شرح ألفية ابن مالك للحازمي

عناصر الدرس
* فصل في زيادة همزةالوصل
* حقيقة همزة الوصل وبعض مسائلها
* مواضع همزة الوصل وحركاتها.

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله رب العالمين، والصَّلاة والسَّلام على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين، أمَّا بعد:
قال النَّاظم رحمه الله تعالى: (فَصْلٌ فِي زِيَادَةِ هَمْزَةِ الْوَصِلِ).
أيْ: مَا يَتعلًّق بهمزة الوصل، همزة الوصل لا تكون إلا زائدة لما قال: (فَصْلٌ فِي هَمْزَةِ الْوَصِلِ) عُلِم أنَّها زائدة، لأنَّها ليست حرفاً أصلياً، و (فَصْلٌ) كما سبق مراراً أنَّه (فَعْل) إمَّا أنَّه خبر مبتدأ محذوف أو بالعكس، فهو مصدر بمعنى اسم الفاعل، أو بمعنى اسم المفعول، هذا كلامٌ فاصلٌ، أو: هذا فاصلٌ ما بعده عَمَّا قبله، أو: كلامٌ مفصولٌ ما بعده عَمَّا قبله.
وهذا الفصل مُتَمِّمٌ لباب: (التَّصْرِيْفْ) لأنَّه من باب زيادة الهمزة، وقد سبق شيءٌ مِمَّا يَتعلَّق بزيادة الهمزة، وإنَّما أفرده لاختصاصه بأحكامٍ لها مواضع سِتَّة، ثُمَّ حركتُها، ثُمَّ يكثر استعمالها، ويكثر الخطأ فيها، وقد اشتمل هذا الفصل على التَّعريف بِهمزة الوصل وعلى مواضعها من الكَلِم، لأنَّها على قسمين:
إمَّا أن تُزَاد زيادةً قياسية، وإمَّا أن تزاد زيادةً سماعية، وهذا القياسي يعني: يُقَاس عليه، وأمَّا السَّماعي فَيُقْتَصَر على ما سُمِع وهو الأسماء العشرة فقط، هذا الذي يُعْتَبَر سماعي: اسم وبن وابن من، كلها سيأتي ذكرها في النَّظْم، وما عداه مِمَّا قيل فيه بأنَّه تُزَاد فيه همزة الوصل فهو قياسي.
عرَّف أولاً همزة الوصل بقوله:
لِلْوَصْلِ هَمْزٌ سَابِقٌ لاَ يَثْبُتُ ... إِلاَّ إِذَا ابْتُدِي بِهِ كَاسْتَثْبِتُوا

(لِلْوَصْلِ) جار ومجرور مُتعلِّق بمحذوف خبر مُقدَّم، و (هَمْزٌ) مبتدأٌ مُؤخَّر، (هَمْزٌ لِلْوَصْلِ) وما حكم تَقدُّم الخبر هنا: واجب أو جائز؟ جائز، لماذا جائز؟ (هَمْزٌ) نكرة وهو مبتدأ، وُصِف، واجب جائز لا يكون، يمكن أن يكون في محلين، أمَّا في محل واحد لا يجوز.
(لِلْوَصْلِ هَمْزٌ) (هَمْزٌ) مبتدأ، وهو نكرة، وسَوَّغ الابتداء به كونه موصوفاً بقوله: (سَابِقٌ)، (سَابِقٌ) هذا نعت مرفوع، (لاَ يَثْبُتُ) (لاَ) حرف نفي، و (يَثْبُتُ) فعل مضارع مرفوع لِتَجَرُّده عن الناصب والجازم، والفاعل ضمير مستتر تقديره هو يعود على (الهمز)، (لاَ يَثْبُتُ) والجملة في مَحلِّ رفع نعت ثانٍ لـ: (هَمْز)، (هَمْزٌ سَابِقٌ لاَ يَثْبُتُ) غير ثابتٍ .. عديم الثبوت، (إِلاَّ) إيجابٌ للنَّفي، (لاَ يَثْبُتُ إِلاَّ) إيجابٌ للنفي، يعني: استثناءٌ من المنفي في الثبوت.
(إِلاَّ إِذَا ابْتُدِي بِهِ) ابتدئ به في أول الكلام فيثبت حينئذٍ، (ابْتُدِي بِهِ)، (بِهِ) نائب فاعل لـ: (ابْتُدِي)، (ابْتُدِي) مُغيَّر الصيغة، وذلك (كَاسْتَثْبِتُوا) (اسْتَثْبِتُوا) قُصِد لفظه، (الكاف) حرف جر، حينئذٍ الجار والمجرور مُتعلِّق بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف تقديره: وذلك كَاسْتَثْبِتُوا، ولكن النَّاظم أراد أن يُمَثِّل لهمزة الوصل بأنَّها تثبت في الابتداء.
لِلْوَصْلِ هَمْزٌ سَابِقٌ لاَ يَثْبُتُ ... إِلاَّ إِذَا ابْتُدِي بِهِ. . .


حينئذٍ المثال: (كَاسْتَثْبِتُوا) هل هو للابتداء أو للسقوط في الدَّرْج؟ همزة الوصل لا تثبت في الدَّرْج، وإنَّما تثبت في الابتداء (كَاسْتَثْبِتُوا) المثال هنا لكونهاك تثبت في الابتداء وتسقط في الدَّرْج .. للثاني أو للأول؟ همزة القطع تثبت ابتداءً ووصلاً .. دَرْجَاً في الكلام، وهمزة الوصل تثبت ابتداءً لا دَرْجَاً فتسقط، إذاً استويا من حيث النطق أولاً، فتقول: انطلِق، هذه همزة بدأت بها، كذلك تقول: أُكْرِمُ زَيْدَاً، إذاً ثبتت في الابتداء، وسقطت في الدَّرج.
إذاً: المثال لو كان للابتداء هل حصل تَمييز لهمزة الوصل عن همزة القطع؟ لا؛ لأنَّهما اشتركا في الابتداء، كُلٌّ من همزة الوصل وهمزة القطع يُنْطَق بها في الابتداء مع اختلافٍ في بعض الحركات، وأمَّا في الدَّرْج فحينئذٍ تسقط همزة الوصل لا همزة القطع، حينئذٍ أيُّ النوعين أولى بالتمثيل .. الذي يُميِّز همزة الوصل عن همزة القطع: الدَّرْج في الكلام أو الابتداء؟ الدرج.
إذاً: الأولى أن يُقال (كَاسْتَثْبِتُوا) هذا مثالٌ لسقوط همزة الوصل في الدَّرْج، لأنَّ الذي يسقط في دَرْج الكلام هو همزة الوصل لا همزة القطع، إذاً: (كَاسْتَثْبِتُوا) هذا مثالٌ لقوله: (لاَ يَثْبُتُ) يعني: في دَرْج الكلام، (إِلاَّ إِذَا ابْتُدِي بِهِ).
إذاً: (لِلْوَصْلِ هَمْزٌ سَابِقٌ) همزة الوصل لا تكون إلا سابقة في أول الكلمة، لأنَّه لا يُبْتَدأ بساكن كما أنَّه لا يوقف على مُتحرِّكٍ كما هو قاعدة العرب، يعني: أنَّ همزة الوصل هي الهمزة السابقة التي تثبت ابتداءً وتسقط وصلاً، هكذا عَرَّفها النَّاظم .. عرَّفها بأنها: الهمزة السابقة التي تثبت ابتداءً وتسقط وصلاً.
ولذلك الهمزة على نوعين: همزة قطع، وهمزة وصل، اشتركا من حيث الابتداء فَكُلٌّ منهما يبتدأ به، يعني يُنْطَق به: انطلق .. اضرب زيداً، حينئذٍ نطقت بالهمزة وهي همزة وصلٍ، لكن الفرق بينهما: أنَّ همزة الوصل تسقط في درج الكلام، يعني: في أثناء الكلام.
وعِلَّة السُّقوط هنا، لأنَّها إنما اجْتُلِبَت للتَّمكُّن من الابتداء بالسَّاكِن، يعني: يبتدأ بأول الكلمة: اضرب، الضَّاد هي أول الكلمة، لا يُمكن أن يُبتدأ بها، حينئذٍ جئنا بهمزة الوصل لنتمكن من الابتداء بهذا السَّاكِن، حينئذٍ إذا قلت: قَاَلَ زَيْدٌ اضْـ، سقطت الهمزة؛ لأنَّ الغاية والغرض الذي من أجله جئنا بالهمزة ذهب فذهبت الهمزة، إذا قلت: اضْرِب، الضَّاد هنا فعل أمر من: يَضْـ، حينئذٍ كما سيأتي الأمر الثلاثي: إذا كان الثاني لمضارع ساكن حينئذٍ تكون قياساً الإتيان بهمزة الوصل.
تقول: اضْرِبْ، فالضَّاد ساكنة لا يُمكن الابتداء بها، والهمزة هذه ليست من الفعل، وحينئذٍ لا يُمكن الابتداء بالساكن إلا بالإتيان بالهمزة .. العِلَّة واضحة، حينئذٍ إذا وُصِلت: اضْرِب، الضَّاد هذه بسابقٍ حينئذٍ أمكن أن يُنْطَق به، فإذا أمكن حينئذٍ لم نحتج إلى همزة الوصل فسقطت في درج الكلام.
إذاً: العِلَّة التي من أجلها اجْتُلِبَت همزة الوصل غير موجودة في الوصل، ولذلك سقطت: قَاَلَ زَيْدٌ اضْـ، حينئذٍ: اضْرِب، صَحَّ النطق بالضَّاد الساكنة ولو لم يكن قبلها همزة وصل.


