المعرب والمبني من الأسماء
تعريف المعرب والمبني
معنى الشبه الوضعي في بناء الضمائر
معنى الشبه المعنوي في بناء متى
والإشارة
معنى النيابة عن الفعل بلا تؤثر في بناء
أسماء الأفعال
معنى الشبه الافتقاري في بناء الموصولات
تعديد الأسماء المبنية
المعرب من الأسماء
المعرب والمبني من الأفعال
بناء الفعل الماضي وفعل الأمر
إعراب الفعل المضارع
بناء الحروف
ألقاب الإعراب
اشتراك الاسم والفعل في الرفع والنصب
تخصيص الاسم بالجر والفعل بالجزم
العلامات الأصلية للإعراب
تعريف المعرب والمبني
قال المؤلف رحمه الله: [المعرب والمبني] هذا عنوان لهذا الباب،
وبدأ بالمعرب لشرفه، ثم أتى بالمبني لأن مرتبته دون المعرب، ولأن
المبني أقل من المعرب والمعرب أكثر. وقد بين المؤلف رحمه الله في
هذا الباب ما هو المعرب والمبني من الأسماء والأفعال والحروف. أما
الأسماء فقسمها إلى قسمين، قال: [والاسم منه معرب ومبني]. منه
معرب: مبتدأ وخبر، المبتدأ: معرب، والخبر: منه. (ومبني): الواو حرف
عطف. مبني: مبتدأ خبره محذوف، والتقدير: ومنه مبني؛ لأنك لو قلت:
منه معرب ومبني جمعت بين الضدين، ولكن الواقع أن منه معرباً ومنه
مبنياً. ونظير هذا التعبير قوله تعالى: فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ
وَسَعِيدٌ [هود:105] فلا يصح أن تقول: سعيد معطوفة على شقي، بل
تقول: سعيد: مبتدأ خبره محذوف، أي: ومنهم سعيد. ما هو المعرب؟
المعرب: ما يتغير آخره بحسب العوامل، مثل زيد، تقول: قام زيد، ضربت
زيداً، مررت بزيد، فتجد أن آخره تغير بحسب العوامل. وسمي معرباً؛
لأنه يفصح عن المعنى، وذلك أنه إذا تغيرت الحركات فهم المعنى.
والمبني: هو ما لزم حالاً واحدة. وإن شئت فقل: ما لا يتغير آخره
باختلاف العوامل، يعني: قد يتغير لكن لا لاختلاف العوامل، فمثل
(حيث) يقال فيها: حيثُ وحيثَ وحيثِ وحوث، لكن هذا الاختلاف ليس من
أجل اختلاف العامل، بل هو اختلاف لغة. فالمبني إذاً تعريفه: ما لا
يتغير آخره باختلاف العوامل، بل هو باق على ما هو عليه، لكن ما سبب
البناء؟ أنا أقول ولست بنحوي: سبب البناء وروده عن العرب، أي أن
العرب جعلوا هذه الكلمة مبنية لم يغيروها باختلاف العوامل، والكلمة
الأخرى معربة يغيرونها باختلاف العوامل. فالحاكم في الألفاظ
إعراباً وبناء هو ما سمع عن العرب، لكن مع ذلك التمس أهل الفن
-أعني النحويين- عللاً للبناء، واختلفوا في هذه العلل، وأكثرهم على
ما قال ابن مالك : [لشبه من الحروف مدني] أي سبب بناء الأسماء
قربها من الحروف في الشبه، والحروف مبنية، فما قاربها شبهاً من
الأسماء أعطي حكمها، هكذا ذهب المؤلف رحمه الله وأكثر النحويين.
أما أنا ولست بنحوي فأقول: منه مبني لسماع ذلك عن العرب، وانتهى.
والشبه أنواع، يقول: (لشبه من الحروف مدني) أي: مقرب، أما الشبه
البعيد فلا عبرة به، لكن الشبه المقرب يجعل الكلمة مبنية.
معنى الشبه الوضعي في بناء الضمائر
قال رحمه الله: [كالشبه الوضعي في اسمي جئتنا]. الشبه الوضعي يعني
أنه وضع على حرف أو حرفين، فهذا شبه وضعي؛ لأن أصل الحروف إما حرف
وإما حرفان، وقد تكون ثلاثة، وقد تكون أربعة مثل كلا وهلا، لكن
الأكثر الغالب أن الحروف مركبة من حرفين، فما شابهها من الأسماء
كان مبنياً للشبه الوضعي؛ وقوله: (الوضعي) مأخوذ من الوضع. وقوله:
(في اسمي جئتنا) اسما جئتنا هما التاء فاعل، ونا مفعول به، فالتاء
على حرف، ونا على حرفين. نأخذ من هذا المثال أن جميع الضمائر التي
في محل الرفع والتي في محل النصب والتي في محل الجر مبنية، وهذه
قاعدة. وأخذنا أن الضمائر المرفوعة مبنية من التاء؛ لأن التاء
فاعل، وأخذنا أن الضمائر المنصوبة والمجرورة مبينة من (نا)؛ لأن
(نا) تصلح للنصب وللجر. فإذاً: كل الضمائر مبنية: ضمائر الرفع،
وضمائر النصب، وضمائر الجر؛ المتصلة والمنفصلة، وإن كان المؤلف
رحمه الله لم يذكر المنفصلة لكن ذكرها أهل العلم بالنحو. فكلما
وجدت ضميراً فهو مبني؛ لكن سبب بناء الأسماء هو الشبه الوضعي،
وأيضاً ما سيذكره.
