شرح ألفية ابن مالك للحازمي

عناصر الدرس
* العلمية والعدل
* لغات العرب فيما كان على وزن (فعال) ـ
* حكم ما اشترط فيه العلمية عند انتفائها
* حكم الإسم المنقوص الممنوع من الصرف
* صرف الممنوع من الصرف ومنع المصروف ضرورة.

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله رب العالمين، والصَّلاة والسَّلام على نبينَّا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
لا زال الحديث في بيان العلل التي تَمنع الاسم من الصَّرف، وقفنا عند قول الناظم:
وَالْعَلَمَ امْنَعْ صَرْفَهُ إِنْ عُدِلاَ ... كَفُعَلِ التَّوْكِيْدِ أَوْ كَثُعَلاَ
وَالْعَدْلُ وَالتَّعْرِيفُ مَانِعَا سَحَرْ ... إِذَا بِهِ التَّعْيِينُ قَصْداً يُعْتَبَرْ

(والعَلَمَ امْنَعْ صَرْفَهُ) لا زال الحديث فيما يِتَعلَّق بالعلل التي تَمنع الصَّرف بشرط العلميَّة، قلنا ما يكون نكرة ولا يُشْتَرَط فيه التَّعريف خمسة، وهي التي بدأ بها الناظم، ثُمَّ شرع في أقسامٍ أو أنواعٍ سبعة لا تمنع الصَّرف إلا مع وجود العلميَّة، هنا قال:
وَالْعَلَمَ امْنَعْ صَرْفَهُ إِنْ عُدِلاَ ..
إذاً: العدل مع العلميَّة، ولكنَّه ذكره في ثلاثة أنواع يعني: العلميَّة والعدل يكونان مانعين للصَّرف في ثلاثة مواضع:
الأوَّل: ما أشار إليه بقوله (كَفُعَلِ التَّوْكِيْدِ).
والثاني: قوله (أَوْ كَثُعَلاَ).
والثالث بقوله: (وَالْعَدْلُ وَالتَّعْرِيفُ مَانِعَا سَحَرْ) بالشَّرط الَّذي ذكره: (إِذَا بِهِ التَّعْيِينُ قَصْداً يُعْتَبَرْ).
(وَالْعَلَمَ امْنَعْ صَرْفَهُ) (الْعَلَمَ) قلنا: هذا منصوبٌ على الاشتغال، امْنَعْ صَرْفْ العَلَمِ، يكون على حذف مضاف، لأن (الْعَلَمَ) لوحده لا يتسلَّط عليه العامل (امْنَعْ العَلَمَ) هذا ما يَتَأتَّى (امْنَعْ صَرْفْ العَلَمْ) حينئذٍ حُذِف المضاف وأُقِيم المضاف إليه مُقَامَه، فإذا جئت تُعْرِب مثل هذا تقول: (الْعَلَمَ) مفعولٌ به على حذف مضاف، منصوبٌ على الاشتغال على حذف المضاف، من أجل أن يُفَسَّرْ، من أجل أن يُسَلَّط عليه العامل فيصح المعنى.
(إِنْ عُدِلاَ) الألف للإطلاق، وعرفنا المراد بالعَدْل: وهو تحويل الاسم من حالةٍ إلى حالةٍ أخرى مع بقاء المعنى الأصلي، وهذا عندهم على نوعين: (مُحَقَّقْ وَمُقَدَّرْ) (مُحَقَّقْ) هذا قليل أرادوا أن ينسبوا بعضها إلى بعض، كما قالوا في (فُعَلْ .. عُمَرْ) مَعْدُولٌ عن (عَامِر) عَامِر مسموع و (عُمَرْ) مسموع، كلاهما مسموعان، لكن كون (عُمَرْ) مَعْدُول عن (عَامِر) هذا يحتاج إلى دليل، وإلا (عَامِر) لفظٌ مستقل اسم فاعل و (عُمَرْ) كذلك مُستقل، ذاك مصروف (عَامِر) وهذا ممنوعٌ من الصَّرف.
كونه مَعْدُولاً عنه مُحَوَّل: عُمَرْ عن عَامِر، هكذا ادَّعى النُّحاة، ولذلك سبق أن العَدْل هذه العلَّة عَليلة في نفسها، والتَّقدير فيما إذا لم يُسْمَع قالوا: زُحَلْ .. زَاحِلْ، ما سُمِع (زَاحِلْ) كذلك: قُثَم .. قاثم، وثُعَلْ عند بعضهم ثَاعِل، وإن سُمِع (أثْعَلْ) كما سيأتي.
إذاً: العَدْل: هو تحويل الاسم من حالةٍ إلى حالةٍ أخرى مع بقاء المعنى الأصلي، وهذا إنَّما يكون في الألفاظ ولا يكون في المعاني .. يكون في الصِّفات ويكون في المعارف، في الصِّفات سبق: مَثْنَى وثُلاث، وهذا في العدد وفي غيره .. غير العدد لفظ (أُخَرْ) فقط ليس ثَمَّ لفظ آخر، وأمَّا في المعارف فهذا على نوعين:


إمَّا أنْ يكون في باب (فُعَلْ) توكيد، وإمَّا أن يكون في باب (ثُعَلْ) الَّذي هو (عُمَرْ) وسيأتي مُلحقاً (فَعَالِ) لأنَّه مَعدولٌ عن (فَعِلَة) يعني: ما كان على وزن (فُعَلْ) عَلَماً لمُذَكَّر، وما كان على وزن (فَعَالِ) عَلَماً لِمُؤَنَّثْ كـ (حَذَامِ) كما سيأتي بيانه.
إذاً: (كَفُعَلِ التَّوْكِيدِ) هذا أراد به النَّوع الأوَّل فُعَل المُؤَكَّد به نحو: جُمَعْ، وبُصَعْ، وَكُتَعْ، وَبُتَعْ، فإنَّها معارف بنيَّة الإضافة، إذاً: قوله (كَفُعَلِ التَّوْكِيدِ) (فُعَلِ) مضاف و (التَّوْكِيدِ) مضاف إليه، قيل: الإضافة هنا على معنى (اللام) أو معنى (في) يعني (فُعَلْ) المؤَكَّد به، سبق أن (أجْمَعَ) هذا مما يُؤَكَّد به، وتوابع أجْمَعْ: أَكْتَعْ، وَأبْصَعْ، وَأبْتَعْ، هذه كُلَّها تأخذ حكم (أجْمَعْ) حينئذٍ في الجَمْعِ يُقال فيها: جُمَعْ، وَبُصَعْ، وَكُتَعْ، وَبُتَعْ، وإلا فهي في المفرد يُقال: أجْمَعْ، وَأبْصَعْ، وأَكْتَعْ، وَأبْتَعْ، وسيأتي معنا العدل في هذه الألفاظ.
إذاً: النَّوع الأوَّل الَّذي يُمْنَع مع العلميَّة وهو معدولٌ عن غيره: (فُعَلِ التَّوْكِيدِ) وهو: جُمَعْ، وَكُتَعْ، وَبُصَعْ، وَبُتَعْ، جَمْعُ: جَمْعَاء، وَكَتْعَا، وَبَصْعَاء، وَبَتْعَاء، هذه كلَّها ألفاظ مفردة وجمعها على وزن: (فُعَلْ) فإنَّها غير مصروفة للعدل والعلميَّة بل هي ممنوعةٌ من الصَّرف، والعلَّة المانعة العدل والعلميَّة، أمَّا العدل فَلأنَّها من حيث إنَّ مُذَكَّرها (أفْعَلْ) ومُؤَنَّثها (فَعْلاَءْ) أجْمَعْ وَجَمْعَاء .. أبْتَعْ وَبَتْعَاء .. أبْصَعْ وَبَصْعَاء، إذاً: المُذَكَّر على وزن (أفْعَلْ) والمُؤَنَّثْ على وزن (فَعْلاء).
قياسها حينئذٍ أنْ تُجْمَع على (فُعْلٍ) كـ: أحْمَرْ وَحَمْرَاء، يُجْمَع على (حُمْرٍ) إذاً: الأصل فيه: أنْ تُجْمَع على (فُعْلٍ) جُمْعٍ، وَبُتْعٍ، وَكُتْعٍ، لكن هل جاءت على هذا الوزن؟ لم تأت على هذا الوزن، بل جاءت على وزن (فُعَلْ) حينئذٍ يُسمَّى عدلاً عندهم، حينئذٍ الأصل فيها: أنَّ مُذَكَّرَها على وزن (أفْعَلْ) ومُؤَنَّثها على وزن (فَعْلاء).
القياس: أنَّ يكون الجمع على وزن (فُعْلٍ) بِضَمِّ الفاء وإسكان العين، كما يُجْمَع: أحْمَرْ وَحَمْرَاء على (حُمْرٍ) هذا من حيث اعتبار المُذَكَّر والمُؤَنَّث، ولها حَيْثِيَّةٌ أخرى: من حيث كونها اسم لا صفة، فقياسها أن تُجْمَع على (فَعَالَى) كـ: صَحَارَى، فيقال: جَمَاعَى، وكََتَاعى، وَبَصَاعى إلى آخره، ومن حيث إنَّ مُذَكَّرها يُجْمَع بالواو والنُّون: أجْمَعُونْ، وَأكْتَعُونْ، وَأبْتَعُونْ، وَأبْصَعُونْ، يُجْمَع بالواو والنُّون، وما كان يُجْمَع بواوٍ ونون فقياس مُؤَنَّثِه أنْ يُجْمَع بألفٍ وتاء.
فحينئذٍ قياسه أن تُجْمَع على (فَعْلاَوات) جَمْعَاوات هذا القياس. فقياسها أنْ تُجْمَع على (فَعْلَاوات) لأنَّ قياس كُلِّ ما جُمِع مُذَكَّرُه بالواو والنُّون أن يُجْمَع مُؤَنَّثُه بالألف والتَّاء، إذاً: هذه ثلاث اعتبارات: (فُعْلٍ .. فَعَالَى .. فَعْلَاوات) هذا قول، وهذا قول، وهذا قول، فحينئذٍ تكون الأقوال ثلاثة:


- منهم من قال: العدل عن كونها (فُعْلٍ) الأصل فيها أنْ تُجْمَع على وزن (فُعْلٍ) ولكنَّها جاءت على وزن جُمَعْ (فُعَلْ) هذا عدلٌ.
- أنْ تُجْمَع على (فَعَالى) كـ: صَحَارَى، فجاءت على: جُمَعْ (فُعَلْ)
- أن تُجْمَع على وزن (فَعْلاوات) جَمْعَاوات، لكنَّها جاءت على جمع (فُعَلْ).
إذاً: هذا قول وهذا قول وهذا قول، ما هو المُعْتَبَر منها؟ كُلُها فيها رجوعٌ عن قياس، فجيء إلى الفرع دون الأصل، وبهذه الاعتبارات اختلف النُّحاة، يعني: الاعتبارات الثَّلاث: إمَّا أنْ يُنْظَر إلى كونِه مذكَّراً ومؤنَّثه على (فَعْلَى) حينئذٍ يُجْمَع بكذا، وإمَّا أن ينظر إلى كونه اسماً فَيُجْمَع على كذا، إمَّا أنْ يُنْظَر إلى كونه يُجْمَع مذكَّره بواوٍ ونون (أجمعون) إذاً: مؤنَّثه يجمع بألفٍ وتاء.
فقال الأخفش والسيرافي: " أنَّها معدولةٌ عن (فُعْلٍ) " يعني: اختار القول الأوَّل، واختاره ابن عصفور، لأنَّ العدل عن (فَعَالى) لم يثبت في موضعٍ من المواضع، والعدل عن (فُعْلٍ) إلى (فُعَلْ) ثبت، هذا قولٌ، وقيل: معدولةٌ عن (فَعَالى) لأنَّه اسمٌ لا صفة، وقيل: عن (فَعْلاوات) وهذا الَّذي اختاره ابن مالك وهو الَّذي قدَّمه ابن عقيل هنا: وهو أنَّه معدولٌ عن (فَعْلاوات) لأنَّ مذكَّره يُجْمَع بواوٍ ونون، وما كان مُذَكَّره يُجمع بواوٍ ونون فمؤَنَّثه القياس فيه أنْ يُجمع بألفٍ وتاء، حينئذٍ (جُمَعْ) نقول (أجْمَع) فَيُجْمَع بواوٍ ونون ((فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ)) [الحجر:30] فَجُمِع بواوٍ ونون.
إذاً: المؤنَّث أن يُقال (جَمْعَاوات) هل قيل (جَمْعَاوات)؟ لم يُقَل (جَمْعَاوات) بل قيل (جُمَع) فحينئذٍ عُدِلَ به عن القياس، كما هو الشَّأن في (الأُخَرْ) هناك، الأصل أن يُقال: الأُخَرْ بـ: (أَلْ) فَعُدِل عنه فقيل (أُخَرْ).
وأمَّا العلميَّة: ما وجه كونها أعلاماً؟ فقيل: ألفاظ التَّوكيد أعلامٌ، بمعنى: الإحاطة، واسْتُدِلَّ لذلك بجمعهم مُذَكَّرَها بالواو والنُّون، ولا يُجْمَع من المعارف بهذا، يعني: بالواو والنُّون إلا العَلَم، واختاره ابن الحاجب.
إذاً: هذه أعلامٌ تدلُّ على الإحاطة، لأنَّ المُذَكَّر يُجْمع بالواو والنُّون (أَجْمَعُونْ) فإذا قيل: أَجْمَعُونْ، وَجَمْعَاوات، وَجُمَعْ، حينئذٍ المادَّة أصلها عَلَم، لأنَّ الَّذي يُجمع بالواو والنُّون كـ: عامِرٍ وَمُذْنِب (عامِر) هو علم وجُمِع بواوٍ ونون، حينئذٍ رجعنا إلى كونها عَلَماً. وقيل: تعريفها بنيَّة الإضافة، والأصل (جُمَعُهُنَّ) إذا قيل: جاء النِّساء جُمَعْ، الأصل: (جُمَعُهُنَّ) يعني: بالضَّمير، لكنَّه حُذِف ونُوي معناه.


