شرح ألفية ابن مالك للحازمي

عناصر الدرس
* ما يجوز في الجواب إذا كان فعل الشرط ما ضياَ
* تخلف (إذا) الفجائية الفاء بشروط
* متى يجوز إقتران الفاء بجواب الشرط؟
* الفعل المضارع الواقع بين فعل الشرط وجوابه بعد عاطف
* حذف الجواب إذا دل عليه دليل ومثله الشرط.

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله رب العالمين، والصَّلاة والسَّلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أمَّا بعد:
فلا زال الحديث في باب عوامل الجزم، وذكرنا أنَّ النَّاظِم رحمه الله تعالى قسَّم الأدوات الجازمة للمضارع إلى قسمين:
- ما يجزم فعلاً واحداً، وما يجزم فعلين اثنين، وذكر ما يجزم فعلاً واحداً في قوله:
بِلاَ وَلاَمٍ طَالِبَاً ضَعْ جَزْمَا ... فِي الْفِعْلِ هَكَذَا بِلَمْ وَلَمَّا

ثُم ذَكَر ما يجزم فعلين اثنين وهي إحدى عشرة أداة، نقول: أداة ولا نقول: أسْماء أو حروف، لا نُعيِّن هذا أو ذاك وإنما نقول: أداة، لأن الأداة أعمُّ من الحرف أو الاسم، فيشمل ما إذا كان الجازم حرفاً، وما إذا كان الجازم اسماً، وبَينَّا ما يَتعلَّق بهذه الأدوات الإحدى عشرة.
فِعْلَيْنِ يَقْتَضِينَ شَرْطٌ قُدِّمَا ... يَتْلُوْ الْجَزَاءُ وَجَوَابَاً وُسِمَا

بَيَّن لنا أنَّ هذه الأدوات التي تجزم فعلين تحتاج شرطٍ وجوابه، الشَّرط الأول الذي قُدِّما، والثاني الجزاء الذي يتلوه ويُسمَّى جواباً، ثُم بيَّن لنا أنَّ هذين الفعلين قد يكونا ماضيين، يعني: لفظاً لا معنى، أو مضارعين، أو متخالفين، يعني: الأول ماضي والثاني مضارع، أو بالعكس، وهذه أربعة أحوال وكلها واردة وإن كان الأخير مُختلف فيه وهو ما إذا كان الأول مضارعاً والثاني ماضياً، والجمهور على المنع، وخصَّوه بالضرورة والصواب الجواز للحديث الذي ذكرناه.
فأمَّا الماضي الواقع شرطاً أو جزاءً حِينئذٍ إذا جاء فعل الشَّرط ماضياً أو جاء جواباً حِينئذٍ كيف نقول: هذه جوازم ومع ذلك لا يظهر الأثر في الفعل الماضي، لأن الجزم إعراب، حِينئذٍ إن كان الجزم إعراباً كيف يكون أثره في الفعل الماضي؟ نقول: الجزم قد يكون لفظاً، وقد يكون مَحلاً، وإذا كان كذلك فالفعلان .. فعل الشَّرط وجواب الشَّرط إمَّا أن يكونا أحدهما أو هما ماضيين، وإمَّا أن يكونا مضارعين أو أحدهما مضارع.
فإذا كان مضارع لا إشكال، واضح أنَّ الإعراب يكون ظاهراً، وإذا كان ماضياً حِينئذٍ يكون في مَحلِّ جزمٍ، والإعراب إنَّما يكون للفعل نفسه لا للجملة، إذا قلت: إنْ قام زيدٌ قمت، (إنْ) حرف شرط، (قام) فعل مضارع مبني على الفتح في مَحلِّ جزم فعل الشَّرط، تُعربه قبل أن تُعرب فاعله .. قبل أن تعرب الفاعل تقول: فعلٌ ماضي مبنيٌ على الفتح في مَحلِّ جزم، ولا تقل: (قام) فعلٌ ماضي والفاعل زيد، والجملة في مَحلِّ جزم لا، إنَّما فعل الشَّرط يكون فعلاً.
حِينئذٍ إذا كان ماضياً يكون الإعراب الذي هو الجزم مُسَّلطاً على المَحل لا على اللفظ، فأمَّا الماضي الواقع شرطاً أو جزاءً فهو في موضع جزمٍ، لأنَّه مبنيٌ لا يظهر فيه إعرابٌ، وأمَّا جزم المضارع فلا إشكال فيه شرطاً كان أو جزاءً، لأنَّ الجزم من خَواصِّه .. إعرابٌ، والمضارع يُجْزَم، وهذا الباب معقودٌ لبيان جوازم الفعل المضارع.
إذاً: لو وقع الشَّرط والجواب مضارعين أو أحدهما مضارع حِينئذٍ يكون مَجزوماً ظاهراً.
وأمَّا جزم المضارع فلا إشكال فيه شرطاً كان أو جزاءً في الأربعة الأنحاء .. الأقسام كلها، ويجوز رفع المضارع إذا كان جزاءً، وإلى ذلك أشار بقوله:


وَبَعْدَ مَاضٍ رَفْعُكَ الْجَزَا حَسَنْ ... وَرَفْعُهُ بَعْدَ مُضَارِعٍ وَهَنْ

يعني: إذا جاء في صورة ما إذا كان فعل الشَّرط ماضياً والثاني مضارعاً، هذا القسم الثالث من الأنواع التي ذكرها ابن عقيل: أن يكون الأول ماضياً، والثاني مضارعاً، الأصل في المضارع الثاني جواب الشَّرط أن يكون مَجزوماً هذا الأصل فيه، ويجوز رفعه فيما إذا كان الأول ماضياً، ولذلك قال: (وَبَعْدَ مَاضٍ رَفْعُكَ الْجَزَا) رفعك الجزاء بالقصر للضرورة (حَسَنٌ) يعني: مستحسن في نفسه وليس بشاذ، وليس بنادر، وليس بِخاص بالضرورة.
(وَبَعْدَ مَاضٍ رَفْعُكَ الْجَزَا حَسَنْ) (رَفْعُكَ) هذا مبتدأ وهو مصدر مضاف إلى مفعوله أو إلى فاعله؟ (رَفْعُكَ الْجَزَاءَ) إذاً: الجزاء مفعول هو المرفوع، إذاً: (رَفْعُكَ) نقول: هذا مبتدأ وهو مصدر مضافٌ إلى فاعله، و (الجزاء) هذا مفعولٌ به منصوبٌ بالمصدر، أين الخبر؟ (حَسَنْ) فهو خبر مرفوع ورفعه ضَمَّة مُقدَّرة على آخره.
(وَبَعْدَ مَاضٍ) (بَعْدَ) منصوب على الظَّرفية مُتعلِّق بقوله: (حَسَنٌ) هذا صفة مُشبَّهة، فيَتعلَّق بها الظرف، إذاً: رفعك الجزاء حسنٌ بعد ماضٍ، هل المراد ماضٍ لفظاً ومعنىً، أو المراد معنىً؟ الثاني، أنَّ المراد به بعد ماضٍ ما يشمل الفعل المضارع المجزوم بـ: (لم).
(وَبَعْدَ مَاضٍ) ومثله في ذلك المضارع المنفي بـ: (لم) تقول: إنْ لم تقم أقوم .. إنْ لم تقم أقم هذا الأصل، لكن يجوز الرَّفع فتقول: إنْ لم تقم أقوم .. إنْ قام زيد أقم .. إنْ قام زيدٌ أقوم، (أقوم) بالرَّفع على أنَّه فعل مضارع مرفوع والأصل فيه الجزم، إذاً: يجوز فيه الجزم وهو الأصل، ويَجوز فيه الرَّفع بل الجزم هو المختار.
(وَبَعْدَ مَاضٍ رَفْعُكَ الْجَزَا حَسَنْ) .. (حَسَنْ) أشار به إلى أنَّه كثير، لأنَّه لو كان قليلاً لَمَا عَبَّر بـ: (حَسَنْ) بل عبَّر بـ: (نادر) أو (قَلَّ) أو (نَزُر) كما سبق في الأبواب السَّابقة، فما قَلَّ يُعبِّر عنه بـ: (النَّزر) أو (القِلَّة) أو (الشذوذ) ونحو ذلك، ولَمَّا قال: (حَسَنْ) علمنا أنَّه كثير.
والأحسن منه الجزم لأنَّه الأصل، فقوله: (حَسَنْ) لا يلزم أنَّ الجزم أحسن، حِينئذٍ يكون دائراً بين حسنٍ وأحسن، كما يُقال: صحيح وأصح، وهنا دائرٌ بين حسن وأحسن، فالأحسن هو الجزم، لأنه أكثر وهو الأصل، وكذلك الرَّفع حسنٌ لأنَّه كثير وليس بالقليل، يعني: جائزٌ مُطلقاً.
(وَبَعْدَ مَاضٍ رَفْعُكَ الْجَزَا حَسَنْ) .. (رَفْعُكَ الْجَزَا حَسَنْ) فتقول: إنْ قام زيدٌ يقم عمروٌ، ويصح: يقوم عمروٌ، ورفعه عند سيبويه على تقدير تقديمه، وكون الجواب محذوفاً، وعليه يكون المرفوع مستأنفاً دليل الجواب لا نفسه فلا يجوز، حِينئذٍ الجزم معطوفٌ عليه، مثل المثال الذي ذكره ابن عقيل: إنْ قام زيدٌ يقوم عمروٌ، ما إعراب (يقوم) بالرَّفع؟ عند سيبويه أنَّه رفعه على تقدير تقديمه، يعني: ليس هو الجواب، أصل التركيب: يقوم عمروٌ إنْ قام زيدٌ، إذا رفع: يقوم عمروٌ إنْ قام زيدٌ، فأُخِّر المتقدِّم فصار: إنْ قام زيدٌ يقوم عمروٌ.