معنى الشبه المعنوي في بناء متى والإشارة
قوله: [والمعنوي في متى وفي هنا] أي: شبه المعنى في (متى) وفي
(هنا) فمتى تشبه الحرف في المعنى لا في الوضع؛ لأن متى حروفها
ثلاثة؛ لكنها تشبه الحرف في المعنى، إذ إن (متى) تصلح أن تكون
شرطاً، وتصلح أن تكون استفهاماً، والشرط قد وضع له حرف دال عليه،
والاستفهام قد وضع له حرف دال عليه، فإذا جعلناها شرطية فهي تشبه
في المعنى إن الشرطية، وإذا جعلناها استفهامية فهي تشبه في المعنى
همزة الاستفهام. وإن شئت فقل: تشبه (هل)، وهي إلى (هل) أقرب من
الهمزة؛ لأن (هل) موضوعة على حرفين، ومتى على ثلاثة أحرف، فهي إلى
هل أقرب منها إلى الهمزة؛ لكنهم جعلوها مشبهة للهمزة في المعنى؛
لأن الأصل في أدوات الاستفهام هي الهمزة. قوله: (وفي هنا): (هنا)
إشارة إلى المكان، ولا يوجد حرف يشبه اسم الإشارة في المعنى، لكن
على فرض أن العرب وضعوا حرفاً للإشارة نقول: اسم الإشارة مشبه لهذا
الحرف الذي يفرض أن العرب وضعته. وهذه العلل عليلة، يعني: عندما لم
تجدوا ما قلتم فرضتم على العرب أن يضعوا حرفاً للإشارة لكنهم ما
وضعوا، فمعناه أن العرب آثمون لأنهم تركوا الواجب، أو غافلون لأنهم
لم يجدوا حرفاً. وقد قال بعض النحويين: إن العرب وضعوا أل التي
للعهد الذكري حرفاً للإشارة بمنزلة اسم الإشارة، قال تعالى: كَمَا
أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولًا * فَعَصَى فِرْعَوْنُ
الرَّسُولَ [المزمل:15-16] كأنه قال: فعصى فرعون هذا الرسول
المذكور. فأل التي للعهد الذكري تشير إلى المذكور، وهي حرف. ولكني
لو أحلف أن العرب ما طرأ ببالهم هذا ما حنثت، أعني قولهم: إن العرب
فكروا فما وجدوا حرفاً يوضع للإشارة إلا أل التي للعهد الذكري.
ونحن نقول: إن المرجع في البناء والإعراب السماع ونستريح، فنقول:
ما سمع عن العرب مبنياً فهو مبني، وما سمع معرباً فهو معرب.
معنى النيابة عن الفعل بلا تؤثر في بناء أسماء الأفعال
قوله: [وكنيابة عن الفعل بلا تأثر] الثالث: الشبه النيابي، ويعني:
أن يشبه الحرف في النيابة، وذلك في العمل بلا تأثر بالعوامل؛ لأن
الحرف يعمل ولا يتأثر، فهو يعمل ولا يعمل فيه، ففي -مثلاً- تعمل
الجر؛ ولكن لا يعمل فيها، فلو قلت مثلاً: جلست في المسجد، تقول:
جلست: فعل وفاعل وفي: حرف جر، والمسجد: مجرور بفي، ففي عملت ولم
يعمل فيها. فما شابه الحرف من هذه الناحية -أي: صار يعمل ولا يعمل
فيه- فهو مبني، فجميع أسماء الأفعال مبنية. وهنا سؤال: أيها أسهل:
أن نقول للناس أسماء الأفعال مبنية، أم أن نقول: ما شابه الحرف في
كونه يعمل ولا يعمل فيه فهو مبني. أم نقول كما قال ابن مالك: إن ما
ناب عن الفعل بلا تأثر فهو مبني؟ فيحصل عندنا ثلاث جمل: الأولى:
جميع أسماء الأفعال مبنية. الثانية: ما شابه الحرف في كونه يعمل
ولا يعمل فيه مبني. الثالثة: ما ناب عن الفعل بلا تأثر بالعوامل
فهو مبني. وأسهلها هي الأولى، إذاً نقول: جميع أسماء الأفعال
مبنية. قوله: (وكنيابة عن الفعل بلا تأثر) يعني: أن يعمل ولا يعمل
فيه، وخرج بذلك المصدر النائب عن فعله، فإنه ينوب عن الفعل ولكن
بتأثر، مثل أن تقول: ضرباً زيداً، بمعنى: اضرب زيداً، فكلمة
(ضرباً) هنا غير مبنية مع أنها تنوب عن الفعل؛ لكنها تتأثر
بالعوامل، فلذلك لم تكن مبنية. وأمثلة ذلك أن تقول: يعجبني ضَرْبُ
زيد عمراً، وتقول: أنكرت ضَرْبَ زيد عمراً، وتقول: عجبت من ضَرْبِ
زيد عمراً، فتجد كلمة (ضَرْب) تتأثر بالعوامل، إذاً فلا تدخل بل
تخرج بقول ابن مالك رحمه الله: (عن الفعل بلا تأثر).
