شرح ألفية ابن مالك للعثيمين

المفعول معه

  

تعريف المفعول معه

العامل في المفعول معه

العامل في المفعول معه بعد ما وكيف الاستفهاميتين

تقديم العطف على المعية والعكس

 

تعريف المفعول معه

   قال المؤلف رحمه الله تعالى: [المفعول معه ينصب تالي الواو مفعولاً معه في نحو سيري والطريق مسرعة بما من الفعل وشبهه سبق ذا النصب لا بالواو في القول الأحق وبعد ما استفهام او كيف نصب بفعل كون مضمر بعض العرب والعطف إن يمكن بلا ضعف أحق والنصب مختار لدى ضعف النسق والنصب إن لم يجز العطف يجب أو اعتقد إضمار عامل تصب ]. المفعول معه: كلمة (معه) تفيد المصاحبة، فمعنى المفعول معه: المفعول من أجل المصاحبة، والمفعول معه هو اسم منصوب يأتي بعد واو المعية المسبوقة بفعل أو ما في معناه. مثلاً: سار محمدٌ والطريق، معنى (والطريق) مع الطريق، ولا يجوز أن تكون الواو هنا عاطفة؛ لأن الطريق لا تسير. ومثال آخر: استوى الماءُ والخشبة، أي: مع الخشبة، إذ لا يمكن أن يكون المعنى: استوى الماء واستوت الخشبة. فاتضح أن المفعول معه يأتي بعد واو هي نص في المعية مسبوقة بفعل أو معناه ولا يمكن أن تكون عاطفة، ولهذا قال المؤلف مبيناً حده بحكم: (ينصب تالي الواو مفعولاً معه) ينصب: فعل مضارع مبني للمجهول. تالي: نائب فاعل، وهو مضاف، والواو مضاف إليه. مفعولاً: حال من تالي، يعني: حال كونه مفعولاً منه. في نحو: أي: في شبه. سيري والطريق: الخطاب لامرأة، وهو فعل أمر. والواو واو المعية، ولا يمكن أن تكون عاطفة. تقول: مشيتُ وزيداً. فمشيت: فعل وفاعل. والواو للمعية. وزيداً: مفعول معه منصوب على المعية، وعلامة نصبه فتحة ظاهرة في آخره. ويجوز أن نقول: مشيتُ وزيدٌ؛ لكنه ضعيف؛ لأن ابن مالك يقول: وإن على ضمير رفع متصل عطفت فافصل بالضمير المنفصل أو فاصل ما وبلا فصل يرد في النظم فاشياً وضعفه اعتقد الأمثلة كثيرة، وضابط المفعول معه: أن تكون الواو بمعنى مع.

 

 

 

 

العامل في المفعول معه

  

 

قال المؤلف: (بما من الفعل وشبهه سبق ذا النصب لا بالواو في القول الأحق) بما من الفعل: الجار والمجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم، والمبتدأ الذي هذا خبره هو قوله: (ذا النصب). (ذا): اسم إشارة مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. النصب: صفة. وتقدير البيت: هذا النصب بما سبق من الفعل وشبهه. وقوله: ما في (بما): اسم موصول وصلتها قوله: (سبق). ومن الفعل: جار ومجرور متعلق بسبق. ففيه تقديم وتأخير كثير: أولاً: تقديم الخبر. ثانياً: تقديم متعلق الصلة (من الفعل وشبهه) لأنه متعلق بـ (سبق). إذاً التقدير: هذا النصب بما سبق من الفعل وشبهه. وكأن سائلاً سأل ابن مالك : نحن نصبنا الاسم بعد واو المعية، فما الذي نصبه؟ فقال: الذي نصبه ما سبق من الفعل وشبهه. مثال النصب بما سبق من الفعل: سرت والطريق ومثال النصب بما سبق من شبه الفعل: أنا سائرٌ والطريق. هذا شبه فعل؛ لأنه اسم فاعل. أنا مُسيَّرٌ والطريقَ. شبه فعل؛ لأنه اسم مفعول. يعجبني سيري والطريقَ. هذا مصدر وهو شبه الفعل أيضاً. إذاً: الناصب للاسم الواقع بعد واو المعية هو ما سبقها من الفعل وشبهه. وفهم من قول المؤلف: (بما سبق) أن العامل لا بد أن يسبق واو المعية، فلو قلت: والطريقَ سرتُ، لم يصح. لا بد أن يتقدم الفعل، فلا يجوز: والطريق سار محمد. ويجوز: سار والطريق محمدٌ؛ لأن الفعل سبق. وقول المؤلف: (لا بالواو) يعني: الاسم الواقع بعد الواو المنصوب ليس منصوباً بالواو. قوله: (في القول الأحق) أفادنا المؤلف أن المسألة فيها قولان للنحويين: بعضهم يقول: سرتُ والطريقَ. سرت: فعل وفاعل. والواو: واو المعية. الطريق: مفعول معه منصوب بالواو، والمؤلف يقول: منصوب بالفعل. لكن قال: (في القول الأحق) يعني الأثبت والأقوى، والسبب أن الواو هنا مختصة بهذا الاسم وكل شيء مختص وليس كالجزء من الكلمة فإنه لا يعمل. والحقيقة أن هذا التعليل لو عكس لكان أولى؛ لأن كل حرف مختص وليس كالجزء من الكلمة فهو عامل، وهذا معروف وله قاعدة منفردة، لكن هم يقولون إنها قاعدة أغلبية. فمثلاً: (في) تعمل لأنها مختصة بالاسم وليست كالجزء منه. (هل) لا تعمل لأنها غير مختصة، بل تدخل على الاسم فيقال: (هل محمد في البيت)، وعلى الفعل: (هل قام محمد). السين: (سيقول السفهاء) مختصة بالفعل ولكنها لا تعمل؛ لأنها كالجزء منه. هكذا يعلل النحويون، وأنا رأيي في كون الأداة تعمل أو لا تعمل أنه راجع إلى لغة العرب، وهم الحكم في هذا الأمر. وهنا في ناصب المفعول معه نقول: في ذلك رأيان لأهل العلم: منهم من يقول: منصوب بالواو. ومنهم من يقول: منصوب بما سبقه من الفعل وشبهه. وقد قلت لكم سابقاً إننا نختار في النحو ما هو أصلح، وعلى هذا فمن أعرب وقال: إن الناصب ما سبق من الفعل وشبهه، قلنا له: هذا صحيح، ومن قال إنه الواو قلنا: إنه صحيح، ولسنا في ذلك نعطل نصاً ولا ننسخه!

