شرح ألفية ابن مالك للحازمي

عناصر الدرس
* اما ولولا ولوما
* معاني (أما) وحكم اقتران جوابها بالفاء
* استعمالات (لولاولوما) ـ
* قد يلي أداة التخصيص اسم معمول لفعل محذوف
* شرح الترجمة (الإخبار بالذي والألف واللام) والمراد من الباب عند النحاة
* طريقة الإخبار بالذي
* المثنى والجمع لها حكم المفرد
* شروط الإسم الذي اخبر عنه
* الإخبار عن (ال) ـ

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله رب العالمين، والصَّلاة والسَّلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أمَّا بعد:
قال النِّاظِم رحمه الله تعالى: (أَمَّا، وَلَوْلاَ، وَلَوْمَا).
أي: هذا ذكر أحكام: أمَّا، ولولا، ولوما، وذكرنا أن هذه الأصل فيها أنَّها ليست من مباحث النحو من حيث هي، لأنَّها لا ترفع ولا تنصب، وإنَّما يذكرون هذه لِمَا فيها من شَبَه بأدوات الشَّرط أولاً، ثُم لِمَا قد يتلوها من أحكام من حيث الابتداء، ووجوب حذف الخبر ونَحو ذلك، وإلا هي في نفسها لا مبحث للنُّحاة فيها، وإنَّما أكثر ما يَتكلَّم فيها أرباب المعاني .. معاني الحروف، لذلك أشبعها ابن هشام في (المغني) وغيره.
(أَمَّا، وَلَوْلاَ، وَلَوْمَا) إنَّما ذَكَر هذه الأحرف هنا لأنَّها من جملة أدوات الشَّرط لاحتياجها إلى جوابٍ، من أدوات الشَّرط لكنَّها غير جازمة، يعني: لا أثر لها من حيث العمل، وإن كانت من حيث المعنى تفيد ما تفيده (إنْ) الشَّرطية ونَحو ذلك، ولذلك تحتاج إلى جواب: أمَّا زيدٌ فقائم .. لولا زيدٌ لمات عمروٌ، ونحو ذلك، وحِينئذٍ نقول: هذه لِمَا فيها من معنى الشَّرط ولاحتياجها إلى الجواب ذكرها النُّحاة بعد أدوات الشَّرط كما ذكروا (لَوْ) ولذلك فَصَلَها، لأن (لو) ألصق بأدوات الشَّرط من (لَوْلاَ) و (ولَوْمَا).
قال رحمه الله تعالى:
أَمَّا كَمَهْمَا يَكُ مِنْ شَيءٍ وَفَا ... لِتِلْوِ تِلْوِهَا وُجُوبَاً أُلِفَا

(أمَّا) مبتدأ، و (كَمَهْمَا يَكُ مِنْ شَيءٍ) كُله هذا مَحكي بالكاف، وهو مُتعلِّق بِمحذوف خبر، (أمَّا) مثل ما ذُكِر (مَهْمَا) وهو اسم شرط، و (يَكُ) فعل الشَّرط، و (مِنْ شَيءٍ) مُتعلِّق بفعل الشَّرط.
إذاً: اسمٌ وفعلٌ، (أَمَّا) مثلها، (أَمَّا) مبتدأ، (أَمَّا) بالفتح والتَّشدِيد حرفٌ بسيط فيه معنى الشَّرط والتفصيل والتوكيد، (أَمَّا) حرفٌ بسيط، يعني: غير مركب فيه معنى الشَّرط، ولذلك ذكرها النَّاظم هنا، ولذلك دخلت الفاء في جوابها، والتفصيل والتوكيد، لكنَّها دلالتها على هذه المعاني الثلاث: الشَّرط والتفصيل والتوكيد، ليست بمرتبة واحدة، ولذلك التوكيد قلَّ من ذكره كما سيأتي.
وأمَّا التَّفصيل فهو كثير غالب، وأمَّا كونها شرطهاً فهذا دائم، إذاً: بعض هذه المعاني قد يكون دائماً، وبعضه يكون غالباً.
الشَّرطيَّة: هذا دائماً، لا ينفك معنى الشَّرط عن (أَمَّا)، (أَمَّا) حرف شرط دائماً، والتفصيل غالباً، إذاً: قد تأتي لغير التفصيل، وأمَّا التوكيد: فهذا قلنا: قلَّ من ذكر معنى التوكيد، ولكن ابن هشام في (التَّوضيح) قال: " حرف شرطٍ وتوكيدٍ دائماً " يعني: لا تَخرج عن معنى التوكيد لِمَا ذكره الزَّمَخْشرِي كما سيأتي، وأمَّا التَّفصيل فهو غالب، لأنَّها قد تأتي لغير التَّفصيل: أمَّا زيدٌ فمنطلقٌ، أين التفصيل هنا؟


أمَّا زيدٌ فَمنطلقٌ، واضح معنى الشَّرط ومعنى التَّوكيد، أمَّا التَّفصيل فليس فيه تفصيل، حِينئذٍ قد تخلوا (أمَّا) عن معنى التَّفصيل. أمَّا الشَّرط .. دليل الشَّرطيَّة أنَّها تَدلُّ على الشَّرط فبدليل لزوم الفاء بعدها، والمراد بالفاء هنا الواقعة في جواب الشَّرط التي هي السَّببيَّة: (وَاقْرُنْ بِفَا حَتْماً) فيما سبق.
حِينئذٍ نقول: هذه الفاء دليلٌ على أنَّ (أَمَّا) ضمِّنت معنى الشَّرط: ((فَأمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ)) [البقرة:26] (فَيَعْلَمُونَ .. فَيَقُولُونَ) إذاً: وقعت الفاء في جواب الشَّرط، فدلَّ على أنَّ (أمَّا) هذه ضُمِّنت معنى الشَّرط.
إذاً: الشَّرط بدليل لزوم الفاء بعدها، يعني: لا تنفك إلا في النَّثر، ولذلك قال:
وَحَذْفُ ذِيْ الفَا قَلَّ فِيْ نَثْرٍ ..
يعني: لا يُحذف إلا في الشِّعْر، يعني مفهومه: أنَّه في الشِّعْر كثير وفي النَّثر قليل، لكنَّه على تأويلٍ كما سيأتي، وأمَّا التفصيل فهو غالب أحوالها وليس بلازمٍ لها.
ومنه: ((أمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ)) [الكهف:79] .. ((وَأمَّا الْغُلامُ)) [الكهف:80] .. ((وَأمَّا الْجِدَارُ)) [الكهف:82] إلى آخر الآيات، هذه كلها (أمَّا) تفيد ماذا؟ تفيد التفصيل، ولذلك حتى في الآية السابقة: ((فَأمَّا الَّذِينَ آمَنُوا)) [البقرة:26] ثُم قال: ((وَأمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا)) [البقرة:26] تفصيل.
إذاً: تأتي للتَّفصيل لكنَّه على جهة عدم اللزوم، يعني: ليس بلازمٍ لها بِخلاف الشَّرط.
وقد يترك تكرارها استغناءً بذكر أحد القسمين عن الآخر، يعني: تأتي للتَّفصيل لكن لا يذُكر (أمَّا) مرةً ثانية، الأصل فيها أنَّها تُعاد .. تُكرَّر، وقد يُكتفى بأحد القسمين عنها. وقد يُترك تكرارها استغناءً بذكر أحد القسمين عن الآخر، أو بكلامٍ آخر يُذكر بعدها في موضع ذلك القسم، يعني: تأتي للتَّقسيم ولكن لا يُصرَّح بها .. لا تُكرَّر، وإنَّما يذكر شيءٌ يدلُّ على ذلك القسم الآخر.
فالأول نحو قوله تعالى: ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً * فَأمَّا الَّذِينَ)) [النساء: 174 - 175] بدأ هذا قسم أول ((فَأمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ)) [النساء:175] وأمَّا الذين كفروا فلهم كذا وكذا! يعني: ذكر أحد القسمين، ومعلومٌ أنَّ القسمة ثنائية إمَّا إيمان وإمَّا كفر، فإذا ذكر أحد القسمين وهم المؤمنون ورتَّب عليهم الفضل، حِينئذٍ القسم الثاني يكون معلوماً من ذكر القسم الأول.
إذاً: يستغنى عن ذكر وتكرار القسم الثاني بذكر الأول، وهذا فيما إذا كان القسمان معلومين كالإيمان والكفر، وأمَّا إذا لم يكن فحِينئذٍ يُنظَر فيه.


والثاني -الذي يُكتَفَى بكلامٍ يشير إلى القسم الثاني- نحو قوله تعالى: ((هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ)) [آل عمران:7] هذا تقسيم ((فَأمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ)) [آل عمران:7] أي: وأمَّا غيرهم، ما ذكر القسم الثاني، وإنَّما اكتُفي بكلامٍ يدل على القسم الثاني، حِينئذٍ هل نقول هنا للتَّفصيل؟ نعم، نقول: هي للتفصيل، بِخلاف: أمَّا زيدٌ فمنطلقٌ، ليست للتَّفصيل قطعاً، لكن قد تأتي للتفصيل وهو غالب أحوالها، ثُم الغالب أن يُذكر القسمان معاً: أمَّا وأمَّا .. هذا الغالب.
وقد يُذكَر (أمَّا) القسم الأول ويُكتفى به عن الثاني، وقد يُذكر القسم الأول ويُذكر كلامٌ آخر يدلُّ على الثاني، إذاً: فرقٌ بين المسألتين: أن يُذكَر القسم الأول ويُستغنى به عن ذكر القسم الثاني، أو يُذكَر القسم الأول ويُذكَر معه كلام آخر يَدلُّ على القسم الثاني.
هنا: وأمَّا غيرهم فيؤمنون به ويكلون معناه إلى ربهم، هذا مدلولٌ عليه بـ: ((ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ)) [آل عمران:7] فذكر كلاما يدلُّ على القسم الثاني، وقد تأتي لغير تفصيلٍ نحو قوله: أمَّا زيدٌ فمنطلقٌ، هنا ليست فيها تفصيل، وإنَّما هي شرطيَّة وتوكيديَّة على رأي الزَّمَخْشري، وليس فيها من التفصيل شيء.
وأمَّا التوكيد -المعنى الثالث- فقلَّ من ذَكَره من النحاة، قال الزَّمَخْشري: "فائدة (أمَّا) في الكلام أن تعطيه فضل توكيد" هنا أطلق الزَّمَخْشري، جَعَلَ (أمَّا) مطلقاً في كل كلام تفيده فضل توكيد، يعني: زيادة توكيد، تقول: ذاهبٌ أنْتَ، فإذا قَصَدْتَ توكيد ذلك: وأنَّه لا مَحالة ذاهبٌ، وأنَّه بِصدد الذَّهاب، وأنَّه منه عزيمة قلت: أمَّا زيدٌ فذاهبٌ، هذا فيه معنى التوكيد، لكنَّه قد لا يكون ملازماً لها، ولذلك قلَّ من ذكره من النُّحاة أو غيرهم.
أمَّا زيدٌ فذاهبٌ، قال: ولذلك قال سيبويه في تفسيره - ليس في تفسير كتاب، إنَّما في تفسير (أمَّا) –: مهما يكن من شيءٍ فزيدٌ ذاهبٌ، وهذا التفسير مُدلٍ بفائدتين: بيان كونه توكيداً، وأنَّه في معنى الشَّرط: أمَّا زيدٌ فذاهبٌ .. مهما يكن من شيءٍ فزيدٌ ذاهبٌ، قال: هذه فيها معنى التوكيد.
على كلٍّ: معنى التوكيد ليس بذاك الظَّاهر، إن أُكِّد فحِينئذٍ قد يكون بالجملة الاسْميَّة .. قد يكون بشيء آخر، أمَّا لفظ (أمَّا) لوحدها مع مدخولها .. ولذلك أكثر النحاة وغيرهم إعراضاً عن هذا المعنى، قد يُقال بقرائن، أمَّا مُلازم .. يكون التَّوكيد ملازماً لـ: (أمَّا) هذا مَحلُّ نظر.
ولذلك أكثرهم يقولون: حرف شرطٍ دائماً وتفصيل غالباً، فالتفصيل واضح أنَّه غالب، وعلى التفصيل الذي ذكرناه.
إذاً: (أمَّا) حرفٌ بسيط فيه معنى الشَّرط والتَّفصيل والتَّوكيد، هكذا قال ابن هشام في (التَّوضيح) وذكرنا أدلة كل واحدٍ من هذه المعاني.


(أمَّا كَمَهْمَا يَكُ مِنْ شَيءٍ) (مَهْمَا) اسم شرط كما سبق، وهي اسمٌ على الصَّحيح، و (يَكُ) هذا فعل الشَّرط مجزومٌ بـ: (مَهْمَا)، و (مِنْ شَيءٍ) جار ومجرور مُتعلِّق بمحذوف، (أمَّا) إذا قيل: أمَّا زيدٌ فمُنطلق، أصل التركيب: مهما يكن من شيء فزيدٌ منطلق، فحُذفت (مهما) اسم الشَّرط، ثُم حُذف فعل الشَّرط (يكُ)، ثُم حُذِف (من شيء) إذاً: ثلاثة أشياء، اسمٌ وفعلٌ ومُتعلِّق بفعل الشَّرط، هذه كلها حذفت وأقيم مقامها (أَمَّا).
إذاً: (أَمَّا) نائبةٌ عن اسم شرط، وفعل شرطٍ، ومُتعلِّق فعل الشَّرط، وهذا وجه كونها مضمَّنة معنى الشَّرط، لأنَّها أقيمت وأنيبت مناب اسم الشَّرط وهو (مَهْمَا) وإذا كان كذلك حِينئذٍ صار فيها معنى الشَّرط.
إذاً: (أَمَّا كَمَهْمَا) في أي شيء؟ في كونها صالحةً أن تَحُلَّ مَحلَّها، ليست مثلها، لأنَّ (أمَّا) حرف، و (مَهْمَا) اسمٌ وفعلٌ، (أمَّا كَمَهْمَا يَكُ مِنْ شَيءٍ) .. (مَهْمَا يَكُ) هذا اسمٌ وفعلٌ، فكيف يكون الحرف مساوياً ومُشبَّهاً للاسم والفعل؟ ليس هذا المراد، وإنَّما المراد (أَمَّا كَمَهْمَا) أي: موضع (أمَّا) صالحٌ لـ: (مَهْمَا يَكُ مِنْ شَيءٍ) لأنَّ معناها هذا.
إذا أردْتَ أن تُفسِّر (أمَّا) ما المعنى .. ما المراد؟ تقول: (مَهْمَا يَكُ مِنْ شَيءٍ) لأنَّ أصل التركيب هو هذا، فحذف: (مَهْمَا يَكُ مِنْ شَيءٍ) وأقيم مقامه (أمَّا) حِينئذٍ نابت مناب الشَّرط.
لا يريد به أنَّ معنى (أَمَّا) كمعنى (مَهْمَا) وشرطِها، لأنَّ (أمَّا) حرفٌ، فكيف يصح أن تكون بمعنى اسمٍ وفعلٍ؟! هذا بعيد، لأنَّ الحرف لا يَدلُّ على معنى، و (مَهْمَا) اسمٌ تدلُّ على معنى، إذاً: كيف يكون مثله؟! لا .. ليس هذا المراد، وإنَّما المراد أنَّها صالحةٌ في هذا الموضع أنْ يُحذَف (أمَّا) ويؤتى بدلها بـ: (مَهْمَا يَكُ مِنْ شَيءٍ بعد) كما هو الشأن في المقدِّمات.
لأنَّ (أمَّا) حرفٌ، فكيف يصح أن تكون بمعنى اسمٍ وفعلٍ؟! وإنَّما المراد أنَّ موضعها صالحٌ لهما، وهي قائمةٌ مقامهما لتضَمُّنها معنى الشَّرط.
إذاً: (أَمَّا كَمَهْمَا يَكُ مِنْ شَيءٍ) نقول: (كَمَهْمَا يَكُ مِنْ شَيءٍ) الكاف داخلة على شيءٍ واحد، جملة قُصدت حكايتها، والكاف حرف جر، حِينئذٍ نقول: الجار والمجرور مُتعلِّق بمحذوف خبر (أَمَّا) فـ: (أَمَّا) هنا مبتدأٌ، والخبر مُتعلَّق الجار والمجرور (كَمَهْمَا يَكُ مِنْ شَيءٍ).
إذاً: تُفسَّر (أَمَّا) بهذا التركيب: (مَهْمَا يَكُ مِنْ شَيءٍ).
ثُم قال:
. . . . . . . . . . . . وَفَا ... لِتِلْوِ تِلْوِهَا وُجُوباً أُلِفَا


قلنا: هي شرطيَّة بدليل وقوع الفاء في جوابها، إذاً: تحتاج إلى جواب، لو قلت قبل إنابة (أمَّا): مهما يكن من شيءٍ فزيدٌ قائمٌ، حِينئذٍ حُذِفت: مهما يكن من شيء، وجيء بـ: (أمَّا) أمَّا فزيدٌ قائمٌ هذا أصل التركيب، لكن ابن مالك يقول: (وَفَا) التي هي فاء السَّببيَّة والواقعة في جواب الشَّرط (لِتِلْوِ تِلْوِهَا) ما هو تلو تلو؟ أمَّا زيدٌ قائمٌ، الذي يتلوها (زيد) والذي يتلو تاليها: (قائمٌ) (وَفَا لِتِلْوِ تِلْوِهَا) ليس للتالي لها، وإنَّما تدخل على تالي تاليها، يعني: الذي لا يتبعها هي مباشرة بل الذي يكون بعده، يعني: إذا عددنا يكون الثاني بعدها.
أمَّا زيدٌ فمنطلقٌ، أصل التركيب: أمَّا فزيدٌ منطلق، لأن: (زيدٌ منطلقٌ) الجملة الاسْميَّة هي الواقعة في جواب الشَّرط قبل إنابة (أمَّا) فتقول: مهما يكن من شيء فزيدٌ منطلق .. أمَّا فزيدٌ منطلقٌ، حِينئذٍ زُحْلِقت الفاء إلى الخبر استِكْراهاً أنْ تكون بعد (أمَّا) الفاء الواقعة في جواب الشَّرط.
إذاً: (وَفَا) هذا مبتدأ، (لِتِلْوِ تِلْوِهَا) (لِتِلْوِ) يعني: تابع، (تِلْوِهَا) يعني: تابعها (أمَّا) الضمير هنا يعود على (أمَّا).
(وُجُوباً) هذا حالٌ من الضمير في (أُلِفَا) .. (أُلِفَا) هذا خبر المبتدأ، والألف للإطلاق.
(وَفَا) مبتدأ قلنا قصره للضَّرورة، والفاء أُلفا وجوباً يعني: مألوفاً، (وُجُوباً) حكمه الوجوب هذا حال من الفاعل المستتر في (أُلِفَا) (لِتِلْوِ تِلْوِهَا) .. (لِتِلْوِ تِلْوِهَا) هذا مُتعلِّق بقوله: (أُلِفَا).
إذاً: يجب دخول الفاء لتلو تلو لا لتلو (أمَّا) لأنَّه لا يتلوها الفاء كما سيأتي.
إذاً: (وَفَا لِتِلْوِ تِلْوِهَا) يعني: أنَّ الفاء تدخل على تالي تاليها، يعني: الذي يتلو الذي بعدها، أمَّا الذي يتلوها مباشرةً فلا تدخل بعده الفاء وإنْ كان هو مَحلَّها الأصلي، هذه الفاء مُؤخَّرة من تقديم، لأنَّ: أمَّا زيدٌ فقائمٌ .. أمَّا زيدٌ فذاهبٌ .. أمَّا زيدٌ فمنطلقٌ، (أمَّا زيدٌ) ثُم جاءت الفاء .. دخلت على تالي التِّلوْ، (فمنطلقٌ) أصل هذا التركيب: أمَّا زيدٌ فقائمٌ، أصله: مهما يكن من شيءٍ فزيدٌ قائمٌ، انظر! الفاء دخلت على (زيد) المبتدأ، وهنا: أمَّا زيدٌ فمنطلقٌ دخلت الخبر، الفاء هنا دخلت على الخبر.
مهما يكن من شيءٍ فزيدٌ منطلقٌ، الفاء هنا دخلت على المبتدأ، هذا أصلها أنَّها تكون داخلةً على المبتدأ، لأنَّه كما سبق: أنَّ الجواب إذا كان جملةً اسْميَّة وجب أن يقترن بالفاء، حِينئذٍ يدخل على الجملة الاسْميَّة لا يدخل على الجزء الثاني وهو الخبر وإنَّما يدخل على المبتدأ هذا هو الأصل.


