النداء
قال المؤلف رحمه الله تعالى
أحرف النداء
حكم حذف حرف النداء مع المندوب
أحكام المنادى
متى يبنى المنادى على ما يرفع به
المنادى المبني يقدر بناؤه على الضم بعد
النداء
متى يكون المنادى منصوباً
حكم المنادى العلم الموصوف بابن
إذا اضطر الشاعر إلى تنوين المنادى
المبني له رفعه ونصبه
متى يجمع بين حرف النداء وأل
تعويض الميم عن يا النداء في اللهم
متى ينصب تابع المنادى المضموم
متى يجوز الرفع والنصب في تابع المنادى
المضموم
عطف النسق والبدل إذا أتبع للمنادى
المضموم يجعل كالمستقل
جواز الرفع والنصب في الاسم المصحوب بأل
إذا عطف على المنادى
التوصل بأيها إلى نداء ما فيه أل
نداء اسم الإشارة والاسم الموصول بأيها
الإتيان باسم الإشارة بدلاً عن (أي)
المنادى المضاف إلى ياء المتكلم
المنادى المضاف إلى ياء المتكلم الصحيح
الآخر
المنادى بيا ابن أم ويا ابن عم ونحوها
حكم يا أبتِ ويا أمّتِ
أسماء ملازمة للنداء
قال المؤلف رحمه الله تعالى
[النداء]. النداء بالمد هو: طلب الإقبال بيا أو إحدى أخواتها. ثم
إن النداء قد يكون حقيقة أو ضمناً، فقوله تعالى: وَإِذَا
نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ [المائدة:58] ليس فيه يا أيها الناس
احضروا، لكن (حي على الصلاة) هذا نداء ضمني. والنداء له أحرف معينة
جمعها أهل العلم حينما تتبعوا ذلك في اللغة العربية، فله حروف
كحروف التنبيه لكنها خاصة بالنداء.
أحرف النداء
قال المؤلف رحمه الله: (وللمنادى الناء أو كالناء يا) الناء يعني:
البعيد، وأصله النائي بالياء، لكن حذفت الياء لضرورة الوزن. (أو
كالناء) يعني الذي كالنائي، أي: كالبعيد بكونه غافلاً أو ساهياً أو
نائماً أو ما أشبه ذلك. فالناء وشبهه له ياء فتقول: يا فلان!
للبعيد بمد الصوت. كذلك إذا كان غافلاً، مثل طالب من الطلبة يقلب
الكتاب ولا ينتبه للمدرس فتقول له: يا فلان، ولو قال لك: أنا عندك
قريب تقول: لكنك غافل. كذلك النائم، نقول: يا فلان قم؛ لأنه
كالبعيد في كونه يحتاج إلى مد الصوت. ولهذا يقول: (يا، وأي، وآ،
كذا أيا، ثم هيا). وفي (أي) لغتان ثانيهما: آي، ونضيفها إلى الحروف
فتكون ستة. وقوله: (والهمز للداني ووا لما ندب) فصارت حروف النداء
ثمانية: يا وأي وآي، وآ، وأيا، وهيا، وأ، ووا. وقوله: (الهمز
للداني) يعني: القريب، فالهمز للقريب المنتبه. إذاً: الهمز للداني
المنتبه الذي هو غير غافل وغير نائم، تقول: أزيد، ولا يحتاج لمد
الصوت لكونه قريباً ومنتبهاً. واعلم أنه قد ينزل البعيد منزلة
القريب، وقد ينزل القريب منزلة البعيد، فقد ينادي الإنسان قريبه
وصديقه وهو بعيد بلفظ الهمز كقول الشاعر: أفاطم مهلاً بعض هذا
التدلل وإن كنت قد أزمعت صرماً فأجملي. وقوله: (ووا لمن ندب) (وا)
للذي ندب، وأصل الندب الدعاء؛ لكن المندوب عند النحويين هو المنادى
المتفجع عليه أو المتوجع منه، فواحد يؤلمه ظهره، فيقول: واظهراه.
وواحد انهدم بيته يقول: وابيتاه! وآخر ماتت ناقته يقول: واناقتاه!
وهذا متفجع عليه. وإنما اختارت العرب (وا)؛ لأن دلالتها على التوجع
ظاهرة جداً؛ لأنها تقال في الأشياء التي توحش أو تؤلم أو ما
أشبهها. وقوله: (أو يا) يعني: ويجوز أن تستعمل يا في الندبة فتقول:
يا ظهراه، وهذا كثير في اللغة العامية. وقوله: (وغير وا لدى اللبس
اجتنب). فيا تستعمل في محل (وا) بشرط ألا يكون هناك لبس، فإن كان
هناك لبس فإننا نرجع إلى الأصل وهو (وا). فالذي يتفجع على ناقته
فيقول: واناقتاه، ولو قال: يا ناقتا، فإنه يصح. لكن لو قال: يا
ناقتي لا يكون ندبة، إذاً: لا يجوز أن تجعل (يا ناقتي) ندبة لأجل
اللبس. وقوله: (وغير وا) المقصود به (يا). فانقسمت حروف النداء إلى
أقسام. الأول: ما كان للبعيد. والثاني: ما كان للقريب. والثالث: ما
كان للندبة. فالهمزة للقريب، و(وا) للندبة، والباقي للبعيد. و(يا)
أيضاً للندبة بشرط ألا يكون هناك لبس.
حكم حذف حرف النداء مع المندوب
يقول المؤلف: [ وغير مندوب ومضمر وما جا مستغاثاً قد يعرى فاعلما ]
وغير مندوب ومضمر وما جا مستغاثاً قد يعرى من حرف النداء، تقول
مثلاً: يا زيد، وتقول: زيد. وسواء كان قريباً أو بعيداً، فتحذف حرف
النداء. وابن مالك يقول: (وغير مندوب)، فإذا قال: واظهراه،
واصديقاه، واسيارتاه، وناقتاه، وما أشبه ذلك، نقول: فلا يجوز أن
تحذف (وا)، لأنه مندوب. ووجه ذلك أننا لو حذفنا هذا لم نعلم أن ذلك
ندبة، وهو حرف جيء به ليدل على معنى خاص في النداء فلا يجوز أن
يحذف، ولو حذفناه لفات هذا الغرض. قوله: (ومضمر) يعني: المنادى
المضمر لا تحذف منه ياء النداء، وظاهر كلام المؤلف أن الضمير ينادى
مطلقاً. وقال بعض النحويين: إن الضمير لا ينادى مطلقاً. وقال
آخرون: ينادى ضمير المخاطب دون غيره، فيقال: يا إياك قد أغثتك، يا
إياك قد نفعتك. ظاهر كلام ابن مالك أنه يجوز نداء ضمير الغائب،
ولكن المشهور عدم الجواز. ولو قيل: بعدم الجواز إلا فيما ورد به
السماع لكان وجيهاً، فهو يحفظ ولا يقاس عليه. وقوله: (وما جا
مستغاثاً) كأن تستغيث الله عز وجل فتقول: يا لله للمسلمين. فـ (يا)
تدخل على المستغاث، وتكون اللام مفتوحة فيه، تقول يا لله للمسلمين.
وتقول: يا لرجل المرور لقاطع الإشارة، تستغيث برجل المرور لقاطع
الإشارة. وإعراب: (فاعلما). (الفاء) حرف عطف، و(اعلما) أصلها
(اعلم) فعل أمر مبني على السكون وحرك بالفتح لمناسبة ألف الإطلاق.
قال: [ وذاك في اسم الجنس والمشار له قل ومن يمنعه فانصر عاذله ]
(وذاك) المشار إليه التعرية، يعني أن حذف حرف النداء في اسم الجنس
وفي اسم الإشارة قليل. مثال ذلك في اسم الجنس، تقول: يا نهار ما
أطولك، يا ليل ما أطولك، يا جمل ما أحرنك، وما أشبه ذلك. فاسم
الجنس حذف الياء منه قليل، فتقول: ثوبي حجر، واسم الجنس ليس كالعلم
الذي يوجه له الخطاب فلذلك لا تحذف منه الياء. وكذلك في اسم
الإشارة تقول: يا هذا ما أغفلك، يصف فلاناً بالغفلة، وحذف الياء
قليل، ومنه قول الشاعر: ذا ارعواء فليس بعد اشتعال الرأس شيباً إلى
الصبا من سبيل الشاهد قوله: (ذا ارعواء) يعني يا هذا، فحذف الياء
في اسم الإشارة قليل. وذهب بعض أهل العلم إلى أنه لا يجوز أنه تحذف
ياء من اسم الجنس ومن اسم الإشارة، ولكن ابن مالك يقول: (من يمنعه
فانصر عاذله) أي: لائمه، أي: من يقول: إنه لا يجوز حذف ياء النداء
في اسم الجنس وفي اسم الإشارة، وجاء أحد يلومه فانصر اللائم.
