شرح ألفية ابن مالك للحازمي

عناصر الدرس
* تعريف العلمية ووجة تخصيصه من بين سائر المعارف
* العلمية والتركيب
* العلمية والتأنيث , العمية والعجمية
* العلمية والوزن , العلمية وألف الإلحاق.

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله رب العالمين، والصَّلاة والسَّلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أمَّا بعد:
وقفنا عند قول الناظم - رحمه الله تعالى -:
وَالْعَلَمَ امْنَعْ صَرْفَهُ مُرَكَّبَا ... تَرْكِيبَ مَزْجٍ نَحْوُ "مَعْدِْيكَرِبَا"

هذا شروعٌ منه فيما يكون ممنوعاً من الصَّرْف مع العَلميَّة، وسبق أنَّ العَلميَّة والوَصْفيَّة عِلَّتَان معنويتان، والنحاة هنا في هذا الباب يُطلقون التَّعريف، ويريدون به العَلميَّة، لأن المعارف أعم من العَلميَّة، إذ العَلميَّة والعلم واحدٌ من المعارف، المعارف ستة، حِينئذٍ نقول: المضمرات وأسماء الإشارات والموصولات لا حظ لها في هذا الباب، لماذا؟ لأن بحث الصَّرف وعدم الصَّرْف إنما يكون في المعربات، والمبني لا حظ له.
حِينئذٍ نقول: خرجت ثلاثة أبواب، بقي المحلى بـ: (أل) ذو الأداة، والمضاف إلى واحدٍ من هذه المذكورات، نقول: الممنوع من الصَّرف إذا دخلت عليه (أل) جُرَّ بالكسرة، والمضاف إذا أضيف، الممنوع من الصَّرف جُرَّ بالكسرة، حِينئذٍ يستحيل أن يقتضي الجَرَّ بالفتحة.
إذا كان الممنوع من الصَّرف إذا دخلت عليه (أل) رجع إلى الأصل، حِينئذٍ كيف يكون ممنوعاً من الصَّرف؟ هذا مستحيل، ومثله المضاف، فلم يبق عندنا إلا العَلميَّة فقط .. العلم، وأمَّا البقية فيَتعذَّر، المبني لكون الممنوع من الصَّرف بَحثٌ في باب المعربات، والمبني لا حظ له في الإعراب.
إذاً: خرجت المضمرات .. الضمائر كلها، وأسماء الإشارة، والموصولات، إذ لا حظ لها في الإعراب، كيف توصف بكونها سُلِبَت التنوين، وسلبت الخفض؟ هذا مُمتنع، ذو الأداة والمضاف هذا يقتضي عَودَ الممنوع من الصَّرْف إلى أصله وهو الجر بالكسرة، فيستحيل حِينئذٍ أن يقتضي الجَرَّ بالفتحة، هكذا عَللَّه ابن هشام في (شرح القَطْر) ولم يبق معنا إلا العَلميَّة، ولذلك إذا أطلق التَّعريف هنا في هذا المقام .. في هذا الباب الممنوع من الصَّرْف فيعنون به العلم فحسب .. العَلميَّة، وإن كان لفظ التَّعريف أعم، لأنه يصدق على المضمر ويصدق على اسم الإشارة والموصول ونحو ذلك، ولكن هذا في هذا المقام لا.
(وَالْعَلَمَ امْنَعْ صَرْفَهُ) قلنا: هذا شروعٌ منه فيما يُمنَع من الصَّرف لوجود علةٍ مع العَلميَّة، حِينئذٍ يشترط فيه مع كونه ممنوعاً من الصَّرف أن يكون عَلماً، فإذا نُكِّرَ حِينئذٍ رجع إلى الأصل وهو الجَرُّ بالكسرة.
وما سبق أنواعٌ خَمسة من أول الباب إلى هذا المقام، أنواعٌ خمسة هذه تكون ممنوعةً من الصَّرف، سواء كانت منكَّرة أو مُعرَّفة، يعني: فَأَلِفُ التَّأْنِيْثِ وما ذَكَر بعده من زَائِدَا فَعْلاَنَ وكذلك وَوَصْفٌ اصْلِيٌ وَوَزْنُ أَفْعَلاَ والعدل في أسماء العدد، والجمع المتناهي، هذه خمسة أنواع، هذه تكون ممنوعةً من الصَّرْف مُطلقاً سواءٌ نُكِّرَت أو لا، لأنها إذا نُكِّرَت حِينئذٍ وجِدَ مع العِلَّة المذكورة إمَّا وزن (أفعل) أو صيغة متناهى الجموع، أو ألف التأنيث، أو ما كان على وزن (مثنى وثنا) وجدت الوَصْفيَّة.


ما كان يقوم مقام علتين لا إشكال فيه، وأمَّا ما يقوم .. ما لا بُدَّ فيه من عِلَّتين الوَصْفيَّة وغيرها حِينئذٍ إذا ذهبت الوَصْفيَّة حَلَّت العَلميَّة، إذاً: ممنوعٌ من الصَّرف مطلقاً سواءٌ كان مُنكَّراً أو مُعرَّفاً، وأمَّا ما يأتي معنا فهنا يشترط فيه التعريف فحسب: (وَالْعَلَمَ امْنَعْ صَرْفَهُ مُرَكَّبَا) إذاً: هذا شروعٌ منه فيما يُمنع من الصَّرْف للعَلميَّة وعلة أخرى، وهو سبعة أنواع.
ولذلك مجموع الممنوع من الصَّرف يكون اثني عشرة نوعاً، خمسة تُمنع من الصَّرف مُطلقاً معرفةً ونكرة، وسبعة تُمنع من الصَّرف معرفةً لا نكرة، وهو ابتداءً من التركيب المَزْجي مع العَلميَّة.
وَالْعَلَمَ امْنَعْ صَرْفَهُ مُرَكَّبَا ... تَرْكِيبَ مَزْجٍ نَحْوُ "مَعْدِْيكَرِبَا"

(والعَلَمَ) بالنَّصْب مَنصوبٌ على الاشتغال (امْنَعْ صَرْفَهُ) ضَرَبتُ زيداً .. ضربت غُلامه مثله، اشتغل باسمٍ مضافٍ إلى ضميرٍ يعود على الاسم المتَقدَّم (صَرْفَهُ) الضمير هنا يعود على العَلَم و (امْنَعْ) تَسلَّط على (صَرْفَ) (صَرْفَ) مضاف إلى الضمير، وهو عائدٌ على الاسم السَّابق، إذاً: يكون من باب الاشتغال فـ: (العَلَمَ) هذا مفعولٌ به لفعلٍ محذوفٍ وجوباً، يُفسِّره ما بعده.
(وَالعَلَمَ امْنَعْ صَرْفَهُ) يعني: امنع صرف العَلَمِ، حذف (صرف) وأقيم العلم مُقامه، (وَالْعَلَمَ امْنَعْ صَرْفَهُ مُرَكَّبَا) (مُرَكَّبَا) هذا حالٌ من (الْعَلَمَ) و (امْنَعْ) هذا فعل أمر، والفاعل ضمير مستتر وجوباً تقديره أنت، و (صَرْفَهُ) هذا مفعولٌ به، وهو مضاف ومضاف إليه و (مُرَكَّبَاً) حالٌ من العَلَم.
وجملة (امْنَعْ صَرْفَهُ) لا مَحل لها من الإعراب مُفسِّرة، لأن التقدير: امنَع صرف العَلَم مُركَّباً، (تَرْكِيْبَ مَزْجٍ) (مُرَكَّبَاً) هذا عام أطلَقَه النَّاظِم، فدخل فيه المُركَّب الإضافي، والمُركَّب الإسنادي، والمُركَّب العددي، والمُركَّب المَزجي بنوعيه: المختوم بـ: (ويه) وما عداه، لقوله: (مُرَكَّبَاً) لكن خَصَّه بماذا؟ (تَرْكِيْبَ مَزْجٍ) إعرَاب تركيب بالنَّصب على أنَّه مفعولٌ مُطلق، (مُرَكَّبَا تَرْكِيْبَ مَزْجٍ) فهو مفعول مطلق.
حِينئذٍ قوله: (مُرَكَّبَاً) ليس المراد به المُركَّب الإضافي كـ: امرئ القيس، لماذا؟ كما سبق: الإضافة تقتضي الانجرار بالكسرة، لو كان ممنوعاً من الصَّرْف لو أضيف جُرَّ بالكسر، فكيف حِينئذٍ يكون ممنوعاً من الصَّرْف للتَّركيب الإضافي؟! هذا مُحال، يستحيل أن يكون المُركَّب تركيباً إضافياً ممنوعاً من الصَّرْف، كـ: امرئ القيس، وعبد الله ونحو ذلك، لأن الإضافة تقتضي أن يكون مُنجَراً بالكسرة .. لا بُدَّ من أن يكون انجراره بالكسرة، حِينئذٍ يستحيل أن تكون الإضافة مقتضية الانجرار بالفتحة، لأنه لو كان ممنوعاً من الصَّرْف لو أضيف رجع إلى أصله: ((فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ)) [التين:4]:
مَا لَمْ يُضَفْ أَوْ يَكُ بَعْدَ أَلْ رَدِفْ ..
إذاً: إذا أضيف رَجَع إلى أصله، فيستحيل أن يكون مقتضٍ للانجرار بالفتحة.


ولا تركيب إسناد، لأن المُركَّب الإسناد من قسم المَحْكِي .. يحكى كما هو: شَابَ قَرنَاها .. تَأبَّط شراً، حِينئذٍ لا تظهر عليه حركات، ولا دخل للعوامل من حيث التأثير في اللفظ، لا تأثير للعوامل في لفظ المُركَّب الإسنادي، إذاً: هو من قبيل المَحْكِيَات.
ولا التركيب المَزْجي المختوم بـ: (ويه) كما سبق، وسبق أنَّ الرَّاجح أنَّ المختوم بـ: (ويه) يُعتبَر مَبنياً (ويه) اسم صوت، حِينئذٍ مُركَّب، فالتركيب المَزْجي المختوم بـ: (ويه) مبني، وسبق أنَّ المبنيات لا حظ لها في هذا الباب، لأن البحث في الصَّرْف وعدمه إنما هو في المعربات، إذاً: المبني خرج.
إذاً: (تَرْكِيبَ مَزْجٍ) النَّاظم أطلق هنا، لكن يَحتمل أنه أخْرَج المختوم بـ (ويه) بقوله: (نَحْوُ مَعْدِيكَرِبَا) مَثَّل بمُركَّب مَزْجي لم يُختَم بـ: (ويه) فدلَّ على أنَّ مراده هنا نوعٌ واحدٌ من المُركَّب المَزْجي، إذ هو نوعان: مُركَّب مَزْجي مختوم بـ: (ويه) وهذا مبني، ومُركَّب مَزْجي غير مختوم بـ: (ويه).
إذاً: ولا التركيب المَزْجي المختوم بـ: (ويه) لأنه من باب المبني، والصَّرْف وعدمه إنما يقالان في المعرب، وإنما المراد المُركَّب تركيباً مَزْجياً الذي لم يُختم بـ: (ويه).
وَالْعَلَمَ امْنَعْ صَرْفَهُ مُرَكَّبَا ... تَرْكِيْبَ مَزْجٍ نَحْوُ "مَعْدِيكَرِبَا"

المَزْجُ في اللغة: الخَلْط، فيختلط حِينئذٍ الاسم مع الاسم، لا يكون امتزاج بِمعنى كلمة امتزاج، وإنَّمَا يُراد به: أنَّ الأصل في اللفظ أن يكون مُنفَكاً عن غيره هذا الأصل، يُستعمل مفرداً ويُستعمل غير مفرد، وهنا رُكِّبَت الكلمة مع الكلمة، اسمان نُزِّلا مُنَزَّلة الاسم الواحد، حِينئذٍ نقول: كأنهما جُعلا اسمين .. خُلِط بينهما.
إذاً: المَزْج في اللغة: الخَلْط، فيختلط الاسم مع الاسم ويُجعل الإعراب في آخر الثاني.
المُركَّب تركيب مَزْجي نحو: بَعلَبكَّ، وحضرموت، ومَعْديكَرِب، حِينئذٍ يُمنع من الصَّرْف لاجتماع فرعيَّة المعنى بالعَلميَّة، وهي التي عناها الناظم بقوله: (وَالْعَلَمَ امْنَعْ صَرْفَهُ) وفرعيَّة اللفظ بالتركيب، إذاً: اجتمع فيه عِلَّتان فرعيتان، ما هُمَا هاتان العِلَّتان الفرعيتان في: معديكرب .. في: حضرموت؟ نقول: إحداهما ترجع إلى اللفظ وهو التركيب، لأن التركيب هذا فرعٌ عن غير المُركَّب، الأصل ألا يكون مُركَّب، زيد مثلاً، وخمسة وعشر، الأصل أنها لا تكون مُركَّبة.
إذاً: هذا هو الأصل، فإذا رُكِّبَت بأي نوعٌ من أنواع التَّركيب، حِينئذٍ نقول: التركيب فرعٌ لفظي، ومن جهة كونه عَلَماً فهو عِلَّةٌ فرعيَّة، لماذا .. ما وجه كونه عَلماً عِلَّة فرعيَّة؟ لأن الأصل التنكير، والعَلَم الذي هو التَّعريف هذا فرعٌ عن التنكير، إذاً: اجتمع في: معديكرب، وهو عَلَم ومُركَّب تركيباً مَزْجياً عِلَّتان اقتضيتا منعه من الصَّرْف، إحدى العِلَّتين وهي العَلميَّة ترجع إلى المعنى، لأنها فرعٌ عن التنكير، والعلة الأخرى وهي التركيب تركيب مَزْجي هذه علة لفظية ترجع إلى اللفظ، لأنها فرعٌ عمَّا لا تركيب فيه، لاجتماع فرعيَّة المعنى بالعَلميَّة، وفرعيَّة اللفظ بالتركيب.


