شرح ألفية ابن مالك للعثيمين

تعريف علم النحو وحكم تعلمه

علم النحو

شرح مقدمة الألفية

من هو ابن مالك

معنى الحمدلة

شرح الصلاة على النبي وآله

شرح استعانة المؤلف بالله تعالى

ثناء ابن مالك رحمه الله على ألفيته

الصفات التي جمعتها الألفية

تفضيل ابن مالك ألفيته على ألفية ابن معط وثناؤه عليه

دعاء ابن مالك لنفسه ولابن معط

  

علم النحو

يقول: (قال محمد هو ابن مالك إلى آخره). أولاً: لابد أن نعرف علم النحو، وهو: علم يعرف به أحوال أواخر الكلم من حيث الإعراب والبناء. وحكم تعلمه: أنه فرض كفاية. وهو مهم ولاسيما في عصرنا هذا، حيث إن الكثير من الطلبة لا يفهمون عن الإعراب شيئاً. وعلم النحو سهل صعب، فهو في ابتدائه صعب، لكن الإنسان إذا فهم قواعده صار سهلاً ويسيراً عليه، ولهذا يقال: إن النحو سهل لكن بابه حديد، إذا دخلت من هذا الباب فلن يبقى أمامك شيء يشق عليك، لكن ادخل الباب ولا تيأس فهو سهل. ثم إنه مما يسهل النحو أن الإنسان يجد التمارين فيه في كل ما ينطق به، فكل كلمة أو جملة تقولها أو تسمعها أو تقرؤها فهي تمرين على النحو، فهو لا يحتاج إلى تكلف أمثلة وصعوبة، ولهذا لا يكون صعباً على من أراده بجد.

 

شرح مقدمة الألفية

  

 

 

 

من هو ابن مالك

  

 

[قال محمد هو ابن مالك أحمد ربي الله خير مالك] (قال محمد) القول لابد له من قائل ومقول، فالقائل هنا صرح به المؤلف: (قال محمد)، والمقول هو الألفية كلها، ولهذا نقول في الإعراب: قال: فعل ماض. ومحمد: فاعل، وجملة (أحمد ربي إلى آخر الكتاب وهو قوله: وآله الغرام الكرام البرره وصحبه المنتخبين الخيره). كل هذه جملة واحدة تعتبر مقول القول في محل نصب. وقوله: ( هو ابن مالك ) الجملة تفسير أو في محل نصب على الحال، أي: مبيناً أنه ابن مالك ، و مالك هو اسم جده، لكنه اشتهر به، واسم أبيه عبد الله ، ويجوز للإنسان أن ينتسب إلى من اشتهر به مع العلم بأبيه الأدنى، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام في غزوة ثقيف (أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب ) لأن عبد المطلب أشهر من ابنه عبد الله، فهنا ابن مالك اشتهر بهذا الاسم محمد بن مالك وإلا فهو محمد بن عبد الله .

 

 

 

 

معنى الحمدلة

  

 