إذاً: (يقوم) ليس هو جواب الشَّرط، وإنَّما هو دليل الجواب، يعني: كان مُتقدِّماً فتأخَّر، وأصل التركيب: يقوم عمروٌ إنْ قام زيدٌ، حِينئذٍ أخَّرته فبقي على رفعه فهو فعل مضارع مرفوع لتجرُّده عن النَّاصب والجازم، و (عمروٌ) فاعله، أين الجواب؟ مَحذوفٌ دلَّ عليه هذا المتقدِّم الذي تأخَّر.
إذاً: رفعه ليس لكونه معمولاً للأداة، الأداة لا تعمل إلا الجزم، حِينئذٍ لا يمكن أنْ تعمل الرَّفع في وقتٍ واحد، تجزم الأول وترفع الثاني هذا ليس من شأن الجوازم، ثُم الرَّافع تقرَّر سابقاً أنَّه هو التَّجرُّد، يعني: لم يسبقه جازمٌ ولا ناصب، وحِينئذٍ نقول: هنا لم يسبقه جازم؟ نعم، لم يسبقه جازمٌ، وهذا الذي تلفظنا به: إنْ قام زيدٌ يقوم عمروٌ، نقول: هذا في رتبة التأخير، والأصل: يقوم عمروٌ إنْ قام زيدٌ، فتَقدَّم يقوم عمروٌ، والجواب حِينئذٍ يكون مَحذوفاً.
وإذا عطفت على: يقوم عمروٌ، هل يجوز الجزم على المحل؟ لا يجوز الجزم، لماذا؟ لأنَّه ليس بِجوابٍ بل الجواب محذوف، وهذا دليل الجواب فهو مُتقدِّم.
إذاً: (وَبَعْدَ مَاضٍ رَفْعُكَ الْجَزَا حَسَنْ) لماذا نرفعه؟ على مذهب سيبويه أنَّه مرفوعٌ بالتجرُّد عن الناصب والجازم، وأنَّ رتبته التَّقديم، وعليه إذا عطفت عليه لا يجوز فيه الجزم، وذهب الكوفيون إلى أنَّه على تقدير الفاء، وعليه يكون المرفوع نفس الجواب، يعني: المرفوع هو الجواب، ويكون على إسقاط الفاء: إنْ قام زيدٌ فيقوم عمروٌ، إذاً: (يقوم) فعل مضارع مرفوعٌ لتجرُّده عن النَّاصِب والجازم، و (عمروٌ) فاعله، والجملة في مَحلِّ جزم جواب الشَّرط .. هي جواب الشَّرط، فتكون في مَحلِّ جزم، وإنَّما الذي حصل أنَّ الفاء قد أُسقطت .. حُذفت، وهذا فيه نظر.
فحِينئذٍ يَجوز جزم ما عُطف عليه، وقيل: أنَّه ليس على التقديم والتأخير، ولا على حذف الفاء بل لَمَّا لم يظهر لأداة الشَّرط تأثيرٌ في فعل الشَّرط لكونه ماضياً ضَعُفَت عن العمل في الجواب، وهذا أضعف.
إذاً: ثلاثة مذاهب في رفع الفعل إذا وقع مضارعاً بعد الماضي إذا كان فعل الشَّرط، في مثل هذا التركيب: إنْ قام زيدٌ يقم عمروٌ، هذا الأصل بالجزم، حِينئذٍ (قام) هذا فعل الشَّرط، و (يقم) جوابه ولا إشكال أنه مجزوم بـ: (إنْ)، لكن لو رُفِع وقد سُمِع رفعه، حِينئذٍ فيه ثلاثة مذاهب:
- مذهب سيبويه: أنَّه متأخِّر عن تقديم، والأصل أنَّه: يقوم عمروٌ إنْ قام زيدٌ، حُذف الجواب وتأخَّر هذا المُتقدِّم فصار دليلاً على الجواب.
- القول الثاني وهو مذهب الكوفيين: أنَّه هو الجواب ولكن على إسقاط الفاء، والأصل: إنْ قام زيدٌ فيقوم عمروٌ، فالجملة في مَحلِّ جزمٍ جواب الشَّرط، وقيل: لا تقديم ولا تأخير رداً لمذهب سيبويه، ولا على إسقاط الفاء، بل لَمَّا رُفِع دَلَّ على أنَّ (إنْ) إنَّما عملت في فعل الشَّرط، ثُم ضَعُفَت عن عملها في الجواب فرفع على الأصل، وهذا غريب، لأنَّه قد يُقال: إنْ قام زيدٌ يقم عمروٌ، لماذا لم تضعف هنا وضعفت في: يقوم عمروٌ؟ هذا التعليل عليل، والرَّاجح هو مذهب سيبويه.


(وَبَعْدَ مَاضٍ رَفْعُكَ الْجَزَا) الجزاء، قلنا: قصره للضرورة (حَسَنْ)، (وَرَفْعُهُ بَعْدَ مُضَارِعٍ وَهَنْ) لو كان العكس: كان الأول مضارع، والثاني مضارع حِينئذٍ (وَهَنْ) يعني: ضعيف، واردٌ سَمَاعاً لَكنَّه يضعف أن يُرْفَع الثاني .. المضارع إذا كان فعل الشَّرط كذلك مضارع.
وإنَّما اسْتُسِيغ فيما إذا كان فعل الشَّرط ماضياً، وأمَّا إذا كان مضارعاً فهو ضعيف، إذاً: فرقٌ بين (حَسَنْ) و (وَهَنْ)، (حَسَنْ) في الأول لأنَّه مضارعٌ بعد ماضٍ فلا إشكال فيه، وأمَّا إذا كان الأول مضارع والثاني مضارع فالأصل أنْ يُجزما معاً، لأنَّه هو أعلى الدرجات.
قلنا: أعلى الدرجات أن يكون فعل الشَّرط مضارعاً، لأنَّه الأصل وكذلك أن يكون جواب الشَّرط.
(وَرَفْعُهُ) أي: رفع الجزاء، (رَفْعُ) مبتدأ، من إضافة المصدر إلى مفعوله، رَفْعك أنْتَ الجزاء، (رَفْعُهُ) الضمير يعود على الجزاء، (بَعْدَ مُضَارِعٍ) هذا مُتعلِّق بقوله: (وَهَنْ) يعني: ضعف، و (رَفْعُ) مبتدأ، وخبره (وَهَنْ) يعني: فعل ماضي (وَهَنَ) فعل ماضي مبني على الفتح المقدَّر، والفاعل ضمير مستتر تقديره هو يعود على .. ما هو الذي وهن؟ الرَّفع، رفع الجزاء بعد المضارع وهن هو، أي: الرَّفع.
إذاً: (وَرَفْعُهُ) رفع الجزاء (بَعْدَ مُضَارِعٍ) ليس على إطلاقه، بل مَحلُّه في غير المنفي بـ: (لم) كما سبق، (وَهَنْ) أي: ضعف، وظاهره أنَّه لا يَختصُّ بالضرورة، وظاهر كلام سيبويه أنَّه مُختصٌّ بالضرورة، فإنَّه قال: " وقد جاء في الشِّعْر " يعني: الأخير هذا (وَرَفْعُهُ بَعْدَ مُضَارِعٍ) النَّاظِم قال: (وَهَنْ) يعني: ضعف، ضعيف، هل هو مُختصٌّ بالضرورة في الشِّعر، أم أنَّه يجوز في النَّثر مع ضعفه.
ولذلك سبق إذا قيل: ضعيف أو لُغيَّة، حِينئذٍ يجوز استعماله لكنَّه ليس بفصيح، فإذا قيل: (وَهَنْ) رفع المضارع .. (بَعْدَ مُضَارِعٍ وَهَنْ) يعني: ضعف، هل معنى ذلك أنَّه مُختصٌّ بالضرورة أم لا؟ ظاهر كلام النَّاظِم هنا لا .. ليس مُختصاً بالضرورة، وإنَّما أطلقه فدلَّ على أنه ضعيف مُطلقاً، يعني: يَجوز استعماله في النَّثر لكن على وجهٍ ضعيف، ومذهب سيبويه وظاهر كلامه أنَّه خاصٌّ بالشِّعْر.
(وَرَفْعُهُ بَعْدَ مُضَارِعٍ وَهَنْ) أي: إذا كان الشَّرط ماضياً والجزاء مضارعاً جاز لك وجهان: جزم الجزاء ورفعه، لكن الجزم على اعتبار والرَّفع على اعتبار، الجزم على اعتبار أنَّه جواب الشَّرط نفسه، وأنَّ العامل فيه أداة الجزم، ورفعه على أنَّه منفكٌ عن أداة الشَّرط .. منفصلٌ عنها، حِينئذٍ جواب الشَّرط يكون مَحذوفاً، وهذا مُتقدِّم عن تأخير، هذا ظاهر كلام سيبويه.
جاز جزم الجزاء ورفعه، وكلاهما حسنٌ .. كلاهما الرَّفع والجزاء حسنٌ، وذهب بعض المتأخرين إلى أنَّ الرَّفع أحسن من الجزم والصواب عكسه، قال في (شرح الكافيَّة): " الجزم مُختار والرَّفع جائزٌ كثير " ولذلك عَبَّر عنه بـ: (حَسَنْ) فلا يلزم أن يكون الجزم ليس بأحسن، بل الجزم أحسن وهو حسنٌ، حِينئذٍ يجوز وهو فصيح، لكن قال في (شرح الكافيَّة): " المختار الجزم، والرَّفع جائزٌ كثير ".