والمراد بتركيب المَزْج: أن يُجعل الاسمان اسماً واحداً لا بإضافة ٍولا بإسنادٍ، بل يُنَزَّل عَجُزه من صدره مُنَزَّلة تاء التأنيث منه، يعني: من غيره، ولذلك التزم فيه فتح آخر الصدر إلا إذا كان معتلاً فإنه يُسكَّن نَحو: معديكرب، نقول: حَضْرَ .. حَضْرَموت، أين يُجعل الإعراب؟ هذان جزءان: الأول صدر، والثاني: عجز، حِينئذٍ نقول: حَضْرَ، الأول يلتزم فيه الفتح .. يكون مفتوحاً، لأنه مثل: خمسة عشر، والثاني يكون مَحلاً للإعراب، إلا إذا كان الأول ساكن: مَعْديْكرب، لا تقل: مَعْديَكرب، مثل: حَضْرَمَوت، وبَعْلَبَكَّ .. بَعْلَ .. بَكَّ، هذان جزءان، فالأول يفتح ما لم يكن مُعْتلاً، فإن كان معتلاً حِينئذٍ سُكِّنَ.
فتقول: مَعْديْكرب، ولا تقل: مَعْديَكرب، فإنه يُسَكَّن نحو: مَعْديْكرب.
وَالْعَلَمَ امْنَعْ صَرْفَهُ مُرَكَّبَا ... تَرْكِيبَ مَزْجٍ نَحْوُ "مَعْدِْيكَرِبَا"

أخْرَج به ما خُتِم بـ: (ويه) لأنه مبنيٌ على الأشهر، لأنه داخلٌ في قوله: (تَرْكِيبَ مَزْجٍ) إذاً هو نوعان: مَختومٌ بـ: (ويه) وليس مَختوماً بـ: (ويه) عمرويه، وخالويه، ونفطويه، وسيبويه، كل هذه تركيب مَزْجي لكنها مَختومةٌ بـ: (ويه) وهي مَبنيَّة، وإذا كان كذلك حِينئذٍ لا نقول: مَمنوعة من الصَّرْف للعَلميَّة والتركيب المَزْجي، لأن البناء لا دخل له في هذا الباب، حِينئذٍ نقول: يَختص بالنَّوع الثاني: وهو ما كان مثل: حَضْرَمَوت وبَعْلَبَكَّ.
إذاً: (مَعْدِيكَرِبَا) الألف هذه للإطلاق، ففي المثال أخرج به ما ختم بـ: (ويه) لأنَّه مبنيٌ على الأشهر، ويجوز أن يكون لِمجَرَّد التَّمثيل والكلام على عمومه، ليدخل على لغة من يُعْربه، لأن سيبويه هذا فيه خلاف ليس مبنياً، وإنَّما نحن مضينا على ما هو أرجح، لكن الأولى أيضاً نجعله كالأول من حيث هو نعم يَحتمل.
(تَرْكِيبَ مَزْجٍ نَحوُ مَعْدِيكَرِبَا) هذا مثال، لا يلزم أن يُمثَّل للنَّوعين، بل ذكر أحد النَّوعين، ويَحتمل أنَّه على عمومه، لكن نقول: لا، ابن مالك رحمه الله يرى في باب العَلَم: أنَّ المختوم بـ: (ويه) مبني لا حظ له في الإعراب.
إذاً: قَصَد بهذا المثال إخراج ما كان مَختوماً بـ: (ويه)، من حيث هو يَحتمل نعم كما قال الأشْمُوني وغيره، حِينئذٍ (مَعدِيْكرِبَا) هل هو مُجرَّد مِثَال، أو مثالٌ وقيد؟ هذا مُحتَمِل .. من حيث هو مُحتَمِل، فيحتمل أنَّه أدخل النوع الثاني، وهو ما كان مَختوماً بـ: (ويه) على رأي من يُعْرِبه، وإعرابه قد يكون متضايفين أو ممنوع من الصَّرْف.
لكن نقول: الثَّاني هو الأولى بِحمل كلام النَّاظم عليه، وهو أن قوله: (مَعْدِيكَرِبَا) أراد به المثال والقيد، فاحترز من عموم قوله: (تَرْكِيبَ مَزْجٍ) احترز بهذا المثال عَمَّا كان مَختوماً بـ: (ويه) لأنه كما سبق في باب العَلَم: أنَّه يرى أنه مبني وليس بِمُعرَب.
ويجوز أن يكون لِمجرَّد التمثيل، وكلامه على عمومه يدخل على لغة من يُعرِبه، ولا يرد على لغة من بناه، لأن باب الصَّرْف إنما وضع للمعربات.
إذاً:
وَالْعَلَمَ امْنَعْ صَرْفَهُ مُرَكَّبَا ... تَرْكِيبَ مَزْجٍ نَحْوُ "مَعْدِيكَرِبَا"


قلنا: (تَرْكِيبَ مَزْجٍ) احترز به عن تركيبي الإضافة والإسناد كما سبق.
وأمَّا تركيب العدد نحو: خمسة عشر، فمُتَحتِّم البناء عند البصريين كما سيأتي في باب العدد "خمسة عشر"، بل جُعِل أصلاً في كثير من الأبواب في كونه مَبنياً لتركُّبه تركيب خمسة عشر، جعلوها أصلاً: خمسة عشر (خَمسةٌ) و (عَشَر) كما سيأتي في باب العدد.
إذاً: هو مُتَحتِّم البناء عند البصريين (خمسة عشر) وإذا كان كذلك حِينئذٍ لا حظ له في الإعراب، وإذا كان كذلك لا يدخل معنا من بابٍ أولى، لأن الصَّرْف الذي هو التنوين وعدمه إنما يلحق المعرب، وأمَّا المبني فلا حظ له، وأجاز فيه الكوفيون إضافة صدره إلى عجزه: خَمسةُ عَشرِه، رأيت خَمسةَ عَشَرِه، كما سيأتي في باب العدد.
فإن سُمِّي به ففيه ثلاثة أوجه:
الأول: أن يُقَرَّ على حاله.
الثاني: أن يُعرَب إعراب ما لا ينصرف.
الثالث: أن يُضاف صدره إلى عجزه، وهذا يأتي مبحثه معنا إن شاء الله تعالى.
وَالْعَلَمَ امْنَعْ صَرْفَهُ مُرَكَّبَا ... تَرْكِيبَ مَزْجٍ نَحْوُ "مَعْدِيكَرِبَا"

إذاً: ما اجتمع فيه العَلميَّة والتركيب المَزْجي غير المختوم بـ: (ويه) يكون مَمنوعاً من الصَّرْف لِمَا ذكرناه.
فإن نُكِّرَ حِينئذٍ صُرِفَ، لماذا؟ لانتفاء أحد السببين، لأننا منعناه باجتماع سببين لا بُدَّ من اجتماعهما، فإذا نُكِّرَ المُركَّب المَزْجي العلم حِينئذٍ نقول: رجع إلى أصله وهو الصَّرْف.
مِمَّا يَمنع صرف الاسم العَلميَّة والتركيب، نحو: مَعْديْكرب، وبَعْلَبَّك، فتقول: هذا مَعْديْكرِبُ، ورأيت مَعْديْكرِبَ، ومررت بِمَعْديْكرِبَ، إذاً: ممنوعٌ من الصَّرْف، في الأول لم يُنوَّن: هذا مَعْديْكرِبُ على أنَّه خَبَر، وسُلِب منه التنوين لكونه ممنوعاً من الصَّرْف للعَلميَّة والمُركَّب المَزْجي، رأيت مَعْديْكرِبَ، دون تنوين للعِلَّة السابقة، مررت بِمَعْديْكرِبَ (مَعْديْكرِبَ) هذا مَجرورٌ بالباء، وجَرُّه فتحة نيابةً عن الكسرة لأنه ممنوعٌ من الصَّرْف.
فتجعل إعرابه على الجزء الثاني وتمنعه من الصَّرْف للعَلميَّة والتركيب، وقد سبق الكلام عن الأعلام المُركَّبة في باب العَلَم.
كَذَاكَ حَاوِيْ زَائِدَيْ فَعْلاَنَا ... كَغَطَفَانَ وَكَإِصْبَهَانَا

(كَذَاكَ حَاوِي) حاوي كَذَاكَ (حَاوِي زَائِدَي فَعْلاَنَا) كَذَاكَ (كَذَاكَ) أي: مثل ذاك في كونه مَمنوعاً من الصَّرْف للعَلميَّة حَاوِي زائِدَي فَعْلاَنَا، وإن شئت جعلت (حَاوِي) صفة لموصوفٍ مَحذوف (علمٌ) كذاك علمٌ (حَاوِي زَائِدَي فَعْلاَنَا) ما هما زائدا فعلانا؟ الألف والنون، إذاً: ذو الزيادتين الألف والنون، كما سبق أنَّ ذا الزيادتين يكون مانعاً للفظ من الصَّرْف إذا كان وصفاً، مثل: سكران وعطشان، كذلك يكون مانعاً إذا اجتمع مع العَلميَّة دون الوَصْفيَّة.


(كَذَاكَ) أي: مثل ذَا (ذَا) اسم إشارة يرجع إلى المُركَّب المَزْجي الممنوع للعَلميَّة، يُمنع حَاوِي، يعني: ما حوى وجمع زائدي فعلانا، الألف للإطلاق و (زَائِدَا فَعْلاَنَا) المراد بهما الألف والنون، إذاً: العَلَم المختوم بألفٍ ونونٍ زائدتين ممنوعٌ من الصَّرْف، لعِلَّتين: إحداهما لفظيَّة ترجع إلى اللفظ وهي الزيادة، ألف ونون يُنطَق بها، والثانية: العَلميَّة، وهي راجعة إلى المعنى، فحِينئذٍ ما وجد فيه هاتان العِلَّتان نقول: يُمنع من الصَّرْف.
يعني: أنَّ (زائِدَي فَعْلاَنَا) يمنعان مع العَلميَّة في وزن (فعلانا) وفي غيره فعلانا، هناك قال: (زائِدَا فَعْلاَنَ) قلنا: قصد اللفظ .. الوزن دون غيره، فلو كان في باب الصفة فِعْلَان أو فُعْلَان، لا يَمتنع من الصَّرْف، بل يصرف، لأن ثَمَّ قيدين:
أولاً: أن يكون على وزن (فَعْلان) بِفتحٍ فسكون مع الزيادة، حِينئذٍ الوزن مخصوص، فلو كان في باب الصفة هناك: فِعْلان أو فُعْلان انصرفا، وهل هنا (فَعْلاَنَا) أراد به ما أراد في السَّابق؟ الجواب: لا، وإن كان لفظه (كَذَاكَ حاوِي زائِدَي فَعْلاَنَا) نقول: هنا قد يوهم أنَّه كسابقه، لأنه في الوَصْفيَّة يشترط أن يكون على وزن (فَعْلان) .. سَكْران .. عطشان، وأمَّا هنا فلا يشترط، بل لو كان (فَعْلان) مثل سَلْمان، و (فُعْلان) مثل عُثْمان، و (فِعْلان) مثل عِمْران، نقول: الكل مَمنوعٌ من الصَّرْف.
طيب! لماذا خَصَّ هنا (فَعْلاَنَا)؟ نقول: هو ما أراد الوزن، وإنما أراد الزيادة بدليل المثالين، لأنه قال: (كَغَطَفَانَ) (غَطَفَانَ) على وزن (فَعَلان) ليس (فَعْلان) بإسكان العين وإنما (فَعَلان) و (أَصْبَهَانَ) (أفْعلان) وليست (فَعْلانا).
إذاً: بالمثال علمنا العموم، وأن الوَهْم الذي يمكن أن يَرِد من قوله: (فَعْلاَنَا) مصروفٌ بالمثال، إذاً:
كَذَاكَ حَاوِيْ زَائِدَيْ فَعْلاَنَا ... كَغَطَفَانَ وَكَإِصْبَهَانَا

لَمَّا كان قوله: (فَعْلاَنَا) يُوهم إرادة هذا الوزن كما تَقدَّم في الوَصْف أزاله بالمثال، فقال: (كَغَطَفَانَ) على وزن (فَعَلان) اسم قبيلة، إذاً: (غَطَفَانَ) نقول: مَمنوعٌ من الصَّرْف، للعَلميَّة وزيادة الألف والنون، لا تقل: على وزن (فَعْلان) هناك تقول على وزن (فَعْلان) في باب الوَصْفيَّة، وأمَّا هنا لا، تقول: للعَلميَّة وزيادة الألف والنون.
كذلك: (وَكَإِصْبَهَانَا) كَرَّر الكاف للوزن، وهو على وزن (أفْعَلان) حِينئذٍ مَمنوعٌ من الصَّرْف للعَلميَّة وزيادة الألف والنون، ولا تقل: لكونه على وزن (فَعْلان) لأنه ليس على وزن (فَعْلان) وإنما هو على وزن (أفْعَلان) و (أَصْبَهَانَ) اسم مدينةٍ بفارس يقال: إصبهان وأصبهان، بِكسرٍ وفتحٍ عند أهل المغرب، وبالفاء عند أهل المشرق (أصْفَهَان) ولذلك أحياناً ينسب يُقال: أصبهاني أصفهاني، هما واحد قد يؤتى بالباء، وقد يؤتى بالفاء.
يعني: أنَّ (زَائِدَي فَعْلاَنَا) يَمنعان مع العَلميَّة في وزن (فَعْلان) وفي غيره، نحو: حمدان، وعثمان، وغطفان، وأصبهان، وقد نَبَّه على التعميم بالتَّمثِيل، فالوزن حِينئذٍ (فعلان) الذي ذكره النَّاظم هنا غير مُختص بـ: (فَعْلان) نحو: سَلْمان، وعِمْران، وعثمان.