فحُذِف الضَّمير للعِلْم به، واسْتُغْنيَّ بنيَّة الإضافة، وصارت لكونها معرفةً بلا علامة ملفوظٍ بها كالأعلام وليست بأعلام، وهذا ما يُسمِّيه البعض: بِشِبْه العلميَّة، علميَّة، يعني: صار معرفةً بدون قرينة، يصدق عليه حدَّ العَلَم، وشِبْه العلميَّة: أنَّه يدل على المعرفة ولكن ليس بأداةٍ ملفوظٍ بها، فهي كالأعلام وليست بأعلام، لأنَّ العَلَم إمَّا شخصي، وإمَّا جِنسي، وليست هذه واحدة منهما، وعلى هذا ابن مالك، ونَقَله عن ظاهر كلام سيبويه: أنَّها مَعرِفةٌ بِنيَّة الإضافة.
إذاً: على قول ابن مالك، وهو الَّذي اختاره الكثير من المتأخِّرين بعده: أن (جُمَعْ) مُنِع من الصَّرف للعلميَّة والعدل، أمَّا العدل فالأصح عنده أنَّه معدولٌ عن (جَمْعَاوات) أصله: أن يُجْمَع على (جَمْعَاوات) بألفٍ وتاء، لكون مذَكَّره (أَجْمع) يُجْمع بواوٍ ونون، والقياس فيما جُمِع بواوٍ ونون أن يُجمع مؤنَّثه بالألف والتَّاء، لكنَّه ما جُمِعا بهذه الصِّيغة فَعُدِلَ عنه إلى (جُمَع) هذا يُسمَّى عدل: تَحويل الاسم من حالةٍ إلى حالةٍ أخرى، حُوِّلَ (جَمْعَاوات) إلى (جُمَعْ) حينئذٍ مُنِع من الصَّرف.
وأمَّا كونها علميَّةً -العلَّة الثانية- فلنيَّة الإضافة.
وَالْعَلَمَ امْنَعْ صَرْفَهُ إِنْ عُدِلاَ ... كَفُعَلِ التَّوْكِيْدِ. . . . . . . . . . .

هذا الأوَّل، قال ابن عقيل هنا: " الأوَّل: ما كان على (فُعَلْ) من ألفاظ التَّوكيد فإنَّه يُمنع من الصَّرف لِشِبْه العَلميَّة والعدل " لم يقل: العلميَّة، وإنما قال: شِبْه العلميَّة، لِمَا ذكرناه: أنَّه معرفة لا بأداةٍ ملفوظٍ بها، وهذا ليس بعَلَمٍ حقيقةً وليس بنكرة، وإنَّما هو شِبْهٌ بالعَلَم.
ما كان على (فُعَلْ) من ألفاظ التَّوكيد وذلك: جُمَعْ، وَبُصَعْ، وَكُتَعْ، وَبُتَعْ، فإنَّها معارف بنيَّة الإضافة إلى ضمير المؤكَّد فشابهت بذلك الأعلام، لكونه معرفةً من غير قرينة، يعني: من غير أداةٍ لفظية وهذا ظاهر مذهب سيبويه: أنَّها مُضافة إلى ضمير المؤكَّد، لكنَّه حُذِف واسْتُغني بينَّة الإضافة، حينئذٍ هي ليست عَلَماً، وإنَّما شبيهاً بالأعلام، والأعلام التي دلَّت على أنَّها معرفة - العَلَم هو الضَّمير - أين هو؟ منوي، إذاً: ليس بظاهر، وكلُّ ما عُلِّمَ بشيءٍ ليس ملفوظ حينئذٍ رجعنا إلى كونه شبيهاً بالعَلَم وليس بعَلَم.
وقيل: بالعلميَّة، وهذا ردَّه ابن مالك في (شرح الكافية) وقال في (شرح التَّسهيل): " بِشِبْه العلميَّة أو الوصفيَّة " والمشهور أنَّه العلميَّة.


وذلك نحو: جَاءَ النِّسَاءُ جُمَعُ، تمنعه من الصَّرف فلا تقل: (جُمَعٌ) وَرَأيَْتُ النِّساءَ جَمَعَ، وَمَرَرْتُ بِالنِّساءِ جَمَعَ، ممنوعٌ من الصَّرف للعدل عن (جَمْعَاوَاتْ) وللعَلميَّة، أو شئت قُل: شِبْه العلميَّة، فالعدل فيه أنَّه معدولٌ عن جمعيَّته الأصلية، فإن حق جمعه أن يُجْمع على (جَمْعَاوَاتْ) ولذلك قال ابن عقيل هنا: " والأصل: (جَمْعَاوَاتْ) " اختار ما قرَّره ابن مالك في غير هذا الكتاب، لأنَّ مفرده (جَمْعاء) فَعُدِل عن (جَمْعَاوَاتْ) إلى (جُمَع) وهو مُعَرَّفٌ بالإضافة المُقَدَّرة، أي: (جُمَعُهنَّ) فأشْبَه تعريفه تعريف العلميَّة من جهة أنَّه معرفة وليس في اللفظ ما يعرِّفه، وهذا ما يُعبَّر عنه بـ: شِبْه العَلميَّة، يعني: أن يدل شيءٌ على أنَّه معرفة ولكنَّه مُقدَّر غير ملفوظ، وهذا أراد بقوله: (كَفُعَلِ التَّوْكِيْدِ).
إذاً: (كَفُعَلِ التَّوْكِيْدِ) .. والمراد بـ (فُعَلْ) هنا ما جاء على وزن (فُعَلْ) ولا يختصُّ بـ (جُمَع) وإنَّما ما ألحق به (أَوْ كَثُعَلاَ) (أَوْ) هذا النَّوع الثًّاني (أَوْ كَثُعَلاَ) يعني: ما جاء على (فُعَلْ) موضوعاً عَلَماً، ولذلك قلنا: العدل يكون في المعارف ويكون في الصِّفات، والصِّفات مضى معنا، والمعارف يكون على وزن (فُعَلْ) أو على وزن (فَعَال) (فُعَلْ) هذا عَلَم موضوعاً لِعَلَمٍ مذكَّر، كل ما كان على وزن (فُعَلْ) حينئذٍ يكون ممنوعاً من الصَّرف، وهذا بابه سهل لأنَّه محفوظ .. ألفاظ معدودة ولا زيادة عليها.
ولذلك قيل: لم يُسْمَع إلا عُمَرْ، وَزُفَرْ، وَمُضَرْ، وَثُعَلْ، وَهُبَلْ، وَزُحَلْ، وَعُصَمْ، وَقُزَحْ، وَجُشَمْ، وَقُثَمْ، وَجُمَحْ، وَجُحَى، وَدُلَفْ، وَبُلَعْ، فقط لا يوجد غيرها، هذه ممنوعة من الصَّرف لكونها على وزن (فُعَلْ) معدولة عن (فَاعِلٍ) حينئذٍ كونها معدولةً ومع العلميَّة لأنَّه عَلَم كـ: عُمَرْ ونحوه، حينئذٍ مُنِع من الصَّرف.
(أَوْ كَثُعَلاَ) الألف للإطلاق، وهو علم جنس للثَّعلب، وقيل: اسم رجل، ما جاء على وزن (فُعَلْ) موضوعاً عَلَماً، وهو معدولٌ عن صيغة الفاعل، حقيقةً أو مُقَدَّرة، حقيقةً: فيما سُمِع فيه في لسان العرب: فَاعِل، كَـ: عَامِر وَعُمَرْ، سُمِع فيهما، وما عداه فهو مُقدَّر.
وطريق العِلْم به: سماعه غير مصروفٍ ولا عِلَّة به مع العَلميَّة، يعني: كيف نَحكم عليه بأنَّه: عُمَرْ، ممنوع من الصَّرف؟ قالوا: ننظر فيه، وإذا به العرب منعوه من الصَّرف، لم نَجِد فيه إلا العَلميَّة فقط، مباشرة تُضِف إليها العدل كما ذكرناه سابقاً، أنَّ العدل هذه عِلَّة عليلة، يعني: تَمسَّكَّ بها النُّحاة من أجل تتميم القسمة، ولئلا تنتقض عليهم الأصول، فإذا وجدوا العَلميَّة ولم يجدوا معها عِلَّة أخرى من العلل السابقة قالوا: العدل، أين هو .. لم يُسمَع؟ قالوا: مُقدَّراً، إمَّا أن يكون عن فاعل كما هو الشَّأن في (فُعَلْ) أو عن (فَاعِلةٍ) كما هو الشَّأن في (حَذَامِ وَرَقَاشِ).


إذاً: كيف نحكم على هذا بكونه (فُعَلْ) مَمنوع من الصَّرف للعَلميَّة والعدل؟ قالوا: إذا سُمِع ما كان على هذا الوزن، ولم يوجد في منعه من الصَّرف إلا العَلميَّة، مباشرة تُضِف إليه العدل، ولذلك: (طُوى) على وزن (فُعَلْ) ولم يذكرها النُّحاة هنا، لماذا؟ لأنَّه وجد (طُوى) العَلميَّة والتَّأنيث لأنَّه اسم مكان، قالوا: ما دام أنَّه وجد عِلَّة وهو التَّأنيث مباشرة لا نقول: العدل، لأنَّ العدل هذا للضرورة فقط، متى ما أمْكَن تعليق الحكم بِعلَّةٍ غير العدل فهي مُقدَّمة مباشرة، وما عداه فليس الأمر كذلك.
ولذلك كما سيأتي: أنَّ مذهب المُبَرِّد في (حَذَامِ) أنَّه أرجح، لأنَّه علَّله بكونه اشتمل على العَلميَّة والتَّأنيث، وسيبويه قال: عَلَم معدولٌ عن (فَاعِلة) وَضُعِّفْ قول سيبويه لهذا السَّبب، لماذا؟ لأنَّه أمْكَنَه أن يُعلِّق المنع بالعَلميَّة والتَّأنيث وهو (فَاعِله) عَلَم لمؤنَّث، لماذا تَعْدِل عن التَّأنيث وتجعلها عِلَّة، فتذهب إلى العدل، والعدل مُتَكَلَّف؟ لأنَّ أكثره لم يُسمَع إنَّما هو مُقدَّر، فكيف يُعدَل عن الظَّاهر وهو المؤنَّث، ونأتِي بِعلَّة فيها نظر؟ ولذلك رُجِّح مذهب المُبَرِّد كما سيأتي.
إذاً: (أَوْ كَثُعَلاَ) نقول: المراد به العَلَم المعدول إلى (فُعَلْ) كـ: عُمَرْ، وَزُفَرْ، وَثُعَلْ، والأصل (عَامِر) هذا مسموح و (زَافِرْ) هذا الله أعلم أنَّه ليس مسموعاً إنَّما هو مُقدَّر و (ثَاعِلْ) هذا كذلك، بل هذا غلط، لماذا؟ لأنَّه سُمِع (أَأثْعَلْ) وإذا سُمِع (أَثْعَلْ) لماذا نقول (ثَاعِل)؟ هذا فيه نظر.
إذاً: (وَثَاعِلْ) نقول: قيل معدولٌ عن (أَثعَلْ) ولذلك نَصَّ السِّيُوطِي في (هَمْعِ الهَوَامِعْ) أنَّ الألفاظ السابقة المذكورة كلها معدولة عن (فَاعِل) إلا (ثُعَل) فقط، لأنَّه معدولٌ عن (أَثْعَل) لأنَّه سمع هذا وذاك، فإذا سُمِع لا نأتي إلى شيء مُقَدَّر في الذِّهن مُخْتَرع وَتَخَيُّل ونترك المسموع لا، الأصل في تقرير القواعد: أن يكون على ما سُمِع، والمُقَدَّر في الأصل: أنَّه مَعدُوم لم يُنقَل، لا نترك الملفوظ المنقول ونعدل إلى شيءٍ مُتَخَيَّل.
إذاً: و (ثَاعِل) قيل: معدولٌ عن (أَثْعَل) بل هو الصَّواب لأنَّ (ثَاعِلاً) غير مُستَعمل، ما نُقِل (ثَاعِل) .. ما سُمِع، و (أَفْعَلْ) مُستعمل.
قال في (الصِّحاح) " الثَّعَلُ بالتَّحْريك زوائدٌ في الأسنان، واختلاف منابتها يقال: رَجُلٌ أَثْعَل، وَامْرَاةٌ ثَعْلاء " (أَثْعَل) اسم فاعل، هو امرأة: ثَعْلاء، إذاً: لا نقول معدول عن (ثاعِل).
إذاً: فمنعه حينئذٍ لو حُكِم بكونه معدولاً عن غيره منعه من الصَّرف للعَلميَّة والعدل، العَلَم واضح بيَّن:
اسْمٌ يُعَيِّنُ الْمُسَمَّى مُطْلَقَا ..
والعدل على ما ذكرناه، وطريق العِلْم بعدل هذا النَّوع سماعه غير مصروفٍ .. عارياً من سائر الموانع غير العَلميَّة، وإنَّما جُعِل هذا النَّوع معدولاً، قيل: لأمرين، لماذا حكمنا عليه بكونه معدولاً؟ لأمرين:
الأوَّل: أنَّه لو لم يُقَدَّر عدل هذه الألفاظ لزم ترتيب المنع على علَّةٍ واحدة، إذ ليست فيه من الموانع غير العَلميَّة، فركَّبوا معه العِلَّة الثَّانية من أجل ذلك.