قوله: (أحمد ربي الله خير مالك): أحمد: فعل مضارع يدل على التجدد؛ لأن الحمد فعل يحدثه الإنسان بلسانه. والحمد: هو وصف المحمود بالكمال مع المحبة والتعظيم. فقولنا: (وصف المحمود بالكمال) خرج به الذم الذي هو مقابل المدح. وقولنا: (مع المحبة والتعظيم) خرج به المدح؛ لأن المدح قد يقترن به حب التعظيم وقد لا يقترن به، فمن مدح ملكاً من الملوك لينال منه جائزة فإن هذا لا يكون حمداً إلا إذا كان في قلب المادح حب وتعظيم لهذا الملك، أما إذا كان يحب أن يقضم الملك بنواجذه لكن اضطر إلى مدحه ليأخذ من جائزته فهذا لا يسمى حمداً، وإنما يسمى مدحاً. وقد ذكر ابن القيم رحمه الله في كتابه بدائع الفوائد -الذي هو اسم على مسمى (بدائع)، فهو يبحث في ما يعن له في خاطره من غير ترتيب، لكنه يبحث أحياناً بحوثاً لا تكاد تجدها في غيره- بحث عن الفرق بين الحمد والمدح بحثاً عظيماً، وقال: كان شيخنا إذا تكلم في هذا الباب أتى بالعجب العجاب. وشيخه هو ابن تيمية، ولكنه كما قيل: تألق البرق نجدياً فقلت له إليك عني فإني عنك مشغول أي أنه رحمه الله مشغول عن مباحث النحو وما يتعلق به بأمور أهم؛ بمجادلة الفلاسفة والمتكلمين والمنطقيين وغيرهم. وقد جرى بينه وبين أبي حيان الإمام المشهور في النحو في مصر مناظرة في مسائل نحوية، وكان أبو حيان يعظمه ويجله وقال فيه قصيدة عصماء منها: قام ابن تيمية في نصر شرعتنا مقام سيد تيم إذ عصت مضر وسيد تيم هو أبو بكر رضي الله عنه، وعصيان مضر كان في الردة. ولما قدم شيخ الإسلام إلى مصر وجرت بينه وبين أبي حيان مناظرة في النحو، واحتج أبو حيان على شيخ الإسلام بما في كتاب سيبويه، وقال: إن ما ذكرته مخالف لما في الكتاب. فقال: أي كتاب؟ قال: كتاب سيبويه. قال: وهل سيبويه نبي النحو حتى يجب علينا اتباعه، لقد غلط سيبويه في كتابه في أكثر من ثمانين موضعاً لا تعرفها لا أنت ولا سيبويه! فحمي الرجل وغضب وهجاه بقصيدة؛ لأنه تكلم عليه هذا الكلام. فالمهم على كل حال أن الحمد هو: وصف المحمود بالكمال مع المحبة والتعظيم. (أحمد ربي الله): لم يقل أحمد الله ربي، بل بدأ بالربوبية؛ لأن المقام مقام استعانة، والربوبية تتعلق بالاستعانة أكثر من الألوهية، فالألوهية للعبادة، والاستعانة بالربوبية أكثر، ولهذا قال: (أحمد ربي). وقوله: (الله) هذا عطف بيان يبين من ربه، وهو الله. والرب في الأصل: المتصرف في الشيء، ولهذا يقال لمالك الدابة: رب الدابة، ولمالك الدار: رب الدار. لكن الرب الذي هو الله عز وجل نقول في تفسيره: هو الخالق المالك المدبر، والملك المطلق لا يكون إلا لله، والخلق المطلق لا يكون إلا لله، والتدبير المطلق لا يكون إلا لله، فما أضيف إلى المخلوق من خلق فليس خلقاً حقيقة وإنما هو تغيير، ففي الحديث: (يقال للمصورين أحيوا ما خلقتم) وهم لم يخلقوا شيئاً، وإنما حولوا الشيء إلى شيء آخر، وأما الإيجاد فلا يكون إلا لله. كذلك الملك الحقيقي لله، والملك المضاف للمخلوق ليس ملكاً مطلقاً، بل هو ملك قاصر في شموله، وقاصر في تصريفه. قاصر في شموله؛ لأن المالك من الخلق لا يملك إلا ما تحت يده، وما عند غيره فليس له، وكذلك قاصر في تصريفه، إذ إن المالك لا يملك التصرف على ما يريد في كل شيء، بل على حسب ما شرعه الله عز وجل. والله هو المألوه، أي: المعبود حباً وتعظيماً. وقوله: (خير مالك) هذه من متعلقات الربوبية، يعني أنه سبحانه وتعالى خير من ملك، حتى فيما يصيب العبد من المصائب والنكبات فهي خير، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: (عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله خير، إن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له، وإن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن)!

 

 

 

 

شرح الصلاة على النبي وآله

  

 

