من جواز الوجهين: الصرفَ ومنعه.
قال الشَّارح هنا: " يعني: أنَّ (سَرَاوِيل) لَمَّا كانت صيغته كصيغة
منتهى الجموع امتَنَع من الصرف لَشَبَهه به، وزَعَمَ بعضهم: أنه يجوز
فيه الصرف وتَركُه، واختار المُصنِّف: أنه لا يَنصَرِف، وهذا قول أكثر
النحاة، بل حُكِي إجماعٌ عليه ".
وَإِنْ بِهِ سُمِّيَ أَوْ بِمَا لَحِقْ ... بِهِ فَالاِنْصِرَافُ
مَنْعُهُ يَحِقّ
؟؟؟
(مَنْعُهُ) مبتدأ ثاني و (يَحِقّ) خبر الثاني، (مَنْعُهُ يَحِقّ)
الجملة من المبتدأ والخبر في مَحل رفع خبر المبتدأ الأول.
يَرِد إشكال في قوله: (بِهِ) هذا سبق معنا (وَإِنْ بِهِ سُمِّيَ)
سُمِّيَ به، هذا الأصل، و (بِهِ) هذا نائب فاعل، ونائب الفاعل يأخُذ
حكم الفاعل، والفاعل لا يَجوز تقديمه على عامله، هل يَصح أن يُقال:
زيدٌ ضُرِبَ، على أنَّ (زيد) نائب فاعل؟ لا يَصح، قيل: يُتوَسَّع في
الجار والمجرور، حينئذٍ إذا كان نائب الفاعل جارَّاً ومَجروراً صَحَّ
تقديمه.
ويَحتمل أنه محذوف .. على الحذف والإيصال، أصل التركيب: وإن بِهِ
سُمِّي بِهِ، حُذِفَ حرف الجر الباء، ثُمَّ حَصَل إيصَال، يُسمَّى:
الحذف والإيصال، يعني: اتَّصَل الضمير البارز بـ (سُمِّي) فاستَتَر،
حينئذٍ (سُمِّي) فيه ضمير، الذي أصله البارز، وحُذِفَ حرف الجر الباء،
حينئذٍ صَحَّ تقديمه، هنا التقديم ليس لنائب الفاعل، وإن كان
مُتعلِّقاً بـ (سُمِّي).
إذاً: (وَإِنْ بِهِ سُمِّيَ) وإن سُمِّي بِهِ، سُمِّي بماذا؟ بـ:
(مَفَاعِل) و (مَفَاعِيل) حينئذٍ خَرَجَ عن دلالته على الجمعية، هل هذا
الخروج مَنَع صرفه أو لا .. هل يَمنع .. يُؤثِّر في كَونه مَمنوعاً من
الصرف أو لا؟ لا يُؤثِّر،
(وَإِنْ بِهِ سُمِّيَ) إن سُمِّي بِهِ، يعني: بالجمع المتناهي، أو
بصيغة (مَفَاعِل) أو (مَفَاعِيل).
(أَوْ) للتنويع (بِمَا لَحِقْ) (بِمَا) هذا معطوف على (بِهِ) معطوف به،
يعني: جار ومجرور معطوف على جار ومجرور، فلا تَقُل: مُتعلِّق بكذا! و
(مَا) واقعة على مَا لَحِق بـ: (مَفَاعِل) و (مَفَاعِيل) وهو لفظٌ
واحد: (سَرَاوِيلَ)، إذاً قوله: (بِمَا) (مَا) هنا واقعة على لفظ
(سَرَاوِيلَ) المذكور في البيت السابق، لأنه ليس عندنا مُلحَق، أليس
عندنا مُثنَّى حقيقة، والملحق بِمثنَّى .. أليس عندنا جمع، والملحق
بالجمع؟ صيغة منتهى الجموع (مَفَاعِل) و (مَفَاعِيل) الملحق بها لفظٌ
واحد، وهو (سَرَاوِيلَ) فقط.
إذاً: ما ألحق به، يعني: بـ: (مَفَاعِل) و (مَفَاعِيل) وهو لفظ:
(سَرَاويلَ).
حينئذٍ (بِمَا) (مَا) واقعة على
(سَرَاويلَ)، (لَحِق) الضمير عائد على (سَرَاوِيلَ) وهو (مَا) (بِهِ)
يعني: بالجمع، جار ومجرور مُتعلِّق بقوله: (لَحِق) وإن سُمِّي به بـ:
(مَفَاعِل) و (مَفَاعِيل) وهو في الأصل جَمعٌ، أو سُمِّي بِمَا لَحق
بالجمع وهو لفظ: (سَرَاوِيلَ) (فَالاِنْصِرَافُ مَنْعُهُ يَحِقّ) يعني:
فالانصراف مَنعُه على الأصل يَحِق، وهو الحَق، يعني: ثَابتٌ كما هو قبل
النقل.