معنى الشبه الافتقاري في بناء الموصولات
الشبه الرابع: الافتقار. قال ابن مالك: [وكافتقار أصلا] يعني أن
يشبه الاسم الحرف في الافتقار الأصلي، ويشير بذلك إلى الأسماء
الموصولة. ولو قال ابن مالك أو غيره من العلماء: والأسماء الموصولة
لكان أوضح من أن يقولوا: وما شابه الحرف في افتقار أصلي؛ لأن
الأسماء الموصولة كلها مبنية. وقوله: (أصلا) احترز به عما إذا كان
الافتقار عارضاً؛ فإنه لا يوجب البناء. مثال العارض: افتقار الصفة
للصفة، تقول: مررت برجل يشكو ألماً في رجله، تريد أن تبين حال
الرجل فلابد أن تقول: يشكو ألماً في رجله، لكن هذا الافتقار عارض،
ولو أردت ألا تبين وقلت: مررت برجل، لاستقام الكلام. كذلك أيضاً
لابد أن يكون الافتقار إلى جملة أو شبهها، فإن كان الافتقار إلى
مفرد لم تكن الكلمة مبنية، مثل كلمة (سبحان)، فهي مفتقرة إلى
الإضافة؛ لأنها دائماً تأتي مضافة لا مفردة، ومع ذلك هي معربة؛ لأن
افتقارها إلى غير جملة لا إلى جملة.
تعديد الأسماء المبنية
والحاصل أن الأسماء المبنية ستة: أولاً: الضمائر، وهي مأخوذة من
قول المؤلف: (في اسمي جئتنا). ثانياً: أسماء الشرط، وهي مأخوذة من
قوله: (متى). ثالثاً: أسماء الاستفهام، وهي مأخوذة من قوله: (متى).
رابعاً: أسماء الإشارة، وهي مأخوذة من قوله: (هنا). خامساً: أسماء
الأفعال، وهي مأخوذة من قوله: (وكنيابة عن الفعل بلا تأثر).
سادساً: الأسماء الموصولة، وهي مأخوذة من قوله: (وكافتقار أصلا).
وخلاصة الدرس: أن الأسماء تنقسم إلى قسمين معربة ومبنية، والأصل
الإعراب لا البناء. والدليل على أن الأصل الإعراب أنه لا يحتاج إلى
شرط، والمبني يحتاج إلى شرط. فالمعرب ما يتغير آخره باختلاف
العوامل، والمبني ما لا يتغير آخره باختلاف العوامل. المبني من
الأسماء ستة أبواب ذكرها ابن مالك : الضمائر، أسماء الشرط، أسماء
الاستفهام، أسماء الإشارة، أسماء الأفعال، الأسماء الموصولة. وعلة
البناء فيها مشابهة الحرف، ومشابهة الحرف أنواع: الشبه الوضعي،
الشبه المعنوي، الشبه الافتقاري، الشبه النيابي.
المعرب من الأسماء
ثم قال ابن مالك رحمه الله: [ومعرب الأسماء ما قد سلما من شبه
الحرف كأرض وسما] قال المؤلف أولاً: (المعرب والمبني) وقدم المعرب
لأنه الأصل، وشرع في البناء؛ لأنه أقل من المعرب في الشرح وفي
الوجود، فإذا كان أقل يكون حصره أسهل. ويجوز أن نقول: (معرب) خبر
مقدم. و(ما) في قوله (ما قد سلما) مبتدأ مؤخر. ويجوز أن نقول:
معرب: مبتدأ. وما قد سلم: خبره؛ لأنه ينظر هل يريد أن يخبر عن
المعرب ما هو؟ أو أن يخبر عما سلم من مشابهة الحرف هل هو معرب أو
لا؟ إن كان الثاني فـ (معرب) خبر، وإن كان الأول فـ(معرب) مبتدأ،
والمعنى لا يختلف. قوله: (ما قد سلما) بالألف، والألف هنا ليست
للتثنية بل هي للإطلاق، أي: إطلاق شطر البيت. قوله: (من شبه الحرف
كأرض وسُما) هذا مقابل قوله: (ومبني لشبه من الحروف مدني). فإن قال
قائل: لماذا قال: (معرب الأسماء ما قد سلما) وهو مفهوم من قوله:
(ومبني لشبه من الحروف)؟ والجواب عن هذا من وجهين: الوجه الأول: أن
كوننا نعرف أن معرب الأسماء ما قد سلم من شبه الحرف من الجملة
السابقة إنما نعرفه عن طريق المفهوم، وهنا عرفناه عن طريق المنطوق،
والدلالة بالمنطوق أقوى من الدلالة بالمفهوم. الوجه الثاني: أنه
إنما ذكر المعرب هنا للتوطئة والتمهيد لبيان أن المعرب ينقسم إلى
صحيح ومعتل، ويظهر ذلك بالمثال: (كأرض وسما). إذاً: يرى ابن مالك
رحمه الله أن المعرب من الأسماء ما لم يشابه الحروف، ونحن نقول:
المعرب من الأسماء ما يتغير آخره باختلاف العوامل، وهذا أوضح، فكل
كلمة يختلف آخرها باختلاف العوامل فهي معربة. وقوله: (كأرض وسما)
أول ما تقرأ تظن أن الصواب: وسَما؛ لأن السماء تقابل دائماً
بالأرض، وليس كذلك؛ لأن (أرض) آخرها حرف صحيح وهو الضاد، و(سُما)
آخرها ألف وهو من حروف العلة، فكأن المؤلف بتغيير المثال يشير إلى
أن الاسم المعرب منه صحيح ومنه معتل. فالصحيح مثل: أرض، والمعتل
مثل: سُما. وسُما لغة في اسم، فتقول: اسم ولد فلان محمد، وتقول سما
ولد فلان محمد. إذاً: فــ(سما) بمعنى اسم، وهي لغة فيه. ومن أمثلة
الصحيح غير أرض: زيد، عمرو، مسجد، بكر، خالد، وغيرها. ومن أمثلة
المعتل غير سما: هدى، رضا، فتى، وغيرها. وسيأتي إن شاء الله أن
المعتل يكون معتلاً بالواو، ومعتلاً بالألف، ومعتلاً بالياء، بكلام
أوضح من هذا.