قال الشَّارِح: " كذلك يُمنع الاسم من الصَّرْف إذا كان عَلماً، وفيه ألفٌ ونون زائدتان (كَغَطَفَانَ وَكَإِصْبَهَانَا) فتقول: هذا غَطَفانٌ، ورأيت غَطَفَانَ، ومررت بِغَطَفانَ، فتمنعه من الصَّرْف للعَلميَّة، وزيادة الألف والنون ".
إذاً: نَحكم عليه بكونه ممنوعاً من الصَّرْف لزيادة الألف والنون، وكونه عَلَماً، وعلامة زيادة الألف والنون .. متى نحكم على أنَّ الألف والنون زائدتان؟ هذا مبحثه في فَنِّ الصَّرْف، لكن قاعدة مهمة نذكرها فحسب، والإحالة على (الشَّافيَّة) إن شاء الله. علامة زيادة الألف والنون سقوطهما في بعض التَّصاريف، كسقوطهما في رَدِّ: نِسيَان وكُفرَان (نِسْيَان) الألف والنون زائدة، لأنك تقول: نسي زيدٌ، أين الألف والنون؟ سقطت، وهذا من علامة الزائد .. علامة الزائد أنه يسقط في بعض التَّصاريف، ولا ينوى مُقدراً.
و (كُفْرَان) نقول: الألف والنون زائدتان، لماذا؟ لأنك تقول: كَفَر، والكُفْر، إذاً: ليس فيه ألف ونون، إذاً: نحكم على كون الألف والنون زائدتين بسقوطهما في بعض التَّصاريف، لا يلزم أن تسقط في كل التَّصاريف لا، لأن الحرف الأصلي لا يُمكن أن يسقط أبداً في جميع تصاريفه، جئت به ماضياً .. مضارعاً .. أمراً .. اسم فاعل .. اسم مفعول .. مصدر، لا يُمكن أن يسقط منه حرف البَتَّة إلا إذا نُوِيَ مُقدَّراً لِعِلَّة ونحو ذلك، وما عداه فيبقى.
فإن كان فيما لا يَتصرَّف، قد يكون جامداً لا يَتصرَّف، فعلامة الزيادة أن يكون قبلهما أكثر من حرفين أصولاً، قبل الألف تنظر .. قبلهما .. قبل الألف والنون، هل قبلهما ثلاثة أحرف أصول أم لا؟ إن كان قبلهما ثلاثة أحرف أصول حَكَمْت عليهما بأنهما زائدتان، فإن كان فيما لا يَتصرَّف فعلامة الزيادة أن يكون قبلهما أكثر من حرفين أصولاً، يعني: لا حرف واحد ولا حرفين، وإنما يكون أكثر من حرفين: سَلْمَان، نقول: هذا لا يَتصرَّف في الأصل لأنه جامد، حِينئذٍ نقول: قبل الألف والنون ثلاثة أحرف، وكلها أصول.
فإن كان قبلهما حرفان ثانيهما مُضعَّف، مثل: حَسَّان، حِينئذٍ نقول: حَسَّان السين والسين حرفان، وهذا مُضعَّف، يعني: مُدْغَم الأوَّل في الثَّاني، هذا مِمَّا اختُلِف فيه .. فيه قولان، فلك اعتباران: إن قَدَّرْت أصالة التَّضْعِيف فالألف والنون زائدتان، إمَّا أن تقول: التضعيف أصْلي أو زائد (حَسَّان) ما كان قبل الألف مُضعَّف فإمَّا أن تُقدِّر أن التضعيف زائد أو أصلي، إن قَدَّرته أصْلياً حِينئذٍ الألف والنون زائدتان، والعكس بالعكس: إن قَدَّرت التضعيف زائداً فالنون أصلية، لأنه يكون من الحُسْن، وإذا قَدَّرته أصلياً فالألف والنون زائدتان.
إذاً: فلك اعتباران: إن قَدَّرْت أصالة التضعيف، أنَّه أصلي وليس بزائد، فالألف والنون زائدتان، وإن قَدَّرت زيادة التضعيف فالنون أصليَّة، الألف لا تكون هنا إلا زائدة، حِينئذٍ يكون في الأول مأخوذاً من الحِس والألف والنون زائدتان، والثاني يكون مأخوذاً من الحسن، فالنون حِينئذٍ تكون أصْليَّة، مثل: شَاطَ وشَطَن.


وإن قَدَّرت زيادة التضعيف فالنون أصليَّة، مثاله: حَسَّان، إن جُعِلَ من الحِس فوزنه: (فَعْلاَن) وحكمه أنَّه لا يَنْصرِف، وهو الأكثر فيه، لذلك ورَدَ هو في قوله (حَسَّان) أنه منعه من الصَّرْف، وإن جُعِل من الحُسْن فوزنه (فَعَّال) وحكمه أنَّه مصروف، لماذا؟ لأن النون هنا أصليَّة وليست بزائدة، وشرط المنع أن تكون الألف والنون زائدتين.
و (شَيْطَان) مثله إن جُعِل من: شاط يشيط إذا احترق امتنع صرفه، شاط يشيط (شَيْطَان) صار الألف والنون زائدتين امتنع ن الصرف، وأن جُعِل من: شَطَنَ، النون صارت أصليَّة، إذاً: ما كان مُضعَّفاً قبل الألف فهذا يَحتمل، يَحتمل المنع ويَحتمل الصَّرْف، على حسب النِّيَة وكثرة الاستعمال في لسان العرب، ولذلك ورد في (حَسَّان) أنَّه مصروف، وورد في الأكثر أنَّه غير مصروف، فنحمله إذا امتنع من الصَّرْف على أنَّ التَّضعِيف أصلي (حَسَّ) فحِينئذٍ مأخوذٌ من الحِسِّ، والألف والنون زائدتان، وما ورد أنَّه مصروف، حِينئذٍ نَجعل النون أصليَّة، فيكون مأخوذاً من الحسن، فالوزنان يَختلفان: (كَذَاكَ حَاوِي زَائِدَي فَعْلاَنَا).
(حَاوِي) هذا مضاف، قلنا: مبتدأ، و (كَذَاكَ) هذا خبرٌ مُقدَّم و (حَاوِي) مضاف و (زَائِدَي) مضافٌ إليه، والنون هنا حذفت للإضافة، و (فَعْلاَنَا) الألف هذه للإطلاق (زَائِدَي) مضاف و (فَعْلاَنَا) مضافٌ إليه (كَغَطَفَانَ) خبر مبتدأ محذوف، أي: وذلك كغطفان (وَكَإِصْبَهَانَا) معطوفٌ على ما سبق.
كَذَا مُؤَنَّثٌ بِهَاءٍ مُطْلَقَاً ... وَشَرْطُ مَنْعِ العَارِ كَوْنُهُ ارْتَقَى
فَوْقَ الثَّلاَثِ أَوْ كَجُؤْرَ أَوْ سَقَرْ ... أَوْ زَيْدٍ ?سْمَ امْرَأَةٍ لاَ اسْمَ ذَكَرْ
وَجْهَانِ فِي الْعَادِمِ تَذْكِيراً سَبَقْ ... وَعُجْمَةً كَهِنْدَ وَالمَنْعُ أَحَقّ

هذا شروعٌ فيما يُمنع للعَلميَّة والتأنيث، مما يُمنع للعَلميَّة هذا النوع الثالث، الأول: المُركَّب المَزْجي مع العَلميَّة، والثاني: زيادة الألف والنون، والثالث: التأنيث.
وعرفنا أن التأنيث فرع التذكير، ثُمَّ المُؤنَّث على ثلاثة أنحاء:
- إمَّا أن يكون مُؤنَّثاً بالتاء.
- وإمَّا أن يكون مُؤنَّثاً بالألف.
- وإمَّا أن يكون مُؤنَّثاً معنىً، يعني: تأنيث معنوي.
ما كان مُؤنَّثاً بالألف فهذا سبق: الألف المقصورة والألف الممدودة، وهذا سيأتي مبحث خاص به وهو التأنيث .. أوَّل أبواب الصَّرْف في الألفية، يعني: في أوزانها ومتى نَحكم عليها بكونها للتأنيث وغير ذلك، وسبق أنها مَمَّا تقوم فيه عِلّةً مقام عِلَّتين فيمنع من الصَّرْف مُطلقاً.
إذاً: لا يُشتَرط فيه علمية ولا غيره، بل متى ما كان اللفظ حوى ألف التأنيث مقصورةً أو ممدودة حَكَمْنا عليه بكونه ممنوعاً من الصَّرْف، سواءً كان نكرة أو معرفة، وهذا أول ما افتتح به:
فَأَلِفُ التَّأْنِيثِ .. إلى آخره.
وأمَّا التأنيث اللفظي، فهذا إمَّا أن يكون مَختوماً بتاء، وإمَّا ألا يكون مَختوماً بتاء، نقول: التأنيث اللفظي لأن التفريق هنا بين المختوم بالتاء ودون المختوم بالتاء هذا اصطلاحاً فقط، وإلا كل مُؤنَّث فهو مختومٌ بالتاء، إمَّا أن تكون ملفوظاً بها، وإمَّا أن تكون مُقدَّرة.


فـ: (زينب) هذا في الأصل مَختومٌ بالتاء، لكنها مُقدَّرة، ومثله: سعاد وهند، ونحو ذلك، ولذلك يُقال: هُنَيدةٌ، من أين جاءت التاء هذه؟ نقول: لأنه مُؤنَّث تأنيث معنوي، بِمعنى: أنَّ التاء مُقدَّرة وليست ملفوظة:
عَلاَمَةُ التَّأْنِيثِ تَاءٌ أَوْ أَلِفْ ... وَفِي أَسَامٍ قَدَّرُوا التَّا كَالْكَتِفْ

(قَدَّرُوا التَّا) يعني: في أسامٍ لم تذكر فيها التاء، لكنَّها مُؤنَّثةٌ تأنيثاً معنوياً فَقدَّروا التاء كالكتف، ولذلك يُعرَف برده إلى لتصغير والضمير ونحو ذلك كما سيأتي في محله، متى نحكم عليه بأنه مُؤنَّث تأنيث معنوي؟ هذا يأتي في باب التأنيث.
هنا قال: (كَذَا مُؤَنَّثٌ بِهَاءٍ مُطْلَقَا) هذا نوع، ثُمَّ قال: (وَشَرْطُ مَنْعِ العَارِ كَوْنُهُ ارْتَقَى) لَمَّا قال: (مُطلَقاً) حِينئذٍ قد يُقال: الإطلاق لا بُدَّ من قيدٍ يُفسِّره إمَّا سابق وإمَّا لاحق، ما تفهم هذه الكلمة سواءً كانوا في هذا العلم أو في الفقه، أو في الحديث، أياً كان: ما تفهم كلمة (مُطْلَقَاً) إلا أن يذكر شرطٌ سابق أو لاحق، أمَّا هكذا تقول: (كَذَا مُؤَنَّثٌ بِهَاءٍ مُطْلَقَا) (مُطْلَقَاً) ما المراد به؟ هذا يحتاج إلى تفسير.
يعني: بلا شرطٍ لا بزيادة عن الثلاث، ولا بكونه أعجمياً، ولا بكونه ساكن الوسط، ولا كونه ثلاثياً إلى آخره، كل ما ذكر في النوع الثاني فهو منفيٌ عن الأول، حِينئذٍ الإطلاق هنا يُفسَّر بقوله: (وَشَرْطُ مَنْعِ العَارِ) إذاً: اشترط في العاري، يعني: المُتجرِّد عن التاء (كَوْنُهُ ارْتَقَى فَوقَ الثَّلاَثِ) هذا شرطٌ أول (أَوْ كَجُورَ) شرطٌ ثاني، ثلاثي لكنَّه أعجمي ساكن الوَسَط (أو سَقرْ) يعني: ثلاثي مُحرَّك الوسط، الرابع: (أَوْ زَيْدٍ ?سْمَ امْرَأَةٍ لاَ اسْمَ ذَكَرْ) يعني: منقولٌ من التذكير إلى التأنيث.
هذه أربعة أنواع للعاري التي يُحكم عليها بكونها ممنوعةً من الصَّرْف، هذه تنتفي .. كلها تنتفي بقوله: (كَذَا مُؤَنَّثٌ بِهَاءٍ) إذاً: كذا علمٌ مُؤنَّث بهاءٍ (مُؤَنَّثٌ) صفة لموصوفٍ محذوف، تقديره: علمٌ، ثُمَّ قد يكون علماً كلاً أو جزءً، يعني: جزء علم، مثل ماذا؟ تقول: قال أبو هريرةَ .. قال: عن أبي هريرةَ (هريرةَ) هذا مَمنوعٌ من الصَّرْف، لماذا؟ هنا ليس عَلَماً، وإنما هو جزء علم، (أبو قُحَافة) كما سبق في العَلَم هناك، نقول (قُحَافة) هذا ليس بِعَلَم في نفسه، وإنما هو جزء علم، لأن العلم أن يكون مستقلاً كلمة من أولها إلى آخرها (كَذَا مُؤَنَّثٌ) كذا علمٌ مُؤنَّث، وكذا جزء علمٍ مُؤنَّث كما في: أبي هريرة، وأبي قُحَافة، (كَذَا) أي: مثل ذا السابق، مِمَّا يُمنع الصَّرْف لاجتماع العَلميَّة والتأنيث بالتاء، (بِهَاءٍ) عَبَّر بالهاء، وإن كان الأولى أن يقول: بتاء. الأولى أن يقول "بتاء" فإن مذهب سيبويه والبصريين: أن علامة التأنيث التاء، والهاء إنما تكون عند الوقف، هي فرعٌ عن التاء، تقول: فاطمه .. فاطمةُ في الوصل بالتاء، وإذا وقفت جئت بالهاء بدلاً عن التاء.
إذاً: الأولى أن يقول: بتاء، فإن مذهب سيبويه والبصريين أن علامة التأنيث التاء، والهاء بدلٌ عنها في الوقف.


(كَذَا مُؤَنَّثٌ بِهَاءٍ) يعني: بتاء (مُطْلَقاً) هذا حالٌ من الضمير المستتر في الخبر، لأن (كَذَا) مثل (ذا) جار ومجرور مُتَعلِّق بمحذوف خبر مُقدَّم، فيه ضمير مستتر (مُطْلَقاً) هذا حالٌ منه، يعني: مطلقاً عن القيد.
مَمَّا يَمنع الصَّرْف اجتماع العَلميَّة والتأنيث، والتأنيث بالتاء لفظاً أو تقديراً، أمَّا لفظاً فنحو: فاطمة، وإنما لم يصرفوه لوجود العَلميَّة في معناه ولزوم علامة التأنيث في لفظه، إذاً: اجتمع فيه علامتان: تاء التأنيث وهي لازمةٌ، وكذلك من جهة المعنى فهو علمٌ.
وإنما لم يصرفوه لوجود العَلميَّة في معناه ولزوم علامة التأنيث في لفظه، فإن العَلَم المُؤنَّث لا تفارقه العلامة، فالتاء فيه بِمنْزِلة الألف في (حُبْلى وصحراء) فأثَّرَت في منع الصَّرْف بخلافها في الصفة.
سبق معنا في (صحراء وحبلى) قلنا: هناك التأنيث لازم، بخلاف التأنيث بالتاء فإنه ينفصل ولا ينفصل، وقالوا هنا في هذا المقام: فاطمة وعائشة ونحوها: التاء لازمةٌ، حِينئذٍ المراد هناك في باب الصفة نقول: هناك المقارنة ليست بالعلم المُؤنَّث بالتاء، وإنما المقارنة بالصفة المُؤنَّثة بالتاء، فهي التي تنفصل ولا تنفصل: مُسلِم ومُسلِمة، قائم وقائمة، إذاً: تنفصل، وهناك وصفٌ في الأصل.
وهنا نَحكم بكون التاء التي اتَّصَلَت بالعَلَم كفاطمة وعائشة بأنها لازمةٌ فأشْبَهت ألف التأنيث كصحراء وحبلى.
وأمَّا تقديراً: ففي المُؤنَّث المُسمَّى في الحال: كزينب وسعاد، قلنا: هذا مُقدَّر هذا الأصل فيه: أن التاء فيه مُقدَّر، أو في الأصل: كعناق، اسم رجل، يعني: لو سُمِّي رجلٌ بمُؤنَّث يبقى على الأصل، باعتبار أصله هو مُؤنَّث، ويبقى على المنع من الصَّرْف.
فأقاموا في ذلك كله تقدير التاء مقام ظهورها، وعليه فالمُؤنَّث بالتاء لفظاً ممنوعٌ من الصَّرْف مُطلقاً كما قال الناظم هنا: (كَذَا مُؤَنَّثٌ بِهَاءٍ مُطْلَقَا) فهو ممنوع من الصَّرْف للتأنيث بالتاء وهي ملفوظٌ بها، والعَلميَّة، وقوله: (مُطْلَقَا) أي: سواءٌ كان مُؤنَّثاً في المعنى أم لا كطلحة (طلحة) في اللفظ مَختومٌ بالتاء، هل هو ممنوعٌ من الصَّرْف؟ ممنوعٌ من الصَّرْف، لكونه لَفظاً عَلَماً مَختوماً بالتاء وهو علم، إذاً: لا ننظر إلى المعنى، هل يصدق على ذكر أم أنثى؟ وإنما نحكم على اللفظ، فنحكم على اللفظ بكونه ممنوعاً من الصَّرْف لكونه مَختوماً بالتاء وهو يصدق عليه قول الناظم: (كَذَا مُؤَنَّثٌ) علمٌ مُؤنَّث، (بِهَاءٍ مُطْلَقَا) سواء كان مدلوله مُذكَّر أو لا، زائداً على ثلاثة أحرف أم لا، نحو: هِبة، هِبة هذا مَختوم بتاء وهو ثلاثي، هل يُمنع من الصَّرْف؟ نقول: نعم، لماذا؟ لقوله: (كَذَا مُؤَنَّثٌ بِهَاءٍ مُطْلَقَا) شَمِل الثلاثي والرباعي وما زاد، فكل مُؤنَّث مختوم بتاء فهو ممنوع من الصَّرْف ولو كان أقَلَّ من أربعة أحرف.
ساكن الوسط أم لا، هذا احتراز مِمَّا سيأتي، وهو كهِنْدَ (هِنْدَ) هذا ليس مَختوماً بالتاء، ولكنَّه مُؤنَّثاً تأنيثاً معنوياً، ويجوز فيه الوجهان لكونه ساكن الوسط كما سيأتي.