والحقيقة أن مثل هذا الترتيب يعتبر في البلاغة تعقيداً؛ لأنك لا
تكاد تفهم المعنى منه. لكن ضرورة الشعر تلجئه رحمه الله إلى أن
يقول مثل هذا الكلام.
أحكام المنادى
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [النداء]. النداء بالمد هو: طلب
الإقبال بيا أو إحدى أخواتها. ثم إن النداء قد يكون حقيقة أو
ضمناً، فقوله تعالى: وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ
[المائدة:58] ليس فيه يا أيها الناس احضروا، لكن (حي على الصلاة)
هذا نداء ضمني. والنداء له أحرف معينة جمعها أهل العلم حينما
تتبعوا ذلك في اللغة العربية، فله حروف كحروف التنبيه لكنها خاصة
بالنداء.
متى يبنى المنادى على ما يرفع به
قوله: [ وابن المعرف المنادى المفردا على الذي في رفعه قد عهدا ]
بدأ المؤلف رحمه الله بأحكام المنادى الآن، والأحكام أهم من
الأدوات، فبدأ المؤلف بحكم المبني فقال: (وابن المعرف المنادى
المفردا) يعني: إذا ناديت اسماً معرفاً مفرداً فابنه على الذي في
رفعه قد عهدا، يعني: قد علم. وليس المراد بالمفرد ما يقابل الجمع
والتثنية، إنما المراد به ما ليس مضافاً ولا شبيهاً بالمضاف،
فالمفرد يبنى على ما يرفع به، ولهذا قال: (على الذي في رفعه قد
عهدا) يعني على الذي قد عهد في رفعه. فما دل على واحد يبنى على
الضم، وما دل على اثنين يبنى على الألف، وما دل على جمع يبنى على
الواو. فالقاعدة: إذا كان المنادى معرفة مفرداً وجب بناؤه على ما
يرفع به، مثل: زيد؛ إذا ناديناه نقول: يا زيد. وعلم من قول المؤلف
(وابن) أنه لا ينون؛ لأن الضمة ضمة بناء لا إعراب. وتقول: يا زيد،
يا بكرُ، يا عليُ، يا جعفرُ، ولرجل معين تقول: يا رجلُ. إذاً نبنيه
على الضم بدون تنوين؛ لأن المبني لا ينون إلا تنوين العوض كما مر.
وتنادي اثنين تقول: يا زيدان، يا بكران، يا عمران، يا خالدان. ويا
رجلان، إذا قصدت رجلين معينين، ويسمى هذا النكرة المقصودة، فرجل
نكرة، لكنه لما كان مقصوداً صار كالمعرفة. وتنادي جمع المذكر
السالم فتقول: يا مسلمون، يا قانتون، يا صالحون، يا متعلمون، وما
أشبه ذلك.
المنادى المبني يقدر بناؤه على الضم بعد النداء
قال المؤلف رحمه الله: [وانو انضمام ما بنوا قبل الندا وليجر مجرى
ذي بناء جددا ] إذا كان المنادى مبنياً على الضم من قبل أن ينادى
فننوي ضمة جديدة غير الضمة الأولى. وقوله: (وانو انضمام ما بنوا
قبل الندا) يعني معناه: لا تبنيه على الضم، فإذا نادينا هذا نقول:
يا هذا، فلا نضمه، أو يا من يقول للشيء كن فيكون. لا نقول: يا منُ،
ولا نقول: يا هذو، بل نبقيها على ما كانت عليه. ولو ناديت واحداً
وسميته (حيثُ) وهي مبنية على الضم، تقول: يا حيثُ، فتقول في
إعرابها: (يا) حرف نداء، و(حيث) منادى مبني على ضم مقدر على آخره
منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة البناء. وإعراب (هذا) من (يا
هذا): منادى مبني على ضم مقدر على آخره منع من ظهوره اشتغال المحل
بسكون البناء؛ لأن هذا البناء الذي حصل بالنداء بناء جديد عارض
طارئ. قوله: (وليجر مجرى ذي بناء جددا) يعني هذا الذي كان مبنياً
إذا ناديناه حكمنا عليه بحكمه لو كان مبنياً من أجل النداء، وهو
البناء المجدد. فيتبين لنا من الكلام الأول أن هذا المبني على سكون
أو ضم أو كسر ينوى ضمه، فإذا ناديت امرأة يسمونها حذامِ قلت: يا
حذامِ. وحذام امرأة مشهورة بقوة البصر، يقال: إنها ترى من مسيرة
ثلاثة أيام، وإنها قالت لقومها ذات يوم: يا قوم جاءكم القوم،
فنظروا فإذا هو لا يوجد أحد، وكان الأعداء قد قطعوا شجراً، وجعلوا
مع كل واحد منهم شجرة، فلم تفطن لهم فغاروا على الحي وقتلوها.
متى يكون المنادى منصوباً
قال ابن مالك : (والمفرد المنكور والمضافا وشبههه انصب عادماً
خلافا) يعني: وانصب النكرة، والمراد بالمفرد هنا ما ليس مضافاً ولا
شبهه، والمفرد النكرة ينصب، ولهذا قال: (انصب)، فتقول مثلاً: يا
رجلاً أنقذ فلاناً، وذلك مثل قول الأعمى: يا رجلاً خذ بيدي؛ ما قصد
رجلاً معيناً إنما قصد أي رجل من الرجال، فيكون نكرة فينصب بالفتح،
فتقول: يا رجلاً افعل كذا وكذا؛ تخاطب أي رجل. وتقول أيضاً: يا
طالباً كن مجداً تخاطب أي طالب، فيكون منصوباً. وتقول: يا مسلمين؛
لا تخاطب مسلمين معينين. وقوله: (والمضافا) فالمضاف أيضاً ينصب عند
النداء مثل: يا عبد الله، تقول: (يا) حرف نداء، و(عبد) منادى منصوب
بياء النداء وعلامة نصبه فتحة ظاهرة في آخره، و(عبد) مضاف ولفظ
الجلالة مضاف إليه. وقال النبي عليه الصلاة والسلام: (يا عبد الله
لا تكن مثل فلان كان يقوم من الليل فترك قيام الليل). ومثله أيضاً:
(يا عبادي) في قوله تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ
أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ
اللَّهِ [الزمر:53]. وتقول أيضاً: يا غلام زيد أقبل، فـ (الياء)
حرف نداء و(غلام) منادى منصوب بالفتحة الظاهرة، و(غلام) مضاف
و(زيد) مضاف إليه مجرور بالإضافة، وعلامة جره الكسرة الظاهرة في
آخره. قال: (وشبهه انصب عادماً خلافاً) شبه المضاف: هو ما تعلق به
شيء من تمام معناه: إما أن يكون فاعلاً، أو مفعولاً به أو مجروراً،
تقول: يا كريماً أبوه أقبل، (كريماً) هنا منادى معين لكنه شبيه
بالمضاف؛ لأنه تعلق به شيء من تمام معناه والمتعلق به هنا فاعل.
ومثال المفعول به يا بائعاً ثوبه، هذا تعلق به شيء من تمام معناه
مفعولاً به، ومثله: يا طالعاً جبلاً، فـ (طالعاً) هذه نكرة معينة
مراده، لكنه تعلق به شيء من تمام معناه فصار شبيهاً بالمضاف. أما
المجرور فتقول: يا لطيفاً بالعباد كن بي لطيفا، فـ (لطيفاً) هذه
نكرة مقصودة موجهة إلى الله عز وجل، لكن (بالعباد) تعلق بها ليتمم
معناها وهو مجرور بحرف الجر. وإذا قلت: يا قارئاً كتابه تأمله،
التعلق هنا بالمفعول. ولو قلت: يا قارئ الكتاب، أصبح مضافاً وليس
شبيهاً بالمضاف فلهذا يقولون: إن هذا شبيه بالمضاف. وقولك: يا
كريماً أبوه، مثل قولك: يا كريم الأب، فهو شبيه بالمضاف تماماً،
وعلى هذا فقس. فصار الذي ينصب ثلاثة أشياء هي النكرة غير المقصودة،
والمضاف، والشبيه بالمضاف. وشيئان يبنيان على ما يرفعان به وهما:
العلم، والنكرة المقصودة. قال: (وشبهه انصب عادماً خلافا) فـ
(عادماً) حال من فاعل (ينصب)، و (خلافاً) مفعول لعادم، يعني كأن
ابن مالك رحمه الله يقول: إن العرب أجمعوا على أن هذه الثلاثة
تنصب.