المعرب والمبني من الأفعال
بناء الفعل الماضي وفعل الأمر
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وفعل أمر ومضي بنيا وأعربوا مضارعاً
إن عريا من نون توكيد مباشر ومن نون إناث كيرعن من فتن] ثم قال: [
وفعل أمر ومضي بنيا ] أي: أن فعل الأمر مبني، والماضي مبني، والألف
في قوله: (بنيا) للتثنية؛ لأنها تعود على اثنين. ففعل الأمر مبني،
وقيل: معرب، والصحيح أنه مبني، ويبنى على ما يجزم به مضارعه، فإن
كان مضارعه يجزم بالسكون فهو مبني على السكون، وإن كان مضارعه يبنى
على حذف حرف العلة أو حذف النون، فهو كذلك مبني على حذف حرف العلة
أو حذف النون. ولهذا يقولون: إذا أردت أن تصوغ فعل الأمر فأت بفعل
مضارع مجزوم ثم انزع منه حرف المضارعة والحرف الجازم. فمثلاً: إذا
أردت أن تأتي بأمر من نام، تقول: لم ينم، ثم احذف لم والياء تصبح:
نم. وإذا أردت أن تأتي بأمر من خاف، تقول: لم يخف، ثم احذف الياء
ولم تصبح: خف بفتح الخاء. والعلة أن الأمر يبنى على ما يجزم به
المضارع. وإذا أردت الأمر من عمل فأت بمضارع مجزوم، لم يعمل، ثم
تحذف حرف المضارعة ولم، يصبح: عمل، فجئنا بزيادة وهي الهمزة ضرورة؛
لأنك إذا قلت: لم يعمل، وجدت العين في (يعمل) ساكنة، والحرف الساكن
لا يمكن أن تبتدئ النطق به إلا بهمزة وصل، فتقول: اعمل. ومثله
الأمر من ضرب، وهو: اضرب، نطبق نفس القاعدة، فنقول: لم يضرب، ثم
نحذف لم والياء، فيقابلنا حرف ساكن هو الضاد، فنأتي بهمزة وصل حتى
نتوصل إلى النطق به فنقول: اضرب! لم يدع، احذف لم وحرف المضارعة،
ثم تقول: ادعُ، فزدنا الهمزة لضرورة النطق. والأمر من (وقى) نقول:
لم يق. ثم نحذف لم والياء، فيصبح: قِ. والأمر من قاء. نقول: لم
يقئ، فنطبق القاعدة فنحذف لم والياء، فيصير: قئ. والأمر من وعى هو:
عِ. نقول: لم يع حذفنا الياء ولم فصارت عِ. والأمر من وفى: فِ.
إعراب الفعل المضارع
ثم قال رحمه الله: [ وأعربوا مضارعاً إن عريا من نون توكيد مباشر
ومن نون إناث ليرعن من فتن] أعربوا: الواو هنا ضمير تعود على العرب
أو تعود على النحويين، إن كانت خبراً فإنها تعود على العرب، وإن
كانت حكماً فإنها تعود على النحويين. إن كان المعنى: وحكموا بإعراب
المضارع، فالضمير يعود على النحويين. وإن كان المعنى: تكلموا
بالمضارع معرباً، فعلى العرب. والعرب هم الأصل، وهم الذين أعربوا
المضارع لكن بشرط: (إن عري إلى آخره). وهنا نسأل: هل كلام المؤلف
يفيد أن الأصل في المضارع الإعراب أو أن الأصل فيه البناء؟ يقولون:
كل ما احتاج إلى قيد فالأصل العدم، إذاً: الأصل في المضارع
الإعراب؛ لأن الشرط هنا عدمي لا وجودي. نقول الآن: المضارع يعرب
بشرط أن لا تتصل به نون التوكيد ولا نون الإناث. فإذا وجدنا
مضارعاً لم تتصل به نون التوكيد ولا نون الإناث فإنه يعرب، يعني
يتغير آخره باختلاف العوامل الداخلة عليه. مثاله: يقوم. تقول: يقوم
الرجل، لم يقم الرجل. قوله: [نون توكيد مباشر] كلمة (مباشر)
بالنسبة لعبارتنا التي قلنا: إذا اتصل به نون التوكيد لا نحتاج
إليها كما سيتبين من الشرح. فقال: (من توكيد مباشر). احترازاً من
نون التوكيد غير المباشر، فإذا لم يعر عن توكيد مباشر فإنه يكون
مبنياً، بمعنى أنه إذا اتصلت به نون التوكيد فإنه يكون مبنياً.
