الاسم الذي لا ينصرف
تعريف الصرف والعلل المانعة منه
من موانع الصرف ألف التأنيث
الوصفية وزيادة الألف والنون
الوصفية ووزن الفعل
الوصفية العارضة
أمثلة لأسماء مصروفة أصلها صفات
الوصفية والعدل
صيغة منتهى الجموع
ما يلحق بصيغة منتهى الجموع
تابع موانع الصرف
العلمية والتركيب المزجي
العلمية وزيادة الألف والنون
العلمية والتأنيث
حكم المؤنث الثلاثي الساكن الوسط إذا
عدم العجمية والتذكير
العلمية والعجمة
العلمية ووزن الفعل
تعريف الصرف والعلل المانعة منه
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ ما لا ينصرف الصرف تنوين أتى مبينا
معنى به يكون الاسم أمكنا ]. الأسماء ثلاثة أقسام: منها: ما لا
يتغير بحسب العوامل، وهذا هو المبني. ومنها: ما يتغير تغيراً
كاملاً، وهذا هو المعرب المنصرف. ومنها ما يتغير تغيراً ناقصاً،
وهذا هو المعرب غير المنصرف. مثال الأول -وهو المبني- تقول: مررت
بمنْ قامَ، ورأيت مَنْ قامَ، وجاء مَنْ قامَ. والذي يتغير بعض
التغير -كما ذكرنا- هو الاسم المعرب غير المنصرف. والصرف في اللغة:
التغيير، تقول: صرفت الشيء، أي: غيرته عن مكانه. وفي اصطلاح
النحويين: هو التنوين الذي أتى ليبين تمكن الاسم من الاسمية، هذا
هو الصرف. فخرج بقوله: (تنوين): ما لا ينون، وخرج بقوله: (أتى
مبيناً معنى به يكون الاسم أمكنا) تنوين العوض، فإن تنوين العوض لا
يسمى صرفاً؛ لأنه تنوين لعارض، بخلاف التنوين في (زيدٍ) و(عمروٍ)،
و(خالدٍ). قال تعالى: وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ
[الواقعة:84] (إذ) منونة؛ لكن هذا التنوين عوض عن جملة محذوفة.
كذلك (جوارٍ وغواشٍ) هو تنوين لكنه ليس تنويناً لبيان تمكن هذين
الاسمين من الاسمية، وإنما هو من أجل العوض. ومثاله كالتنوين في:
عليٍ، ومحمدٍ، وبكرٍ، وخالدٍ، وفي سماءٍ، وأرضٍ، وما أشبهها. ثم إن
الاسم الذي لا ينصرف يختص بحكمين: أحدهما: أنه لا ينون أبداً، لا
مرفوعاً، ولا منصوباً، ولا مجروراً. الثاني: أنه يجر بالفتحة نيابة
عن الكسرة، إلا أن يضاف أو يحلى بأل، قال ابن مالك فيما سبق: وجر
بالفتحة ما لا ينصرف ما لم يضف أو يك بعد أل ردف وما هو الاسم الذي
لا ينصرف؟ يقول العلماء: إنه ما كان فيه علتان من علل تسع، أو علة
واحدة تقوم مقام علتين، وهذه العلل مجموعة في قول الشاعر: اجْمَعْ
وَزِنْ عَادِلاً أنِّثْ بِمعْرِفَةٍ رَكِّبْ وَزِدْ عُجْمَة
فالْوَصْفُ قَدْ كَمُلا فهذه التسع العلل: الأولى: الجمع. الثانية:
وزن الفعل. الثالثة: العدل. الرابعة: التأنيث. الخامسة: المعرفة.
السادسة: التركيب. السابعة: الزيادة. الثامنة: العجمة. التاسعة:
الوصفية.
من موانع الصرف ألف التأنيث
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ فألف التأنيث مطلقاً منع صرف الذي
حواه كيفما وقع ] ألف: مبتدأ. ومنع: الجملة خبر المبتدأ. (صرف الذي
حواه) أي: صرف الذي اتصل به كيفما وقع. إذاً: ألف التأنيث مانعة من
الصرف، سواء كانت ممدودة أو مقصورة؛ لأنه قال: (ألف التأنيث
مطلقاً)، وسواء اتصلت باسم أو علم، أو صفة، لقوله: (كيفما وقع)،
أي: فهي تشمل المقصورة والممدودة، في علم، أو اسم، أو صفة. مثال
ألف التأنيث الممدودة: صحراء، هذه ألف التأنيث الممدودة لأنها ألف
بعدها همز، وصحراء اسم، فليست علماً ولا صفة. كذلك: خضراء، فيها
ألف تأنيث ممدودة، وهي صفة من الخضرة. أيضاً: أسماء، ألف تأنيث
ممدودة، وهي علم. ومثال ألف التأنيث المقصورة، -وهي الألف التي ليس
بعدها همزة: حبلى -أي: حامل- فهذه ألف تأنيث مقصورة وقعت في وصف.
ومثالها في علم: سلمى، وليلى، فهذا علم فيها ألف التأنيث المقصورة
فتمنعها من الصرف. ومنها: أرطى، وهي اسم، ليست وصفاً ولا علماً،
ونحو ذلك. تقول مثلاً: مررت بأسماء: مررت: فعل وفاعل. بأسماء:
الباء حرف جر، وأسماء: اسم مجرور بالباء، وعلامة جره الفتحة نيابة
عن الكسرة؛ لأنه ممنوع من الصرف، والمانع له من الصرف ألف التأنيث
الممدودة. وتقول: مررت بامرأة حبلى؛ مررت: فعل وفاعل. بامرأة: جار
ومجرور. حبلى: صفة لامرأة مجرورة وعلامة جرها فتحة مقدرة على الألف
نيابة عن الكسرة منع من ظهورها التعذر.
الوصفية وزيادة الألف والنون
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ وزائدا فعلان في وصف سلم من أن يرى
بتاء تأنيث ختم ]. قال: قوله: (وزائدا فعلان) الزيادة في (فعلان)
هي الألف والنون، وإنما قال: (فعلان)؛ لأن (فَعَلَ) هو الذي توزن
به الكلمات، ولهذا يقال: فاء الكلمة، وعين الكلمة، ولام الكلمة.