حكم المنادى العلم الموصوف بابن
قال المؤلف رحمه الله: [ونحو زيد ضم وافتحن نحو أزيد بن سعيد لا
تهن والضم إن لم يل الابن علما أو يلي الابن علم قد حتما ] زيد
علم، فهو معرف يستحق البناء على الضم، فتقول: يا زيدُ، لكن إذا كان
بعد همزة النداء وبعده كلمة (ابن) أو (ابنة) وبعده علم يقول
المؤلف: يجوز في زيد الضم والفتح. مثاله: أزيد بن سعيد، فـ
(الهمزة) حرف نداء، (زيد) منادى مبني على الضم في محل نصب، ويجوز
أن نقول: الهمزة حرف نداء، وزيد: منادى منصوب على النداء وعلامة
نصبه فتحة ظاهرة في آخره، ولهذا قال: (ضم): أي: على أنه مبني،
(وافتحن) أي: على أنه منصوب. إذاً: إذا وجد علم وبعده (ابن) وبعده
علم فإن العلم الأول يجوز فيه البناء على الضم والنصب. و(ابن)
منصوب على كل حال، و(ابن) مضاف و(سعيد) مضاف إليه. فإن قال قائل:
لِمَ لم يتكلم على حكم (ابن)؟ نقول: قد تكلم على حكمها في عموم
قوله: (والمضافا) ولا خلاف في هذا فيكون منصوباً بالفتحة. لو فرضنا
أن الاسم الأول ليس علماً فحكمه وجوب البناء، مثل: يا غلام ابن
زيد، فغلام ليس علماً، فإذا كان الذي قبل (ابن) ليس بعلم فيبنى على
الضم، وإذا كان الذي بعد (ابن) ليس بعلم فإنه كذلك يبنى على الضم.
وهل يجوز أن نقول: يا زيدَ صاحبَ زيد؟ لا يجوز؛ لأنه لا يوجد (ابن)
بين علمين، وإذا قلنا: يا زيدُ صاحب عمرو، فإنه يتعين في زيد
البناء على الضم، ولا يجوز أن نقول: يا زيدَ صاحب عمرو؛ لأنه ليس
عندنا (ابن) بين علمين . قوله: (أزيد بن سعيد) إعرابه على الضم
واضح: الهمزة: حرف نداء. زيد: منادى مبني على الضم في محل نصب. ابن
سعيد: صفة لزيد منصوب وعلامة نصبه فتحة ظاهرة في آخره. قالوا:
ويجوز أن تعربه منادى مستقلاً، لكن إذا أعربته منادى مستقلاً لم
يجز في الأول إلا الرفع فتقول: أزيد يا ابن سعيد لا تهن، لكن هنا
نريد أن نعربه على أنه صفة لزيد. فإذا بنينا زيداً على الفتح
وقلنا: أزيدَ بن سعيد، فنقول: الهمزة: حرف نداء. زيد: منادى مبني
على ضم مقدر على آخره منع من ظهوره اتباعه لصفته في محل نصب. فزيد
ليس منصوباً وفيه قول أنه مبني وما بعده على الفتح وتلغى كلمة ابن،
لكن الإعراب الصحيح أن نقول: زيد منادى مبني على ضم مقدر على آخره
منع من ظهوره اتباعه لصفته؛ أي: متبعاً لها بالفتح فقط. فصارت
فتحته فتحة إتباع لا إعراب.
إذا اضطر الشاعر إلى تنوين المنادى المبني له رفعه ونصبه
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ واضمم أو انصب ما اضطراراً نونا مما
له استحقاق ضم بينا ] قوله: (واضمم أو انصب). (أو) هنا للتخيير،
ومعنى (اضمم): أي: ابنِ على الضم، وقوله: (أو انصب) أي: أعربه
بالفتح نصباً. (ما): اسم موصول مفعول اضمم أو انصب، وفيه تنازع،
والمعروف أنه في مثل هذا يكون مفعولاً للثاني. اضطراراً: مفعول من
أجله، عامله (نونا)، والألف فيه للإطلاق، أي: اضمم أو انصب ما نون
اضطراراً، أي: للضرورة. فإذا جاء الاسم مستحقاً لبنائه على الضم،
واضطر الشاعر إلى أن ينونه فإنه يجوز أن ينصبه، ويجوز أن يضمه، أي:
أن تعربه على أنه مبني على الضم في محل نصب، أو تنصبه على أنه
منادى منصوب، فشمل قول المؤلف: (ما اضطراراً نونا مما له استحقاق
ضم) المنادى الذي يبنى على الضم لكونه علماً، فإنه يجوز فيه أن
تقول في إعرابه: إنه منصوب بياء النداء مثلاً، أو مبني على الضم
ونون للضرورة، مثاله قول الشاعر: سلام الله يا مطرٌ عليها وليس
عليك يا مطرُ السلام الشاهد في الأول: (سلام الله يا مطرٌ)، وكان
عليه أن يقول: (يا مطرُ)، لكن نونه لضرورة الشعر؛ لأنه لو لم ينونه
لانكسر البيت، فنونه للضرورة. الثاني: (وليس عليك يا مطرُ)، هذا
على الأصل؛ لأنه ليس فيه تنوين. وعليه فيجوز أن أقول: سلام الله يا
مطراً عليها، و سلام الله يا مطرٌ عليها؛ لأن ابن مالك خيرنا:
(اضمم أو انصب)، وإنما جاز النصب لأنه لما دخله التنوين صار كأنه
غير مقصود، فإن النكرة المقصودة تبنى على الضم، والنكرة غير
المقصودة حكمها النصب، وعلى هذا فيجوز في الإعراب كما يأتي: سلام
الله: سلام: مبتدأ، وهو مضاف إلى اسم الجلالة. يا: حرف نداء. مطر:
منادى مبني على الضم في محل نصب، ونون للضرورة. عليها: جار مجرور
خبر سلام. ويجوز أن أقول: سلام الله يا مطراً عليها، وإعرابه: يا:
حرف نداء. مطراً: منادى منصوب وعلامة نصبه فتحة ظاهرة في آخره. ففي
باب الضرورة إن شاء الإنسان نصب وإن شاء رفع. قوله: (مما له
استحقاق ضم بينا) ذكر المؤلف سابقاً أن المنادى المفرد يبني على ما
يرفع به، وهنا استثنى المثنى وجمع المذكر السالم، فما قال: على ما
يرفع به؛ لأن الكلام على ما يستحق البناء على الضم، أما الجمع فهو
يبقى على ما هو عليه، وكذلك المثنى. مثال آخر: قول الشاعر: ضربت
صدرها إلي وقالت يا عدياً لقد وقتْك الأواقي فقال: يا عدياً لقد
وقتك الأواقي، وكان عليه أن يقول لولا الضرورة: يا عديُ؛ لأنه علم.
فالحاصل: أن ما يبنى على الضم يجوز أن ينون لضرورة الشعر، وإذا نون
جاز أن يبقى على ضمه، وجاز أن ينصب.
متى يجمع بين حرف النداء وأل
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ وباضطرار خص جمع يا وأل إلا مع الله
ومحكي الجمل ] تقدم أنه يجوز حذف أداة النداء، لكن لا تجمع أداة
النداء مع (أل)، فلا يقال: يا النبي, ولا يا الرجل، إلا في اسم
الله تعالى، وما سمي به من الجمل، وإذا دعت الضرورة، والضرورة عند
النحويين هي الشعر. قوله: (إلا مع الله) فلفظ الجلالة (الله) اختص
بجواز جمع ياء مع أل، مثل: يا الله، قالوا: وهنا تكون همزتها همزة
قطع، (يا ألله)، ويجوز أن تجعلها همزة وصل، لكن الأفصح أنها تقطع.