قال هنا: فتقول: إنْ قام زيدٌ يقم عمروٌ، بالجزم على الأصل ولا إشكال فيها: ويقوم عمروٌ .. إنْ قام زيدٌ يقوم عمروٌ بالرَّفع، حِينئذٍ نقول: (يقوم) هذا فعل مضارع مرفوع، و (عمروٌ) هذا فاعله، والجملة متأخرة عن تقديم، وهي دليل الجواب، وجواب الشَّرط محذوف، ومنه قوله:
وَإِنْ أَتَاهُ خَلِيلٌ يَوْمَ مَسْأَلَةٍ ... يَقُولُ لاَ غَائِبٌ مَالِي وَلاَ حَرِمُ

أين الشَّرط وأين جوابه؟ (وَإِنْ أَتَاهُ) .. (أَتَى) فعل ماضي، (يَقُولُ) لم يقل: (يقُلْ)، (يقُلْ) هذا الأصل بالجزم، (يَقُولُ) رفعه، حِينئذٍ نقول: جواب الشَّرط محذوف دلَّ عليه هذا المتأخِّر.
وإن كان الشَّرط مضارعاً وجب الجزم فيهما ورفع الجزاء ضعيف، يعني: لا يلزم أصلاً أن يكون ضعيف أن يجب الجزم، وإنَّما قال: (وَهَنْ) يعني: ضعيف فهو مستساغٌ، كقوله:
يَا أَقْرَعُ بنَ حَابِسٍ يَا أَقْرَعُ ... إِنَّكَ إِنْ يُصْرَعْ أَخُوكَ تُصْرَعُ

(إِنْ يُصْرَعْ)، (إِنْ) حرف شرط، و (يُصْرَعْ) هذا فعل الشَّرط وهو فعل مضارع، (تُصْرَعُ) هذا جواب الشَّرط .. رَفعَهُ.
إذاً نقول: هذا ضعيف .. هذا وهَنْ، لماذا؟ لأنَّ الأصل أن يَجزمه لأنَّه مضارع، فإذا كان كذلك فالأصل فيه الجزم، فرفعه ضعيف ليس كرفعه بعد الماضي، قالوا في الفرق بينهما: إنَّما حسُن رفع الفعل بعد الماضي لعدم تأثير أداة الشَّرط في فعل الشَّرط .. لم تُؤثِّر ظاهراً، حِينئذٍ لم يجزم الأول لفظاً، فلمَّا رُفِع الثاني لا إشكال، لأنَّ الأداة لم تُؤثِّر لفظاً، وضعف بعد المضارع لتأثير العامل في فعل الشَّرط لأنَّها تقتضي فعلين، فإذا ظهر أثرها في الأول حِينئذٍ ضعف ألا يظهر أثرها في الثاني وهو الفعل المضارع فلذلك صار ضعيفاً.
واختلف في تَخريج الرَّفع بعد المضارع، فالأول عرفنا أنَّه بعد الماضي أنَّه عن تقديم .. تأخير عن تقديم، وأنَّه دليل الجواب وليس هو نفس الجواب، طيب! إذا رُفِع بعد المضارع ما وجهه .. كيف نعربه؟
واختلف في تَخريج الرَّفع بعد المضارع، فذهب المُبَرِّد إلى أنَّه على حذف الفاء مطلقاً، أي: سواءٌ كان قبله ما يطلبه أو لا، أو كانت الأداة اسم شرطٍ أو لا مطلقاً على حذف الفاء، كأنَّه قال: إن يُصرَعْ أخوك فتُصرَعُ، وإذا كان كذلك حِينئذٍ ما بعد الفاء يكون جملة ليس صالحاً لجواب الشَّرط كما سيأتي.
كل ما لا يصلح أن يكون جواباً للشَّرط حِينئذٍ وجب اقتران الفاء به، وإذا كان كذلك صارت الجملة في مَحلِّ جزم، فهي منفصلة عن أن تُؤثِّر أداة الجزم في الظاهر .. في اللفظ، فإذا فصلناه وقدَّرنا له الفاء السَّببيَّة حِينئذٍ نقول: الجملة في مَحلِّ جزمٍ، ولذلك إذا أعرب في الظَّاهر لا إشكال إذا قدَّرنا الفاء.
وفَصَّل سيبويه بين أن يكون قبله ما يُمكن أن يطلبه فالأولى أن يكون على التقديم والتأخير كالسابق، وبين ألا يكون فالأولى أن يكون على حذف الفاء، وجَوَّز العكس، وقيل: إن كانت الأداة اسم شرطٍ فعلى إضمار الفاء وإلا فعلى التقديم والتأخير.
إذاً: إمَّا أن يُقال بالإضمار وإمَّا أن يقال بالتقديم والتأخير، وإضمار الفاء كذلك لا إشكال فيه في هذا المحل.


إذاً القاعدة العامة: أنَّه يَحسُن إذا كان الفعل المضارع جواباً للشَّرط، وكان الماضي فعل الشرط يجوز لك وجهان في الفعل المضارع: الرَّفع والجزم، وتخريجه كما ذكرناه، وإذا كان الفعل .. فعل الشَّرط مضارعاً حِينئذٍ ضَعُف الرَّفع في الجواب إذا كان فعلاً مضارعاً، لِمَا ذكرناه من أنَّ تأثير أداة الجزم في الظَّاهر في الأول حِينئذٍ لا بُدَّ أن تؤثِّر في الثاني لفظاً، ما دام أنَّ الأول مضارع فهو مَحلٌّ لظهور الجزم، كذلك يكون الثاني مثله، والذين حسَّن في الماضي ثُم المضارع كون التأثير لم يظهر في الأول وإن كان مَحلياً.
ثُم قال:
وَاقْرُنْ بِفَا حَتْمَاً جَوَابَاً لَوْ جُعِلْ ... شَرْطَاً لإِنْ أَوْ غَيْرِهَا لَمْ يَنْجَعِلْ

سبق أنَّ هذه الأدوات تقتضي فعلين، قلنا: الأول تأصيلاً وواقعاً لا يكو إلا فعلاً، الأول .. فعل الشَّرط (شَرْطٌ قُدِّمَا) قلنا: لا يكون إلا فعلاً مضارعاً أو ماضياً، لا يُمكن أن يقع غير واحدٍ من هذين الأمرين، والثاني تأصيلاً لا بُدَّ أن يقع فاعلاً، وفي الواقع قد يقع غير فعلٍ إمَّا جُملة اسْميَّة أو غيرها.
لذلك نقول: يشترط في الشَّرط ستة أمور:
- الأول: أنْ يكون فعلاً غير ماضي المعنى، فلا يجوز أن تكون جملة الشَّرط اسْميَّة، وأمَّا نَحو: ((وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ)) [التوبة:6] فإن (أَحَدٌ) فاعل لفعلٍ محذوف يُفسِّره المذكور بعده على الرَّاجح، ولا يَصِح أن يكون الشرط ماضي المعنى، نحو: إنْ قام زيدٌ أمس قمتُ.
إذاً: لا بُدَّ أنْ يكون مستقبلاً، ولذلك قلنا:
وَمَاضِيَيْنِ أَوْ مُضَارِعَيْنِ ... تُلْفِيهِمَا أَوْ مُتَخَالِفَيْنِ

(مَاضِيَيْنِ) قلنا: لفظاً لا معنىً، يعني: لا يكون الفعل الذي يقع فعل الشَّرط وهو فعل ماضي يكون في الصورة وفي المعنى ماضياً لا، وإنما يكون في المعنى المراد به الاستقبال، وأمَّا في الصورة: (قام) في صورته لفظ ماضي، لكنَّه في المعنى المراد به الاستقبال، هل يَصِح أن يقع فعل الشَّرط المراد به فعل ماضي معنًى؟ نقول: لا، لا يصح، لا بُدَّ أن يكون مستقبلاً سواءٌ عُبِّر عنه بالفعل المضارع، أو عُبِّر عنه بالفعل الماضي.
المقصود هنا أن نقول: أن يكون فعلاً غير ماضي المعنى، سواءٌ جاء بلفظ الماضي أو بلفظ المضارع، ولا يَجوز أن يقع بعد أداة الشَّرط اسمٌ البتَّة، فإن ورد ما ظاهره أنَّه تلاه اسمٌ حِينئذٍ لا بُدَّ من التأويل، ((وَإِنْ أَحَدٌ)) [التوبة:6] قلنا: (أَحَدٌ) هذا ليس بِمبتدأ، لأنَّ الجملة الاسْميَّة لا تكون فعل الشَّرط ولا تلي أدوات الشَّرط البتَّة على الصَّحيح، حِينئذٍ نُقدِّر لـ: (أَحَدٌ) فعل محذوف يُفسِّره المذكور واجب الحذف: ((وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ)) [التوبة:6] إن استجارك أحدٌ من المشركين.