قوله: (مصلياً على النبي المصطفى): مصلياً: حال من فاعل (أَحمدُ)، يعني: أحمد الله حال كوني مصلياً على النبي، أي سائلاً الله عز وجل أن يصلي عليه. وصلاة الله على نبيه هي: ثناؤه عليه في الملأ الأعلى. وليست الصلاة من الله هي الرحمة كما زعمه بعض العلماء، بل الصلاة أخص من الرحمة، والدليل على التباين بينهما قوله تعالى: أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ [البقرة:157]، والأصل في العطف المغايرة. ولو كانت الصلاة هي الرحمة لجاز أن نصلي على كل واحد كما جاز أن نترحم على كل واحد، ومعروف أن الصلاة على غير الأنبياء لا تجوز إلا تبعاً أو لسبب. فالصلاة تبعاً كما في قوله: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد. والصلاة لسبب كما في قوله تعالى: خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ [التوبة:103]، وأما أن تتخذ شعاراً لشخص معين سوى الأنبياء فإن ذلك لا يجوز. وقوله: (على النبي): النبي: قيل إنه من النبيء بالهمز، لكنه سهل، وجعلت الهمزة ياء وأدغمت في الياء الأولى، وإنه مأخوذ من النبأ وهو الخبر؛ لأن النبي منبَّأ منبِّئ فهو منبأ من قبل الله، ومنبئ للخلق عن الله. وقيل: إن النبي ليس فيه تسهيل، وإنه مأخوذ من النبوة وهي الارتفاع، وذلك لارتفاع رتبة النبي. والصحيح أنه مأخوذ من هذا ومن هذا، فهو لفظ مشترك بين المعنيين، والوصفان صالحان للنبي، فهو عليه الصلاة والسلام منبئ ومنبأ وعالي الرتبة. وقوله: (المصطفى): يعني المختار، أي المختار من الأنبياء؛ لأن الأنبياء مختارون من المؤمنين، والأنبياء أنفسهم منهم من اختاره الله مثل أولي العزم الخمسة: محمد صلى الله عليه وسلم، وإبراهيم، وموسى، ونوح، وعيسى، وهم مذكورون في كتاب الله في موضعين: في قوله تعالى: وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ [الأحزاب:7] ، وفي قوله: شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ [الشورى:13] فهو صلى الله عليه وسلم من المصطفين. والمصطفى تصريفها في الأصل: أن الطاء أصلها تاء (المصتفى)، لكن القاعدة في اللغة العربية أنه إذا اجتمعت التاء والصاد قلبت التاء طاء، وهو مأخوذ من الصفوة. قوله: (وآله المستكملين الشُرفا): ويجوز: (الشَرفا). فإن قلنا (الشُرفا) صارت صفة لآل، وإن قلنا (الشَرفا) صارت مفعولاً به للمستكملين، أي: الذين استكملوا الشرف. (وآله) هنا أتباعه على دينه؛ لأن الآل على القول الراجح إن قرنت بالأتباع فالمراد بها المؤمنون من قرابته، وإن أفردت فالمراد بها أتباعه على دينه. ففي قوله: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، المراد أتباعه على دينه. وفي قول القائل: اللهم صل على محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه، المراد المؤمنون من قرابته، هذا هو الصحيح، ولا يتم المعنى إلا بذلك، وأما من حمل الآل على الأتباع مطلقاً أو على المؤمنين من أقاربه مطلقاً ففي قوله نظر. وقوله: (المستكملين الشرفا) يعني الذين أكملوا الشرف في أخلاقهم وفي عباداتهم وفي معاملاتهم، فإن الشرف والسيادة يكون لأتباع النبي صلى الله عليه وسلم، وإذا كانوا من قرابته نالوا شرفين: شرف الإيمان وشرف النسب والقرابة من رسول الله صلى الله عليه وسلم.

 

شرح استعانة المؤلف بالله تعالى

  

 

ثم قال: (وأستعين الله في ألفيه) هنا أظهر في موضع الإضمار ولم يقل: وأستعينه في ألفية؛ لأن باب الدعاء ينبغي فيه البسط. ثم إنه لما طال الفصل بين قوله: (أحمد ربي) و(أستعين الله) حسن أن يظهر في موضع الإضمار. وثم شيء ثالث، وهو أنه لما قال: (مصلياً على النبي) لو قال: (وأستعينه) لتوهم الواهم أنه يستعين بالنبي صلى الله عليه وسلم. فلهذه الأسباب الثلاثة أظهر رحمه الله وقال: (أستعين الله)، ولم يقل: أستعينه. ومعنى أستعين: أطلب العون، كقول القائل: أستغفر الله، أي أطلب المغفرة. وما ذهب إليه المؤلف رحمه الله من بدء العمل بهذه الألفية مع استعانة الله مطابق تمام المطابقة لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز) فالمؤلف بهمته العليا نظم الألفية فحرص على ما ينفعه، ولكنه لم يقتصر على ذلك بل قال: (وأستعين الله في ألفيه)، ومن استعان بالله متلجئاً إليه صادقاً في قصده فإن الله تعالى يعينه، وإذا كان الله سبحانه وتعالى قد أمر بمعونة من استعانك وأنت مخلوق، فإعانته من استعان به من باب أولى، ولكن اصدق الله أنك تستعينه حقيقة، فإن أكثرنا -نسأل الله أن يعاملنا بعفوه- يعتمد على ما أعطاه الله من القوة وينسى الله، وربما يتكلم بكلام يدل على إعجابه بنفسه والعياذ بالله، فيقول: فعلت وفعلت وفعلت إلى آخره، لكن المؤمن حقاً هو الذي يحرص على ما ينفعه ويقوم بما يستطيع، لكن مع الاستعانة بالله عز وجل. وقوله: (وأستعين الله في ألفية) أي: في نظمها، وهي نسبة إلى الألف، وهذه المنظومة لا تزيد على ألف بيت إلا ببيتين فقط، والكسر عند العرب مغتفر، على أنك إذا تأملت وجدت أنها لم تزد في الحقيقة؛ لأنه استشهد في ضمنها ببيت لغيره فيسقط، وتكون ألفاً وواحداً. والبيت الأول وهو افتتاح الألفية: (قال محمد هو ابن مالك ) فلم يكن من مقول القول، فيصدق عليها أنها ألف بيت لا تزيد ولا تنقص. والخطب في هذا سهل، أعني أنا لو فرضنا أنها ألف وخمسة أو ألف وعشرة فإن الكسر عند العرب إما أن يجبر وإما أن يلغى.