ثانياً: أنَّ الأعلام يَغْلُب عليها النَّقل، بل قد تكون مرتَجلة، وقد تكون منقولة، لكن هذا ليس هو النَّقل الَّذي عناه النُّحاة في باب الأعلام، النَّقل: أن تأخذ لفظ كما هو فتضعه عَلَماً كـ: فَضْل وَحَارِث، وَجُمْلَة اسْمِيَّةْ، وَجُمْلة فِعْلِيَّة، واسم فَاعِل، إلى آخر ما ذُكِر سابقاً، فالنَّقل هناك ليس هو التَّحويل، هنا لا تَصَرُّف في وزنٍ يعني: (عَامِر) يُحَرَّفْ فَيُجْعَل (عُمَرْ) ليس هذا من قبيل النَّقل الَّذي يذكره النُّحاة في باب العَلَم.
أنَّ الأعلام يَغْلِبُ عليها النَّقل، فَجُعِل (عُمَر) معدولاً عن (عَامِر) والأصل أنَّ هذا الثَّاني فيه نظر. فَجُعِل (عُمَر) معدولاً عن (عامر) العَلَم المنقول عن صفةٍ، ولم يُجْعل مرتَجلاً، وكذا باقيها، يعني: كل ما كان على وزن (فُعَلْ) لم يُجْعَل مُرتَجلاً، بل منقولاً عن: عَامِرْ، وعن: وَزَافِرْ، وعن: هُبَل هَابِل ونحو ذلك، لكن نقول: هذا ليس هو النَّقل الَّذي عناه النُّحاة في بابه، وإنَّما هذا تحويلٌ من صيغة إلى صيغة، فرقٌ بينهما، أن تُسمِّي ابنك: فضل، أو تُسمِّيه: ضَارِب، تنقل اسم الفاعل وتجعله عَلَماً، أو تسمِّيه: قَامَ زَيْدٌ، أو: زَيْدٌ قَائِم، نقول هذه كلُّها ألفاظٌ نُقِلَت كما هي، ولم تُغَيَّر الصِّيَغْ فبقيت على ما هي عليه.
وأمَّا (عَامِر) تقول: أنقله إلى اسمٍ وأقول (عُمَر) هذا فيه تَحريف للصِّيغة، وليس الأمر الَّذي عناه النُّحاة.
وفائدة العدل أمران:
الأولى: لفظية، وهي التَّخفيف: عَامِر .. عُمَر، قيل: (عُمَر) أخف، وليس بظاهر هذا، (عَامِر) (عُمَر) إذاً: التَّخفيف هذا ليس بظاهر: هَابِلْ .. هُبَلْ (هُبَلْ) ثقيل، قُثَمْ .. زُحَلْ .. زَاحِلْ .. قَاثِم، أخف، على كلٍ: هذا ما ذكره النُّحاة.
الثَّانية: معنوية، وهي تَمحيض العَلميَّة، إذْ لو قيل: عَامِر، لَتُوهِّم أنَّه صفة (عَامِر) اسم فاعل: عَمَرَ الشيء يَعْمُرهُ، مَرَرتُ بِزَيدٍ عَامِرٍ، يعني: عَامرٍ لنفسه، أو عامرٍ لبيته ونحو ذلك، فدفعاً لهذا التَّوهُّم حينئذٍ عُدِل إلى (فُعَلْ) وهذا فيه نظر.
فإن ورد (فُعَلْ) مصروفاً وهو عَلَم عَلمنَا أنَّه ليس بِمعدول، إذا جاء لفظ على وزن (فُعَلْ) وهو مصروف عَلمنَا أنَّه ليس بمعدول مثل (أُدَدْ) وهو عند سيبويه من الوُدِّ .. من الموَدَّة، فهمزته عن واو، وعند غيره من الإدِّ، وهو العظيم فهمزته أصليَّة.
إذاً: (أُدَدْ) هذا مصروف لكونه على وزن (فُعَلْ) وسُمِع صرفه، حينئذٍ لا يُمكن أن نُرَكِّب معه العدل، فنقول: هو معدول فنمنعه من الصَّرف، إذاً: الضابط حينئذٍ يكون: ما كان على وزن (فُعَلْ) فمنعته العرب من الصَّرف ركَّبْنا معه علَّةً أخرى، وما لم يُسْمَع منعه من الصَّرف أبقينه على أصله، وحكمنا عليه بكونه غير معدولٍ.


وإن وجد في (فُعَلْ) مانع مع العلميَّة لم يُجْعَل معدولاً، يعني: إن وجِد عِلَّة أخرى يُمكن تركيبها مع العَلميَّة رجعنا إليها، ولا نحكم عليه بالعدل .. بأنَّه معدول عن غيره، لأنَّها عِلَّة عليلة كما ذكرنا، نحو: طُوى، فإنَّ منعه للتَّأنِيِثْ والعَلميَّة، ليس لكونه معدول عن: طاوي، لا، ولو كان مُحتملاً لأنَّه اسم مؤنَّث .. اسم مكان، حينئذٍ نقول: وجد فيه التَّأنيث، ووجد فيه العلميَّة، فالأولى أن نَجعل التَّأنيث هو العِلَّة التي رُكبَت مع العَلمية فمنعته من الصَّرف.
ونَحو: تُتَلْ، اسمٌ أعجمي فالمانع له العُجْمَة والعلميَّة عند من يرى منع الثُّلاثي للعُجْمَة، إذ لا وجه لتَكَلُّف تقدير العدل مع إمكان غيره، ويَلتَحق بهذا النَّوع ما جُعِل عَلَماً من المعدول إلى (فُعَلْ) في النِّداء، سبق: غُدَرْ، وَفُسَقْ، وَلُكَعْ، أنَّه سَبُّ بِماذا؟ (خَبَاثِ) هذا للمؤنَّث و (فُسَقْ) للمذكَّر، لو جُعِل عَلَمًا، هذا واضح أنه معدول.
ويَلتحِق بهذا النَّوع ما جُعِل عَلَماً من المعدول إلى (فُعَلْ) في النِّداء كـ: غُدَرْ وَفُسَقْ، فحكمه حكم (عُمَرْ).
قال المصنِّف ابن مالك: " وهذا أَحَقُّ من (عُمَرْ) بمنع الصَّرف، لأنَّ عَدْلَه مُحَقَّق وعَدْل (عمر) مُقَدَّر " يعني: ما كان على وزن (فُعَلْ) من سَبِّ المذكَّر هذا معدول، وعدله مُحقَّق، يعني: موجود .. مذكور .. ملفوظٌ به ولا إشكال فيه، وأمَّا في نحو: عُمَرْ، وهذا مُقدَّر، فأيُّهما أولى بالمنع؟ ما كان على وزن (فُعَلْ) وهو مثل: فُسَقْ، وَلُكَعْ، وَخُبَثْ، وهو مذهب سيبويه، ومذهب الأخفش صرفه.
إذاً: هذان نوعان، وعدَّ بعضهم الثَّالث: هو ما كان على وزن: فُسَقْ وَغُدَرْ، ونحو ذلك.
هذه ثلاثة أنواع من العدل تُمنع مع العلميَّة.
وَالْعَلَمَ امْنَعْ صَرْفَهُ إِنْ عُدِلاَ ... كَفُعَلِ التَّوْكِيْدِ. . . . . . . . . . .

هذا نوعٌ (أَوْ كَثُعَلاَ) المراد بـ (ثُعَلاَ) هنا قلنا: اسم رجل، أو علم جنس للثَّعلب، والألف هنا للإطلاق.
وَالعَدْلُ وَالتَّعْرِيفُ مَانِعَا سَحَرْ ..
هذا النَّوع الثَّالث من المعدول، وهو لفظ (سَحَر) إذا أُريِد به يومٌ بعينه، إذا أُريِد به يومٌ بعينه حينئذٍ صار عَلَماً، لأنَّه يُطلَق اللفظ ويعيَّن مسمَّاه، وهو زمنٌ خاص، إذاً: يُستعمل (سَحَر) عَلَماً، وذلك فيما إذا أطْلِق وأريد به زمنٌ معيَّن، وقد يُستعمل مُبهماً، يعني: لم يُرد به زمنٌ مُعيَّن، متى يُمنع من الصَّرف؟ قال:
إِذَا بِهِ التَّعْيِينُ قَصْداً يُعْتَبرْ ..


بمعنى: أنَّه إذا صار عَلَماً، وذلك إنَّما يكون إذا أُرِيد به من يوم بعينه، يعني: سَحَر يومٍ بعينه: جِئْتُكَ يَومَ الجُمْعَةِ سَحَرَ، عيَّنه أمَّا (سَحَر) هكذا دون أن تضيفه ليومٍ حينئذٍ لا تعيين: جِئْتُكَ سَحَرَاً، بالصَّرف، أيُّ سَحَر هذا؟ أيُّ سَحَر: سبت .. أحد .. اثنين .. ثلوث .. صَفَر .. شَعْبان إلى آخره، فليس معيَّناً، فتقول: جِئْتُكَ سَحَرَاً، بالنَّصب على أنَّه مفعولٌ به، أمَّا إذا أُريد به زمن معيَّن حينئذٍ صار عَلَماً، وإذا كان كذلك فيُمنع من الصَّرف للعلميَّة وهذا شأنه واضح، والعدل وهنا اختلف في العدل، لكن المشهور أنَّه مثل (أُخَرْ) يعني: معدولٌ عن: السَّحَرْ .. عن: (أل) السَّحَرْ ومثله: الأمس، كما سيأتي.
حينئذٍ: هو مَعدولٌ عن السَّحَرِ ما فيه (أل) فقيل: سَحَر، جِئْتُكَ يَومَ الجُمْعَة سَحَرَ، تمنعه من الصَّرف للعلميَّة، وهو قد أريد به زمن معيَّن، وللعدل .. لكونه معدولاً عن (السَّحَرْ)، لماذا؟ لأنَّ (سَحَرْ) في لفظه نكرة، وشأن العرب إذا أرادت أن تُعَرِّفْ حينئذٍ إمَّا (أَلْ) وإمَّا إضافة، فَعُدِل به عن التعريف عن (أَلْ) والإضافة، وهذا قيل: أنَّه معدولٌ عن الأصل، فالأصل أن يُقال: السَّحَر، أو: سَحَرَهُ، يعني: سَحَرَ يَومَ الجُمْعَةْ مثلًا، فحينئذٍ نقول: معدولٌ عن الإضافة، أو معدولٌ عن (أَلْ).
(وَالعَدْلُ وَالتَّعْرِيفُ) لم يقل العلميَّة، قد يُقال: بأنَّه أراد به شِبْه العلميَّة للقاعدة السابقة: أنَّ ما عُرِّف ولم تكن الأداة لفظية، قلنا: شِبْه العلميَّة ولا نُعَبِّر بالعلميَّة، ولذلك عَدَلَ هنا عن اللفظ.
(وَالعَدْلُ) هذا مبتدأ (وَالتَّعْرِيفُ) هذا معطوفٌ عليه (مَانِعَا سَحَرْ) (مَانِعَا) خبرٌ والألف هنا للتَّثْنِية: مانعان سَحَرْ، خبر مُضاف و (سَحَرْ) مضافٌ إليه، (إِذَا بِهِ) الباء هنا بِمعنى: فيه، مُتعلِّقة بـ (يُعْتَبرْ) إذَا يُعْتَبرْ بِهِ، يعني: فيه، و (قَصْداً) أي: مقصوداً، حالٌ مُؤَكِّدة من نائب الفاعل و (التَّعْيِينُ) هذا نائب فاعل لفعلٍ محذوف وجوباً، إذَا التَّعْيِينُ بِهِ قَصْداً يُعْتَبرْ .. إذا يُعتبَر به التَّعيين، (قَصْداً) بِمعنى: مقصودًا، قلنا: حال من فاعل (يُعْتَبَرْ).
إذاً: متى يكون كذلك؟ إذَا يُعْتَبرْ بِهِ التَّعْيِيِنُ قَصْداً، يعني: إذا كان المراد به زمناً مُعيَّنا قصداً، يعني: مقصوداً، وفي كلامه إدخال (إِذَا) على المضارع وهو جائزٌ وإن كان قليلاً (إِذَا يُعْتَبَرْ) هذا قليل، والكثير أن تدخل (إِذَا) على الفعل الماضي، كما سبق بيانه.
هنا قال الشارح: " (سَحَرُ) إذا أريد من يومٍ بعينه نحو: جِئتُكَ يَومَ الجُمعَةِ سَحَرَ، فـ: (سَحَرُ) ممنوعٌ من الصَّرف للعدل وشِبْه العلميَّة " سَحَر يَومٍ بعينه، والأصل: أن يُعَرَّف بـ (أل) أو بالإضافة، وهذا سند العرب: أنَّ النَّكرة لا ينتقل عن تنكيره إلا بـ (أل) أو بالإضافة، وهنا قيل: (سَحَرَ) وهو معرفة لم تدخل عليه (أل) ولم يُضف، إذاً: هو معدولٌ عن الأصل، والقاعدة العامة في لسان العرب.


فإن تَجَرَّد منهما مع قصد التَّعيين فهو حينئذٍ ظرفٌ لا يتصرَّف ولا ينصرف، المراد بظرف لا يتصرَّف؟ يعني: لا يقع مبتدأ، ولا فاعل، ولا اسم (إنَّ) ولا خبر، ولا نائب فاعل إلى آخره، هذا ظرفٌ لا يتصرَّف، ولا يَنْصرِف، يعني: لا يُنَوَّن، فالمانع له حينئذٍ العدل والتَّعريف، أما العدل فعن اللفظ بـ (أل) الأصل فيه (السَحَر) فإنَّه كان الأصل أن يُعرَّف بها، وأمَّا التَّعريف فقيل بالعلميَّة، لأنَّه جُعِل عَلَماً لهذا الوقت، وقيل: بِشِبْه العلميَّة، لأنَّه تَعرَّف بغير أداةٍ ظاهرةٍ .. غير أداةٍ ملفوظٍ بها، وهذا شأن العلم:
اسْمٌ يُعَيِّنُ الْمُسَمَّى مُطْلَقَا ..
يعني: بغير قرينة لفظية ولا حسيَّة، وإنَّما هي قرينة معنوية من جهة عدم ما يُقيِّده.
إذاً: (سَحَر) إذا أريد به من يومٍ بعينه، نقول: هذا ممنوعٌ من الصَّرف.
قال هناك في (هَمْع الهَوَامِعْ) " (سَحَر) ملازم للظرفيَّة، وهو المعيَّن، أي: المراد به وقتٌ بعينه، فإنَّه يُلازم الظرفيَّة، فلا يَتصرَّف ولا ينصرف أيضاً للعدل والعلميَّة، أمَّا العدل فعن مصاحبة الألف واللام " هذا المشهور عند النُّحاة: أنَّ العدل فعن مصاحبة الألف واللام. إذ كان قياسه وهو نكرة أن يُعرَّف بالطَّريق التي عُرِّف بها النَّكرات وهو (أَلْ) هذا هو الأصل فيه، فعدلوه عن ذلك إلى أن عَرَّفوه بغير تلك الطَّريق وهو العلميَّة، فإنَّه جُعِل عَلَماً لهذا الوقت، وقيل: إنَّه امتنع للعدل والتَّعريف المُشبِه لتعريف العلميَّة من حيث كونه تعريفاً بغير أداةٍ تعريف، بل تعريفه بالغَلَبَة على ذلك الوقت المعيَّن، كأنَّه غَلَب لكن هذا ليس بظاهر، يعني: كأنَّه عَلَم، لكنَّه عَلَمٌ بالغلبة على ذلك الوقت المُعيَّن.
وليس تعريفه بالعلميَّة لأنَّه في معنى: السَّحَرِ، وتعريف العلميَّة ليس في مرتبة تعريف (أل) هذا فيه نظر، والصَّواب هو الأوَّل، وقيل: إنَّه مُنصرف مُطلقاً ليس ممنوعاً من الصَّرف، وإنَّما لم يُنَوَّن لنيَّة (أل) والأصل: (السَّحَر) وعليه السُّهيلي. إذًا: هو مثل أمْسِ، وإنَّما لم يُنَوَّن لنيَّة (أل) والأصل: (السَّحَر) وعليه السُّهيلي.
إذاً: هو مصروف، وعُورِض بكونه غير مُنَوَّن، كيف مصروف وغير مُنَوَّن؟ قال: لنيَّة (أل) وهذا فيه ضعف، وقيل: لنيَّة الإضافة، إذ التَّقدير: سَحَرُ ذلك اليوم، فحذف المضاف (ذلك) ونُوي معناه فبقي كما هو، وقيل: أنَّه مبني على الفتح لتَضمُّنه معنى حرف التَّعريف (أل) كـ: أمس، (أمْسِ) ضُمِّن معنى (أل) التَّعريفيَّة فبُنِي، ونصره أبو حيَّان وقال: " الفرق بين: سَحَر وَأمْسِ، عندي يَعْسُرُ ".
الفرق بين (سَحَر) وهو معدولٌ عن (السَّحَر)، و (أمس) وهو معدولٌ عن (الأمس) فنقول في الثَّاني: إنَّه معدولٌ عن (الأمس) وَضُمِّن معنى حرفٍ فبني، والأوَّل مثله ولم نقل: أنَّه بُني، حينئذٍ محل إشكال.
إذاً:
وَالْعَدْلُ وَالتَّعْرِيفُ مَانِعَا سَحَرْ ... إِذَا بِهِ التَّعْيِينُ قَصْداً يُعْتَبَرْ