إذاً: (فعل) فاء الكلمة وعينها ولامها، والزائد الألف والنون،
إذاً: الألف والنون مانعان من الصرف، لكن بشرط أن يكونا (في وصف)
وشرط ثان: (سلم من أن يرى بتاء تأنيث ختم). إذاً: يمنع الاسم من
الصرف: الصفة وزيادة الألف والنون، بشرط ألا يكون المؤنث من ذلك
مختوماً بتاء التأنيث. مثاله: سكران، عطشان، غضبان، تقول: هذا
سكرانُ، ومررت بسكرانَ، ورأيت سكرانَ. ففي الجر جُرّ بالفتحة،
وكذلك لم ينون؛ لأنه ممنوع من الصرف. ومؤنثة ليس مختوماً بتاء
التأنيث، تقول: سكرى، عطشى، غضبى، بخلاف سيفان، فإنه منصرف لأن
مؤنثة: سيفانة، أي: طويلة.
الوصفية ووزن الفعل
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ ووصف اصلي ووزن أفعلا ممنوع تأنيث
بتا كأشهلا ]. أي: ومنع من الصرف وصف أصلي ووزن أفعل، فلابد أن
يكون وصفاً أصلياً، على وزن أفعل، وبشرط أن يكون مؤنثه ممنوع
التأنيث بالتاء. فذكر المؤلف ثلاثة أوصاف: أن يكون وصفاً أصلياً،
وأن يكون على وزن أفعل، وأن يكون مؤنثه خالياً من التاء، فإذا تمت
هذه الشروط فإنه يكون ممنوعاً من الصرف. مثاله: أشهل، ومؤنثه:
شهلاء، فنقول: أشهل: وصف أصلي، على وزن أفعل، وليس تأنيثه بالتاء.
مثال آخر: أحمر، أصفر، أخضر، أزرق.. وما أشبه ذلك، ومثله أفضل؛
لأنه وصف أصلي، ممنوع التأنيث بالتاء، فيكون ممنوعاً من الصرف،
مثاله: مررت برجل أفضل من فلان. فنقول: مررت: فعل وفاعل. برجل: جار
مجرور. أفضل: صفة لرجل، وصفة المجرور مجرورة، وعلامة جره الفتحة
نيابة عن الكسرة؛ لأنه اسم لا ينصرف، والمانع له من الصرف الوصفية
ووزن الفعل.
الوصفية العارضة
وقوله: (وصف أصلي) خرج به ما إذا كان الوصف عارضاً أي: غير أصلي،
فإنه يلغى ولا يعتبر ويرجع إلى الأصل، فإذا وجدنا اسماً على وزن
(أفعل) عرضت له وصفية وأصله ليس للوصف، فإنه لا يمنع من الصرف
اعتباراً بأصله، ولهذا قال رحمه الله: [ وألغين عارض الوصفية كأربع
وعارض الإسمية ]. كلمة (أربع) وصف، تقول: مررت بنساء أربع، فهذا
وصف لهن، أي: بالغات هذا العدد، لكن لما كان أصل أربع ليس وصفاً؛
لأن أصل (أربع) اسم لهذا العدد الذي بين الثلاث والخمس. هذا الأصل
في أربع، فالوصف فيه عارض تقول: اشتريت أربع شياه، فهنا ليس وصفاً
وتقول: مررت بنساء أربع، فصار الآن وصفاً، فالأصل فيه الاسمية، أي:
أنه اسم لعدد يكون بين الثلاثة والخمسة، وابن مالك يقول: (ألغين
عارض الوصفية) ولا تعتبره، وعليه تكون (أربع) مصروفة؛ لأنها ليست
وصفاً أصلياً، فتقول: مررت بنساء أربعٍ، واشتريت شياهاً أربعاً،
فلم نصرفها؛ لأن الوصف فيها عارض. قوله: (وعارض الإسمية) أيضاً ألغ
عارض الاسمية واعتبر الوصف الأصلي، وهذا عكس المسألة، يعني: كما
أنه لو وجد وصف على وزن أفعل ثم عرضت له الاسمية فإننا نعتبر الأصل
ولا نعتبر الاسم، مثاله كما قال: [فالأدهم القيد لكونه وضع في
الأصل وصفاً انصرافه منع ]. الأدهم: مبتدأ. وانصراف: مبتدأ ثان.
ومنع: خبر المبتدأ الثاني، والجملة من المبتدأ الثاني وخبره في محل
رفع خبر المبتدأ الأول أي: فالأدهم انصرافه منع، وكلمة (الأدهم) هي
وصف مثل: أخضر وأبيض وأزرق، لكنه وضع اسماً للقيد، وقد سبق لنا في
البلاغة قول الحجاج : إنا حاملوك على الأدهم، فقال المهدَّد: مثل
الأمير يحمل على الأدهم والكميت والأشقر. والمراد بالأدهم: القيد،
والقيد لونه أبيض فيسمى أدهم، فالأدهم في الأصل وصف، لكنه جعل
اسماً للقيد سواء كان أدهم أو غير أدهم. إذاً: اسميتها عارضة،
فيعتبر الأصل، ولهذا قال: (فالأدهم القيد)، القيد هذا بيان للأدهم،
أي: فالأدهم الذي هو القيد. يقول المؤلف: (لكونه وضع في الأصل
وصفاً انصرافه منع)، قوله: (لكونه في الأصل وصفاً) متعلق بمنع، أي:
فالأدهم القيد انصرافه منع لكونه في الأصل وصفاً. وخلاصة الأبيات
الثلاثة: أنه إذا اجتمع وصف أصلي، على وزن أفعل، ليس مؤنثة مختوماً
بالتاء، فإنه لا ينصرف، والعبرة بالأصل، فلو كان أصله اسماً ثم جعل
وصفاً فإنه ينصرف، ولو كان في الأصل صفة ثم جعل اسماً فإنه لا
ينصرف، فالعبرة بالأصل. ومثال الذي كان أصله اسماً ثم صار صفة:
كلمة (أربع)، ومثال الذي أصله صفة ثم جعل اسماً: (الأدهم)، فإنه في
الأصل صفة، ثم جعل اسماً للقيد، فالأدهم ممنوع من الصرف وإن لم يرد
به الصفة؛ لأن الأصل أنه للصفة، والأربع مصروفة وإن جعلت صفة
اعتباراً بالأصل.