يعني: أنَّ همزة الوصل هي الهمزة السابقة التي تثبت في النطق ابتداءً في أوَّل الكلام، لأنَّ هذه وضيفتها الأصل .. أنَّها للتَّمكُّن من الابتداء بساكن، وأمَّا في وصل الكلام فلا حاجة لهمزة الوصل، وتسقط وصلاً لانتفاء الغاية والحكمة والغرض الذي من أجله اجْتُلِبَت همزة الوصل.
وإنَّما سُمِّيَت همزة وصلٍ اتِّساعاً .. تَجَوُّزاً، لأنَّه إذا قيل: هذه العِلَّة بأنَّها تسقط وهذا محل وفاق .. أنَّها لا تثبت إلا ضرورةً في الشِّعْر خاصة، وأمَّا في كلام النَّثْر وغير الضرورة فتسقط همزة الوصل.
إذاً: إذا لم تكن لوصل الكلام بعضه ببعض لماذا سُمِّيت همزة الوصل؟! التَّسمية هنا منافية، إذا كانت همزة الوصل إنَّما جيء بها للابتداء بالسَّاكِن في أول الكلام، ثُمَّ هي غير موجودة في وصل الكلام، لماذا سَمَّيناها بهمزة الوصل؟ قالوا: اتِّساعاً .. تَجَوُّزاً .. من باب التَّوسُّع - غريب هذا! -.
لأنَّ هذه الهمزة تسقط في الوصل.
إذاً: باعتبار سقوطها سُمِّيَت همزة الوصل، ويمكن أن يُقَال في هذه العِلَّة: بأنَّه لتمييزها عن همزة القطع، لأنَّ همزة القطع تبقى في الوصل بخلاف همزة الوصل، حينئذٍ هذه الهمزة التي في: اضْرِب، هذه منطوقٌ بها لا شك، حينئذٍ إذا وُصِلَت في الكلام سقطت .. غير موجودة، سَمَّيناها في حالة السقوط لا في حالة الثُّبوت، سَمَّيناها باسمٍ يُطابق فعلها وهو العدم في حالة الوصل دون الثبوت، لماذا؟ لأنَّها في الأول .. في الثُّبوت لا تفارق همزة القطع، إلا من حيث الكتابة أمَّا النطق فلا، ومن حيث الوصل فارقت همزة القطع فَسُمِّيت بذلك .. سُمِّيَت للفرق بينها وبين همزة القطع.
وقيل: بأنَّ الكلمة التي قبلها تَتَّصِل بِما دخلت عليه همزة الوصل لسقوطها، وهذا قول الكوفيين، لكن كُلَّ الكلمات مُتَّصلة .. كل الكلمات والكلام بعضه ببعض متصل، همزة الوصل إذا سقطت أصلاً هي ليست من الكلمة، فقيل: سُمِّيت همزة وصلٍ، لأنَّه إذا وصل الكلام سقطت هذه الهمزة فَوصِل ما قبلها بما بعدها، وإذا لم تكن ثَمَّ همزة وصل .. الكلام غير موصول؟! لا، هذه العِلَّة فيها نظر.
وقيل: لأنَّ المُتكلِّم يَتَوَصَّل بها إلى النطق بالسَّاكن، وهذا قول البصريين، إذاً: همزة الوصل، الوصل ليس وصل الكلام وإنَّما من التَّوصُّل، يَتَوسَّل بها النَّاطق والمُتكلِّم للابتداء بالسَّاكِن، على هذا القول لا اعتراض فَسُمِّيت: همزة وصلٍ، لأنَّ المُتكلِّم تَوَصَّل بهذه الهمزة للنُّطق بالسَّاكن، هذا جيد وهذا قول البصريين.
وَفُهِم من قوله: (هَمْزٌ) أنَّ همزة الوصل أُتِي بها همزةً خلافاً لمن قال هي في الأصل ألف، هل هي ألف ثُمَّ حُرِّكت، أمَّ أنَّها همزةٌ ابتداءً؟ قول النَّاظم هنا: (لِلْوَصْلِ هَمْزٌ) إذاً: سَمَّاها همزة، إذاً: ليست ألفاً، وهذا هو المشهور من قول النُّحاة، بأنَّ هذه الهمزة همزة ابتداءً وانتهاءً، وليست في الأصل ألفاً ثُمَّ قُلِبت همزة.
وَفُهِم من قوله (سَابِقٌ): أنَّها لا تكون إلا أولاً (لِلْوَصْلِ هَمْزٌ سَابِقٌ) يعني: لا تكون إلا في أول الكلام، لا تكون في أثنائه ولا تكون في طرفه، بل لا تكون إلا في أول الكلام.
وَفُهِم من قوله:


لاَ يَثْبُتُ إِلاَّ إِذَا ابْتُدِي بِهِ ..
أنَّ سقوطها في الوصل واجبٌ ليس بجائز، يعني لا تقل: قَاَلَ زَيْدٌ اضْرِب .. هذا لحنٌ، بل يجب إسقاط همزة الوصل، لأنَّه قال: (لاَ يَثْبُتُ) هذا نفي، حينئذٍ يكون في معنى النَّهي. أنَّ سقوطها في الوصل واجبٌ، ولكن قد تثبت في الوصل ضرورة، كما أنَّ همزة القطع توصل في الشِّعْر من باب الضرورة، كُلٌّ منهما يعامل معاملة الآخر في الشعر على جهة الخصوص، وأمّا في النَّثر فلا، همزة الوصل يجب أن تبقى همزة وصل ولا تُقْطَع في أثناء الكلام، وهمزة القطع كذلك تبقى همزة قطعٍ ولا تُوصَل في أثناء الكلام، ولذلك قال: (لاَ يَثْبُتُ) يعني: يجب أن تُحْذَف هذه الهمزة في دَرْج الكلام .. في وصل الكلام، والسَّبب ما ذكرناه: أنَّها إنَّما جيء بها لِعِلَّة .. لغرض وهو التَّمكُّن من الابتداء بالسَّاكن، وهنا قد تَمَكَّنا من الابتداء بالسَّاكن، لم ننطق بالسَّاكن: قَاَلَ زَيْدٌ اضْـ، الضَّاد هنا جاء قبله دالٌ وهي مضمومة وكذلك مُنَوَّنة، إذاً: لم نبتدئ بساكن، فذهبت الغاية من الإتيان بهمزة الوصل.
وَفُهِم من البيت: أنَّها لا تَخْتَصُّ بِقَبِيلٍ، يعني قوله:
لِلْوَصْلِ هَمْزٌ سَابِقٌ لاَ يَثْبُتُ ... إِلاَّ إِذَا ابْتُدِي بِهِ. . . .