إذاً قوله: (مُطْلَقَاً) سواءٌ كان مُؤنَّثاً في المعنى أم لا، زائداً على ثلاثة أحرف أم لا، ساكن الوسط أم لا، نحو: عائشة، وطلحة، وهبة.
كَذَا مُؤَنَّثٌ بِهَاءٍ مُطْلَقَاً ... وَشَرْطُ مَنْعِ الْعَارِ. . . . . .

هذا النوع الثاني، قلنا: النوع الأول من المُؤنَّث: المُؤنَّث بالألف، ويشمل المقصورة والممدودة، وهذا سبق في أول الباب وليس له علاقة هنا، لأنه يمنع من الصَّرْف مُطلقاً نكرة أو معرفة، والكلام هنا فيما يُمنع معرفةً، يعني: مع العَلميَّة، سبق النوع الأول وهو المختوم بالتاء، وقلنا: هذا يُمنع مُطلقاً بلا شرطٍ ولا قيد.
النوع الثاني: العاري عن التاء، يعني: مثل زينب، فليس فيه تاء، وهو ليس فيه تاء لفظاً، الكلام في اللفظ، أمَّا في المعنى فهو مُقدَّر، ولا نَحكم عليه من جهة المعنى، وإنما نَحكم عليه من جهة اللفظ: ما يُلفظ به، (زَيْنَب) ليس فيه تاء و (سُعَاد) ليس فيه تاء و (هِنْد) ليس فيه تاء و (سَقَر) ليس فيه تاء، وكلها مُؤنَّث و (جَوْر) ليس فيه تاء.
حِينئذٍ نقول: هذه يُشترط فيها شروط من أجل أنَّه مَمنوعٌ من الصَّرْف أو لا، لكن المُؤنَّث تأنيث معنوي يُشترط فيه العَلميَّة، لكن تارةً يكون واجب المنع، وتارةً يكون جائزاً، يعني: على نوعين، النوع الثاني هذا (العَارِ) على مرتبتين:
- نوعٌ يجب منعه من الصَّرْف.
- ونوع يَجوز منعه ويجوز صرفه، وهو الذي عناه بقوله: (وَجْهَانِ فِي الْعَادِمِ) (وَشَرْطُ مَنْعِ العَارِ) يعني: منع العَارِي حتماً، ولا يجوز صرفه البَتَّة (وَشَرْطُ) هذا مبتدأ وهو مضاف و (مَنْعِ) مضاف إليه، هذا مصدر مضاف إلى المفعول (شَرْطُ مَنْعِ العَارِ) منعِك أنتَ العاري، فالعاري هذا مضاف .. (مَنْعِ) مضاف و (العَارِ) مضاف إليه، يعني: العار من التاء لفظاً، وإلا فما مِن مُؤنَّث بغير الألف إلا وفيه التاء ملفوظة أو مُقدَّرة كما ذكرناه:
وَفِي أَسَامٍ قَدَّرُوا التَّا كَالْكَتِفْ.
فكل مؤنث .. علم مُؤنَّث ففيه التاء، سواءً لفظ بها أو لا، ولكن هنا نَحكم باللفظ فحسب، فما لم تلفظ معه التاء قلنا: هي مُقدَّرة ولا عِبْرة بها.
(وَشَرْطُ مَنْعِ العَارِ) يعني: من التاء لفظاً، وإلا فما من مُؤنَّث بغير الألف إلا وفيه التاء ملفوظة أو مُقدَّرة، (كَوْنُهُ ارْتَقَى) العاري أصله بالياء، مثل: غلامي، حُذِفَت الياء واجتزئ بالكسرة دليلاً عليها.
(شَرْطُ) مبتدأ (كَوْنُهُ ارْتَقَى) (كَونُهُ) هذا خبر المبتدأ و (كَوْنُهُ ارْتَقَى) ما إعرابها؟ كَونُ هي خبر باعتبار السابق هي في نفسها، أين اسمها؟ (كَونُ) ..
وَكَوْنُكَ إِيَاهُ عَلَيْكَ يَسِيرُ.
الضمير المضاف إليه هو الاسم، و (ارْتَقَى) فعل ماضي خبر الكون في محل نَصْب.
إذاً: (كَونُهُ) هذا خبر المبتدأ (شَرْطُ مَنْعِ العَارِ) يعني: مُتجرِّد عن التاء في اللفظ (كَونُهُ) كون ذلك العار ارتقى (ارْتَقَى) يعني: صَعَد وعلا (فَوْقَ الثَّلاَثِ) (فَوْقَ) هذا مُتَعلِّق بقوله (ارْتَقَى) و (ارْتَقَى) فيه ضمير يعود على (العَارِ).


(كَوْنُهُ ارْتَقَى فَوْقَ الثَّلاَثِ) يعني: بأن يكون زائداً على ثلاثة أحرف كـ: زينب، وسعاد، وما كان دون ذلك فلا، لا يجب فيه المنع من الصَّرْف، (فَوْقَ الثَّلاَثِ) هذا على حذف مضاف، أي: فوق ذي الثلاث، ثُمَّ (الثَّلاَثِ) هكذا حذف منه التاء لأنه مضافٌ في التقدير إلى الأحرف، والحرف يُذكَّر ويُؤنَّث، لأنه يكون الأصل فيه: فوق الثلاثة، لكنه حذف التاء باعتبار المضاف إليه وهو الأحرف، وهذا يُذكَّر ويُؤنَّث.
إذاً: كَوْنُهُ ارْتَقَى فَوْقَ الثَّلاَثِ هذا النوع الأول: أن يكون زائداً على ثلاثة أحرف، كـ: زينب ونحوه، (أَوْ كَجُورَ) هذا عطف على محل (ارْتَقَى) (أَوْ كَجُورَ) (أَوْ) حرف عطف، و (كَجُورَ) أراد به الكاف هنا التَّشبِيه، يعني: مثال لا الحصر، وإنما المراد به التمثيل، فالكاف تَمثيِليَّة لا اسْتِقصَائيَّة (كَجُورَ) عطف على محل (ارْتَقَى) اسم بلدٍ وهو أعجمي.
إذاً: مفهوم قوله (فَوْقَ الثَّلاَثِ) أنَّ ما كان ثلاثةً فأدنى -ولا يكون أدنى- يكون مصروفاً، فالعطف حِينئذٍ عطفٌ على مفهوم السَّابق، لأن قوله: (فَوْقَ الثَّلاَثِ) مفهومه: أنَّ الثلاث فما دون مصروف وليس الأمر كذلك بل فيه تفصيل.
(كَجُورَ أَوْ سَقَرْ أَوْ زَيْدٍ) هذا تخصيص من مفهوم قوله (فَوْقَ الثَّلاَثِ) وبقي هِنْد وهو على أصله، أنَّه لا يجب فيه المنع.
إذاً قوله: (ارْتَقَى فَوْقَ الثَّلاَثِ) هذا له منطوق ومفهوم، منطوقه: أنَّه لا بُدَّ أن يكون زائداً على ثلاثة أحرف، أربعة أحرف فصاعداً، كـ: زينب وسعاد، مفهومه: أنَّ ما كان ثلاثةً حِينئذٍ لا يجب منعه من الصَّرْف، لأنه قال: (وَشَرْطُ مَنْعِ العَارِ) يعني: منعاً حتماً، فقوله: (أَوْ كَجُورَ) هذا استثناء أو تخصيص للمفهوم السَّابق، لأن (جُورَ) هذا ثلاثي، والأصل فيه على القاعدة السَّابقة .. النوع الأول أنَّه مصروف، لكن نقول: لكونه أعجمياً ولو كان ساكن الوسط نَحكم عليه بكونه ممنوعاً من الصَّرْف فهو واجب المنع.
(أَوْ سَقَرْ) هذا ليس بأعجمي وإنما هو مُؤنَّث ثلاثي لكنَّه مُحرَّك الوسط (أَوْ زَيْدٍ ?سْمَ امْرَأَةٍ لاَ اسْمَ ذَكَرْ) (زَيْدٍ) في الأصل اسم رجل، لو سُمِّي به امرأة، قيل: هذه زيدٌ، وجاءت زيدٌ، وذهبت زيدٌ، حِينئذٍ (زَيدٍ) في الأصل ما هو؟ مصروف، فلمَّا نُقِل إلى التأنيث امتنع .. فوجب منعه، فيقال: جاءت زيدُ، ورأيت زيدَ، ومررت بزيدَ، على أنَّه مُؤنَّث لامرأة، ولذلك قال: (?سْمَ امْرَأَةٍ) (أَوْ زَيْدٍ ?سْمَ امْرَأَةٍ) هذا حال من (زَيدٍ).
(لاَ اسْمَ ذَكَرْ) (لاَ) حرف عطف و (اسْمَ ذَكَرْ) معطوف على (اسْمَ امْرَأَةٍ) وهو منصوبٌ مثله، وهذا لا حاجة إليه، لأنه معلومٌ مِمَّا سبق، إذا كان اسم امرأة معلوم أنَّه ليس اسم ذكر، إذاً: صَرَّح بالمفهوم فيكون من باب التتميم لأنه يستغنى عنه.
إذاً: هذه أربعة أنواع من العاري مِمَّا يَجب أن يكون ممنوعاً من الصَّرْف، ولا يجوز صرفه البَتَّة.
الأول: أن يكون زائداً على ثلاثة أحرف .. أربعة أحرف فصاعداً.
الثاني: أن يكون ثلاثياً ولو كان ساكن الوسط، لكنَّه أعجمي.
الثالث: أن يكون ثلاثياً مُحرَّك الوسط.


الرابع: أن يكون ثلاثياً اسم امرأة لا اسم ذكر، يعني: منقول من التذكير إلى التأنيث.
المُؤنَّث المعنوي شرطُ تَحتُّم منعه من الصَّرْف: أن يكون زائداً على ثلاثة أحرف، نحو: زينب وسعاد، قالوا تعليلاً: لأن الرابع يُنَزَّل مُنَزَّلة تاء التأنيث.
أو مُحرَّك الوسط كـ: (سَقَرْ) هذه سَقَر، حِينئذٍ نقول: (سَقَر) هذا ممنوعٌ من الصَّرْف، لكونه ثلاثياً مُحرَّك الوسط، وكذلك (لَظَى) لأن الحركة قامت مقام الرابع .. الحركة التي في الثلاثي .. حركة العين نُزِّلت منزل الحرف الرابع فأُلحق بـ: (زينب) لأن الحركة قامت مقام الرابع، خلافاً لابن الأنباري فإنَّه جَعَله ذا وجهين، يعني نحو: (سَقَرْ) هذا فيه خلاف، لكن الجماهير على منعه من الصَّرْف لتنزيل الحركة .. حركة العين مُنَزَّلة حرف رابع، فأُلحق بـ: زينب.
ولذلك جاء في القرآن: ((وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ)) [المدثر:27] إذاً: تبقى على المنع من الصَّرْف، علَّلوا أو ما علَّلوا، لأنه جاء في فصيح الكلام ممنوعة من الصَّرْف.
أو يكون أعجمياً، هذا النوع الثالث: أن يكون أعجمياً (كَجُورَ) و (ماه) اسْمي بلدين، لأن العُجْمة لَمَّا انْضَمَّت إلى التأنيث والعَلميَّة تَحتَّم المنع، إذا قيل: أعجمي، نحن الآن بحثنا في أي نوع؟ مُؤنَّث مع عَلميَّة، ما الذي أدخل العُجْمة؟ قالوا: العُجْمة هنا حَتَّمَت المنع، وإلا العُجْمة لا دخل لها .. ليست جزء عِلَّة هنا، العِلَّة مُركَّبة من شيئين: تأنيث، وعَلميَّة، هنا نقول: (كَجُورَ) و (ماه) هذا مُؤنَّث وهو ثلاثي وعَلَم، لماذا منعناه من الصَّرْف؟ لوجود العِلَّتين، لماذا حتَّمْنَا، يعني: أوجبنا منع الصَّرْف؟ لكونه أعجمياً.
فالعُجْمة ليست جزءً من سببي المنع، وإنما المنع مُعلَّق بالعَلميَّة والتأنيث لئلا يرد إشكال، لأن العُجْمة لَمَّا انْضَمَّت إلى التأنيث والعَلميَّة تَحتَّم المنع، وإن كانت العجمة لا تَمنع صرف الثلاثي، لأن هنا لم تؤثر منع الصَّرْف، وإنما أثَّرَت تَحتُّم المنع.
أو .. الرابع: أن يكون منقولاً من مُذكَّر نحو: زيد، إذا سُمِّي به امرأة، حِينئذٍ تَحتَّم منعه، لأنه حصل بنقله ثقل عادل خِفَّة اللفظ، هو في الأصل خفيف (زيد) ثلاثي، لَمَّا نُقِل إلى التأنيث صار فيه ثقل، عَادَل خِفَّة اللفظ، هذا مذهب سيبويه والجمهور، وذهب المُبَرِّد إلى أنَّه ذو وجهين.
إذاً: ما قيل في هذه الأربعة بأنه ذو وجهين نوعان:
- ما كان مُحرَّك الوسط كـ: (سَقَرْ) قيل فيه وجهان: الصَّرْف وعدمه، يعني مثل: هِنْد،
- والثاني: ما كان كـ: (زَيدٍ) عَلَم امرأة لا اسم ذكر، هذا قيل فيه وجهان.
والجمهور في النوعين على أنه ممنوعٌ من الصَّرْف وجوباً مُتحتِّماً.
إذاً:
. . . . . . . . . . . . . . . . . . ... وَشَرْطُ مَنْعِ العَارِ كَوْنُهُ ارْتَقَى
فَوْقَ الثَّلاَثِ. . . . . . . . . ... . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ....