قوله: (ومحكي الجمل) يعني: لو سمينا شخصاً بجملة اسمية محلاة بأل
فإنه يجوز أن نناديه بـ(يا)، فهناك واحد من العرب يسمى: الشنُّ
فُري، هذا هو أصله وأظنه صار يسمى: الشنفري، فإذا ناديناه نقول: يا
ألشنفري، فيجب هنا القطع. مثلاً دخل علينا شخص وقال: الصباح بارد،
فأخذنا عليه هذه الكلمة وبدأنا نسميه بها: جاء الصباح بارد، دخل
الصباح بارد... وما أشبه ذلك، فإذا أردنا أن نناديه بياء النداء
فإنه يصح، لكنه يجب القطع، ففي (الله) يجوز أن تجعل الهمزة همزة
وصل وهمزة قطع، لكن هذه قالوا: يجب أن تجعلها همزة قطع، وتقول: يا
ألصباح بارد؛ لقبح اجتماع ياء النداء مع أل الساكنة الهمزة، فتقطع
الهمزة ليزول هذا القبح.
تعويض الميم عن يا النداء في اللهم
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ والأكثر اللهم بالتعويض وشذ يا
اللهم في قريض ] قوله: (والأكثر اللهم بالتعويض) أي: تعويض الميم
عن الياء، فالأكثر أن يقال: اللهم، بدلاً من: يا الله، ولهذا إذا
تدبرت الأدعية الواردة في الكتاب والسنة وجدت أنها تصدرت بـ(اللهم)
دون يا الله، هذا هو الأكثر: اللهم اغفر لي، بالتعويض، فعوض الميم
عن الياء، وقد سبق أنها عوضت الميم على الياء وأخرت حتى يكون
الابتداء باسم الله سبحانه وتعالى. قوله: (وشذ يا اللهم في قريض)
القريض هو: الشعر، ومثاله قول الشاعر: إني إذا ما حدث ألما أقول يا
اللهم يا اللهم فهنا أتى بالياء لكي يستقيم الوزن، فقال: يا اللهم
يا اللهم، ومع ذلك جعلها ساكنة الهمزة، (يا اللهم يا اللهم)، ولم
يجعلها همزة قطع. واعلم أن (اللهم) يؤتى بها للنداء والطلب كما في
قولك: اللهم اغفر لي، اللهم ارحمني وما أشبه ذلك، ويؤتى بها
للتأكيد، ليبين للمخاطب أن هذا الأمر مؤكد، ومثاله حديث أن ضمام بن
ثعلبة جاء إلى الرسول صلى الله عليه وسلم يسأله عن الإسلام فقال:
(إني سائلك ومشدد عليك في المسألة، فأذن له الرسول عليه الصلاة
والسلام أن يسأل، فقال: أسألك بالذي خلقك وخلق من قبلك آلله أرسلك
إلى الناس كافة؟ قال: اللهم نعم، ثم قال: أنشدك آلله أمرك أن نصلي
خمس صلوات؟ فقال: اللهم نعم)، وذكر الصوم وذكر الصلاة فقال: (اللهم
نعم)، فالغرض من (اللهم) هنا التوكيد، أي: توكيد الكلام للمخاطب.
أما من أجل التقليل فهذه تجدونها كثيراً في كتب المؤلفين حين يقول
أحدهم: لا يقول كذا وكذا اللهم إلا أن يكون كذا وكذا، فيأتون بها
للتقليل والندور، ومثله لو سألك سائل: هل فلان يزورك؟ فتقول: لم
يزرني قط، اللهم إلا إذا احتاج إلي جاء يزورني، فهذا على سبيل
التقليل. إذاً: تستعمل (اللهم) على ثلاثة وجوه: في النداء، وفي
التأكيد، وفي التقليل.
شرح ألفية ابن مالك[55]
التابع للمنادى قد يكون نعتاً أو توكيداً أو عطفاً أو بدلاً، وقد
يمتنع بعضها في بعض أنواع النداء، ويتوصل بـ(أيها) إلى ما لا يصح
نداؤه بيا، والمنادى المضاف إلى ياء المتكلم أو ما هو مضاف لها
يجوز فيه أوجه عدة.
تابع المنادى
متى ينصب تابع المنادى المضموم
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ فصل. تابع ذي الضم المضاف دون أل
ألزمه نصباً كأزيد ذا الحيل ] قوله: (تابع): مفعول له لفعل محذوف
يفسره قوله: (ألزمه)، أي: ألزم تابع ذي الضم. وقوله: (المضاف) صفة
لتابع. دون أل: حال من تابع، أي: ألزمه نصباً حال كونه دون أل.
مثاله: (كأزيد ذا الحيل). يقول: (تابع ذي الضم) التوابع خمسة:
النعت، وعطف البيان، وعطف النسق، والتوكيد، والبدل، وعند ابن آجروم
أربعة؛ لأنه أدرج عطف البيان في التوكيد. إذاً: تابع ذي الضم يشمل
الخمسة، لكنه يستثنى من التوابع البدل وعطف النسق، فإذا وجد تابع
من التوابع فإنه يكون تابعاً للمنادى المضموم، وهو: أولاً: مضاف،
وثانياً: خال من أل، يقول: (ألزمه نصباً)، حتى لو كان الذي قبله
مضموماً؛ لأنه قال: (تابع ذي الضم)، والمثال يوضح المقصود، فقوله:
(أزيد) الهمزة للنداء، زيد: منادى مبني على الضم في محل نصب. ذا:
صفة لزيد، أي: نعت. فـ (ذا) نعت، والنعت من التوابع، وهو مضاف إلى
ما بعده، وليس فيه (أل). إذاً: صار (ذا الحيل) تابعاً لذي ضم،
فنقول: يا زيد ذا الحيل، بنصب (ذا). ونقول: يا ألله بديعَ السماوات
والأرض، ونقول: يا عمرو غلامَ زيد.
متى يجوز الرفع والنصب في تابع المنادى المضموم
قوله: (وما سواه) يشمل ما ليس مضافاً، وما أضيف ولكن فيه أل. (ارفع
أو انصب)، أي: يجوز لك فيه الرفع ويجوز لك فيه النصب. مثال ما ليس
مضافاً: يا زيد الظريف، (الظريف) صفة لزيد، وليست مضافة فيجوز لك
أن تقول: يا زيدُ الظريفَ، باعتبار المحل، و(الظريفُ) باعتبار
اللفظ، ومع ذلك يقولون: إنه صفة منصوب، لكنه بفتحة مقدرة على آخره
منع من ظهورها الإتباع، أي: إتباع الثاني للأول بالبناء على الضم،
وإلا فالأصل أن محله النصب، لكن أتبع الثاني للأول بالحركة فقط،
ولهذا نقول: الظريفُ: صفة لزيد منصوب بفتحة مقدرة على آخره منع من
ظهوره حركة الإتباع، هذا إذا بنيناه على الضم وقلنا: يا زيدُ
الظريفُ. أما إذا قلنا: يا زيدُ الظريفَ؛ فإنه صفة على المحل.
ومثال ما أضيف وفيه أل: يا زيدُ الحسنُ الوجه، ويا زيدُ الحسنَ
الوجه، فهذا مضاف لكن فيه أل، فيجوز فيه الرفع والنصب، ولهذا قال:
(وما سواه انصب أو ارفع). فتبين لنا بهذا أن تابع ذي الضم له ثلاث
حالات: الأولى: أن يكون مجرداً من الإضافة. والثانية: أن يكون
مضافاً مجرداً من أل. والثالثة: أن يكون مضافاً مع أل. فالمضاف دون
أل يجب فيه النصب، وما عداه يجوز فيه الرفع والنصب، والذي عداه
اثنان: ما لم يضف، وما أضيف وفيه أل. والخلاصة: أن تابع ذي الضم
إما أن يكون مضافاً أو غير مضاف، وغير المضاف سيأتينا إن شاء الله
فيما بعد، فالمضاف إما أن يكون فيه أل أو ليس فيه أل، فإن كان فيه
أل فإنه يجوز فيه الرفع والنصب، وإن لم يكن فيه أل فإنه يتعين فيه
النصب. وبالمثال يتضح المقال: فإذا قلنا: يا زيدُ ذا الحيل، فهنا
يتعين النصب، وإذا قلنا: يا زيدُ الحسنُ الوجه، فهنا يجوز الرفع
والنصب، وإذا قلنا: يا زيدُ الظريف، فيجوز الرفع والنصب.