ما قال: في الحرف، ولا في الفعل، ولا في الاسم ما قَيَّده، حينئذٍ لا تَخْتَصُّ بواحدٍ من هذه الثلاث، فلا بُدَّ من الرُّجوع إلى مواضعها التي نَصَّ عليها النُّحاة بأنَّها تكون فيها.
إذاً فُهِم من البيت: أنَّها لا تختصُّ بقبيلٍ بل تدخل على الاسم والفعل والحرف، (الحرف) هذا أطلقه المكودي لكن فيه نظر. أُخِذَ ذلك من إطلاقه، وأمَّا المثال (اسْتَثْبِتُوا) هذا فعل، هل يُخَصِّص؟ المثال لا يُخَصِّص، لكن القول هنا: بأنَّه لا يُخَصِّص، هذا إذا أُرِيد التَّعميم فقط وإلا ما جرى عليه النَّاظم لا، إنَّما يُعطي الأحكام بالأمثلة، فإذا جرينا على عادة المصَنِّف نقول: ظاهره أنَّها مُخْتَصَّةٌ بالفعل (اسْتَثْبِتُوا) لكن يُجَاب: بأنَّ الأمر عام هنا، الحرف الأصل فيه أنَّ همزته همزة قطع ليست وصلاً، ثُمَّ الاسم هذه محفوظة، ثُمَّ الفعل هو كما سبق أصلٌ في التَّصريف.
فدخول همزة الوصل - وقلنا: هذا الفصل تابعٌ لباب (الْتَّصْرِيِفْ) - إذاً: دخول همزة الوصل في الأفعال دخولاً أولياً، فأكثر ما توجد في الفعل وإن وُجِدت في الاسم كالمصدر قياساً .. المصدر من الخماسي، إلا أنَّ أكثر وجودها وأكثر ما يحتاجها هو الفعل.
على كُلٍّ قوله: (كَاسْتَثْبِتُوا) ليس تقييداً بهمزة الوصل، بأنَّها لا تكون إلا في الفعل، يُمكن أن يُسْتَثَنْى هذا الكلام وما كان على شاكلته، بأنَّ النَّاظم لم يُرِد تخصيص الحكم بما ذكره مثالاً، إنَّما ذكر مثال: (اسْتَثْبِتُوا) هذا أمر للجماعة بالاستثبات، وهو تحقيق الشيء.
ويمتنع إثباتها في الدَّرج إلا لضرورة، ولذلك سبق معنا أنَّ همزة الوصل قد يُنْطَق بها همزة قطع في أثناء الشِّعر.
لِلْوَصْلِ هَمْزٌ سَابِقٌ لاَ يَثْبُتُ ... إِلاَّ إِذَا ابْتُدِي بِهِ كَاسْتَثْبِتُوا


قال الشَّارح: " لا يُبْتَدأ بساكنٍ " هذا أمر مُتَّفق عليه في الجملة، وإن كان بعض المسائل نازع فيها بعض الصَّرفيين، وإلا في الجملة لا يُبْتَدأ بساكن، يعني: لا يُفْتَتَح النُّطق بساكنٍ، وأمَّا ابتداء الكلمة بساكنٍ في أثناء الكلام هذا واقع، وما سقطت همزة الوصل في الدَّرْج إلا لإمكان النُّطق بكلمة أولها أن يكون ساكناً.
إذاً قوله: " لا يُبتَدأ بساكن " هذا يعني: في أول الكلام .. أن يُنْطَق بالسَّاكن في أول الكلام، كما لا يوقف على مُتَحَرِّك، إلا ما ذكرناه في اللغة السابقة، أنَّ بعضهم في التَّنوين يقول: جَاَءَ زَيْدُ .. رَأَيْتُ زَيْدَا .. مَرَرْتُ بِزَيْدِ، قلنا: لغة أزد أو كذا.
فإذا كان أول الكلمة ساكناً .. عمَّ الشَّارح هنا لئلا يُخَصِّص دخول همزة الوصل بقبيلٍ دون آخر، فإذا كان أول الكلمة ساكناً وجب الإتيان بهمزةٍ مُتحرِّكة، وهل هذه الهمزة المُتحرِّكة اجْتُلِبَت ابتداءً مُتحرِّكة أو ساكنة ثُمَّ حُرِّكت؟ هذا محل نزاع، يعني إذا قيل بأن: اضْرِب، الضَّاد هنا لا يُمكن الابتداء بالسَّاكن، جئنا بهمزة الوصل .. همزة الوصل حرف.
حينئذٍ همزة الوصل حرفٌ، هل اجتلبناها ساكنة؟ لأنَّها مبنية:
وَالأَصْلُ فِي الْمَبْنِيِّ أَنْ يُسَكَّنَا ..
ثُمَّ التقى ساكنان: همزة الوصل والضَّاد فَحُرِّكت الهمزة .. أو أنَّنا مُباشرة اجْتَلَبناها مُتَحَرِّكة؟ هذا محل نزاع، لكن الظَّاهر أنَّها اجْتُلِبَت ساكنةً، لأنَّ لها سبعة أحوال كما سيأتي، وهذا يدل على أنَّها ليست بثابتة، لو كانت مُجْتَلَبة مُتَحَرِّكة حينئذٍ فيه نوع إشكال، وأمَّا إذا قيل بأنَّها ساكنة ثُمَّ تُحَرَّك للتَّخلُّص من التقاء الساكنين، ثُمَّ هذا التَّحريك قد يكون بالكسر، وقد يكون بالفتح، وقد يكون بالضَّمّ، وقد يكون بالإشمام .. سبعة أحوال، وقد يجوز وجهان ويَتَرجَّح أحد الوجهين؟ سيأتي.
إذاً: وجب الإتيان بْهمزةٍ مُتَحَرِّكةٍ، وظاهر كلام ابن عقيل أنَّها مُجْتَلَبة بحركتها مباشرة، يعني: جاءت جاهزة لا نحتاج إلى أن نُحَرِّكها، وجب الإتيان بهمزةٍ مُتَحَرِّكة تَوَصُّلاً، لذلك سُمِّيت همزة وصلٍ، هذا على مذهب البصريين وهو أجود.
تَوَصُّلاً للنُّطق بالساكن، فتُسَمَّى هذه الهمزة: همزة وصلٍ، وشأنها أَنَّها تَثْبُت في الابتداء وتسقط في الدَّرْج نحوُ: (اسْتَثْبِتُوا) .. نحوِ (اسْتَثْبِتُوا) لك هذا وذاك. أمرٌ للجماعة بالاستثبات، وما يثبت فيهما فهو همزة قطع، يعني: ما يثبت في ابتداء الكلام وفي الدَّرج فهو همزة قطعٍ، ولكن نقول: يشتركان في الابتداء وتفارق همزة الوصل همزة القطع بكونها تسقط في دَرْج الكلام دون همزة القطع.
ثُمَّ انتقل إلى بيان مواضع همزة الوصل وهي ستَّة: منها ما هو قياسي، ومنها ما هو سماعي، منها ما هو قياسي .. يُقَاس عليه، ومنها ما هو سماعي، وهي ستَّة، وبدأ بالفعل، لأنَّه الأصل في استحقاقها، ولذلك مَثَّل النَّاظم بالفعل دون الاسم.
قال النَّاظم في الموضع الأول:
وَهْوَ لِفِعْلٍ مَاضٍ احْتَوَى عَلَى ... أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةٍ نَحْوُ انْجَلَى


(وَهْوَ) بإسكان الهاء لغة وضرورة هنا، (وَهْوَ) أي: الهمز، ولم يقل: (هي) لأنَّه مُذَكَّر من حيث الحرف .. كونه حرفاً فهو مُذَكَّر، (همزٌ .. همزةٌ) ولذلك فيما سبق قال: (سَابِقٌ) وهو نعت لـ: (هَمْزٌ)، ولو كان اعتبره مؤنَّثاً لقال: (سَابِقَةٌ) ولقال: لا تَثْبُت، ولم يقل: (لاَ يَثْبُتُ)، ولقال: (ابْتُدِي بِهِ .. بِهَا) إرجاع الضمير واجب هنا، (تثبت) التأنيث واجب، وأمَّا إرجاع الضمير (بها) هذا جائز .. يجوز التَّذكير ويجوز التأنيث.
(وَهْوَ) أي: الهمز، (لِفِعْلٍ) هذا جار ومجرور مُتعلِّق بمحذوف خبر وهو مبتدأ .. مرجعه الهمز، (لِفِعْلٍ) هذا عام يشمل الفعل المضارع، والفعل الماضي، وفعل الأمر، لكنَّه خَصَّص فقال: (لِفِعْلٍ مَاضٍ) هذا نعت لـ: (فِعْل) احترز به من غيره، (مَاضٍ احْتَوَى) إذاً: ليس لكل فعلٍ بل هو للفعل الماضي، ثُمَّ ليس لكل فعلٍ ماضي .. تخصيص بعد تخصيص هنا، النُّعوت هذه كلها للاحتراز.
قال: (لِفِعْلٍ) هذا عام، قال: (مَاضٍ) احترز به عن غيره، ثُمَّ الماضي هذا قد يكون ثلاثي وقد يكون رباعي وقد يكون خماسي، قال:
احْتَوَى عَلَى أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةٍ ..
يعني: خُماسي وسداسي، (نَحْوُ انْجَلَى) هذا خماسي: انطلق .. انجلى، و (استخرج) هذا سداسي، إذاً: الهمزة في الفعل الماضي الخماسي والسداسي همزة وصلٍ، هذه قاعدة عامة، إذاً قوله:
. مَاضٍ احْتَوَى عَلَى ... أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةٍ. . . .