يعني: زاد على الثلاثة أحرف، هذا النوع الأول فيما لم يكن مختوماً بتاء التأنيث، (أَوْ كَجُورَ) ثلاثي ساكن الوسط وهو أعجمي، والعجمة هنا لا دخل لها في المنع، وإنما في تَحتُّم المنع .. في وجوبه، لماذا؟ لأنك قلت: لها دخلٌ في المنع، حِينئذٍ كيف تقول هنا: ما وجد فيه عِلَّتان وهما التأنيث والعَلميَّة، وقد حَشَرْت العُجْمة معه؟! نقول: لا، ليس الأمر كذلك، بل العُجْمَة مُحتِّمَة، يعني: مُوجبة، حِينئذٍ هي خارجةٌ عن أصل العِلَّتين.
(أَوْ سَقَرْ) ثلاثي مُحرَّك الوسط (أَوْ زَيدٍ) هذا النوع الرابع وهو المنقول من العَلميَّة من مُذكَّر إلى المُؤنَّث.
وَجْهَانِ فِي الْعَادِمِ تَذْكِيراً سَبَقْ ... وَعُجْمَةً. . . . . . . . . . . . .

يعني: ما كان ساكن الوسط وعَدِم عُجْمةً، وعِدَم نقلاً من المُذكَّر، حِينئذٍ (وَجْهَانِ) ما هما الوجهان؟ الصَّرْف وعدمه (فِي الْعَادِمِ) (وَجْهَانِ) مبتدأ (فِي الْعَادِمِ) خبر (تَذْكِيراً) هذا مفعولٌ للعادم، يعني: الذي عَدِمَ .. وجهان في الذي عَدِمَ (فِي الْعَادِمِ) في الذي عَدِمَ (الْعَادِمِ) هذا اسم فاعل دخلت عليه (أل):
وَإِنْ يَكُنْ صِلَةَ أَلْ فَفِي الْمُضِي ... وَغَيْرِهِ إِعْمَالُهُ قَدِ ارْتُضِي

هنا أُعمل مُطلقاً، فـ: (تَذْكِيراً) مفعولٌ به لقوله: (العَادِمِ) و (سَبَقْ) فعل ماضي، والفاعل مستتر، والجملة في محل نَصْب نعت لـ: (تَذْكِيراً) يعني: تذكيراً سابقاً، في السابق: (زَيدٍ) هذا ثلاثي ساكن الوسط (وعُجمَةً) مثل (جُورَ) يعني: ما عَدِم العجمة مثل: جور، وعَدِم التذكير مثل: زيد (كَهِنْدَ) رفَعَ الإبهام بقوله: (كَهِنْدَ).
إذاً: مراده ما هو؟ مراده الثلاثي ساكن الوسط، لأنه قال في السابق (كجُورَ) وهو أعجمي، إذاً: لم يدخل معنا، بقي: (سَقَرْ أَوْ زَيدٍ) (سَقَرْ) مُحرَّك الوسط، و (زَيدٍ) ليس بِعَلَم مُؤنَّث أصالةً.
بقي نوع واحد لم يذكره، وهو: ما كان في أصله مُؤنَّثاً .. ثلاثياً .. ساكن الوسط، لم يدخل في الأنواع الأربعة السَّابقة، إذاً: ما حكمه؟ قال: (وَجْهَانِ فِي العَادِمِ) يعني: الذي عَدِمَ تذكيراً مِمَّا سبق، وهو الثلاثي ساكن الوسط كـ: زَيدٍ و (عُجْمَةً) كـ: (جُورَ) عَدِم هذين النوعين (كَهِنْدَ وَالمنْعُ أَحَقّْ) وجهان في هذا النوع والمنع أحق، يعني: يجوز فيه الوجهان: الصَّرْف وعدمه.
أي: أنَّ الثلاثي الساكن الوسط إذا لم يكن أعجمياً، ولا منقولاً من مُذكَّرٍ، إذاً: نفى شيئين .. وصفين: العُجْمة، والنَّقل عن المُذكَّر، فدَلَّ على أنَّه أراد ساكن الوسط، لأن (جُورَ) ساكن الوسط و (زَيد) ساكن الوسط، وأمَّا (سَقَرْ) فليس بوارد، ولذلك أخْرَجه وأكَّدَ على تخريجه بقوله: (كَهِنْدَ) هذا تأكيد على أنَّه لم يُرِد نحو (سَقَرْ) لأنَّه أولاً حَكَمَ عليه بكونه مُتحتِّم المنع، لا يقال: سَقَرْ، إذاً: مُحرَّك الوسط وهو ثلاثي تَحتَّم منعه من الصَّرْف، لم يبق إلا مقابل: سَقَرَ وهو ساكن الوسط، ثُمَّ ساكن الوسط قد يكون كـ: (جُورَ) وقد يكون كـ: (زَيدٍ) وقد لا يكون هذا ولا ذاك، ويكون (كَهِنْدَ) حِينئذٍ أخرج النوعين وأبقى النوع الثالث، (كَهِنْدَ) يعني: وذلك كـ: هِنْدَ.


أي: أنَّ الثلاثي ساكن الوسط إذا لم يكن أعجمياً، ولا منقولاً من مُذكَّر (كَهِنْدَ) و (دعد) يجوز فيه الصَّرْف ومنعه.
(وَالمَنْعُ أَحَقُّ) فمن صرفه .. ما وجه صرفه؟ نظر إلى خِفَّة السكون، وأنها قاومت أحد السببين، لأن السببين موجودان، وهما التأنيث والعَلميَّة، وُجِد أو لا؟ (هِنْدَ) مُؤنَّث وهو عَلَم، إذاً: نمنعه من الصَّرْف، وأمَّا السكون فلا دخل له في المنع وعدمه، فمن صرفه نظر إلى خِفَّة السكون وأنها قاومت أحد السببين، ومن منع نظر إلى وجود السببين ولم يَعتبِر الخِفَّة، هل السكون له دخلٌ في المنع وعدمه؟ الظَّاهر لا، حِينئذٍ من منع، قال السكون هذا دليلٌ على خِفَّة اللفظ في نفسه.
وأمَّا أن يكون له تأثير في العَلميَّة والتأنيث في ألا يوجد مقتضى هاتين العِلَّتين فلا، وهذا هو الظَّاهر من التَّقعِيد السَّابق. ومن صرفه قال: لا، فهذا ساكن الوسط فهو خفيف.
وجود العِلَّتين، قالوا: أثَّر سكون الوسط في الخِفَّة فلم تؤثِّر هاتان العِلَّتان في المنع، وهذا ليس بظاهر.
على كلٍ: هو سُمِع فيه الوجهان، لكن الأكثر والأرجح: أن يكون ممنوعاً من الصَّرْف، فمن صَرَفه فله وجهٌ، ومن منعه فله وجهٌ، ولذلك ورد بالوجهين قول جرير:
لَمْ تَتَلَفَّعْ بِفَضْلِ مِئْزَرِهَا ... دَعْدٌ وَلَمْ تُسْقَ دَعْدُ في العُلَبِ

إذاً: ورد بالوجهين (دَعْدٌ) مثل (هِنْدَ) ثلاثي ساكن الوسط، وهو اسم أنثى .. تأنيث، وهو عَلَم، علمٌ لأنثى، إذاً: وجد فيه العِلَّتان، سُمِع جرير قال: (دَعْدٌ) صَرَفَه (وَلَمْ تُسْقَ دَعْدُ في العُلَبِ) مَنَعَه من الصَّرْف، روي بالوجهين.
وَجْهَانِ فِي الْعَادِمِ تَذْكِيراً سَبَقْ ... وَعُجْمَةً كَهِنْدَ وَالمَنْعُ أَحَقّ

(المَنْعُ) يعني: من الصَّرْف أحق الوجهين وأصْوَّب الوجهين، وأقرب إلى القواعد، وهذا مذهب الجمهور.
وقال أبو علي الفارسي: " الصَّرْف أفْصَح " يعني: من المنع، وهنا ابن مالك يقول: (وَالمَنْعُ أَحَقّ) وهو مذهب الجمهور.
قال أبو علي: " الصَّرْف أفْصَح " قال ابن هشام: " وهو غلطٌ جَلي " يعني: القول بكونه أفصح غلط جلي واضح بَيِّن، لأنه في لسان العرب المنع أكثر، وإذا كان أكثر كان أفصح، ثُمَّ إذا جئنا للقواعد والأصول فالأصل منعه مُطلقاً، لأنه عَلَم لمُؤنَّث، إذاً: وجد فيه عِلَّتان فرعيتان، إحداهما ترجع إلى المعنى، والأخرى ترجع إلى اللفظ، هذا الأصل في الممنوع من الصَّرْف، كونه يُصْرَف هذا خلاف الأصل.
إذاً: قال ابن هشام في قول أبي علي (والصَّرْف أفصح): " وهو غلطٌ جلي " وذهب الزَّجاج: إلى أنَّه مُتحتِّم المنع .. واجب المنع، وهذا هو الموافق للأصول، لكن سُمِع أنه مصروف، حِينئذٍ جاز فيه الوجهان، وإلا الأصل أنَّه مُتحتِّم المنع.


قال: ذهب الزَّجاج: إلى أنَّه مُتحتِّم المنع .. واجب المنع، لأن السكون لا يُغيِّر حُكماً أوجبه اجتماع عِلّتين يَمنعان الصَّرْف، وهذا هو الموافق للأصول: أن السكون هنا لا دخل له في عدم تأثير العِلَّتين، لأن هذه عِلَّة إذا وجِدَت أثَّرَت، ما هو التأثير؟ المنع من الصَّرْف، والأصل فيه إذا مُنِعَ من الصَّرْف ألا يجوز صرفه، هذا الأصل فيه، حِينئذٍ كونه يجوز فيه الوجهان هذا خلاف الأصل.
قيل: وإذا صُغِّرَ نحو (هِنْد) .. إذاً: عرفنا (هِنْد) فيه وجهان: الصَّرْف وعدمه، وكُله مسموع، إلا أنَّ عدم الصَّرْف أحق، لأنه الأكثر وموافقٌ للأصول.
وإذا صُغِّرَ نحو (هِنْد) تَحتَّم منعه لظهور التاء، لو قيل: هُنَيْدةُ، ممنوع أو لا؟ (هِنْد) يَجوز فيه الوجهان (هُنَيْدةُ) تصغيره؟ المنع مُطلقاً، لماذا؟ لأنه دخل في النوع الأول: (كَذَا مُؤَنَّثٌ بِهَاءٍ مُطْلَقَاً) فـ: (هُنَيْدةُ) هذا ممنوعٌ من الصَّرْف.
وإذا سُمِّي مُذكَّر بِمُؤنَّث مُجرَّد من التاء، فإن كان ثلاثياً صرف مُطلقاً خلافاً للفَرَّاء، لو سُمِّي رجل: هِنْد، أو: دَعْد، صُرف مُطلقاً، لماذا؟ لأنه ليس مُؤنَّثاً، وإنما وجدت فيه العَلميَّة فحسب، (زيد) جاء زيدٌ .. رأيت زيداً .. مررت بزيدٍ، عَلَم لمذكَّر هو مصروف، حِينئذٍ إذا جَعَلته عَلَم لمُؤنَّث صار ممنوعاً من الصَّرْف لاجتماع العِلَّتين، وجد فيه التأنيث مع كونه عَلَماً سَابقاً ولاحقاً، طيب! إذا عَكَسْت جئت بـ: هِنْد، قلنا: الأصل فيه وجهان، والمنع أحق .. أنَّه ممنوعٌ من الصَّرْف، سَمَّيْت به مُذكَّر حِينئذٍ يُصرَف لزوال التأنيث وبقاء العَلميَّة.
إذاً:
كَذَا مُؤَنَّثٌ بِهَاءٍ مُطْلَقَاً ... وَشَرْطُ مَنْعِ العَارِ كَوْنُهُ ارْتَقَى

العَارِ يعني: من التاء، كَوْنُهُ هذا العاري ارْتَقَى وعلا وزاد (فَوْقَ الثَّلاَثِ) (فَوْقَ) هذا مُتَعلِّق بقوله (ارْتَقَى) (فَوْقَ) مضاف و (الثَّلاَثِ) مضافٌ إليه بِحذف التاء، لأنه مضافٌ في التقدير للأحرف، والحرف يُذكَّر ويُؤنَّث، (أَوْ) للتنويع والتقسيم (كَجُورَ) يعني: مثل جُورَ، و (جُورَ) من لفظه تأخذ أنَّه مُؤنَّث، وهو ثلاثي ساكن الوسط، لكنَّه أعجمي.
إذاً: كل ما كان على هذه الزنة فهو ممنوعٌ من الصَّرْف مُطلقاً.
(أَوْ سَقَرْ) (أَوْ) للتقسيم والتنويع و (سَقَرْ) هذا ثلاثي مُؤنَّث وهو مُحرَّك الوسط، لكنَّه ليس أعْجَمياً (أَوْ زَيدٍ) هذا النوع الرابع فـ: (أَوْ) فيه للتقسيم والتنويع و (زَيدٍ) هذا في الأصل أنَّه عَلمٌ لمذكَّر، ولكن رَفَع هذا الأصل بقوله: (?سْمَ امْرَأَةٍ) حالٌ من زيد لاَ اسْمَ ذَكَرْ.
وما لم يذكره وهو لفظ (هِنْد) قال: (وَجْهَانِ) الصَّرْف وعدمه (فِي الْعَادِمِ) في الذي عَدِم (تَذْكِيراً سَبَقْ) سبق ذكره في قوله: (زَيدٍ) (وَعُجمَةً كَهِنْدَ) فتَعيَّن أنَّ مراده هو الثلاثي ساكن الوسط (كهِنْدَ وَالمَنْعُ أحَقُّ) الوجهين، يعني: أصْوَّب الوجهين.