أمثلة لأسماء مصروفة أصلها صفات
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ وأجدل وأخيل وأفعى مصروفة وقد ينلن
المنعا ] أجدل: اسم للصقر، وكلمة أجدل في الأصل صفة، تقول: فلان
أجدل من فلان، لكنه جعل اسماً للصقر، فهل تنوسيت الصفة وصار
مصروفاً، أم نقول: مادام صفة في الأصل فإنه غير مصروف؟ يقول ابن
مالك : إنه مصروف؛ لأن الصفة تنوسيت، فكأنه لم يستعمل صفة في الأصل
للقوة ونقل إلى الصقر، ولهذا قال: (مصروفة وقد ينلن المنع)، أي:
وقد تمنع. وعليه نقول: اشتريت من السوق أجدلاً، فهنا صرفنا
(أجدلاً) على القول الأول، وعلى القول الثاني: اشتريت أجدلَ من
السوق، بعدم الصرف. ما الفرق بين أجدل وبين الأدهم؟ يقولون: لأن
ظهور الصفة في (أدهم) أقوى من ظهورها في (أجدل)؛ لأن أدهم لون مثل:
أخضر، وأحمر، لكن أجدل اسم تفضيل، فظهور الصفة في الأول أقوى من
ظهورها في الثاني، ولأن الصفة تنوسيت إطلاقاً، فإن الصقر لا يجادل،
فكأن الصفة نسيت مطلقاً من هذه الكلمة وجعلت اسماً للصقور.
الثانية: قال: (وأخيل) الأخيل طائر معروف، وكأن هذا الطائر -والله
أعلم- جميل الشكل، فكأن عنده خيلاء، أو إذا قام يمشي يتأرجح فهو
أخيل، لكنه سمي أخيل، تقول: رأيت أخيلاً، أي: هذا الطائر المسمى
بأخيل، أو رأيت أخيلَ؛ لكن (أخيلاً) بالتنوين أكثر؛ لأن ابن مالك
يقول: (وقد ينلن) وقد: للتقليل. قوله: (وأفعى) الأفعى هي الحية،
وأفعى على وزن أفعل، وكان يقال: فلان أفعى من فلان، قيل: إن أصلها
فلان أفوع من فلان، فنقل حرف العلة إلى الآخر فصارت: أفعى. إذاً:
كلمة أفعى في الأصل اسم تفضيل، ثم صارت اسماً للحية، فيصح أن
نجعلها مصروفة، وأن نجعلها غير مصروفة. لكن إذا قال قائل: إن آخرها
ألف فلا يتبين أنها مصروفة أو غير مصروفة؟ فنقول: صحيح أنه عند
النطق لا يتبين، لكن عند الإعراب يتبين، فإذا قلت: نظرت إلى أفعى،
ونريد أن نعربه على أنه ممنوع من الصرف نقول: إلى: حرف جر. أفعى:
اسم مجرور بإلى، وعلامة جره فتحة مقدرة على آخره نيابة عن الكسرة؛
لأنه اسم لا ينصرف. أما على القول بأنها مصروفة فنقول: أفعى: اسم
مجرور بإلى وعلامة جره كسرة مقدرة على آخره منع من ظهورها التعذر.
فالنطق لا يظهر بالنسبة لأفعى، لكن الإعراب يظهر فيها على اعتبار
أنها مصروفة أو على اعتبار أنها غير مصروفة.
الوصفية والعدل
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ومنع عدل مع وصف معتبر في لفظ مثنى
وثلاث وأخر ووزن مثنى وثلاث كهما من واحد لأربع فليعلما] هذه هي
العلة الرابعة: قوله: (ومنع عدل مع وصف معتبر). منع عدل: مبتدأ.
معتبر: خبره، أي: من موانع الصرف: العدل مع الوصف. والعدل معناه:
التغيير، أي: أن تغير الكلمة إلى كلمة أخرى تعدل بها عن بنائها
الأصلي، فهذا يكون بالوصف في لفظ مثنى وثلاث وأخر، ولفظ مثنى وثلاث
أي: مفعل وفعال، فمثنى وصف بمعنى: اثنين اثنين، فتقول مثلاً: مر بي
نساء مثنى، أي: اثنتين اثنتين، وثلاث أي: ثلاثاً ثلاثاً، قال الله
تعالى: فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى
وَثُلاثَ وَرُبَاعَ [النساء:3]، وقال تعالى: جَاعِلِ الْمَلائِكَةِ
رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ [فاطر:1]
يعني: الأجنحة. وفي لفظ مثنى وثلاث يقال: مثنى، ويقال: ثلاث،
ويقال: مثنى وثناء، ويقال: مربع ورباع، ويقال: مخمس وخماس، ويقال:
مسدس وسداس، ومسبع وسباع، ومثمن وثمان، ومتسع وتساع، ومعشر وعشار،
هذا هو القياس، لكنه ما كان يصلح إلا في مثنى وثلاث ورباع وأظن
تساع وعشار، لكن القياس أنه يجوز فيها كلها. ومثنى وصف معدول عن
الاثنين فهو ممنوع من الصرف، والمانع له من الصرف الوصفية والعدل.
وتقول: مررت بنساء ثُلاث: بنساء: جار ومجرور. ثلاث: صفة للنساء
مجرور، وصفة المجرور مجرورة، وعلامة جره الفتحة نيابة عن الكسرة؛
لأنه اسم لا ينصرف، والمانع له من الصرف الوصفية والعدل. كذلك
(أخر) قال تعالى: فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ [البقرة:184]،
ولم يقل: فعدة من أيام أخرٍ، وهي معدولة عن: أخرى. ولو قيل: فعدة
من أيام أخرى لصح، لكنه قال: أخر، فهي معدولة عن أخرى، وقيل: إنها
معدولة عن الآخر التي بأل، ولكن هذا لا يستقيم إذا كان الموصوف
نكرة، لأنه يلزم أن يوصف بمعرفة، وعلى كل حال هي معدولة، فتقول: ((
مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ )): من أيام: جار ومجرور. أخر: صفة لأيام
مجرورة وعلامة جره الفتحة نيابة عن الكسرة؛ لأنه اسم لا ينصرف،
والمانع له من الصرف الوصفية والعدل. إذاً: الذي عندنا الآن في
الأوصاف ثلاثة أوزان هي: مثنى، وثلاث، وما كان على وزنهما من
العدد، وأخر، وكل هذه المانع لها من الصرف الوصفية والعدل. قال
رحمه الله تعالى: (ووزن مثنى وثلاث كهما من واحد لأربع فليعلما)
ابن مالك رحمه الله جعل المسألة إلى أربع فقال: (ووزن مثنى وثلاث
كهما) أي: كوزنهما (من واحد لأربع)، فنقول في واحد: أحاد. فقوله:
(من واحد لأربع فليعلما) معناه: فلا تزد على الأربع، وقال بعضهم:
بل نزيد إلى العشرة لأنه لا مانع، وإذا كان للمثنى فلا يعني ذلك
أنه لا يصلح إلا له.