إذاً: أمَّا زيدٌ فقائمٌ، الفاء دخلت على الخبر، كيف دخلت على الخبر، والأصل أنَّها تدخل على المبتدأ؟ نقول: ثَمَّ تعليل، وهو أنَّ أصل هذا التركيب: أمَّا زيدٌ فقائمٌ .. فمنطلقٌ .. فذاهبٌ، أصله: مهما يكن من شيءٍ فزيدٌ قائمٌ، دخلت الفاء على المبتدأ، فحذف اسم الشَّرط، وفعل الشَّرط ومُتعلَّقه، ثُم جيء بـ: (أمَّا) نائبةً عَمَّا حُذِف فصار: أمَّا فزيدٌ قائمٌ، هذا التركيب، فزُحْلِقَت الفاء لإصلاح اللفظ، إذ يُستكره تِلْو الفاء الأداة، يعني: يستكره ويستبشع لفظاً أنْ تكون الفاء تاليةً لـ: (أمَّا) فزُحْلِقَت .. زُحْلِقَت إلى الخبر، كما زُحْلِقَت اللام هناك في باب (إنَّ).
قلنا: زُحْلِقَت إلى الخبر لأنَّه يُستكره أنْ يُجمع حرفان دالان على التوكيد في مَحلٍّ واحدٍ: لَإنَّ زيدٌ قائمٌ، هذا فيه بشاعة، إذ لا يجتمع مؤكِّدان في مَحلٍّ واحدٍ، فقيل: إنَّ زيداً لقائمٌ، مثلها هنا الفاء.
إذ يُستكره تلو الفاء الأداة، فصار: أمَّا زيدٌ فقائمٌ، بتأخير الفاء من المبتدأ إلى الخبر، هذا المشهور: أنًّ الفاء تُزَحْلَق إلى الخبر، ويجوز تأخير المبتدأ: أمَّا قائمٌ فزيدٌ، تبقى كما هي الفاء، أمَّا فزيدٌ قائمٌ، قَدِّم الخبر فتقول: أمَّا قائمٌ فزيدٌ، إذاً: إمَّا أن يُؤخَّر المبتدأ الذي دخلت عليه الفاء وهذا قليل، وإمَّا أن تُزحلَق الفاء من المبتدأ إلى الخبر، فتقول: أمَّا زيدٌ فمنطلقٌ.
إذاً:
. . . . . . . . . . . . . . وَفَا ... لِتِلْوِ تِلْوِهَا وُجُوبَاً أُلِفَا

إذاً: حكم اتصال الفاء بتالي التالي واجب (وُجُوبَاً) أي: واجباً حال، أو على حذف مضاف، أي: ذا وجوبٍ (وُجُوباً) لا بُدَّ أن يؤوَّل لأنَّه مصدر، فإذا قلنا: أنَّه سماعي حِينئذٍ نجعله مفعول مطلق ذا، أو على حذف مضاف: ذا وجوبٍ.
قوله: (لِتِلْوِ تِلْوِهَا) أفاد أنَّه لا يَجوز أن يَتقدَّم الفاء أكثر من اسمٍ واحد، يعني: أمَّا زيدٌ فقائم مباشرة، لأنَّه قال: (لِتِلْوِ تِلْوِهَا) عَيَّن، أمَّا ثُم يأتي التَّالي، ثُم تالي التَّالي، تدخل الفاء على تالي التَّالي، إذاً: أفْهَمَ أنَّه لا يجوز أن يُفصل بين الفاء و (أمَّا) إلا باسمٍ واحدٍ، حِينئذٍ لو قال: أمَّا زيدٌ طعامَه فلا تأكل، لا يجوز لأنَّه فُصِل بين (أَمَّا) والفاء باسمين، ولو كان معمولاً للخبر لا يجوز، بل لا بُدَّ أن يكون التركيب هكذا، والحجة السَّمَاع، أمَّا زيدٌ طعامَه فلا تأكل، نقول: هذا لا يجوز لأنه لا يجوز أن يفصل بين (أمَّا) والفاء إلا باسمٍ واحدٍ، فإن كان أكثر من واحد حِينئذٍ لا يجوز البتَّة.
أمَّا كَمَهْمَا يَكُ مِنْ شَيءٍ وَفَا ... لِتِلْوِ تِلْوِهَا وُجُوباً أُلِفَا

إذاً أفاد قوله: (لِتِلْوِ تِلْوِهَا وُجُوباً أُلِفَا) أنَّه لا يجوز تَقدُّم الفاء أكثرُ من اسمٍ واحدٍ، ولا يفصل بين (أمَّا) والفاء بِجملة تامة، استُثني حالة واحدة سماعاً، وهي: إن كانت دعاءً .. إن كانت الجملة دعائيَّة بشرط: أن يَتقدَّم الجملة فاصلٌ، نحو: أمَّا اليومَ رحمك الله فالأمر كذلك، هذا مستثنى، أمَّا فالأمر كذلك، (فالأمر كذلك) جواب الشَّرط، و (اليوم) هذا ظرف، رحمك الله.


إذاً: فُصِل بين (أمَّا) والفاء بجملة دُعائيَّة وهي: (رحمك الله) بشرط أنْ يفصل بين (أَمَّا) والجملة الدُعائيَّة فاصل وهو الظرف هنا.
والمشهور المطَّرِد في لسان العرب - قلنا: لا بُدَّ أن يكون اسْماً واحداً هذا الأصل فيه – أنَّه يُفصَل بين (أَمَّا) والفاء بواحدٍ من أمورٍ ستة:
الأول: المبتدأ، كالمثال السابق: أمَّا زيدٌ فقائمٌ، فُصِل بين (أَمَّا) والفاء بالمبتدأ وهو زيد، (أمَّا) حرف شرط، (زيدٌ) مبتدأ، (فقائمٌ) الفاء واقعة في جواب الشَّرط، (قائمٌ) خبر، إذاً: فُصِل بين (أمَّا) و (قائم) الذي هو الخبر والفاء بالمبتدأ، هذا الأول، إذاً: يُفصَل بين (أمَّا) والفاء بالمبتدأ.
الثاني: يُفصل بينهما بالخبر، نحو: أمَّا في الدار فزيدٌ، (في الدار) هذا خبر، (زيدٌ) هذا مبتدأ مُؤخَّر، لذلك سبق أن قلنا: الخروج عن استبشاع أن تتلو (أمَّا) الفاء قد يكون بِزحْلَقة الفاء، وقد يكون بتأخير المبتدأ، إذاً: إذا أخَّرنا المبتدأ يكون الفاصل بين (أمَّا) والمبتدأ الخبر.
الثالث: جملة الشَّرط، نحو: ((فَأمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ * فَرَوْحٌ)) [الواقعة: 88 - 89] (إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ * فَرَوْحٌ) .. (أمَّا) فُصِل بين (أمَّا) والفاء هنا بجملة الشَّرط.
الرابع: أن يُفَصل بينهما باسمٍ منصوبٍ لفظاً أو مَحلاً، وعَبَّر بعضهم بالمفعول به، وهو اسمٌ منصوب قد يكون لفظاً وقد يكون مَحلاً: ((فَأمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ)) [الضحى:9] فلا تقهر اليتيم (أمَّا فلا تقهر اليتيم) هذا الأصل، استبشع فُقدِّم المفعول به ((فَأمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ)) [الضحى:9].
الخامس: اسمٌ كذلك معمولٌ لمحذوف يُفسِّره ما بعد الفاء، (اسمٌ كذلك) يعني: منصوب معمول لفعلٍ محذوف يُفسِّره ما بعد الفاء، نَحو: أمَّا زيداً فاضربه، هذا من باب الاشتغال، (زيداً) هذا مفعول به لفعلٍ محذوف واجب الحذف يُفسِّره المذكور: أمَّا اضرب زيداً فاضربه.
وقراءة بعضهم: (وَأمَّا ثَمُودَ فَهَدَيْنَاهُمْ) بالنَّصب (وَأمَّا ثَمُودَ) هذا مفعولٌ به لفعلٍ محذوف، ويجب حِينئذٍ تقدير العامل بعد الفاء، ولا يُقدَّر قبل المعمول الذي هو المنصوب، (وَأمَّا ثَمُودَ فَهَدَيْنَاهُمْ) أمَّا فهدينا هديناهم، هذا الأصل، لأنَّه (أمَّا) نائبةٌ عن الفعل، فلا يتلو الفعل الفعل هذا الأصل فيه.
ويجب تقدير العامل بعد الفاء وقبل ما دخلت عليه، لأنَّ (أمَّا) نائبةٌ عن الفعل فكأنَّها فعلٌ والفعل لا يلي الفعل.
السادس: ظرفٌ معمولٌ لـ: (أمَّا) لِمَا فيها من معنى الفعل الذي نابت عنه، أو للفعل المحذوف، إذا قيل: (أمَّا) لا تعمل حِينئذٍ نقول: للفعل المحذوف الذي نابت عنه (أمَّا) نَحو: أمَّا اليوم فإنِّي ذاهبٌ، (اليوم) هذا منصوب على الظَّرفيَّة، ما العامل فيه؟ واحد من أمرين:
- إمَّا أن يُقال: (أمَّا) لِمَا فيها من معنى الفعل الشَّرط.
- وإمَّا أن يُقال: الفعل الذي حذف ونابت عنه (أمَّا) وهو (يَكُ) .. (مَهْمَا يَكُ) (يَكُ) هو العامل النَّصب في (اليوم).


وأمَّا في الدار فإنَّ زيداً جالسٌ، لو قال قائل هنا: (في الدار) ليس مُتعلِّقاً بـ: (أمَّا) ولا بالفعل الذي نابت عنه (أمَّا) وإنَّما هو مُتعلِّق بقوله: (جالسٌ) أمَّا في الدار فإنَّ زيداً جالسٌ، هل يصح .. هل يَصِح أن يكون (في الدار) مُتعلِّقاً بِما بعد (إنَّ)؟ لا يصح، لأنَّ خبر (إنَّ) لا يَتقدَّم على (إنَّ)، وكذلك معموله، إذا كان يُمنع تقديم خبر (إنَّ) على (إنَّ) فمن بابٍ أولى أن يُمنع معموله، لأنَّ الخبر أقوى، فحِينئذٍ لا يصح أن يُقال: أمَّا في الدار .. (في الدار) مُتعلِّق بقوله: (جالسٌ) الذي هو خبر لـ: (إنَّ).
أمَّا في الدار فإن زيداً جالسٌ، نقول: إنَّ زيداً جالسٌ، (إنَّ) واسمها وخبرها لا يَتقدَّم شيءٌ البتَّة، لا الاسم، ولا معمول الاسم، ولا الخبر، ولا معمول الخبر على (إنَّ) البتَّة .. مُطلقاً، لأنَّ (إنَّ) كما سبق عامل ضعيف ولا يُتصرَّف في معمولاتها، حِينئذٍ لا يصح أن يُقال: (في الدار) مُتعلِّقٌ بشيءٍ مِمَّا بعد (إنَّ) فتعيَّن أن يُقال: بأنَّه إمَّا مُتعلِّق بـ: (أمَّا) وإمَّا أنْ يكون مُتعلِّقاً بالفعل الذي نابت عنه (أمَّا).
إذاً: يفصل بين (أمَّا) والفاء بواحدٍ من أمورٍ ستة التي ذكرناها: إمَّا المبتدأ، وإمَّا الخبر، وإمَّا جملة الشَّرط، وإمَّا المفعول، وإمَّا ظرفٌ معمولٌ لـ: (أمَّا) لِمَا فيها من معنى الشَّرط، أو الفعل الذي نابت عنه.
أمَّا كَمَهْمَا يَكُ مِنْ شَيءٍ وَفَا ... لِتِلْوِ تِلْوِهَا وُجُوباً أُلِفَا

(وَفَاءٌ) هذا مبتدأ، (أُلِفَا) هذا خبر، والألف هذه للإطلاق، وفيه فاعل ضمير مستتر يعود على الفاء، لا بُدَّ أن يكون رابط يربط بين الجملة وبين المبتدأ، أين هو؟ الضمير المستتر، مثل: زيدٌ قام، (أُلِفَا) هنا نائب فاعل، ضمير مستتر يود على الفاء، لو لم نجعله عائداً على الفاء لَمَا صَحَّ الإخبار بالجملة عن المبتدأ .. بطل، لأنه لا بُدَّ من رابط يربط بين الجملة الفعليَّة والمبتدأ، حِينئذٍ يتعيَّن مباشرة نقول: (أُلِفَا) فيه ضمير يعود على الفاء.
(لِتِلْوِ تِلْوِهَا) مُتعلِّق بقوله: (أُلِفَا)، (وُجُوباً) هذا حالٌ من نائب الفاعل (أُلِفَا).
قال الشَّارح: " (أمَّا) حرف تفصيل، وهي قائمةٌ مقام أداة الشَّرط وفعل الشَّرط " ولهذا فَسَّرها سيبويه بـ: (مَهْمَا يَكُ مِنْ شَيءٍ) والمذكور بعدها جواب الشَّرط، ولذلك لزمته الفاء، نحو: أمَّا زيدٌ فمنطلقٌ، إذاً: دليل أنَّ (أمَّا) فيها معنى الشَّرط لزوم الفاء في جوابها، والأصل: مهما يك من شيءٍ فزيدٌ منطلقٌ، فأنيبت (أمَّا) مناب (مَهْمَا يَكُ مِنْ شَيءٍ) فصار: أمَّا فزيدٌ منطلقٌ على الأصل، ثُم أخِّرت الفاء إلى الخبر فصار: أمَّا زيدٌ فمنطلقٌ، ولهذا قال: (وَفَا لِتِلْوِ تِلْوِهَا) لتالي تلوها .. تابعها، (وُجُوباً أُلِفَا).
وَحَذْفُ ذِيْ الفَا قَلَّ فِيْ نَثْرٍ إِذَا ... لَمْ يَكُ قَوْلٌ مَعَهَا قَدْ نُبِذَا


(وَحَذْفُ ذِيْ الفَا) .. (وَحَذْفُ) مبتدأ وهو مضاف، و (ذِيْ) اسم إشارة، و (الفَا) نعت، أو بدل، أو عطف بيان، لأنَّ (ذِيْ) اسم إشارة، واسم الإشارة إذا نعت حِينئذٍ ما بعده لا بُدَّ أن يكون مُحلاً بـ: (أل) فحِينئذٍ يجوز أنْ يُعرب بدلاً، أو عطف بيان، أو نعتاً.
(وَحَذْفُ ذِيْ الْفَا قَلَّ) قليل .. قَلَّ هو، أي: الحذف قليل، متى؟ (فِيْ نَثْرٍ) هذا مُتعلِّق بقوله: (قَلَّ) .. (قَلَّ) هذا فعل ماضي، والفاعل ضمير مستتر يعود على الحذف، ولذلك صَحَّ أنْ يُجعل (قَلَّ) خبراً عن المبتدأ لوجود الرَّابط بين المبتدأ والخبر.
إذاً: (وَحَذْفُ ذِيْ الفَا قَلَّ) لأنَّه قال في السَّابق: (وُجُوباً أُلِفَا) ألف وجوباً، إذاً: اتِّصَال الفاء بجواب (أمَّا) واجبٌ.
قال: (وَحَذْفُ ذِيْ الفَا قَلَّ فِيْ نَثْرٍ) وفُهِم منه أنَّه يكثر في النَّظم، وأمَّا في النَّثر فهو قليل، لكن هل هو مُطلقاً أم مُقيَّد؟ لأنَّه قال: (وُجُوبَاً) إذاً: لا بُدَّ أن نُقيِّد الحذف هنا بضابط مُعيَّن حتى لا يفسد علينا الحكم السَّابق: أنَّه واجب، لأنَّه إذا جاز حذفها كيف نقول: هو واجب؟ عند الأصوليين إذا عُلِّق الأمر بالمشيئة صار مصروفاً، لا يُقال بأنَّه .. هذا يجب عليك أن تصلي ركعتين إن شئت، يصح؟ ما يصح، لأنك إذا جوَّزت التَّرك نفيت الإيجاب، لأنَّ الواجب معناه مُتحتِّم لا يجوز تركه، فإذا قلت: إن شئت، يعني: لك تركه.
هنا قال: (وُجُوباً) إذاً: لا يمكن أن ينفك عنها الجواب، هنا قال: (وَحَذْفُ ذِيْ الفَا قَلَّ فِيْ نَثْرٍ) لكنَّه قيَّده:
. . . . . . . . . . . . . . ... إِذَا ... لَمْ يَكُ قَوْلٌ مَعَهَا قَدْ نُبِذَا

قد طُرِح يعني، الألف هذه للإطلاق.
إذاً: يجوز حذف الفاء إذا كان مدخولها القول فهو كثير، حِينئذٍ قوله: (وُجُوباً أُلِفَا) يكون هذا مُقيَّداً بما إذا لم يكن مدخول الفاء القول، وكذلك حِينئذٍ يُوجَّه بكون الفاء قد حذفت، والشيء إذا حذف مع نيته وجوداً كأنَّه غير محذوف، فصار الوجوب محفوظ .. السَّابق، إذاً: الوجوب محفوظ.
ويستثنى جواز الحذف في اللفظ مع التقدير إذا دخلت الفاء على القول، ولذلك قال:
. . . . . . . . . . . . . . ... إِذَا ... لَمْ يَكُ قَوْلٌ مَعَهَا قَدْ نُبِذَا

أي: لا تحذف هذه الفاء إلا إذا دخلت على قولٍ قد طُرِح استغناءً عنه بالمقول، فيجب حذفها معه، ولا تحذف في غير ذلك إلا في ضرورة.
إذاً: (وَحَذْفُ ذِيْ الفَاءِ) قصره للضرورة، قلنا: الفَاءِ هذا نعت لـ: (ذِيْ)، (قَلَّ) هذه الجملة خبر، (فِيْ نَثْرٍ) هذا تقييد، مفهومه: أنَّه في غير النَّثر ليس بقليل بل هو كثير، لكن قال: (إِذَا) هذا مُتعلِّق بقوله: (قَلَّ) قَلَّ إذا (إِذَا لَمْ يَكُ) حذفت النون هنا للتَّخفيف، يكن أصلها، دخل عليها الجازم وحذفت الضَّمَّة، ثُم حُذِفت النون تَخفيفاً:
وَمِنْ مُضَارِعٍ لِكَانَ مُنْجَزِمْ ... تُحْذَفُ نُونٌ. . . . . . . . . .