يعني: ليس لكل فعلٍ ماضي، فإنْ كان من الخماسي أو السداسي فحينئذٍ تدخل عليه همزة الوصل .. همزته همزة وصلٍ، قوله: (احْتَوَى) فعل ماضي، والفاعل ضمير مستتر يعود على (مَاضٍ احْتَوَى)، لماذا على (مَاضٍ)؟ أو: على فعلٍ؟ .. على ماضٍ أو فعلٍ؟ ما إعراب (احْتَوَى) نعت لأي شيء؟ لفعل، إذا قلت: نعت لفعل حينئذٍ جعلت الضمير يعود إلى (فِعْل) للقاعدة السابقة، وإذا جعلته نعتاً لماضٍ حينئذٍ جعلت الضمير عائداً على الماضي، وكلا الأمرين جائز، إلا أنَّ بعضهم لا يرى أن يُنْعَت النَّعت مع وجود المنعوت.
يعني هنا: (احْتَوَى) الجملة نعت لماضٍ، كثير يجيز هذا، وبعضهم يمنع، لأنَّك لو نَعَتَّ ماضٍ بـ: (احْتَوَى) جعلته نعتاً له (مَاضٍ) هذا نعتٌ للفعل، وفي الحقيقة (احْتَوَى) هذا نعتٌ للفعل، فالأصل أن يكون المنعوت هو الفعل بالنعتين (مَاضٍ) ماضٍ و (احْتَوَى)، حينئذٍ لو جَوَّزت أن يكون (احْتَوَى) نعتاً لـ (مَاضٍ) نَعَتَّ النَّعَت مع وجود المنعوت، وعند بعضهم لا يجوز أن يُنْعَت النَّعت مع وجود المنعوت، وأمَّا إذا لم يوجد المنعوت جاز نعت النَّعت، لكن المشهور عند المعربين: يجوز أن يكون هذا نعتاً للنَّعت، فيكون: (احْتَوَى) نعتاً لـ (مَاضٍ) .. لا إشكال فيه، أو إذا أردت الخروج من الخلاف تقول: (احْتَوَى) الجملة في محل جر نعت لـ: (فِعْل)، والضمير يكون عائداً عليه.


(احْتَوَى) جمع، (عَلَى أَكْثَرَ) جار ومجرور مُتعلِّق بقوله: (احْتَوَى)، (مِنْ أَرْبَعَةٍ) جار ومجرور مُتعلِّق بقوله (أَكْثَرَ)، انظروا! الكلام مترابط، (عَلَى أَكْثَرَ) هذا متعلق بقوله: (احْتَوَى)، و (أَكْثَرَ) منصوب بماذا .. ما العامل فيه؟ ممنوع من الصَّرف لِعِلَّة الوصفية ووزن الفعل، (مِنْ أَرْبَعَةٍ) جار ومجرور مُتعلِّق بقوله (أَكْثَرَ) .. (أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةٍ) لو قال: (مِنْ أَرْبَعٍ) صح؟ نعم، لماذا؟ لأنَّ التَّمييز هنا أحرف .. محذوف، ولذلك عند بعضهم: أنَّ هذا التنوين تنوين عِوَض عن كلمة، (مِنْ أَرْبَعَةٍ) أحرفٍ .. من أربعةِ أحرفٍ، بحذف التَّنوين.
حينئذٍ (أحرف) جمع حرف، والحرف يجوز تذكيره وتأنيثه، فإذا ذكرت الأربعة التاء حينئذٍ ذَكَّرَت، وإذا حذفتها معناه: أنَّثت.
إذاً الموضع الأول: هو أن تكون همزة الوصل دَاخلةً على الفعل الماضي الخماسي والسداسي.
وَهْوَ لِفِعْلٍ مَاضٍ احْتَوَى عَلَى ... أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةٍ نَحْوُ انْجَلَى

وذلك نحو، (نَحْوُ) خبر مبتدأ محذوف، ويجوز نصبه: (نَحْوَ) أعني .. (نَحْوَ) يجوز .. ما دام أنَّك قَدَّرت جاز أن تنصبه وجاز أن ترفعه.
يعني: أنَّ كُلَّ همزةٍ افْتُتِح بها الفعل الماضي الزائد على أربعة أحرف، فهي همزة وصلٍ بشرط: أن يكون زائداً على أربعة أحرف، فإن كان على أربعة أحرف فلا بل هي همزة قطع، وإن كان أقل .. ثلاثي فهي همزة قطع.
وشمل الخماسي نحو: انطلق، كما مثَّل النَّاظم (انْجَلَى) والسُّداسي نحو: استخرج، وهو منتهاه، يعني: أكثر ما يكون على ستة أحرف، وأمَّا الرُّباعي: أَكْرَمَ، نقول: أَكْرَمَ هذه الهمزة همزة قطع، و (أَخَذَ) و (أَكَلَ) هذه الهمزة همزة قطع.
إذاً: في الثلاثي، كُلُّ ثلاثي ماضٍ همزته همزة قطع، وَكُلُّ رباعي ماضٍ همزته همزة قطع، وَكُلُّ خماسي أو سداسي ماضٍ همزته همزة وصل .. محفوظة، ولا تقُل: لم؟ هكذا لسان العرب.
ثُمَّ أشار إلى الموضع الثاني بقوله: (وَالأَمْرِ وَالْمَصْدَرِ مِنْهُ) هذان حالان، (مِنْهُ) الضمير يعود الفعل الماضي الذي تجاوز أربعة أحرف، إذاً: (عَلَى أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةٍ) انْجَلَى .. انْطَلَقَ .. استخرج، حينئذٍ: انْطَلَقَ انْطَلِقْ انطلاقاً، إذاً: الماضي، والأمر منه ومصدره، كُلها .. الثلاثة الأنواع أكثر من أربعة أحرف حينئذٍ تكون همزتها همزة وصل: انْطَلَقَ، هذا خماسي همزته همزة وصل، (الأَمْرُ مِنْهُ) من الخماسي: انْطَلِقْ، همزته همزة وصل: انطلاقاً، مصدر، همزته همزة وصلٍ.
(وَالأَمْرِ مِنْهُ) يعني: من الخماسي والسداسي، (وَالْمَصْدَرِ) كذل منه .. من الخماسي والسداسي.
يعني: أنَّ الهمزة في الأمر والمصدر من الفعل الزِّائد على أربعة أحرف همزة وصلٍ نحو: انْطَلَقَ انطلاقاً انْطَلِقْ، واسْتَخْرَج استخراجاً اسْتَخْرِج .. (اسْتَثْبِتُوا) كمَّا مَثَّل النَّاظم في البيت السابق.
(وَالأَمْرِ وَالْمَصْدَرِ) (وَالأَمْرِ) هذا معطوف على (فِعْلٍ) وهو لفعلٍ .. وهو لأمرٍ، و (وَالْمَصْدَرِ) هذا معطوفٌ على (الأَمْرِ)، (مِنْهُ) حالٌ من (الْمَصْدَرِ)، والضمير هنا يعود على المحتوي (عَلَى أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةٍ).