قال الشَّارِح هنا: " ومِمَّا يُمنع صرفَه أيضاً العَلميَّة والتأنيث، فإن كان العَلَم مُؤنَّثاً بالهاء امتنع من الصَّرْف مُطلقاً "أي: سواءٌ كان عَلَماً لمذكَّر كـ: طلحة، أو لمُؤنَّث كـ: فاطمة، زائداً على ثلاثة أحرف كما مُثِّل، أم لم يكن كذلك: ثُبَة وقُلَة علمين، ولا يُمثَّل بساكن الوسط مَختوماً بالتاء، لأن التاء لا بُدَّ أن يكون ما قبلها مفتوح.
وإن كان مُؤنَّثاً بالتَّعليق، أي: بكونه عَلَم أنثى، فإمَّا أن يكون على ثلاثة أحرف أو على أزْيَد من ذلك، فإن كان على أزيد من ذلك امتنع من الصَّرْف كـ: زينب، يعني: العاري الذي أراد من قوله: (فَوْقَ الثَّلاَثِ) وسعاد علمين، فتقول: هذه زينب (زينب) هذا ممنوعٌ من الصَّرْف خبر، لا يُنوَّن لقيام علتين فيه: وهما العَلميَّة والتأنيث، إحداهما ترجع إلى اللفظ، والأخرى ترجع إلى المعنى، ورأيت زينب، ومررت بزينب.
وإن كان على ثلاثة أحرف، فإن كان مُحرَّك الوسط مُنِع أيضاً، كـ: (سَقَرَ) وإن كان ساكن الوسط فإمَّا أن يكون أعْجَمياً أو لا، فإن كان أعجمياً كـ: (جُورَ) اسم بلد، أو منقولاً من مُذكَّر إلى مُؤنَّث كـ: (زيد) اسم امرأة مُنِعَ أيضاً، يعني: واجب المنع، فإن لم يكن كذلك بأن كان ساكن الوسط وليس أعجمياً ولا منقولاً من مُذكَّر (عَادِمِ تَذْكِيراً سَبَقْ وَعُجْمَةً) ففيه وجهان: المنع والصَّرْف، والمنع أولى، فتقول: هذه هِنْدُ، ورأيت هِنْدَ، ومررت بِهنْدَ.
وَالْعَجَمِيُّ الْوَضْعِ وَالتَّعْرِيْفِ مَعْ ... زَيْدٍ عَلَى الثَّلاَثِ صَرْفُهُ امْتَنَعْ

(وَالْعَجَمِيُّ الْوَضْعِ وَالتَّعْرِيْفِ) هذا مِمَّا يَمتنع صرفه لوجود عِلَّتين: إحداهما العُجْمَة، والثاني: العَلميَّة، وهو الذي عناه بقوله: (وَالتَّعْرِيْفِ).
(وَالْعَجَمِيُّ الْوَضْعِ) إضافةٌ لفظية فليست على معنى حرفٍ، أي: العَجَميُّ وضعه وتعريفه، والمراد بالعَجَمِي: معلوم أنَّ لسان العرب يقابله لسان العجم، فكل ما نُقِلَ من لسان غير العرب، ولا يَخْتصُّ بالفُرس كما قال بعضهم لا، بل هو عام، فكل لَفظٍ ينقل عن غير لسان العرب فيُستَعمَل في لسان العرب فيُسمَّى أعجمياً، سواءً كان لغة الفرس .. سواءً كان لغة انجليزية .. فرنسية، أيَّاً كان ما دام أنه ليس من لسان العرب فيُسمَّى أعَجَمياً، وهو موجود .. العجمي موجودٌ في لسان العرب.
وبعض الناس عندهم حساسية من بعض الألفاظ التي تكون دخيلة، فكل لفظٍ دخيل فالنحاة وضعوا له عنوان، يُسمَّى: العَجَمِي، وقد يكون ممنوعاً من الصَّرْف وقد لا يكون، واختلفوا هل هو موجودٌ في القرآن أو لا، حِينئذٍ إذا اسْتُعمِل لفظ من غير لسان العرب، وخاصَّة إذا شاع وانتشر ومضى عليه القوم الآباء والأجداد، حِينئذٍ يبقى على أصله، وتُنَزَّل عليه هذه الأحكام: يُمنع من الصَّرْف للعَلميَّة إذا كان علماً، بالشروط الآتية، ولا تكون هناك حساسية فيه.


(وَالْعَجَمِيُّ الْوَضْعِ وَالتَّعْرِيْفِ) إذاً: العَجَمي ما نُقِلَ من لسان غير العرب ولا يَختَص بلغة الفرس (الْوَضْعِ) يعني: في وضع العجم أن يكون عَلَماً عندهم، فتَنقُله إلى العرب، ويكون عَلَماً، فإن لم يكن عَلَماً عندهم، فنقلته وجعلته عَلَماً، فهو من الأمثلة، لا يُمنَع من الصَّرْف لتَخلُّف الشرط، ولذلك نَصَّ على الوضع، والوضع هو جعل اللفظ دليلاً على المعنى ابتداءً.
حِينئذٍ ما وضع عَلَماً في لسانهم واستعملناه عَلَماً في لساننا مُنِع من الصَّرْف، وما لم يكن كذلك فلا، لكن يُزَاد على هذا الشرط قال: (مَعْ زَيْدٍ عَلَى الثَّلاَثِ) أن يكون زائداً على ثلاثة أحرف أربعة فصاعداً.
أي: مِمَّا لا يَنْصرِف ما فيه فرعيَّة المعنى بالعَلميَّة، وفرعية اللفظ بكونه من الأوضاع العجمية، لكن بشرطين:
الأول: ما أشار إليه بقوله: (وَالتَّعْرِيْفِ) أن يكون علماً في لغتهم.
الثاني: أن يكون زائداً على ثلاثة أحرف، كـ: إبراهيم، وإسماعيل، وإسحاق، أعجمية هذه وجاءت في القرآن وهي ممنوعة من الصَّرْف، حِينئذٍ منعها من الصَّرْف لسببين .. عِلَّتين: الأولى العَلميَّة وهي في لسان العجم كذلك، وثانياً: زائدةً على ثلاثة أحرف.
فإن كان الاسم الأعجمي عَجَمي الوضع غير عَجَمي التَّعريف، يعني: عندهم هو من لسانهم مثل: لِجَام (لِجَام) هذه عَجَميَّة لكنها اسم جنس لم تُستَعمل عَلَماً، فإذا أخذناها من لسانهم وجعلناها عَلَماً حِينئذٍ نقول: لِجَام عَجَمي الوضع غير عَجَمي التَّعرِيف .. العَلميَّة، لأنه وضع عندهم اسم جنس لا عَلَم، حِينئذٍ إذا استعملناه عَلَماً انصرف على الأصل.
فإن كان الاسم عَجَمي الوضع غير عَجَمي التَّعرِيف انصرف كـ: (لِجَام) إذا سُمِّي به رجل، لأنه قد تُصُرِّف فيه بنقله عَمَّا وضَعَته العجم له، فألحق بالأمثلة العربية.
(وَالْعَجَمِيُّ الْوَضْعِ) يعني: العَجَمي وضعه (وَالتَّعْرِيْفِ) يعني: تعريفه، لا بُدَّ أن يكون في الوضع أعجمياً .. في لسان العجم، وأن يكون مستعملاً أصالةً في العَلميَّة، وهو التعريف الذي عناه الناظم في لسان العجم (مَعْ زَيدٍ) (مَعْ) هذا حالٌ من الضمير في العجمي (الْعَجَمِيُّ) هذا نسبة، سيأتي أنه يَتحمَّل الضمير مثل: قُرَشي، ولذلك يُقال: زيدٌ قُرشيٌ أبوه (أبوه) هذا فاعل، العامل فيه قرشي.
(وَالْعَجَمِيُّ الْوَضْعِ وَالتَّعْرِيْفِ مَعْ) إذاً: (مَعْ) هذا حالٌ من الضمير في (الْعَجَمِيُّ) (مَعْ) مضاف و (زَيْدٍ عَلَى الثَّلاَثِ) (زَيدٍ) هذا مصدر زاد يزيد زيادةً، حِينئذٍ المراد به ما زاد الزيادة المعلومة (زَيْدٍ عَلَى الثَّلاَثِ) (عَلَى الثَّلاَثِ) هذا مُتَعلِّق بـ: (زَيدٍ) (عَلَى الثَّلاَثِ) أيضاً حَذَف التاء لأنه مضافٌ في التقدير إلى الأحرف، والحرف يُذكَّر ويؤنث.
أمَّا الثلاثي العَجَمي ففيه ثلاثة مذاهب:
الأول: أنَّ العُجْمة لا أثر لها فيه مُطلقاً، يعني: مصروف.
الثاني: أنَّ ما تَحرَّك وسطه لا ينصرف، وفيما سكن وسطه وجهان، هذا مذهبٌ: أنَّه إذا تَحرَّك الوسط امتنع، وإذا سكن فيه وجهان.
الثالث: أنَّ ما تَحرَّك وسطه لا ينصرف، وما سكن وسطه ينصرف، يعني: دون تجويز الوجهين.


وظاهر كلام النَّاظم هنا (مَعْ زَيدٍ عَلَى الثَّلاَثِ) اشترط الزيادة على الثلاث، مفهومه: أنَّ الثلاثي مُطلقاً مُحرَّك الوسط أو لا مصروف، مفهومه مفهوم مخالفة: أنَّ ما كان دون الأربع، لأنه قال: (زَيدٍ عَلَى الثَّلاَثِ) إذاً: أربعة فصاعداً، إذاً: الثلاثي على ظاهر كلام النَّاظم بالمفهوم: أنَّه مصروف مُطلقاً سواء كان مُحرَّك الوسط أو لا.
إذاً: فُهِم منه من قوله: (زَيدٍ عَلَى الثَّلاَثِ) أنّه إذا كان ثلاثياً انصرف، وشَمِل الساكن الوسط كـ: نوح ولوط، والمُتحرِّك الوسط كـ: مَلَك، ولذلك جاء: ((إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحاً)) [نوح:1] (نُوح) أعجمي وليس بعربي ومع ذلك صُرِف، وكذلك: ((إِلَّا آلَ لُوطٍ)) [الحجر:59] مصروف.
حِينئذٍ نقول: ما كان ثلاثياً فالأصل فيه – وخاصة إذا كان ساكناً – فهو مصروف.
وجميع أسماء الأنبياء أعجمية إلا أربعة: محمد صلى الله عليه وسلم، وصالح، وشعيب، وهودٌ عليهم الصلاة والسلام.
قال الشَّارِح هنا: " ويَمنع صرف الاسم أيضاً العُجمة والتعريف، وشرطه أن يكون عَلَماً في اللسان الأعجمي، وزائداً على ثلاثة أحرف، كـ: إبراهيم، وإسماعيل، فتقول: هذا إبراهيمُ، ورأيت إبراهيمَ، ومررت بإبراهيمَ، فنمنعه من الصَّرْف للعَلميَّة والعجمة، فإن لم يكن الأعجمي عَلَماً في لسان العجم، بل في لسان العرب، أو كان نكرةً فيهما، كـ: لِجَام، عَلَماً أو غير عَلَم صَرَفْته، فتقول: هذا لِجَامٌ، ورأيت لِجَاماً، ومررت بِلِجَامٍ، وكذلك تصرف ما كان عَلَماً أعجمياً على ثلاثة أحرف، سواءً كان مُحرَّك الوسط، كـ: شَتَر، هذا اسم ملك التتار، أو ساكنه كـ: نوحٍ ولوط " إذاً: هو عام.
هذا ظاهر كلام النَّاظم هنا رحمه الله تعالى.
إذاً: (وَالْعَجَمِيُّ الْوَضْعِ وَالتَّعْرِيْفِ) (التَّعْرِيْفِ) هذا معطوف على قوله: (الْوَضْعِ) وهو مجرور (مَعْ زَيْدٍ عَلَى الثَّلاَثِ) (مَعْ) تُفِيد المصاحبة، يعني: شرطان لا بُدَّ منهما (صَرْفُهُ امْتَنَعْ) (صَرْفُهُ) هذا مبتدأ و (امْتَنَعْ) هذا فعل ماضي والجملة خبر (وَالْعَجَمِيُّ) قلنا: هذا مبتدأ، أين خبره؟ جملة: (صَرْفُهُ امْتَنَعْ) والعائد هو الضمير الذي أضيف إليه المبتدأ.
إذا كان الأعجمي رُباعياً وأحد حروفه ياء التَّصغِير انصرف ولا يُعتدُّ بالياء، إذا كان الأعجمي رباعياً .. على أربعة أحرف، نحن قلنا: أن يكون زائداً على ثلاثة أحرف، طيب! قد يكون رباعياً وفيه ياء التَّصغِير، انصرف، الياء هذه زائدة لا عِبْرة بها، فكأنه ثلاثي مثل: نُوْح ولُوْط وشَتَرْ.
كَذَاكَ ذُوْ وَزْنٍ يَخُصُّ الْفِعْلاَ ... أَوْ غَالِبٍ كَأَحْمَدٍ وَيَعْلَى

(أَحمَدٍ) صَرَفه للوزن، (كَذَاكَ) أي: مثل ذاك في منع الاسم من الصَّرْف "عَلَمٌ ذو وزنٍ يَخص الفعل" عَلَمٌ ذو وزنٍ؛ لأن البحث هنا فيما عُرِّف بالعَلميَّة، لِمَا وجدَ فيه عِلَّة معنوية وهي التَّعريف بالعَلميَّة (كَذَاكَ) أي: مثل ذاك، هذا خبر مُقدَّم جار ومَجرور مُتَعلِّق بمحذوف خبر مُقدَّم.