عطف النسق والبدل إذا أتبع للمنادى المضموم يجعل كالمستقل
قال رحمه الله: (واجعلا كمستقل نسقاً وبدلاً). أخرج الآن من
التوابع عطف النسق والبدل، وبقي عندنا النعت، والتوكيد، وعطف
البيان، فهذه هي التي يجوز فيها الأوجه التي ذكرناها. أما عطف
النسق -وهو ما عطف بواحد من حروف العطف- فإن التابع يكون كالمستقل،
ليس له دخل بالذي قبله، وكذلك إذا كان بدلاً فإنه يكون كالمستقل.
تقول: يا زيدُ وعمروُ: (يا): حرف نداء. (زيد): منادى، والواو حرف
عطف. (عمرو): معطوف على زيد مبني على الضم في محل نصب؛ لأنك لو
ناديت عمراً مستقلاً بنيته على الضم. ومثله: يا زيد وعبد الله،
فيجب نصب (عبد الله)؛ لأنه لو كان منادى مستقلاً لوجب نصبه. مثال
آخر: يا زيد وطالعاً جبلاً، يتعين النصب، وكذلك: يا ربُّ ولطيفاً
بالعباد، يتعين النصب. إذاً: إذا كان التابع بواسطة حرف العطف فإنه
يجعل كالمستقل، فإن كان معرفة أو نكرة مقصودة بني على الضم، وإن
كان مضافاً أو شبيهاً بالمضاف تعين نصبه، فتقول: يا زيدُ ورجلُ، يا
زيدُ وعمروُ، يا زيدُ وغلامَ عمرو، يا زيدُ وطالعاً جبلاً. وكذلك
إذا كان التابع للمنادى المضموم بدلاً فإنه يجعل كأنه منادى مستقل،
فإن كان علماً، أو نكرة مقصودة بني على الضم، وإن كان مضافاً أو
شبيهاً به فهو منصوب. أما إذا كان التابع صفة أو توكيداً أو عطف
بيان، فله ثلاث حالات: إما أن يكون التابع مضافاً محلىً بأل، أو
مضافاً غير محلىً بأل، أو غير مضاف، فإن كان غير مضاف، أو كان
مضافاً محلى بأل جاز فيه الوجهان: الرفع والنصب، وإن كان مضافاً
غير محلى بأل تعين فيه النصب.
جواز الرفع والنصب في الاسم المصحوب بأل إذا عطف على المنادى
قال المؤلف رحمه الله: [ وإن يكن مصحوب أل ما نسقا ففيه وجهان ورفع
ينتقى ] معناه: إذا عطفت على المنادى المبني على الضم اسماً
مصحوباً بأل ففيه وجهان، ولكن الرفع أفضل، ولهذا قال: (ورفع ينتقى)
أي: يختار، ومنه قوله تعالى: يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ
وَالطَّيْرَ [سبأ:10]، فـ(الطيرَ) فيها قراءتان: بالرفع وبالنصب.
وتقول: يا زيدُ والغلامُ، ويا زيدُ والغلامَ، أما وجه النصب فعطفاً
على المحل؛ لأن محل (زيد) النصب، وأما ضمه فللإتباع، قال بعضهم:
وما حرك بالإتباع فليس له محل؛ لأنه تابع لما قبله. فيقال: الواو:
حرف عطف. والغلام: معطوف على زيد منصوب بفتحة مقدرة على آخره منع
من ظهورها الإتباع. إذاً: إذا كان المعطوف على المنادى المضموم
محلىً بأل ففيه وجهان، ولكن المؤلف يقول: (ورفع ينتقى) والقراءة
المشهورة بالنصب: يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ
[سبأ:10]، لكن النحويين كما قال بعضهم: النحوي كالثعلب تدخل يدك
عليه من بابه فيخرج من نافقاء، فقالوا: الطير: على قراءة النصب
ليست معطوفة على جبال، بل مفعول لفعل محذوف، أي: وسخرنا له الطيرَ،
وهذا في الحقيقة تكلف، والصواب: أنه يجوز الوجهان على السواء؛ لأنه
ما دام القرآن ورد بهما جميعاً فالقرآن أفصح الكلام.
التوصل بأيها إلى نداء ما فيه أل
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ وأيها مصحوب أل بعد صفه يلزم بالرفع
لدى ذي المعرفه ] قوله: (مصحوب) فيها وجهان: النصب والرفع، فعلى
الرفع، نقول: أيها: مبتدأ كلها؛ لأن المراد لفظه. مصحوب: مبتدأ
ثان، و(يلزم) خبر المبتدأ الثاني، والمبتدأ الثاني وخبره في محل
رفع خبر المبتدأ الأول، فالخبر هنا جملة، ومعلوم أنه إذا كان خبر
المبتدأ جملة فلا بد لها من رابط يربطها بالمبتدأ، والرابط هنا
محذوف، تقديره: يلزمها. فمعنى البيت إذاً: أن مصحوب أل يلزم (أيها)
حال كونه صفة مرفوعاً بعدها، فالمؤلف أفادنا ثلاث فوائد: أولاً: أن
الذي يلي (أيها) لا بد أن يكون مصحوباً بأل. وثانياً: لا بد أن يقع
بعدها، لقوله: (بعد). ثالثاً: أن محله من الإعراب صفة لأي؛ لقوله:
(صفة). إذاً: (أي) يؤتى بها صلة لنداء ما فيه أل، والذي يأتي بعدها
وفيه أل حكمه أنه صفة لها، لقوله: (مصحوب أل بعد صفة يلزم بالرفع
لدى ذي المعرفة)، وقد سبق لنا أنه لا يجوز أن ينادى ما فيه أل -وهي
مباشرة له- إلا في موضعين؛ مع الله، ومحكي الجمل، فلا يجوز أن
تقول: يا الإنسان، إذاً فماذا تصنع إن كنت تريد أن تنادي الإنسان؟
تقول: يا أيها الإنسان، فتأتي بأي، ويكون مصحوب أل بعدها صفة لها،
وهذا كثير في القرآن كقوله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ
[الأنفال:64]، يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ [المائدة:41]، يَا أَيُّهَا
الإِنسَانُ [الانفطار:6]، وما أشبهها. الوجه الثاني في إعراب
(مصحوب) هو النصب. والمعنى: أن (أيها) يلزم مصحوب أل، بخلاف
التقدير الأول: فإن اللازم هو المصحوب، وعلى هذا التقدير الثاني
فإن (مصحوبَ أل) يلزم (أيها)، والمعنى لا يتغير؛ لأنه إذا لزم
مصحوب أل (أيها) لزم أن تكون (أيها) أيضاً لازمة له، ففي الحقيقة
لا يختلف المعنى وإنما يختلف الإعراب. وخلاصة القول: أنه لما تقرر
أن (ياء) النداء لا تباشر ما فيه أل إلا في موضعين -كما سبق- فإنه
يجب أن يؤتى بأي صلة لها، فكأن المنادى حقيقة ما بعد أي، ولهذا
نقول: إن (أي) هنا صلة، ونقول في إعراب يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ
مثلاً: يا: حرف نداء. أي: منادى مبني على الضم في محل نصب، والهاء:
للتنبيه. النبي: صفة لأي مبني على الضم في محل نصب، وهنا نقول:
مبني على الضم في محل نصب لأنه هو المنادى حقيقة، وإنما أتينا بأي
من أجل كراهة أن تلي (يا) النداء ما فيه أل. وقول المؤلف: (يلزم
بالرفع لدى ذي المعرفة) إشارة إلى أن هناك قوماً يقولون: لا يلزم
فيه الرفع، وإنه يجوز فيه الوجهان، وهو كذلك، فإن بعض النحويين
يقول: إنه يجوز فيه النصب، فيجوز أن تقول: يا أيها الرجلَ إتباعاً
لمحل أي؛ لأن محلها النصب، ولكن مهما كان فإن الرفع هنا بالاتفاق
أولى، وهو الذي نطق به القرآن: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ
[الأنفال:64]، يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ [المائدة:41]، وما أشبه
ذلك. وعلة البناء في المنادى بعد أيها: أنه منادى مقصود، مثل: يا
رجلُ. مسألة: إذا كان المنادى مثنى أو مجموعاً فلا تثنى (أيها) ولا
تجمع، فلا يقال: يا أيهما الرجلان، ولا يقال: يا أيهم الرجال، بل
يقال: يا أيها الرجلان، ويا أيها الرجال، لكن هل تؤنث؟ نقول: نعم،
قال الله تعالى: يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ
[الفجر:27]. إذاً: فأي تؤنث مع المؤنث، ولكنها لا تثنى ولا تجمع،
وهذا لم يذكره ابن مالك لكنه معروف. فالخلاصة: أي صلة يتوصل بها
إلى ما يمتنع فيه مباشرة (يا) النداء ما هو مصحوب أل، وأي لازمة
للإفراد، أما في التأنيث والتذكير فإنها تذكر مع المذكر وتؤنث مع
المؤنث، تقول: يا أيتها المرأتان، ويا أيتها النساء.