مثال ذلك أن تقول: يقوم زيد، فهو معرب؛ لأنه لم تتصل به نون توكيد
ولا نون إناث. ثم تقول: ليقومَنَّ زيد. فاتصل به نون توكيد مباشر،
وإذا كان الفعل المضارع مسنداً لمفرد وفيه نون توكيد فهو مباشر على
كل حال. قلنا: يقوم زيد، مرفوع، وهنا قلنا: ليقومَنَّ زيد، فليس
مرفوعاً ولا منصوباً، لكنه مبني على الفتحة، أي أنه إذا اتصل به
نون التوكيد صار مبنياً على الفتحة. قال الله تعالى في القرآن
الكريم: وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ
وَلَيَكُونًا مِنَ الصَّاغِرِينَ [يوسف:32]. والنون في قوله:
(ليسجننَّ) يسمونها الثقيلة (وليكوناً) يسمونها الخفيفة، سميت
الأولى ثقيلة لأنها مشددة، كل حرف مشدد فهو ثقيل، وسميت الثانية
خفيفة لأنها ساكنة غير مشددة. إذاً: إذا اتصلت نون التوكيد بالفعل
المضارع صار مبنياً على الفتح. وتقول: إلا تفعلن يا زيد. بفتح
اللام مع أنه دخل عليه إن الشرطية؛ وذلك لأنه مبني لا يتغير
بالعوامل. وتقول: يعجبني أن تفعلن كذا -إذا صح التعبير- لأنه مبني
على الفتح، وتقول: لن تفعلن كذا. فتبنيه على الفتح. الخلاصة: يعرب
المضارع إلا في حالين: الحال الأولى: إذا اتصلت به نون التوكيد
المباشرة، وكلمة (المباشرة) لا يضر حذفها؛ لأنه إذا قلنا اتصلت به
يكفي لكن هذه زيادة إيضاح. الحال الثانية: إذا اتصلت به نون
الإناث، والمراد نون المؤنث، ولم يقل (نون النسوة) لأن من المؤنث
ما هو نسوة كبنات آدم ومنه ما ليس بنسوة كالغنم. مثاله: (كيرعن من
فتن) أي: النسوة يرعن من فتن بهن، يعني يروعن من فتن بهن؛ لأنه
يخاف منهن ماذا يفعلن به؟ يأخذن قلبه حتى يمشي وراءهن، وهذا هو
الواقع نسأل الله العافية، أعني أن من فتن بالنساء أخذ قلبه وصار
يمشي كالبهيمة، ولهذا حذر النبي عليه الصلاة والسلام من فتنة
النساء فقال: (واتقوا النساء) وأخبر أن عامة فتنة بني إسرائيل كانت
في النساء. و ابن مالك يقول: (يرعن من فتن) تحذيراً من الافتتان
بهن. والمؤلف لم يمثل لنون التوكيد إنما مثل لنون الإناث قال:
(يرعن من فتن). وأصل يرعن يروع بالواو، لكن لما بني الفعل على
السكون لاتصاله بنون النسوة التقى ساكنان الواو والعين، وإذا التقى
ساكنان وكان الأول حرف لين وجب حذفه، وإلى هذه القاعدة يشير ابن
مالك في الكافية بقوله: إن ساكنان التقيا اكسر ما سبق وإن يكن
ليناً فحذفه استحق وحروف اللين ثلاثة: الواو، والألف، والياء.
والأعراب: يرعن: (يرع) فعل مضارع مبني على السكون لاتصاله بنون
الإناث في محل رفع. والنون في يرعن ضمير متصل فاعل مبني على الفتح
في محل رفع. (من): مفعول به مبني على السكون في محل نصب. فتن: فعل
ماض. والجملة صلة الموصول. نحن قلنا في نون التوكيد: لابد أن يكون
مباشر احترازاً مما إذا لم يكن مباشراً. ومتى لا يكون مباشراً؟ إذا
أسند الفعل إلى واو الجماعة، أو ألف الاثنين، أو ياء المخاطبة، ففي
هذه الحال يعرب ولا يبنى. قال الله تعالى: ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ
يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ [التكاثر:8]، وقال تعالى:
فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ [الأعراف:6].
