شرح نظم المقصود

ـ[شرح نظم المقصود]ـ
المؤلف: أحمد بن عمر الحازمي
مصدر الكتاب: دروس صوتية قام بتفريغها موقع الشيخ الحازمي
http://alhazme.net
[ الكتاب مرقم آليا، ورقم الجزء هو رقم الدرس - 33 درسا]


عناصر الدرس
* التعريف بأصل النظم ومؤلفه.
* النظم وناظمه وشروح النظم.
* المبادئ العشرة.

المقدمة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً .. أما بعد ..

فنبدأ في هذه الليلة ليلة العشرين من شهر شوال من عام 1424هـ في المتن الثاني من الدورة العلمية التأصيلية، وقد سبق التنبيه أن المراد بهذه الدورة أن يكون هذا الجدول جواباً لما قد يصدر من طلاب العلم كيف نطلب العلم؟ فيقال لهم: هذه الكتب تدرس على توالٍ ننتهي من كتاب ثم نشرع في كتاب آخر، وليس المقصود بها أن نستعجل في كتاب معين أو أن نختصر في الشرح ونحو ذلك وإنما نسير على ما يريد الله عزوجل ويكون هناك اقتصار في بعض المواضيع دون بعض. قد انتهينا من متن المُلحة في علم النحو، وعلم النحو كما يقال أبو العلوم العربية وعمادها, والصرف أمّ العلوم وميزانها, العربية ذكروا أن لها أباً وأماً. أبوها النحو وأمها الصرف. هكذا قال أربابُ الحواشي. كتاب المقصود هذا الذي بين أيديكم المقصود هو الأصل النثر - نُسب لأبي حنيفة - رحمه الله - ولا تصح نسبته؛ لأن أسلوبه وطريقته تناسب القرن السادس والسابع وما بعده، ولا يُعرف لأبي حنيفة - رحمه الله - كتاب مستقل في علم النحو والصرف وإن كان له كلام في النحو وغيره، ولكن ذُكر أن هذا الكتاب قد ألفه بعض الأتراك الأحناف ونسبه لأبي حنيفة - رحمه الله تعالى - من أجل أن يشتهر، ولذلك كثُرت عليه الشروح والحواشي ونُظم أكثر من نظم, والذي اشتهر نظم أحمد بن عبد الرحيم الذي بين أيديكم، إذاً المقصود هذا مجهول المصنف، يعني مُصنِفه غير معروف، وهو كتاب مبارك كما ذكر صاحب (مفتاح السعادة) قال: ومما اشتهر مختصر مسمى بالمقصود, - يتكلم عن فن الصرف -, ومما اشتهر مختصر مسمى بالمقصودلم نقف على مصنفه - وإن نُسب لأبي حنيفة - لم نقف على مصنفه، إلا أنه كتابٌ مُبارك وعليه شروحٌ مفيدةٌ مشهورة عند أبناء الزمان، يعني في عصره، وإلى قبل هذا العصر، والمقصود إذا أريد تقريب هو يوازي أو يكون موازياً للامية الأفعال؛ لأن بحث كتاب المقصود هو في الأفعال وتصريفها وما يلتحق بها، كاسم الفاعل واسم المفعول والصفة المشبهة والمصدر الميمي إلى آخره، هذه تعتبر من الفروع في فن الصرف والأصل في الفعل لذلك من أتقن الفعل وتصرفاته فقد حاز قصب السبق في فن الصرف، ولذلك قال ابن مالك -رحمه الله- في لاميته:
وَبَعْدُ فَالْفِعْلُ مَنْ يُحْكِمْ تَصَرُّفَهُ ... يَحُزْ مِنَ اللُّغَةِ الأَبْوَابَ وَالسُّبُلاَ
فَهَاكَ نَظْمًا مُحِيطًا بِالْمُهِمِّ وَقَدْ ... يَحْوِي التَّفَاصِيلَ مَنْ يَسْتَحْضِرُ الْجُملاَ