صيغة منتهى الجموع
قال المصنف رحمه الله تعالى
[وكن لجمع مشبه مفاعلا أو المفاعيل بمنع كافلا]. قوله: (وكن لجمع
مشبه مفاعلاً أو المفاعيل) ما قال: في كل جمع على مفاعل، بل قال:
مشبه مفاعل أو مفاعيل؛ وذلك لأن مفاعل فيها ميم زائدة، ومفاعيل
فيها أيضاً ميم زائدة، وليس بشرط أن يكون فيها ميم زائدة، الشرط أن
يكون الجمع على هذا الوزن، أي: على وزن مفاعل أو مفاعيل، بحيث يكون
أوله وثانيه متحركين بعدهما ألف، وبعد الألف حرف مكسور سواء كان
فيه ياء أو لم يكن فيه ياء، مثل: مساجد كمفاعل، ومصابيح كمفاعيل،
ومفاتح كمفاعل، ومفاتيح كمفاعيل، وقوالب كمفاعل؛ لأن وزنها
(فواعل)، ودحارج مشبه لمفاعل؛ لأن وزنه فعالل، وصواريخ تشبه
مفاعيل، وهي على وزن فواعيل. وطواغيت على مفاعيل؛ لأن طواغيت وزنها
فواعيل، ومثله مواعين على شبه مفاعيل؛ لأن الظاهر أن وزنها فواعيل،
ومثلها: مواعيد، ونحو ذلك. إذاً: كل ما شابه مفاعل أو مفاعيل فإنه
ممنوع من الصرف لعلة واحدة كافية، وعلى هذا فلا فرق بين أن يكون
اسماً أو صفة، مذكراً أو مؤنثاً، مادام على هذا الوزن فإنه يكون
ممنوعاً من الصرف، ويسمون هذا الوزن: صيغة منتهى الجموع. إذاً: ما
كان على هذا الوزن فإنه لا ينصرف، والمانع له من الصرف صيغة منتهى
الجموع. قال رحمه الله تعالى: [وذا اعتلال منه كالجواري رفعاً
وجراً أجره كساري]. قوله: (ذا اعتلال) ذا: منصوبة على الاشتغال،
ونصبها هنا هو الراجح. (وذا اعتلال) أي: وأدغم ذا اعتلال، أي: ما
كان آخره حرف علة من هذا الوزن أدغم رفعاً وجراً، (أجره كساري)
ساري هذه أظنها اسم فاعل معتل بالياء، ففي حال الرفع والجر تحذف
الياء وتنون الراء، فتقول: هذا سارٍ، ومررت بسارٍ، وإعرابها: هذا:
مبتدأ. وسارٍ: خبر المبتدأ مرفوع بضمة مقدرة على الياء المحذوفة
لالتقاء الساكنين، والتنوين هنا عوض عن الحرف المحذوف. وتقول: مررت
بسارٍ: مررت: فعل وفاعل. بسارٍ: الباء: حرف جر، سارٍ: اسم مجرور
بالباء وعلامة جره الكسرة المقدرة على الياء المحذوفة، والتنوين
هنا عوض عن الياء المحذوفة. وإذا جاءت صيغة منتهى الجموع وهو معتل
الآخر، فيقول ابن مالك : إنك تجريه كساري، أي: أنك تحذف حرف العلة
وتنونه، مثال ذلك قوله تعالى: لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ
وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ [الأعراف:41]، فكلمة (غواش) جمع، وهي
صيغة منتهى الجموع، على وزن فواعل، فهي صيغة منتهى الجموع، ففي
القرآن الآن حذفت الياء ونون ما قبلها وبقي مقصوراً على ما هو
عليه، فنقول في إعرابها: من فوقهم: الجار والمجرور خبر مقدم. غواش:
مبتدأ مؤخر مرفوع بضمة مقدرة على الياء المحذوفة لالتقاء الساكنين،
والنون عوض عن الياء المحذوفة. وهذا في حال الرفع، وابن مالك يقول:
(رفعاً وجراً)، وكذلك أيضاً في الجر يجرى كساري، بمعنى: أنها تحذف
الياء وينون ما قبلها، مثل أن تقول: مررت بجوارٍ يلعبن، فجوار جمع
جارية، على وزن فواعل، تقول: مررت: فعل وفاعل. بجوار: الباء حرف
جر، جوارٍ: اسم مجرور بالباء وعلامة جره فتحة مقدرة على الياء
المحذوفة لالتقاء الساكنين نيابة عن الكسرة؛ لأنه اسم لا ينصرف
والمانع له من الصرف صيغة منتهى الجموع. وعلم من قول ابن مالك :
(رفعاً وجراً) أنه في حال النصب لا يجرى كساري، وإنما يبقى حرف
العلة منصوباً بدون تنوين، قال الله تعالى: وَأَلْقَى فِي الأَرْضِ
رَوَاسِيَ [النحل:15]، فكلمة (رواسي) معتلة بالياء، وبقيت الياء في
حال النصب منصوبة. وخلاصة هذا البيت: أن ما كان مجموعاً على صيغة
منتهى الجموع فلا يخلو: إما أن يكون مرفوعاً، أو مجروراً، أو
منصوباً، فإن كان مرفوعاً أو مجروراً فإنه يجوز إجراؤه إجراء
المعتل بالياء، مثل: ساري، فتقول: هؤلاء جوارٍ، ومررت بجوارٍ، وإن
كان منصوباً فإنه تبقى الياء مفتوحة بدون تنوين، فتقول: رأيت
جواريَ يلعبن، ولا يصح أن تقول: رأيت جوار، ولا يصح أن تقول: رأيت
جوارياً، بل تبقى الياء مفتوحة بدون تنوين، ومنه قوله تعالى:
وَأَلْقَى فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ [النحل:15]. وقد ذكر المؤلف هذا
حتى لا يظن الظان أن هذا الحكم يشمل المعتل، فاستثناه المؤلف.
ما يلحق بصيغة منتهى الجموع
قال رحمه الله: [ولسراويل بهذا الجمع شبه اقتضى عموم المنع]. وهذا
من باب القياس في النحو، فسراويل ليس بجمع، وإنما هو مفرد، تقول:
علي سراويل، وليس عليك إلا واحد، فاللغة العربية ألا تقول: سروال،
إلا في لغة قليلة جداً لبعض العرب، وإلا اللغة الفصيحة المشهورة أن
تقول: سراويل. وسراويل ليس بجمع، بل هو مفرد، لكن فيه شبه من هذا
الجمع، ولهذا قال: (ولسراويل بهذا الجمع شبه) أي: شبه من حيث
اللفظ، أما المعنى فلا؛ لأن صيغة منتهى الجموع تدل على تعدد،
وسراويل لا تدل على تعدد، لكنه يشبهه في اللفظ. قوله: (اقتضى) أي:
ذلك الشبه، ما الذي اقتضى؟ اقتضى عموم المنع، أي: اقتضى أن نمنع
سراويل من الصرف مع أنه ليس بجمع، وهو في الأول يقول: (وكل جمع
مشبه مفاعلا) فكأنه رحمه الله ذكر إيراداً: إذا كان هذا اللفظ ليس
بجمع فهل له حكمه؟ قال: له هذا الحكم؛ لأنه يشبه هذا الجمع من حيث
اللفظ، فسراويل على وزن فعاليل، فهو يشبهه لفظاً، فلذلك اقتضى عموم
المنع من الصرف. مع أنهم يقولون: إن هذا اللفظ أعجمي في الأصل،
لكنه عرب. فنقول مثلاً: أتيت بسراويل: أتيت: فعل وفاعل. والباء:
حرف جر. وسراويل: اسم مجرور بالباء وعلامة جره الفتحة نيابة عن
الكسرة لأنه يشبه صيغة منتهى الجموع. وجمع سراويل: سراويلات، كما
قال النبي عليه الصلاة والسلام: (فليلبس سراويلات). قال المصنف
رحمه الله تعالى: [وإن به سمي أو بما لحق به فالانصراف منعه يحق].