(يَكُ قَوْلٌ) اسم (يَكُ)، (مَعَهَا) هذا مُتعلِّق بقوله: (نُبِذَا)، (قَدْ) هذا للتَّحقيق، و (نُبِذَا) هذا فعل ماضي مُغيَّر الصِّيغة، يعني: طُرِح.


قال الشَّارح: " قد سبق أنَّ هذه الفاء مُلتزَمة الذِّكر، وقد جاء حذفها في الشِّعْر، كقوله:
فَأمَّا القِتَالُ لاَ قِتَالَ لَدَيْكُمُ ..
فالأصل: فأمَّا القتال فلا .. هذا الأصل، ولكن هنا حذفت ضرورة في الشِّعْر خاصَّة أمَّا النَّثر فلا، أي: فلا قتال، وحُذِفت في النَّثر أيضاً بِكثرة وبقلَّة، فالكَثْرة عِند حذف القول معها، وهذا جاء حتى في النَّثر .. جاء في القرآن: ((فَأمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ)) [آل عمران:106] يعني: فيُقال أكفرتم، الفاء مع مدخولها الذي هو أصل الجواب حذف، وهذا قياس سائغ.
حِينئذٍ نقول: قوله (وُجُوباً) هذا يَعمُّ ما إذا ذكرت الفاء وكانت محذوفة، لأنَّه حِينئذٍ (أَكَفَرْتُمْ) هذا يجب أن يُقدَّر له: فيقال أكفرتم، فإذا كان كذلك .. إذا وجب التقدير حِينئذٍ قوله: (وُجُوباً) هذا محفوظ، أي: فيقال لهم أكفرتم بعد إيمانكم.
والقليل: ما كان بِخلافه، كقوله صلى الله عليه وسلم: {أمَّا بَعْدُ: مَا بَالُ رِجَالٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطاً لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللَّهِ} (مَا بَالُ .. أمَّا بَعْدُ) مهما يكن من شيءٍ بعد كذا .. بعد الحمدلة والصلاة: (مَا بَالُ) الأصل: فَمَا بَالُ، لكن هذا يُمكن تخريجه أن يُقال: فيُقال أمَّا بعد فأقول: ما بال، يعني: يمكن أن يُوجَّه كالآية، حِينئذٍ لا يُقال بأنَّه نادر، بل مِمَّا حذف القول مع الفاء، حِينئذٍ إذا حذف القول وجب حذف الفاء معه ولا تبقى.
هكذا وقع في (صحيح البخاري): ما بال، بحذف الفاء، والأصل: أمَّا بعد: فما بال رجال، فحذفت الفاء، وهذا لا مانع أن يقال: فأقول ما بال، فحذف القول مع الفاء.
إذاً:
. . . . . . . . . . . . . . وَفَا ... لِتِلْوِ تِلْوِهَا وُجُوبَاً أُلِفَا

لا يجوز حذف الفاء البتَّة، إلا في نثرٍ قليل أو شعر كثير، ثُم قد يكون قياساً وقد يكون ضرورةً، إذا قُدِّر القول حِينئذٍ صار قياساً، سواءً كان في الشِّعر أو في النَّثر، وإذا لم يمكن تقدير القول حِينئذٍ نقول: هذا ضرورة كالبيت الذي ذكره:
فَأمَّا القِتَالُ لاَ قِتَالَ لَدَيْكُمُ ..
يعني: فلا قتال، نقول: هذا ضرورة، يعني: يُحفظ ولا يُقاس عليه، مع عداه في الشِّعْر أو في النَّثْر مع القول كثير أن يُحذف الفاء، حِينئذٍ لا يمنع الوجوب أنَّها تُحذف مع الفاء في الشِّعْر والنَّثْر.
وَحَذْفُ ذِيْ الفَا قَلَّ فِيْ نَثْرٍ إِذَا ... لَمْ يَكُ قَوْلٌ. . . . . . . .

حذف الفاء قليل، أين الجواب هنا؟ محذوف، (إِذَا) هذه شرطيَّة، (لَمْ يَكُ قَوْلٌ) فحذف الفاء قليل: إذا لم يكٌ قولٌ فحذف الفاء قليل لكنَّه مسموع، يعني: لا يُقاس عليه، وما ذكره من الحديث الوارد: (مَا بَالُ .. فمَا بَالُ) نقول: هذا مُقدَّر فيه القول مع الفاء.
. . . . . . . . . . . . . . إِذَا ... لَمْ يَكُ قَوْلٌ مَعَهَا قَدْ نُبِذَا

يعني: قد طُرِح.

ثُم قال رحمه الله: (لَولاَ وَلَوْمَا) هو عقد الباب لثلاثة أشياء: (أَمَّا، وَلَوْلاَ، وَلَوْمَا).
لَولاَ وَلَوْمَا يَلْزَمَانِ الاِبْتِدَا ... إِذَا امْتِنَاعَاً بِوُجُودٍ عَقَدَا

(لَولاَ وَلَوْمَا) على نوعين .. قسمين:
- أحدهما: أن يكونا مُختصَّين بالاسم، وهذه الامتناعيَّة.


- والآخر .. النَّوع الثاني: أن يكونا مُختصَّين بالفعل، وهذه التَّحضيضيَّة، سيأتي.
وأشار إلى الأول بقوله: (لَوْلاَ وَلَوْمَا يَلْزَمَانِ الاِبْتِدَا)، (لَوْلاَ) مبتدأ قُصِد لفظه، وأصلها: (لوْ) رُكِّبَت مع (لا) النَّافيَّة، و (لَوْمَا) معطوفٌ عليه، أصلها: (لوْ) وركِّبَت معها: (مَا) هكذا قيل، وقيل: أنَّها بسيطة وهذا هو أظهر.
(يَلْزَمَانِ) هذا خبر المبتدأ، (يَلْزَمَانِ الاِبْتِدَا) هذا مفعول لـ: (يَلْزَمَانِ) مفعول به، يعني: المبتدأ والخبر (يَلْزَمَانِ الاِبْتِدَا) يعني: يلزمان جملة المبتدأ والخبر، يعني: يَختصَّان بالجملة الاسْميَّة، فتقول: لولا زيدٌ لأكرمتك، (لَولاَ) هذا حرف امتناع لوجود، لولا زيدٌ، (زيدٌ) مبتدأ، أين خبره؟ محذوفٌ وجوباً:
وَبَعْدَ لَوْلاَ غَالِباً حَذْفُ الْخَبَرْ ..
هي هذه نفسها .. عينها:
وَبَعْدَ لَوْلاَ غَالِبَاً حَذْفُ الْخَبَرْ ... حَتْمٌ. . . . . . . . . . . . . .

إذاً: وجب حذف الخبر هنا: لولا زيدٌ موجودٌ لأكرمتك، هذا جواب (لَولاَ) لأنَّها تقتضي جواباً مثل (لوْ) لأنَّها شرطيَّة، فإذا كانت شرطيَّة حِينئذٍ يلزم لها جواباً.
إذاً: (يَلْزَمَانِ الاِبْتِدَا) يعني: المبتدأ والخبر، يدخلان على الجملة الاسْميَّة، ولا يدخلان على الجملة الفعليَّة البتَّة، هذا النوع الأول وهي الامتناعيَّة.
ولوما عمروٌ لجئتك .. لوما عمروٌ موجودٌ لجئتك، (لجئتك) هذه جملة الجواب وليست هي الخبر، والخبر محذوف، لأنَّ (لَولاَ) ومثلها (لَوْمَا) من مواضع وجوب حذف الخبر كما سبق بيان ذلك في باب المبتدأ والخبر.
إذاً:
وَبَعْدَ لَوْلاَ غَالِباً حَذْفُ الْخَبَرْ مثلها (لَوْمَا) متى؟ قال: (إِذَا امْتِنَاعَاً بِوُجُودٍ عَقَدَا) إذا عقدا .. ربطا، الألف هنا تثنية، إذاً: فاعل، (عَقَدَا) الألف هذه فاعل (عَقَدَا): إذا عقدا، يعني: ربطا، (امْتِنَاعَاً بِوُجُودٍ) (امْتِنَاعَاً) ما إعرابه؟ مفعول به لـ: (عَقَدَا)، (بِوُجُودٍ) مُتعلِّق بـ: (عَقَدَا)، ولذلك يُقال: لوجود ويقال: بوجود.
إذاً: (لَولاَ وَلَوْمَا يَلْزَمَانِ الاِبْتِدَا) متى؟ قال: إذا عقدا امتناعاً بوجودٍ، ويقال أيضاً: لوجودٍ، (امْتِنَاعَاً) امتناع الخبر بوجود المبتدأ، لو قلت: لولا زيدٌ لأكرمتك، ما الذي امتنع؟ الإكرام جواب (لولا) هذا الممتنع، لماذا امتنع؟ لوجود زيد .. لوجود المبتدأ، إذاً: امتناعاً بوجودٍ امتناعاً للجواب .. جواب (لَولاَ وَلَوْمَا) بوجود المبتدأ الذي هو (زيد): لولا زيدٌ لأكرمتك، امتنع الإكرام لوجود زيد.
لوما عمروٌ لجئتك، امتنع المجيء لوجود عمروٍ.
(عَقَدَا) أي: ربطا، أي: إذا ربطا امتناع شيءٍ بوجود غيره ولازماً بينهما، ويقتضيان حِينئذٍ مبتدأ ملتزماً فيه حذف خبره غالباً كما مَرَّ في باب المبتدأ.
وجواباً، يعني: تقتضي (لَولاَ وَلَوْمَا) الامتناعيَّة .. تقتضي جواباً، عين الجواب الذي لـ: (لوْ) قلنا: (لوْ) هذه تقتضي جواباً، قد يكون ماضياً معنى، وقد يكون ماضياً وضعاً، وقد يكون دخول اللام كثيراً، وقد يكون دخول اللام قليلاً، نفس الكلام يُقال في باب (لَوْلاَ وَلَوْمَا).


وجواباً كجواب: (لوْ) مُصدَّراً بماضٍ أو مضارعٍ مجزومٍ بـ: (لم) فإن كان الماضي مثبتاً قرن باللام غالباً: ((لَوْلا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ)) [سبأ:31] (لَكُنَّا) هذه اللام واقعة في جواب (لَوْلاَ) أين الخبر؟ محذوف، (لَوْلا أَنْتُمْ) .. (أَنْتُمْ) هذا مبتدأ، لولا أنتم موجودون، هذا الخبر حُذِف، وهو واجب الحذف، (لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ) هذه اللام واقعة في جواب (لَوْلاَ) ما نوعه (لَكُنَّا)؟ نقول: هذا ماضي مُثبت، وإن كان منفياً تَجرَّد منها غالباً:
((وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَداً)) [النور:21] إذاً: (مَا زَكَا) جواب (لَوْلاَ) وهو منفي، حِينئذٍ الغالب فيه: أن يَتجرَّد من اللام، (لَمَا زكا) يجوز لكنَّه قليل.
وقد يقترن بها المنفي على خلاف الغالب، نَحو:
لَوْلاَ رَجَاءُ لِقَاءِ الظَّاعِنينَ لَمَا ... أَبْقَتْ. . . . . . . . . . . . .

(لَمَا أَبْقَتْ) .. (لَمَا زَكَا) مثله، لكن الغالب تَجرُّده عن اللام.
وقد يخلوا منها المثبت، مع أنَّ الغالب أن يكون مُتَّصلاً بها:
لَوْلاَ زُهَيْرُ جَفَانِي كُنْتُ معْتَذِراً ..
لكنت معتذراً هذا الأصل، لكن هذا جائز.
وإذا دلَّ على الجواب دليل جاز حذفه، ومنه: ((وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ)) [النور:10] هنا حُذِف الجواب: لولا فضله عليكم لهلكتم، (وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ) هذا تتميم للآية، إذاً: جواب (لَوْلاَ) محذوف، متى؟ إذا دلَّ عليه دليل.
إذاً:
لَوْلاَ وَلَوْمَا يَلْزَمَانِ الاِبْتِدَا ... إِذَا امْتِنَاعَاً بِوُجُودٍ عَقَدَا

إذا عقدا امتناعاً بوجودٍ، وهي التي يُعبَّر عنها أنَّها امتناع لوجود .. امتناع الجواب لوجود المبتدأ.
قال الشَّارح: لـ: (لَوْلاَ وَلَوْمَا) استعمالان: أحدهما: أنْ يكونا دالَّيْن على امتناع الشيء لوجود غيره، وهو المراد بقوله: (إِذَا امْتِنَاعَاً بِوُجُودٍ عَقَدَا) ربطا، ويلزمان حِينئذٍ الابتداء، يعني: الجملة الاسْميَّة، ولا يدخلان على الجملة الفعليَّة البتَّة، فلا يدخلان إلا على المبتدأ، ويكون الخبر بعدهما محذوفاً وجوباً، ولا بُدَّ لهما من جواب، لِمَا فيهما من معنى الشَّرط، الشَّرط يقتضي الجواب، لِمَا فيهما من معنى الشَّرط وهو التعليق.
فإن كان مثبتاً قُرِن باللام غالباً كجواب (لوْ) وإن كان منفياً بـ: (ما) تَجرَّد عنها غالباً: ((مَا زَكَا)) [النور:21]، وإنْ كان منفياً بـ: (لم) لم يقترن بها، نَحو: لولا زيدٌ لأكرمتك، ولوما زيدٌ لأكرمتك، ولوما زيدٌ ما جاء عمروٌ، ولوما زيدٌ لم يجيء عمروٌ، فـ: (زيدٌ) في هذه المُثُل ونحوها مبتدأ، وخبره محذوفٌ وجوباً، والتقدير: لولا زيدٌ موجود، وقد سبق ذكر هذه المسألة في باب الابتداء.
إذاً: أراد أنْ يُبيِّن هنا أن هذه من خواص الجملة الاسْميَّة، وأنَّها تقتضي جواباً وجوابها كجواب (لوْ) السَّابق.


بقي أنَّ (لَوْلاَ) قد تدخل على المبتدأ، لكن قد يكون المبتدأ مؤوَّلاً ليس صريحاً، كقوله: ((لَوْلا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا)) [القصص:82] (أَنْ مَنَّ اللَّهُ) هنا نقول: دخلت على مؤوَّل، وسبق أن المبتدأ قد يكون اسماً صريحاً وقد يكون مؤوَّلاً بالصَّريح.
إذاً: قوله (يَلْزَمَانِ الاِبْتِدَا) عام يشمل الصَّرح وغير الصَّريح: ((لَوْلا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا)) [القصص:82] لولا مِنَّة الله علينا، (منَّة) نقول: هذا مبتدأ.
كذلك قد يكون ضميراً بارزاً: ((لَوْلا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ)) [سبأ:31] وسبق الخلاف في: (لولاه) و (لولاك) في باب حروف الجر، وهي (لَوْلاَ) نفسها هذه التي معنا.
إذاً: قد يكون المبتدأ صريحاً، وقد يكون ضميراً بارزاً، وقد يكون مؤوَّلاً بالصَّريح، وهل يكون ضميراً مُتَّصلاً كاف أو هاء؟ سبق بيانه في موضعه.
وَبِهِمَا التَّحْضِيضَ مِزْ وَهَلاَّ ... أَلاَّ أَلاَ وَأَوْلِيَنْهَا الْفِعْلاَ

(التَّحْضِيضَ مِزْ) مِزْ التحضيض بهما، هذا القسم الثاني: وهو أنْ يدلَّا على التحضيض، وسبق معنى التحضيض .. تحضيض (تفعيل) مبالغةٌ من الحضِّ، يُقال: حَضَّه على كذا، أي: رَغَّبَه في فعله، فإذا أريد تأكيد الترغيب والمبالغة فيه قيل: حضَّضَه، والعَرْض كالتَّحضيض، إلا أنَّ العَرْض: طلبٌ بلين ورفق، والتَّحضيض: طلب بِحثٍ.
إذاً: مِزْ التَّحضيض بهما، (مِزْ) يعني: ميِّزْ، هذا الاستعمال الثاني: أن يدلا على التحضيض، يَختصَّان حِينئذٍ بالجملة الفعليَّة، وذكر معهما: (هَلاَّ) و (أَلاَّ) و (أَلاَ) هذه أدوات التحضيض، ذكر خمسة: (لَوْلاَ) و (لَوْمَا) و (هَلاَّ) و (أَلاَّ) بالتَّشدِيد، و (أَلاَ) بالتَّخفيف خمسة، والمشهور أنَّ حروف التحضيض أربعة بإسقاط: (أَلاَ) هذا المشهور عند النحاة: (لَوْلاَ) و (لَوْمَا) و (هَلاَّ) و (أَلاَّ)، هذا المشهور عند النحاة، ولهذا لم يذكر في (التَّسهيل) و (الكافيَّة) سواهن .. الأربعة.
وأمَّا (أَلاَ) بالتَّخفيف فهي حرف عَرْضٍ، فذكرها هنا مع حروف التَّحضيض يحتمل أحد أمرين: إمَّا أن يريد ابن مالك هنا بذكر: (أَلاَ) مع حروف التَّحضيض، يريد أنَّها قد تأتي للتَّحضيض، إذاً: المشهور أربعة، وبِقلَّة (أَلاَ) التي هي الأصل في العَرْض، ولا شك أنَّ ثَمَّ مشابهة بين التَّحضيض والعَرْض، لكن أصل استعمال (أَلاَ) بالتَّخفيف في العَرْض.
حِينئذٍ يَحتمل أنَّ ابن مالك يرى أنَّ (أَلاَ) قد تأتي للتحضيض فلذلك ذكرها في هذا الموضع، ويَحتمل أنْ يكون قد ذكرها هنا لمشاركتها للأربع في الاختصاص بالفعل، إذاً: لَمَّا ذكر (لَوْلاَ) و (لَوْمَا) و (هَلاَّ) و (أَلاَّ) في كونها مُختصَّة بالفعل ناسب أن يذكر (أَلاَ) التي هي للعرض لكونها مُختصَّة بالفعل، وهذا الثاني هو أظهر: أن أدوات التَّحضيض أربعة لا خمسة، وأنَّ (أَلاَ) هذه حرف عَرْضٍ لا حرف تحضيض.
لماذا ذكرها هنا؟ لأنَّ هذه الخمسة لا تدخل إلا على الفعل .. الجملة الفعليَّة: ألاَ زيدٌ قائمٌ، ما يَصِح هذا في العَرْض، وإنَّما: ألا تنزل عندنا؟ تدخل على الجملة.