يعني: أنَّ ما سُمِّي به من مثال (مَفَاعِل) و (مَفَاعِيل) فحقه منع
الصرف، سواءٌ كان منقولاً من جَمعٍ كـ: مَسَاجِد، اسم رجل، سُمِّي رجل
بـ: مَسَاجِد، أو مِمَّا لَحق به من لفظٍ أعجمي مثل: (سَرَاوِيلَ)
سُمِّي: سَرَاويلَ واحد، أو لفظٍ ارتُجِل للعلمية مِثل (هَوَازِن)
إذاً: ابتداءً، سُمِّي: هَوَازِن ابتداءً، لم يُنقَل.
والعِلَّة في منع صرفه: ما فيه من الصيغة مع أصَاَلة الجمعية، يعني:
نظراً إلى أصله قبل النقل، فالجمعية منظورٌ إليها قبل المنع مع كونه
صيغة (مَفَاعِل) و (مَفَاعِيل) إذاً: وجدت العِلَّة فيه.
أو قيام العَلَمية مُقَامَها، فلو طَرَأ تنكِيرُه انصرف على مُقتَضَى
التعليل الأول دون الثاني، ومذهب سيبويه: أنَّه لا يَنصرِف بعد التنكير
لشبهه بأصل، يعني: التعليل الأول أصَّح عند سيبويه، وهو: أنه إنما
مُنِع من الصرف مِمَّا سُمِّي به لِمَا فيه من الصيغة مع أصَاَلة
الجمعية، صيغته على (مَفَاعِل) أو (مَفَاعِيل) وأصَاَلته في الجمعية،
لأنه قلنا: مِمَّا خَرَج عن الآحاد.
حينئذٍ نظراً إلى هذه العِلَّة يبقى على منعه من الصرف.
ولا يَنصرِف بعد التنكير لشَبَهِه بأصله، ومذهب المُبِرِّد: صرفه لذهاب
الجمعية، وعن الأخفَش القولان، والصحيح قول سيبويه: أنه لو نُكِّرَ
يبقى على منعه من الصرف، لأنهم منعوا (سَرَاوِيلَ) من الصرف وهو
نَكِرة، ليس جمعاً على الصحيح.
إذاً القاعدة العامَّة: أنًّ ما سُمِّي به من هذا الجمع، ومِمَّا ألحق
به، فهو مَمنوعٌ من الصرف مُطلقاً، ولو نُكِّرَ بعد العَلَمية، يعني:
لو سَمَّيت رجل: مَسَاجِد، اجتمع فيه عِلَّتان:
إمَّا أن يُقال -وهو مذهب سيبويه- نظراً إلى الجمعية .. الصيغة ..
الأصل، والنظر إلى الصيغة (مَفَاعِل) و (مَفَاعِيل)، إذاً: لو نُكِّرَ
حينئذٍ هل العلمية مَأخُوذة في عِلَّة المنع هنا؟ إذا قيل: بأن التعليل
مُنِع من الصرف بعد النقل .. بعد كونه جمعاً، سَمَّيت رجلاً: مَسَاجِد،
صار ماذا .. ما العِلَّة فيه .. هل العَلَمية وكونه صيغة منتهى الجموع،
هذا قول آخر، أو ملاحظةً لأصله وهو الجمعية مع الصيغة؟
هذا قول سيبويه، على قول سيبويه لو نُكِّرَ، قيل: مررت بِمسَاجِد، ولم
تَعنِ به رجل، مَسَاجِد مَسَاجِد مَسَاجِد، قلت: مررت بمساجدٍ ولم
تَعنِ به شخصاً مُعيَّناً، حينئذٍ نقول: هنا يُمنع من الصرف، لماذا؟
لأن الأصل أنه جَمعٌ باعتبار الأصل، وكونه على وزن (مَفَاعِل) وهذه
العِلَّة باقية قبل التنكير وبعد التنكير.
وأمَّا على القول الثاني .. التعليل الآخر: بأنه أُقِيم العلمية مُقَام
الجمعية، حينئذٍ لو نُكِّرَ لانصرف .. رجع إلى الأصل.
وَإِنْ بِهِ سُمِّيَ أَوْ بِمَا لَحِقْ ... بِهِ فَالاِنْصِرَافُ
مَنْعُهُ يَحِقّ
قال الشَّارح هنا: " إذا سُمِّي بالجمع
المتناهي أو بما ألحق به لكونه على زِنَتِه، كـ: (شَرَاحِيل) فإنه
يُمنع من الصرف للعلمية، وشبه العُجمَة - وهذا فيه نظر – لأن هذا ليس
من الآحاد العربية ما هو على زِنَتِه، فتقول فيمن اسمه: مَسَاجِد، أو
مَصَابِيح، أو سَرَاوِيل: هذا مَسَاجِدُ، ورأيت مَسَاجِدَ، ومررت
بِمسَاجدَ، وكذا البواقي".
ونقف على هذا، والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله
وصحبه أجمعين ... !!!
|