(وَبَعْدُ فَالْفِعْلُ) يعني الفعل الماضي، (مَنْ يَحُزْ) يعني يجمع (تَصَرُّفَهُ) تقلباته وتحولاته (يَحُزْ مِنَ اللُّغَةِ الأَبْوَابَ وَالسُّبُلاَ) إذاً يجمع من فن الصرف مالا يجمعه من إتقان باب غير باب الفعل, ولذلك من كتب في فن الصرف من الكتب المختصرة يركزون على الفعل وتصرفاته، المقصود هذا مبحثه في تصريف الأفعال وأنواعها المختلفة وما يتعلق بها كاسمي الفاعل والمفعول واسمي الزمان والمكان، كذلك لامية الأفعال لابن مالك الأصل فيها أنها في تصريف الأفعال وإن قيل: إنها متممة للألفية؛ لأنه ذكر في الألفية نظم في آخر الألفية نظم أبواباً عديدة في فن الصرف وترك كثيراً من مسائل الفعل - تصرفات الفعل - قيل إنه ألّف اللامية تتميماً للألفية، كذلك متن البناء المشهور ومتن تصريف عزي هذه كلها مشهورة وتدرس عند أهل العلم ويتلقاها المبتدئون، أول ما يطلب طالب العلم في فن الصرف يأخذ من هذه الكتب واحداً منها ويعتكف عليه وعلى شرح منها.
المقصود تم اختياره دون متن البناء والتصريف ولامية الأفعال موازنة بينه وبين لامية الأفعال؛ لأن الأصل فيما اخترته لنفسي في التدريس أن يكون نظماً؛ ليتمكن طلاب العلم من الحفظ, لامية الأفعال - على - كما سمعتم
وَبَعْدُ فَالْفِعْلُ مَنْ يُحْكِمْ تَصَرُّفَهُ ... يَحُزْ مِنَ اللُّغَةِ الأَبْوَابَ وَالسُّبُلاَ

إذاً هذا ليست من بحر الرجز إنما هي من البحر البسيط, والبحر البسيط هذا فيه ثِقل، وإن كان الرجز هذا فيه سهولة على اللسان، قال السفاريني:
وَصَارَ مِنْ عَادَةِ أَهْلِ الْعِلْمِ
أَنْ يَعْتَنُوْا فِي سَبْرِ ذَا بِالنَّظْمِ

لِأَنَّهُ يَسْهُلُ لِلْحِفْظِ كَمَا
يَرُوقُ لِلسِّمْعِ وَيَشْفِي مِنْ ظَمَا

هكذا قال السفاريني في الدرة المضية، والمقصود من
وَصَارَ مِنْ عَادَةِ أَهْلِ الْعِلْمِ
أَنْ يَعْتَنُوْا فِي سَبْرِ ذَا بِالنَّظْمِ

المقصود به النظم الرجز - بحر الرجز - لسهولته ركِبه أكثر العلماء في تقييد العلوم سواءً كانت علوماً أصليه أم علوماً فرعيه كعلوم الآلات ونحوها, موازنة بين هذا النظم وبين لامية الأفعال نجد أن هذا النظم من البحر الرجز، ولامية الأفعال من البحر البسيط، والأول الرجز أخف على اللسان وأقربُ للحفظ وأسهل من لامية الأفعال، أيضاً لامية الأفعال ابن مالك - رحمه الله - اهتم بالشواذ نظم كثيراً من الشواذ، بخلاف نظم المقصود فإنه أصّل القواعد فقط ولم يتطرق إلى الشواذ. الأصل الذي هو المقصود في علم الصرف هذا مطبوع في ضمن الرسائل المجموعة في مطبعة "مصطفى الحلبي" ولكنه وقفت أخيراً على تحقيق له المقصود في علم الصرف المنسوب للإمام الأعظم أبي حنيفة النعمان، درسه وحققه وعلّق عليه " الدكتور/ عبد الله عبد الكريم بجاد حسن" ومطبعة مكتبة الأهداف، قدم في أولِ الكتاب أو أثبت أن هذا الكتاب لا تصح نسبته لأبي حنيفة - رحمه الله - وهذا واضح أنه لا تُصح نسبته لأبي حنيفة رحمه الله كما سبق بيانه.