الضمير في (به) يعود على ما كان مشبهاً لمفاعل أو مفاعيل، قوله:
(سمي) أي: جعل علماً. يعني: هذه الصيغة من الجمع إذا سميت بها
إنساناً منعت من الصرف وإن كانت لا تدل إلا على واحد. مثال ذلك:
رجل سميناه مساجد، كلمة (مساجد) الآن تدل على علم مفرد، لكن لما
كان مسماه بصيغة منتهى الجموع ثبت لها حكم صيغة منتهى الجموع،
ولهذا قال: (فالانصراف منعه يحق)، فهو ممنوع من الصرف، تقول: مررت
بمساجدَ فاشتريت منه خبزاً، لو سمع هذا الكلام أحد من العامة
سيقول: هذا مجنون، يشتري من المساجد خبزاً! لكن نحن سمينا هذا
الرجل مساجد، تقول: مررت: فعل وفاعل. والباء: حرف جر. ومساجد: اسم
مجرور بالباء وعلامة جره الفتحة نيابة عن الكسرة؛ لأنه اسم لا
ينصرف، والمانع له من الصرف إلحاقه بمنتهى الجموع من أجل اللفظ.
وأشار بقوله: (يحق) إلى أن هناك خلافاً؛ لأن بعض النحويين يقول: لا
يمنع من الصرف؛ لأنه الآن سلبت دلالته على الجمعية، وصار دالاً على
المفرد وينصرف؛ لأنه زال معناه. كذلك (أو بما لحق به) الذي يلحق
بصيغة منتهى الجموع أيضاً إذا سميت به فإنه ممنوع من الصرف، فلو
سميت شخصاً بسراويل فهذا ليس بصيغة منتهى الجموع من الأصل بل هو
مفرد، ومع ذلك يكون ممنوعاً من الصرف؛ لأنه ملحق بصيغة منتهى
الجموع. وكذلك شراحيل، فشراحيل اسم علم معروف في التابعين وفي
الصحابة، وشراحيل أصلاً ليست جمعاً، ومع ذلك تمنع من الصرف؛ لأنها
تشبه الجمع. إذاً: (ما سمي به) أي: بصيغة منتهى الجموع، أو سمي بما
ألحق بصيغة منتهى الجموع فإن ابن مالك يقول: (فالانصراف منعه يحق)،
الفاء في قوله: (فالانصراف) رابطة لجواب الشرط في قوله: (وإن به
سمي) والانصراف: مبتدأ، ومنع: مبتدأ، ويحق: جملة هي خبر المبتدأ
الثاني، والجملة من المبتدأ الثاني وخبره في محل رفع خبر المبتدأ
الأول، والجملة من المبتدأ وخبره جواب الشرط.
شرح ألفية ابن مالك [62]
ومن موانع الصرف التركيب المزجي، ووزن الفعل والتأنيث بغير الألف
والعجمة، وذلك مع العلمية، فإذا اجتمعت واحدة من هذه العلل مع
العلمية منعت العلم من الصرف.
تابع موانع الصرف
قال المصنف رحمه الله تعالى: [والعلم امنع صرفه مركبا تركيب مزج
نحو معد يكربا]. قوله: (والعلمَ امنع صرفه مركباً) يجوز نصب
العلمَ، ويجوز رفعه لكنه مرجوح؛ لأن المشغول هنا طلب، وإذا كان
المشغول طلباً فالأرجح النصب. والمعنى: إذا وجدنا علماً مركباً
تركيب مزج فإنه يمنع من الصرف، ومعنى (مزج) أي: خلط، كأنك خلطت
الكلمتين وجعلتهما كلمة واحدة، فإذا قلت: عبد الله، فإنهما كلمتان
متضايفتان؛ لأن (عبد) لها معنى و(الله) لها معنى، لكن إذا أتيت
بكلمتين ومزجتهما وجعلتهما دالتين على شيء واحد، فقد خلطت الكلمتين
وجعلتهما لشيء واحد، مثل: معد يكرب، أصل (معدي) اسم مفعول، فهي
كلمة مستقلة، و(كرب) كلمة مستقلة، فعل ماض، خلطتهما وجعلتهما شيئاً
واحداً، فهذا نسميه تركيباً مزجياً، من المزج وهو الخلط. فإذا
وجدنا علماً مركباً تركيباً مزجياً سواء كان علماً لإنسان أو لمكان
فإنه ممنوع من الصرف، والمانع له من الصرف العلمية والتركيب
المزجي، مثل: معد يكرب، تقول: مررت بمعد يكرب: مررت: فعل وفاعل.
الباء: حرف جر. معد يكرب: اسم مجرور بالباء وعلامة جره الفتحة
نيابة عن الكسرة؛ لأنه اسم لا ينصرف، والمانع له من الصرف العلمية
والتركيب المزجي. ومثله أيضاً: بعلبك، هذه أيضاً أصلها: بعل، وبك،
فخلط الاسمان وجعلا اسماً واحداً، فنقول مثلاً: سكنت في بعلبك:
سكنت: فعل وفاعل. في: حرف جر. بعلبك: اسم مجرور بفي وعلامة جره
الفتحة نيابة عن الكسرة؛ لأنه اسم لا ينصرف، والمانع له من الصرف
العلمية والتركيب المزجي، ومثله: حضرموت. المهم: أنه إذا ركب
تركيباً مزجياً وهو علم فإنه ممنوع من الصرف، وهذه العلة -وهي
التركيب المزجي- لا توجد في الصفة، إنما توجد في الأعلام فقط.