نداء اسم الإشارة والاسم الموصول بأيها
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ وأي هذا أيها الذي ورد ووصف أي بسوى
هذا يرد ] ذكرنا سابقاً أن مصحوب أل هو الذي يأتي بعد أي، فهل يأتي
غير مصحوب أل؟ ننظر: العلم لا يمكن أن يأتي بعد أي، فلا يصح أن
تقول: يا أيها زيدٌ، والاسم الموصول ذكره المؤلف، وكذلك اسم
الإشارة ذكره المؤلف، والمضاف لا يمكن أن يأتي بعد أي، فلا يصح: يا
أيها غلامَ زيد. إذاً: يأتي (أيها) مع المحلى بأل كما يفيده البيت
الأول، ويأتي كذلك مع اسم الإشارة، تقول: (أيها ذا)، والصواب: أن
تكتب هكذا: أيها ذا، أما في النسخة التي عندي فإنها مكتوبة هكذا
(أي هذا) وعلى هذا تكون (أي) اسم استفهام، تقول: أي هذا فعلت؟
والصواب: (أيها) وحدها، و(ذا) اسم الإشارة. قوله: (وأيها ذا أيها
الذي ورد) أي: ورد أن (أيها) يليها اسم إشارة، تقول: أيها ذا،
ويليها أيضاً الاسم الموصول، أيها الذي. وكلمة (أيها الذي) تفيد
أنه إنما يرد اسم الموصول المحلى بأل، وأما اسم الموصول مثل (مَنْ)
فلم يرد، تقول: يا أيها الذي قام، ولا يصح: يا أيها من قام. إذاً:
الذي يلي (أي) الاسم المحلى بأل، واسم الإشارة، والاسم الموصول
المحلى بأل. قوله: (ووصف أي بسوى هذا يرد). (بسوى هذا) أي: هذا
المذكور، وهو ثلاثة أمور: المحلى بأل، واسم الإشارة، والموصول
المحلى بأل، وما سوى هذا فيقول المؤلف: (وصف أي بسوى هذا يرد) أي:
يرفض فلا يقبل. قال المصنف رحمه الله تعالى: [ وذو إشارة كأي في
الصفه إن كان تركها يفيت المعرفة ] قوله: (ذو إشارة) أي: اسم
الإشارة. (كأي في الصفة)، أي: لا يوصف بها إلا الاسم الموصول أو
المحلى بأل، فإذا أردت أن تصف اسم الإشارة بالمنادى تصفه بما فيه
أل، أو باسم الموصول المحلى بأل، ولهذا قال: (وذو إشارة)، أي: اسم
الإشارة (كأي في الصفة) أي: مثل (أيها)، فتقول مثلاً: يا هذا الذي
فعل كذا، وتقول: يا هذا الرجلُ، ولكن لا تقول: يا هذا زيدُ، أو: يا
هذا من عمل كذا وكذا. وظاهر كلام المؤلف أنه يجوز أن يوصف باسم
الإشارة؛ لأنه قال: (كأيٍّ في الصفة)، وأي توصف باسم الإشارة، فهل
يقال مثلاً: يا هذا ذا؟ نقول: نحن نستغني بـ (يا هذا)، فما دام
عندنا اسم إشارة فليس هناك داع لاسم إشارة آخر، لكن في (أي) إذا
أردنا ننادي اسم الإشارة لا بد أن نأتي باسم الإشارة، أما هنا إذا
نادينا اسم الإشارة فلا حاجة أن نأتي باسم الإشارة مرة ثانية. فقول
المؤلف: (كأي في الصفة) أي: في المسألتين الأخيرتين، وهما: المحلى
بأل، واسم الموصول المحلى بأل.
الإتيان باسم الإشارة بدلاً عن (أي)
قال رحمه الله: (إن كان تركها يفيت المعرفة ). قوله: (إن كان
تركها) أي: الإشارة، (يفيت المعرفة) أي: العلم بالمنادى، أما إذا
كان تركها لا يفيت المعرفة فإنك تأتي بأي. اشترط المؤلف لصحة مجيء
اسم الإشارة بدلاً عن أي: أن يكون تركها يفيت المعرفة، مثلاً: إذا
قلت: يا أيها الرجلُ، فأنت عرفت أن المنادى رجل، لكن أنا أريد أن
أعين رجلاً، فأقول بدل (أي): يا هذا الرجل؛ لأجل أن تعرف أن
المنادى هو هذا المشار إليه، فإذا كان تركها يفيت المعرفة فإنك
تأتي باسم الإشارة. أما إذا كان لا يفيت، مثل: يا أيها النبي، يا
أيها العالم، يا أيها الأب، يا أيها القاضي، يا أيها الأمير، فلا
حاجة لاسم الإشارة؛ لأنه متعين بالتعريف بالعهد الذهني المعروف،
تقول: يا أيها القاضي، إذا كنت تعرف أنه هو القاضي المعين ونحو
ذلك. لكن إذا كان ترك اسم الإشارة يفيت المعرفة بعين المنادى،
فإننا نأتي باسم الإشارة، فتبين أن الإتيان باسم إشارة بدلاً عن
(أي) إنما يكون للضرورة، والضرورة هي ما إذا كان تركها يفوت
المعرفة، أما إذا كان لا يفوت المعرفة فلا؛ لأن (أي) هي الأصل
فنرجع إلى الأصل. قال المؤلف رحمه الله: [ في نحو سعدُ سعدَ الأوس
ينتصب ثانٍ وضم وافتح أولاً تصب ] قوله: (في نحو سعد سعد الأوس)،
سعد : منادى حذفت منه ياء النداء، والأصل: يا سعد سعد الأوس، وسعد
الأوس هو سعد بن معاذ رضي الله عنه، و سعد الخزرج هو سعد بن عبادة
، وسعد بن معاذ رضي الله عنه حياته معروفة، وختام حياته بالشهادة،
واهتز له عرش الرحمن سبحانه وتعالى، وفيه قال حسان بن ثابت : وما
اهتز عرش الله من أجل هالك سمعنا به إلا لسعد أبي عمر فإذا قلت: يا
سعد سعدَ الأوس، فالثاني ينتصب؛ لأنه منادى مضاف، فإذا كان بدلاً
من الأول فإنه بدل منه على أنه مضاف أو عطف بيان، فينتصب لأنه
مضاف. لكن الأول يقول فيه المؤلف: (وضم وافتح أولاً تصب) أي: أنه
يجوز في الأول وجهان: الضم على الأصل؛ لأنه غير مضاف، والعلم إذا
نودي يبنى على الضم. والوجه الثاني الفتح: وقد اختلف فيه النحويون،
فقال بعضهم: إنه جاز على أن تكون سعد الثانية مقحمة زائدة، وكأن
الأصل: يا سعدَ الأوس، وهذا على رأي من يجوزون زيادة الأسماء،
والمسألة فيها خلاف بين النحويين، أما في الحروف فالظاهر أنها
جائزة وشائعة، لكن زيادة الأسماء فيها خلاف. وقال بعضهم: إنه ينصب
فيبنى مع الثاني كبناء خمسة عشر، فتقول في الإعراب على هذا الرأي:
يا: حرف نداء، سعد سعد : اسم منادى مبني على الفتح في محل نصب؛
لأنه مضاف. الرأي الثالث يقول: إننا نفتحه على الإتباع، بمعنى: أن
يكون تابعاً لما بعده في الحركة، وعلى هذا نقول: سعد: منادى مبني
على ضم مقدر على آخره منع من ظهوره حركة الإتباع. وفي الحقيقة أن
هذه الإعرابات لا بأس أن يتمرن الإنسان عليها ويعرفها، لكن أهم شيء
عندنا هو الحكم، وهو أن الثاني ينصب، والأول يجوز فيه الوجهان:
الفتح والضم، وله شاهد من كلام العرب وهو قول الشاعر: يا زيدُ زيدَ
اليعملات الذبل. ويجوز: يا زيدَ زيدَ اليعملات الذبل. واليعملات:
هي الإبل.