ولا يصح أن يكون الشَّرط ماضي المعنى: إنْ قام زيدٌ أمس قمت، لا يصح هذا، لماذا؟ هنا مرتب الجواب لم يقع، وإنما يَترتَّب على وقوع فعل الشَّرط، وإذا رتَّبنا على شيءٍ قد وقع وانقضى حصل التناقض: إن قام زيدٌ قمت، يعني: في المستقبل، إن قام زيد، إن حَصَل منه قيام حصل مني قيامٌ، وأمَّا: إنْ قام زيدٌ أمسِ قمت، هذا تعليقٌ على شيءٍ ليس موجوداً، لأنَّ الماضي قد انتهى وانقطع.
إذاً: لا بُدَّ أن يكون الفعل الذي يكون فعلاً للشَّرط ماضي في اللفظ لا في المعنى، وأمَّا المضارع فهو شأنه واضح، هذا الأول: أنْ يكون فعلاً غير ماضي المعنى.
- ثانياً: ألا يكون فعل الشَّرط طلبياً: إنْ اضرب زيداً! لا يصح هذا .. لا يصح أن يكون الفعل .. فعل الشَّرط طلبياً، فلا يصح: إنْ قُم، ولا: إنْ لا تقُم، هذا غير جائز، على أنَّ (لا) ناهية، وأمَّا النافية فيصح.
- الثالث: ألا يكون فعلاً جامداً كـ: عسى، وليس: إنْ عسى زيدٌ يقوم، لا يصح، فلا يجوز: إنْ عسى زيدٌ إنْ يقوم، ولا يجوز: إنْ ليس زيدٌ قائماً، إذاً: الجامد لا يكون فعل شرطٍ.
- الرابع: ألا تقترن بـ: (قد)، الجملة الفعليَّة ألا تقترن بـ: (قد)، لأنها تَدلُّ على تَحقُّق وقوع ما بعدها .. موجود متحقِّق، ولذلك تفيد التوكيد، ووضع الشَّرط على أن يكون محتمل الوقوع وعدم الوقوع، فعل الشَّرط إنَّما جيء به ليدُلَّ على احتمال الوقوع وعدم الوقوع، و (قد) هذه تَدلُّ على التَّحقُّق، وهذا منافٍ للشَّرط، فلا يَجوز: إنْ قد قام زيدٌ قمتُ، لأنَّ (قد) هنا عيَّنَت الوقوع ودلَّت على تَحقُّقه.
- الخامس: ألا يكون مَنفياً بحرف نفيٍ غير: (لم) و (لا) -أمَّا (لم) و (لا) فجائز- فإن كان منفياً بـ: (مَا) أو بـ: (لنْ) أو بـ: (لَمَّا) لَم يَجُز .. لَم يَجُز أن يكون فعل شرطٍ، فلا يَجوز: إنْ لَمَّا يقم زيدٌ قُمْت، هذا باطل، ولا يَجوز: إنْ لنْ يقوم زيدٌ قمت، ولا: إنْ ما قام زيدٌ، على أنَّ (ما) نافية.
ويصح بـ: (لَم) ((فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا)) [البقرة:24] .. ((وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ)) [المائدة:67].
- السادس: ألا يكون الفعل مقترناً بفعل تنفيس، يعني: (السين، وسوف) فلا يجوز: إنْ سيقوم زيدٌ، لأنَّ (إنْ) هي تدلُّ على ما دلَّت عليه السين: إن سيقوم زيدٌ، ولا: إنْ سوف يقوم زيدٌ.
هذه كلها نقول: ست مواضع لا يَصِح أنْ يقع واحدٌ منها موقع فعل الشَّرط، فلا بُدَّ أن يكون فعلاً ماضياً صورةً لا معنى، أو مضارعاً صورة ومعنى.
وهذه المواضع والمواقع نفسها هي التي إن وقعت جواباً اقترنت جملة الجواب بالفاء، هذه الستة الأمور:
اسْميَّةُ طلبيَّةٌ وبِجامدٍ ... وَبِمَا وَلَنْ وَبِقَدْ وَبالتَّنْفِيسِ

هذه الستة الأمور إذا وقعت جواباً للشَّرط .. يصح أن تقع، لكن لا بُدَّ من اقترانها بالفاء، وهو الذي عناه بقوله:
وَاقْرُنْ بِفَا حَتْمَاً جَوَابَاً لَوْ جُعِلْ ... شَرْطَاً لإِنْ أَوْ غَيْرِهَا لَمْ يَنْجَعِلْ

وهو واحدٌ من هذه الأمور السِّتة.


(وَاقْرُنْ) هذا فعل أمر مبنيٌ على السكون لا مَحلَّ له من الإعراب، والفاعل ضميرٌ مستتر (بِفَا) جار ومجرور مُتعلِّق بقوله: (اقْرُنْ) .. (وَاقْرُنْ بِفَا) بفاءٍ قصره للضرورة، (حَتْماً) يعني: وجوباً، هذا نعت لمصدر محذوف تقديره: قرناً حتماً، (وَاقْرُنْ بِفَا حَتْماً) قرناً حتماً، أو محتوماً إذا جعلناه حال، (حَتْماً) يعني: وجوباً.
(جَوَاباً) هذا مفعول لـ: (اقْرُنْ)، (لَوْ جُعِلْ) هذا الجواب (شَرْطاً لإِنْ أَوْ غَيْرِهَا) من الأدوات (لَمْ يَنْجَعِلْ).
ومتى؟ إذا كان واحداً من هذه الأمور السِّتة التي منعنا أن تقع فعل الشَّرط، كلها الاسْميَّة والطَّلبيَّة والمقرون بـ: (لن، والسين، وسوف، وقد) كلها يمتنع أن تقع فعل الشرط، ويجوز أن تقع جواب الشَّرط، لكن بشرط اقترانها بالفاء.
(وَاقْرُنْ بِفَا) نقول: اعلم أنَّ الشَّرط لا يكون إلا فعلاً مضارعاً أو ماضياً، وأمَّا الجواب فيكون مضارعاً وماضياً كما تَقدَّم، ويكون غير ذلك فتلزمه الفاء وجوباً، وخُصَّت الفاء بذلك لِمَا فيها من معنى السَّببيَّة، يعني: لماذا الفاء دون غيرها؟ سيأتي أنَّ (إذا) تخلفها في بعض المواضع، لِم خُصَّت الفاء بذلك؟ قالوا: لِمَا فيها من معنى السَّببيَّة والتعقيب، يعني: ما بعدها مُسبَّبٌ عمَّا قبلها، وكذلك يقع عقبه، هذا الأصل فيه، والجزاء مُتسبِّبٌ عن الشَّرط ومٌتعقِّبٌ عنه، وصرَّح في (المغني) بأن المَحلَّ لمجموع الفاء وما بعدها، يعني: إذا أردنا أن نُعرِب حِينئذٍ نقول: الفاء واقعة في جواب الشَّرط، الفاء وما بعدها مدخولها في مَحلِّ جزمٍ جواب الشَّرط.
وصَرَّح في (المغني) بأنَّ المَحلَّ لمجموع الفاء وما بعدها، مَحل الجزم على أنه جواب الشَّرط، ويستثنى ما إذا صُدِّر الجواب بهمزة الاستفهام - يعني: لا تدخل مباشرةً عليها - سواءٌ كانت جملة فعليَّة أو اسْميَّة فلا تدخل الفاء سابقةً على الهمزة، وإن دخلت مسبوقةً بهاء، كما في قوله: ((أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ أَفَأَنْتَ)) [الزمر:19] (أَفَأَنْتَ) الفاء هنا أين دخلت؟ أأنت .. أفأنت .. فأأنت هذا الأصل، أن تدخل الفاء على الهمزة لأنَّها هي الجملة المُصدَّرة بالهمزة .. الجملة الاسْميَّة، أأنْتَ هذا الأصل .. فأأنْتَ، لكن قلنا: أفأنْتَ، هنا لا تدخل الفاء على الهمزة، وإنما تُزَحْلق لِمَا بعدها، لأن همزة الاستفهام لها الصدارة وهي تفارق غيرها.
((أَفَأَنْتَ تُنقِذُ مَنْ فِي النَّارِ)) [الزمر:19] إذاً: (أَفَأَنْتَ) دخلت الفاء هنا بعد الهمزة والأصل أنَّها تدخل على الجملة الاسْميَّة: فأأنْتَ، لكن هنا لا، يستثنى من ذلك الذي هو التَّصدُّر .. الجملة التي تقع جواباً يستثنى همزة الاستفهام.
وخُصَّت الهمزة بعدم دخول الفاء عليها دون أخواتها كـ: (هل) و (من) لعراقتها وقوة صدارتها، فغير الهمزة يجوز دخول الفاء عليه لعدم عراقته، إذاً: إذا كانت الجملة الاسْميَّة مُصدَّرة بالهمزة لا تدخل الفاء على الهمزة، وإنَّما تكون الهمزة داخلةً على الفاء، وهذا واردٌ كثير في القرآن.


(وَاقْرُنْ بِفَا) إذاً: المراد بالفاء هنا فاء السَّبب، وتعيَّنت هنا للرَّبط لا للتَّشريك .. ليس المراد به العطف، وإنما للرَّبط يعني: خُلِّصَت للرَّبط، فليس عندنا عاطف ومعطوف كما قاله البعض هذا ليس بصحيح، بل الصواب إنما اختيرت الفاء لِمَا فيها من معنى السَّببيَّة والتعقيب وليس للتَّشريك.
(وَاقْرُنْ بِفَا حَتْماً) يعني: قرن الفاء بِما لا يصلح جواباً واجب، حِينئذٍ لا يَجوز إسقاطها لا في نثرٍ ولا في شعرٍ إلا في الضرورة، (جَوَاباً) هذا مفعول (اقْرُنْ) (لَوْ جُعِلْ شَرْطاً) الضمير هو المفعول الأول وهو عائدٌ على الجواب، لو جُعِل هذا الجواب (شَرْطاً) هذا مفعول ثاني لـ: (جُعِلْ)، (لإِنْ) مُتعلِّق بقوله (جُعِلْ) (أَوْ غَيْرِهَا) من أدوات الشَّرط (لَمْ يَنْجَعِلْ) جَعَل يَنْجَعل، (يَنْجَعِلْ) يَتعدَّى إلى كم مفعول؟ اثنين، أين هما .. أين الأول وأين الثاني؟ لَم يَنْجَعِل جواباً، (جَوَاباً) هو المفعول، و (يَنْجَعِلْ) هذه تَتعدَّى لواحد، لأنَّه مُطاوع (جعل)، وسبق أنَّ المطاوع لِمَا يَتعدَّى لاثنين يَتعدَّى لواحد، وهنا (يَنْجَعِلْ) مُتعدٍّ لواحدٍ لأنَّه مُطاوع لـ: (جَعَل).
إذاً: (يَنْجَعِلْ) مطاوع (جَعَل) فيَتعدَّى إلى واحدٍ، لأنَّ المطاوَع هو الذي جَعَل هنا، بِمعنى: صَيَّر، يَتعدَّى إلى اثنين، حِينئذٍ مطاوعه يَتعدَّى إلى واحدٍ، مفعوله محذوف: لَم يَنْجَعل جواباً. مفعول (يَنْجَعِلْ) محذوف، أي: لم ينجعل جواباً، فُهِم منه: أنَّه إذا صَحَّ جعله شرطاً لَم تدخل الفاء - هذا واضح على الأصل -، إذا صَحَّ جعله جواباً لَم تدخل الفاء في الجواب: إنْ يقم زيدٌ قام عمروٌ، وذلك إذا كان صالحاً لأن يَنْجَعل جواباً فيما إذا كان ماضياً مُتصرِّفاً مُجرَّداً من (قَدْ) وغيرها، أو مضارعاً مُجرَّداً أو منفياً بـ: (لا) أو (لم) هذا الذي يصلح أن يكون جواباً دون فاء.
إن تَخلَّف واحد من هذه الأمور حِينئذٍ نقول: هذا الجواب غير صالحٍ لأنْ يَنْجَعِل جواباً لـ: (إنْ) أو غيرها. فما لا يصلح كالجملة الاسْميَّة، أو الفعليَّة الطَّلبيَّة، أو فعلها غير مُتصرِّف أو مقرونٌ بـ: السين أو سوف أو قد، أو منفيَّةٌ بـ: (مَا) أو (إنْ) أو (لنْ) فإنَّ هذا كله لا يُصلح جعله شرطاً.
اسْميَّةُ طلبيَّةٌ وبجامدٍ ... وَبِمَا وَلَنْ وَبِقَدْ وَبِالتَّنْفِيسِ