(ذُو وَزْنٍ) صاحب وزنٍ، أيضاً صفةٌ لموصوفٍ محذوف علمٌ ذو وزنٍ (ذُو) بمعنى: صاحب، وهو مرفوع ورفعه الواو نيابةً عن الضَّمَّة (ذُو) مضاف و (وَزْنٍ) بالتنوين مضاف إليه (ذُو وَزْنٍ) يعني: صاحب وزنٍ يَخص الفعل، يعني: خَاصَّاً بالفعل، لو سُمِّي به يعني: هو في الأصل وزنٌ لا يكون إلا للفعل.
وسبق أن الأوزان ثلاثة في الجملة .. في الأصل يعني:
- ما يَختَص بالاسم.
- ما يَختَص بالفعل.
- ما يكون مشتركاً بينهما.
وقد يكون في الاشتراك هنا أحدهما أغلب على الثاني، يعني: يغلب في الاسم دون الفعل، وقد يكون بالعكس، وقد يكون متساوياً، فالقسمة خماسية عند التقسيم: ما كان خَاصَّاً بالفعل وما كان خَاصَّاً بالاسم، ما كان خَاصَّاً بالفعل، يعني: لا يكون في الاسم البَتَّة، مثل: فَعَّل وانْفَعَل وافْتَعَل، هذه كلها من خواص الأفعال.
وقد يكون في الاسم ما هو من خَواصِّه، وقد يكون مشترك، المشترك يعني: وزن واحد يأتي عليه الاسم، ويأتي عليه الفعل، فحِينئذٍ مع الاشتراك قد يكون أحدهما أغلب، وقد يكونا متساويين، فهذا القسم تحته ثلاثة أنواع:
- ما يكون مشتركاً بينهما وهو أغلب في الفعل.
- ما يكون مشتركاً بينهما وهو أغلب في الاسم.
- ما يشتركان معاً، مثل: فَعَلَ، هذا لا يَختص به الفعل، يكون في الاسم ويكون في الفعل، وفَعْلٌ كذلك إذا خُفِّف ضَرْبَ، نقول: هذا ليس خَاصَّاً بالفعل.
هنا قال: (كَذَاكَ ذُوْ وَزْنٍ) (وَزْنٍ) معلوم الوزن، يعني: البِنْيَة والصيغة التي ذكرناها، الوزن والبِنية والصيغة بمعنىً واحد (ذُوْ وَزْنٍ يَخُصُّ الْفِعْلاَ) يعني: أن يكون على وزنٍ: فَعَلَ .. فَعِلَ .. فَعُلَ .. انْفَعَل .. افْتَعَل إلى آخره افْعَالَّ، نقول: هذه كلها أوزان، فَعَّلَ .. فُعِلَ هذه أوزان.
(ذُوْ وَزْنٍ يَخُصُّ الْفِعْلاَ) حِينئذٍ إذا وجد في الاسم عِلَّةٌ وهي كونه على وزن الفعل، فإذا كان هذا الوزن خَاصَّاً بالفعل حِينئذٍ نقول: مع العَلميَّة نمنعه من الصَّرْف، والعَلميَّة فرعٌ في المعنى، ووزن الفعل فرعٌ في اللفظ، لماذا صار فرعاً؟ نقول: لأن هذا الاسم الذي خرج عن أصله .. جاء على وزن الفعل، الأصل أن يأتي على وزنه هو الخاص به، أو الذي يغلب عليه، فَلمَّا جاء على وزن غيره صار فرعاً، مثل العُجْمَة السابق، نقول: كيف جاءت فَرعيَّة؟ لأن أنت عربي مثلاً، فالأصل أنك تتكلَّم بلسان العرب، فإذا تَكَلَّمت بلسان غير العرب صار فرعاً .. درجة ثانية، حِينئذٍ تكون هذه فرعيَّة.
كذلك الأصل في الاسم أن يكون على وزنه الخاص، فإذا جاء على وزن غيره حِينئذٍ نقول: هذا فرعٌ فيه، عَدَل عن الأصل وجاء على فرعٍ.


(كَذَاكَ ذُوْ وَزْنٍ يَخُصُّ الْفِعْلاَ) أي: مِمَّا يَمنع الصَّرْف مع العَلميَّة وزن الفعل، يعني: أن يكون الاسم على وزن الفعل، وعرفنا الفَرعيَّة هنا، بشرط أن يكون مُختصَّاً به أو غالباً فيه (مُختصَّاً به) يعني: مُختصَّاً بالفعل، أو غالباً به بالفعل، وأمَّا إذا كان مُشتركاً مثل (فَعَلَ) (بَطَل) مثلاً لا نقول: ممنوع من الصَّرْف لأنه على وزن فَعَلَ، وفَعَلَ يكون ضَرَبَ وقَتَلَ، لا نقول: هذا مُشترك، لأن الوزن ليس خَاصَّاً بالفعل، بل ليس غالباً في الفعل، وليس غالباً في الأسماء.
حِينئذٍ لا بُدَّ أن يكون الوزن خَاصَّاً بالفعل ولا يكون في الأسماء، أو أن يكون مُشتركاً، لكنَّه غالبٌ في الفعل، أكثر ما يكون في الفعل، والمراد بالمختص: ما لا يوجد في غير فعلٍ إلا في نادرٍ أو عَلَمٍ أو أعجمي (عَلَمٍ) يكون بالنَّقل، يعني: يُنقل، أصل (قَتَّلَ) لو سَمَّيت رجل قَتَّلَ، تقول: قَتَّلَ على وزن فَعَّلَ، لا يكون في الأسماء ما هو على وزن (فَعَّلَ).
أو نقول مثلاً: ضُرِبَ، جعلته علم: جاء ضُرِبَ .. قُتِلَ .. نُصِرَ، نقول: ما كان على وزن (فُعِلَ) هذا خاصٌ بالفعل، فإذا سُمِّي به عَلَم .. رجل، حِينئذٍ نقول: هذا منقول.
إذاً: المختص بالفعل ما لا يوجد في غير فعلٍ إلا في نادرٍ، ألفاظ لا يُعتدُّ بها، أو في عَلَمٍ منقول، أو أعجمي، كصيغة الماضي المفتتح بتاء المطاوعه: تَعَلَّمَ وتَكَلَّمَ، نقول: ما كان على وزن (تَفَعَّلَ) فهو خاصٌ بالفعل، أو بهمزة الوصل كـ: انْطَلَق، واجْتَمَع (افْتَعَل) و (افْعَالَّ) كل ما كان مبدوءً بهمزة الوصل وهو فعلٌ فهو خاصٌ بالفعل.
و (خَضَّمَ) لمكان و (شَمَّرَ) لفرس، واسْتخْرَج وتَفَاعَل وانْطَلَق كلها أعلام لو سُمِّي بها حِينئذٍ نقول: هذا جاء على وزن خَاصٍ بالفعل، لو سُمِّي رجل بـ: انْطَلَق، يعني: نقلت الفعل .. جعلته عَلَماً، حِينئذٍ نقول: هذا العلم خاصٌ بالفعل، فاجتمع فيه عِلَّتان: جاء انْطَلَقُ .. رأيت انْطَلَقَ .. مررت بانْطَلَقَ (انْطَلَقَ) هذا ممنوعٌ من الصَّرْف للعَلميَّة ووزن الفعل الخاص به.
مثله: شَمَّرَ لفرس: جرى شَمَّرَ .. رأيت شَمَّرَ .. علوتُ على شَمَّرَ، فـ: (شَمَّرَ) نقول: هذا ممنوعٌ من الصَّرْف للعَلميَّة ووزن الفعل، لأنه على زون (فَعَّلَ) و (فَعَّلَ) خاصٌ بالفعل، إذاً: منع من الصَّرْف لهذه العِلَّة.
والمراد بالغالب: ما كان الفعل به أولى، وهذا سبق في باب (أفْعَلَ) هناك، قلنا: أفْعَلَ .. أفْكَلَ، تأتي الهمزة في الاسم، وتأتي في (أحْمَد) حِينئذٍ نقول: في (أحْمَد) أثَّرت .. أحْمَدُ الله، إذاً: هذه الزيادة موجودة، وهي على وزن (أفْعَلَ) وزيدت فيه الهمزة، أدَّتْ معنى أو لا؟ أدَّتْ معنى، طيب! (أفْكَلَ)؟ اسمٌ للرِّعْدة والشِّدَّة ونحو ذلك، نقول: هذه فيه زيادة وهي الهمزة مثل (أحْمَد) لكنها لم تُؤثِّر في المعنى.
إذاً: ما كانت الزِّيادة مُؤثِّرة في المعنى أصلٌ لِمَا كانت الزيادة لا تُؤثِّر في المعنى، للقاعدة: أنَّ العرب لا تزيد حرفاً إلا لمعنىً، فإذا زيد حرف لغير معنى، حِينئذٍ نقول: هذا خلاف الأصل صار فرعاً.


والمراد بالغالب: ما كان الفعل به أولى إمَّا لكثرته فيه، كـ: إثْمِد، وإصْبَع، وأُبْلُم، هذه أوزان ثلاث موجودة في الأسماء وموجودة في الأفعال، لكنَّها في الفعل كثير، لماذا؟ لأن (إثْمِد، وإصْبَع، وأُبْلُم) أعلاماً، فإنَّ أوزانها تقل في الاسم وتكثر في الأمر من الثلاثي، لأن إثْمِد مثل اضْرِب، فعل أمر من: ضَرَبَ، وهذا كثير من (فَعَلَ) إذاً: اضْرِب (افْعِل) إثْمِد، هذا في الفعل أكثر منه في الأسماء، لأن الأسماء معدودة يمكن حصرها، وأمَّا فعل الأمر من (ضَرَبَ) هذا كثير جداً (إصْبَع) هذا الأمر من (ذَهَبَ .. اذْهَب .. إصْبَع).
إذاً: الوزن موجود في الاسم وموجود في الفعل، إلا أنَّه في الفعل أكثر، لماذا؟ لكونه على وزن الأمر من (ذَهَبَ) اذْهَب .. ذَهَبَ يْذَهَب .. فَعَلَ يَفْعَل، وكذلك: أُبْلُم، هذا (افْعُل) أمرٌ من: كَتَبَ .. يَكْتُب .. اكْتُب، وهذا كثير: فَعَلَ يَفْعُل .. كَتَبَ يَكْتُب، إذاً: هذه الأوزان موجودة في الأسماء وموجودة في الأفعال، إلا أنَّها في الأفعال كثيرة، لماذا؟ لكونها على أوزان أفعال أمرٍ من (ذَهَبَ) و (ضَرَبَ) و (كَتَبَ) فدَلَّ على أنَّ مثلها كثير.
تقل في الاسم وتكثر في الأمر من الثلاثي، كـ: ضرب، وذهب، وكتب، وأمَّا لأن أوله زيادةً تَدلُّ على معنىً في الفعل دون الاسم، هذا نحو: أفْكَلَ، وأكْلُب، فإنَّ نظائرهما تكثر في الأسماء والأفعال كما سبق: أنَّ (أفْعَلَ) وهذا سبق التعبير هناك قلنا: (أفْعَل) الأولى ألا يُعبَّر به وإنما يُقَال: وَزْنٌ الفِعْل بِه أولى، لأن الزيادة هنا أثَّرَت في الفعل ولم تُؤثِّر في الاسم، وما أثَّرَت فيه الزيادة فالوزن أولى به، لأنه الأصل، وما لم تؤثِّر فيه الزيادة فهو فرعٌ، ولذلك هو ليس بغالبٍ فيه.
كَذَاكَ ذُوْ وَزْنٍ يَخُصُّ الْفِعْلاَ ... أَوْ غَالِبٍ كَأَحْمَدٍ وَيَعْلَى

(أَوْ غَالِبٍ) هذا معطوف على (يَخصُّ) (أَوْ غَالِبٍ) (أَوْ) حرف عطف وهي للتنويع والتقسيم (غَالِبٍ) عطف الاسم على الفعل وهو (يَخُصُّ) إمَّا أن يؤوَّل الأول وزنٌ خاصٌ بالفعل أو غَالبٍ، فعطف صفة على صفة، أو يؤوَّل الثاني وزنٍ يخص الفعل أو يغلب .. يَغْلِب .. يَغْلُب، وجهان، إذاً: إمَّا أن تؤوِّل الأول وإمَّا أن تؤوِّل الثاني من أجل أن يكون المعنى مثل: ((صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ)) [الملك:19] يعني: قابضات، فيؤول الثاني لأن الأول حال.
إذاً: (أَوْ غَالِبٍ كَأَحْمَدٍ وَيَعْلَى) (أَحَمَد) مثال لأي شيء، للخاص أو الغالب؟ الغالب لأنه على وزن (أفْعَل) فيه زيادةٌ الفعلُ بها أولى، لأن هذه الزيادة موجودة في: (أفْكَل) وكذلك (أكْلُب) لكن هذه الزيادة لم تؤثِّر، وإنما أثَّرت في الفعل، فدل على أن ما أثَّرت فيه هو أولى بها، لأنها موافقة للأصل.
(وَيَعْلَى)؟ .. هو مَثَّل بِمثالين للغالب ولم يُمثِّل للخاص، لأن (يَعْلَى) هذا ليس خَاصَّاً بالفعل (يَفْعَل) ليس خَاصَّاً بالفعل، فالمثالان للغالب، ولم يُمثِّل للخاص.
قوله: (ذُوْ وَزْنٍ يَخُصُّ الْفِعْلاَ) فُهِمَ: أنَّ الوزن المشترك غير الغالب لا يمنع الصَّرْف، نحو: ضَرَبَ، وخَرَجَ.