فالفعل (نسألن) مبني، و (تُسألُن) معرب؟ لأن (نسألن) النون فيه
مباشرة، و(تسألن) النون غير مباشرة، لأن أصل تسألن (تسألوننٌ)
فعندنا ثلاث نونات. يقول النحويون في تعليلهم الذي قد يكون عليلاً:
لا تجتمع ثلاثة حروف من نوع واحد، (تسألوننَّ) فيجب أن نحذف أحدها
لتوالي الأمثال، فنحذف النون الأولى لتوالي الأمثال. والأمثال هي
أن النون مثل النون، فعندنا الآن ثلاثة أمثال، النون الأولى والنون
المشددة عن ثنتين فتحذف النون الأولى وهي ملاصقة للفعل لأن أصله:
(تسألون)، فهي ألصق بالفعل، وتبقى نون التوكيد لأنها جاءت لمعنى
مقصود وهو التوكيد، فهي أحق بالبقاء، أما نون الرفع فإنها تحذف
كثيراً، كما إذا دخل ناصب على الفعل وإذا دخل جازم. جاءت نون
التوكيد مشددة، والحرف المشدد أوله ساكن، فجاءت مع الواو الساكنة،
فحصل خصومة ثانية بين الواو والنون. قالت الواو للنون: أنت طارئة
فانقلعي أو على الأقل ينقلع الحرف الأول منك، ودعيني أبقى في مكاني
ويكون فعلي (تُسْأَلوْنَ) إذا حذفت النون الساكنة الأولى من النون
المشددة، فتبقى نون مفتوحة مخففة، فتقول نون التوكيد لواو الجمع:
إذا حذفت أول جزء مني وهو نصفي الساكن فات المقصود من التوكيد وصار
الفعل غير مؤكد ولذا لابد أن أبقى. وقالت: ثم إني أحتج عليك بقول
ابن مالك : إن ساكنان التقيا اكسر ما سبق وإن يكن ليناً فحذفه
استحق وأنت لين فاذهبي، فتذهب الواو، ويكون الفعل (تُسألُنَّ). نحن
جعلناها كأنها قصة لأجل أن نقربها لأفهامكم. نقول: أصل (تسألُنَّ)
(تُسألونَنَّ) فحذفت النون الأولى لتوالي الأمثال وحذفت الواو
لالتقاء الساكنين، وصارت الجملة تسألن. والإعراب: (تسألن) فعل
مضارع مرفوع بتقدير النون المحذوفة لتوالي الأمثال. والواو
المحذوفة لالتقاء الساكنين نائب فاعل. وقوله: فلنسألن: نسأل فعل
مضارع مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد المباشرة. والفاعل ضمير
مستتر وجوباً تقديره: نحن، والنون للتوكيد. إذا قلت: لا تكسلن عن
طلب العلم. لا: ناهية جازمة. تكسلن: تكسل: فعل مضارع مبني على
الفتح في محل جزم بلا الناهية، والنون للتوكيد. فانظر الآن كيف لم
يتغير الفعل لا حين كان مرفوعاً ولا حين كان مجزوماً، لأنه مبني
على الفتح والمبني لا يتغير باختلاف العوامل.
بناء الحروف
قال مبيناً هل الأصل في البناء الحركة أو السكون. [وكل حرف مستحق
للبنا والأصل في المبني أن يسكنا] الأصل في المبني أن يسكن؛ لأنه
لا حاجة إلى أن يحركه، حيث إنه لا يختلف باختلاف العوامل، فحينئذ
يكون الأصل فيه السكون. قال رحمه الله: [ومنه ذو فتح وذو كسر وضم
كأين أمس حيث والساكن كم] (ومنه) أي: من المبني (ذو فتح وذو كسر
وضم) يعني: وذو ضم. إذاً: منه مفتوح ومكسور ومضموم. أين: مثال لذي
الفتح. أمس: مثال لذي الكسر. حيث: مثال لذي الضم. والساكن كم: أخر
الساكن لكنه لما أخره وهو الأصل أعطاه ميزة فقال: (والساكن كم)،
ولم يقل: وكم، وهذه منقبة للساكن حيث ركب له جملة تامة. إذاً:
المبني يبنى على السكون وهو الأصل، ويبنى على الفتح، ويبنى على
الكسر، ويبنى على الضم. وهذا البناء المختلف ليس سببه اختلاف
العوامل؛ لأن المبني لا يتغير أبداً، تقول مثلاً: أكرم مَنْ يكرمك،
ومررت بمَنْ يكرمك، ويسرني مَنْ يكرمك، فلفظة (مَنْ) لم تتغير مع
أن العوامل اختلفت، فهي في قوله: يسرني من يكرمك. فاعل، أكرم من
يكرمك. مفعول به، مررت بمن يكرمك. في محل جر. الحاصل: أن الاسم
ينقسم إلى قسمين: معرب ومبني. والفعل ينقسم إلى قسمين: معرب ومبني،
والمعرب منه هو الفعل المضارع فقط، بشرط ألا يتصل به نون توكيد،
ولا نون نسوة. والحرف كله مبني، والسبب في ذلك أن العوامل لا تتسلط
عليه، فلم يحتج إلى الإعراب، لو قلت مثلاً: مررت بزيدٍ فالفعل لم
يتسلط على الباء، وإنما تسلط على المجرور.
شرح ألفية ابن مالك [4]
ألقاب الإعراب أربعة وهي رفع ونصب وجر وجزم، وعلاماتها الأصلية
أربع: الضمة والفتحة والكسرة والسكون على الترتيب، وتشترك الأسماء
والأفعال في الأولين ويختص الاسم بالثالث والفعل بالرابع، وما سوى
الأصلية ينوب منابها، ومما يعرب بالنيابة الأسماء الستة، وهي أبو
أخو حمو فو ذو هن.