(وَكَذَا أَمْرُ الثُّلاَثِي) هذا الموضع الرابع مِمَّا تُزَاد فيه همزة الوصل قياساً لا سماعاً، (وَكَذَا) أي: مثل (ذا) السَّابق، (أَمْرُ الثُّلاَثِي) (كَذَا) جار ومجرور مُتعلِّق بمحذوف خبر مُقدَّم، (أَمْرُ الثُّلاَثِي) (أَمْرُ) مبتدأ مُؤَخَّر وهو مضاف، و (الثُّلاَثِي) مضاف إليه.
(كَاخْشَ وَامْضِ وَانْفُذَا) كَرَّر الأمثلة هنا لغاية وحكمة، (وَكَذَا أَمْرُ الثُّلاَثِي) الذي يَسْكُن ثاني مضارعه لفظاً .. قَيِّده (كَاخْشَ وَامْضِ وَانْفُذَا) (اخْشَ) هذا أمرٌ من: يَخْشَى، إذاً: (وَكَذَا أَمْرُ الثُّلاَثِي) مُطلقاً كُلُّ أمر ثلاثي؟ الجواب: لا، وإنَّما الذي يسكن ثاني مضارعه لفظاً، لأنَّ القاعدة: أنَّ فعل الأمر إنَّما يُؤْخَذ من المضارع، هو مُشْتَقٌّ من المصدر، لكن عند الصياغة .. عند الاشتقاق كيف نَشْتَقُّه؟ نأخذ من المضارع، ما بعد حرف المضارعة يسقط، وما بعده إمَّا أن يكون مُحَرَّكاً وإمَّا أن يكون ساكناً، إن أسقطنا حرف المضارعة وكان ما بعده مُتَحَرِّكاً لم نحتج إلى همزة الوصل، لأنَّه مُتَحَرِّك، وَيُبْتَدأ بالمُتحرِّك.
إذاً: الغاية التي من أجلها يؤتى بهمزة الوصل غير موجودة، وإذا كان ما بعد حرف المضارعة بعد إسقاطه ساكناً، حينئذٍ احتجنا إلى همزة الوصل: يَخْشَى .. يَمْضِي .. يَنْفُذْ .. يَرْمِيْ .. يَدْعُو، كل هذه أفعال مضارع الثاني منها ساكن، حينئذٍ إذا أردنا الأمر منها وأسقطنا حرف المضارعة صار الحرف الثاني ساكناً، وأمَّا المُتحرِّك لا بُدَّ من إخراجه، وهذا يمكن أن يُؤْخَذ بالأمثلة.
إذاً: (وَكَذَا) أي: مثل (ذا) في كون الهمزة همزة وصلٍ (أَمْرُ الثُّلاَثِي)، الذي يسكن ثاني مضارعه لفظاً، (لفظاً) له قيد .. احتراز، (كَاخْشَ وَامْضِ وَانْفُذْ) يعني: أنَّ كُلَّ همزةٍ افْتُتِح بها فعل الأمر من الثلاثي فهي همزة وصلٍ، سواءٌ كان مضارعه على وزن (يَفْعَل) بفتح العين، نحو: (اخْشَ) مضارعه: يَخْشَى، بفتح العين وهي الشين، إذاً مَثَّل بـ: (اخْشَ) هذا لِمَا كان مضارعه ساكن الثاني مفتوح العين: يَخْشَى.
أو على (يَفْعِلْ) بِما كان مضارعه ساكن الثاني مكسور العين، لأنَّ مضى يمضي العين مكسورة، أو على (يَفْعُل) بسكون الثاني مع ضَمِّ العين، إذاً مطلقاً .. من كل أنواع الفعل المضارع سواءٌ كان مفتوح العين، أو مضموم العين، أو مكسور العين، فإذا كان الثاني ساكناً حينئذٍ اجْتَلَبْنَا همزة الوصل، وإنَّما يكون الخلاف في حركة همزة الوصل فحسب، وأمَّا همزة الوصل فلا بُدَّ منها، لأنَّ الثاني يكون ساكناً.
أو على (يَفْعُلْ) نحو (انْفُذْ)، وهذه فائدة التَّمثيل، لأنَّه عَدَّد بقوله: (اخْشَ وَامْضِ وَانْفُذ)، وَفُهِم من تعداد الأمثلة: أنَّ ذلك إنَّما يكون إذا كان ثاني المضارع ساكناً لفظاً نحو: يَخْشَى وَيَرْمِي وَيَنْفُذْ، فلو كان مُتحرِّكاً لم يؤتَ بهمزة الوصل نحو: يَقُول وَيَعِد، تقول: يقول .. قُلْ، يَعِدُ .. عِدْ، لم نحتج إلى همزة الوصل.


سبق أمر الثلاثي الذي يسكن ثاني مضارعه لفظاً، قلنا: (لفظاً) له احتراز، لو كان ثانيه ساكن تقديراً لا لفظاً، هل نجتلب همزة الوصل أو لا؟ الجواب: لا، مثل: يقول، (يقول) أصلها: يَقْوُل، إذاً الثاني ساكن، فإذا قلنا أمر الثلاثي الذي يسكن ثاني مضارعه حينئذٍ شَمِل ما كان تقديراً، لأنَّ الحكم يكون باعتبار الأصل، و (يَقْوُل) ساكن الثاني، لكن ليس لفظاً وإنَّما تقديراً لأنَّ أصله: يَقْوُل، اسْتُثْقِلَت الضَّمًّة على القاف وَنُقِلت إلى الساكن قبلها صار: يقول.
إذاً: يقول نقول فيه: قُلْ، يَعِدُ نقول فيه: عِدْ، ولو سُكِّن تقديراً كقولك في الأمر من: يقوم .. قُمْ، وَيُسْتَثْنى: خُذْ وَكُلْ وَمُرْ، سبقت معنا مراراً هذه، (خُذْ) أصلها: يأخذ .. يأكل .. يأمر، الأمر منها: خُذْ وَكُلْ وَمُرْ، نقول: هذا سماعي بِمعنى: أنَّ الاستثناء هنا لورود السَّماع بكون: خُذْ وَمُرْ وَكُلْ، قد وردت بدون همزة الوصل، وإلا الأصل: أنَّها بهمزة الوصل.
إذاً: يُسْتَثْنَى: خُذْ وَكُلْ وَمُرْ، فإنها يُسَكَّن ثاني مضارعها لفظاً، والأكثر في الأمر منها حذف الفاء والاستغناء عن همزة الوصل، هذه شاذَّة .. شَذَّت عن القاعدة .. خرجت، ولذلك نَصَّ ابن مالك عليها بأنَّها شاذَّة في (اللامية) وغيرها.
إذاً قوله:
. . . . . . . . . . . وَكَذَا ... أَمْرُ الثُّلاَثِي كَاخْشَ وَامْضِ وَانْفُذَا

(وَانْفُذَا) الألف هذه للإطلاق، (أَمْرُ الثُّلاَثِي كَاخْشَ) يعني: وذلك (كَاخْشَ) اخْشَ .. امْضِ .. انْفُذ، (انْفُذ) بِضَمِّ الهمزة.
قال الشَّارح: " لَمَّا كان الفعل أصلاً في التَّصريف اخْتَصَّ بكثرة مَجِيء أوله ساكناً، فاحتاج إلى همزة الوصل " إذاً: أحوج ما يكون من الكلمات إلى همزة الوصل هو الفعل، وهذا قد يُجْعَل لماذا نَصَّ النَّاظم على قوله (كَاسْتَثْبِتُوا)؟ الأشْمُونِي وغيره قالوا هنا: المثال ليس لإعطاء الحكم، لأنَّه أطلق:
لِلْوَصْلِ هَمْزٌ سَابِقٌ لاَ يَثْبُتُ ... إِلاَّ إِذَا ابْتُدِي بِهِ كَاسْتَثْبِتُوا

قيَّده بأنَّه في الفعل، إذاً: لا يكون في الاسم، ولا يكون في الحرف، نقول: ليس هذا مراده، وإنَّما ذكر الفعل دون غيره:
أولاً: يريد أن يذكر مثالاً واحداً.
وثانياً: كان أولى ما يذكره هو الفعل للعِلَّة التي ذكرها ابن عقيل هنا: " لَمَّا كان الفعل أصلاً في التَّصريف اخْتصَّ بكثرة مجيء أوله ساكناً، فاحتاج إلى همزة الوصل، فكل فعلٍ ماضٍ احتوى على أكثر من أربعة أحرفٍ يجب الإتيان في أوله بهمزة الوصل " يعني: أوله (في) هنا ظرفية مجازية (في أوله).
ثُمَّ المراد كما هو ظاهر: الفعل الماضي، وفعل الأمر الباقيان على فِعْلِيَّتِهما، إذا سُمي بفعل الأمر نقول: همزته همزة وصل كما سبق، (كَذَا أَمْرُ الثُّلاَثِي) وَانْطَلَقَ وَاسْتَخْرَجَ، لو سَمَّيت رجلاً بـ: (انْطَلَقَ) حينئذٍ همزته تكون همزة قطع، تقول: جاء إنْطَلَقَ، على أنَّه همزة قطع، و (جاء إستخرج) .. (فقلت لإضْرِب) حينئذٍ تقطع الهمزة كما هو شأن سائر الأسماء.


إذاً: المراد هنا بكون الفعل الماضي همزته همزة وصل: إذا لم يُنْقَل للعلمية، وإمَّا إذا نُقِل للعلمية سواءٌ كان فعل الأمر الثلاثي، أو الفعل الماضي الخماسي والسداسي، إذاً نُقِل للعلمية حينئذٍ صارت همزته همزة قطع. الباقيان على فِعْلِيَّتِهما، و (أَلْ) كما سيأتي الباقي على حرفيتها، فلو سَمَّيت شخصاً بشيءٍ من ذلك، أو قصدت به لفظه، عندما نقول: قُصِد لفظه صار علماً، حينئذٍ همزته همزة قطع فلا يلتبس عليك، فتنطق به بهمزة قطعٍ، فلا يوصل في دَرْج الكلام وإنَّما تقطعه لأنَّه صار علماً.
إذاً: إذا سُمِّي شخصٌ بشيءٍ من فعل الأمر الذي همزته همزة وصل وهو الخماسي أو السداسي أو فعل الأمر أو قُصِد لفظه في الحكم عليه كما يَمُرُّ معنا كثير، حينئذٍ صارت همزته همزة قطع. وجب قطع الهمزة على قياس همزات الأسماء الصِّرْفَة غير العشرة المستثناة.
قال الشَّارح: " نحو: اسْتَخْرَجَ " الهمزة همزة وصل لأنَّه ماضٍ سداسي، وانطلق، همزته همزة وصل لأنَّه ماضٍ خماسي، وكذلك الأمر منه .. من الخماسي والسداسي: اسْتَخْرِج وَانْطَلِقْ، والمصدر نحو: استخراج وانطلاق، وكذلك تجب الهمزة في أمر الثلاثي نحو: اخْشَ وَامْضِ وَانْفُذْ من: خشي ومضى ونفذ، ولو قال: من يخشى ويمضي وينفذ، كان أولى لِيَدُل على أنَّه إذا كان ساكن الثاني.
ثُمَّ أشار إلى الموضع الخامس وهو سماعي بقوله:
وَفِي اسْمٍ اسْتٍ ابْنٍ ابْنُمٍ سُمِعْ ... وَاثْنَيْن وَامْرِىءٍ وَتَأْنِيثٍ تَبِعْ
وَايْمُنُ. . . . . . . . . . . . ... . . . . . . . . . . . . . . . . . .