إذاً: يَحتمل أنْ يكون ذكرها لمشاركتها لَهنَّ في الاختصاص بالفعل، وقرب معناها من مَعناهنَّ، وهذا واضح لأنًّ العَرْض والتَّحضيض متقاربان، ويؤيده قوله في (شرح الكافيَّة): " وألحق بحروف التحضيض في الاختصاص بالفعل (أَلاَ) المقصود بها العَرْض نَحو: ألا تزورنا؟ " هذا صريح أنَّه أراد (أَلاَ) التي هي للعرض وليست .. لا تستعمل في التحضيض، وإنَّما ذكرها هنا لكونها مُختصَّة بالفعل، هذا نصٌّ في (شرح الكافيَّة) وأُلحق بحروف التحضيض الأربعة في الاختصاص بالفعل (أَلاَ) المقصود بها العَرض، نحو: ألا تزورنا؟
إذاً: ذكر أربعة للتحضيض، وذكر على جهة المناسبة (أَلاَ) التي في العرض للاختصاص بالفعل، ولذلك قال: (وَأَوْلِيَنْهَا الْفِعْلاَ) .. (وَأَوْلِيَ) يعني: اجعل هذه متبوعةً بالفعل، الأدوات الخمسة.
(وَأَوْلِيَنْهَا) (أَوْلِ) هذا فعل أمر مبني على الفتح، لاتِّصاله بنون التوكيد الخفيفة، أولِ أنْتَ، إذاً: فعل أمر مبني على الفتح لاتِّصاله بنون التوكيد الخفيفة، والفاعل ضمير مستتر وجوباً تقديره أنْتَ، (أَوْلِيَنْهَا) الضمير يعود على الأدوات الخمس، (أَوْلِ) يَتعدَّى إلى مفعولين: المفعول الأول الهاء المتصل .. الضمير (أَوْلِيَنْهَا).
الْفِعْلاَ) بالنَّصب الألف هذه للإطلاق، مفعولٌ ثاني لـ: (أَوْلِ) إذاً: (أَوْلِ) يَتعدَّى إلى مفعولين.
(وَبِهِمَا التَّحْضِيضَ مِزْ) بِهِمَا يعني: بـ: (لَوْلاَ وَلَوْمَا) ويشارك (لَوْلاَ وَلَوْمَا) في التحضيض غيرها، وهو: (هَلاَّ) و (أَلاَّ) و (أَلاَ)، عطفها بإسقاط حرف العطف.
(وَأَوْلِيَنْهَا الْفِعْلاَ) أي: هذه الأدوات الخمس، أي: اجعلها داخلةً على الفعل، أو اجعل الفعل تابعاً لها، وإذا جعل الفعل تابعاً لها .. تالياً لها، حِينئذٍ لا يتلوها الاسم، وهذا أراد به التخصيص، والمراد بالفعل هنا ليس مطلق الفعل، إنَّما أراد به الفعل الخبري، احترازاً من الفعل الطَّلبِي فلا يتلوها البتَّة.
والمراد بالفعل أيضاً الخبري، أي: المضارع أو ما في تأويله، نحو: ((لَوْلا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ)) [النمل:46] هذا تحضيض، ((لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ)) [الفرقان:21] .. ((لَوْ مَا تَأْتِينَا بِالْمَلائِكَةِ)) [الحجر:7] كل هذا تحضيض، (لَوْ مَا تَأْتِينَا) .. (تَأْتِينَا) هذا فعل جاء بعد (لَوْمَا) وهي للتحضيض.
هلَّا تُسْلِم، أو: ألَّا تُسْلِم، وإذا جعلنا (أَلاَ) كذلك: ألا تُسْلِم فتدخل الجنة .. ((أَلا تُقَاتِلُونَ قَوْماً نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ)) [التوبة:13] نقول: هذه كلها تدلُّ على أنَّ الفعل هو الذي يتلو هذه الحروف، وأمَّا ما عدى الفعل فحِينئذٍ لا يكون تابعاً لها.
وَبِهِمَا التَّحْضِيضَ مِزْ وَهَلاَّ ... أَلاَّ. . . . . . . . . . . . . . . . . .

يعني: وألَّا، (أَلاَ) يعني: وألاَ، (وَأَوْلِيَنْهَا) يعني: أولِ هذه الأدوات الخمس (الْفِعْلاَ) اجعله تابعاً لها.


أشار في هذا البيت للاستعمال الثاني لـ: (لَوْلاَ وَلَوْمَا) وهو الدَّلالة على التحضيض، ويَختصَّان حِينئذٍ بالفعل ولا يجوز أن تدخل على الاسم: لولا ضربتَ زيداً .. لوما قتلت بكراً، فإن قَصدْتَ بهما التوبيخ كان الفعل ماضياً، وإن قَصدْتَ بهما الحثَّ على الفعل كان مستقبلاً بِمنزلة فعل الأمر، كقوله تعالى: ((فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا)) [التوبة:122] أي: لينفر.
وبقيَّة أدوات التَّحضيض حكمها كذلك، فتقول: هلَّا ضربتَ زيدٌ .. ألَّا فعلت كذا، و (أَلاَ) مُخفَّفة كـ: (أَلاَّ) مُشدَّدة، يعني: جعلها ابن عقيل هنا للتَّحضيض، لكن يُحمل كلامه على ما في (شرح الكافيَّة) لأنَّه أشهر، أمَّا القول بأنَّ (أَلاَ) مُخفَّفة للتحضيض قِلَّة من ذكر ذلك.
إذاً: (وَبِهِمَا التَّحْضِيضَ مِزْ) .. (مِزْ) هذا ما إعرابه، فعل مضارع، أو فعل أمر، أو ماضي؟ فعل أمر، أصله: ماز .. يَميز، يعني: أنَّ (لَوْلاَ وَلَوْمَا) يُميَّز بهما التَّحضيض، أي: يدلان عليه: ((لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ)) [الفرقان:21] .. ((لَوْ مَا تَأْتِينَا بِالْمَلائِكَةِ)) [الحجر:7].
وَقَدْ يَلِيهَا اسْمٌ بِفِعْلٍ مُضْمَرِ ... عُلِّقَ أَوْ بِظَاهِرٍ مُؤَخَّرِ

من يشرح البيت؟ (وَأَوْلِيَنْهَا الْفِعْلاَ) واضح هذا.
هذا البيت شرح لقوله: (وَأَوْلِيَنْهَا الْفِعْلاَ) من يشرح؟
؟؟؟ إن اشترطنا أنْ الأداة لا تدخل إلا على الفعل حِينئذٍ إذا جاء ما ظاهره أنَّها دخلت على الاسم، ماذا نصنع؟ نُقدِّر له فعل: ((وَإِنْ أَحَدٌ)) [التوبة:6] جاءت (أَحَدٌ) بعد (إنْ) ماذا نصنع؟ نقول: لا، (إنْ) هنا لم تدخل على الاسم وإنَّما دخلت على فعلٍ مُضمَر.
(وَقَدْ يَلِيهَا) (قَدْ) للتَّقليل، (يَلِيهَا) أي: يلي هذه الأدوات (اسْمٌ) يلي اسمٌ هذه الأدوات، فالهاء هنا ضمير مُتَّصل مبني على السكون (يَلِيهَا) في مَحلِّ نصب مفعول به، يلي الاسم هذه الأدوات .. قد يلي الاسم هذه الأدوات، نحن نقول: (وَأَوْلِيَنْهَا الْفِعْلاَ) وهذا تخصيص، يعني: لا يليها إلا الفعل.
(وَقَدْ) للتَّقليل، (يَلِيهَا) الاسمُ، (بِفِعْلٍ مُضْمَرٍ عُلِّقَ) إذاً: إذا تلاها الاسم مباشرة علِّقه بفعلٍ مضمر، يعني: بفعلٍ محذوف: هلَّا زيداً تضربه، نقول: (زيداً) هنا تلا (هَلاَّ) والنَّاظِم يقول: (وَأَوْلِيَنْهَا الْفِعْلاَ) ماذا نصنع؟ نقول: (هَلاَّ) هنا لم تدخل على زيد، وإنَّما دخلت على فعلٍ محذوف يُفسِّره المذكور: هلَّا تضرب زيداً تضربه .. هلَّا تضرب زيداً، إذاً: (تضرب زيداً) هو الذي دخلت عليه (هَلاَّ) حِينئذٍ واجب الحذف لكونه من باب الاشتغال.
(بِفِعْلٍ مُضْمَرٍ عُلِّقَ) الذي هو الاسم، (عُلِّقَ) هذا فعل ماضي مُغيَّر الصِّيغة، ونائب الفاعل ضمير مستتر يعود على الاسم، والجملة صفة لـ: (اسْمٌ) اسمٌ عُلِّق (بِفِعْلٍ) هذا مُتعلِّق بقوله: (عُلِّقَ) (مُضْمَرٍ) نعت لـ: (فِعْلٍ) يعني: محذوف، ابن مالك يُعبِّر بالإضمار عن الحذف، وإنْ كان هذا غير المشهور.


(أَوْ بِظَاهِرٍ مُؤَخَّرِ) هلَّا زيداً ضَرَبتَ؟ بدون هاء، حِينئذٍ نقول: (زيداً) هذا مُعلَّق بفعلٍ مؤخَّر، أصل التركيب: هلَّا ضَرَبتَ زيداً؟ حِينئذٍ قُدِّم المفعول به فتلا: (هَلاَّ) وفي الحقيقة ليس هو تالياً، وإنَّما هو في اللفظ، والذي تلاها هو الفعل: هلَّا زيداً ضَرَبتَ؟ (ضربت) هذا فعل وفاعل، و (زيداً) مفعولٌ به مُتقدِّم.
وَقَدْ يَلِيهَا اسْمٌ بِفِعْلٍ مُضْمَرِ ... عُلِّقَ. . . . . . . . . . . . . .

(عُلِّقَ) قلنا: هذا صفةٌ لـ: (اسْمٌ)، (أَوْ) للتَّنويع، (بِظَاهِرٍ) هذا معطوف على قوله: (بِفِعْلٍ) عُلِّق بفعل، أو: عُلِّق بظاهر، جار ومجرور معطوف على (بِفِعْلٍ)، لا نقول: مُتعلِّق، وإنَّما نقول: معطوف على (بِفِعْلٍ).
(بِظَاهِرٍ) أي: بفعلٍ ظاهرٍ، (ظَاهِرٍ) هذا نعت لموصوفٍ محذوف، أي: بفعلٍ ظاهرٍ، (مُؤَخَّرٍ) هذا نعت لـ: (ظَاهِرٍ): هلَّا زيداً تضربُ.
قال الشَّارح هنا: قد سبق أن أدوات التَّحضيض تَختصُّ بالفعل فلا تدخل على الاسم، وذكر في هذا البيت أنَّه قد يقع الاسم بعدها، ويكون معمولاً لفعلٍ مضمر، أو لفعل مؤخَّر عن الاسم .. لفعل مضمر محذوف، إذا لم يُمكن أن نَجعل هذا الاسم مُتعلِّقاً بالمذكور، حِينئذٍ نجعل له محذوفاً لا بُدَّ من هذا، وإذا أمكن تَعلِيقه بالموجود، حِينئذٍ نقول: هو معمولٌ للمذكور:
هَلاَ التَّقَدُّمُ وَالقُلُوبُ صِحَاحُ ..
هلا وجد التقدُّم.
ومثله قوله:
تَعُدُّون عَقْرَ النِّيبِ أفْضَل مَجْدِكُمْ ... بَنِي ضَوْضَرَى لَوْلاَ الْكمِيَّ المقَنْعَا

(الْكمِيَّ) مفعولٌ بفعلٍ محذوف، التقدير: لولا تعدون الكَمِيَّ.
والثاني كقولك: لولا زيداً ضَرَبتَ، (زيداً) مفعول (ضربت)، إذاً: الأصل في هذه الأدوات كلها الخمسة: ألا يليها إلا الفعل، حِينئذٍ إذا تلاها غير الفعل وهو الاسم تَعيَّن أنْ يُقدَّر له محذوف إنْ لم يُمكن أن يُجعل المذكور مُتعلِّقاً به ذلك الاسم.
(هَلاَّ) قيل: مركبة من (هلْ) و (لا) النافيَّة، و (أَلاَّ) يجوز أنْ تكون (هَلاَّ) فأبدِل من الهاء همزة .. (أَلاَّ) قيل: هي فرعٌ عن (هَلاَّ) أبْدِلت الهاء همزةً فقيل: (أَلاَّ)، وقيل: الأجوَّد أنَّ أدوات التَّحضيض كلها مفردة – بسيطة يعني – وقيل: مركبة، فـ: (هَلاَّ) مركبة من (هلْ) و (لا) النافيَّة، و (لَولاَ وَلَوْمَا) من (لوْ) وحرف النفي، (لوْ) هذا الأصل، فزيدت عليها (لا) النافيَّة، و (لوْ) وزِيدت عليها (ما) النافيَّة.
(أَلاَّ) بالتشديد من (أنْ) و (لا) هكذا قيل، قلبت النون لاماً وأدغمت، وقيل: أصلها (هَلاَّ).
و (أَلاَ) المخفَّفة بسيطةٌ في التحضيض، وقيل: مركبة، وأمَّا التي للعَرْض و (أَلاَ) الاستفتاحيَّة فبسيطة، العَرْض: (أَلاَ) والاستفتاحيَّة هذه يتفقان في اللفظ، وأمَّا في مدخولها فيختلفان: ((أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ)) [يونس:62] نقول: هنا دخلت على الجملة الاسْميَّة، لكن التي للعَرْض؟ لا، لا تدخل إلا على الفعل.


ترد هذه الأدوات للتَّوبيخ والتنديم، فتختصُّ بالماضي أو ما في تأويله ظاهراً أو مضمراً: ((لَوْلا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ)) [النور:13] (لَوْلا جَاءُوا) هذه نقول: للتَّوبيخ والتنديم، ((فَلَوْلا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا)) [الأحقاف:28] للتنديم كذلك والتوبيخ.
وقد يقع بعد حرف التَّحضيض مبتدأ وخبر، وهذا مخالفٌ للأصل: (وَأَوْلِيَنْهَا الْفِعْلاَ) إذا وقع بعدها مبتدأ وخبر، قلنا: الأصل عدم دخول هذه الأدوات على الجملة الاسْميَّة، لو دخلت على الاسم المفرد قلنا: هذا مُتعلِّق بِمحذوف أو بالمتأخِّر، وأمَّا إذا دخلت على مبتدأ وخبر هنا مُشْكِلة! كيف نصنع؟ قال: نُقدِّر (كان) الشَّأنيَّة بعدها. فيُقدَّر المضمر (كان) الشَّأنيَّة على الأصل: (وَأَوْلِيَنْهَا الْفِعْلاَ) من أجل تعميم هذا الأصل، كقوله:
فَهَلاَّ نَفْسُ لَيْلَى شَفِيعُهَا ..
برفع (شَفِيعُهَا) .. فَهَلاَّ نَفْسُ لَيْلَى (نَفْسُ) مبتدأ وهو مضاف، و (لَيْلَى) مضاف إليه، و (شَفِيعُهَا) هذا خبر المبتدأ، أي: فهلَّا كان نفس ليلى شفيعها؟ نقول: هنا قَدَّرنا (كان) الشَّأنيَّة، ما معنى (كان) الشَّأنيَّة؟ هلاَّ كانه نفس ليلى شفيعها، إذاً: اسم (كان) محذوف، وهنا لم ننصب (شَفيعَها) لو كان (شَفيعَها) قلنا: (كان) ناقصة محذوفة وإنَّما رُفع، فإذا رُفِع حِينئذٍ نقول: لا يمكن أن يكون (شَفيعَها) خبراً لـ: (كان) فيتعين أنْ نَجعل اسم (كان) ضمير الشَّأن وهو محذوف واجب الحذف، والجملة الاسْميَّة المذكورة في مَحلِّ نصب خبر (كان).

ثُم قال رحمه الله: (الإِخْبَارُ بِالَّذِي وَالأَلِفِ وَاللاَّمِ).

هذا الباب ليس من باب النَّحو في شيء لا من قريب ولا من بعيد، وإنَّما هو بابٌ وضعه النُّحاة .. موضوع، ولذلك لا يذكر في المختصرات وإنَّما يذكر في المطولات، وله خلاصة وزبدة وله توسُّع وتكلُّف، خلاصته ما ذكره النَّاظم هنا والشَّارح، ولذلك ذَكَر الأشْمُوني أنَّه طويل الذَّيل، يعني: له فروع كثيرة جداً، لأنَّه يَتعلَّق بالنَّحو كله من أوله إلى آخره.
عند الصَّرفيين باب يُسمَّى باب التَّمرينات، يعني: تتعلم القواعد في آخر باب الصرف .. (الشافيَّة) وغيرها: باب التمارين، يأتيك يقول لك: ائت بهذه اللفظة على وزن كذا، حِينئذٍ تأتي تُمطط الكلمة .. ما سُمِعت! تمططها من أجل أنْ تأتي على هذا الوزن، ثُم تَمر عليك عِلل وإعلالات، وإبدالات وحذف إلى آخره، وقلب الهمزة واو، والواو همزة، كلها تأتي بها، وهذا لا يكون إلا لمن استحضر القواعد، حِينئذٍ يَتعلَّم مُمارسة القواعد على هذا الباب، هذا مثله:
(بَابُ: الإِخْبَارُ بِالَّذِي وَالأَلِفِ وَاللاَّمِ) يعني: الموصولة، إنَّما وضعه النُّحاة لامتحان الطَّالب وتدريبه، يعني: من أجل أن يُطبِّق القواعد، لأنَّه يدخل في باب المبتدأ والخبر، وفي باب النواسخ، والفاعل، والاشتغال، والتمييز، والحال .. جميع الأبواب السابقة، داخلة هنا .. الأحكام كلها داخلة هنا، تتعلَّم أصل المسألة ثُم تطبِّق فيما يأتيك.