المقصود هذا قد شُرح عدة شروح الذي هو الأصل -النثر- ولذلك هو في ورقات تُعد هذه الورقات، شُرح ولم يُطبع على جهة التحقيق إلا ما كان من قديم الزمن مما طبع في "مصطفى الحلبي" (المطلوب شرح المقصود)، وهذا أنفس شرح فيما رأيت ووقفت عليه، وأيضاً مؤلفه مجهول، الأصل المقصود مؤلفه مجهول وإن نُسب لأبي حنيفة، والشرح (المطلوب شرح المقصود) هذا أيضاً مجهول صاحبه مجهول، ولا يطعن في كتاب كون صاحبِه مجهولاً، يعني لا يقلل من شأن الكتاب، نعم إذا عُرف لأن جلالة العالم وجلالة الناظم تدل على ترجيحاته وأنها أمكن في الفن ونحو ذلك، لكن إذا لم يُعلم هذا لا ينقص من قدر الكتاب بل يُدرس الكتاب نفسه ويُنظر فيه وما وافق الحق قُبل وما لم يوافق فهو موقوف أو مناقشٌ فيه، والذي قد يضُر في باب العقائد ونحوها، أما في علوم الآلة فلا، طُبع مع المطلوب شرحان "شرح الشروح" "وإمعان الأنظار" وكلاهما فيهما من الخروج عن المقصود في فن الصرف، وإدماج كثير من مسائل المنطق ونحوها في فن الصرف، لذلك من أراد أن يقف على أبواب الصرف منثورة على قواعد المناطقة فلينظر "شرح الشروح" أو "إمعان الأنظار"، أما خلاصة الصرف على كتاب المقصود فالمطلوب قد كفانا ذلك، نَظَمَ هذا المقصود أحمد بن عبد الرحيم الطهطاوي هذا توفي سنة 1038هـ نظمه في النظم الذي بين أيديكم، شرحه قرينه وصاحبه وجليسه " محمد بن أحمد بن عليّش" في كتابه (حل المعقود من نظم المقصود) وهذا موجود مطبوع طبعة قديمة أيضاً طبعة "مصطفى الحلبي"، والكتاب من جهة الشرح موسع جداً يكاد أن يكون استوفى فن الصرف فيما ذكر من المسائل في هذا الشرح، وكأنه قد وضع "شرح المقصود, وشرح الشروح, وإمعان الأنظار" في ذلك الشرح، مع ما ذُكر أو حقق على كلام ابن الحاجب في الشافية من تعليقات الجاربردي والرضي وغيرهما مما ذكرمن التعليقات على هذا الكتاب، فقد ضمن هذا الكتاب خُلاصة شرح الشروح وإمعان الأنظار والمطلوب وزاد عليها مما عُلق على الشافية من كلام الجاربردي والرضي رحمة الله على الجميع, إذاً اخترنا هذا الكتاب لأنه نظمٌ أولاًً؛ والنظم أسهل للحفظ, ثانياً/ لأن المشهور أن يُبدأ بالبناء هذا الذي يعرف عند طلاب العلم، متن البناء متن صغير وهو نثر، وخلاصته منظومة في المقصود، خلاصة متن البناء منظومة في متن المقصود، وكذلك خلاصة تصريف عزي منظومة في المقصود، إذاً قد يجمع الطالب كتاباً واحداً أو عدة كتب في نظم، وهذا يعتني به أو ينبغي أن يعتني به طالب العلم ليس كل كتاب يُختار للحفظ أو للتدريس، وإنما يُنظر في شمول هذا الكتاب لأصول مسائل الفن، وخاصة في الكتب التي تعتبر للمبتدئين، ينظر الطالب في هذا الفن وليس نظراً من عنده وإنما يرجع إلى المتخصصين، ينظر في هذا الكتاب هل جمع ما جمعه غيره؟ أو إن صح التعبير أنه يُغني عن غيره وغيره لا يغني عنه، نقول: هذا المقدم من جهة الحفظ ومن جهة التدريس.