هذه سبعة أسماء .. ذكر سبعة أسماء: (اسْم) هذا الأول، (اسْتٍ) الثاني، (ابْنٍ ابْنُمٍ) (ابْنُ) نفسها زِد عليها ميم، (ابْن) الثالث، (ابْنُمٍ) الرابع، (اثْنَيْن) الخامس، (امْرِىءٍ) السادس، (وَايْمُنُ) السابع.
اسْمٌ .. اسْتٌ .. ابْنٌ .. ابْنُمٌ .. اثنان .. امْرُئٌ .. أيْمُنُ، هذه سبعة، إذاً: ذكر سبعة أسماء، ونحن نقول: الأسماء العشرة، لأنَّه قال: (وَتَأْنِيثٍ تَبِعْ) (ابن) .. (ابنة) ثمانية، (اثنان) .. (اثنتان) تسعة، (امْرِئٍ) .. (امرأة) عشرة، إذاً: هذه الأسماء عشرة .. محفوظة.
إذاً: ذكر سبعة أسماء وَفُهِم من قوله (وَتَأْنِيثٍ تَبِعْ): أنَّ مجموعها عشرة أسماء لأنَّ مؤنَّث (امْرِىءٍ): امرأة، ومؤنث (ابْن): ابنة، (وَاثْنَيْن): اثنتان.
(وَفِي اسْمٍ) جار ومجرور مُتعلِّق بقوله: (سُمِعْ)، إذاً: أشار بقوله (سُمِعْ): أنَّ هذه الألفاظ مسموعة لا قياسية، فَتُحْفَظ ولا يقاس عليها، واسمٌ أصله: سِمْوٌ أو سُمْوٌ، حُذِفت اللام اعتباطاً وَعُوِّض عنها الهمزة في أولها، إذاً: هذه الهمزة -همزة الوصل- عِوَض عن محذوفٍ وهو لام الكلمة، على مذهب البصريين كما مرَّ معنا مراراً.
إذاً: (وَفِي اسْمٍ اسْتٍ) يعني: وَاسْتٍ، على حذف حرف العطف، وما يأتي كله على حذف حرف العطف إلا ما ذُكِر، (واسْتٍ) أصله: سَتَهٌ بالهاء، حُذِفت اللام اعتباطاً وعُوِّض عنها همزة الوصل، ولذلك تقول: سُتَيْهَةٌ، ترجع في التَّصغير كما مرَّ معنا، إذاً: سَتَهٌ، بالهاء فَحُذِفت الهاء .. اللام وعُوِّض عنها الهمزة.


و (ابْنٍ) على حذف حرف العطف، (ابْنٍ) أصله: بَنَوٌ، حُذِفت الواو التي هي لام الكلمة اعتباطاً وعُوِّض عنها همزة الوصل صار (ابْن).
(ابْنُمٍ) هو نفسه (ابْنُ) زِيِد عليه الميم، (وَاثْنَيْن) أصله: ثَنِي، (وَامْرِىءٍ) لم يُحْذَف منه شيء، ولكن أُلْحِق بهذه الأسماء المحذوف منها حرفٌ لأنَّ الهمزة بصدد التَّغيير فحكموا لها بحكم المحذوف .. نقول: سماعي، وما دام أنَّه سماعي لا يُعَلَّل .. هذه الألفاظ تُحْفَظ ولا تُعَلَّل، لأنَّ أكثر ما ذُكِر من العلل فيها تَكَلُّف.
وأمَّا (أَيْمُن) فهو المستعمل في القسم وهو مُشْتَقٌّ من اليُمْنّ على مذهب سيبويه، إذاً: هو مفرد وليس بجمعٍ، فهمزته زائدة، لأنَّه من اليُمْنّ، إذاً: الهمزة هذه زائدة وإذا كان زائدة حينئذٍ حكمنا عليها بكونها همزة وصل، هذا مذهب البصريين.
وهمزته قطعٌ عند الكوفيين، إذاً: (وَايْمُنُ) هذا مختلفٌ فيه، فهمزته همزة وصل عند البصريين لأنَّه مفرد .. لأنَّه مُشْتَقٌّ من اليُمْن وهذا مذهب سيبويه، وهو البركة، وهمزته قطعٌ عند الكوفيين، وأنَّه عندهم جمع يَميِن: (أَيْمُن)، إذاً: ليست همزته همزة وصل بل هي همزة قطعٍ.
إذاً:
وَفِي اسْمٍ اسْتٍ ابْنٍ ابْنُمٍ سُمِعْ ..
(سُمِعْ) تعلَّق به قوله: (فِي اسْمٍ) جار ومجرور مُتعلِّق بقوله (سُمِع)، (اسْتٍ) معطوف على (اسْمٍ) على حذف حرف العطف، كذلك (ابْنٍ) معطوف على (اسْمٍ)، (ابْنُمٍ) معطوف على (اسْمٍ)، (سُمِعْ) فعل ماضي مُغيَّر الصيغة، ونائب الفاعل ضمير يعود على همزة الوصل، سُمِع همز الوصل في اسمٍ.
(وَاثْنَيْن) هذا معطوف على (اسْمٍ)، يعني: في اثنين، (وَامْرِىءٍ) معطوف على (اسْمٍ) كذلك، (وَتَأْنِيثٍ تَبِعْ) تَبِعَ ما يُؤَنَّث من الألفاظ الثلاثة التي ذكرناها، وهي: (ابن) .. (ابنه)، و (اثنين) .. (اثنتان)، (وامرئٍ) .. (امرأة) هذه عشرة.
قال ابن هشام: " وينبغي أن يُزَاد (أَلْ) الموصولة " (وايْمُ) .. (أَلْ) الموصولة، وسيأتي أنَّ همزتها همزة وصل، لأنَّه قال: (هَمْزُ أَلْ كَذَا) الصواب أنَّه مطلقاً: مُعَرِّفة .. زائدة .. موصولة، لأنَّه اشتهر عندهم الأسماء العشرة على هذه الأسماء فقط، حينئذٍ لا يذكرون معها (أَلْ) الموصولة مع كونها اسماً، (اسْم اسْت) إلى آخره، هذه أسماء همزتها همزة وصل، وسبق معنا أنَّ (أَلْ) الموصولة اسمٌ وهمزتها همزة وصل، إذاً: ينبغي عدُّها، وهذا استدراك في محله.
كذلك (أيْمُ) هذه لغة في: (أَيْمُن)، إذاً: صارت اثني عشر اسماً، ليست عشرة، يُزَاد عليها (أَلْ) الموصولة، همزتها همزة وصل، وَيُزَاد عليها (أيْمُ) لغةٌ في (أَيْمُن)، فإن قالوا هي: (أَيْمُنُ) حُذِفَت اللام، قلنا: و (ابْنُمٌ) هو (ابْنُ) فَزِيدت الميم، يعني قال ابن هشام: لو قيل (أيْمُ) هي نفسها
(أَيْمُن) حُذِفت النون .. اللام، إذاً: لا داعي من زيادتها.
قيل لهم: أنتم قلتم (ابْن وابْنُمٌ) (ابْنُمٌ) هي (ابْن) زيدت عليها الميم وهذا حُذِف منه، إذاً: ما دام أنَّكم عددتم (ابْن وابْنُمٌ) وهما شيءٌ واحد، إذاً: عُدُّوا كذلك (أَيْمُنُ) و (أيْمُ) بحذف النون، إذاً: يَخْلُصْ من هذا أن نقول: أنَّ الأسماء اثنا عشر اسماً وليست بعشرة.