هذا الباب وضعه النَّحويون لامتحان الطالب وتدريبه كما وضعوا باب التمرين في التَّصرِيف لذلك، ولذلك يقول: ائت مثلاً: (قرأ) على وزن (سَفَرْجَل) .. تأتي بالزيادات، (قرأ) ثلاثة أحرف، و (سَفَرْجَل) خماسية، كيف تأتي هذه على وزن هذه؟! أو (قرأ) على وزن (جَعْفَر).
على كلٍ: المراد به التطبيق، وإذا طَبَّقْت أنْت وفَهِمْت القواعد ما تحتاج إلى هذا الباب، لو طبقت القواعد في كل موضع أعربت وكذا .. ما تحتاج إلى هذا الباب، لأنَّ فيه تكلُّف.
(الإِخْبَارُ بِالَّذِي وَالأَلِفِ وَاللاَّمِ) .. (الإِخْبَارُ بِالَّذِي) هذا أول امتحان، ظاهره أن يكون (الَّذِي) خبر .. أنْ تُخبِر بِـ: (الَّذِي) ولذلك قال: (مَا قِيلَ أَخْبِرْ عَنْهُ بِالَّذِيْ) أخبر عن زيد من قولك: ضربت زيداً بـ "الذي"؟ ظاهره: تجعل (الَّذِي) خبراً عن المبتدأ، وتجعل (زيد) مبتدأ.
أخبر عن (زيد) من قولك: ضربت زيداً، أخبر عنه بِـ: (الَّذِي) كأنك تجعل (زيد) مبتدأ وتأتي بِـ: (الَّذِي) فتجعله خبراً عنه، لا، المراد العكس: أن تجعل (الَّذِي) مبتدأ، وتُخبر عنه بالاسم المسئول عنه: ضربت زيداً .. أخبر بـ "الذي" عن زيد حِينئذٍ نقول: قوله (بِالَّذِي) الباء هنا بِمعنى: (عن) ليصح التركيب، لأنَّهم ما أرادوا هذا الذي هو الظَّاهر، إنَّما أرادوا أنْ يُجعل (الَّذِي) مبتدأ، والاسم المسئول عنه خبراً.
الذي ضربته زيدٌ، حِينئذٍ جعلت (الَّذِي) مبتدأ، وجعلت الاسم الذي طُلِب منك أنْ تُخبِر عنه بـ: (الَّذِي) جعلته خبراً، إذاً: القضية عكسية ابتداءً من أول الأمر.
(الإِخْبَارُ بِالَّذِي) الباء في قوله: (بِالَّذِي) باء السَّببيَّة لا باء التَّعدِية، لأنَّك إذا جعلتها باء التَّعدِية يكون المعنى: أنَّ (الَّذِي) به يكون الإخبار وليس كذلك .. لفظ (الَّذِي) هو الذي يكون به الإخبار .. يكون خبراً، وليس هذا كذلك .. ليس هذا المراد، المراد أن تجعل (الَّذِي) مبتدأً، كأنه قال: أخْبِر عن الذي، الإخبار عن الذي هذا واضح، فالباء بِمعنى: (عن) وبعضهم يقول: أنَّها للسَّببيَّة كما ذهب إليه الصَّبَّان.
ورجح هنا ابن عقيل أن الباء في (الَّذِي) بِمعنى: (عن) فكأنه قيل: أخْبِر عن الذي وهذا واضح، بل الإخبار يكون عن الذي بغيره، ثُم إنَّ الإخبار يكون بـ: (الَّذِي) وفروعه (التي) و (اللذان) و (الذين) ويكون كذلك بالألف واللام.
حاصل هذا الباب أنْ يُقال لك: كيف تُخبِر عن زيد من قولك: ضربت زيداً، أو: زيدٌ مُنطلقٌ، بـ: (الَّذِي) أخبر عن زيد بـ: (الَّذِي) من قولك: زيدٌ منطلق، ماذا تصنع؟ عندنا أربعة أمور، نأخذها أولاً ثُم نأتي إلى النَّظم.
إذا قيل لك: كيف تُخبِر عن (زيدٍ) من قولنا: زيدٌ منطلق بـ: (الَّذِي) فاعْمَد إلى ذلك الكلام فاعمل فيه أربعة أعمال .. أربعة وظائف:
الأول: أن تبتدئه بِموصولٍ مطابقٍ للاسم المسئول عنه وهو زيد مُفرد ومُذَكَر، (الَّذِي) .. تأتي بـ: (الَّذِي) تجعله مبتدأ.
ثانياً: أنْ تُؤخِّر (زيداً) إلى آخر التركيب.


الثالث: أنْ ترفعه على أنه خبرٌ لـ: (الَّذِي)، قد يكون مرفوعاً في الأصل مثل: زيدٌ مُنطلقٌ، وقد يكون منصوباً مثل: ضربت زيداً، أو مجروراً: مررت بزيدٍ، قد يكون هذا وذاك، ترفعه على أنَّه خبر.
الرابع: أن تجعل في مكانه الذي نقلته عنه ضميراً مُطابقاً له في معناه وإعرابه، حِينئذٍ إذا قلت: زيدٌ منطلقٌ، أخْبِر عن (زيد) بـ: (الَّذِي)، ماذا تقول؟ تقول: الذي .. تَجعله مبتدأ، تبدأ بـ: (الَّذِي)، ثُم تأتي بـ: (زيد) المسئول تجعله في آخر التركيب، (زيدٌ) ترفعه على أنَّه خبر.
إذاً: (الذي) مبتدأ، و (زيدٌ) خبرٌ عنه، ما هي الجملة التي أخذت منها لفظ (زيد)؟ زيدٌ مُنطلقٌ، أنْتَ أخذت (زيد) الآن، صار: منطلقٌ، ضع مكان (زيد) ضمير مناسب لـ: (زيد) هو منطلقٌ، إذاً صارت النتيجة: الذي هو منطلقٌ زيدٌ، فـ: (زيدٌ) المسئول عنه صار خبراً، وهو في الأصل مبتدأ، و (الذي) الذي طُلِب السؤال به أن يُخبَر به صار مبتدأً، والجملة نفسها التي أُخِذ منها زيد وسِّطَت بين اللفظين: (الذي) والخبر، ووضعتَ مكان (زيد) الذي أخذته وجعلته خبراً وضعت مكانه ضميراً مطابقاً له في المعنى والإعراب، فقلت: الذي هو منطلقٌ زيدٌ.
ضربت زيداً، أخْبِر عن (زيد) بـ: (الَّذِي) تقول: الذي زيدٌ .. ضربتُ زيداً، حذفت (زيد) ضع مكانه ضمير: ضربته، صارت النتيجة: الذي ضربته زيدٌ، هذا ما يُسمَّى: (بَابُ: الإِخْبَارُ بِالَّذِي).
قال هنا:
مَا قِيلَ أَخْبِرْ عَنْهُ بِالَّذِيْ خَبَرْ ... عَنِ الَّذِي مُبْتَدَأً قَبْلُ اسْتَقَرّْ

(مَا قِيلَ أَخْبِرْ عَنْهُ بِالَّذِيْ) (مَا) مبتدأ، اسم موصول واقع على المخْبَر به عن (الَّذِيْ) .. عن الاسم الذي سئل عنه، لو قلت: أخْبِر عن زيد، من قولك: ضربت زيداً، هذا المراد بـ: (مَا) هنا: مررت بزيدٍ .. مررت زيداً التاء، هو المراد بـ: (مَا) هنا، يعني: اسمٌ موصول واقعٌ على المخبر به عن (الَّذِيْ) الذي جعلته خبراً وأخَذْتَه من الجملة الأصليَّة.
(مَا قِيلَ) (قِيلَ) هذا صلة الموصول، (أَخْبِرْ عَنْهُ بِالَّذِيْ) هذا سؤالٌ محكي، تفصيله: (أَخْبِرْ) هذا فعل أمر، (عَنْهُ) جار ومجرور مُتعلِّق بقوله: (أَخْبِرْ)، (بِالَّذِيْ) كذلك مُتعلِّق بـ: (أَخْبِرْ)، أين صلة الموصول؟ المراد هنا قُصِد لفظه: (أَخْبِرْ عَنْهُ بِالَّذِيْ) كلمة: (الَّذِيْ) قُصِد لفظه، حِينئذٍ لا صلة له .. ليس له جملة.
(أَخْبِرْ عَنْهُ بِالَّذِيْ) (بِالَّذِيْ) هذا مُتعلِّق بقوله: (أَخْبِرْ)، (خَبَرْ) خبر (مَا) .. ما اسمٌ قيل لك أخبر عنه بـ: (الَّذِيْ) خبرٌ، ذلك الاسم تَجعله خبراً: ضربت زيداً .. زيداً أخبر عنه بـ: (الَّذِيْ) خبرٌ، تجعل (زيداً) المنصوب مفعولاً به خبراً، (مَا) اسمٌ موصولٌ يقع عن الاسم المسئول عنه، لو قلت لك: زيداً، من: ضربت زيداً، أخبر عن (زيداً)، نقول: زيداً قيل أخبر عنه بالذي خبر، يعني: تجعله خبراً، فالاسم المسئول عنه بأن يُخبر عنه بالذي .. تَجعله خبراً.


(عَنِ الَّذِي مُبْتَدَأً قَبْلُ اسْتَقَرْ) (عَنِ الَّذِي) عن لفظ (الَّذِي) قُصِد لفظه، (مُبْتَدَأً) حال كونه مبتدأً (قَبْلُ) أولاً (اسْتَقَرْ) يعني: تجعله أولاً مبتدأ، وتخبر عنه بالاسم الذي طُلِب منك أن تخبر عنه بـ: (الَّذِيْ).
إذاً عندنا لفظان: لفظ (الَّذِيْ) والاسم الذي قيل لك أخبر عنه بـ: (الَّذِيْ).
تجعل لفظ (الَّذِيْ) مبتدأً وهو الذي عناه بقوله: (عَنِ الَّذِي مُبْتَدَأً) حال كونه مبتدأً، يعني: أعربته مبتدأ، (قَبْلُ) يعني: قبل ذكر الاسم ذاك، (اسْتَقَرْ) ثَبَت أنَّه مبتدأ، ولذلك قال: (مَا قِيلَ أَخْبِرْ عَنْهُ بِالَّذِيْ خَبَرْ) يعني: تجعله خبراً، و (الَّذِيْ) تجعله مبتدأً، (عَنِ الَّذِي) هذا مُتعلِّق بقوله: (خَبَرْ) خبرٌ عن الذي، وهذا الخبر هنا مُؤخَّرٌ وجوباً، يجب تأخيره ولا يجوز تقديمه.
(عَنِ الَّذِي) هذا مُتعلِّق بقوله: (خَبَرْ)، (مُبْتَدَأً) بالنَّصب، هذا حال من الضمير المستتر في (اسْتَقَرْ) حال كونه مبتدأً قبل، يعني: قبل الخبر، مُتعلِّق بقوله: (اسْتَقَرّْ).
تقدير البيت: ما قيل لك أخبر عنه بهذا اللفظ، أعني: (الَّذِيْ) هو خبرٌ عن لفظ الذي في حال كونه مستقراً قبلُ مبتدأ.
(وَمَا سِوَاهُمَا) ما سوى (الَّذِيْ) والاسم المسئول عنه، ما سواهما بعد أنْ تأخذه من الجملة، قال: (وَسِّطْهُ) يعني: اجعله وسطاً بين (الَّذِيْ) وبين الخبر، (وَسِّطْهُ)، (صِلَهْ) لأي شيء؟ للاسم الموصول، لأنك جعلت الاسم الموصول مبتدأً، حِينئذٍ لا بُدَّ له من صِلَة .. لا بُدَّ له من جملة صلة الموصول، الذي أخذْتَ منه .. الاسم الذي جعلته خبر تجعله جملة: ضربت زيداً .. الذي ضربت.
(وَمَا سِوَاهُمَا) أي: سوى المبتدأ والخبر (الَّذِيْ) والاسم، (فَوَسِّطْهُ) بينهما حال كونه (صِلَهْ) لـ: (الَّذِيْ).
(عَائِدُهَا خَلَفُ مُعْطِيْ التَّكْمِلَهْ) (عَائِدُهَا) هذا ضمير الموصول، يعني: إذا جعلت الجملة تلك صلة الموصول، حِينئذٍ لا بُدَّ من ضميرٍ يعود على الموصول، ما هو الضمير؟ الضمير هو الذي جعلته خلفاً عن الاسم الذي أخَذْتَه، أما نقول: ضربت زيداً، تأخذ (زيد) وتجعله خبر، وتأتي بـ: (الَّذِيْ) تجعله مبتدأ، ضربتُ .. الذي ضربت زيدٌ، قلنا: عَوِّض مكان (زيد) ضمير يعود على (الَّذِيْ) فصار خلفاً عن الاسم الظَّاهر، حِينئذٍ صار هذا الضمير هو العائد على الاسم الموصول فصَحَّت الجملة، لأنَّه لو لم يكن عندنا ضمير ما صَحَّ أن تكون (ضربتُ) صلة الموصول، لأنَّه لا بُدَّ من عائدٍ عَلَى ضَمِيرٍ لاَئِقٍ مُشْتَمِلَهْ.
حِينئذٍ الضمير الذي جئت به خلفاً عن ذلك الاسم الظَّاهر هو الذي يكون عائد، ولذلك قال: (عَائِدُهَا) يعني: عائد الصِّلَة .. الضَّمير الذي اشتملت عليه الصِّلة (خَلَفُ مُعْطِيْ التَّكْمِلَهْ) اسم فاعل مضاف إلى المفعول، (مُعْطِيْ التَّكْمِلَهْ) وهو الخبر، يعني: الضمير الذي جعلته خلفاً عن الذي جعلته خبراً، هو الذي يكون عائداً على الموصول، نَحْوُ الَّذِيْ ضَرَبْتُهُ زَيْدٌ، هذه النتيجة، (الَّذِيْ) مبتدأ، (ضَرَبْتُهُ) فعل وفاعل ومفعول به لا مَحلَّ لها صلة الموصول، (زَيدٌ) هذا خبر.


إذا فهمت هذا التركيب تفهم السؤال، (الَّذِيْ ضَرَبْتُهُ زَيْدٌ) (الَّذِيْ) اسم موصول مبتدأ (ضَرَبْتُهُ) فعل وفاعل ومفعول صلة الموصول لا مَحلَّ لها من الإعراب، (زَيدٌ) هذا خبر، ما أصل التركيب هذا؟ التركيب فرع ليس بأصل، الأصل: ضربت زيداً، المسئول عنه أنْ تُخبِر عنه بـ: (الَّذِيْ) زيداً، وهو مفعولٌ به، ماذا صنعت؟ جئت بـ: (الَّذِيْ) جعلته مبتدأ، ثُم زيداً، المنصوب جعلته خبراً (زيدٌ)، ثُم الجملة التي أخذت منها زيد جئت بها ووسَّطَّها بين (الَّذِيْ) وبين الاسم المرفوع، وجعلت بدلاً عن الاسم الذي أخَذْتَه ضميراً يعود على الاسم الموصول فصَحَّ التركيب.
في المفرد لا إشكال، المشكلة في التَّثنية هناك!
(الَّذِيْ ضَرَبْتُهُ زَيْدٌ فَذَا) التركيب السَّابق (ضَرَبْتُ زَيْدَاً كَانَ) قبل ذلك التركيب الفرعي، (فَادْرِ الْمَأَخَذَا) فاعلم المأخذ، حِينئذٍ جعله قياساً، نبَّه به على أنْ تقيس على هذا العمل غيره في هذا المثال.
إذاً قوله: (فَادْرِ الْمَأَخَذَا) (فَادْرِ) هذا فعل أمر، و (الْمَأَخَذَا) يعني: مَحلَّ الأخذ، كيف أخذنا: (الَّذِيْ ضَرَبْتُهُ زَيْدٌ) من قولك: (ضَرَبْتُ زَيْدَاً)، إذا عرفت المأخذ حِينئذٍ عرفت العِلَّة فتقيس عليها ما عداها، فتقول في الإخبار عن التاء من قولك: ضربت زيداً، عرفنا إذا أرَدْت أن تُخبِر عن زيد: أخْبِر عن زيد بـ: (الَّذِيْ) الذي ذكره النَّاظِم.
طيب! أخْبِر عن التاء .. ضربت زيداً، أخْبِر عن التاء، فتقول: الذي ضرب زيداً أنا، إذا أخْبَرت عن التاء تأخذ التاء وتجعلها خبراً، التاء ضمير مُتَّصل لا يُمكن أن يكون خبراً، لأنَّ الخبر لا يكون إلا ضميراً منفصلاً، حِينئذٍ الذي أنا، انفصل التاء فصار (أنا) طيب! ضرب زيداً حَذَفْت التاء، وجد ضمير يعود على الاسم الموصول، لأنَّ: ضَرَبْتُ، خُذْ التاء وأعمل (ضَرَبَ) في ضميرٍ، حِينئذٍ ينوب الضمير المستتر عن البارز، فتوسِّط هذه الجملة بين (الَّذِيْ) وبين (أنا): الذي ضرب زيداً أنا، وجد ضمير يعود على (الَّذِيْ).
إذاً: (الَّذِيْ) هذا مبتدأ، و (ضرب زيداً) فعل وفاعل ومفعول، الفاعل من أين جاء؟ لم يكن (ضربت) الفاعل ضمير مستتر، و (ضَرَبْتُ) الفاعل ضمير بارز وأخذناه .. جعلناه خبراً، إذاً: جَرَّدْنا الفعل عن الضمير البارز، ووضعنا مكانه ضميراً مستتراً، فقيل: الذي ضرب زيداً هو .. ضرب هو زيداً أنا.
إذاً إذا قيل: (أَخْبِرْ) عن التاء من قولك: ضربت زيداً، تقول: الذي ضرب زيداً أنا.
وفُهِم من إطلاقه (فَادْرِ الْمَأَخَذَا): أنَّ الإخبار بالذي يكون في الجملة الفعليَّة كما مُثِّل، ويكون في الجملة الاسْميَّة، فلو قيل: أخبر عن زيد من قولك: زيدٌ أبوك .. أخبر عن زيد بـ: (الَّذِيْ) زيدٌ أبوك: الذي زيدٌ، أخَذْتَ (زيد)، ضع مكانه ضميراً مناسب له (هو): الذي هو أبوك زيدٌ.
أخبر عن (أبوك) من قولك: زيدٌ أبوك، الذي زيدٌ هو أبوك.