ومثل: سَحَر أَمْسِ، مُراداً به: اليوم الَّذي يليه يومك، ولذلك قال بعضهم: هذه الكلمة الوحيدة التي إذا عُرِّفَتْ نُكِّرَتْ، وإذا نُكِّرَتْ عُرِّفَتْ، إذا قيل: جِئْتُ بالأمس، فمراده ليس اليوم الذي قبل يومك -أمس- .. قبل أسبوع .. قبل شهر .. قبل عام، وإذا أردت به اليوم الذي قبل يومك مثلاً: اليوم نحن الأحد أردت به السَّبت تقول: (جئتك أمس) تُنَكِّره فصار معرفة، وهذا تستعمله توريةً (مَرَرْتُ بِكَ بالأمس) هو يظن أنَّه أمس وأنت تريد به قبل أسبوع أو قبل شهرٍ مثلاً، الَّذي عنده لسان العرب التورية تكون عنده سهلة.
ولذلك بعض الفقهاء يكره التورية لأنَّه لا يحسنها بل بعضهم يُحَرِّمُها، وهذا بالفعل موجود من اعتادها ولم يكن ذا ذهنٍ ثاقب وعنده مثل هذه الكلمات والأدوات يقع في الكذب وقد يصير الكذب في لسانه من حيث لا يشعر، لأنَّه كل كلمة يوردها هو يظن أنها تورية وهي كذب صريح أحياناً وهو يظن أنها تورية، لكن لو عرف مثل هذه الأشياء (أمس والأمس) ومثلها (نسيت)، (نسيت) يأتي في اللغة بمعنى التَّرك فإذا نوى (نسيت الشيء) مررت؟ لا، نسيتك يعني: تركتك، تنوي أنَّه بمعنى التَّرك وهذا طيب، الإنسان قد يحتاج مثل هذه العبارات، ((نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ)) [التوبة:67] النسيان هنا بمعنى التَّرك، حينئذٍ يرد النسيان في لسان العرب لهذا المعنى، فإذا أردت أن تورِّي تقول (نسيتك يعني: تَرَكْتُك) ولا تنوي النسيان الَّذي هو خلاف الحفظ.
ومثل (سَحَر .. أَمْس) مراداً به اليومُ الَّذي يليه يومُك ولم يُضَف ولم يعرَّف بـ (أل) يعني: لم يُقْرَن بـ (أل) ولم يقع ظرفاً وله خمسة شروط:
بِخَمْسِ شُرُوطٍ فَابْنِ أَمْسِ بِكَسْرَةٍ ... إِذَا مَا خَلَى مِنْ أَلْ وَلَمْ يَكُ صُغِّرَا
وَثَالِثُهَا التَّعْيِينُ فَاعْلَمْهُ يَا فَتَى ... وَلَيْسَ مُضَافَاً ثُمَّ جَمْعَاً مُكَسَّرَا

بهذه الخمسة الشُّروط حينئذٍ يكون مبنيَّاً لأنَّه معدولٌ عن الأمس، لكن فيه لغة أنَّه يمنع من الصَّرف.
ولم يُضَف ولم يُقْرَن بـ (أل) ولم يقع ظرفاً فإن بعض بَني تَمْيِم تَمْنَع صرفه مطلقاً، يكون معرباً ثُمَّ من أيِّ النَّوعيين يكون ممنوعاً من الصَّرف مطلقاً رفعاً ونصباً وجرَّاً، لأنه مَعْدُولٌ عن الأمْسِ كقول الشاعر:
لَقَدْ رَأَيْتُ عَجَباً مُذْ أَمْسَا ..
(مُذْ) حرف جر (أَمْسَا) هنا جرَّه بالفتحة فدل على أنَّه ممنوعٌ من الصَّرف عنده، والعلَّة العدل والعلميَّة، العدل لأنَّه معدولٌ عن (الأمس) مثل (السَّحَر) ما قيل هناك يقال هنا، والعلميَّة لأنَّه أريد به زمنٌ معيَّن اليوم الَّذي قبل يومك، وجمهورهم يخصُّ ذلك بحالة الرفع يعني: يكون ممنوعاً من الصَّرف في الرفع فقط (جَاءَ أمْسُ) فقط في الرفع .. يمنع من التَّنوين، وما عداه يكون مبنيَّاً:
اعْتَصِمْ بِالرَّجَاءِ إنْ عَنَّ بَاسُ ... وَتَنَاسَ الَّذِي تَضَّمنَ أَمْسُ

أَمْسُ هنا لم يُنَوِّنْه.


وأمَّا الحجازيُّون فَيَبْنُونه على الكسر مطلقاً وهذا لا إشكال فيه، اختلاف اللغات هنا اختلاف تنوُّع ليس اختلاف تضاد يعني: ليس في اللغة الواحدة أنَّه مبني ومعرب وإنَّما الحجازيُّون يبنونه وبنو تميم يعربونه ويختلفون في إعرابه، وهذا لا إشكال في تنوُّع اللغات.
والحجازيُّون يَبْنُونه على الكسر مطلقاً على تقديره مُضَمَّناً معنى اللام فإن ضُمِّنَ معنى اللام حينئذٍ بني لأنَّه تَضَمَّنَ معنى حرف والاسم إذا ضُمِّنَ معنى الحرف بُني لشبهه بالحرف كقوله:
وَمَضَى بِفَصْلِ قَضَائِهِ أَمْسِ ..
(مَضَى) فعل ماضي و (أَمْسِ) فاعله كسره هنا (أَمْسِ) القوافي بالجر أَمْسِ وهو فاعل، ما القول فيه؟ نقول: مبني في محل رفع، إذاً: الحجازيُّون يبنونه على الكسر مطلقاً رفعاً ونصباً وخفضاً:
مَضَى بِفَصْلِ قَضَائِهِ أَمْسِ ..
(أَمْسِ) فاعلٌ مبنيٌّ على الكسر في محل رفع.
فإن أردت بأمْسِ يوماً من الأيام الماضية مُبْهَماً غير معيَّن أو عَرَّفته بالإضافة (أمْسِكَ) أو بالأداة (الأمس) فهو مُعْرَبٌ إجماعاً ولذلك قلنا الشروط خمسة، وإن اسْتُعْمِلَتْ يعني: اللفظة المجرَّدةَ والمرادُ به مُعَيَّن ظرفاً فهو مَبْنىٌّ إجماعاً يعني: إذا استعمل (أمس) مراداً به الظَّرف فقط فهو مبنيٌّ إجماعاً للعلَّة التي ذكرناها في بناء الحجازيين له وهو تَضَمُّنُه معنى اللام.
إذاً:
وَالْعَلَمَ امْنَعْ صَرْفَهُ إِنْ عُدِلاَ ... كَفُعَلِ التَّوْكِيدِ أَوْ كَثُعَلاَ
وَالْعَدْلُ وَالتَّعْرِيفُ مَانِعَا سَحَرْ ... إِذَا بِهِ التَّعْيِينُ قَصْداً يُعْتَبَرْ

إذَا يُعْتَبرْ بِهِ التَّعْيِيِنُ قَصْداً .. إذا قُصِد به أن يكون معيَّناً احترازاً من المُبْهَم فإنَّه يكون مصروفاً لا ممنوعاً من الصَّرف، إذاً العدل والعلميَّة يكون في باب (فُعَلِ التَّوْكِيدِ) ويكون في باب (فُعَلِ علماً لمذَكَّر) ويكون في باب (سَحَر) وزدنا عليه باباً رابعاً وهو (فُعَلْ) في باب (فُسَق ونحوه) وقيل (أمْسِ) وإن شئت جعلت بدل (أمس) وجعلت (أمس) الدَّاخِلة مع (سَحَر) تجعل معه قوله:
وَابْنِ عَلَى الْكَسْرِ فَعَالِ علَمَا ..
حينئذٍ المعدول مع العلميَّة خمسة أبواب:
فُعَلْ التَّوُكِيِدْ، وَفُعَلْ عَلَمْاً لمُذَكَّرْ، وَسَحَر، ومثله: أمْس، وَفُعَلْ في بَابِ سبِّ الذَّكَرْ هناك كَغُدَرْ وَلُكَعْ وَفُسَق، وما كَانَ على وَزْنِ فَعَالِ وهو علمٌ للمؤنَّث.
قال ابن عقيل هنا في (سَحَر) " سحر إذا أُريد من يوم بعينه: جئتك يوم الجمعة سَحَرَ، فـ: (سَحَرَ) ممنوع من الصَّرف للعدل وشبه العلميَّة وذلك أنه معدول عن السَّحَر لأنَّه معرفة والأصل في التَّعريف: أن يكون بـ (أل) أو بالإضافة فَعُدِل به عن ذلك وصار تعريفه مُشْبِهاً لتعريف العلميَّة من جهة أنَّه لم يُلفظ معه بمعرِّف، فلو نُكِّر (سَحَر) وجب التَّصَرُّف والانصراف لقوله تعالى ((نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ)) [القمر:34] " (الباء): حرف جر و (سَحَر): اسم مجرور، والجار والمجرور متعلِّق بقوله (نَجَّيْنَاهُمْ) (بِسَحَرٍ) يعني في سَحَرٍ، الباء هنا ظرفية.


وقيل معرب وإنَّما حذف تنوين لنيَّة الإضافة وقيل لنيَّة (أل) والأوَّل قول الجمهور، والمبهم كالآية التي ذكرناها، والمعيَّن المستعمل غير ظرفٍ فإنَّه يجب تعريفه بـ (أل) والإضافة: طَاب السَّحَر، هذا مُعَيَّن مُستعمل غير ظرف فيتعيَّن دخول (أل) عليه، أو الإضافة: طَاب السَّحَرُ .. سَحَرُ لَيْلَتِنَا، مضاف: جِئْتُكَ يَوْمَ الْجُمَعِةِ سَحَرَهُ، يعني: سَحَرَ يَومِ الجُمْعَة، فالضَّمير هنا مضاف إليه أو: جِئْتُكَ يَوْمَ الْجُمَعِةِ السَّحَر، هذا صار واجب التَّعريف بـ (أل).
وَابْنِ عَلَى الْكَسْرِ فَعَالِ علَمَا ... مُؤَنَّثَاً وَهْوَ نَظِيْرُ جُشَمَا
عِنْدَ تَمِيمٍ وَاصْرِفَنْ مَا نُكِّرَا ... مِنْ كُلِّ مَا التَّعْرِيْفُ فِيهِ أَثَّرَا

(وَابْنِ) هذا دخولٌ في البناء، نحن في المعرب أو في المبني؟ نحن في المعرب وما الَّذي ذهب بنا إلى المبني؟ قال: (وَابْنِ) هو قال (وَاصْرِفَنْ) هذا لا إشكال فيه أمَّا (وَابْنِ) هو يريد أن يبيِّن لنا العلل التي إن وجدت في الاسم منع من الصَّرف.
وَابْنِ عَلَى الْكَسْرِ فَعَالِ علَمَا ... مُؤَنَّثَاً. . . . . . . . . . . . . . .

هذا تَبَرُّع من الناظم، لأنَّه ليس هذا مبحثنا، وإنَّما ذكره إمَّا توطئةً، وإمَّا من باب تتميم المسألة، إمَّا توطئة لأنَّه قال: (وَهْوَ نَظِيرُ جُشَمَا عِنْدَ تَمِيمٍ) والشَّاهد: (عِنْدَ تَمِيمٍ) هذا الَّذي نريده، وهْوَ أي (فَعَالِ) (نَظِيرُ جُشَمَا) يعني نظير عمر (عِنْدَ تَمِيمٍ) فيكون ممنوعاً من الصَّرف للعدل والعلميَّة، وأمَّا (وَابْنِ) هذا من باب التبرع أو التَّوْطِئَة أو تتميماً للقسمة، إذاً ليس هذا المراد هنا.
وَابْنِ عَلَى الْكَسْرِ فَعَالِ علَمَا ... مُؤَنَّثَاً. . . . . . . . . . . . . . .

يعني ما كان على وزن (فَعَالِ عَلَمَاً) لِمُؤَنَّث فإنَّه مبني، هذا عند الحجازيين مبنيٌّ مطلقاً سواء كان مختوماً براء أو لا (رَقاشِ .. سَفَارِ) بينهما فرق أو لا؟ عند الحجازيين مطلقاً مبنيٌّ على الكسر لأنَّه على وزن (فَعَالِ).
وَابْنِ عَلَى الْكَسْرِ فَعَالِ علَمَا ... مُؤَنَّثَاً. . . . . . . . . . . . . . .