قبل الدخول في الكتاب نفسه يذكر العلماء المبادئ العشر، كل طالب علم ينبغي إذا بدأ في فن ما أن يعرف المبادئ العشرة؛ لأنه لا يمكن أن يطلب شيئاً غير معلوم، ولذلك من المقرر في جميع الفنون وخاصة الفنون التي لا تكون متداولة في التدريس، طالب العلم يدرس النحو ولا يعرف ما هو النحو؟ ولا هو موضوع علم النحو وما هو واضعه ولا حكمه في الشرع, كذلك فن الصرف وفن البيان وفن المنطق أوالمصطلح أوغيره، لابد أن يقف على حد هذا الفن، وهذه المبادئ العشرة أهمها: الحد والموضوع وثمرته وحكُمهُ الشرعي، لأن إذا كان العلم من المُباحات لماذا يشتغل به طالب العلم؟ لماذا يُقدمه على غيره من المقاصد؟ نقول: ما لايتم الواجب إلا به فهو واجب، وما قد يحصل على المقصود بدونه فالاشتغال به من فضول العلم. إذاً لابد من معرفة الحد والموضوع والثمرة وحكم الشارع في ذلك الفن، هذه المقدمة والمبادئ العشرة كما سبق نظمها محمد بن علي الصبان في قوله:
إن مبادي كل فنٍّ عشرة
الحدُ والموضوع ثم الثمرة

وفضلُه ونسبة والواضع
والاسم الاستمداد حكم الشارع
مسائلٌ والبعضُ بالبعضِ اكتفى ... ومن درى الجميع حاز الشرفا

مسائل والبعض: يعني بعض العلماء، بالبعض اكتفى: يعني ببعض هذه المسائل دون العشرة اكتفى بذكرها لطلاب العلم، فلا يحتاج أن يستوفي جميع المبادئ العشرة، وإنما يُكتفى بثلاث في الغالب وهي الحد والموضوع والثمرة ونزيد عليه حكم الشارع فيه؛ ليعلم طالب العلم حكم العلم الذي يدرسه؛ لأنه إذا كان مُباحاً وليس مما يُحكم عليه بأنه واجب كفائي أو مستحب كان الاشتغال به من فضول العلم وضياع الأوقات.