 

 

 

 

العامل في المفعول معه بعد ما وكيف الاستفهاميتين

  

 

قال المؤلف: [وبعد ما استفهام او كيف نصب بفعل كون مضمر بعض العرب] كأنه قيل للمؤلف: أنت تقول إنه لابد أن يتقدم الفعل أو شبهه وأنه هو الناصب، ووجدنا أن العرب يقولون: كيف أنت وقصعة من ثريد؟ ويقولون: ما أنت وزيداً؟ فما هو الجواب؟ والجواب: أن النصب بفعل كون مضمر. يعني أننا نقدر فعل كون وهو (كان أو تكون) أو ما أشبه ذلك، فالتقدير: كيف تكون أنت وقصعةً من ثريد؟ ما تكون أنت وزيداً؟ وبعضهم يقول: نقدر (تصنع) أي: ما تصنع أنت وزيداً؟ فبعد: ظرف منصوب على الظرفية، والعامل فيه (نصب)، ما استفهام: ما: مضاف، واستفهام: مضاف إليه. وإنما قال: (بعد ما استفهام) للتخصيص؛ لأن (ما) تكون استفهامية، وتكون شرطية، وتكون نكرة موصوفة، وتكون غير ذلك، فلها عشر معان نظمها بعضهم فقال: محامل ما عشر إذا رمت عدها فحافظ على بيت سليم من الشعر ستفهم شرط الوصل فاعجب لنكرها بكف ونفي زيد تعظيم مصدر هذه معاني ما، ولهذا احتاج أنه يقول: (بعد ما استفهام). ولم يقل: (كيف استفهام) لأنها لا ترد إلا استفهامية. قوله: (بفعل كون مضمر) أي: محذوف. (بعض العرب) فاعل نصب، يعني: أن بعض العرب نصب المفعول معه بعد الواو التي لم تسبق بفعل أو شبهه، ولكنه بعد ما أو كيف، ويقدر لذلك فعل مناسب، والمؤلف يقول: إنه يقدر فعل مشتق من الكون، وهو: "يكون أو تكون أو كن"، ولكن الأصح كما قاله أهل الحواشي: أن نقدر الفعل المناسب، على أنه يمكن أن نجعل "كون" في كلام المؤلف ليست هي التي اشتق منها كان، وأن المراد بالكون الحدث، يعني: بفعل حدث ويقدر بما يناسب المقام. القواعد المستفادة من هذه الأبيات: القاعدة الأولى: أن المفعول معه اسم منصوب تال لواو بمعنى مع مسبوقة بفعل أو شبهه. القاعدة الثانية: هل الناصب لهذا الاسم الواو أو ما سبقها من فعل أو شبهه؟ في ذلك قولان للعلماء، والذي يرجحه ابن مالك أنه منصوب بالفعل السابق أو شبهه. القاعدة الثالثة: يجوز أن ينصب بعد واو المعية إذا سبقت بما الاستفهامية أو كيف كما ورد ذلك عن بعض العرب، وعلى هذا فيجب أن نقدر فعلاً مناسباً للمقام.