أي مطلقاً في لغة الحجازيين أي سواءٌ خُتِم براءٍ أو لا هذا عند الحجازيين، وإلا من حيث الجملة ففيه ثلاثة مذاهب (فَعَالِ):
قيل: البناء على الكسر مطلقاً وهو مذهب الحجازيين.
المذهب الثاني: إعرابه إعراب ما لا ينصرف مطلقاً يعني: سواءٌ كان مختوماً براء أو لا.
الثَّالث: التفصيل بين ما كان مختوماً براء فكالحجازيين وما ليس فكالثَّاني، يعني ما ليس مختوماً براء فهو ممنوعٌ من الصَّرف وما كان مختوماً براء فحكمه حكم الحجازيين، إذاً: ثلاث مذاهب.
وَابْنِ عَلَى الْكَسْرِ فَعَالِ عَلَمَا ..


حال كونه علماً .. هذا حالٌ من (فَعَالِ) (وَابْنِ) فعل أمر مبني على حذف حرف العلَّة والفاعل أنت (عَلَى الْكَسْرِ) مُتَعَلِّقٌ به (فَعَالِ) مفعول به (عَلَمَا) حالٌ منه (مُؤَنَّثَاً) حالٌ بعد حال، (وَابْنِ عَلَى الْكَسْرِ) قيل علَّة البناء شَبَّهه بـ: (نَزَالِ) أشبه (نَزَالِ) و (نَزَالِ) اسم فعل أمر وهو مبني، وَزْنَاً وَتَعْرِيفَاً وَتَأنِيِثَاً وَعَدْلاً (فَعَالِ) أشبه (نَزَالِ) في ماذا؟ وَزْنَاً وَتَعْرِيفَاً وَتَأنِيِثَاً وَعَدْلاً، هذا قول وهو المشهور.
وقيل لِتَضَمُّنِه معنى (هاء) التأنيث لأنَّه معدولٌ عن: فَاعِلَة .. حَذَامِ .. حَاذِمَةٍ .. رَقَاشِ .. رَاقِشَةٍ، إذاً: فيه معنى التَّاء، لِتَضَمُّنِه معنى (هاء) التَّأنيث، وقيل لتوالي العلل وليس بعد منع الصَّرف إلا البناء، قاله المبرِّد، والأول هو المشهور، أنَّه أشبه (نَزَالِ) فيما ذكرناه (وَزْنَاً وَتَعْرِيفَاً وَتَأنِيِثَاً وَعَدْلاً).
وَابْنِ عَلَى الْكَسْرِ فَعَالِ علَمَا ... مُؤَنَّثَاً. . . . . . . . . . . . . . .

لأنَّ (فَعَالِ) علم لمؤَنَّث، هذا عند الحجازيين، (وَهْوَ نَظِيرُ جُشَمَا عِنْدَ تَمِيمٍ) (وَهْوَ) أي (فَعَالِ) علماً لمؤَنَّث نظير وشبيه (جُشَمَا) اسم رجل وهو ما كان معدولاً على وزن (فُعَلْ) كـ (عمر) وسبق أنَّ (عمر) ممنوعٌ من الصَّرف للعلميَّة والعدل، إذاً (فَعَالِ) كـ (حَذَامِ) هذا ممنوعٌ من الصَّرف عِنْدَ بني تَمِيِم .. عند أكثرهم ليس عندهم كلهم، فهو ممنوعٌ من الصَّرف للعمليَّة وهذا واضح، والعدل، عدلٌ عن ماذا؟ كما أنَّ (عمر) عدلٌ عن (فاعل) هذا عدلٌ عن (فَاعِلَةٍ) فيقولون (جَاءَتْنِي حَذَامُ وَرَأيْتُ حَذَامَ وَمَرَرْتُ بِحَذَامَ) (جَاءَتْنِي حَذَامُ) بِالرَّفْعِ ليس هو كَالشَّأنْ في لغة الحجازيين.
(إِذَا قَالَتْ حَذَامِ فَصَدِّقوهَا ... فَإِنَّ الْقَوْلَ مَا قَالَتْ حَذَامِ)
(حَذَامِ) في الموضعين ما إعرابه؟ فاعل والفاعل مرفوع وهنا لم يُرْفَعْ، إذاً مبنيٌّ على الكسر تشبيهاً له بـ (نَزَالِ) يعني: أشبه (نَزَالِ) فبني ولِمَ بُنِي على الحركة؟ ليُعْلَم أنَّ له أصلاً في الإعراب، ولِمَ كانت الحركة كسرة (حَذَامِ)؟ وَالأَصْلُ فِي الْمَبْنِيِّ أَنْ يُسَكَّنَا .. الميم تكون ساكنة، ولكن التقى السَّاكِنَان الألف والميم فَحُرِّكَ على أصله للتَّخَلُّص من التقاء السَّاكنين فكان كسرةً.


إذاً إذا قالت (حَذَامِ) فعل وفاعل، (حَذَامِ) هذا فاعل مرفوع أين الرَّفْع؟ نقول: محلي، لأنَّ الفاعل قد يكون مرفوعاً لفظاً ظاهراً، وقد يكون تَقْدِيراً، وقد يكون مَحَليَّاً كما هو في المَبْنِيَّات، وأمَّا عند بني تميم فإنَّه يكون معرباً، فإذا كان معرباً قد وُجِدَتْ فيه عِلَّتَان تمنعه من الصَّرف فيقول: جَاءَتْنِي حَذَامُ، بالرَّفع على أنَّه فاعل مرفوع ورفعه ضَمَّة ظاهرة على آخره، وَرَأيْتُ حَذَامَ، مفعولٌ به منصوب ونصبه فتحة ظاهرة على آخره، وَمَرَرْتُ بِحَذَامَ (الباء) حرف جر و (حَذَامَ) اسم مجرور بالباء وجرُّه فتحة نيابةً عن الكسرة لِمَنْعِه من الصَّرف للعدل والعلميَّة، هذا هو المشهور عند أكثر بني تميم، وبعض بني تميم يُفَرِّقُونَ بين ما كان آخره راء وما ليس كذلك، فما كان مختوماً براء كـ: سَفَارِ، وَحَضَارِ، وَوَبَارِ، فَحُكْمُه عِنْدَهُم حُكْمَ الحجازيين: مبنيٌّ على الكسر.
فقوله:
وَابْنِ عَلَى الْكَسْرِ فَعَالِ علَمَا ... مُؤَنَّثَاً. . . . . . . . . . . . . .

لم يقل: مُطلقاً لِيَعُمَّ المذهبيين، مذهب من يُفَصِّل بين (فَعَالِ) ما كان مختوماً براء وما ليس كذلك، وبين من يُعَمِّم كالحجازيين، فالحجازيين يُعَمِّمُون لا يُفَرِّقُون: رَقَاشِ .. حَذَامِ، هذا غير مختوم براء، ووَبَارِ وَسَفَارِ هذا مختوم براء، الحجازيُّون مطلقاً في النُّوعين مبنيٌّ للعلَّة السابقة.
بعض بني تميم وهم الأقل يُفَرِّقون بين النوَّعين ما كان مختوماً براء: سَفَارِ، وَوَبَارِ، وَحَضَارِ، مبنيٌّ كالحجازيين وما ليس كذلك فهو معرب عندهم، وبعضهم وهو ما حكم عليه النَّاظم هنا بقوله: (وَهْوَ) أي: فَعَالِ علَمَا مُؤَنَّثَاً نَظِيرُ شبيه جُشَمَا الألف للإطلاق وعُمَرْ وَزُفَرْ عند بني تميم .. (عِنْدَ تَمِيمٍ) (عِنْدَ) هذا مُتعلِّق بـ: (نَظِيرُ) عند نظير .. نظير عند، (وَهْوَ نَظِيرُ جُشَمَا عِنْدَ تَمِيمٍ) (عمر) هذا علم جامد فلا يَتْعَلَّق به الجار والمجرور البَتَّة ولا الظرف.
إذاً: (وَهْوَ) أي: فَعَالِ عَلَمَا مُؤَنَّثَاً نَظِيرُ -شبيه- جُشَمَا الألف للإطلاق (عِنْدَ تَمِيمٍ) لمَّا قَيَّدَ الثَّاني قد يقال بأنَّه أراد الحجازيين في الأوَّل، لأنَّه إذا حُكِيَت اللغتان .. إذا قيل الحجازيُّون يقابلهم التَّمِيمِيُّون والعكس بالعكس، وهنا قال: (عِنْدَ تَمِيمٍ) مفهومه أنَّ الأوَّل ليس عند تميم، وإنَّما أطلق (عِنْدَ تَمِيمٍ) مع أنَّ بعضهم لا يوافق على هذا إنَّما يبنيها ويفصل لأنَّهم قلَّة ولذلك قال ابن هشام في القَطر" وافترقت بنو تميم فرقتين" فأكثرهم يعربه إعراب ما لا ينصرف وبعضهم يُفَرِّق بين النَّوعين.
إذاً: أطلق (بني تميم) مع أنَّ بعضهم لا يُجْرِيه مُجْرَى الممنوع من الصَّرف وإنَّما يبنيه أو يفصل عبرةً بالأكثر.
إذاً:
وَهْوَ نَظِيرُ جُشَمَا عِنْدَ تَمِيمٍ ..


أي: ممنوعٌ من الصَّرف للعلميَّة والعدل عن (فاعِلَة) وهذا رأي سيبويه أنَّ (حَذامِ) ممنوعٌ من الصَّرف لعلَّتين: علميَّة ولا إشكال، أمَّا كونه معدولاً عن (فاعلة) هذا محل نظر، ولذلك: إِذَا قَالَتْ حَذَامِ فَصَدِّقوهَا يُحْكَى عن الشيخ ابن عثيمين رحمه الله أنَّه قال: فأوقفوها يعني: اسألوها، هنا (فاعلة) كونها معدولاً عن فاعلة مع كونه مؤنَّثاً ونقول: فَعَالِ عَلَمَاً لمؤنَّث نترك التأنيث هذا الَّذي نَنُصُّ عليه ثم نعدل إلى علَّةٍ مُتَكلَّفة هذا محل نظر.
ولذلك مذهب المبرِّد قال: " للعلميَّة والتأنيث المعنوي كـ (زَيْنَبٍ) وهو أقوى" بل هو الرَّاجح، أنَّ حَذَامِ ونحوه إنَّما مُنِع من الصَّرف في لغة بني تميم لكونه علماً مؤنَّثاً فاجتمعت فيه العلَّتان ولا نقول أنَّه معدول، لأنَّ العدل كما ذكرنا علَّةٌ عليلة.
وهذا فيما ليس آخره راء فأمَّا نحو: وَبَارِ وَظَفَارِ وَسَفَارِ، فأكثرهم يبنيه على الكسر كأهل الحجاز لأنَّ لغتهم الإمالة، فإذا كسروا تَوَصَّلوا إليها ولو منعوه الصَّرف لامتنعت. إذاً هذا قول.
ثُم قال:
. . . . . . . وَاصْرِفَنْ مَا نُكِّرَا ... مِنْ كُلِّ مَا التَّعْرِيْفُ فِيهِ أَثَّرَا

إذاً: انتهى من شرح العلل.
اجْمَعْ وَزِنْ عَادِلاً أنِّثْ بِمعْرِفَةٍ ... رَكِّبْ وَزِدْ عُجْمَة فَالْوَصْفُ قَدْ كَمُلاَ

قد كمل شرحها، والآن قال:
. . . . . . . وَاصْرِفَنْ مَا نُكِّرَا ... مِنْ كُلِّ مَا التَّعْرِيْفُ فِيهِ أَثَّرَا

الأنواع السَّبعة المتأخِّرة ابتداءً من المُرَكَّب المزجي وما بعده ذكر سبعة أنواع اشترط فيها التَّعريف، إذا وجدت العلَّتان امتنع من الصَّرف: المُرّكَّب المزجي مع العلميَّة فإذا نُكِّر قُصِدَ به الشِّيوع فانتفى كونه علماً وجدت فيه علَّة واحدة، حينئذٍ هل يمنع من الصَّرف؟ الجواب: لا.
(وَاصْرِفَنْ) هذا فعل أمر مُؤَكَّد بنون التَّوكيد الخفيفة.
. . . . . . . .. واصْرِفَنْ مَا نُكِّرَا ... مِنْ كُلِّ مَا التَّعْرِيْفُ فِيهِ أَثَّرَا

(اصْرِفَنْ) اسماً .. اسماً ممنوعاً من الصَّرف اشْتُرِط فيه التَّعريف وكان التَّعريف مُؤَثِّراً مع علَّةٍ أخرى ما حُكمه إذا نُكِّرا؟ اصرفه، وهذا خاصٌّ بالأنواع، أمَّا الأنواع الخمسة الأولى قلنا هذا لا يشترط فيها العلميَّة بل تمنع من الصَّرف نكرةً ومعرفةً، لأنَّها إذا كانت نكرة وجِدت معها الوصفيَّة، وإذا نقلناها عن الوصفيَّة مَحَّضْنَاها للعلميَّة حينئذٍ ممنوعٌ من الصَّرف كذلك، لأنَّنا انتقلنا من علَّة إلى علَّةٍ أخرى فمنع من الصَّرف، هذه الخمسة الأنواع الأول، وأمَّا هذه السبعة الأنواع التي اشتُرِط فيها التَّعريف فإذا نُكِّر حينئذٍ رجعنا إلى الأصل وهو: الصَّرف.
. . . . . . . وَاصْرِفَنْ مَا نُكِّرَا ... مِنْ كُلِّ مَا التَّعْرِيْفُ فِيهِ أَثَّرَا

وذلك الأنواع السبعة المتأخرة وهي: ما امتنع للعلميَّة والتَّركيب، أو الألف والنُّون الزَّائِدَتَين، أو التَّأنِيِث بغير الألف، أو العُجمة، أو وزن الفعل، أو ألف الإلحاق، أو العدل، كل هذه العلل اشتُرِط فيها التَّعريف، فلا تمنع من الصَّرف إلا بما ذكرناه.


