تقديم
علم النحو من العلوم الضرورية للمحافظة على اللغة العربية، ومن
أحسن المنظومات المؤلفة فيه ألفية ابن مالك رحمه الله، فإنها جمعت
مقاصد النحو وبينت مسائله، فمن تعلمها وأتقنها بلغ الغاية في هذا
العلم.
مقدمة في فوائد علم النحو ونشأته
أهمية علم النحو
نشأة علم النحو
مدرسة الكوفة ومدرسة البصرة والأرجح
منهما
مقدمة في فوائد علم النحو ونشأته
قال محمد هو ابن مالك أحمد ربي الله خير مالك مصلياً على النبي
المصطفى وآله المستكملين الشرفا وأستعين الله في ألفيه مقاصد النحو
بها محويه تقرب الأقصى بلفظ موجز وتبسط البذل بوعد منجز وتقتضي رضا
بغير سخط فائقة ألفية ابن معط وهو بسبق حائز تفضيلا مستوجب ثنائي
الجميلا والله يقضي بهبات وافره لي وله في درجات الآخره
أهمية علم النحو
بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم
على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين. نبدأ هذه الجلسات في
النحو بألفية ابن مالك ، وهي وإن كانت منتهى الطلب في النحو ، لكن
نظراً إلى أنكم والحمد لله قد أخذتم من النحو شيئاً كثيراً جعلناها
هي المبتدأ. والحقيقة أن علم النحو مهم جداً لما فيه من الفوائد
الكثيرة. فمن فوائده تقويم اللسان وتقويم البنان، أي: تقويم اللسان
عند النطق، وتقويم البنان عند الكتابة. والنطق وإن كان الناس
يتخاطبون فيما بينهم باللغة العامية فيعذرون؛ لأنك لو أردت أن
تخاطب العامي باللغة العربية الفصحى لقال: هذا رجل أعجمي! لأنه لا
يفهم اللغة العربية الفصحى إلا من ندر، لكن الكتابة التي يكون
بالنحو تقويمها هي المهمة بالنسبة لطلبة العلم؛ لأن بعض الطلبة
يكتب ما يكتب من الجواب على الأسئلة أو البحوث فتجد عنده من اللحن
ما تكاد تقول: إنه في أول الدراسة، مع أنه قد يأخذ الشهادة العالية
بعد شهر أو شهرين، وهذه محنة لما نعيشها اليوم. وبعض الطلبة إذا
تكلم في الحديث أو تكلم في الفقه أو في التفسير وجدت كلامه جيداً،
لكن عندما يكتب تجد عنده أخطاء، ربما يقول: باضت الدجاجةَ البيضةُ،
فيجعل الدجاجة بيضة للبيضة، وتجد أشياء غريبة. لهذا أرى أنه يتعين
على الطلبة الآن أن يتعلموا النحو وأن يمرنوا ألسنتهم وأقلامهم
عليه حتى لا تسوء سمعتهم بين الناس. ومن فوائد علم النحو: أنه يعين
على فهم الكتاب والسنة؛ لأنه يعرف به الفاعل من المفعول به، ويعين
على فهم المعنى، فكم من آية اختلف المعنى بإعرابها، فمثلاً قال
تعالى: فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ
وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ [المائدة:6] أو
(وأرجلِكم) فيختلف المعنى باختلاف الإعراب. اتَّقُوا اللَّهَ
الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ [النساء:1] أو
(والأرحامِ) فيختلف المعنى، فأنت إذا فهمت النحو أعانك على فهم
المعنى، حتى تُنَزِّل الآيات والأحاديث على المراد بها. ومن فوائد
علم النحو: إحياء اللغة العربية الفصحى، ولاشك أن إحياء اللغة
العربية الفصحى وانتشارها بين الناس يؤدي إلى أن يسهل فهم الكتاب
والسنة على كثير من الناس. وبهذا نعلم أن من قام بنشر اللغة غير
العربية بين العامة فقد جنى على نفسه وعلى لغته وعلى من علمه تلك
اللغة، نسمع أن من سفهائنا من يعلم صبيانه بدلاً من أن يقول: إذا
دخلت على بيت أو على جماعة فقل: السلام عليكم، وإذا أردت أن تنصرف
فقل: السلام عليكم؛ يقول: إذا دخلت فقل: باي باي! أو إذا انصرفت
فقل: باي باي!سبحان الله! عندك لغة عربية ودعاء بالسلام فتجعل هذا
الشيء بدلاً منه؟! فلهذا أقول: إن تعلم اللغة العربية يؤدي إلى
سهولة التخاطب بها، والتخاطب بها يعين الإنسان على معرفة الكتاب
والسنة.