المنادى المضاف إلى ياء المتكلم
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ فصل: المنادى المضاف إلى ياء
المتكلم ]. تقدم في باب الإضافة أن المضاف إلى ياء المتكلم إما أن
يكون صحيح الآخر، أو معتل الآخر، وأن المعتل تفتح فيه الياء، سواء
كان معتلاً بالألف أو بالياء، حتى المثنى المرفوع، وحتى جمع المذكر
السالم المرفوع أو المنصوب أو المجرور، وقد تقدم الكلام عليه،
فتبقى الياء مفتوحة فتقول: يا فتايَ، وأما إذا ناديت غلاماك فتقول
فيهما: يا غلامايَ، إن عينت؛ لأنه يكون نكرة مقصودة فيبنى على
الألف. أما إذا كان صحيح الآخر، فقد ذكر المؤلف أن فيه لغات
متعددة.
المنادى المضاف إلى ياء المتكلم الصحيح الآخر
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ واجعل منادى صح إن يضف ليا كعبد
عبدي عبد عبدا عبديا ] قوله: (واجعل منادى صح) أي: ما كان آخره
صحيحاً، وهو الذي ليس آخره حرف علة، وحروف العلة هي: الواو والألف
والياء. قوله: (إن يضف ليا)، المراد بالياء هنا ياء المتكلم. قوله:
(كعبدِ عبدي عبدَ عبدا عبديا) فهذه خمس لغات: الأولى: يا عبدِ؛ يا:
حرف نداء، وعبدِ: منادى منصوب بياء النداء وعلامة نصبه فتحة مقدرة
على ما قبل الياء منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة المناسبة،
وحذفت الياء للتخفيف. الثانية: يا عبدي: مثلها، إلا أنك تقول: عبد:
مضاف، والياء مضاف إليه مبني على السكون في محل جر. الثالثة: يا
عبدَ: أصلها (عبدا) بالألف، فقلبنا الياء ألفاً ثم حذفنا الألف
للتخفيف، فقلنا: يا عبدَ؛ يا: حرف نداء، عبدَ: منادى منصوب بياء
النداء وعلامة نصبه فتحة مقدرة على ما قبل ياء المتكلم المقلوبة
ألفاً في محل نصب، والألف المنقلبة عن ياء محذوفة للتخفيف.
الرابعة: يا عبدا: الفرق بين هذه وبين التي قبلها أن الألف
المنقلبة عن ياء باقية، فنقول في إعراب (عبدا): عبدا: منادى منصوب
بياء النداء وعلامة نصبه فتحة مقدرة على ما قبل الألف المنقلبة عن
ياء، منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة المناسبة، وعبد: مضاف،
والألف المنقلبة عن ياء مضاف إليه مبني على السكون في محل جر.
والسر في تعدد اللغات في هذا: أن إضافة الشيء للنفس كثيرة: عبدي،
بعيري، بيتي، فلذلك جاءت فيه لغات متعددة، وكلما كثر الشيء عند
العرب تجد له أصنافاً كثيرة. الخامسة: يا عبديا : الألف هنا
للإطلاق، والمراد (عبديَ)، فتقول: يا عبديَ: منادى منصوب بياء
النداء وعلامة نصبه الفتحة المقدرة على ما قبل ياء المتلكم منع من
ظهورها اشتغال المحل بحركة المناسبة، وعبد: مضاف، وياء المتكلم
مضاف إليه مبني على الفتح في محل جر. في القرآن الكريم يقول الله
تعالى: يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ [الزمر:16]، أصلها: يا عبادي
فاتقون، فحذفت الياء، ويقول تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ
أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ [الزمر:53]، فأتى بالياء مفتوحة،
مثل: يا عبديا. والياء في (يا عباد) إن كانت موجودة فقد حذفت
لالتقاء الساكنين.
المنادى بيا ابن أم ويا ابن عم ونحوها
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ وفتح او كسر وحذف اليا استمر في يا
ابن أم يا ابن عم لا مفر ] إذا أضيف (ابن) إلى (أم) و(عم) ونودي
جاز فيه مع اللغات السابقة لغتان: الكسر والفتح، تقول: يا ابن
أمَّ، وتقول أيضاً: يا ابن أمِّ، إلا أن الياء تحذف منهما؛ لقوله:
(وحذف اليا استمر)، وذلك لكثرة الاستعمال. وقولنا: يا ابن أم، ويا
ابن عم، إذا قال قائل: أليست هذه مثل الأولى؟ نقول: لا؛ ففي الأولى
المضاف إلى ياء المتكلم هو المنادى، وهنا المنادى مضاف إلى مضاف
إلى ياء المتكلم. وهذا خاص بـ يا ابن أم ويا ابن عم، أما غلامي وما
أشبهها فإنه إذا كان المنادى غير مضاف إلى ياء المتكلم فتبقى
الياء، تقول: يا ابن غلامي، ولا تقل: يا ابن غلامَ ، لكن: يا ابن
أمَّ، ويا ابن عمَ، يجوز ذلك. وإعرابها: يا: حرف نداء. ابن: منادى
منصوب بياء النداء وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة في آخره، وابن مضاف،
وأم: مضاف إليه مجرور بالكسرة المقدرة على ما قبل ياء المتكلم
المحذوفة للتخفيف، والياء المحذوفة مضاف إليه. وإذا قلنا: يا ابن
أمَّ -بالفتح- فنقول: ابن: مضاف، وأم: مضاف إليه مجرور بالإضافة
وعلامة جره كسرة مقدرة على ما قبل الألف المنقلبة عن ياء. إعراب
آخر بالنصب: يا ابن أم: اسمان مبنيان على الفتح في محل نصب؛ لأنهما
منادى، وابن أم مضاف والياء المقدرة مضاف إليه. إعراب آخر: ابن:
منادى مضاف منصوب، أم: مضاف إليه مجرورة بالكسرة المقدرة على آخره
منع من ظهورها الفتحة المناسبة للألف المنقلبة عن الياء المحذوفة
للتخفيف، والألف المحذوفة مضاف إليه. إذاً: نقول على هذا: يا ابن
أم: والأولى أنه ما دام أن الياء محذوفة فلا نقول: مضاف إليه، بل
نقول: ابن: مضاف، وأم: مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره الكسرة
المقدرة على ما قبل الألف المنقلبة عن الياء المحذوفة للتخفيف.
حكم يا أبتِ ويا أمّتِ
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ وفي الندا أبتِ أمَّتِ عرض واكسر أو
افتح ومن اليا التا عوض ] يجوز في النداء أن تبدل الياء تاءً، مع
أن الذي مر معنا قبل قليل أن الياء تبدل ألفاً، والألف إلى الياء،
وكلها حروف علة، لكن هنا يجوز أن تبدلها بحرف صحيح وهو التاء،
فتقول: يا أبتِ! قال الله تعالى: قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا
تُؤْمَرُ [الصافات:102] نقول في إعرابها: يا: حرف نداء. أب: منادى
منصوب بياء النداء، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره. وأب مضاف
والتاء المنقلبة عن ياء مضاف إليه مبني على الكسر في محل جر.
وكذلك: يا أمّت: يا: حرف نداء. أم: منادى منصوب بالفتحة الظاهرة.
وأم مضاف والتاء المنقلبة عن ياء مضاف إليه مبني على الكسر في محل
جر. وقوله: (عرض) أي: وقع عرضاً، وليس بلازم؛ لأن الأصل أن تقول:
يا أبي، ويا أمي. قوله: (واكسر أو افتح)، أي: تقول: يا أبتَ، يا
أمتَ، يا أبتِ، يا أمتِ. وقوله: (أو) للتخيير. قوله: (ومن اليا
التا عوض) من الياء: جار ومجرور في موضع نصب على الحال من (عوض).