فتقول: رُبَّ مَعْدِ كَرِبٍ، وَعِمْرَانٍ، وَفَاطِمَةٍ، وَزَيْنَبٍ، وَإِبْرَاهِيمٍ، وَأحْمَدٍ، وَأرْطاً، وَعُمَرٍ، لَقِيتُهُمْ،
(رُبَّ)
وَكُلُّ مَا رُبَّ عَلَيْهِ تَدخُلُ ... فَإِنَّهُ مُنَكَّرٌ يَا رَجُلُ

فأدخِل (رُبَّ) على الأمثلة كُلها فيكون حينئذٍ مصروفاً، (رُبَّ مَعْدِ يْكَرِبٍ) بالخفض (وَعِمْرَانٍ) هذا زيادة (مَعْدِ يْكَرِبْ) هذا مُرَكَّب مَزجي سُلِبَت منه العلميَّة صار نكرة:
كَرُبَّ رَاجِيِنَا عَظِيمَ الأَمَلِ ..
قلنا (رُبَّ) لا تدخل إلا على النَّكرة: رُبَّ مَعْدِ يكَرِبٍ، بالجرِّ مع التَّنوين (وَعِمْرَانٍ) فِعْلان .. الألف والنُّون زائدة، حينئذٍ لا تمنع لسلبه العلميَّة (وَفَاطِمَةٍ) بالخفض لأنَّه مؤنَّث فقط وليس علماً، وَزَيْنَبٍ وَإِبْرَاهِيمٍ، وَأحْمَدٍ، وَأرْطاً، وَعُمَرٍ، لَقِيتُهُمْ، لذهاب أحد السَّببين وهو: العلميَّة.
ويُسْتَثنى من ذلك ما كان صفةً قبل العلميَّة كـ: أحْمَرْ وَسَكْرَانْ، يعني: لو سُمِّيَ بـ (سَكْرَانْ أوْ أحْمَرْ) صار علماً منعناه للعلميَّة وزيادة الألف والنُّون، نَكَّرناه .. سلبناه العلميَّة رجع إلى الوصفيَّة.
إذاً: يُسْتَثنى من هذا النَّوع ما كان في الأصل: وصفاً ثم سمَّينا به، يعني هو في الأصل من الأنواع الخمسة، ولذلك سبق أنَّ الأنواع الخمسة (مثنى) وما ذُكِر معه لو سمي به بقي على علميته، لو سُلِبَت منه العلميَّة رجع إلى أصله وهو الوصفيَّة فيكون ممنوعاً من الصَّرف، هنا في هذا التَّركيب الأنواع السبعة نقول: إذا كان ابتداءً هو علم لا إشكال فيه أنَّه مع العلَّة الأخرى إذا سُلِب العلميَّة رجع إلى أصله، وأمَّا إذا كان منقولاً من واحدٍ من الخمسة السابقة حينئذٍ إذا نُكِّر فلا يُصْرف .. يبقى على منعه من الصَّرف، كـ (سَكْرَانْ وَأحْمَرْ) فسيبويه يُبْقِيه غير منصرفٍ.
وَابْنِ عَلَى الْكَسْرِ فَعَالِ علَمَا ... مُؤَنَّثَاً وَهْوَ نَظِيْرُ جُشَمَا
عِنْدَ تَمِيمٍ وَاصْرِفَنْ مَا نُكِّرَا ... مِنْ كُلِّ مَا التَّعْرِيْفُ فِيهِ أَثَّرَا

(التَّعْرِيفُ) هذا مبتدأ (فِيهِ أَثَّرَا) (فِيهِ) جار مجرور متعلِّق بقوله (أَثَّرَا) والألف للإطلاق، وقوله (جُشَمَا) الألف للإطلاق كذلك وهو معدولٌ عن (جاشم) والمراد به: (عظيم) فالمانع هو العدل والعلميَّة.
قال الشارح هنا: "إذا كان عَلَمُ المُؤَنَّث على وزن (فَعَالِ) كـ: حَذَامِ وَرَقَاشِ، فللعرب فيه مذهبان. (فَعَالِ) في لسان العرب قد يكون معدولاً وغير معدول، فأمَّا المعدول إمَّا علم مُؤَنَّث كـ: حَذَامِ، وهذا تقدَّم حكمه وأمَّا اسم فعل أمر نحو: نَزَالِ، هذا سبق معنا أنَّه معدول.
إذاً: المعدول قد يكون كـ: حَذَامِ، وقد يكون كـ: نَزَالِ، وهو اسم فعل أمر، وإمَّا مصدر نحو: حَمَادِ، معدول عن: مَحْمِدَة أو مَحَمَدَة، بفتح الميم أو كسرها، وإمَّا صفة جاريةً مجرى الأعلام نحو: حَلاقِ المَنِيَّة، معدولٌ عن (حَالِقَةٍ) والمَنِيَّة: الموت، وإمَّا صفةٌ ملازمةٌ للنِّداء نحو: فَسَاقِ، فهذه خمسة أنواع كُلها مَبْنِيَّةٌ على الكسر مَعدولةٌ عن مُؤَنَّث، خمسة أنواع كُلها مَبْنِيَّةٌ:


الأوَّل: معدولٌ عن (حَذَامِ) عَلَم لمؤَنَّث، والثَّاني (نَزَالِ) والثَّالث مصدر (حَمَادِ) والرَّابع صفةٌ جاريةٌ مجرى الأعلام، والخامس: صفةٌ ملازمةٌ للنِّداء، فهذه خمسة أنواع كُلها مَبْنِيَّةُ على الكسر معدولةٌ عن مُؤَنَّث، فإن سُمِّي ببعضها مُذَكَّر فهو كـ: عَنَاقِ، يعني: باقٍ على المنع.
وقد يُجْعَلُ كـ: صَبَاحٍ، يعني: مصروفاً، وإن سُمِّي به مُؤَنَّث فهو كـ: حَذَامِ، ولا يجوز البناء أي فيما سُمِّي به مُذَكَّر لا فيما سُمِّي به مؤنَّث، وغير المعدول يكون اسماً كـ: جَنَاحِ، ومصدراً نحو: ذهاب، وصفة نحو: جواد، وجنساً نحو: سحاب، فلو سُمِّي بشيءٍ من هذه المُذَكَّر انصرف قولاً واحداً إلا ما كان مؤنثاً كـ: عَنَاقِ، فيبقى على أصله ممنوعاً من الصَّرف.
قال هنا: إذا كان علم المُؤَنَّث على وزن (فَعَالَ) فيه مذهبان: أحدهما مذهب أهل الحجاز وهو: بناؤه على الكسر فتقول: هذه حَذَامِ، وَرَأيْتُ حَذَامِ، وَمَرَرْتُ بِحَذَامِ، والثَّاني وهو مذهب بني تميم: إعرابه كإعراب ما لا ينصرف للعلميَّة، قيل علميَّة الأشخاص كـ: حَذَامِ، وعلميَّة الأجناس كـ: فَجَارِ، يعني: يجتمع فيه النَّوعان علم شخص وعلم جنس، (حَذَامِ) علم شخص (وَفَجَارِ) للفجرة كما سبق فهو علم جنس.
إعرابه إعراب ما لا ينصرف للعلميَّة والعدل والأصل: حَاذِمَةٌ وَرَاقِشَةٌ، فَعُدِل إلى: حَذَامِ وَرَقَاشِ، كما عُدِل: عُمَرْ وَجُشَمْ، عن: عَامِر وَجَاشِمْ، وإلى هذا أشار بقوله (وَهْوَ نَظِيرُ جُشَمَا عِنْدَ تَمِيمٍ).
وأشار بقوله: (وَاصْرِفَنْ مَا نُكِّرَا) إلى أنَّ ما كان منعه من الصَّرف للعلميَّة وعلَّةٍ أخرى إذا زالت عنه العلميَّة بتنكيره صُرِفَ لزوال إحدى العلَّتين وبقاؤه بعلَّةٍ واحدة لا يقتضي منع الصَّرف، وهذا السَّبب في إيجاد العدل، وذلك نحو: مَعْدِ يكَرِبْ، وَغَطَفَان، وَفَاطِمَة، وَإِبْرَاهِيم، وَأحْمَد، وَعَلْقَى، وَعُمَر أعلاماً فهذه ممنوعة من الصَّرف للعلميَّة وشيءٍ آخر، فإذا نَكَّرتها صرفتها لزوال أحد سببيها وهو العلميَّة فتقول: رُبَّ مَعْدِ يكَرِبٍ رَأيْتُ، وكذا الباقي.
وأمَّا الخمسة المتقدمة وهي: ما امتنع لألف التَّأْنِيث، أو للوصف والزِّيادتين، أو للوصف ووزن الفعل، أو للوصف والعدل، أو للجمع المشبه مَفَاعِل أو مَفَاعِيل فإنَّها لا تُصْرف نَكِرةً، فلو سُمِّي بشيءٍ منها لم ينصرف أيضاً، الحكم عامٌّ.
قال ابن عقيل: "وتلخَّص من كلامه أنَّ العلميَّة تَمْنَعُ الصَّرف مع التَّركيب ومع زيادة الألف والنُّون ومع التَّأْنِيث ومع العُجْمَة ومع وزن الفعل ومع ألف الإلحاق المقصورة ومع العدل" وأحسن من هذا ما ذكره ابن هشامٍ فإنَّ من أحسن ما ركَّب هذا الباب ابن هشام في (شَرْح قَطْرَ النَّدَى) من أراد أنَّ يضبط باب الممنوع من الصَّرف فليضبط أوَّلاً شرح ابن هشام في (قَطر النَّدَى) قلَّ أن يوجد من رتَّب وعلَّل واختصر الكلام مثل ابن هشام هناك.
ولذلك قال: " العلل على ثلاثة أقسام " -في خاتمة الباب- العلل على ثلاثة أقسام:


الأوَّل: ما يُؤَثِّر وحده، حتى أنَّه في (أوضح المسالك) ليس شأنه كـ (قطر النَّدى) فـ (قطر النَّدى) أعلى بكثير من (أوضح المسالك)، (أوضح المسالك) غير مُرَكَّب لأنَّه جرى على ما جرى عليه النَّاظم والإنسان إذا كان تابعاً لغيره في التَّأليف والتَّصنيف قد يحصل عنده خلل.
الأوَّل: ما يُؤَثِّر وحده وهو شيئان: الجمع وألفا التَّأنِيث، هذا القسم الأوَّل من العلل ما يُؤَثِّر وحده يعني: لا يحتاج علميَّة ولا وصفيَّة وهذا شيئان هما: ألف التَّأنيث الممدودة والمقصورة كـ: حُبْلى، وَسَلْمَى، وَصَحَرَاء، وَحَمْرَاء، وصيغة منتهى الجموع: ما كان على وزن: مَفَاعِلْ، أو مَفَاعِيل.
الثاني: ما يُؤَثِّر بشرط وجود العلميَّة وهو ثلاثة أشياء: التَّأْنِيث بغير الألف .. لا بد من العلميَّة، ولذلك زينب لو سُلِبَت العلميَّة انصرف لأنَّ العلميَّة شرطٌ في منعه، والتَّركيب (مَعْدِ يكَرِبْ) لا بُدَّ أن يكون علماً فلو نُكِّر حينئذٍ لا يمنع من الصَّرف بل يرجع إلى أصله، والعُجْمَة كذلك، ومِن ثَمَّ انصرف (صِنْجَة) وإن كان مؤَنَّثاً أعجميَّاً (وَصَوْلَجَان) وإن كان أعْجَميَّاً ذا زيادة (وَمُسْلِمَة) وإن كان مُؤَنَّثاً وصفا لانتفاء العلميَّة فيهن.
الثالث: ما يُؤَثِّر بشرط وجود أحدٍ من أمرين: العلميَّة أو الوصفيَّة يعني: قد يكون ممنوعاً من الصَّرف للعلميَّة مثلاً وزيادة الألف والنُّون كذلك يمنع من الصَّرف للوصفيَّة وزيادة الألف والنُّون، ألم يمر معنا أنَّ الألف والنُّون زيادتان، قد يكون مع الوصف فيمنع مثل (سَكْرَان) وقد يكون مع العلم فيمنع مثل (عُثْمَان) حينئذٍ قد يكون هذا أو ذاك؟
هذا النَّوع الثَّالث: ما يُؤَثِّر بشرط وجود أحد أمرين: العلميَّة أو الوصفيَّة وهو ثلاثةٌ: العدل والوزن والزِّيادة يعني: عُمَرْ، وَأحْمَدْ، وَسَلْمَانْ، وَثُلاثْ، وَأحْمَرْ، وَسَكْرَانْ، هذه كلها إمَّا هذا وإمَّا ذاك، ولذلك نقول: العدل قد يكون في مثنى وثُلاث هذا عدلٌ مع وصفٍ، (عُمَرْ وَحَذَامِ) هذا عدلٌ مع علميَّة إذاً: هذا أو ذاك يجتمع مع هذا ويجتمع مع ذاك، كذلك الوزن .. وزن الفعل سبق:
وَوَصْفٌ اصْلِيٌّ وَوَزْنُ أَفْعَلا ..
إذاً وصفٌ مع وزن الفعل، وكذلك مرَّ معنا ما يخصُّ الفعل (أَوْ غَالِبٍ كَأَحْمَدٍ وَيَعْلَى) حينئذٍ نقول: هذا وجِد فيه الوزن مع العلميَّة، وكذلك الزِّيادة وسبق هذا، إذاً: هذه ثلاثة أنواع ضبطُها أحسن مِمَّا ذكره ابن عقيلٍ.
وَمَا يَكُونُ مِنْهُ مَنْقُوصَاً فَفِي ... إِعْرَابِهِ نَهْجَ جَوَارٍ يَقْتَفِي

(وَمَا يَكُونُ مِنْهُ مَنْقُوصَاً) هذا عامٌّ فيما سبق من أوَّل الباب إلى آخره، فليس خاصَّاً بالأخير، فقوله:
. . . . . . . وَاصْرِفَنْ مَا نُكِّرَا ... مِنْ كُلِّ مَا التَّعْرِيْفُ فِيهِ أَثَّرَا

هذا خاصٌّ بالأنواع السَّبعة، وأمَّا الخمسة فليست داخلة، وأمَّا قوله هنا: (وَمَا يَكُونُ مِنْهُ مَنْقُوصَاً) (مِنْهُ) هنا الضَّمير يعود على ما لا ينصرف من قوله: (فَأَلِفُ التَّأْنِيثِ .. ) إلى قوله (عِنْدَ تَمِيمٍ) كله داخل في هذا البيت.