 

 

 

 

تقديم العطف على المعية والعكس

  

 

قال المؤلف رحمه الله: [والعطف إن يمكن بلا ضعف أحق والنصب مختار لدى ضعف النسق] ونحن عندنا شيئان أحدهما أرجح من الآخر، وهما: هل الأولى في الواو إذا جاءت بين شيئين أن نجعلها للمعية فينصب ما بعدها، أو الأولى أن نجعلها عاطفة فيكون ما بعدها تابعاً لما قبلها؟ يقول المؤلف: إن العطف إذا لم يكن فيه ضعف أحق من أن تكون الواو للمعية. مثال ذلك: قام زيدٌ وعمروٌ، هنا الواو حالت بين زيد وعمرو، فهل تجعلها عاطفة أو تقول: قام زيدٌ وعمراً، وتجعل الواو للمعية؟ الأولى العطف؛ لأنه الأصل، فما دام غير ضعيف فهو الأولى فنقول: قام زيدٌ وعمروٌ، ولنا أن نقول: قام زيدٌ وعمراً، ونقول: قام: فعل ماض. زيدٌ: فاعل. والواو للمعية. وعمراً: منصوب على المعية. ولو قال قائل: قام زيداً وعمروٌ. لم يصح؛ لأن الفاعل لابد أن يكون مرفوعاً، فنقول: قام زيدٌ، أما عمرو فيجوز فيه وجهان، لكن العطف أولى. المسألة الثانية: ترجيح النصب: قال المؤلف: (والنصب مختار لدى ضعف النسق). يعني: إذا ضعف العطف رجحنا النصب، مثال ذلك: إذا عطفت على ضمير متصل فإن الأولى النصب تقول: جئت وزيداً. جئت: فعل وفاعل. الواو للمعية. زيداً: منصوب على المعية. ويجوز: جئت وزيدٌ؛ لكنه ضعيف، بل إن بعض العلماء من النحويين منع هذا، ومنهم ابن مالك بقوله: (وإن على ضمير رفع متصـل عطفت فافصل بالضمير المنفصل أو فاصل ما ...) وكذلك أيضاً إذا قلت: مررت بك وزيداً، ويجوز: مررت بك وزيدٍ. والنصب أفصح؛ لأن العطف على المتصل ضعيف أو ممنوع عند بعض العلماء. فإذا قلت: جئت أنا وزيد، جئت أنا وزيداً، فالأولى العطف؛ لأن العطف هنا يمكن بلا رابط. نأخذ من هذا أنه إذا جاءت الواو بين شيئين فالعطف أولى من المعية إذا لم يكن ضعيفاً، وإذا جاء بين شيئين وكان العطف ضعيفاً فالنصب على المعية أولى. قال المؤلف رحمه الله تعالى: (والنصب إن لم يجز العطف يجب) هذه قاعدة معناها أنه إذا كان العطف لا يجوز فإنه يجب النصب على المعية، أو على إضمار فعل، ولهذا قال: (أو اعتقد إضمار عامل تصب). المهم: إذا لم يجز العطف يجب النصب إما على المعية أو على إضمار الفعل. مثال الأول: استوى الماء والخشبةَ، ولا يجوز: والخشبةُ؛ لأنه يختلف المعنى، فإذا عطفت فالمعنى: استوى الماء واستوت الخشبةُ، وهذا ليس له معنى، لكن إذا نصبت فالمعنى: استوى الماء مع الخشبة، أي: صار بحذائها، فهنا نقول: الواو هنا للمعية ويجب النصب على المعية. وتقول: استوى الغني والفقيرُ فترفع الفقير على العطف. قوله: (أو اعتقد إضمار عامل تصب). قال الشاعر: علفتها تبناً وماء بارداً. تبناً: مفعول ثان لعلفتها، والمفعول الأول الضمير، والواو حرف عطف. ماء: مفعول به لفعل محذوف تقديره: وسقيتها ماء بارداً، وهذا الفعل المحذوف معطوف على جملة (علفتها) ولو قلنا: الواو حرف عطف وماء معطوفة على تبناً لم يصح لأن الماء لا يعلف. فإذا قلت: أطعمته خبزاً وحليباً. جاز ذلك على العطف دون إضمار فعل، لقول الله تعالى: وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي [البقرة:249]. وإذا قلت: سقيته حليباً وخبزاً، فالتركيب سليم، لكن عند الإعراب نقول: سقيته: فعل وفاعل ومفعول أول. حليباً: مفعول ثان. وخبزاً: الواو حرف عطف، خبزاً: مفعول به لفعل محذوف، والتقدير: وأطعمته خبزاً. فالحاصل أن المفعول معه تجري فيه الأحكام الخمسة: ترجح النصب، وضعفه، وترجح العطف، وضعفه، وتعين النصب، والله أعلم.

 


 

شرح ألفية ابن مالك [37]

 

الاستثناء يرد كثيراً في كلام العرب، وله أدوات كثيرة منها ما هو اسم ومنها ما هو فعل ومنها ماهو حرف، وأشهرها (إلا)، وللمستثنى بعد إلا أحكام إعرابية تختلف باختلاف الجملة الاستثنائية، وكذا تختلف بحسب تكررها ونحو ذلك. وغير إلا من الأدوات يجر ما بعدها إن كانت اسماً، وينصب إن كانت فعلاً في الغالب.