العلمية والتركيب المزجي
قال رحمه الله: [ولسراويل بهذا الجمع شبه اقتضى عموم المنع]. وهذا
من باب القياس في النحو، فسراويل ليس بجمع، وإنما هو مفرد، تقول:
علي سراويل، وليس عليك إلا واحد، فاللغة العربية ألا تقول: سروال،
إلا في لغة قليلة جداً لبعض العرب، وإلا اللغة الفصيحة المشهورة أن
تقول: سراويل. وسراويل ليس بجمع، بل هو مفرد، لكن فيه شبه من هذا
الجمع، ولهذا قال: (ولسراويل بهذا الجمع شبه) أي: شبه من حيث
اللفظ، أما المعنى فلا؛ لأن صيغة منتهى الجموع تدل على تعدد،
وسراويل لا تدل على تعدد، لكنه يشبهه في اللفظ. قوله: (اقتضى) أي:
ذلك الشبه، ما الذي اقتضى؟ اقتضى عموم المنع، أي: اقتضى أن نمنع
سراويل من الصرف مع أنه ليس بجمع، وهو في الأول يقول: (وكل جمع
مشبه مفاعلا) فكأنه رحمه الله ذكر إيراداً: إذا كان هذا اللفظ ليس
بجمع فهل له حكمه؟ قال: له هذا الحكم؛ لأنه يشبه هذا الجمع من حيث
اللفظ، فسراويل على وزن فعاليل، فهو يشبهه لفظاً، فلذلك اقتضى عموم
المنع من الصرف. مع أنهم يقولون: إن هذا اللفظ أعجمي في الأصل،
لكنه عرب. فنقول مثلاً: أتيت بسراويل: أتيت: فعل وفاعل. والباء:
حرف جر. وسراويل: اسم مجرور بالباء وعلامة جره الفتحة نيابة عن
الكسرة لأنه يشبه صيغة منتهى الجموع. وجمع سراويل: سراويلات، كما
قال النبي عليه الصلاة والسلام: (فليلبس سراويلات). قال المصنف
رحمه الله تعالى: [وإن به سمي أو بما لحق به فالانصراف منعه يحق]
الضمير في (به) يعود على ما كان مشبهاً لمفاعل أو مفاعيل، قوله:
(سمي) أي: جعل علماً. يعني: هذه الصيغة من الجمع إذا سميت بها
إنساناً منعت من الصرف وإن كانت لا تدل إلا على واحد. مثال ذلك:
رجل سميناه مساجد، كلمة (مساجد) الآن تدل على علم مفرد، لكن لما
كان مسماه بصيغة منتهى الجموع ثبت لها حكم صيغة منتهى الجموع،
ولهذا قال: (فالانصراف منعه يحق)، فهو ممنوع من الصرف، تقول: مررت
بمساجدَ فاشتريت منه خبزاً، لو سمع هذا الكلام أحد من العامة
سيقول: هذا مجنون، يشتري من المساجد خبزاً! لكن نحن سمينا هذا
الرجل مساجد، تقول: مررت: فعل وفاعل. والباء: حرف جر. ومساجد: اسم
مجرور بالباء وعلامة جره الفتحة نيابة عن الكسرة؛ لأنه اسم لا
ينصرف، والمانع له من الصرف إلحاقه بمنتهى الجموع من أجل اللفظ.
وأشار بقوله: (يحق) إلى أن هناك خلافاً؛ لأن بعض النحويين يقول: لا
يمنع من الصرف؛ لأنه الآن سلبت دلالته على الجمعية، وصار دالاً على
المفرد وينصرف؛ لأنه زال معناه. كذلك (أو بما لحق به) الذي يلحق
بصيغة منتهى الجموع أيضاً إذا سميت به فإنه ممنوع من الصرف، فلو
سميت شخصاً بسراويل فهذا ليس بصيغة منتهى الجموع من الأصل بل هو
مفرد، ومع ذلك يكون ممنوعاً من الصرف؛ لأنه ملحق بصيغة منتهى
الجموع. وكذلك شراحيل، فشراحيل اسم علم معروف في التابعين وفي
الصحابة، وشراحيل أصلاً ليست جمعاً، ومع ذلك تمنع من الصرف؛ لأنها
تشبه الجمع. إذاً: (ما سمي به) أي: بصيغة منتهى الجموع، أو سمي بما
ألحق بصيغة منتهى الجموع فإن ابن مالك يقول: (فالانصراف منعه يحق)،
الفاء في قوله: (فالانصراف) رابطة لجواب الشرط في قوله: (وإن به
سمي) والانصراف: مبتدأ، ومنع: مبتدأ، ويحق: جملة هي خبر المبتدأ
الثاني، والجملة من المبتدأ الثاني وخبره في محل رفع خبر المبتدأ
الأول، والجملة من المبتدأ وخبره جواب الشرط.
العلمية وزيادة الألف والنون
قال المصنف رحمه الله تعالى: [كذاك حاوي زائدي فعلانا كغطفان
وكأصبهانا]. قوله: (كذاك حاوي) أي: كالعلم المركب العلم الحاوي
زائدي فعلانا. والحاوي هو الجامع، و(زائدا فعلانا) هما الألف
والنون، ولا يشترط أن يكون على وزن فعلان، المهم أن يوجد علم فيه
زيادة الألف والنون، فإنه يكون ممنوعاً من الصرف، فكل علم فيه
زيادة الألف والنون فهو ممنوع من الصرف. وما يدرينا أنها زائدة أو
ليست بزائدة؟ مثاله: حسان، النون هنا زائدة أو أصلية؟ لا ندري، فإن
كان من الحسن فهي أصلية، وإن كان هي من الحس: إِذْ تَحُسُّونَهُمْ
بِإِذْنِهِ [آل عمران:152] فهي زائدة. إذاً: نقول: إذا كنت لا تدري
فانظر إلى السماع، فإن كان مسموعاً بعدم الصرف فهو غير مصروف، وإن
كان غير مسموع فإنك بالخيار. فعلى هذا تكون المسألة: ما علمت زيادة
الألف والنون فيه فهو ممنوع من الصرف، هذا بدون تفصيل، وما كان
محتملاً للزيادة وعدمها فهنا نرجع للسماع، فإن كان مسموعاً مصروفاً
فإنه يصرف والنون تكون أصلية، وإن سمع غير مصروف فإنه لا يصرف
والنون تكون زائدة، وإذا لم يسمع فأنت بالخيار: إن رأيت أن النون
أصلية صرفت، وإن رأيت أنها غير أصلية لم تصرف. حسان بن ثابت رضي
الله عنه يقولون: إنه ما سمع إلا ممنوعاً من الصرف، وعلى هذا فتكون
النون زائدة؛ لأنه قال: (كذاك حاوي زائدي فعلانا) فتكون النون
زائدة. كذلك (عثمان) النون زائدة. و(عفان) ننظر: فإن كان من العفة
فالنون زائدة ويكون ممنوعاً من الصرف، وإن كان من العفونة فالنون
أصلية ويكون مصروفاً، لكن المسموع عثمان بن عفان ، وعلى هذا فتكون
ممنوعة من الصرف، وتكون النون زائدة، ويكون مشتقاً من العفة. إذاً:
قوله: (كذاك حاوي زائدي فعلانا) أي: كذاك العلم الذي اشتمل على
زيادة الألف والنون فإنه ممنوع من الصرف، فإذا قال قائل: بماذا
نعرف الزيادة؟ قلنا: ننظر إلى تصريف الكلمة، إذا سقطت النون في أحد
التصاريف فهي زائدة. قوله: (كغطفان) غطفان علم على قبيلة (وأصبهان)
علم على بلدة، فتبين بهذا أن العلم سواء كان علماً للبلدان أو
للإنسان أو أي علم يكون، إذا كان فيه ألف ونون زائدتان فإنه ممنوع
من الصرف.