(وَمَا يَكُونُ) (مَا) مبتدأ (وَيَكُونُ مِنْهُ مَنْقُوصَاً) يكون هو و (مَنْقُوصَاً) خبر (يَكُونْ) والجملة لا مَحل لها من الإعراب صِلة الموصول.
. . . . . . . . . . . . . . فَفِي ... إِعْرَابِهِ نَهْجَ جَوَارٍ يَقْتَفِي

(وَمَا يَكُونُ مِنْهُ مَنْقُوصَاً يَقْتَفِي) يَتَّبِع (فِي إِعْرَابِهِ نَهْجَ جَوارٍ)، (فِي إِعْرَابِهِ) مُتعلِّق بقوله: (يَقْتَفِي) يعني: يتَّبع و (نَهْجَ جَوارٍ) (نَهْجَ) هذا المراد به: الطَّريق والسَّبيل وهو مفعولٌ مُقدَّم لقوله (يَقْتَفِي) إذاً: (يَقْتَفِي) الجملة خبر (وَمَا يَكُونُ مِنْهُ) من الممنوعٌ من الصَّرف مُطلقاً، فيعمَّ المعرفة والنَّكرة (مَنْقُوصَاً) فيَقْتَفِي فِي إِعْرَابِهِ نَهْجَ جَوارٍ، في ماذا؟ جَوارٍ ..
وَذَا اعَتِلاَلٍ مِنْهُ كَالجَوَارِيَ ... رَفْعَاً وَجَرّاً. . . . . . . . . . . .

يقتفي جوارٍ في ماذا؟ في كونه في حالة الرَّفع والخفض تُحذف منه الياء وَيُعَوَّض عنه النُّون، طيب! لماذا أعاده مرة أخرى؟ هو سبق:
وَذَا اعْتِلالٍ مِنْهُ كَالجَوَارِي ..
هل الحكم مُكَرَّرْ أو ماذا؟ هناك خاص بباب (مَفَاعِلْ) وهنا عامٌّ مُطلقاً، وما كان منقوصاً، يعني: لو كان في أصله كـ (قاضي) ثُمَّ سُمِّي به عَلَم امرأة أو (يرمي) هذا مختوم بياء، لو سُمِّي به عَلَم، حينئذٍ نقول: عَلَمٌ وهو مُؤَنَّث مثلًا، سُمِّي به امرأة، حينئذٍ نقول: (يَرْمٍ) مثل (جَوَارٍ) تحذف الياء وَتُعَوِّض عنها النُّون، والعلَّة كما ذكرناه سابقاً: التقى ساكنان وحذفت .. إلى آخره، نفس العلَّة التي في (جَوَارٍ) تقول: هَذِه يَرْمٍ، وَجَاء يَرْمٍ، ومررت بِيَرْمٍ، أصله: (يرمي) (يَعْلٍ) أصله: يعلى.
حينئذٍ نقول: في حالتي الرَّفع والخفض يُعَامل مُعاملة (جواري) في حالة النَّصب: رأيت يَرْمِيَ .. يَعْلِيَ، أو يَعْلَى إذا جعلناه كما هو ولم نرده إلى أصله، حينئذٍ نقول: في حالة النَّصب يبقى كما هو، وفي حالة الرَّفْع والجر يُعَامل مُعَاملة (جواري) بِمعنى: أنَّه يُحْذَف الياء، أو الواو تُقْلَب ياء ثُمَّ تُحْذَف للتَّخَلُّص مِن التقاء السَّاكِنَين.
وَمَا يَكُونُ مِنْهُ مَنْقُوصَاً فَفِي ... إِعْرَابِهِ نَهْجَ جَوَارٍ يَقْتَفِي

أي: ما كان منقوصاً من الأسماء التي لا تنصرف، سواءٌ كان من الأنواع السَّبعة التي إحدى عِلَّتَيهَا: العلميَّة، أو من الأنواع الخمسة التي قبلها.
هنا أُنْكِر على المُرادِي في شرحه: أنَّه جعل هذا البيت خاصَّاً بالمعارف، ولم يردَّ الضَّمير هنا في قوله (وَمَا يَكُونُ مِنْهُ) إلى أوَّل الباب، والظَّاهر هو الثَّاني: أنَّه مردودٌ إلى الجميع.


فمثاله من غير التَّعريف: (أُعَيْمٍ) تصغير (أعمى) فإنَّه غير منصرف للوصف والوزن، ويلحقه التَّنوين رفعاً وجرَّاً نحو: هذا أُعَيْمٌ، وَمَرَرْتُ بِأُعَيْمٍ، (أُعَيْمٌ) هذا ليس مصروفاً، هذا التَّنوين هنا تنوين عِوَض عن الياء، يعني: مثل تنوين (جَوَارٍ) حينئذٍ نقول: هذا أُعَيْمٌ .. مَرَرْتُ بِأُعَيْمٍ .. رَأيْتُ أُعَيْمِيَّ، (أُعَيْمِيَّ) على الأصل، والتَّنوين فيه عِوَض من الياء المحذوفة كما في نحو (جَوَارٍ) وهذا لا خلاف فيه .. (أُعَيْمٍ) لا خلاف فيه، وهذا سبق معنا.
وَمَا يَكُونُ مِنْهُ مَنْقُوصَاً فَفِي ... إِعْرَابِهِ نَهْجَ جَوَارٍ يَقْتَفِي

أي: والَّذي يكون مِمَّا لا ينصرف منقوصاً فهو يَقْتَفِي نَهْجَ جَوارٍ في إِعْرَابِهِ، فلو سَمَّيت بـ: يَرْمِي وَيَقْضِي فحينئذٍ أعللناه إعلال (جَوَارٍ) ولو سَمَّيت بـ: يغزو ويدعو حينئذٍ رجعت بالواو للياء، لو سميت رجل: يغزو .. جاء يغزو .. رأيت يغزو .. مررت بيغزو، (يغزو) في أصله فعل، لَمَّا جعلناه عَلَماً اسْماً حينئذٍ ليس عندنا اسمٌ مُعرب آخره واوٌ لازمة، حينئذٍ: وجب قلب الواو ياءً فتقول: جاء يغزي، ورأيت يغزي، ومررت بيغزي، ثُمَّ بعد ذلك تدخِل عليه التَّنوين فيلتقي ساكنان وتحذف اليَّاء.
إذاً لا بُدَّ أوَّلاً: من قلب الواو ياءً تلافياً لأن يكون مَعَنا اسمٌ مُعرب آخره واوٌ لازمة، هذه واو لازمة لأنَّه من أصل الكلمة: دعا .. يدعو، فهي أصليَّة، إذاً: رجعت بالواو للياء، وأجريته مُجْرى (جَوَارٍ) وتقول في النَّصب: رَأيْتُ يَرْمِيَ وَيَدْعِيَ، (يَرْمِيَ) هذا واضح، و (يَدْعِيَ) بقلب الواو ياءً، لأنَّه لا يصح أن يقال: (يَدْعُو) لأنَّه يَجب قلب الواو ياءً.
قال الشَّارح: "كُلُّ منقوصٍ كان نظيره من الصَّحيح الآخر ممنوعاً من الصَّرف يُعَامل مُعَاملة (جَوَارٍ) في أنَّه يُنَوَّن في الرَّفع، والجر تنوين العوض - انتبه لهذه! -، ويُنصب بفتحةٍ من غير تنوين، وذلك نحو: قَاضٍ " انظر! مَثَّل بـ: قَاضٍ، على أنَّه تنوين عوض، لأنَّه نُقِل من بابٍ إلى باب .. من باب المصروف إلى بابٍ آخر وهو الممنوع من الصَّرف، فالتَّنوين يَختلف، قبل نقله فهو تنوين تمكين .. صرف، وبعد نقله فهو تنوين عِوَض.
ويُنصب بفتحةٍ من غير تنوين وذلك نحو: قَاضٍ، عَلَم امرأة، فإنَّ نظيره من الصَّحيح: ضَارِب، عَلَم امرأة، وهو ممنوع من الصَّرف للعلميَّة والتَّأنيث، فـ (قَاضٍ) كذلك ممنوع من الصَّرف للعلميَّة والتَّأنيث، فهو مُشَبَّهٌ بـ (جَوَارٍ) من جهة أنَّ في آخره ياءً قبلها كسرة، فَيُعَامل مُعَامَلته، فتقول: هذه قَاضٍ .. امرأة، هذه قَاضٍ، لكن اسم على غير مُسَمَّى .. انتبه ما يصح! هذه قَاضٍ، وَمَرَرْتُ بَقَاضٍ، وَرَأيْتُ قَاضِيَ، كما تقول: هؤلاء جَوَارٍ، وَمَرَرْتُ بِجَوَارٍ، وَرَأيْتُ جَوَارِيَ، ومثله: يُعَيِل، تصغير (يَعْلَى) هذا يُعَيِلٌ، وَمَرَرْتُ بِيُعيلٍ، وَيَرْمٍ (يَرْمِي) مُسَمَّىً به تقول: جاء يَرْمٍ، وَمَرَرْتُ بِيَرمٍ، وَرَأيْتُ يَرْمِيَ، (يَرْمِيَ) هذا عَلَم، يعني: اسم امرأة.


وذهب الكسائي إلى أنَّ نحو: قاضي، اسم امرأة، وَيُعَيل، وَيَرْمي، يَجري مَجرى الصَّحيح في ترك التَّنوين وَجَرِّه بفتحةٍ ظاهرة، فيقال: هذا يُعَيْلى وَيَرْمي وقاضي، يعني: إبقاءه على أصله، هذا مذهب الكسائي، وَرَأيْتُ يُعَيلِيَ، وَيَرْمِيَ، وَقَاضِيَ، وَمَرَرْتُ بِيُعَيلِي، وَيَرْمِي، وَقَاضِي، فتبقى الياء كما هي ساكنة ولا يُجْرِيه مُجْرى (جَوَارٍ وَغَوَاشٍ) هذا رأيٌّ للكسائي والجمهور على خلافه.
(وَمَا يَكُونُ مِنْهُ) والَّذي يكون .. مبتدأ، (يَكُونُ مِنْهُ) يعني: مِمَّا لا ينصرف معرفةً أو نكرة (مَنْقُوصَاً) يعني: آخره ياء .. قبل النَّقل، وأمَّا بعده فهذا ذهب في قوله: (وَذَا اعْتِلاَلٍ)، فـ (يَقْتَفِي) يتَّبع (فِي إِعْرَابِهِ نَهْجَ جَوَارٍ) فَيُرْفَع وَيُنَوَّن تنوين عوض، وينصب على الفتحة الظَّاهرة وتبقى الياء، ويُخْفَض بالفتحة نيابةً عن الكسرة، وَيُنَوَّن تنوين عِوَض وتُحْذَف الياء، وما كان مختوماً بالواو وجب قلب الواو ياءً، لأنَّه لا يوجد عندنا اسم معرب آخره واو.
وَلاِضْطِرَارٍ أَوْ تَنَاسُبٍ صُرِفْ ... ذُو المَنْعِ وَالمَصْرُوفُ قَدْ لاَ يَنْصَرِفْ

وَجَائِزٌ فِي صَنْعَةِ الشِّعْرِ الصَّلِفْ ... أَنْ يَصْرِفُ الشَّاعِرُ مَا لاَ يَنْصَرِفْ

يعني: الممنوع من الصَّرف إذا اضْطُرَّ الشَّاعرُ إلى صَرْفِه صَرَفَهُ لأنَّه رجوعٌ إلى الأصل وهذا في الجملة مُتَّفق عليه، في الجملة، ثَمَّ نوعان مختلفٌ فيهما، في الجملة: ما اضْطُرَّ الشاعر إلى صَرْفِه صَرَفَهُ، مثال الضَّرورة كقول الشاعر:
وَيَوْمَ دَخَلْتُ الْخِدْرَ خِدْرَ عُنَيْزَةٍ ..
(عُنَيْزَةٍ) جَرَّه والأصل أن يقول: عُنَيْزَةَ، لأنَّه علم مُؤَنَّث، فاجتمع فيه علَّتان فهو ممنوع من الصَّرف.
وَيَوْمَ دَخَلْتُ الْخِدْرَ خِدْرَ عُنَيْزَةٍ ... فَقَالَتْ لَكَ الوَيلاتُ إنَّكَ مُرِجِلي

ومثله:
تَبْصَّرْ خَلِيْلِي هَلْ تَرَى مِنْ ظَغَائِنٍ ..
(ظَغَائِنٍ) بعد ألف تكسيره حرفان، حينئذٍ هو ممنوعٌ من الصَّرف لكونه على صيغة منتهى الجموع.
إذاً: يُصْرَف الممنوع من الصَّرف فَيُرَدُّ إلى أصله، وحينئذٍ لا إشكال.
(وَلاِضْطِرَارٍ) وهو في الشِّعر كثير بل هو الظَّاهر أنَّه محله الشِّعر، واخْتُلِف في نوعين، يعني: فيما يَجوز أنَّه إذا اضْطُرَّ هل يُنَوِّنُه فَيردُّه إلى أصله أم لا؟
الأوَّل: ما فيه ألف التَّأنيث المقصورة، عرفنا فيما سبق أنَّ التَّنوين ساكن حينئذٍ ألف مقصورة ساكنة، فماذا يصنع الشاعر؟ إذا اضْطُرَّ إلى أن يُنَوِّن المختوم بألفٍ ساكنة، يلتقي ساكنان فتحذف الألف، جئت بساكن مثله! ليس فيه فائدة، لكنَّه سُمِع ما دام أنَّه سُمِع فيجوز.
ما فيه ألف التَّأنيث المقصورة فمنع بعضهم صرفه للضَّرورة، وقال لأنَّه لا فائدة فيه، إذ يزيد بقدر ما ينقص، ما الَّذي نقص؟ ساكن .. زاد ساكناً، هو نفسه .. دوران .. يدور، يعني: تأتي بالتَّنوين وهو ساكن فتحذف السَّاكن، إذاً: يزيد بقدر ما ينقص.
وَرُدَّ بقوله:
جُزْءَاً لآخِرَتِي وَدُنِياً تَنْفَعُ ..