نشأة علم النحو
وعلم النحو إنما احتاج الناس إليه حين بدأ اللسان يختلف، ويقال: إن
أول من ابتكره أبو الأسود الدؤلي في زمن علي بن أبي طالب رضي الله
عنه، وذلك حينما دخل على ابنته وهي مضطجعة على فراشها تنظر إلى
السماء وإلى المصابيح في الدجى، فقالت: يا أبت، ما أحسنُ السماء؟
فأجابها: نجومها. لأن قولها: ما أحسنُ السماء، يعني: أي شيء أحسن
في السماء؟ فقال: نجومها، وهي لا تريد هذا، إنما تريد أن تتعجب من
حسن السماء، فقالت: لست أريد هذا، إنما أريد أن أتعجب من حسنها.
قال: يا بنية! افتحي فاك فقولي: ما أحسنَ السماءَ! لأنها إذا قالت:
ما أحسنَ السماء! صارت الجملة جملة تعجب، وهذا هو المراد. فذهب أبو
الأسود الدؤلي إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأخبره الخبر،
وكأنه يقول: أدرك الناس لا يفسد لسانهم، فوضع له شيئاً من القواعد
وقال له: انح هذا المنحى، فسمي علم النحو. وعلم النحو وعلم الصرف
صنوان يكمل أحدهما الآخر، لكن الناس إلى علم النحو أحوج منهم إلى
علم الصرف؛ لأن علم النحو هو الذي تتغير به الكلمات كثيراً، وعلم
الصرف تبقى الكلمة على ما هي عليه في اللغة لا تتغير سواء كانت
فاعلاً أو مفعولاً أو مجروراً، لكن علم النحو هو الذي يكثر فيه
التغيير، ولهذا كانت حاجة الناس إليه أعظم من حاجتهم إلى علم
الصرف.
مدرسة الكوفة ومدرسة البصرة والأرجح منهما
وقد كان هذا العلم علماً مستقلاً، وكما نعلم أن الشيء أول ما يخرج
يكون ضعيفاً، ثم انتشر بين العلماء وصار له أئمة ومشايخ وأتباع،
وصار فيه مناظرات ومجادلات كثيرة، وانقسم العلماء فيه إلى قسمين:
علماء الكوفة وزعيمهم الكسائي ، وعلماء البصرة وزعيمهم سيبويه ،
ولكل منهم نظرات في علم النحو، وغالب ما يذهب إليه البصريون
التقعيد والحفاظ على القواعد، وأما الكوفيون فهم يتساهلون في هذا
الباب، وأنا إلى رأيهم أميل مني إلى رأي البصريين. فأقول: القاعدة
عندي: إذا اختلف الكوفيون والبصريون في مسألة فاتبع الأسهل فإنه
أسهل، أي: ليس فيه تعقيد؛ لأن هذا ليس أمراً شرعياً يثبت بالأدلة
الشرعية حتى ننظر ونتعب، فمادام هذا جائزاً عند جماعة من العلماء
فلنتبعه، وتتبع الرخص في هذا الباب جائز ولا حرج فيه؛ لأن تتبع
الرخص في هذا الباب أسهل، وسيمر بنا إن شاء الله تعالى مسائل كثيرة
نجد أن البصريين فيها متشددون وأن الكوفيين متساهلون. وإذا رأيتم
أن نقرأ المقدمة -لأن فيها فائدة- فهو حسن.