فكل جوابٍ يَمتنع جعله شرطاً فإنَّ الفاء تجب فيه، مثال الاسْميَّة قوله تعالى: ((وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)) [الأنعام:17] (وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ)، (إِنْ) حرف شرط، و (يَمْسَسْكَ) فعل الشَّرط وهو فعل مضارع، (هُوَ) مبتدأ (عَلَى كُلِّ شَيْءٍ) مُتعلِّق بـ: (قَدِيرٌ) و (قَدِيرٌ) خبر.
إذاً: جاء الجواب هنا جملة اسْميَّة لا يصح أن يقع جواباً للشَّرط، فتعيَّن قرنه بالفاء، فتقول: الفاء واقعة في جواب الشَّرط، والجملة في مَحلِّ جزم جواب الشَّرط، وعلى رأي ابن هشام: الفاء وما دخلت عليه في مَحلِّ جزم جواب الشَّرط.


والطَّلبيَّة كقوله: ((إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي)) [آل عمران:31] (فَاتَّبِعُونِي) فعل أمر، الفاء وقعت في جواب الشَّرط، فَدلَّ على أنَّه لا يصح أن يقع جُملة الجواب طَلبيَّة.
والتي فعلها جامد نَحو: ((إِنْ تُرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالاً وَوَلَداً * فَعَسَى رَبِّي)) [الكهف: 39 - 40] (فَعَسَى رَبِّي) الفاء واقعة في جواب الشرط وهو (إِنْ تُرَنِ)، إذاً: (عَسَى) هذا جامد ولا يَجوز أن يقع جواباً للشَّرط لأنَّه غير صالح فتعيَّن قرنُه بالفاء.
أو مقروناً بـ: (قد) ((إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ)) [يوسف:77] إذاً: (قَدْ سَرَقَ) هذا مُصدَّر بـ: (قَدْ) فوجب قرنه بالفاء.
أو تنفيس، نَحو: ((وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ)) [التوبة:28] (فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ) هنا صُدِّرت بـ: (سَوْفَ) فوجب قرنها بالفاء.
أو (لنْ): ((وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ)) [آل عمران:115].
أو (ما): ((فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ)) [يونس:72] (فَمَا) إذاً: دخلت الفاء هنا في جواب الشَّرط.
إذاً: في هذه المواضع كلها لا يصلح الجواب أنْ يكون دون فاء، حِينئذٍ تَعيَّن قرنه بالفاء، وقد تُحذف في الضرورة كقوله:
مَنْ يَفْعَلِ الحَسَناتِ اللَّهُ يَشْكُرُهَا ..
الجملة هنا اسْميَّة فوجب قرنها بالفاء، لكن سقطت هنا ضرورة، مَنْ يَفْعَلِ الحَسَناتِ اللَّهُ يَشْكُرُها، (اللَّهُ) مبتدأ، و (يَشْكُرُهَا) الجملة خبر، والجملة في مَحلِّ جزم جواب الشَّرط (مَنْ).
وعن المُبَرِّد إجازة حذفها في الاختيار لكن المشهور الأول.
إذاً:
وَاقْرُنْ بِفَا حَتْمَاً جَوَابَاً لَوْ جُعِلْ ... شَرْطَاً لإِنْ أَوْ غَيْرِهَا لَمْ يَنْجَعِلْ

قال الشَّارح: " أي: إذا كان الجواب لا يصلح أن يكون شرطاً وجب اقترانه بالفاء، وذلك كالجملة الاسْميَّة، وكفعل الأمر، وكالفعليَّة المنفيَّة، أو (لنْ) فإن كان الجواب يصلح أن يكون شرطاً كالمضارع الذي ليس منفياً بـ: (مَا) ولا بـ: (لنْ) ولا مقروناً بِحرف التنفيس، ولا بـ: (قدْ) وكالماضي المُتصرِّف الذي هو غير مقرون بـ: (قدْ) لَم يَجب اقترانه بالفاء، بل لا يجوز، يعني: إذا كان على الأصل لا يجوز أن يقترن بالفاء هذا الأصل، لا نقول: لا يجب، إذا نُفِي الوجوب قد يُقال بأنَّه جائز، نقول: لا، لا يجوز: إنْ يقم زيدٌ قام عمروٌ، هل يَصِح: فقام عمروٌ؟ ما يصح، إذاً: لا يَجوز اقترانه بالفاء: إنْ جاءني زيدٌ يجيء عمروٌ، أو قام عمروٌ، لا يجوز اقترانه بالفاء.
وَتَخْلُفُ الْفَاءَ إِذَا الْمُفَاجَأَهْ ... كَـ "إِنْ تَجُدْ إِذَاً لَنَا مُكَافَأَهْ


(وَتَخْلُفُ الْفَاءَ إِذَا الْمُفَاجَأَهْ)، (تَخْلُفُ) هذا فعل مضارع، و (الْفَاءَ) مفعول به، و (إِذَا) قُصِد لفظه فهو فاعلٌ .. فاعل (تَخْلُفُ) وهو مضاف للمفاجأة من إضافة الدَّال إلى المدلول، و (تَخْلُفُ) أي: تَحلُّ مَحلَّها .. تّحلُّ مَحلَّ الفاء، قد لا يؤتى بالفاء، قلنا: الفاء واجبة فيما إذا لم يصلح الجواب لأن يقع جواباً لـ: (إنْ) أو غيرها، حِينئذٍ إذا لَم يؤت بالفاء يؤتى بـ: (إِذَا الْمُفَاجَأَهْ) لكن ليس على إطلاقه .. مطلقاً في كل ما سبق، بل في موضعٍ واحدٍ.
(وَتَخْلُفُ) أي: تَحلُّ مَحلَّها فيُصدَّر بها الجواب الذي لا يصلح جعله شرطاً كما يصدر بالفاء، لأن مثلها في عدم الابتداء بها، يعني: (إِذَا) الفجائيَّة أو المفاجأة مثل الفاء في عدم الابتداء بها، فوجودها يُحصِّل ما يُحصَّل بالفاء من بيان الارتباط، إذاً: الفائدة من (إِذَا) الفجائيَّة هي عين الفائدة من فاء السَّببيَّة، كما أنَّ فاء السببية لا يُبتدأ بها وإنما يؤتى بها من أجل الرَّبط، كذلك (إِذَا) الفجائيَّة لا يبتدأ بها، وسبق أنَّها حرفٌ على الصَّحيح ولا تقع في أول الكلام: جئت فإذا زيدٌ في الدار .. خرجت فإذا الأسد حاضرٌ.
حِينئذٍ نقول: (إِذَا) الفجائيَّة هذه لا تقع في أول الكلام .. لا يبتدأ بها، ما الفائدة منها؟ الرَّبط، حِينئذٍ جيء بها لتؤدِّي ما أدَّته فاء السَّببيَّة.
(وَتَخْلُفُ الْفَاءَ إِذَا الْمُفَاجَأَهْ) إذاً: يجوز أن تغني (إِذَا) الفجائيَّة عن الفاء لكن ليس على إطلاقه بل بشروط:
أولاً: أن تكون أداة الشَّرط هي (إنْ) أو (إِذَا) الشَّرطيَّة، ليس مطلقاً كل أداة، لا بُدَّ أن تكون (إنْ) وهذا أشار إليه النَّاظِم بقوله: (كَـ "إِنْ تَجُدْ) (إِنْ) أتى بالمثال ليُبيِّن لنا الأحكام التي يجوز أن تقترن بـ: (إِذَا) الفجائيَّة.
أولاً: أن تكون أداة الشَّرط هي (إنْ) أو (إِذَا) الشَّرطيَّة غير الجازمة التي قلنا: بعضهم يرى أنها تَجزم في الشِّعْر خاصة:
إِذَا تُصِبْك خَصَاصَةٌ ..
وذلك لأنَّ (إنْ) أمُّ باب الأدوات الجازمة، و (إِذَا) أمُّ أدوات الشَّرط غير الجازمة، عندنا بابان: أدوات شرط جازمة، وأدوات شرط غير جازمة، (إنْ) أمُّ باب أدوات الشَّرط الجازمة، و (إِذَا) أمُّ باب أدوات الشَّرط غير الجازمة، ولذلك استثني من كل واحد رئيس .. زعيم، (إنْ) الشرطية و (إِذَا) غير الشَّرطيَّة.
إذاً: أنْ تكون أداة الشَّرط هي (إنْ) أو (إِذَا) الشَّرطيَّة غير الجازمة.
الثاني: أنْ تكون جملة الجواب اسْميَّة موجبة، إذاً: ليست فعليَّة مُصدَّرة بـ: (قد) أو (ما) أو إلى آخره، وإنَّما تكون اسْميَّة، هنا النَّاظِم قال: (لَنَا مُكَافَأَهْ) (لَنَا) خبر مُقدَّم، و (مُكَافَأَهْ) مبتدأ مُؤخَّر.
إذاً: أنْ تكون جملة الجواب اسْميَّة موجبة، فإن كانت مَنفيَّة لم تقترن بـ: (إِذَا) فلا يجوز: إنْ يقم زيدٌ إذا ما عمروٌ بقائم، (ما عمروٌ بقائم) لا يصح أن تدخل عليها (إِذَا) وإنما تدخل الفاء السابقة.