(وَدُنِياً تَنْفَعُ) نَوَّن (دُنِيَا) و (دُنِيَا) هذا مثل (حُبْلَى) ممنوعٌ من الصَّرف، ما دام أنَّه سُمِع نمشي معه، فيجوز حينئذٍ أن يُنَوَّن ما كان مَختوماً بألف التأنيث المقصورة.
الثَّاني: (أفْعَلُ مِنْ) أفْعَلْ: ما كان على صيغة (أفْعَلْ) مُجَرَّد إذا قيل (أفْعَلْ مِنْ) سبق أنَّ هذا الاصطلاح يُراد به المجرَّد الَّذي يلتزم التَّذكير والإفراد، (أفْعَلْ مِنْ) منع الكوفيُّون صرفه للضَّرورة، قالوا: لأنَّ حذف تنوينه لأجل (مِنْ) هو حُذِف تنوينه من أجل (مِنْ) فكيف أنت تَرُدَّه؟ تنوينه أصلًا .. يقول: أفْضَلُ مِنْ، (أفْضَلُ) لا يُنَوَّن لأجل (مِنْ) وهذا ليس بصحيح.
قالوا: لأنَّ حذف تنوينه لأجل (مِن) فلا يُجمع بينهما، ومذهب البصريين جوازه لأنَّ المانع إنَّما هو الوزن والوصف فقط، ليس لأجل (مِنْ). ومذهب البصريين جوازه لأنَّ المانع إنَّما هو الوزن والوصف كـ: أحْمَر، لا من لا لفظ (من)، بدليل صرف: خيرٍ من، وشرٍ من، بزوال الوزن. (خيرٍ من) هذا مصروف و (شرٍ من) هذا مصروف، لزوال الوزن، لأنَّ الألف هنا حُذِفت كما سبق تخفيفاً حينئذٍ زالت الصِّيغة.
وَلاِضْطِرَارٍ أَوْ تَنَاسُبٍ ..
يعني: مناسبة، يُذْكَر الممنوع بجوار المصروف، فمناسبةً له يُنَوَّن، وهذا يُسَمَّى: تنوين المناسبة، وهو خاصٌّ كذلك بالأسماء.
ومثال الصَّرف للتَّناسب قراءة نافع والكسائي: (سَلاَسِلاً وَأَغْلاَلاً) (أَغْلاَلاً) هذا ممنوعٌ من الصَّرف؟ لا، (سَلاَسِلْ) هذا على وزن (مفاعل) و (أَغْلاَلاً) هذا ليس ممنوعٌ من الصَّرف، أغلال .. (أفْعَال) لمَّا نُوِّنَ (أَغْلاَل) وكان قبله (سلاسل) جرى معه، لمناسبة ما بعده نُوِّن سَلاَسِلاً وَأَغْلاَلاً.
وقراءة الأعمش: (وَلا يَغُوثَاً وَلا يَعُوقًا وَلا نَسْرًا) قراءة الأعمش شاذَّة (وَلا يَغُوثَاً وَلا يَعُوقًا وَلا نَسْرًا) لمناسبة (نسرا) لأنَّ (نسراً) هذا مصروف.
إذًا: وَلاِضْطِرَارٍ أَوْ تَنَاسُبٍ صُرِفْ .. وجوباً (ذُو المَنْعِ) (وَالمَصْرُوفُ قَدْ لاَ يَنْصَرِفْ) وهذا محل نزاع .. هذا مذهب الكوفيين، وأمَّا البصريُّون فلا يُجيزون ذلك البتَّة، عندهم ممنوع أن يُمنع المصروف، لماذا؟ جَوَّزُوا الأوَّل ومنعوا الثَّاني، قالوا: هو ممنوعٌ من الصَّرف، إذا اضْطُرَّ إلى صَرْفِه صَرَفَه رجوعاً إلى الأصل، لأنَّ الأصل في الاسم أن يكون مصروفاً، فإذا مُنِع فهو فرعٌ .. فإذا نُوِّن رجعنا إلى الأصل، لا إشكال، أمَّا أن يكون الأصل فيه: أنَّه مصروف، ثُمَّ بعد ذلك نَمنعه من الصَّرف؟! هذه مشكلة، قالوا: إذًا نَمنعه، فلا يجوز أن يُمنع المصروف.
وأمَّا منع المنْصرَف من الصَّرف للضَّرورة فأجازه قومٌ ومنعه آخرون، لكونه خروجاً عن الأصل بِخلاف صرف مالا ينْصرِف فإنَّه رجوعٌ للأصل فاحْتُمِل في الضَّرورة، ومنعه آخرون وهم أكثر البصريين واستشهدوا لمنعه، يعني: ممن جَوَّزَهُ:
وَمِمِنْ وَلَدُوا عَامِرُ ... ذُوْ الطُّوُلِ وَذُوُ العَرْضِ


(عَامرُ) ممنوع من الصَّرف؟ لا، ليس ممنوعاً من الصَّرف، لكن هنا مَنَعه، إذاً: يَجوز منع المصروف للضَّرورة، لذلك ذهب ابن مالك هنا إلى كونه جائز (وَالمَصْرُوفُ قَدْ لاَ يَنْصَرِفْ) (وَالمَصْرُوفُ) الَّذي الأصل فيه: أنَّه الصرف (قَدْ لاَ يَنْصَرِفْ) (قَدْ) للتَّقليل .. لكنَّه قليل يعني، ولذلك قال قائل:
فَمَا كَانَ حِصْنٌ وَلا حَابِسٌ ... يَفُوقَانِ مِرْدَاسَ فِي مَجْمَعٍ

(مِرْدَاسَ) على وزن (مِفْعَال) هل هو ممنوعٌ من الصَّرف أو لا؟ ليس ممنوعاً من الصَّرف، لكن منعه هنا قال: (مِرْدَاسَ) لم يُنَوِّنه، فمنعه من الصَّرف لضرورة الوزن، وكذلك مثله:
طَلَبَ الأَزَارِقَ بالكَتَائِبِ إِذْ هَوَتْ ... بِشَبِيبَ غَائِلَةُ النُّفُوسِ غَدُورُ

(بِشَبِيبَ) هذا ليس ممنوعاً من الصَّرف بل هو مصروف.
على كُلٍّ: سُمِع في لسان العرب أنَّ الشَّاعر قد يمنع ما هو مصروفٌ في الأصل للضَّرورة.
إذاً: (لاِضْطِرَارٍ) يَعمُّ النَّوعين، فيجوز أن يصرف الشاعر مالا ينصرف، وهذا الَّذي نصَّ عليه الحريري هناك في (المُلحة):
وَجَائِزٌ فِي صَنْعَةِ الشِّعْرِ الصَّلِفْ ... أَنْ يَصْرِفُ الشَّاعِرُ مَا لاَ يَنْصَرِفْ

وهذه لها ضوابط عندهم، وإنَّما يُنْظَر فيها على حسب الضَّوابِط، ليس كل ما عّنَّ له صرفه، أو أنَّه يُقال اضْطُّر إليه، لا، إنَّما لها ضوابط.
(وَلاِضْطِرَارٍ) إذًا: يَعُمُّ صرف الممنوع ومنع المصروف، وأمَّا مذهب الكوفيين فجواز منع المصروف، ومذهب البصريين المنع فلا يجوز عندهم أن يمنع الشاعر ما هو مصروفٌ في الأصل، لأنَّه إجحافٌ به، الأصل فيه: أنَّه يُنَوَّن تنوين صرف، فإذا منعه حينئذٍ أجحفه وسَلَبَه حقه وهذا ممنوع.
(وَلاَضْطِرَارٍ) هذا جار مجرور مُتعلِّق بقوله: (صُرِفْ) (أَوْ) هذه للتَّقسيم (تَنَاسُبٍ) معطوف على (اضْطِرَارٍ) والمعطوف على المجرور مجرور (صُرِفْ) صرف وجوباً، وإن كانت اللفظة لا تدل على الوجوب.
(وَلاِضْطِرَارٍ أَوْ تَنَاسُبٍ صُرِفْ) يعني: وجوباً.
(ذُو المَنْعِ) (صُرِفْ) فعل ماضي مغيَّر الصيغة مبني على الفتح، أين الفتح؟ مُقدَّر، لماذا؟ سكون الرَّوي، (ضُرِبْ) نقول: هذا مبني على الفتح، لكن الفتح ليس ظاهراً هنا، دائماً في الوقف تُعرِبه بسكون الوقف، يعني: تُقدِّر الحركة، ولذلك اتفقوا على أنَّ العرب إنَّما تقف على ساكن ولا تقف على متحرِّك، كما أنَّها لا تبدأ بساكن بل تبدأ بِمتحرِّك، فإذا قيل: جاء زيد (زيد) فاعل مرفوع ورفعه ضَمَّة مُقدَّرة على آخره منع من ظهوره اشتغال المحل بسكون الوقف، جاء زيد: هذا يُخطئ فيه الطُّلاب نقول: جاء زيد، أعرب: جاء زيد؟ فتقول: جاء زيد، هذا فاعل مرفوع ورفعه ضَمَّة ظاهرة على آخره، ما في ضَمَّة ظاهرة! أنت تقول: جاء زيد، الضمَّة الظاهرة تكون في الوصل، أمَّا في الوقف فليس عندنا فتحة ظاهرة، ولا ضَمَّة ظاهرة، ولا كسرة ظاهرة، وإنَّما تكون في الوصل فقط إذا كان، جاء زَيدُ وعمرو، الأوَّل مرفوع بضَمَّة ظاهرة والثَّاني مرفوع بضَمَّة مُقَدَّرة، إذاً: في الوقف تُقدِّر الحركة: رفعاً، أو نصباً، أو خفضاً.


وهنا: (صُرِفْ) وسواء كانت الحركة في المبنيَّات أو في المعربات فالحكم عام، هنا تقول: (صُرِفْ) مبنيٌّ على فتحٍ مُقدَّر منع من ظهوره اشتغال المحل بسكون الضَّرب.
(صُرِفْ ذُو المَنْعِ) (ذُو) نائب فاعل مرفوع ورفعه ضَمَّة بالواو لأنَّه من الأسماء السِّتَّة، إذاً: ليس بضَمَّة مُقدَّرة، لأنَّه من الإعراب بالفرع وهو الحرف، (ذُو المَنْعِ) (ذُو) مُضاف بِمعنى: صاحب المنع و (المَنْعِ) مضافٌ إليه، وهذا قيل بلا خلاف، لكن ذكرنا أنَّ نوعين وهو: ما كان فيه ألف التَّأنيث المقصورة هذا فيه خلاف، وكذلك (أفْعَلُ مِنْ) الكوفيُّون على المنع، والبصريُّون على الجواز وما عداه فهو مُجمعٌ عليه، إذاً: (وَلاِضْطِرَارٍ) ليس كُلَّه مُجْمَعٌ عليه بل فيه نوعان فيهما خلاف.
(وَالمَصْرُوفُ قَدْ لا يَنْصَرِفْ) (وَالمَصْرُوفُ) مبتدأ مرفوع ورفعه ضَمَّة ظاهرة على آخره (المَصْرُوفُ) يعني الَّذي صُرف (أل) هنا ما نوعها؟
وَصِفَةٌ صَرِيحَةٌ صِلَةُ أَلْ ..
(مصْرُوفُ) اسم مفعول، وإذا كان اسم مفعول ودخلت عليه (أل) فهي الموصوليَّة:
وَصِفَةٌ صَرِيحَةٌ صِلَةُ أَلْ ..
(وَالمَصْرُوفُ) قلنا: مبتدأ (قَدْ) للتَّقليل، حرفٌ مبنيٌّ على السُّكون لا مَحلَّ له من الإعراب، (لاَ يَنْصَرِفْ) نافية، حرفٌ مبني على السُّكون لا محل له من الأعراب، ما معنى: لا محلَّ له من الإعراب؟ يعني: لا يأتي مُبتدأً، ولا فاعلاً، ولا تمييزاً، ولا حالاً إلى آخره، لا يأتي في بابٍ من الأبواب التي مرَّت معنا أبدًا، لا مستثنى .. وإلى آخره، طيب، نحن نقول: زَيْدٌ قَامَ أبوه (زيدٌ) مبتدأ و (قام أبوه) في محل رفع، هنا الحكم على الجملة، والحكم على الفعل نفسه نقول: الفعل لا محل له من الإعراب، وإنَّما وقع هناك: زيدٌ قام أبوه، ليس (قام) فقط هو الخبر، وإنَّما جملة: (قام أبوه) فحينئذٍ المحل للجملة لا للفعل، وإذا قيل: قام زيدٌ، (قام) فعلٌ ماضي مبنيٌّ على الفتح لا محل له من الأعراب، كيف لا محل له من الإعراب، ثُمَّ نقول هو في محل رفع هناك؟! لا محل له من الإعراب معناه: أنَّه لا يُمكن أن يأتي في أي تركيب أن يكون خبراً .. أبدًا لا يُمكن، فإذا قيل: زيدٌ قام أبوه، كيف وقع خبراً؟ نقول: هنا وقع خبراً جملة، يعني: الفعل مع الفاعل، وهناك قلنا: قام زيدٌ (قام) لا مَحلَّ له من الإعراب باعتبار الفعل نفسه، إذ فرقٌ بين الحكم على الفعل فقط، وعلى الفعل مع فاعله.
(قَدْ لاَ يَنْصَرِفْ) (يَنْصَرِفْ) فعل مضارع، ما الدَّليل على أنَّه فعل مضارع؟ الياء .. أنيتُ
(يَنْصَرِفْ) فعل مضارع مرفوع بضمة مقدرة على آخره، وليست ظاهرة، قلنا: الظَّاهر يكون في الوصل، في الوقف تُلغي هذه الفكرة الخاطئة وهي: أنَّه يكون مرفوعاً بضَمَّة ظاهرة، أو فتحة ظاهرة، أو كسرةٍ ظاهرة، إلا في المنصوب إذا وُقِف عليه بالألف: رَأيْتُ زَيْدَا، هذا يُسْتَثْنى.
وَقِفْ عَلَى المَنْصُوُبِ مِنْهُ بِالأَلِفْ ... كَمِثْلِ مَا تَكْتُبُهُ لاَ يَخْتَلِفْ

إذاً: (لاَ يَنْصَرِفْ) مرفوع ورفعه ضَمَّة مُقدَّرة على آخره، والجملة في محل رفع خبر المبتدأ (المَصْرُوفُ).
والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين ... !!!