زيدٌ أبوك، أخبر عن الخبر، تجعل الخبر خبراً كما هو مَحلُّه لا إشكال، فتأخذ الخبر من الجملة الأصليَّة فتضع مكانه ضمير: الذي زيدٌ هو أبوك، هذا التركيب، تأخذ الاسم المسئول عنه، ما هو؟ زيدٌ أبوك، أخَذْتَ (أبوك) ضعها خبر، (الَّذِيْ) ثُم: زيدٌ أبوك، أخَذْتَ (أبوك) ضع مكانه ضمير: الذي زيدٌ هو أبوك.
أخبر عن (زيد) من قولك: زيدٌ أبوك، قلت: الذي هو أبوك زيدٌ، أو عن أبيك، قلت: الذي زيدٌ هو أبوك، (أبوك) أخذته من الخبر وجعلته خبراً، لا إشكال فيه، إن سئل عن شيءٍ هو خبر واضح أنَّه يكون خبراً كما هو.
إذاً:
مَا قِيلَ أَخْبِرْ عَنْهُ بِالَّذِيْ خَبَرْ ... عَنِ الَّذِي مُبْتَدَأً قَبْلُ اسْتَقَرْ

(مَا قِيلَ) اسمٌ سواءٌ كان مرفوعاً، مثل: أبوك زيدٌ .. زيدٌ أبوك، أو منصوباً: ضربت زيداً، (زيداً) هذا الذي يدخل معنا، أو مجروراً: مررت بزيدٍ، (مَا) اسمٌ (قِيلَ أَخْبِرْ عَنْهُ بِالَّذِيْ خَبَرْ) الاسم عينُه يُجعل خبراً، اسمٌ من قولك: ضربت زيداً، الاسم المنصوب، أو مرفوع: زيدٌ أبوك الأول أو الثاني، أو مجرور: مررت بزيدٍ، اسمٌ (مَا) هنا يقع على الاسم الذي قيل لك أخبر عنه بـ: (الَّذِيْ) (خَبَرٌ) تجعله خبراً، عن أي شيء؟ عن (الَّذِيْ) انظر في النَّظم، فتجعل (الَّذِيْ) مبتدأً، وتجعل الاسم الذي سئلت عنه أن تُخبِر عنه بـ: (الَّذِيْ) تجعله خبراً، (مُبْتَدَأً) هذا حال من (الَّذِي) الذي حال كونه مبتدأً، (قَبْلُ اسْتَقَرْ) استقرَّ قبل الاسم الذي جعلته خبراً.
(وَمَا سِوَاهُمَا) سوى (الَّذِيْ) والمسئول عنه، يعني: سوى المبتدأ والخبر (فَوَسِّطْهُ) الفاء واقعة في جواب (مَا)، (فَوَسِّطْهُ) يعني: اجعله واسطة، على أي شيء؟ (صِلَهْ) وسِّطه صِلَةً للموصول، لأن التركيب هذا باب الإخبار بـ: (الَّذِيْ) كل مبتدأ يكون هو (الَّذِيْ) أو (التي) أو (اللذين) أو (الذين) إذاً: لا بُدَّ له من صلة، فالجملة التي أخذت منها المسئول عنه تجعله صلةً للموصول.
(عَائِدُهَا) عائد الصِّلة، لا بُدَّ من عائدٍ، (عَائِدُهَا) مبتدأ، (خَلَفُ مُعْطِيْ التَّكْمِلَهْ) ما هو معطي التَّكْمِلة؟ الخبر الذي جعلته مُكمِّلاً للإسناد، (الَّذِيْ) هذا مبتدأ، أين خبره؟ الاسم المسئول عنه الذي سُئِلت أن تُخبِر عنه بـ: (الَّذِيْ) هو مُعطي التَّكْمِلة في الإسناد للمبتدأ، خلفه ضمير، لا تأخذ الاسم هكذا وتترك الجملة وحدها، لا، تَخلُفُه ضمير .. تُعوِّضه بضمير، هذا الضمير إذا أخذت الجملة وجعلتها صِلَة الموصول هو العائد، فحِينئذٍ يُطابق الموصول إن كان مُذكَّراً ذَكَّرته، وإن كان مؤنَّثاً مفرداً أنَّثته، وإن كان مثنَّىً أو جمعاً ثنَّيته أو جمعته، لماذا؟
لأنَّك لَمَّا أخذْتَ الاسم عوَّضْتَ ضميراً يعود على الاسم الموصول، فلا بُدَّ أن يكون مطابقاً له، (عَائِدُهَا خَلَفُ مُعْطِيْ التَّكْمِلَهْ).
(عَائِدُهَا) قلنا: هذا مبتدأ، و (خَلَفُ) هذا خبر، (خَلَفُ) مضاف، و (مُعْطِيْ) مضاف إليه، اسم فاعل مضاف إلى المفعول، (التَّكْمِلَهْ) يعني: تكملة الجملة.


(وَمَا سِوَاهُمَا) يعني: والذي، هذا مبتدأ وهي اسمٌ موصول تقع على ما سوى (الَّذِيْ) والاسم المُخبَر به، وهو باقي الجملة، ويجوز أن تكون (مَا) مفعول به بفعلٍ مضمر يُفسِّره (فَوَسِّطْهُ)، لأنه قال: (فَوَسِّطْهُ) .. (مَا فَوَسِّطْهُ) وسِّط ما، يعني: على أنَّها مفعول به يجوز هذا بل هو أحسن.
(نَحْوُ الَّذِيْ) نحو قولك: (الَّذِيْ ضَرَبْتُهُ زَيْدٌ فَذَا) هذا التركيب السَّابق: (الَّذِيْ ضَرَبْتُهُ زَيْدٌ) ضَرَبْتُ زَيْدَاً كَانَ في الأصل، فقيل لك: أخبر عن زيداً بـ: (الَّذِيْ)، قلت: (الَّذِيْ ضَرَبْتُهُ زَيْدٌ) انظر! قال: (مَا قِيلَ أَخْبِرْ عَنْهُ بِالَّذِيْ خَبَرْ) أخذت زيداً فجعلته خبراً، (عَنِ الَّذِي مُبْتَدَأً) جعلت (الَّذِيْ) مبتدأً.
(وَمَا سِوَاهُمَا) المبتدأ والخبر (فَوَسِّطْهُ) .. (عَائِدُهَا خَلَفُ مُعْطِيْ التَّكْمِلَهْ): (ضَرَبْتُهُ).
قال الشَّارح: " فإذا قيل لك: أخْبِر عن اسمٍ من الأسماء " انظر! قال: عن اسمٍ من الأسماء، هو ليس كل اسمٍ سيأتي شروط، "فإذا قيل لك: أخبر عن اسمٍ من الأسماء بـ: (الَّذِيْ) يعني: بلفظ (الَّذِيْ)، فظاهر هذا السؤال: أخْبِر عنه بـ: (الَّذِيْ) ظاهره أنك تَجعل (الَّذِيْ) خبراً عن ذلك الاسم، لكن الأمر ليس كذلك، بل المجعول خبراً هو ذلك الاسم المسئول عنه، والمخبر عنه إنَّما هو (الَّذِيْ) كأنَّه قال لك: اجعل الذي مبتدأً، وأخبر عنه بالاسم الذي سئلت عنه.
والمخبر عنه إنَّما هو (الَّذِيْ) كما ستعرفه، فقيل: إن الباء في (بِالَّذِيْ) بمعنى: (عن) فكأنَّه قيل: أخبر عن (الَّذِيْ)، لو صرَّحوا به لكان أجوَد، أخْبِر عن الاسم بـ: (الَّذِيْ) يعني: عن (الَّذِيْ) أخْبِر بهذا الاسم عن (الَّذِيْ)، ولذلك يُسمِّيه بعضهم: باب السَّبْكِ، لأنَّه يُسْبَك كلامٌ من كلامٍ آخر.
والمقصود: أنَّه إذا قيل لك ذلك فجيء بـ: (الَّذِيْ) واجعله مبتدأ .. لفظ (الَّذِيْ) اجعله مبتدأ، واجعل ذلك الاسم خبراً عن (الَّذِيْ) وخذ الجملة التي كان فيها ذلك الاسم فوسِّطْها بين (الَّذِيْ) وبين خبره وهو ذلك الاسم، واجعل الجملة صِلَة (الَّذِيْ) لا بُدَّ من هذا، واجعل العائد على (الَّذِيْ) الموصول ضميراً تَجعله عِوضاً عن ذلك الاسم الذي صَيَّرته خبراً.
فإذا قيل لك: أخبر عن (زيد) من قولك: ضربت زيداً، فتقول: الذي ضربته زيد، مثال النَّاظم فـ: (الذي) مبتدأ، و (زيدٌ) خبره، و (ضربته) صلة (الذي) والهاء في (ضربته) خلفٌ عن (زيد) الذي جعلته خبراً، وهي عائدةٌ على (الذي).
وَبِاللَّذَيْنِ وَالَّذِينَ وَالَّتِي ... أَخْبِرْ مُرَاعِيَاً وِفَاقَ الْمُثْبَتِ

القول هو القول، لكن يبقى الضمير الذي يراعى هناك في التذكير والإفراد هنا يكون تأنيثاً، إذا كان (الَّتِي) أو يكون مثنًّى، أو جمعاً.


(وَبِاللَّذَيْنَ) هذا جار ومجرور مُتعلِّق بقوله: (أَخْبِرْ) (وَالَّذِينَ وَالَّتِي) معطوفٌ عليه، ولذلك النَّاظم هنا قال: (الإِخْبَارُ بِالَّذِي) ثُم تَبَرَّع بذكر (اللَّذَيْنِ وَالَّذِينَ وَالَّتِي) والمشهور عند النُّحاة أنهم يقولون: (الإخْبَار بِالَّذِي وَفُرُوعِهِ) إذا كان كذلك حِينئذٍ وفَّى بالتَّرجَمة، لأنَّه ترجم لشيءٍ واحد وزاد، يسمى تَبَرُّع، حِينئذٍ لَمَّا لم يقل: (بِالَّذِي وَفُرُوعِهِ) نقول: تَبَرَّع النَّاظِم، يعني: زادنا.
(وَبِاللَّذَيْنِ) هذا قلنا: مُتعلِّق بقوله: (أَخْبِرْ)، (وَالَّذِينَ وَالَّتِي) معطوفٌ على الأول، (أَخْبِرْ) أنت (مُرَاعِياً) في الضمير، هذا حال من الضمير المستتر في (أَخْبِرْ) أخبر حال كونك (مُرَاعِياً) في الضمير (وِفَاقَ الْمُثْبَتِ)، (مُرَاعِياً وِفَاقَ) يعني: موافقة (الْمُثْبَتِ) يعني: القواعد التي سبقت في باب الاسم الموصول، عَلَى ضَمِيرٍ لاَئِقٍ مُشْتَمِلَهْ.
فحِينئذٍ نقول: (وِفَاقَ) هذا مفعولٌ لـ: (مُرَاعِياً) .. (مُرَاعِياً) هذا اسم فاعل، (الْمُثْبَتِ) أي: المخبر عنه في المعنى، يعني: أنَّ المخبَر عنه إذا كان مثنَّىً أو مجموعاً، أو مؤنَّثاً جيء بالموصول مُطابقاً له، لأنَّه خبرٌ عنه: ضربت الزَّيْدين، أخبر عن (الزَّيْدَيْن) اللذان ضربتهما الزيدان، ضربت الزَّيْدِيِن، أخر عن (الزَّيْدِيِن) الذين ضربتهم الزَّيْدُوُن، ضربت هنداً .. التي ضربتها هندٌ.
أي: إذا كان الاسم الذي قيل لك أخْبِر عنه مثنىً فجئ بالموصول مثنىً كـ: (اللَّذَيْنِ) وإن كان مجموعاً فجيء به كذلك كـ: (الَّذِينَ)، وإن كان مؤنَّثاً فجيء به كذلك كـ: (الَّتي) والحاصل: أنَّه لا بُدَّ من مطابقة الموصول للاسم المخْبَر عنه به، لأنَّه خبرٌ عنه، ولا بُدَّ من مطابقة الخبر للمخْبَر عنه، إن مفرداً فمفرد، وإن مثنَّىً فمثنَّىً، لأنَّه يقول لك: أخْبِر بـ: (الَّذِيْ) عند الزَّيْدَيْن، تغلط تقول: الذي الزيدان .. لا! حِينئذٍ لا بُدَّ من المطابقة، وإذا حذفت الضمير حِينئذٍ لا بُدَّ أن يكون مطابقاً للاسم الموصول.
إن مفرداً فمفرد، وإن مثنَّىً فمثنَّىً، وإن مجموعاً فمجموع، وإن مُذكَّراً فمُذكَّر، وإن مؤنَّثاً فمؤنَّث، فإذا قيل لك: أخبر عن الزَّيْدَين من: ضربت الزَّيْدَين، قلت: اللذان ضربتهما الزيدان، وإذا قيل أخبر عن الزَّيْدِين من: ضربت الزَّيْدِين، قلت: الذين ضربتهم الزَّيْدُون، فإذا قيل: أخبر عن هندٍ من: ضربت هنداً، قلت: التي ضربتها هندٌ.
ابن عقيل هذا شرح عصري، يعني: بدل من الكتب التي تؤلَّف الآن يُجعل مكانها ابن عقيل أجْوَد.
قَبُولُ تَأْخِيْرٍ وَتَعْرِيفٍ لِمَا ... أُخْبِرَ عَنْهُ هَا هُنَا قَدْ حُتِمَا
كَذَا الْغِنَى عَنْهُ بِأَجْنَبِيٍّ اوْ ... بِمُضْمَرٍ شَرْطٌ فَرَاعِ مَا رَعَوْا

يعني: لَمَّا بَيَّن كيفية الإخبار شرع في شروطه، يعني: هل كل اسمٍ يُقال فيه: (أَخْبِرْ عَنْهُ بِالَّذِيْ)؟ الجواب: لا، لا بُدَّ من استيفاء شروط ذكر منها النَّاظِم أربعة، وفي الحقيقة هي ثلاثة، لا بُدَّ من استيفائها، فإن لم تكن كذلك لا يجوز أنْ يُقال: (أَخْبِرْ عَنْهُ بِالَّذِيْ).


قال: (قَبُولُ تَأْخِيْرٍ) (قَبُولُ) هذا مبتدأ، وهو مضاف و (تَأْخيْرٍ) مضاف إليه، (وَتَعْرِيفٍ) هذا معطوف على (تَأْخِيْر)، (لِمَا أُخْبِرَ عَنْهُ) (لِمَا) هذا مُتعلِّق بقوله: (حُتِمَا)، (قَدْ حُتِمَا) هذا خبر المبتدأ، (قَبُولُ) مبتدأ، (قَدْ حُتِمَا) .. (قَدْ) للتحقيق هنا، (حُتِمَا) هو، والألف للإطلاق، الجملة خبر.
(لِمَا) مُتعلِّق بقوله: (حُتِمَا)، (أُخْبِرَ عَنْهُ) .. (عَنْهُ) نائب فاعل، والجملة صِلَة الموصول لا مَحلَّ لها من الإعراب (لِمَا أُخْبِرَ عَنْهُ)، (هَا هُنَا) يعني: في هذا المَحل: (بَابُ الإِخْبَار بِالَّذِي وفُرُوعِهِ) مُتعلِّق بـ: (حُتِمَا).
(كَذَا الْغِنَى عَنْهُ) .. (كَذَا) هذا شرطٌ.
. . الْغِنَى عَنْهُ بِأَجْنَبِيٍّ اوْ ... بِمُضْمَرٍ شَرْطٌ. . . . . . . . .

(الْغِنَى) مبتدأ، و (شَرْطٌ) خبره، و (كَذَا) مُتعلِّق بـ: (شَرْطٌ) شرطٌ كذا، أي: مثل الذي سبق من الشُّروط في كونه مُتحتِّم، لأنَّه أخبر عن قبول التأخير والتَّعريف بأنَّه حُتِم فدلَّ على أنَّه واجب، فإذا كان كذلك فهو شرطٌ، ثُم فَصل الكلام قال:
كَذَا الْغِنَى عَنْهُ بِأَجْنَبِيٍّ اوْ ... بِمُضْمَرٍ شَرْطٌ. . . . . . . . .

هذا معنى الوجوب أو التَّحتُّم الذي ذكره أولاً.
إذاً: (كَذَا) هذا متعلق بقوله: (شَرْطٌ) الذي هو خبر، و (ذَا) اسم إشارة أراد بها الشَّرطين السَّابقين، قَبُولُ تَأْخِيْرٍ وَتَعْرِيفٍ.
(الْغِنَى عَنْهُ) (عَنْهُ) مُتعلِّق بـ: (الْغِنَى)، مصدر وهو مبتدأ، (بِأَجْنَبِيٍّ) مُتعلِّق بـ: (الْغِنَى)، (أَوْ) بِمعنى الواو، (بِمُضْمَرٍ) ما إعراب (بِمُضْمَرٍ)؟ (بِأَجْنَبِيٍّ اوْ بِمُضْمَرٍ) لا تقل: مُتعلِّق كما ذكرناه سابقاً (بِظَاهِرٍ)، يكون معطوفاً، الجار والمجرور قد لا يكون مُتعلِّقاً فتنظر إلى السِّياق.
هنا قال: (أَوْ بِمُضْمَرٍ) معطوف على قوله: (بِأَجْنَبِيٍّ).
(فَرَاعِ مَا رَعَوْا) راعي ما رعوه، (مَا) اسم موصول مفعولٌ به، (رَعَوْا) رعوه.
إذاً: يُشترط فيما ذكره النَّاظم أربعة شروط:
- الأول: (قَبُولُ تَأْخِيْرٍ) يعني: هذا الاسم الذي قيل لك: أخْبِر عنه، يقبل التَّأخير .. أنْ يكون قابلاً للتَّأخير احترازاً مِمَّا له صدر الكلام، لأنَّك لو سئلت عن (أيِّهم) كما مثَّل بعضهم، (أيُّهم) من قولك: أيُّهم في الدار؟ أخبر عن (أيهم) بـ: (الَّذِيْ) ستأخذ: (أيُّ) تجعلها ماذا .. هل يجوز هذا؟ ما يجوز، لأنَّ (أيّ) لها صدر الكلام.
إذاً: ليس كل اسمٍ يسأل عنه أخبر عنه بـ: (الَّذِيْ) يجوز، حِينئذٍ لا بُدَّ أن يكون قابلاً للتأخير، لأنك ستجعله خبراً مُتأخِّراً، إذاً: (مَا) التَّعجُبيَّة، و (كم) الاستفهاميَّة، و (كم) الخبريَّة، وأسماء الشَّرط، وأسماء الاستفهام، كل ما قيل فيه: إنَّه له صدر الكلام لا يَصِح دخوله في هذا الباب.
وهذا فيه معنى التمرين، لأنَّه يقول لك: أخبر عن (أيهم) نقول: لا .. ما يجوز، (أيُّ) هذا سبق في باب الاستفهام أنَّه له حق الصَّدارة فلا يجوز تأخيره.