قوله: (ذُوْ وَزْنٍ يَخُصُّ الْفِعْلاَ أَوْ غَالِبٍ) مفهومه: أنَّ ما كان من الوزن ليس بِخاصٍّ وليس بِغالبٍ لا يمنع الصَّرْف، مثل ما ذكرناه في (فَعَلَ) لو سُمِّي رجل بـ: (ضَرَبَ) تَمنعه أو لا؟ ما يُمنع، تقول: جاء ضَرَبٌ، ورأيت ضَرَباً، ومررت بِضَرَبٍ، لأنه لم يأت على وزنٍ يَخصُّ الفعل أو يغلب في الفعل، بل جاء على وزنٍ مشترك، أمَّا لو قيل: ضُرِبَ، نقول: لا، هذا خَاصٌّ بالفعل، فجاء ضُرِبُ، ورأيت ضُرِبَ، ومررت بضُرِبَ. إذاً واضح هذا:
كَذَاكَ ذُوْ وَزْنٍ يَخُصُّ الْفِعْلاَ ... أَوْ غَالِبٍ كَأَحْمَدٍ وَيَعْلَى

قال المكُودِي: " شَمِل الغالب ما وجوده في الأفعال أكثر من وجوده في الأسماء، نحو: (افْعَل) فإنه يوجد في الأسماء نحو: إصْبَع، لكن وجوده في الأفعال أكثر، وهو فعل أمرٍ من (فَعَلَ) وما كثر في الأسماء والأفعال معاً نحو: (أفْعَل) فإنَّه يوجد في الأفعال كثيراً نحو: أرْكَب وأشْرَب، وكذلك في الأسماء نحو: أفْكَل وأبْدَع - (أبْدَع) هذا اسمٌ للزَّعْفَران – لكن الهمزة في الفعل تدل على معنىً، وليست كذلك في الأسماء، فكان غالباً من هذه الحيْثيَّة".
إذاً: هو كثير في الأسماء والأفعال على وزن (أفْعَل) لكن لَمَّا كانت الزيادة مُؤثِّرة في المعنى في الفعل جُعِل غالباً، لأنه موافق للأصل، ما هو الأصل؟ أنَّ الزيادة لا تكون إلا لمعنىً، فوجدت في الفعل (أَحْمَدْ) الهمزة للمُتَكلِّم، وأشرب إلى آخره، فالهمزة للمُتَكلِّم، أمَّا (أفْكَل) هذه لم تكن فيها إلا مُجرَّد الزيادة، حرف على وزن (أفْعَل).
حِينئذٍ ما كانت الزيادة فيه مُؤثِّرة في المعنى أصلٌ وهو الغالب وهو الكثير، وما لم يكن كذلك فهو أدْوَن. لكن الهمزة في الفعل تَدلُّ على معنىً وليست كذلك في الأسماء، فكان غالباً من هذا الوجه، وكذلك (يَعْلَى) وهو على وزن (يَفْعَل) وهو أيضاً موجودٌ في الأفعال والأسماء ليس بخاص، نحو: نَذْهَب في الأفعال، ونَدْمَع في الأسماء، وجد هنا وهناك، لكن قد يُقال: بأنَّه غالبٌ في الفعل لكون الياء تَدلُّ على معنى وهي الغيْبَة، وأمَّا في: نَدْمَع أو يَدْمَع نقول: هذه لا تدل على شيء.
قال الشَّارِح هنا ابن عقيل: " أي: كذلك يُمنع صرف الاسم إذا كان عَلَماً بشرطٍ وهو: أن يكون على وزْنٍ يَخصُّ الفعل أو يَغلب فيه " يَغْلِب يَغْلُب فيه وجهان، والمراد بالوزن الذي يَخصُّ الفعل: ما لا يوجد في غيره إلا ندوراً .. قليل، وذلك كـ: (فَعَّلَ وفُعِلَ) فلو سَمَّيت رجلاً بـ: ضُرِبَ، أو: كَلَّمَ، منعته من الصَّرْف، فتقول: هذا ضُرِبُ، أو: هذا كَلَّمُ، أو: رأيت ضُرِبَ، أو: كَلَّمَ، ومررت بِضُرِبَ، أو: كَلَّمَ.


والمراد بِما يغلب فيه: أن يكون الوزن يوجد في الفعل كثيراً، أو يكون فيه زيادةٌ تَدلُّ على معنىً في الفعل، ولا تَدلُّ على معنىً في الاسم فالأول كـ: إثْمِد وإصْبَع، فإنَّ هاتين الصِّيغتين يكثران في الفعل دون الاسم كـ: اضْرِب واسْمَع، ونحوهما من الأمر المأخوذ من فعل ثلاثي، فلو سَمَّيت رجلاً بـ: إثْمِد وإصْبِع وإصْبَع، منعته من الصَّرْف للعَلميَّة ووزن الفعل، فتقول: هذا إثِمْدُ، ورأيت إثْمِدَ، ومررت بإثْمِدَ، والثاني: كـ: أحْمَد ويَزِيد، ويَشْكُر، وتَغْلِب، فإن كلاً من الهمزة والياء يدل على معنىً في الفعل وهو التَّكلُّم والغيبة، ولا يدل معنىً في الاسم، فهذا الوزن غالبٌ في الفعل، بِمعنى: أنَّه به أولى، فتقول: هذا أحْمَدُ ويَزِيدُ، ورأيت أحْمَدَ ويَزيِدَ، ومررت بأحْمَدَ ويَزِيدَ، فيمنع للعَلميَّة ووزن الفعل.
فإن كان الوزن غير مُختصٍّ بالفعل ولا غالبٍ فيه لم يُمنع من الصَّرْف، فتقول في رجل اسمه: ضَرَبَ، هذا ضَرَبٌ، ورأيت ضَرَباً، ومررت بِضَرَبٍ، لأنه يوجد في الاسم كـ: حَجَر، وفي الفعل كـ: ضَرَبَ.
وَمَا يَصِيرُ عَلَمَاً مِنْ ذِيْ أَلِفْ ... زِيدَتْ لإِلْحَاقٍ فَلَيْسَ يَنْصَرِفْ

(وَمَا) اسم موصول بِمعنى: الذي، وهو مبتدأ (يَصِيرُ عَلَمَاً) (يَصِيرُ) فعل مضارع ناقص فيحتاج إلى اسمٍ وخبر، لأنه من أخوات (كان) .. صار يصير:
وَغَيْرُ مَاضٍ مِثْلَهُ قَدْ عَمِلاَ ... إِنْ كَانَ غَيْرُ الْمَاضِ مِنْهُ اسْتُعْمِلاَ

هنا (صار) يحتاج إلى اسم وخبر، يصير مثله، لأنه فعل مضارع (يَصِيرُ) هو (عَلَمَاً) خبر (يَصِيرُ).
(مِنْ ذِيْ أَلِفْ زِيدَتْ لإِلْحَاقٍ) (مِنْ ذِيْ أَلِفْ) المراد بها المقصورة، يعني: ألف التأنيث إمَّا أن تكون ممدودة، وإمَّا أن تكون مقصورة، والمراد هنا في هذا التركيب .. في هذا البيت المقصورة لا الممدودة، ولذلك كان الأولى أن يُقيِّده بالمقصورة صريحاً، أو بالمثال أو بهما، لكنَّه لم يذكر مثالاً فأطلق، ولذلك ورد عليه الاعتراض.
(وَمَا يَصِيرُ عَلَمَاً مِن ذِي أَلِفْ) يعني: من اسمٍ ذي ألف (زِيدَتْ لإِلحَاقٍ) الإلحاق باب واسع عند الصَّرْفيين، والمراد به: جَعْل كلمة على مثال كلمة أخرى رباعية الأصول أو خماسيتها، يعني: تلحق زيادة بلفظٍ من أجل أن يُجْعَل مثل الملحق به، وله شروطه، سبق شرحه في نظم المقصود.
فمثلاً: جَلَبَ، يُقال: جَلْبَبَ، أصله: جَلَبَ، زيدت الباء من أجل أن يكون موازناً لـ: دَحْرَج، في تصرفاته، فيُقال: دَحْرَج يُدَحْرِج دَحْرَجةً ودِحْرَاجاً (جَلَبَ) لوحده ما يمكن أن يكون مثل (دَحْرَج) لأن دَحْرَج رباعي، وجَلَبَ ثلاثي، نزيده حرفاً، فقيل: جَلْبَبَ على وزن (فَعْلَلَ) مثل: دَحْرَج.
إذاً: جَلْبَبَ يُجَلْبِب جَلْبَبَةً وجِلْبَاباً، كما تقول: دَحْرَج يُدَحْرِج دَحْرَجةً ودِحْرَاجاً، هذا باب الإلحاق، وفيه تفصيل طويل عريض فليُرْجَع إلى ما ذكرناه سابقاً.
وَمَا يَصِيرُ عَلَمَاً مِنْ ذِيْ أَلِفْ ... زِيدَتْ لإِلْحَاقٍ. . . . . . . . . .


يعني: جَعْلُ كلمة على مثال كلمة أخرى (فَلَيْسَ يَنْصَرِفْ) الفاء هذه زائدة، لأن (مَا) مبتدأ وفيه معنى العموم، بل هي من صِيَغ العموم، وعليه يَجوز زيادة الفاء في الخبر، وقوله: (لَيْسَ يَنْصَرِفْ) (لَيْسَ) فعل ماضي ناقص، والاسم ضمير مستتر يعود على (مَا) و (يَنْصَرِفْ) هذا فعلٌ في محل نَصْب خبر (لَيْسَ).
إذاً مراده هنا: أنَّه إذا سُمِّي بما فيه ألف الإلحاق، يعني: اجتمع فيه عِلَّتان: العَلميَّة وهي ثابتة، ثُمَّ المُسمَّى به ما فيه ألف الإلحاق، وليست هي ألف التأنيث السابقة، لئلا يُقال: بأنَّه اجتمع عندنا تأنيثٌ وعَلميَّة، يعني أنه إذا سُمِّي بما فيه ألف الإلحاق امتنع صرفه للعَلميَّة وشبه ألف التأنيث، وليست هي ألف التأنيث، نحو: عَلْقَى، مُسمَّىً به لأنه ملحق بـ: جَعْفَر، عَلْقَى أصله: هو العين واللام والقاف، مثل: جَلَبَ، ألحقت به ألف التأنيث المقصورة من أجل أن يُلحق بـ: جَعْفَر.
وفُهِم منه: أنَّ الإلحاق إذا كان بالهمزة وسُمِّي به انصرف، ولذلك قلنا: يَجب تقييده (مِن ذِي أَلِفْ) المراد به الألف المقصورة لا الممدودة، فإن كانت مَمدودةً حِينئذٍ انصرف مثل: عَلْبَاء، الهمزة هنا ممدودة وهي للإلحَاق.
وفُهِم منه: أنَّ الإلحاق إذا كان بالهمزة وسُمِّي به انصرف، وذلك نحو: عَلْبَاء، فإنَّه ملحقٌ بـ: قِرطَاس، وإنما أثَّرَت ألف الإلحاق المقصورة دون الممدودة لأنها زائدةٌ غير مُبْدَلة من شيء، بِخلاف الممدودة، فإن همزتها مبدلة من ياء، إذاً: عَلْقَى، الألف هذه زائدة ليست مُبدلة من شيء، وأمَّا: عَلْبَاء، فهي مُبدلة من ياء، لذلك أثَّرَت المقصورة دون الممدودة.
وَمَا يَصِيرُ عَلَماً مِنْ ذِيْ أَلِفْ ... زِيْدَتْ لإِلْحَاقٍ فَلَيْسَ يَنْصَرِفْ

ولم تستقل ألف الإلحاق بالمنع كألف التأنيث، لأن الملحق بغيره أحط رتبةً منه، لأنه سبق أن الممدود والمقصور كلاهما للتأنيث، وهو مِمَّا يكفي أو يقوم عِلَّة مقام عِلَّتين، وهنا ليس الأمر كذلك، وإنما احتَجْنا إلى عِلِّةٍ أخرى، لماذا لا يُقال في: عَلْقَى، أنَّه مِمَّا قامت فيه عِلَّة مقام عِلَّتين، مثل: سَلْمَى، وحَبْلَى هناك؟
نقول: هنا مُلحقٌ بغيره، والملحق بغيره أحط رتبةً، وذاك أصلٌ بنفسه، وما كان أصلاً بنفسه يَمنع، وما كان ملحقاً بغيره فهو في درجة ثانية.
قال الشَّارِح هنا: " أي: ويُمنع صرف الاسم أيضاً للعَلميَّة وألف الإلحاق المقصورة" ألف الإلحاق المقصورة فقط، بخلاف الممدودة نحو: عَلْبَاء. "كـ: عَلْقَى، وأرْطَى (عَلْقَى) اسم نَبْتٍ و (أرْطَى) اسم شَجْرٍ، فتقول فيهما: علمين، هذا عَلْقَى، ورأيت عَلْقَى، ومررت بِعَلْقَى" يعني: ما يظهر فيه.
"فتمنعه من الصَّرْف للعَلميَّة وشبه ألف الإلحاق بألف التأنيث، إذاً: أشْبَهت هذه الألف ألف التأنيث في: سَلْمَى وحُبْلَى هناك، ولم تَمنع بمفردها لِمَا ذكرناه من عِلَّة، ووجه الشَّبَه من جهتين:
- أنها زائدة ليست مُبدَلة من شيءٍ بِخلاف الممدودة، فإنها مبدلة من ياء.


- الثاني: أنها تقع في مثالٍ صالحٍ لألف التأنيث، نحو: أرْطَى، فإنه على مثال: سَكْرَى، هو صالحٌ بنفسه لألف التأنيث، يعني: قابلٌ لها، لأنه مثل: سَكْرَى، وعِزْهَى، فهو على مثال: ذِكْرَى، بِخلاف الممدودة نحو: عَلْبَاء، وشِبْه الشيء بالشيء كثيراً ما يلحقه به، وهنا المقصورة للإلحاق أشْبَهت المقصورة هناك في التأنيث فألحقت بها.
إذاً: فتمنعه من الصَّرْف للعَلميَّة وشبه ألف الإلحاق بألف التأنيث، من جهة أنَّ ما هي فيه والحالة هذه، أعني: حال كونه عَلَماً لا يقبل تاء التأنيث، فلا تقول فيمن اسمه عَلْقَى: عَلْقَاةٌ، هذا لا يُقال، كما لا تقول حَبْلَى: حُبْلاةٌ، فإن كان ما فيه ألف الإلحاق غَيْرَ عَلَمٍ كـ: عَلْقَى وأرْطَى -لنبات ونحوه- قبل التَّسمِية بهما صرفته، لأنه والحالة هذه لا تشبه ألف التأنيث، وكذا إن كانت ألف الإلحاق ممدودةً كـ: عَلْبَاء، فإنك تصرف ما هي فيه عَلَماً كان أو نكرة.
إذاً:
وَمَا يَصِيرُ عَلَماً مِنْ ذِيْ أَلِفْ ... زِيْدَتْ لإِلْحَاقٍ ..........

هذا أشْبَه ما يكون مُحلقاً بقوله: (فَأَلِفُ التَّأْنِيْثِ) هناك، إذا كانت مقصورة حِينئذٍ دَلَّت الألف على التأنيث بذاتها، الملحق به حِينئذٍ يأخذ حكمه بشرط إضافة العَلميَّة إليه، فإن وجدت فيه العَلميَّة حِينئذٍ وجد فيه عِلَّتان إحداهما ترجع إلى اللفظ، والأخرى ترجع إلى المعنى، تمنعه من الصَّرْف.
فـ: عَلْقَى وأرْطَى، قبل التَّسميَّة ليسا ممنوعين من الصَّرْف، وأمَّا بعد التَّسميَّة حِينئذٍ نقول: هما ممنوعان من الصَّرْف للعَلميَّة ولشبه ألف التأنيث، ووجه الشَّبَه ما ذكرناه في السابق.
إذاً: (وَمَا يَصِيرُ) (مَا) يعني: الاسم الذي (يَصِيرُ عَلَمَاً) وأمَّا قبله فهو مصروفٌ (مِن ذِي أَلِفْ) يعني: من اسمٍ صاحب ألفٍ (زِيدَتْ) هذه الألف وهو صفة لألف (لإِلحَاقٍ) وعرفنا معنى الإلحاق (فَلَيْسَ يَنْصَرِفْ) فهو ممنوعٌ من الصَّرْف، للتأنيث أو شبه التأنيث مع العَلميَّة.
ونقف على هذا، والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ... !!!