والتاء: مبتدأ، عوض: خبر المبتدأ. والمعنى: جاءت التاء عوضاً عن
الياء، وكأن المؤلف يشير بقوله: (ومن اليا التا عوض)، إلى دفع وهم
أن تقول: التاء للتأنيث، فإنه قد يقول قائل إنها للتأنيث، مثلما
قالوا في (ثم) (ثمة)، ولكنه بين أن التاء اسم؛ لأنها عوض من الياء.
شرح ألفية ابن مالك[56]
هناك أسماء لا تأتي عند العرب إلا في سياق النداء، ويأتي (فَعَالِ)
لسبِّ الإناث، و(فَعَل) لسب الذكور. ومن أنواع النداء الاستغاثة،
وفيها تقترن اللام المفتوحة بالمستغاث به.
أسماء ملازمة للنداء
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ أسماء لازمت النداء وفل بعض يخص
بالندا لؤمان نومان كذا واطردا ]. قوله: (أسماء): مبتدأ، و(لازمت):
خبر، ويجوز أن تقول: أسماء: خبر مبتدأ محذوف أي: هذه أسماء، وعلى
هذا التقدير نسلم من إيراد: أنه لا يصح الابتداء بالنكرة. وقوله:
(لازمت)، أي: صارت ملازمة للنداء، فلا تستعمل إلا في النداء. قوله:
(فُلُ) اختلف النحويون، فبعضهم قال: إن أصل (فلُ) فلان، وأصل (فلة)
فلانة. وقال آخرون: بل هي كلمة مستقلة برأسها، غير منحوتة، فإذا
قلت: يا فلُ، فمعناها: يا مرء، ويا فلة أي: يا امرأة، وبناء على
ذلك نقول: يا فلُ، دائماً، بخلاف ما لو قلنا: إنه مختزل من قولك:
فلان، فإنه يجوز أن نقول: يا فُلُ ويا فُلَ، لكن هنا نقول: يا فلُ
على أنه كلمة مستقلة بنفسها، كناية عن المرء، تقول يا فلُ استقم،
أي: يا مرء استقم، ويا فلة استقيمي، أي: يا امرأة استحيي. وهل يجوز
أن يقال: فلُ قائمٌ؟ نقول: لا؛ لأن هذه مما تختص بالنداء، ولا يمكن
أن تقول: رأيت فلاً، ولا: مررت بفلٍ؛ لأنها خاصة بالنداء. أيضاً:
(لؤمان، ونومان)، لؤمان: كثير اللؤم، وعظيم اللؤم، أي: لئيم بكثرة،
هذه أيضاً مما يختص بالنداء، فتقول: يا لؤمان، والسبب: أن فيها
شيئاً من التوبيخ، ونقول في إعرابها: يا: حرف نداء. لؤمان: منادى
مبني على الضم في محل نصب؛ لأنه نكرة مقصودة. و(نومان) أي: كثير
النوم، فلا تكاد تراه إلا نائماً، وهذا أيضاً مما يختص بالنداء؛
لأن كثرة النوم في الحقيقة عيب، ولهذا إذا صار الإنسان كثير النوم
فلابد أن هناك سبباً، وعليه أن يعرض نفسه على أطباء؛ لأنه قد يكون
هناك مرض لا يدري عنه، فالنوم لا بد أن يكون متزناً مع اليقظة.
صحيح أن الأطفال يكثرون النوم، فيمكن أن يناموا عشرين ساعة، ولكن
هكذا فطروا، فإذا كبر الإنسان قل نومه. قوله: (لؤمان): مبتدأ.
ونومان: معطوف عليه بحرف عطف مقدر. كذا: جار ومجرور خبر المبتدأ.
إذاً: عندنا أربع كلمات: فلُ وفلة، ونومان، ولؤمان. قوله: (واطرد
في سب الأنثى وزن يا خباث). (اطرد) أي: قياسياً، (في سب الأنثى)
أي: عيبها وشتمها وما أشبه ذلك، تقول: يا خباث، يا لكاع، يا فجارِ،
يا فساقِ، وما أشبه ذلك، فإذا أردت أن تنادي أنثى واصفاً لها
بالعيب والسب تناديها على هذا الوزن: (فَعَالِ)، فإذا صارت كذوبة
نقول: يا كذابِ، وإذا صارت قبيحة نقول: يا قباحِ، وعلى هذا فقس.
قوله: (والأمر هكذا من الثلاثي): الأمر: مبتدأ. من الثلاثي: حال.
هكذا: خبر. أي: يكون الأمر من الثلاثي مطرداً على وزن فعال، فتقول
في (نزلَ): نزالِ، تقول لرجل مثلاً: نزال نكرمك، أي: انزل نكرمك،
وكذلك نقول في حضر: حضار، وسجد: سجادِ ، وركع: ركاعِ، وعلى هذا
فقس، ولا يصح من غير الثلاثي. قوله: (وشاع في سب الذكور فُعَلُ)
أي: شاع في اللغة العربية في سب الذكور فُعَل، بينما الأنثى اطرد
في سبها فَعَالِ، فصارت الأنثى أكثر منا عيوباً؛ لأن الذكور لم يرد
إلا ما جاء في اللغة، أما الأنثى فهو مطرد أن يصاغ في سبها فعال.
أما الذكور فقال: (وشاع في سب الذكور فعل ولا تقس)، إذاً نقتصر على
السماع، فما وجد على هذا الوزن في السماع أخذنا به، ولا نأتي من
عندنا بشيء جديد، فلا يمكن أن نقول في سب الذكور: يا فُجَر، ولا يا
فسق؛ لأنه لم يرد، فالمسألة موقوفة على الورود. ومما ورد: لكع، وهي
كلمة تعبر عن السب، لكن لا نقيس عليها، فلا نقول لإنسان غافل عند
الدرس كثيراً: يا غُفل انتبه، أما لو كانت هناك طالبة غافلة فنقول:
يا غفال انتبهي؛ فهو يصح لأنه مطرد. إذاً: الأشياء المقصورة على
السماع في اللغة العربية تشبه في المسائل الفقهية ما يسمونه
بالتعبدِ، فإنه لا يقاس عليه. قوله: (وجر في الشعر فلُ)، جر: فعل
أمر، وتصلح لغير الأمر، فإن كانت المسألة قياسية وأنه كلما جاء
(فلُ) في الشعر فلك أن تدخل عليها حرف الجر، فإن (جر) فعل أمر، وإن
كانت المسألة سماعية، فإن (جر) فعل ماض، أي: جره العرب، وهذا
الأخير هو الأقرب احتمالاً، وهو أن (جر) فعل ماض مبني للمجهول.
ومعنى (جر في الشعر فلُ)، أي: ورد مجروراً في الشعر، مع أنه مختص
بالنداء، لكنه يرد في اللغة العربية مجروراً، ومنه قول الشاعر: تضل
منه إبلي بالهوجل في لجة أمسك فلاناً عن فُلِ الشاهد قوله: (فلاناً
عن فل)، أي: عن رجل من الرجال، وهذا البيت في الحقيقة مما يؤيد قول
من قال: إنه منحوت من فلان، أي: أمسك فلاناً عن فلان، لكن لو كانت
عن فلان لقال: عن فلَ، وبقي مفتوحاً. والخلاصة: أن ابن مالك رحمه
الله ذكر لنا عدة قواعد: القاعدة الأولى: أن من الأسماء ما يختص
بالنداء فقط، فلا يأتي غير منادى، وهي: فلُ ، فلة، لؤمان، نومان.
الثانية: أنه يجوز اطراداً أن يصاغ لسب الأنثى اسم على وزن فَعالِ،
مثل: لكاعِ، وفجارِ، وغفالِ ... ونحوه. الثالثة: أنه يصاغ من الفعل
الثلاثي فعل أمر على وزن فعالِ، كنزالِ، بمعنى انزل، ودراكِ بمعنى
أدرك، وتراكِ بمعنى اترك. الرابعة: أنه يقال في سب الذكور: فُعَل،
لكنه سماعي غير قياسي. الخامسة: أن (فُلُ) سمعت في الشعر في حال
الجر غير مناداة، كقول الشاعر: (أمسك فلاناً عن فلِ).