إذاً: أن يكون قابلاً للتأخير فلا يُخبر عَمَّا يلزم التقديم، وهو ما له صدر الكلام كأسْماء الشَّرط والاستفهام نحو: (من) و (مَا) و (كم) الخبريَّة، و (مَا) التَّعجبيَّة، وضمير الشأن، فلا يُخبر عن (أيهم) من قولك: أيهم في الدار، لأنَّك تقول: الذي هو الدار أيهم، وهذا باطل، فتزيل الاستفهام عن صدريَّتِه.
إذً: قَبُولُ تَأْخِيْرٍ أن يكون هذا الاسم قابلاً للتأخير، فإن لم يقبل التأخير فيما إذا كان له صدر الكلام لا يجوز الإخبار عنه بـ: (الَّذِيْ).
- (وَتَعْرِيفٍ): أن يكون قابلاً للتَّعريف، وهذا احترز به عن واجب التنكير، وهو الحال والتمييز، لأنَّك لو قلت في: جاء زيدٌ ضاحكاً، أخبر عن (ضاحكاً) بـ: (الَّذِيْ) الذي جاء زيدٌ إياه ضاحكٌ، لأنَّك ستأتي بضمير يَحلُّ مَحلَّ الاسم الذي جعلته خبراً، يَحلُّ مَحلَّه .. مثله، هل يَصِح أن يكون الضمير حالاً؟ إذا قلت: جاء الذي .. الذي جاء إياه .. الذي جاء زيدٌ إياه ضاحكٌ، أخذت (ضاحك) فجعلته خبراً، لا بُدَّ أن تَخلُفه بضمير يكون مَحلَّه، حِينئذٍ جعلت (إياه) حالاً وهو ضمير.
حِينئذٍ لا يَجوز أن يكون الضمير حالاً لأن الحال لا يكون إلا نكرة، والضمير لا يكون إلا معرفة، إذاً: مُمتنع، لذلك قال: (قَبُولُ تَأْخيْرٍ وَقَبُولُ تَعْرِيفٍ) فما كان لا يقبل التعريف لا يجوز، لأنَّك ستجعل الضمير قائماً مقام الاسم المسئول عنه .. مثله .. يعرب إعرابه: جاء زيدٌ ضاحكاً .. الذي جاء زيدٌ إياه ضاحكٌ، نقول: جعلت الضمير هنا حالاً وهذا لا يجوز، لأنَّه لا يقبل التعريف.
إذاً: الشَّرط الثاني أن يكون قابلاً للتعريف، فلا يُخبر عَمَّا يلزم التنكير كالحال والتمييز، لأنَّك لو قلت في (جاء زيدٌ ضاحكاً): الذي جاء زيدٌ إياه ضاحكٌ، لكنت قد نَصبْت الضمير على الحال وذلك ممتنع، لأنَّ الحال واجب التنكير، لأنَّك ستُخلِف هذا الموضع الاسم المسئول عنه بضميرٍ يُعرب أعرابه، فإذا قلت: الذي جاء زيدٌ إياه، (إياه) حال، كيف يكون (إياه) حال؟ هذا ضمير لا يصح أن يعرب حالاً، لأنَّ الحال واجب التنكير.
قَبُولُ تَأْخيْرٍ وَتَعْرِيفٍ لِمَا ... أُخْبِرَ عَنْهُ. . . . . . . . . . .

يعني: للذي أخبر عنه .. الاسم الذي أُخْبِر عنه، (هَا هُنَا) في هذا الموضع (قَدْ حُتِمَا) الألف للإطلاق، يعني: تَعيَّن.
- (كَذَا الْغِنَى عَنْهُ بِأَجْنَبِيٍّ) هذا الشَّرط الثالث: أن يكون صالحاً للاستغناء عنه بأجنبي، فلا يُخبَر عن الضمير الرَّابط للجملة الواقعة خبراً، يعني: هل يصِح أنْ تَحذف الضمير وتأتي باسمٍ أجنبي كـ: بكر، وعمرو، وزيد، أم لا؟ إنْ صَحَّ حِينئذٍ صَحَّ وإلا فلا.


أن يكون صالحاً للاستغناء عنه بأجنبي فلا يُخبَر عَمَّا يقع به الرَّبط في الجمل كـ: جملة المبتدأ، وجملة الخبر، وجملة النعت، وجملة الحال، تقول: الضمير يقع رابطاً بين الجملتين، كذلك اسم الإشارة، اسم الإشارة لا يُستغنى عنه باسمٍ ظاهر، والضمير لا يستغنى عنه باسمٍ ظاهر، لو قلت: زيدٌ قام أبوه، أو: زيدٌ هو قائمٌ، جملة: (هو قائمٌ) خبر، ما الرَّابط؟ هو، هل يَصِح أن يَحُل مَحل (هو) عمرو أو بكر، قلت: زيدٌ عمروٌ قائمٌ، ويَصِح الرَّبط؟ لا، إذاً: لا يَصِح أن يَحلَّ محل هذا الضمير أو هذا الاسم ما هو أجنبي، فإذا كان كذلك حِينئذٍ لا يَصِح الإخبار عنه.
أن يكون صالحاً للاستغناء عنه بأجنبي، فلا يُخبَر عَمَّا يقع به الرَّبط، وشَمِل الضمير نَحو: زيدٌ ضربته، واسم الإشارة نحو: زيدٌ ضربت ذلك، (ذلك) لا يُخبَر عنه، لأنَّه لا يَحُل مَحلَّه اسمٌ ظاهر، فلا يُستغنى عنه بأجنبي، كذلك: زيدٌ ضربته، الهاء هنا لا يصح الإخبار عنه، لأنَّه رابط.
إذاً: كل ضميرٍ رابطٍ بين جملة المبتدأ والخبر لا يصح الإخبار عنه، سواء كان ضميراً أو اسم إشارة، نَحو: زيدٌ ضربت ذلك، فلا يَجوز الإخبار عن واحدٍ منهما، لأنَّك لو أخبرت عنه للزم أن تضع ضميراً في موضعه يَخلُفه على القاعدة السابقة المُتقدِّمة، وهو قد كان يربط الخبر بالمبتدأ، ثُم زِدْتَ الموصول وهو أيضاً يلزم أنْ يعود عليه ضميرٌ من الصِّلة، وليس في الكلام عندنا إلا ضمير واحد.
عندنا رابط بين جملة المبتدأ والخبر، وعندنا ضمير نحتاجه يرجع إلى الصِّلة، أنْتَ أخْلَفْتَ الاسم الظَّاهر ضميراً واحداً، هذا الضمير تنازعه شيئان: إمَّا أنْ يكون عائداً رابطاً للمبتدأ .. خبراً للمبتدأ، وإمَّا أن يكون الضمير عائداً للصِّلة، إمَّا هذا أو ذاك هو واحد، إنْ جعلته للمبتدأ .. عائداً على المبتدأ حِينئذٍ تَخلَّت الصِّلة عن ضمير يعود الموصول وهذا مُمتنع، وإنْ جعلت الضمير عائداً على الاسم الموصول حِينئذٍ خَلَت الجملة الخبرية من ضميرٍ يعود على المبتدأ.
إذاً: وليس في الكلام غير ضميرٍ واحدٍ وهو المَجْعُول خَلَفْ المُخْبَر عنه، فإن أعَدْتَه على المبتدأ أبقي الموصول بلا ضمير، وإن أعدته على الموصول بقي المبتدأ يلا ضمير فامتنع الإخبار، يعني لو قيل لك: أخْبِر عن الضمير: الذي زيدٌ ضربته هو، (زيدٌ ضربته) أخبر عن الضمير، تقول: الذي زيدٌ ضربته هو، لأنَّ الضمير انفصل: زيدٌ ضربته، أخبر عن الضمير، انفصل .. صار (هو) جعلته مُتأخِّراً وجئت بـ: (الَّذِيْ) مبتدأ .. الذي هو، (هو) من أين جاء هذا؟ الضمير المتَّصِل (ضربته) تأخذ الجملة توسِّطها بين (الَّذِيْ) والخبر: الذي ضربته هو، (الذي) مبتدأ، و (هو) خبر.
طيب! الذي زيدٌ ضربته، أخْلَفت الضمير الذي أخذته ضمير مَحلَّه، حِينئذٍ (ضربته) هذا الضمير إمَّا أنْ يعود إلى (زيد) وهو المبتدأ لأنَّ الجملة خَبَريَّة هنا، وإمَّا أن يعود إلى الاسم الموصول وهو واحد، إنْ أعَدْتَه إلى (زيد) امتنع أن يكون للموصول، إنْ أعَدْتَه للموصول امتنع أن يكون لـ: (زيد) حِينئذٍ امتنع في هذا التركيب إذا كان الاسم المسئول عنه رابطاً بين الجملتين: زيدٌ ضربته .. الذي زيدٌ ضربته هو.


(ضربته) الضمير هنا إمَّا أن يعود على (زيد) فحِينئذٍ خَلَت الصِّلَة عن الضمير، وإمَّا أن يعود على (الَّذِيْ) وحِينئذٍ (ضربته) هذه جملة خبَريَّة، أين العائد على (زيد)؟ لا يوجد، هو واحد لا يُمكن أن يعود على شيئين مختلفين، فلذلك امتنع.
(كَذَا الْغِنَى عَنْهُ بِأَجْنَبِيٍّ) إذاً: عرفنا أن يكون صالحاً للاستغناء عنه بأجنبي، (أَوْ بِمُضْمَرٍ) أن يكون صالحاً للاستغناء عنه بضمير، قيل: هذا الشَّرط مغنٍ عن اشتراط الثاني: تعريفٍ بِمضمرٍ، هذا شرطٌ في الحقيقة واحد، ولذلك في: (شرح الكافيَّة) قال: " زِدْتُه لزيادة الإيضاح " لبيان فقط، لو ترك هذا الشَّرط لعُلِم من الشَّرط الرابع: (تَعْرِيْفٍ)، ولو ترك: (بِمُضْمَرٍ) لعُلِم من الشَّرط الثاني، كلٌ منهما مؤداه واحد.
وهذا الشَّرط مغنٍ عن اشتراط الثاني، لأنَّ ما لا يقبل التعريف لا يقبل الإضمار، لأنَّه في الأول اشترط التعريف، والرابع هنا اشترط الإضمار .. يجوز إضماره، وما لا يقبل التعريف لا يقبل الإضمار.
أن يكون صالحاً للاستغناء عنه (بِمُضْمَرٍ) فلا يُخبَر عن الموصوف دون صفته، إذا كان عندنا موصوف وصفته لا بِخبر عن واحد منهما دون الآخر، ولا عن المضاف دون المضاف إليه، لأنَّ ذلك كله لا يُستغنى عنه بِمضمرٍ، وكذلك لا يُخبَر عن الاسم المُجرَّد المجرور بـ: (حتى)، أو بـ: (مُذ)، أو (منذ)، لأنَّ هذه ملازمة للظاهر، وأنْتَ ستضع مَحلَّه ضمير، فكيف تدخل (مُذْ) على الضمير، أو (حتى) على الضمير؟ نقول: هذه مُختصَّة بِجر الاسم الظاهر.
ويُشترط في الاسم الذي يخبر عنه بـ: (الَّذِيْ) أن يَحلَّ مَحلَّه ضمير هذه القاعدة، لا يجوز أن تأخذه إلا أوقعت مكانه ضمير، إذاً: ما لا يَجُر الضمير لا يمكن تُوقِع مَحلَّه الضمير فامتنع. لأنَّهنَّ لا يَجررنَّ إلا الظاهر، والإخبار يستدعي إقامة ضمير مقام المخبر عنه كما تَقدَّم.
فلا تخبر عن رجل وحده من قولك: ضربت رجلاً ظريفاً، أخبر عن (رجلاً) بـ: (الَّذِيْ) تقول: لا يَصِح، لأنَّ (رجلاً) هنا الموصوف، حِينئذٍ لا بُدَّ إمَّا أن يُقال: أخبر عن رجلاً ظريفاً معاً أو لا، أمَّا (رجلاً) لوحده، أو (ظريف) لوحده فلا.
فلا تقول: الذي ضربته ظريفاً رجلٌ، هذا فاسد، لأنَّك لو أخبرت عنه لوضعت مكانه ضميراً، وحِينئذٍ يلزم وصف الضمير: الذي ضربته ظريفاً رجلٌ، (ظريفاً) ما إعرابه؟ ضربت رجلاً ظريفاً، (ظريفاً) هذا نعت لـ: (رجل) أنْتَ أخَذْتَ (رجل) ووضعت مكانه ضمير، إذاً: (ظريفاً) صار نعتاً للضمير والضمير لا يُنْعَت، إذاً: لا يصح.
ضربت رجلاً ظريفاً، فلا تقول: الذي ضربته ظريفاً رجلٌ، (ضربته) الضمير هنا وضعته موضع (رجل)، و (ظريفاً) بقي على حاله، و (رجلٌُ) رفعته على أنَّه خبر، إذاً: الإعراب يصير هكذا: (ضربته) فعل وفاعل ومفعولٌ به، و (ظريفاً) نعتٌ للمفعول به الذي هو الضمير، وهذا فاسد لأنَّ الضمير لا يُنْعت، لأنَّك لو أخبرت عنه لوضعت مكانه ضميراً، وحِينئذٍ يلزم وصف الضمير، والضمير لا يوصف ولا يوصف به، فلو أخبرت عن الموصوف مع صفته جاز ذلك لانتفاء هذا المحذور.


الذي ضربته رجلٌ ظريفٌ، لا إشكال فيه، يعني: أخبر عن رجلاً ظريفاً بـ: (الَّذِيْ) تقول: الذي ضربته رجلٌ ظريف، لا إشكال صار (ظريف) على الأصل أنَّه نعت لـ: (رجل).
وكذلك لا تُخبِر عن المضاف وحده، فلا تخبر عن (غلام) وحده من قولك: ضربت غلام زيدٍ، لأنَّك تضع مكانه ضمير، والضمير لا يكون مضافاً، فلو أخبرت عنه مع المضاف إليه معاً حِينئذٍ جاز لانتفاء المانع، فتقول: الذي ضربته غلام زيدٍ.
إذاً: هذه أربعة شروط لا بُدَّ من توفُّرِها في الاسم الذي يُقال: (أَخْبِرْ عَنْهُ بِالَّذِيْ):
- الأول: (قَبُولُ تَأْخِيْرٍ) أن يكون قابلاً للتَّأخير، احترز به عن ما له صدر الكلام.
- (وَتَعْرِيفٍ) احترز به عن لازم التَّنْكِير، وهو الحال والتمييز.
- (كَذَا الْغِنَى عَنْهُ بِأَجْنَبِيٍّ) يستغنى عنه بأجنبي، يعني: بلفظٍ منفصل، احترز به عن الرَّابط في جملة الخبر، وعن اسم الإشارة، في هذين الموضعين.
- (أَوْ بِمُضْمَرٍ) قلنا: هذا هو عين السَّابق .. التعريف.
(الْغِنَى عَنْهُ بِأَجْنَبِيٍّ أَوْ) (أَوْ) قلنا: بمعنى الواو، لأنَّ هنا الشُّروط، (شَرْطٌ) هذا خبر، (فَرَاعِ مَا رَعَوْا) تتميم، هذه أربعة شروط.
الخامس يُزاد عليه: جواز وروده في الإثبات، يعني: ألا يلزم النَّفي، مرَّ معنا مراراً: (أحدٌ) و (ديَّار) و (عِرِّيب) هذه كلَّها ملازمة للنَّفي، حِينئذٍ لا يُقال: ما في الدار أحدٌ، أخبر عن (أحدٍ) بـ: (الَّذِيْ) الذي في الدار هو أحدٌ، ما يَصِح هذا! لأنَّك جعلته في سياق الإثبات .. في الإيجاب، وهو لا يكون إلا نفياً.
إذاً الخامس: جواز وروده في الإثبات، فلا يُخبر عن (أحدٍ) ونحوه من نحو: ما جاءني أحدٌ، لأنَّه لو قيل: الذي جاءني أحدٌ، (أحدٌ) صار في سياق الإثبات وهذا مُمتنع، لزم وقوع (أحد) في الإيجاب، هذا الخامس: جواز وروده في الإثبات.
السادس: كونه في جملةٍ خبريَّة، فلا يُخبر عن الاسم في مثل: اضرب زيداً، (اضرب زيداً) أخبر عن (زيد) لماذا؟ هنا نقول: لا بُدَّ أن يكون في جملة خبريَّة لا طلبيَّة، لا يَصِح أن تقول: اضرب زيداً .. أخبر عن (زيداً) بـ: (الَّذِيْ) لا يصح .. لا تكون طلبيةً .. هو هذا التبرير .. هذا المقصود.
(اضرب) توسِّطه بين (الَّذِيْ) والخبر، إذاً: سيكون جملة الصِّلة ولا تكون جملة طلبيَّة.
كونه في جملة خبريَّة، فلا يُخبر عن الاسم في مثل: اضرب زيداً، لأن الطَّلب لا يقع صلةً.
السابع: ألا يكون في إحدى جملتين مستقلتين، (زيدٌ) من نحو: قام زيدٌ وقعد عمروٌ، يعني: جملتين لا، وإنَّما جملة واحدة، وإلا يلزم بعد الإخبار عطف ما ليس صِلةً على الذي استقرَّ أنَّه صِلَة بغير الفاء، فإن كانتا غير مستقلتين بأن كانتا في حكم الجملة الواحدة كجملتي الشَّرط والجزاء جاز الإخبار لانتفاء المحذور.