العلمية والتأنيث
قوله: (كذا مؤنث) أي: كذا علم مؤنث، فمؤنث: صفة لموصوف محذوف
والتقدير: كذا علم مؤنث. وقول المؤلف: (بهاء) هذه غريبة على
أسماعكم؛ لأن المعروف أن المؤنث يؤنث بالتاء، لكن تاء المؤنث قد
يعبر عنها بعض أهل العلم بالهاء، ولكن الأكثر على أنهم يعبرون عنها
بالتاء، ولو أن ابن مالك قال: كذا مؤنث بتاء مطلقاًَ، لكان البيت
مستقيماً، لكن كأنه يرى الرأي الثاني: أن التاء التي ليست لجمع
تسمى هاء. وقوله: (مطلقاً) الإطلاق هنا يعني أنه على أي شيء كان،
سواء كان لمذكر أو لمؤنث، وسواء كان على ثلاثة أحرف أو أقل أو أكثر
إذا كانت الهاء هي الثالثة. إذاً: قوله: (بهاء مطلقاً) أي: على أي
صفة كان فهو ممنوع من الصرف؛ للعلمية والتأنيث، أي: التأنيث
بالتاء، لكن إن كان لمذكر فتأنيثه لفظي، وإن كان لمؤنث فتأنيثه
لفظي ومعنوي. مثال ذلك: نحن نعرف أن من الصحابة من اسمه قتادة،
فهذا مؤنث بالتاء، ومن اسمه طلحة وسمرة وأسامة وحمزة، فكل هذه
الأسماء ممنوعة من الصرف للعلمية والتأنيث، ونوع التأنيث فيها
لفظي، فلو قال قائل: وعن طلحةٍ رضي الله عنه، لكان مخطئاً. لكن
ممكن أن أقول: قطعت طلحةً فأوقدت النار تحت القدر؛ فتصرف لأنها
ليست علماً. كذلك نقول: مررت بامرأةٍ قائمةٍ، امرأة وقائمة
مصروفتان وفيهما التاء؛ وذلك لأنهما ليستا علمين. إذاً: قوله: (كذا
مؤنث) يجب أن نقول: إن هناك شيئاً محذوفاً وهو (علم) فنقول: كذا
علم مؤنث بهاء مطلقاً؛ لأجل أن يخرج الوصف والاسم الجامد، فامرأة:
اسم جامد، وقائمة: وصف، وهذا غير ممنوع من الصرف. لو جاءتني بنت
وسميتها امرأة، فإنها تكون ممنوعة من الصرف؛ لأجل العلمية
والتأنيث، ولهذا فعائشة إن كانت وصفاً فهي مصروفة، وإن كانت علماً
فهي غير مصروفة، تقول: مررت بعجوز عائشةٍ مائة سنة، فهي هنا
مصروفة؛ لأنها وصف، وتقول: مررت بامرأة فاطمةٍ ولدها، كذلك مصروفة
لأنها ليست علماً. إذاً: كل علم مختوم بتاء التأنيث فهو ممنوع من
الصرف، سواء كان هذا العلم لمذكر أو لمؤنث، وسواء كان على ثلاثة
أحرف أو أكثر. ثم قال: (وشرط منع العار كونه ارتقى فوق الثلاث)
قوله: (العار) أي: العاري من التاء، يعني: الخالي منها، فإذا كان
العلم مؤنثاً بغير التاء، وهو ما يسمى بالتأنيث المعنوي، فإنه
ممنوع من الصرف بشرط: (كونه ارتقى فوق الثلاث) أي: زاد على ثلاثة
أحرف. مثاله: زينب، ممنوع من الصرف؛ لأنه أربعة أحرف، كذلك: سعاد
ممنوع من الصرف؛ لأنها مكونة من أربعة أحرف. إذاً: كل علم مؤنث
زائد على ثلاثة أحرف فهو ممنوع من الصرف. فإن كان ثلاثة أحرف يقول:
(أو كجور او سقر أو زيد اسم امرأة لا اسم ذكر) فإذا كان الثلاثي
كجور فهو ممنوع من الصرف؛ لأجل العلمية والعجمة، فتقول مثلاً: دخلت
جورَ، ومشيت إلى جورَ، وهذه جورُ، ولا تصرف لأنها أعجمية. كذلك
(سقر)، قال الله تعالى: مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ [المدثر:42]،
ممنوع من الصرف؛ وذلك لتحرك الوسط؛ وفيه أيضاً فيه العلمية
والتأنيث، فلتحرك وسطه صار ثقيلاً ممنوعاً من الصرف. قوله: (وزيد
اسم امرأة) (لعن الله المتشبهات من النساء بالرجال)، امرأة سماها
أبوها (زيد)، زيد بنت عمرو، فزيد اسم ذكر، لكن مع ذلك إذا سمي به
أنثى فإنه يكون ممنوعاً من الصرف؛ لأن اسم الذكر على المرأة ثقيل
معنى، فلأجل الثقل قالوا: يكون ممنوعاً من الصرف. إذاً: الثلاثي من
المؤنث مصروف إلا في ثلاث مسائل: متحرك الوسط، وما كان أعجمياً،
وما كان مذكراً سمي به مؤنث.