 

ثناء ابن مالك رحمه الله على ألفيته

  

 

 

 

الصفات التي جمعتها الألفية

  

 

قوله: (مقاصد النحو بها محويه): المقاصد: جمع مقصود، يعني أن المقصود من النحو قد حوته هذه الألفية. ومعنى محوية: مجموعة. ثم بين أن هذه الألفية مع شمولها وجمعها لمقاصد النحو سهلة فقال: [تقرب الأقصى بلفظ موجز وتبسط البذل بوعد منجز] (الأقصى) يحتاج إلى مسافة طويلة، لكنها تقربه بلفظ قصير؛ لأن الموجز القصير، فهي تجمع لك شتات النحو البعيدة بلفظ قصير. وقوله: (وتبسط البذل): يعني تبذل بذلاً موسعاً؛ لأن البسط بمعنى التوسيع، قال الله تعالى: اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ [الرعد:26] أي يضيق، فهي تبسط البذل، أي: توسع العطاء. قوله: (بوعد منجز): يعني تعد بالعطاء ثم تنجزه بدون تأخير. فجمعت بين أربع صفات: الأولى: تقريب الأقصى، أي البعيد. والثانية: أن لفظها موجز ليس بكثير يمل منه الإنسان، فليس مما يقرأ ويقرأ ولا يحصل منه إلا فائدة قليلة. الثالثة: أنها تبسط البذل، يعني: توسعه، والبذل هو العطاء، فهي توسع العطاء. والرابعة: أنها تنجز ما وعدت. ولا يخفى ما في هذا البيت من الاستعارة، حيث صور هذه الألفية بحي ذي إدراك وعطاء وبسط ووعد، وإلا فالألفية كلمات منظومة، لكن هذا يسميه علماء البلاغة استعارة، وهو كأن تستعير صفة الحي ذي الشعور والإرادة إلى جماد لا شعور له ولا إرادة. قال ابن مالك رحمه الله تعالى: (وتقتضي رضا بغير سخط): أي: تستلزم رضاً بغير سخط، والمراد أنها تقتضي من القارئ رضاً بما يجد فيها من العلم. وقوله: (بغير سخط) هذا من باب بيان أن هذا الرضا كامل لا يدخله سخط؛ لأن الرضا قد يطلق وإن كان فيه شيء من السخط، فإذا قال: (بغير سخط) تبين أنه رضا تام ليس فيه سخط.

 

 

 

 

تفضيل ابن مالك ألفيته على ألفية ابن معط وثناؤه عليه

  

 

قوله: (فائقة ألفية ابن معط ): أي: فائقة ألفية ابن معط في أنها أكثر جمعاً للمسائل، وفي أنها على بحر واحد بخلاف ألفية ابن معط، وأيضاً هي أجمع منها وأسلس في اللفظ وأشد اتفاقاً، حيث إنها على بحر واحد بخلاف ألفية ابن معط ؛ ولكن ابن مالك رحمه الله لما عنده من العدل بيَّن ما لـابن معط من الفضل، فقال: (وهو بسبق حائز تفضيلا). قوله: (وهو) أي ابن معط . (بسبق): الباء للسببية، أي: بسبب سبقه لنظم ألفية في النحو، وليس المراد بسبب سبقه بالزمن؛ لأن السابق بالزمن قد يكون له فضل وقد لا يكون. (حائز تفضيلا): أي مدرك للتفضيل بسبب سبقه لنظم ألفية في النحو، ووجه ذلك أنه لما سبق إلى هذا فتح الباب للناس ليسيروا على منواله، فكان له فضل القدوة والأسوة. (مستوجب ثنائي الجميلا): أي مستحق للثناء الجميل. وقوله: (ثنائي الجميلا) هل الجميل صفة كاشفة أو هي صفة مقيدة؟ ينبني الجواب على الخلاف بين العلماء: هل الثناء لا يكون إلا في الخير؟ فإن كان الثناء لا يكون إلا في الخير كان قوله (الجميلا) صفة كاشفة، وإن كان الثناء يكون في الخير والشر فإنها صفة مقيدة، والصحيح أنه يكون في هذا وفي هذا، كما في الجنازة التي مرت فأثنوا عليها شراً فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (وجبت)، فالثناء يكون بالخير ويكون بالشر حسب ما يضاف إليه، وبناء على هذا يكون قوله (الجميلا) صفة مقيدة. على أنه يمكن أن نقول: حتى وإن كان الثناء لا يكون إلا في الخير فإن الجميل صفة مقيدة؛ لأن مطلق الثناء في الخير قد يكون جميلاً وقد يكون دون ذلك. إذاً: مستوجب الثناء أنه سبق إلى نظم الألفية وفتح الباب للناس، ومن دل على خير فهو كفاعله، وفي الحديث: (من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة).