ألقاب الإعراب
اشتراك الاسم والفعل في الرفع والنصب
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [والرفع والنصب اجعلن إعرابا لاسم
وفعل نحو لن أهابا والاسم قد خصص بالجر كما قد خصص الفعل بأن
ينجزما فارفع بضم وانصبن فتحاً وجر كسراً كذكر الله عبده يسر واجزم
بتسكين وغير ما ذكر ينوب نحو جا أخو بني نمر ] قول المؤلف رحمه
الله: (والرفع والنصب اجعلن إعرابا لاسم وفعل نحو لن أهابا)
الإعراب: الرفع: مفعول به أول مقدم للفعل (اجعلن) منصوب وعلامة
نصبه الفتحة الظاهرة. والواو عاطفة. النصب: معطوف على الرفع،
والمعطوف على المنصوب منصوب. اجعلن: اجعل فعل أمر مبني على الفتح؛
لاتصاله بنون التوكيد. والنون حرف توكيد لا محل له من الإعراب.
إعراباً: مفعول به ثان للفعل (اجعلن) منصوب وعلامة نصبه الفتحة
الظاهرة. لاسم: جار ومجرور. وفعل: الواو عاطفة. وفعل معطوف على ما
قبله مجرور مثله. نحو: خبر مبتدأ محذوف، والتقدير: وذلك نحو.. لن
أهابا: لن: حرف نفي ونصب واستقبال. أهابا: فعل مضارع منصوب بلن
وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة. والفاعل ضمير مستتر وجوباً تقديره
أنا. وجملة (لن أهابا) في محل جر مضاف إليه. يقول ابن مالك رحمه
الله: (والرفع والنصب اجعلن إعرابا لاسم وفعل ..) سبق لنا أن الاسم
منه معرب ومبني وكذلك الفعل. فالمعرب ما تغير آخره باختلاف
العوامل، والمبني: ما ليس كذلك. إذاً: المعرب له علامات: منها
الرفع، والنصب. فيقول هنا: اجعلن الرفع والنصب إعراباً للاسم
والفعل. فالاسم: يكون مرفوعاً، والفعل يكون مرفوعاً، والاسم يكون
منصوباً، والفعل يكون منصوباً. إذاً يشترك الاسم والفعل في الرفع
والنصب. مثال الرفع: يقوم زيد، فالفعل مرفوع والاسم مرفوع. ومثال
النصب: لن أهين الطالب. أهين: فعل منصوب. والطالب: اسم منصوب. وقد
مثل المؤلف للفعل فقال: (نحو لن أهابا) فلن هذي تنصب. وأهاب: فعل
مضارع منصوب بلن. ويمكن أن نجعل هذا المثال مثالاً للاسم والفعل؛
نقول: مثل أن يقول: لن أهابا عدواً. فـأهاب: هنا منصوبة بلن.
وعدواً: منصوبة بالفعل.
تخصيص الاسم بالجر والفعل بالجزم
قال المؤلف رحمه الله تعالى: (والاسم قد خصص بالجر كما قد خصص
الفعل بأن ينجزما) هذه العلامة الخاصة، فالجر يختص بالاسم، أي: فلا
يكون الفعل مجروراً أبداً. كما قد خصص الفعل بأن ينجزم، فلا يكون
الاسم مجزوماً أبداً. إذاً: الإعراب أنواعه أربعة: رفع، ونصب،
وخفض، وجزم. والمؤلف يعبر بالجر وهو تعبير البصريين. وفي الآجرومية
عبر بالخفض، وهو تعبير الكوفيين. فإذا وجدت كتاباً في النحو يعبر
بالخفض عن الجر فاعلم أنه كوفي، وإذا رأيت كتاباً يعبر بالجر عن
الخفض فهو بصري. فأنواع الإعراب: رفع ونصب وجر وجزم، تشترك الأسماء
والأفعال في نوعين وهما الرفع والنصب. يعني: أن الاسم يكون مرفوعاً
والفعل يكون مرفوعاً، والاسم يكون منصوباً والفعل يكون منصوباً.
ويختص الاسم بالجر، والفعل بالجزم، يعني: أن الفعل لا يكون مجروراً
والاسم لا يكون مجزوماً، وقد مر علينا في أول الألفية أن من علامات
الاسم الجر، يعني أنه خاص به، فلا يصلح أن أقول: يضربِ زيد لأن
الفعل لا ينجر. ولا يصح أن أقول: جاء زيدْ وعمرْو فأجزمه؛ لأن
الجزم خاص بالأفعال. ولا يكون الجزم في الفعل الماضي لأنه مبني،
ونحن نتكلم عن الإعراب، فالجزم لا يكون إلا في الفعل المضارع، لأنه
هو الذي يعرب. فقول المؤلف: (قد خصص الفعل بأن ينحزما) لا يريد به
العموم؛ لأن الفعل الماضي لا يدخله الجزم وفعل الأمر لا يدخله
الجزم، على قول البصريين، وهو الصحيح، وإنما يدخل الجزم الفعل
المضارع. وإذا كانت أنواع الإعراب أربعة، فما علامات هذه الأنواع؟
أعني: ما علامات كون الاسم مرفوعاً، أو كون الفعل مرفوعاً، أو
كونهما منصوبين، أو كون الاسم مجروراً، أو كون الفعل مجزوماً؟
العلامات الأصلية للإعراب
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فارفع بضم وانصبن فتحاً وجر كسراً
كذكر الله عبده يسر واجزم بتسكين وغير ما ذكر ينوب نحو جا أخو بني
نمر ] ارفع: فعل أمر، والأمر هنا للوجوب، فيجب أن ترفع بالضم، كأن
تقول: قام زيدٌ، ولا يجوز أن تقول: قام زيدِ، ولا أن تقول: قام
زيداً. (وانصبن فتحاً): يعني: وانصبن بفتح. انصبن: فعل أمر مبني
على الفتح لاتصاله بنون التوكيد. فتحاً: منصوب بنزع الخافض،
والتقدير: وانصبن بفتح. (وجر كسراً) نقول في: (وجر كسراً) كما قلنا
في (انصبن فتحاً) أي أن كسراً منصوب بنزع الخافض، أي: جر بكسر.