حكم المؤنث الثلاثي الساكن الوسط إذا عدم العجمية والتذكير
قال المصنف رحمه الله تعالى: [وجهان في العادم تذكيراً سبق وعجمة
كهند والمنع أحق]. أي: للعلماء وجهان في المؤنث الثلاثي الساكن
الوسط إذا عدم العجمة والتذكير: الصرف وعدمه. مثل: هند، كلمة هند
عربية، وهي ثلاثة أحرف ساكنة الوسط، وهي اسم لمؤنث، فهند يجوز فيها
وجهان: الصرف وعدمه، فتقول: مررت بهندَ، ومررت بهندٍ، ونقول: هذه
هندٌ، وهذه هندُ، وتقول: رأيت هنداً، ورأيت هندَ، كل ذلك جائز،
ولكن ابن مالك يقول: (والمنع أحق) أي: المنع من الصرف أحق. وخلاصة
هذين البيتين: يمنع من الصرف كل علم مختوم بتاء التأنيث مطلقاً
بدون شرط. ويمنع من الصرف كل علم مؤنث زاد على ثلاثة أحرف، أو كان
أعجمياً، أو كان محرك الوسط، أو كان اسماً لذكر سمي به أنثى. إما
إذا كان ثلاثياً ساكن الوسط ولم يسم به ذكر فيقول ابن مالك : إن
فيه وجهين، والمنع أحق.
العلمية والعجمة
قال المصنف رحمه الله تعالى: [والعجمي الوضع والتعريف مع زيد على
الثلاث صرفه امتنع]. أيضاً: من الأسماء التي تمنع من الصرف:
العجمي، بشرط أن يكون عجمي الوضع، أي: أنه ليس من كلام العرب،
وإنما هو من كلام العجم. (والتعريف) أي: أنه علم في لغة العجم، أي:
عجمي في وضعه وفي تعريفه، والمراد بالتعريف هنا غير تعريف النكرة،
فالمراد بالتعريف العلمية. إذاً: قوله: (والعجمي الوضع والتعريف)
هذا شرط، الشرط الثاني قال: (مع زيد على الثلاث). قوله: (صرفه
امتنع) الجملة هذه خبر مبتدأ؛ لأن العجمي: مبتدأ، وصرف: مبتدأ ثان،
وامتنع: الجملة خبر المبتدأ الثاني، والمبتدأ الثاني وخبره في محل
رفع خبر المبتدأ الأول، أي: أن العجمي وضعاًً وعلميةً الزائد على
الثلاث صرفه امتنع، أي: ممنوع صرفه. فقوله: (العجمي الوضع) احتراز
من عربي الوضع، فإذا وجد اسم عربي فإنه لا يمنع من الصرف ولو تسمى
به الأعجمي. فحسين مثلاً عربي، والعجم يتسمون بحسين كثيراً، فهل
نقول: لما كان هذا علماً أعجمياً يمنع من الصرف؟ لا؛ لأن أصله
عربي، وابن مالك يقول: (العجمي الوضع). وقوله: (والتعريف) أي: أنه
علم بلغة العجم، فلو جعل اسم الجنس علماً بلغة العرب، وهو عند
العجم ليس بعلم، فلا يمنع من الصرف، ومثلوا لذلك بقالون، أحد
الرواة عن القراء اسمه قالون ، لكنه عربي، وأصل قالون في اللغة
الأعجمية اسم جنس أو صفة، فقالون بمعنى: جيد، فليست علماً، إذاً
فتقول: قال قالون، وسمعت قالوناً، واستحسنت قراءة قالونٍ. وذلك
لأنه ليس عجمي التعريف، وابن مالك يقول: (والعجمي الوضع والتعريف).
وقوله: (مع زيد على الثلاث) هذا شرط أن يكون زائداً على الثلاث،
فإن لم يكن زائداً على الثلاث فإنه يصرف ولو كان عجمي الوضع
والتعريف، مثل: نوح، ولوط، فهذان اسمان أعجميان لكنهما مصروفان؛
لأنهما مكونان من ثلاثة أحرف فقط. وهود فيه نزاع، فبعضهم قالوا:
إنه عربي، وبعضهم قالوا: إنه غير عربي، لكن مهما كان فإنه ليس
زائداً على الثلاثة. قال بعض المحشين: جميع أسماء الملائكة ممنوعة
من الصرف للعلمية والعجمة، وكأنهم يريدون أن ما ليس من وضع العرب
فهو أعجمي، إلا أنهم استثنوا أربعة من الملائكة وهم: مالك، ورضوان،
ومنكر، ونكير، فهؤلاء الأربعة يصرفون، ومن عداهم من الملائكة لا
يصرفون مثل: جبريل، وميكائيل، وإسرافيل. إذاً: الذين تنصرف أسماؤهم
من الملائكة أربعة: مالك، ورضوان، ومنكر، ونكير. والأنبياء كذلك
أسماؤهم لا تنصرف؛ للعلمية والعجمة، إلا ما نذكره الآن: شعيب،
وصالح، وهود، ولوط، ونوح، وشيث على القول بأنه نبي، ومحمد صلى الله
عليه وسلم، فهؤلاء سبعة من الأنبياء تنصرف أسماؤهم. إذاً: جميع
أسماء الأنبياء ممنوعة من الصرف ما عدا سبعة، وهم من ذكرناهم.
العلمية ووزن الفعل
قال المصنف رحمه الله تعالى: [كذاك ذو وزن يخص الفعلا أو غالب
كأحمد ويعلى]. (كذاك) أي: كالذي ذكر، والمراد العلم أيضاً، (ذو وزن
يخص الفعلا) بمعنى: أنه يختص بالأفعال، إما دائماً وإما غالباً.
فالدائم مثلما: لو سميت رجلاً: ضُرب، فهذا ممنوع من الصرف؛ لأنه
على وزن فُعِلَ، ووزن (فُعِل) لا توجد في الأسماء، إنما تكون في
الأفعال. كذلك لو سمي شخص كُتِمْ، واحد مثلاً ولد له ولد ولم يعلمه
فقالوا: ماذا نسميه؟ فقال: سأسميه شيئاً يدل على ما فعلنا: كُتِمْ،
فنقول: هذا علم موازٍ للفعل المبني للمجهول، فيكون ممنوعاً من
الصرف، فتقول: جاء كُتِمٌ، وضربت كُتِمَ، ومررت بكُتِمَ. وكذلك ما
كان على وزن فعَّل مثل: كلَّم، وشدَّد، وحسَّن، وما أشبه ذلك،
نقول: هذا أيضاً ممنوع من الصرف؛ لأنه على وزنٍ يخص الفعل، فيكون
ممنوعاً من الصرف.
شرح ألفية ابن مالك [63]
كثير من الأسماء تجمع جمع تكسير، ولجموع التكسير صيغ كثيرة، منها
ما يكون جمع قلة ومنها ما يكون جمع كثرة، ولكل صيغة من الجموع
أوزان تأتي هي جمعاً لها.