الثالث: أن تكون هذه الجملة الاسْميَّة الموجبة غير طلبيَّة، فإن كانت طلبيَّة اقترنت بالفاء فلا تقع حِينئذٍ دعاء، كقوله: ويلٌ للمُقصِّر في عبادته، ولا استفهاميَّة نحو: منْ ينصرك؟ فلا يجوز اقترانها بـ: (إِذَا) وإنما تقترن بالفاء على الأصل، إذاً: يشترط ألا تكون طلبيَّة: من ينصرك؟ ويلٌ للمُقصِّر في عبادته هذا دعاء.
الرابع: ألا تقترن هذه الجملة الاسْميَّة الموجبة غير الطلبيَّة بـ: (إنَّ) المؤكِّدة، (إنَّ) نواسخ، فلا يجوز: إن كنت تقطع رحمك إذا إنَّ محمداً يصل رحمه، يعني: لا يصح (إنَّ) كالمثال: إنْ تَجُد إذاً إنَّ لنا مكافئة، لا يصح أن تكون مُصدَّرة بـ: (إنَّ).
إذاً: هذه الشروط الأربعة كلها مأخوذة من كلام النَّاظِم بقوله: (كَـ "إِنْ تَجُدْ إِذَاً لَنَا مُكَافَأَهْ") (إِنْ) عَيَّن أداة الشَّرط، ثُم هي اسْميَّة مثبتة موجبة غير منفيَّة، كذلك ليست بطلبية ولم تتصدَّرها (إنَّ) المؤكِّدة، حِينئذٍ جاز أنْ تلي الفاء (إِذَا) الفجائيَّة، يعني: أنْ تَحلَّ مَحلها .. أنْ تخلفها، فـ: (لَنَا مُكَافَأَهْ) يصح أو لا؟ لو قال: إن تَجد فلنا مكافئة صَحَّ، لكن يَجوز أن يَحلَّ محل الفاء (إِذَا) الفجائيَّة، بهذه الشُّروط التي ذكرناها.
ومثال ما استكملت الشُّروط قوله تعالى: ((وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ)) [الروم:36] الشُّروط كلها مُتوفرِّة، وهل يجوز الجمع بين الفاء و (إِذَا)؟ قال: (وَتَخْلُفُ) ظاهره أنَّها لا .. ، لأنَّها كالعِوَّض ولا يُجمع بين العِوَّض والمعَوَّض. وهل يَجوز الجمع الفاء و (إِذَا)؟ فيه خلافٌ والرَّاجح جوازه لوروده في أفصح الكلام: ((فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا)) [الأنبياء:97] (فَإِذَا هِيَ) الفاء واقعة في جواب الشَّرط، و (إِذَا) هذه (إِذَا) الفجائيَّة، (هِيَ شَاخِصَةٌ) الجملة في مَحلِّ جزم جواب الشَّرط.
قال الزَّمَخْشري: " (إِذَا) هذه الفجائيَّة، وقد تقع في المجازاة سادَّةً مَسدَّ الفاء، فإذا جاءت الفاء معها تعاونت على وصل الجزاء فيتأكد" الزَّمَخْشري البياني: يجوز أن يجتمع الفاء مع (إِذَا) الفُجائيَّة حِينئذٍ تكون فيه زيادة تأكيد.
(وَتَخْلُفُ الْفَاءَ إِذَا الْمُفَاجَأَهْ) يعني: في الرَّبط (كَـ "إِنْ تَجُدْ إِذَاً لَنَا مُكَافَأَهْ") (مُكَافَأَهْ) المجازاة مصدر كافأت الرجل أي: جازيته.
إذاً: هذا ما يَتعلَّق بِجواب الشَّرط وما ينوب عنه، وما يتصل به من الفاء أو ما يخلفه.


بقي مسألة تَتعلَّق بأدوات الجزم وهي: إعرابها، بعد أن عرفنا فعل الشَّرط وما يكون، وجواب الشَّرط وما يكون، وما يخلفه، بقي أدوات الشَّرط، كيف نُعرب (من) و (ما) و (حيثما) ونحوها؟ نقول: ما هو اسمٌ منها سواءٌ كان متفقاً عليه، أو على الرَّاجح، إمَّا أن يدلَّ على ظرفٍ .. قلنا: هذه الأسماء ظرفيَّة وغير ظرفيَّة كما سبق، إن دل على ظرفٍ نحو: (أين) و (متى) و (حيثما) حِينئذٍ فهي في مَحلِّ نصب على الظرفيَّة، كل الذي سبق معنا الظرفي تقول: في مَحلِّ نصب على الظَّرفيَّة والعامل فيه فعل الشَّرط، كلما جاءت (أين) و (أينما) و (حيثما) حِينئذٍ تقول: منصوب على الظَّرفيَّة، فهي في مَحلِّ نصبٍ على الظَّرفيَّة ومُتعلَّقه فعل الشَّرط، يعني: العامل فيه فعل الشَّرط.
وإمَّا أن يدلَّ على حدثٍ، إن لم يَدلَّ على ظرفٍ إمَّا أن يدلَّ على حدثٍ، وذلك يُتصوَّر في أداتين: (أيٍّ) و (ما)، أمَّا (أيٍّ) لأنَّ (أيًّ) بحسب ما تضاف إليه كما سبق، وهي تضاف إلى المصدر: أيَّ ضربٍ ضَرَبْتَ أضرب، وتضاف إلى ظرف الزمان، وتضاف إلى ظرف المكان، حِينئذٍ إذا أضيفت فتفسَّر بِحسب ما أضيفت إليه: إذا أضيفت إلى ظرف الزَّمان ألحقتها بظرف الزمان، وإذا أضيفت إلى ظرف المكان ألحقتها بظرف المكان، إذاً: لا إشكال فيه فهي داخلةٌ في القسم الأول ما يُنصب على الظَّرفيَّة والعامل فيه فعل الشَّرط.
وإن أضيفت إلى الحدث وهذا الذي يعنينا نحو: أيَّ ضربٍ تضرب أضرب، وكذلك: (ما) موضوعةٌ لِمَا لا يعقل، هذا الأصل، موضوعةٌ لشيءٍ لا يعقل، ولا يعقل هذا يصدق على ما هو حدث وغيره، إذاً: مِمَّا لا يعقل ما هو حدثٌ، إذاً: يتصوَّر أن يدلَّ على الحدث بشيئين: (أيٍّ) إذا أضيفت إلى الحدث لا إلى الظرف، و (ما) إذا استعملت فيما لا يعقل مراداً به الحدث، حِينئذٍ تعربهما إذا أريد بهما الحدث مفعول مطلق.
وقد يكون ما لا يعقل حدثاً وهي حِينئذٍ مفعولٌ مطلق في الموضعين، ولذلك أعرب: ((مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ)) [البقرة:106] أيَّ نسخٍ ننسخ، فـ: (مَا نَنسَخْ) (مَا) من أوجه الإعراب فيها أنَّها مفعول مطلق، لأنَّ (مَا) شرطيَّة وهنا صدقت على الحدث، والذي يصدق على الحدث كما سبق أنَّه يُعرب مفعولاً مطلقاً، فإن لم يدلَّ على ظرفٍ ولا حدث ..
إذاً التَّقسيم: إمَّا أن يدلَّ على ظرفٍ أو لا، إن دلَّ على ظرف فهو في محلِّ نصب على الظَّرفيَّة مكانيَّة أو زمانيَّة، إن لم يدلَّ على ظرف فإمَّا أن يدلَّ على حدثٍ أو لا، إن دلَّ على حدث وذلك متصوَّر في (أيٍّ) و (ما) على التفصيل السابق فهو مفعولٌ مطلق.
إن لم يدلَّ على ظرفٍ ولا حدثٍ، حِينئذٍ لا ننظر إلى المعنى، وإنما ننظر إلى الفعل الذي بعده، فإمَّا أن يكون الذي بعدها فعلاً لازماً أو متعدِّياً، فإن كان فعلاً لازماً أعربت اسم الشَّرط مبتدأ، والجملة الشَّرطيَّة التي بعده الشَّرط والجواب في مَحلِّ رفع خبر، على الخلاف الذي ذكرناه سابقاً، قيل: جواب الشَّرط وقيل: فعل الشَّرط، وقيل: لا .. لا خبر له، وقيل: الجملتان معاً، أربعة أقوال:


إذا أعربنا اسم الشَّرط مبتدأ، أين خبره؟ الصَّحيح أن الجملتين في مَحلِّ رفع خبر: مَنْ يقم أقم معه، نقول: (من) هنا اسم شرط، ماذا نعربها؟ أولاً: ليست من التي عددناها أنَّها ظرفيَّة، وليست تدلُّ على حدث، إذاً: ننظر باعتبار الفعل الذي بعدها وهو فعلٌ لازم، إذا كان ما بعدها فعلاً لازماً حِينئذٍ أعربناها مبتدأ، فقلنا: من يقم، (مَنْ) اسم شرطٍ مبني على السكون في مَحلِّ رفع مبتدأ، لأنَّ الذي بعدها: يقم، هذا فعلٌ لازم، من يقم أقم معه، جملة: (يقم أقم معه) في مَحلِّ رفع خبر المبتدأ.
فإن كان لازماً نحو: من يقم أقم معه، فالاسم حِينئذٍ في مَحلِّ رفع مبتدأ، والجملتان في مَحلِّ رفع خبر، وإن كان بعدها فعلاً متعدِّياً فإمَّا أنْ يستوفي مفعوله أو لا .. إمَّا أنْ ينصب مفعوله أو لا، فإن لم يستوف مفعوله نحو: من تضرب أضرب، (تضرب) هذا مُتعدِّي، أين مفعوله؟ لا مفعول .. لم ينصب مفعولاً، إذاً: (تضرب) لم ينصب مفعولاً في الظَّاهر .. لا تُقدِّر له، فتجعل (من) هي المفعول، من تضرب تقول: (من) اسم شرط وقع بعدها فعلٌ متعدٍّ لم يستوف مفعوله، يعني: لم ينصب في الظاهر مفعولاً، مباشرة تجعل (منْ) في محل نصب مفعول تضرب.
فإن لم يستوف مفعوله نحو: من تضرب أضرب، فالاسم حِينئذٍ في مَحلِّ نصب مفعولٌ به لفعل الشَّرط، وإن استوفى مفعوله .. نصب مفعوله نَحو: من تضربه أضربه، (من تضربه) اسمٌ سابق تأخَّر عنه فعلٌ، تسلَّط على ضميرٍ يعود على ذلك الاسم السابق لو أسقط لنصبه، صار من باب الاشتغال، فيجوز فيه الوجهان.
فيجوز إعرابه مبتدأ والجملة بعده في مَحلِّ رفع خبر، ويَجوز إعرابه مفعولاً لفعلٍ محذوف يُفسِّره المذكور، فالجملة بعده لا مَحلَّ لها مُفسِّرة.
إذاً: على هذا الترتيب تعربه، إن كان ظرفاً حِينئذٍ فهو منصوبٌ على الظَّرفيَّة، وإن لم يكن ظرفاً حِينئذٍ إمَّا أن يدلَّ على حدثٍ أو لا، إنْ دلَّ على حدث فهو مفعول مطلق، إن لم يكن ظرفاً ولا دالاً على الحدث فحِينئذٍ تنظر إلى الفعل، أولاً: نظرت إلى المعنى هل هذا ظرف أو لا .. هل دالٌّ على الحدث أم لا؟ إن لم يكن هذا ولا ذاك تنظر إلى الفعل .. فعل الشَّرط لازم أو متعدِّي؟ إن كان لازماً أعربته مبتدأ، إن كان متعدِّياً نظرت فيه: هل نصب مفعولاً أو لا؟ إن لم ينصب جعلت اسم الشَّرط مفعولاً به، إن نصبه فهو من باب الاشتغال، يعني: يجوز أن يكون مبتدأً، ويجوز أن يكون مفعولاً لفعلٍ محذوف.
ثُم قال:
وَالْفِعْلُ مِنْ بَعْدِ الْجَزَا إِنْ يَقْتَرِنْ ... بِالْفَا أَوِ الْوَاوِ بِتَثْلِيْثٍ قَمِنْ

المعنى الإجمالي للبيت: (وَالْفِعْلُ مِنْ بَعْدِ الْجَزَا) يعني: يقع بعد الجزاء، (إِنْ يَقْتَرِنْ) بعاطفٍ هو الفاء أو الواو على جهة الخصوص، (قَمِنْ) حقيقٌ (بِتَثْلِيْثٍ) يجوز فيه ثلاثة أوجه، يعني: إذا جاءت أداة الجزم .. أداة الشَّرط، ثُم فعل الشَّرط، ثُم الجواب، ثُم عَطَفْتَ .. جئت بفعل مضارع معطوف، (بِالْفَا أَوِ الْوَاوِ) على جهة الخصوص، يجوز في هذا المعطوف ثلاثة أوجه (بِتَثْلِيْثٍ قَمِنْ): النصب والجزم والرفع.


(وَالْفِعْلُ) أيُّ فعل؟ .. لأنَّه قال: (بِتَثْلِيْثٍ) يعني: بجزمٍ ونصبٍ، والجزم والنَّصب والرَّفع لا يوصف بها غير المضارع نعم.
(وَالْفِعْلُ) يعني: المضارع، حذف نعته وهو المضارع للعلم به، وعُلِم ذلك من الحكم عليه بالرَّفع والنَّصب والجزم، (الْفِعْلُ) مبتدأ، (مِنْ بَعْدِ الْجَزَا) قصره للضرورة، (مِنْ بَعْدِ) جار ومجرور مُتعلِّق بقوله: (يَقْتَرِنْ): إن يقترن من بعد الجزاء، (بِالْفَا) مُتعلِّق بقوله: (يَقْتَرِنْ) قصره للضرورة.
(أَوِ الْوَاوِ) وخصَّهما على جهة الخصوص، يعني: غيرهما لا يلتحق بهما عند النَّاظِم، (قَمِنْ بِتَثْلِيْثٍ) أي: حقيقٌ بتثليثٍ، (قَمِنْ) هذا خبر المبتدأ.
إذاً قوله: (مِنْ بَعْدِ الْجَزَا) هذا فيه إشارة إلى أنَّ أداة الشَّرط تأخذ جوابها أولاً، يعني: لا يقع الفعل وسطاً متوسِّطاً بين الشَّرط والجزاء، وإنما يكون بعد استيفاء الأداة للشَّرط والجزاء معاً.
(بِتَثْلِيْثٍ قَمِنْ) أي: حقيقٌ. إذا وقع بعد جزاء الشَّرط فعلٌ مضارع مقرونٌ بالفاء أو الواو جاز فيه ثلاثة أوجه: الجزم والرَّفع والنَّصب، وقد قرئ بالثلاثة قوله تعالى: ((وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ)) [البقرة:284] (يَغْفِرُ .. يَغْفِرْ .. يَغْفِرَ .. فَيَغْفِرَ) (فَيَغْفِرَ) على أنَّ الفعل منصوبٌ بـ: (أنْ) مضمرةً وجوباً بعد فاء السَّببيَّة، لأنَّ المغفرة مُتسبِّبَة عَمَّا سبق ففيها معنى السَّببيَّة.
(فَيَغْفِرْ) هذا واضح أنه معطوفٌ على الجواب، (فَيَغْفِرُ) على الاستئناف، فالجزم بالعطف، والرَّفع على الاستئناف، والنَّصب بـ: (أنْ) مضمرةً وجوباً وهو قليل يعني: الرَّفع، قال في (شرح الشُّذور): "جزمه قوي، ونصبه ضعيف، ورفعه جائز" (جزمه قوي) لأنَّه الأصل، جزمه قوي ونصبه ضعيف، ورفعه جائز.
قرأ عاصم في الآية السَّابقة وابن عامر بالرَّفع، وباقيهم بالجزم، وابن عباس بالنصب، فدل على أنَّها كلها مستعملة، وإنْ كانت قراءة ابن عباس شاذَّة لكنَّها في مثل هذه المواضع يُحتج بها. وإنَّما جاز النصب بعد الجزاء لأنَّ مضمونه لم يتحقَّق وقوعه، فأشبه الواقع بعده الواقع بعد الاستفهام، لأنَّه إذا قيل: (فَيَغْفِرَ) معلومٌ أنَّ ما وقع بعد الفاء .. فاء السَّببيَّة لا بُدَّ أنْ يكون واقعاً في جواب طلبٍ أو نفيٍ، وهنا في الظاهر لم يقع: ((وَإِنْ تُبْدُوا)) [البقرة:284] فكيف نُصِّبْ؟ ّ!
ولذلك قال هنا ابن هشام: "ونصبه ضعيف" لماذا؟ لأن شرط النَّصب بعد فاء السَّببيَّة أن يقع في جواب طلبٍ أو نفيٍ محضين، وهنا في الظَّاهر لم يقع، إذا قلت: (وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرَ) أين جواب الطلب؟ في الظاهر لا، لكن تأوَّلوا له، قالوا: إنما جاز النَّصب بعد الجزاء لأنَّ مضمونه لم يتحقَّق وقوعه، فأشبه الواقعُ بعده الواقعَ بعد الاستفهام، نزَّلوه مُنَزَّلة الاستفهام والاستفهام طلبي، إذاً: نزَّلوه مُنَزَّلة الاستفهام من أجل أن يصح النَّصب، ولذلك قال ابن هشام: "أنه ضعيف".