فتبين أن علامة الرفع ضم. والنصب فتح. والجر كسر. ثم ضرب مثلاً
فقال: (كذكر الله عبدَهُ يسر) أو (كذكر الله عبدُهُ يسر) هنا يصح
الوجهان لكن إذا قلنا: كذكر الله عبدَهُ يسر؛ صار المعنى: أن الله
إذا ذكر عبده فإن ذلك يسر العبد. وإذا قلنا: ذكر الله عبدُهُ يسر،
صار المعنى: أن العبد إذا ذكر الله سر بذلك، وأيهما أحسن ؟ الجواب:
الأول، وهو أن يذكرك الله؛ قال تعالى: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ
تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ [آل
عمران:31] ، فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ [البقرة:152] . وإعرابها:
الكاف حرف جر. وذكر الله عبده يسر: اسم مجرور بالكاف، وعلامة جره
كسرة مقدرة على آخره منع من ظهورها الحكاية. فإذا قال قائل: كيف
يكون هذا؟ قلنا: يكون على تقدير أن الجملة بمعنى (هذا اللفظ)،
يعني: كأنه قال: (كهذا اللفظ)، فهي قائمة مقام قول القائل: هذا
اللفظ. وإن شئت فقل: الكاف: حرف جر، والمجرور محذوف والتقدير:
(كقولك: ذكر الله عبده يسر)، ثم تعرب الجملة: ذكر: مبتدأ. وهو مضاف
إلى لفظ الجلالة، من إضافة المصدر إلى فاعله. عبد: مفعول ذكر،
والتقدير: أن يذكر اللهُ عبدَه يسر. وجملة يسر: في محل رفع خبر
المبتدأ (ذكر). هذا المثال فيه رفع في الاسم (ذكر) والفعل (يسر)،
وفيه جر (لفظ الجلالة) ونصب (عبده)، وليس فيه الجزم؛ لكنه قال:
(واجزم بتسكين)، يعني: إذا جزم الفعل يجزم بالسكون، تقول: لم يقم
زيد. قال في الطرفين: فارفع بضم، واجزم بتسكين فالطرفان جاء فيهما
بحرف الجر، والوسط نزع منه حرف الجر، فقال: انصبن فتحاً وجر كسراً،
فكأنه يقول: إن الباطن الذي في الوسط كالظاهر الذي في الجوانب.
يعني: أن قوله: (انصبن فتحاً وجر كسراً) منصوبان بنزع الخافض، كما
قلنا: فارفع بضم، واجزم بتسكين، لكن لا أدري هل قصد هذا أو أن
النظم ألجأه إلى ما صار إليه. ثم قال: (وغير ما ذكر ينوب) الذي ذكر
هو الضم، والفتح، والكسر، والسكون، فقوله: (وغير ما ذكر ينوب) يريد
به أن غير الأربع العلامات هذه ينوب عنها. فإذا جاء اسم مرفوع لكن
ليس فيه ضمة، نقول: الموجود نائب عن الضمة. أو جاء اسم منصوب لكن
ليس فيه فتحة، نقول: الموجود نائب عن الفتحة. أو جاء اسم مجرور لكن
ليس فيه كسرة، فالموجود نائب عن الكسرة. أو جاء فعل مجزوم لكن ليس
فيه سكون يكون الحذف نائباً عن السكون. إذاً: صارت العلامات الأربع
-وهي الضمة والفتحة والكسرة والسكون- لها نواب إذا غابت، وقد مثل
المؤلف لما ينوب بقوله: (نحو: جا أخو بني نمر). جاء: فعل ماض. أخو:
فاعل والفاعل مرفوع بالضمة؛ لكن ليس عندنا هنا ضمة، فالذي عندنا
(أخو)، وهو مرفوع بالواو، فالواو نائبة عن الضمة. بني: (أخو) مضاف
و(بني): مضاف إليه، والمضاف إليه يكون مجروراً بالكسرة، لكن هنا
ليس عندنا كسرة، وإنما عندنا ياء، إذاً الياء نائبة عن الكسرة.
وبني مضاف، ونمر: مضاف إليه. متى تأتي الواو نيابة عن الضمة، ومتى
تأتي الياء نيابة عن الكسرة؟ هذه لها محلات سيذكرها المؤلف
بالتفصيل. تنوب الواو عن الضمة في موضوعين: في الأسماء الخمسة أو
الستة، وفي جمع المذكر السالم، ويأتي إن شاء الله.