فتقول في الإخبار عن (زيد) من نحو: إن قام زيدٌ قام عمروٌ، إن كان جملة واحدة جاز، أمَّا جملتين مستقلتين لا: إن قام زيدٌ قام عمروٌ، أخبر عن (زيد) بـ: (الَّذِيْ) تقول: الذي إنْ قام قام عمروٌ زيدٌ، جعلت (زيد) مُتأخِّر، وعن (عمروٍ) تقول: الذي إن قام زيدٌ قام عمروٌ، لأنَّه لا بُدَّ من أنْ يُجعل التركيب هنا جملة شرطيَّة على الأصل، ولذلك لا بُدَّ أنْ يُصدَّر بـ: (إنْ).
إذاً: ألا يكون في إحدى جملتين مستقلتين، يعني: كلٌ منهما معطوف على الآخر، فإن كان جملة واحدة كجملة الشَّرط جاز.
الثامن: جواز استعماله مرفوعاً، فلا يُخبَر عن لازم النَّصب كالمصادر والظروف التي تلازم النَّصب: (سُبحان) لا يُقال: أخبر عن (سُبحان) بـ: (الَّذِيْ)، لأنَّك ستجعله خبراً فستخرجه عمَّا استقرَّ له في لسان العرب.
(عِنْدَ) لا يُقال: أخبر عن (عِنْدَ) بـ: (الَّذِيْ)، قلنا: هذا لا يصح لأنَّ (عِنْدَ) ملازمة للنَّصب.
وَأَخْبَرُوا هُنَا بِأَلْ عَنْ بَعْضِ مَا ... يَكُونُ فِيْهِ الْفِعْلُ قَدْ تقَدَّمَا
إِنْ صَحَّ صَوْغُ صِلَةٍ مِنْهُ لأَلْ ... كَصَوْغِ وَاقٍ مِنْ وَقَى اللهُ الْبَطَلْ

هذا النوع الثاني، لأنَّه قال: (الإِخْبَارُ بِالَّذِي وَالأَلِفِ وَاللاَّمِ) يعني: يُخبر بـ: (أل) الموصولة، لأنَّ المراد (أل) الموصولة، نحن نبحث الآن في: (الإِخْبَارُ بِالَّذِي وَالأَلِفِ وَاللاَّمِ) الموصولة .. نُقيِّدُها!
(وَأَخْبَرُوا) من؟ النُّحاة هنا، ويَحتمل أنَّهم العرب، لأنَّهم لا يَخرجون عن التراكيب: الذي ضربته زيدٌ، هذا تركيب عربي .. ليس فيه إشكال، مبتدأ وخبر، وجملة الصِّلَة، لأنَّ الكلام لا يشترط فيه الآحاد أنْ يكون مسموعاً، أنْ يكون مقيساً، وهذا كلام مقيس، الذي ضربته زيدٌ هذا كلام مقيس، إذاً: يَحتمل، وإن كان الظَّاهر المراد به النُّحاة.
(وَأَخْبَرُوا) أي: النُّحاة، (هُنَا) ظرف مُتعلِّق بقوله: (أَخْبَرُوا)، (بِأَلْ) أخْبِر عن (زيد) بـ: (أَلْ) ليس بـ: (الَّذِيْ) وإنَّما بـ: (أَلْ) فتجعل (أَلْ) هي المبتدأ.
(وَأَخْبَرُوا هُنَا بِأَلْ) الموصولة:
. . . . . . . عَنْ بَعْضِ مَا ... يَكُونُ فِيْهِ الْفِعْلُ قَدْ تقَدَّمَا

يعني أنَّ الإخبار يكون بـ: (أَلْ) كما يكون بـ: (الَّذِيْ)، لكن قيَّده النَّاظِم هنا: (عَنْ بَعْضِ) يعني: عن مسئولٍ هو جزء في الكلام، يعني: به (زيد) مثلاً، ضربت زيداً .. أخبر عن (زيد) بـ: (أَلْ).
. . . . . . . عَنْ بَعْضِ مَا ... يَكُونُ فِيْهِ الْفِعْلُ. . . . . .

إذاً: هذا تقييد، الذي يُسأل عنه بأن يُخبر عنه بـ: (أَلْ) لا بُدَّ أنْ يكون جملة فعليَّة، بخلاف (الَّذِيْ) فلا يُشترط فيه، فعمَّم هناك بأنَّه يُسأل عن الاسم لو كان في جملةٍ فعليَّة أو جملة اسْميَّة فهو عام، وأمَّا هنا هذا مِمَّا خالفت فيه (أَلْ) (الَّذِيْ) وفروعه.
حِينئذٍ يُشترط في المسئول عنه أخبر عنه بـ (أَلْ): أن يكون في جملة فعليَّة.
(عَنْ بَعْضِ) يعني: جزءٍ من الكلام، (بَعْضِ مَا) .. (مَا) واقعة على الأسماء المشتملة عليها الجملة، (يَكُونُ فِيْهِ الْفِعْلُ) في ذلك التركيب (قَدْ تقَدَّمَا) هذا شرطٌ ثاني:
- كونه مُتقدِّماً، فلو تأخَّر لَم يَجُز.


- (إِنْ صَحَّ صَوْغُ صِلَةٍ مِنْهُ لأَلْ) هذا شرطٌ ثالث.
إذاً: يشترط في (أَلْ) في صِحَّة الإخبار بها عن الاسم المسئول عنه بعشرة شروط: السبعة المتقدِّمة أو الثمان - زدنا ثامناً - وهذه الثلاثة التي معنا:
الأول: أن يكون المخبر عنه من جملة فعليَّة، احترازاً عن الجملة الاسْميَّة، وهذا أشار إليه بقوله:
. . . . . . . عَنْ بَعْضِ مَا ... يَكُونُ فِيْهِ الْفِعْلُ. . . . . .

أشار إلى أنَّ الجملة لا بُدَّ أن تكون فعليَّة.
ثانياً: أن يكون فعلها مُتقدِّماً بقوله: (قَدْ تقَدَّمَا).
الثالث: أن يكون فعلها مُتصرِّفاً لا جامداً، لأنَّه قال: (إِنْ صَحَّ صَوْغُ صِلَةٍ مِنْهُ) لأنَّ (أَلْ) سبق معنا: أنَّ صلتها يكون مشتقاً، إذاً: الفعل الذي تَصدَّر لا بُدَّ أن يكون مِمَّا يشتق منه اسم فاعل واسم مفعول، إذا كان جامداً كيف نأتي بصلة: (أَلْ)؟! إذاً: هذا مُمتنع، إذاً: ثلاثة شروط على السبعة أو الثمانية السابقة، تصير عشرة أو أحد عشر شرطاً:
- أنْ يكون المُخبَر عنه من جملة فعليَّة.
- وأن يكون فعلها مُتصرِّفاً.
- وأن يكون مُتقدِّماً.
فلا يُخبَر بـ: (أَلْ) عن (زيد) من قولك: زيدٌ أخوك، لو قال لك: أخبر عن (زيد) بـ: (أَلْ) تقول: ما يصح لأنَّ الجملة هنا (زيد) في جملة اسْميَّة، كيف أشتق اسم فاعل اسم مفعول والجملة ليس فيها فعل؟! إذاً: يِمتنع، لأنَّ (أَلْ) لا بُدَّ أنْ يتلوها صفةٌ:
وَصِفَةٌ صَرِيحَةٌ صِلَةُ أَلْ ..
تُطبِّق هذه القاعدة، فإذا كانت الجملة الاسْميَّة مشتملة على الاسم المسئول عنه امتنع.
ولا من قولك: عسى زيدٌ أن يقوم، أخبر عن (زيد)، نقول: هذا مُمتنع، لأنَّ (عسى) جامد، كيف نقول: العاسي؟! ما يصح هذا! كذلك: نعم زيدٌ أن يقوم، ولا من قولك: ما زال زيدٌ عالماً، المنفي كذلك لا يُشتَق وهنا تَقدَّم عليه، (ما زال) لَم يَتصدَّر، لا بُدَّ أن يكون مُتصدِّراً في أول الجملة. ما زال زيدٌ عالماً لتقدمه، ويُخبِر عن كلٍّ من الفاعل والمفعول في نَحو قولك: (وَقَى اللهُّ الْبَطَلْ) الذي ذكره النَّاظم.
إذاً: (وَأَخْبَرُوا) أي: النُّحاة، ويَحتمل العرب، (هُنَا) هذا ظرف مكان مُتعلِّق بـ: (أَخْبَرُوا)، (بِأَلْ) الموصولة، (عَنْ بَعْضِ) يعني: جزء الكلام، لأنَّ المسئول عنه اسمٌ يكون جزءاً، (بَعْضِ مَا) بعض الذي، (يَكُونُ فِيْهِ الْفِعْلُ) يعني: في ذلك البعض، حِينئذٍ خَصَّص الجملة التي يسأل عن الاسم الذي اشتملت عليه الجملة أن يكون فعليَّة، (قَدْ تقَدَّمَا) هذا شرطٌ ثانٍ، الألف للإطلاق.
(إِنْ صَحَّ صَوْغُ صِلَةٍ مِنْهُ) (مِنْهُ) الضمير هنا يعود على .. من الفعل المتقدِّم، (إِنْ صَحَّ صَوْغُ) (صَوْغُ) يعني: اشتقاق، (صِلَةٍ)، (صَوْغُ) هذا فاعل وهو مصدر مضاف إلى مفعوله، صوغك أنْتَ (صِلَةً) يعني: صِلَة (أَلْ)، (مِنْهُ) من ذلك الفعل المتقدِّم، (لأَلْ) مُتعلِّق بـ: (صَوْغُ).


(كَصَوْغِ وَاقٍ) هذا مصدر مضاف إلى المفعول، (مِنْ) قولك: (وَقَى اللهُّ الْبَطَلْ) لو قيل: أخبر عن لفظ الجلالة بـ: (أَلْ) ماذا تقول؟ الواقي .. لا بُدَّ .. اشتققت من (وقا) الفعل .. الواقي، ثُم تَجعل لفظ الجلالة خبراً، (الْبَطَلْ) الواقي البطلَ اللهُ، طيب! أخْبِر عن (البَطل) بـ: (أَلْ)، تجعل (البطل) متأخِّراً، ثُم تَجعل (أَلْ) ومعها الصِّفة المشتقة (الواقي).
(البطل) هذا منصوب على ماذا؟ المفعوليَّة، أما قلنا: تأخذه وتضع محله ضمير؟ الواقيهِ اللهُ - بقي الفاعل كما هو – الواقيه اللهُ البطلُ، جعلته خبراً.
إذا قيل: أخبر عن (البطل) من قولك: وقى الله البطل، حِينئذٍ تقول: الواقي، ثُم: اللهُ .. البطلُ، ثُم تأتي بضمير محل المفعول الذي رفعته على أنَّه خبر: الواقيه.
إذاً: (إِنْ صَحَّ صَوْغُ صِلَةٍ مِنْهُ لأَلْ) الجواب محذوف .. إنْ صَحَّ فأخْبِر، وإنْ لم يَصِح فلا تخبر.
(وَأَخْبَرُوا هُنَا بِأَلْ عَنْ بَعْضِ مَا) (مَا) قلنا: الواقعة على الأسماء المشتملة عليها الجملة، (يَكُونُ فِيْهِ الْفِعْلُ) أي: أنَّ الإخبار بالذي يكون بالجملة الاسْميَّة والفعليَّة كما سبق، والإخبار بـ: (أَلْ) لا يكون إلا بالجملة الفعليَّة.
(إِنْ صَحَّ صَوْغُ صِلَةٍ مِنْهُ لأَلْ) هذا مُتعلِّق بـ: صوغ منه، (لأَلْ) إذ لا يَصِح صَوْغ صِلَة (أَلْ) من الجامد ولا من المنفي، (كَصَوْغِ وَاقٍ مِنْ) قولك: (وَقَى اللهُّ الْبَطَلْ) أي: الشُّجاع.
قال الشَّارح: يُخبَر بـ: (الَّذِيْ) عن الاسم الواقع في جملة اسْميَّة أو فعليَّة، فتقول في الإخبار عن (زيد) من قولك: زيدٌ قائم .. الذي هو قائمٌ زيد، وتقول في الإخبار عن (زيد) من قولك: ضربت زيداً .. الذي ضربته زيد - هذا واضح سبق - ولا يُخبَر بالألف واللام عن الاسم إلا إذا كان واقعاً في جُملة فعليَّة، وكان ذلك الفعل مِمَّا يَصِح أن يُصاغ منه صلة الألف واللام كاسم الفاعل واسم المفعول – لا بُدَّ أن تكون الجملة فعليَّة –.
ولا يُخبَر عن الألف واللام عن الاسم الواقع في جملة اسْميَّة، ولا على الاسم الواقع في جملة فعليَّة فعلها غير مُتصرِّف، لأنه انتفى الشَّرط: (إِنْ صَحَّ صَوْغُ) هذا لم يِصح، كـ: (الرجل) من قولك: نِعْم الرجل، أخْبِر عن (الرجل) بـ: (أَلْ) ما يَصِح هذا. إذ لا يَصِح أن يستعمل من (نِعْم) صلة الألف واللام – لا يشتق منه اسم فاعل ولا اسم مفعول -.
وتُخبِر عن الاسم الكريم من قولك: وقى الله البطل، فتقول: الواقي البطل الله، وتخبر أيضاً عن (البطل) فتقول: الواقيه لله البطل.
وَإِنْ يَكُنْ مَا رَفَعَتْ صِلَةُ أَلْ ... ضَمِيرَ غَيْرِهَا أُبِينَ وَانْفَصَلْ

(وَإِنْ يَكُنْ) هذا شرط، (مَا) اسم (يَكُنْ) موصولة واقعة على الضمير العائد على غير (أَلْ).
(وَإِنْ يَكُنْ مَا رَفَعَتْ صِلَةُ أَلْ) .. (رَفَعَتْ صِلَةُ) .. (صِلَةُ) هذا فاعل، وأين المفعول؟ (رَفَعَتْهُ) ضميرٌ يعود على (مَا) .. (رَفَعَتْهُ صِلَةُ أَلْ ضَمِيرَ غَيْرِهَا) الأصل في اسم الفاعل الذي هو مدخول (أَلْ) أن يرفع ضميراً مستتراً يعود على (أَلْ) هذا الأصل فيه:


الضارب زيداً .. الضارب هو، (هو) ضمير مستتر يعود على (أَلْ) هذا الأصل فيه، حِينئذٍ إذا عاد على (أَلْ) رجع الضمير إلى ما هو له فيبقى على استتاره، وإذا رجع الضمير إلى غير (أَلْ) حِينئذٍ نقول: عاد الضمير على غير ما هو له فوجب أنْ ينفصل، لذلك قال: (أُبِينَ وَانْفَصَلْ) .. (انْفَصَلْ) بِمعنى: (أُبِينَ).
(وَإِنْ يَكُنْ مَا رَفَعَتْهُ صِلَةُ أَلْ) ما الذي رفع؟ ليست (أَلْ) هي، وإنَّما (صِلَةُ أَلْ) الذي هو اسم الفاعل واسم المفعول هو الذي يرفع وهذا واضح، كونه معتمداً على (أَلْ).
(وَإِنْ يَكُنْ مَا) الذي .. هذا اسم (يَكُنْ)، (مَا رَفَعَتْ صِلَةُ أَلْ ضَمِيرَ) هذا خبر (يَكُنْ) منصوب، (ضَمِيرَ غَيْرِهَا) يعني: غير (أَلْ)، (أُبِينَ) هذا جواب الشَّرط، (وَانْفَصَلْ) .. (أُبِينَ وَانْفَصَلْ) فُهِم منه: أنَّ الضمير إذا كان لـ: (أَلْ) وجب اتِّصاله، لأنَّه قيَّده: (ضَمِيرَ غَيْرِهَا أُبِينَ وَانْفَصَلْ) مفهومه: إذا كان ضميرها اتَّصل واستتر.
فُهِم منه: أنَّ الضمير إذا كان لـ: (أَلْ) وجب اتِّصاله، نَحو: أخبر عن (التاء) من: ضربت زيداً، بـ: (أَلْ) قلت: الضارب زيداً أنا، ضربت زيداً، أخبر عن (التاء) تفصلها: أنا، الضارب زيداً أنا، (الضارب) الضمير المستتر هنا يعود على (أَلْ)، إذاً: لا يَحتاج إلى أن يُبْرز.
الضارب زيداً أنا، فـ: (الضارب) فيه ضمير مستتر عائد على (أَلْ) مستتر واجب الاستتار، وأمَّا: ضربت زيداً، إذا قيل: أخْبِر عنه، قلت: الضاربه أنا زيدٌ، فالضمير العائد على (أَلْ) وهو (أنا) ضمير غيرها فوجب إظهاره.
ضربت زيداً، أخبر عن (زيد) بـ: (أَلْ) تقول: الضاربه زيدٌ، (الضارب) فيه ضمير يعود على (أَلْ) أو على (زيد)؟ على زيد، فحِينئذٍ وجب إبرازه، الضَّاربُه أنا زيدٌ، إذاً: ضربتُ زيداً، إذا أخبرت عن (زيد) تقول: الضَّاربُه أنا زيدٌ، فالضمير العائد على (أَلْ) وهو (أنا) ضمير غيرها فوجب إظهاره .. الضاربه أنا زيدٌ.
قال هنا الشَّارِح: الوصف الواقع صِلَة لـ: (أَلْ) إن رفع ضميراً – هو يرفع ضمير – فإمَّا أنْ يكون عائداً على الألف واللام، أو على غيرها، فإن كان عائداً عليها استتر، وإن كان عائداً على غيرها انفصل .. وجب إظهاره، فإذا قلت: بَلَّغْت من الزَّيْدَين إلى العمرين رسالةً، فإن أخبرت عن التاء في: (بَلَّغْت) ماذا تقول؟ المُبلِّغ من الزَّيْدَين إلى العمرين رسالةً أنا، الجملة كما هي، فقط: المبلِّغ أنا، فَصَلْت الضمير لأنَّه (التاء) بَلَّغْت، إذا قيل: أخبر عن التاء وجب فَصْلُه، لأنَّك ستجعله خبراً.
المبلِّغ أنا، إذاً: الضمير مستتر هنا وعاد إلى (أَلْ) فلا يحتاج إلى إبرازه، ففي المبلِّغ ضميرٌ عائدٌ على الألف واللام فيجب استتاره، لأنَّه في المعنى لـ: (أَلْ) لأنَّه خَلَفٌ عن ضمير المُتكلِّم، و (أَلْ) للمتكلِّم لأنَّ خبرها ضمير المتكلِّم والمبتدأ نفسه الخبر.


وإن أخْبَرت عن (الزَّيْدَين) من المثال المذكور قلت: المبلِّغ أنا منهما إلى العمرين رسالةً الزَّيدان، فـ: (أنا) مرفوعٌ بـ: (المبلِّغ) .. المبلِّغ أنا، وليس عائداً على الألف واللام، لأنَّ المراد بالألف واللام هنا مُثنَّى وهو المُخبَر عنه فيجب إبراز الضمير: المبلِّغ أنا الزَّيدَان، فـ: (أنا) مرفوعٌ بـ: (المبلِّغ) وليس عائداً على الألف واللام، لأنَّ المراد بالألف واللام هنا مُثنَّى، وحِينئذٍ لا بُدَّ من التطابق، لكن من جهة المعنى.
وإن أخبرت عن (العمرِين) من المثال المذكور، قلت: المبلِّغ أنا من الزَّيْدَين إليهم، (إليهم) حذفت (العمرين) وجئت بـ: (إلى) والضمير، رسالةً العمرون، فيجب إبراز الضمير.
وكذا يجب إبراز الضمير إذا أخبرت عن (رسالة) من المثال المذكور، لأنَّ المراد بالألف واللام هنا الرسالة، والمراد بالضمير الذي ترفعه صلةُ (أَلْ) المتكلِّم، فتقول: المبلِّغُها أنا من الزَّيْدَين إلى العمرين رسالة.
إذاً: في موضعٍ واحد يكون الضمير فيه مستتراً، وهو إذا أخبرت عن (التاء)، وأمَّا إذا أخبرت عن اسمٍ ظاهرٍ من هذه الأحوال الثلاثة: (الزَّيْدَين) أو (العَمْرِين) أو (الرسالة) حِينئذٍ وجب إبراز الضمير.
والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ... !!!