 

 

 

 

دعاء ابن مالك لنفسه ولابن معط

  

 

ثم قال المؤلف رحمه الله: [والله يقضي بهبات وافره لي وله في درجات الآخره] (يقضي): أي يحكم؛ لأن القضاء يكون بمعنى الحكم، والجملة هنا خبرية لفظاً إنشائية معنى؛ لأن المراد بها الدعاء، يعني: أسأل الله أن يقضي بهبات وافرة. والهبات: جمع هبة وهي العطية والمنحة. والوافرة: الكثيرة. وقوله: (بهبات وافرة) قد يقول قائل: لماذا وصف الهبات وهي جمع بوافرة وهي مفرد؟ والجواب عن ذلك أن نقول: إنه إذا كان الجمع لما لا يعقل فإنه يجوز أن يوصف بالمفرد، وهذا في جمع الكثرة كثير، ولكنه في جمع القلة قليل، و (هبات) من جمع القلة؛ لأن الجمع السالم من مذكر أو مؤنث يعتبر من جمع القلة، وجمع القلة له أوزان معينة وجمع الكثرة له أوزان معينة. جمع القلة أوزانه أربعة، قال ابن مالك فيها: أفعلة أفعل ثم فعله ثم أفعال جموع قله إذاً: جموع القلة هي: الجموع السالمة مثل المسلمون والمسلمات، والثاني: جموع التكسير الدالة على القلة. قوله: (لي وله في درجات الآخره): بدأ بنفسه لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ابدأ بنفسك) والبداءة بالنفس هي الأولى في الدعاء. وقوله: (في درجات الآخرة) يعني يوم القيامة، وهو بالنسبة لـابن معط حيث إنه قد مات لا تمكن الهبات إلا في الآخرة، لكن بالنسبة لـابن مالك وهو موجود يمكن أن تكون هبات في الدنيا وهبات في الآخرة، لكنه رحمه الله اختار أن تكون الهبات في الآخرة؛ لأنها هي الباقية. أورد بعض الناس على هذا البيت لـابن مالك إيرادين: الإيراد الأول: أنه وصف الهبات وهي جمع بوافرة، والأفصح فيها المطابقة، أي أن يقال: بهبات وافرات. الثاني: قوله: (لي وله). قالوا: خص نفسه وابن معط بالدعاء، فلم يدع لجميع المسلمين. والجواب عن الأول: أنه وصفها بما يوصف به جمع الكثرة جبراً لنقصها. والجواب عن الثاني: أنه لا مانع من أن يدعو الإنسان لنفسه ولغيره ممن يرى تخصيصه، أو يدعو بالعموم. نعم. لو قال: (لي وله ولا تقض بالهبات لغيرنا) لكان هذا خطأ، أما تخصيص الإنسان نفسه بالدعاء أو من شاء من الناس فإنه لا يلام عليه ولا يذم، ولكن المحشين دائماً ينقشون، فقالوا: لو قال: والله يقضي بالرضا والرحمه لي وله ولجميع الأمه لكان أحسن! على كل حال: الأصل أن ابن مالك لا اعتراض عليه في هذا، فلا نرى أنه معترض عليه، وتخصيص الإنسان نفسه أو غيره بالدعاء لا بأس به، وقد جاءت السنة بالتخصيص للنفس كثيراً وبتخصيص الغير كثيراً أيضاً، مثل: (اللهم اغفر لـأبي سلمة وارفع درجته في المهديين)، وفي الجلوس بين السجدتين: (رب اغفر لي وارحمني)، ولا حرج في هذا.

شرح ألفية ابن مالك [2]

 

الكلام عند النحويين هو ما ركب من كلمتين فأكثر حقيقة أو حكماً، وهم يقسمون الكلام إلى اسم وفعل وحرف، فلا يخرج لفظ عربي عن هذه الثلاثة، وكل قسم منها له علامات يعرف بها.