أمَّا إذا اقترن الفعل بعد الجزاء بـ: (ثُم) فإنَّه يَمتنع النَّصب ويجوز الجزم والرَّفع على قولٍ، يعني: بعضهم ألحق بالفاء والواو (ثُم) لكن إذا جوز فحِينئذٍ يجوز وجهان ويمتنع الثالث، يجوز الرفع على الاستئناف، والجزم على العطف، ويَمتنع النَّصب لعدم وجود ما يقتضي لأنَّ (أنْ) مضمرة إنَّما تكون بعد الفاء ولا تضمر بعد (ثُم)، تنصبه بماذا .. تقول: (أنْ) مضمرة بعد (ثُم)؟! هذا لا وجه له.
إذاً: (وَالْفِعْلُ مِنْ بَعْدِ الْجَزَاءِ) قصره للضرورة، وفُهِم من قوله: (مِنْ بَعْدِ الْجَزَا) كيفما كان فعلاً كان أو جملةً، خلافاً لمن خَصَّه بالمضارع بدليل قوله: ((فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ)) [البقرة:271] يعني: إذا قيل بأنَّه من بعد الجزاء، حِينئذٍ إذا جزمنا، (فَيَغْفِرْ) نقول: (يَغْفِرْ) هذا معطوف على (يُحَاسِبْ) إذاً: مجزومٌ على مجزوم، لكن لو كان جواب الشَّرط جملةً اسْميَّة فحِينئذٍ إذا جزمت هل يَصِح الجزم أم لا؟
نقول: نعم يصح، لأنَّ الاسْميَّة في مَحلِّ جزم، حِينئذٍ قد يكون المعطوف عليه مجزوماً ظاهراً، مثل: (يُحَاسِبْكُمْ) أو مَحلا بدليل: ((فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ)) [البقرة:271] (وَيُكَفِّرْ) هذا معطوف على مَحلِّ (فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ) فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ الجملة في مَحلِّ جزم جواب الشَّرط.
وَالْفِعْلُ مِنْ بَعْدِ الْجَزَا إِنْ يَقْتَرِنْ ... بِالْفَا أَوِ الْوَاوِ بِتَثْلِيْثٍ قَمِنْ

إذاً: خَصَّ الفاء أو الواو لأنَّه لم يُسمع إلا فيهما، وألحق بعضهم (ثُم) حِينئذٍ يَمتنع النَّصب، ثُم قال:
وَجَزْمٌ أَوْ نَصْبٌ لِفِعْلٍ إِثْرَ فَا ... أَوْ وَاوٍ انْ بِالْجُمْلَتَيْنِ اكْتُنِفَا

يعني: ما سبق فيما إذا كان المضارع بعد الجزاء، هنا وقع بينهما، إذا عُطِف على فعل الشَّرط قبل استيفاء الجزاء يجوز فيه وجهان: الجزم أو النصب.
وَجَزْمٌ أَوْ نَصْبٌ لِفِعْلٍ إِثْرَ فَا ... أَوْ وَاوٍ ................................

يعني: بعد فاء .. فاء العطف .. معطوف بالفاء، أو بالواو، الحكم واحد في العاطف، البيت السَّابق خص الفاء أو الواو، كذلك العطف بالفاء أو الواو، لكن لم يتأخَّر عن الجزاء وإنما توسَّط بين فعل الشَّرط والجزاء، ما حكمه؟ يَجوز فيه وجهان: الجزم أو النَّصب ويتمنع الرَّفع، لأنَّ الرَّفع هناك للاستئناف وهذا مُمتنعٌ، أن يقع استئناف بين جزئي الجملة، لأنَّ الشَّرط والجواب كالجملة الواحدة، يعني: كلامٌ واحد، فحِينئذٍ كيف يقع بينهما ما يكون حكمه الاستئناف؟
(وَجَزْمٌ) هذا مبتدأ، (أَوْ نَصْبٌ) عطفٌ عليه، (لِفِعْلٍ) هذا مُتعلِّق بواحدٍ منهما بـ: (نَصْب) ويضمر للثاني: جزمٌ لفعلٍ، أو نصبٌ لفعلٍ، يعني: مصدران تنازعا لِفِعْلٍ، (جَزْمٌ) مبتدأ، (أَوْ نَصْبٌ) عطفٌ عليه، (لِفِعْلٍ) مُتعلِّق بقوله: (نَصْبٌ) وتُضْمِر للأول .. جزمٌ لفعلٍ.


(إِثْرَ فَا) هذا ظرف مُتعلِّق بمحذوف نعت لـ: (فِعْل) يعني الفعل وقع كائنٍ (إِثْرَ فَا) يعني: بعد فاءٍ قصره للضرورة، يعني: معطوف بالفاء، (أَوْ وَاوٍ اِنْ بِالْجُمْلَتَيْنِ اكْتُنِفَا) إنْ اكتنفا بالجملتين، (اكْتُنِفَا) الألف هذه للإطلاق، و (اكْتُنِفَا) فعل ماضي مُغيَّر الصِّيغة أحسن من (اكْتَنَفَا) (اكْتُنِفَا) بالبناء للمفعول قال الصَّبَّان: "على الصواب" يعني: يُخطِئ الأول.
(اكْتُنِفَا) أي: حُوْطَ بالجملتين، أي: توسَّط بينهما.
إن توسَّط المضارع المقرون بالفاء أو الواو بين جملة الشَّرط وجملة الجزاء، فالوجه جزمه .. الوجه المختار والمرجَّح جزمه، ويجوز النَّصب، قال في (الشُّذُور): "الجزم قوي، والنصب ضعيف" وفي (شرح الكافيَّة) نحوه، ولا يَجوز الرَّفع لأنَّه لا يصح الاستئناف قبل الجزاء، وأمَّا الجزم فبالعطف على فعل الشَّرط، وبالنصب بإضمار (أنْ) بعد الفاء أو الواو.
إذا وقع بين فعل الشَّرط والجزاء فعلٌ مضارعٌ مقرونٌ بالفاء أو الواو جاز نصبه وجزمه، نَحو: إنْ يقم زيدٌ ويخرج خالدٌ أكرمك، انظر! إنْ يقم زيدٌ، (يقم) هذا فعل الشَّرط، (أكرمك) هذا جواب الشَّرط، توسَّط بينهما: ويَخرُجْ خالدٌ .. ويَخرُجَ خالدٌ، يجوز فيه الوجهان، (يَخرُجْ) بالعطف على (يقم) والمعطوف على المجزوم مجزوم، و (يَخرُجَ) بالنَّصب بإضمار (أنْ) بعد واو المعيَّة .. على أنَّه واو المعيَّة.
بِجزم (يَخرُجْ) ونصبه، ومنه: ((إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ)) [يوسف:90] (يَصْبِرْ) هذا معطوف على (يَتَّقِ) وجاء بالجزم، فدلَّ على أنَّه هو الأشهر.
وألحق الكوفيِّون بـ: (ثُم) بالفاء والواو، فأجازوا النَّصب بعدها، واستدلوا بقراءة الحسن: (وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِراً إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكَهُ المَوْتُ) بالنَّصب، فدل على أنَّه أجرى (ثُم) مُجرى الفاء والواو، ومنه:
وَمَنْ يَقْتَرِبْ مِنَّا ويَخْضَعْ نُؤْوِهِ ... وَلاَ يَخْشَ ظُلْماً مَا أَقَامَ وَلاَ هُضْمَا

(ويَخْضَعْ نُؤوِه) (نُؤْوِهِ) هذا جواب الشَّرط، (مَنْ يَقْتَرِبْ) (يَقْتَرِبْ) فعل الشَّرط، (ويَخْضَعَ) هنا بالنَّصب بـ: (أنْ) مضمرة وجوباً بعد الواو.
إذاً حاصل البيتين: أنَّ المعطوف بالواو أو الفاء، إمَّا أن يتأخَّر بعد الجزاء، وإمَّا أن يَتقدَّم ويتوسَّط بين الشَّرط والجزاء، إن تأخَّر فالمسموع في لسان العرب جواز الثلاثة الأوجه: الرَّفع على الاستئناف، والجزم بالعطف على جواب الشَّرط، والنَّصب بإضمار (أنْ) بعد الفاء السَّببيَّة أو واو المعيَّة.
وإنْ توسَّط بينهما حِينئذٍ ليس لك إلا وجهان وهما: الجزم والنَّصب، ويَمتنع الرَّفع لأنَّه على الاستئناف، يعني: قطع الجملة، فإذا قُطعت الجملة بين جملتين متصلتين هذا بعيد.
وَالْشَّرْطُ يُغْنِيْ عَنْ جَوَابٍ قَدْ عُلِمْ ... وَالْعَكْسُ قَدْ يَأْتِي إِنِ الْمَعْنَى فُهِمْ

(وَالْشَّرْطُ يُغْنِيْ عَنْ جَوَابٍ قَدْ عُلِمْ) يعني: إذا عُلِم الجواب أغنى الشَّرط عنه، يجوز حذف الجواب إذا دلَّ عليه دليلٌ (وَالْعَكْسُ قَدْ يَأْتِي) قليلاً (إِنِ الْمَعْنَى فُهِمْ).


(وَالْعَكْسُ) وهو أن يغني الجواب عن الشَّرط، في الأول قال: (وَالْشَّرْطُ يُغْنِيْ عَنْ جَوَابٍ قَدْ عُلِمْ) إذاً: يُحذف الجواب ويَدلُّ عليه الشَّرط هذا جائز، (وَالْعَكْسُ) وهو إغناء الجواب عن الشَّرط. وهو أن يغني الجواب عن الشَّرط وأشار بـ: (قَدْ) إلى أنَّ حذف الشَّرط أقلُّ من حذف الجواب كما نَصَّ عليه في (شرح الكافيَّة).
(وَالْشَّرْطُ) مبتدأ، و (يُغْنِيْ) فعل وفاعل .. الجملة خبر، (عَنْ جَوَابٍ) هذا مُتعلِّق بقوله: (يُغْنِيْ)، (قَدْ عُلِمْ) حرف تحقيق، (وَالْعَكْسُ) هذا مبتدأ، و (قَدْ يَأْتِي) الجملة خبر، و (إِنِ الْمَعْنَى فُهِمْ) (إِنِ) حرف شرط، و (الْمَعْنَى) نائب فاعل، لأنَّه اسْمٌ ولا يلي (إنْ) الشَّرطيَّة، لا يكون بعدها إلا فعلٌ.
ونقف على هذا، والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ... !!!


قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: الدرس لم يُفرَّغ في موقع الشيخ، ويتناول العناصر التالية:

* العمل عند اجتماع شرط وقسم
* فصل لو , واستعمالاتها
* تختص (لو) الشرطية بالفعل ولا يتلوها إلا الماضي.