ثُمَّ أشار إلى الموضع السادس والأخير فقال:
(هَمْزُ أَلْ كَذَا) (هَمْزُ) مبتدأ وهو مضاف، و (أَلْ) قصد لفظه مضافٌ إليه، (كَذَا) جار ومجرور مُتعلِّق بمحذوف يعني: مثل (ذا) السَّابق في كون همزته همزة وصلٍ، و (أَلْ) أطلقها النَّاظم حينئذٍ تعم المعُرِّفَة والموصولة والزَّائدة، همزتها همزة وصلٍ وليست بهمزة قطع، على خِلافٍ فيه.
إذاً أشار بقوله: (هَمْزُ أَلْ كَذَا) أي: مثل (ذا) السَّابق أي: أنَّ الهمزة في (أَلْ) همزة وصلٍ كما كانت فيما ذُكِر، وهذا مذهب سيبويه، مذهب سيبويه: أنَّ همزة (أَلْ) همزة وصلٍ وليست بهمزة قطع.
ومذهب الخليل: أنَّها أصلية يعني: همزة قطعٍ، حُذِفت في الوصل لكثرة الاستعمال، إذاً: (هَمْزُ أَلْ كَذَا) على الصحيح وهو مذهب سيبويه، بأنَّ الهمزة هي همزة وصلٍ وضعاً واستعمالاً، وأمَّا على مذهب الخليل فهي همزة قطعٍ وضعاً ووصلٌ استعمالاً، لأنَّها سقطت لكثرة الاستعمال.
ثُمَّ بين حكم همزة (أَلْ) إذا دخل عليها همزة استفهام:
. . . . . . . . . . وَيُبْدَلُ ... مَدّاً فِي الاِستِفْهَامِ أَوْ يُسَهَّلُ

بَيَّن حكم (أَلْ) إذا دخل عليها همزة الاستفهام، وقال (وَيُبْدَلُ) إلى آخره، يعني: أنَّ (أَلْ) إذا دخل عليها همزة الاستفهام جاز فيها -يعني: في الهمزة- وجهان: الإبدال أو التَّسهيل، إبدالها ألفاً من جنس حركة الهمزة التي قبلها، وتسهيلها بين الألف، وقد قُرِئ بهما في قوله: ((آلذَّكَرَيْنِ)) [الأنعام:143].
وَفُهِم منه: أنَّ غير همزة (أَلْ) من همزة الوصل تُحْذَف إذا دخل عليها همزة الاستفهام، لعدم الحاجة إليها نحو: ((أَصْطَفَى الْبَنَاتِ)) [الصافات:153] (اصْطَفَى) هذا خماسي وهمزته همزة وصل، و (أَلْ) همزتها همزة وصل، هنا دخل الاستفهام على ما ليس مُتَّصلاً بـ (أَلْ)، حينئذٍ حُذِفت قولاً واحداً.
هنا: (أَصْطَفَى) أصله: (اصْطَفَى) أين همزة الوصل؟ نقول: حُذِفت قولاً واحداً؛ لدخوله على غير همزة (أَلْ) لأنَّ الأصل: أنَّها تُحْذَف كما سبق، لأنَّها صارت في دَرْج الكلام، لأنَّ همزة الاستفهام مُحَرَّكة، حينئذٍ إذا تَقدَّمت على همزة الوصل صارت همزة الوصل في دَرْج الكلام .. سقطت، إلا همزة (أَلْ) فلك أحد الوجهين: إمَّا إبدالها، وإمَّا تسهيلها، أمَّا غيرها فَتُحْذَف قولاً واحداً.
((أَصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ)) وإنَّما لم تُحْذَف همزة (أَلْ) إذا دخل عليها همزة الاستفهام وكان القياس حذفها -لِمَا ذكرناه-، لئلا يلتبس الاستفهام بالخبر لاشتراك الهمزتين في الفتحة.
على كُلٍّ؛ هذا هو المسموع: أنَّه إذا دخلت همزة الاستفهام على (أَلْ) فتبقى همزة (أَلْ) .. تبقى ولا تُحْذَف، هذا استثناءٌ من القياس، والأصل في القياس: أنَّ همزة الوصل تسقط في دَرْج الكلام، وإذا ابتدئ بِمتحرِّك وهو همزة استفهامٍ حينئذٍ قلنا الأصل: سقوط همزة الاستفهام، ولكن تبقى على أصلها.


(وَيُبْدَلُ مَدّاً) ما هو (يُبْدَلُ)؟ (هَمْزُ أَلْ)، (يُبْدَلُ) الضمير يعود على المتأخِّر (يُبْدَلُ هَمْزُ أَلْ)، (مَدّاً) مفعول ثاني، وأين الأول؟ نائب الفاعل و (وَيُبْدَلُ مَدّاً) يبدل الأول الذي هو المفعول السابق .. نائب الفاعل يعود على الهمز .. همزة (أَلْ) (مَدّاً) هذا على حذف المضاف أي: يُبْدَل حرف مدٍّ.
(فِي الاِستِفْهَامِ) مُتعلِّق بـ (يُبْدَلُ) وَيُبْدَلُ فِي الاِستِفْهَامِ مَدّاً وهو الأرجح ولذلك قدَّمه النَّاظم .. قدَّمه لأنه أرجح على التسهيل، (أَوْ يُسَهَّلُ) بين الهمزة والألف مع القصر ولا يُحْذَف، (يُبْدَلُ مَدّاً) من جنس الحركة: إن كانت واواً واو .. ياءً ياء، (أَوْ يُسَهَّلُ) يعني: همز (أَلْ) (يُسَهَّلُ) هذا معطوفٌ على (يُبْدَلُ)، (يُسَهَّلُ) يعني: بين الهمزة والألف مع القصر ولا يُحْذَف و (أَوْ) هنا للتَّخيير، و (أَوْ) التي للتَّخيير إنَّما تكون بعد طلب: تَزَوَّج هِنْدَاً أَوْ أُخْتَهَا، تَزَوَّج .. قلنا: لا يكون إلا بعد طلب، (أَوْ) التي للتَّخيير لا تكون إلا بعد طلبٍ، بخلاف الإباحة، فرق بين الإباحة والتَّخيير: أنَّه لا يُجْمَع بينهما في التَّخيير دون الإباحة، الإباحة يجوز الجمع: تعلم النَّحو أو العروض، حينئذٍ نقول يجوز الجمع بينهما، وأمَّا: تَزَوَّج هِنْدَاً أَوْ أُخْتَهَا، نقول: هذا للتخيير، لا يُجْمَع بينهما، حينئذٍ نقول: (أَوْ) هنا للتَّخيير، وشرطها: أن تكون مسبوقةً بطلب.
هنا لقوله:
. . . . . . . . . . . وَيُبْدَلُ ... مَدّاً فِي الاِستِفْهَامِ أَوْ يُسَهَّلُ

هو خيَّرك بين الإبدال مدَّاً وبين (التَّسهيل) كأنَّه قال لك: أبدلها مدَّاً في الاستفهام أو سهلها، فهو في قوة الأمر، كأنَّه خبرٌ مُرَادٌ به الطَّلب، وهذا توجيهٌ جَيْد وهو للمكودي، (أَوْ) للتَّخيير كأنَّه قال: أبدلها أو سهلها، خيَّرك بين الأمرين، لأنَّه لا يمكن الجمع هنا؛ إمَّا أن تُبْدِل فيمتنع التَّسهيل، وإمَّا أن تُسَهِّل فيمتنع الإبدال، هذا أو ذاك.
إذاً:
. . . . . . . . . . . وَيُبْدَلُ ... مَدّاً فِي الاِستِفْهَامِ أَوْ يُسَهَّلُ

قال الشَّارح: "لَمْ تُحْفَظ همزة الوصل في الأسماء التي ليست مصادر" أمَّا المصادر فهي قياسية أمَّا الجامدة فلا، كلها محفوظة .. المصادر كما سبق الخماسي والسداسي.
لَمْ تُحْفَظ همزة الوصل في الأسماء التي ليست مصادر لفعلٍ زائدٍ على أربعةٍ إلا في عشرة اسْمٌ واسْتٍ وابْنٍ وابْنُمٍ واثنين وامْرُئٍ وامرأة وابنةٍ واثنتين وَايْمُن في القسم.
ولم تحفظ في الحروف إلا في (أَلْ) ومثلها (أَمْ) في لغة حمير-هكذا قيل-، وَلَمَّا كانت الهمزة مع (أَلْ) مفتوحة وكانت همزة الاستفهام كذلك مفتوحة لَمْ يَجُزْ حذف همزة الاستفهام لئلا يلتبس الاستفهام بالخبر، ولا يُحَقَّق لأنَّ همزة الوصل لا يثبت في الدَّرْج إلا لضرورة، إمَّا أن تبدلها وإمَّا أن تسهلها، نخلص من هذا: الإبدال أو التَّسهيل هل حقَّقت همزة الوصل .. هل نطقت بها كما هي؟ لا، لأنَّ الأصل: ألا يُنْطَق بها في دَرْج الكلام، حينئذٍ أُبْدِلت أو سُهِّلَت، بل وجب إبدال همزة الوصل ألفاً نحو: آلأمير قائم، أو تسهيلها ومنه قوله:


أَأَلْحَقَّ إِنْ دَارُ الرَّبَابِ تَبَاعَدَتْ ... أَوِ انْبَتَّ حَبْلٌ أَنَّ قَلْبَكَ طَائِرُ

إذاً: همزة الوصل إنَّما تكون مُتَّصلةً بالاسم إذا كان قياساً يكون في المصدر .. مصدر الفعل الخماسي أو السداسي الماضي، وأمَّا ما عداه فهي همزة وصلٍ سماعاً، الأصل: أنَّها همزة قطع، إن سُمِعت فهو موقوفٌ على السَّماع، وما عدا ما ذكره من القياس وهو مصادر الخماسي والسداسي فهو همزة قطع.
وفي الحرف لا تكون إلا همزة قطع، فـ (إلى) و (إلا) و (ألا) ونحوها .. كُلَّ هذه الحروف همزتها همزة قطع، إلا همزة (أَلْ) فقط هذه هي التي تستثنى، إذاً: همزة الوصل لا تكون في حرفٍ غير (أَلْ).
إذاً: جميع الحروف داخلة، حينئذٍ قولهم: (لِلْوَصْلِ هَمْزٌ) بأنَّ النَّاظم أطلق القبيل هناك .. قول المكودي وغيره، غير وارد، لأنَّ الحرف الأصل فيه: أنَّ همزته همزة قطع، فلا يرد إلا الفعل والاسم، وإذا كان الأكثر في الفعل هو الأصل دخول همزة الوصل عليه كأنَّه اخْتصَّ به.
ولا في فعلٍ مضارعٍ مُطلقاً .. لا تكون الهمزة في فعلٍ مضارعٍ مُطلقاً، لأنَّه إذا كان مفتتحاً بهمزة (أَنيت) فهي همزة قطع .. لا يكون مضارعاً مفتتحاً بهمزة إلا وهي همزة (أَنيت) المُتكلِّم .. (أُكْرِم).
إذاً: ولا في فعلٍ مضارعٍ مُطلقاً، ولا في ماضٍ ثلاثيٍّ كـ: أمر وأخذ، وهذا سبق الاحتراز عنه، أو رباعي كـ: أكرم وأعطى، ولا في اسمٍ إلا مصدر الخماسي والسداسي، والأسماء العشرة المذكورة، وَيُحْذَف همز الوصل المضموم مع الاستفهام كما سبق: اضْطُرَّ الرَّجُلُ، بالاقتصار على همزة الاستفهام المفتوحة، وحذف همزة الوصل المضمومة بعدها، وأمَّا حركتها، لأنَّ الأصل فيها أنَّها ساكنة فلها سبعة أحوال:
الأول: وجوب الفتح، وذلك في المبدوء بـ (أَلْ) .. واجبة الفتح: الرجل .. العالم، هذه الهمزة همزة وصلٍ وهي مفتوحة، وحكمها: أنها واجبة الفتح.
الثاني: وجوب الضَّمِّ، وذلك في نحو: اُنْطُلِقَ .. اُسْتُخْرِج، في الفعل مُغيَّر الصيغة إذا كان مبدوءً بهمزة وصلٍ: اُنْطُلِق .. انْطََلَقَ، مُغيَّر الصيغة، إذاً: وجب هنا ضَمُّ الهمزة، كذلك: اُسْتُخْرِج، وجب ضَمُّ الهمزة، إذاً: في الفعل المبني للمفعول إذا كان خماسياً أو سداسياً، لأنَّ همزة الوصل لا تُتَصَوَّر إلا فيهما.
وفي أمر الثلاثي المضموم العين في الأصل، يعني: وجوب الضَّمِّ يكون في مواضع:


أولاً: اُنْطُلِقَ وأُسْتُخْرِج، مُغيَّر الصيغة، كذلك في أمر الثلاثي المَضْمُوم العين في الأصل: اُقْتُلْ .. اُكْتُبْ، لكونه مضموم العين في الأصل، فتقول: يَكْتُبُ، كُلُّ فعل مضارع على وزن (يَفْعُل) ففعل الأمر منه يكون بِضَمِّ الهمزة: يَكْتُبُ .. اكتب، ضممت الهمزة وحكمها الوجوب .. وجوب الضَّمِّ، كذلك: اُقْتُلْ، بخلاف: امشوا .. امضوا، (اُقْتُل) العين مضمومة. ز التاء، (اُكْتُبْ) التاء وهي عين الكلمة مضمومة، أمَّا (امْشُوا) هنا الضَّم عارض، وكذلك: امضوا، الضَّم عارض، لأنَّ الأصل: امشيوا، اسْتُثْقِلَت الضَّمَّة على الياء فَنُقِلَت إلى ما قبلها فَحُذِفت الياء، وكذلك: امضيوا، إذاً: الأصل فيه: امْضُوا .. امْشُوا، وإنَّما ضُمَّت هنا لمناسبة الواو، وإنَّما تُضَمُّ همزة الوصل إذا كانت الضَّمَّة أصلية وأمَّا إذا كانت عارضة فلا.
إذاً: هذا الموضع الثاني وهو وجوب الضَّمَّ، يكون في موضعين: اُنْطُلِقَ وَاسْتُخْرِج، وَاُقْتْل .. اُكْتُبْ، وأمَّا: امشوا وامضوا، نقول: هنا الضَّمَّة عارضة.
الثالث: رجحان الضَّمِّ على الكسر يعني: جواز الوجهين الضَّم والكسر، ولكن يَتَرَجَّح الضَّمْ على الكسر، وذلك فيما عَرَض جَعْلُ ضَمَّة عينه كسرة. إذا عرض ما يجعل ضمَّة العين كسرة حينئذٍ جاز الوجهان، يعني: يجوز أن تُرَاعي الأصل فَتَضُم، ويجوز أن تراعي الحال .. الآن .. المآل فَتَكْسِر، والأصل: يكون ضَمُّ العين، ولكن قُلِبت الضَّمَّة كسرة لمناسبة ياء المخاطبة، وهذا في نحو: اغزِ .. اُغْزِ، يجوز فيه الوجهان، كُلُّ ما كان على هذا النَّمط: اغزي .. اُغْزِي، لأنَّ الزاي في الأصل أنَّها مضمومة: غزا يغزو، ولكن الياء هنا يناسبها كسر ما قبلها.
بِضَمِّ الهمزة راجحاً وكسرها مرجوحاً، لأنَّ الأصل: اغزوِي، اسْتُثْقِلَت الكسرة على الواو فَنُقِلَت ثُمَّ حُذِفت الواو للاتقاء الساكنين، فالضَّمُّ نظراً إلى الأصل، والكسر نظراً إلى الحال الراهنة.
الرابع: رجحان الفتح على الكسر مع جواز الوجهين، وذلك في: أَيْمُنْ وَأَيْمُ، (أيْمُن) خاصَّة يجوز فيه الوجهان، سواءٌ هو أو المحذوف.
الخامس: رجحان الكسر على الضَّمِّ، ليس له إلا موضع واحد وهو: (اسم .. اُسْمْ) لأنَّه من: سِمْوٌ.
السادس: جواز الضَّمِّ والكسر والإشمام، ثلاثة أوجه، وهذا مَرَّ معنا في: اختار وانقاد، مَبْنِيَّين للمفعول: اختير .. اختور، سبق معنا في نائب الفعل.
السابع: وجوب الكسر، وذلك فيما عدا الأحوال الستة السابقة وهو الأصل .. الأصل وجوب الكسر، لماذا الأصل؟ لأنَّ الأصل في التَّخلُّص من التقاء الساكنين: الكسر، هذا هو الأصل.
ومذهب البصريين أنَّ أصل همزة الوصل: الكسر، وإنَّما فُتِحَت في بعض المواضع تخفيفاً، وَضُمَّت في بعضها إتباعاً، إذاً الأصل: الكسر، والفتح للتَّخفيف، والضَّمُّ للإتباع، إذاً: كُلٌّ من الفتح والضَّمِّ عارض وليس بأصلٍ.
وذهب الكوفيون إلى أنَّ كسرها في: اضْرِبْ، وَضَمِّها في: اُسْكُنْ، إتباعاً للثَّالث، وهذا ضعيف، وَأُورِد عليهم عدم الفتح في: اعْلَمْ.
إذاً: هذا ما يَتَعَلُّقُ بهمزة الوصل.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين ... !!!