الصرف والتصريف: يُقال صَرْفٌ ويقال تَصْرِيفٌ يعني له اصطلاحان وهذا عند المتأخرين, الصرف والتصريف، والتصريف تفعيل من الصرف، صرّف يُصرّفُ تصريفاً تفعيل من الصرف للمبالغة والتكثير. إذاً التصريف يدل على الصرف إلا أنه يُشير إلى المبالغة والتكثير لكثرة التغيرات والتحولات التي تتم في هذا الفن، عند المتأخرين نقيد – عند المتأخرين - الصرفُ والتصريفُ لفظان مترادفان، بخلاف الصرف والتصريف عند المتقدمين، فالصرف هو ما ذكرهُ المتأخرون اتفقوا على الصرف وأنه يُحد بكذا كما سيأتي، أما التصريف عند المُتقدمين فهو مُغاير للصرف، هناك باب في آخر أبواب أو كتب الصرف يسمى باب التمارين, باب التمارين هذا ما ثبت استقرائه في كلام العرب من جهة الأوزان، فيُقال ايت أو كيف تأتي بهذا اللفظ على هذا الوزن ولم يُسمع، مثلاً: سفرجل هذا وزنٌ ولفظٌ نطقت به العرب، لكن هل جيء بهذا الوزن من الضرب الذي هو المصدر؟ الجواب, لا، لم يُسمع من لغة العرب من الضرب وهو المصدر على وزن سفرجل، لكن من باب التمارين وتعليم الطلاب إذا واجه الطالب إعلال أو قلب أو حذف كيف يُطبق؟ يقولون: اِيتِ بضرب على وزن سفرجل فيقول الطالب: ضَرَبْرَب، هل نطقت العرب بضربرب نقول: لا, هذا يُسمى باب التمارين يُسمى تصريف عند المتقدمين، يُخص بمصطلح خاص فيسمى بالتصريف، وأما عند المتأخرين فالصرف والتصريف لفظان مترادفان، وعلى الأول التصريف جزءٌ من الصرف، لم؟ لأن باب التمارين هذا تطبيق للقواعد وتثبيتٌ للمسائل التي تعلمها الطالب من جهة التقعيد الأصلي، فيطبقها على نفس الألفاظ التي ترد عليه؛ لأنه إذا قيل وأْيٌ، وأيٌ هذا فَعْلٌ اِيتِ به على وزن قُفْلٍ، فيقول: وؤيٌ قد يعتريه إعلال قد يعتريه حذف إلى آخره. إذاً التصريف جزء من الصرف عند المتقدمين، والذي يعنينا هو الصرف عند المتأخرين، فنقول: الصرف والتصريف لفظان مترادفان عند المتأخرين, لكلمتي الصرف والتصريف معنيان: معنى لغوي ومعنى اصطلاحي, المعنى اللغوي هذا نسبة إلى اللغة، يعني ما وضعه له واضع العرب، واللغة: هي الألفاظ الموضوعة للمعاني, الصرف والتصريف في اللغة يدوران على معانٍ أصلها التغيير والتحويل. وإن شئت قل: الصرفُ لغةً: التغيير، كما نص كثيرٌ على هذا. التصريف في اللغة التغيير والتحويل، ومن ذلك قيل: (تصريفُ الرياح)، وتصريفُ الأمور، وتصريف الآيات، وتصريفُ الخيل، وتصريفُ المياه، وقالوا أيضاً: صرفتُ الأذى، أو صرف الله عنك الأذى، وصرفتُ فُلاناً عن وجهه، وصرفت الصبيان، كلُ ذلك يُراد به التحويلُ من وجهٍ إلى وجهٍ ومن حال إلى حال, قال تعالى: {انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْأَيَاتِ} [الأنعام: 46] نغيرها ونحولها، {وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ} [البقرة:164] يعني تغييرها من حال إلى حال ومن وجهة إلى وجهة. إذاً معنى الصرف والتصريف في اللغة يدور على معنى التغيير والتحويل، والتحويل المراد به: النقل، نقل الشيء من جهة إلى جهة.


أما في الاصطلاح: وهذا نسبة إلى يعني المعنى الاصطلاحي, نسبة إلى الاصطلاح، والاصطلاح المراد به ما يختص كل أهل فن بفنونهم، هناك ألفاظ يصطلح أرباب هذه الفنون على إطلاق هذه الألفاظ على معانٍ خاصة، ولذلك إذا أردنا حده فنقول: الاصطلاحُ لغةً: الاتفاق يقال: اصطلح زيدٌ وعمروٌ إذا اتفقا، والاصطلاح في الاصطلاح: اتفاقُ طائفة مخصوصةٍ على أمرٍ معهود بينهم متى أطُلق انصرف إليه، يعني العام، لفظ العام في اللغة يدل على الشمول، لكن عند الأصوليين هل هو معنى الشمول فقط؟ لا، إنما هو يُراد به معنى خاص. الخاص أيضاً في اللغة يُراد به معنى ما يقابل الشمول، هل هو بهذا المعنى عند الأصوليين؟ الجواب: لا. وهذا ما يُسمى بالحقائق العُرفية. الصرف أوالتصريف في اصطلاح الصرفيين له جهتان:
جهة علمية، وجهة عملية، يعني لأن التصريف تغيير، الطالب أو الصرفي يأخذ المصدر فيغيره ويقلب فيه أو يوجهه من حال إلى حال، إذاً هذا عملي. إذاً يُنظر إلى فن الصرف من جهة كونه عَلَماً ومن جهة كونه صناعة وعملاً, الثاني الذي هو يعنينا الذي هو الصرف العملي أو الصناعي نسبة إلى الصناعة وهي التمرين على القواعد نقول: هو تحويلُ الأصلِ الواحدِ إلى أمثلةٍ مختلفةٍ لمعانٍ مقصودةٍ لا تحصل إلا بها.
تحويل، ما معنى التحويل؟ المُراد به: التغيير، تغيير الأصل الواحد تغيير أو تحويل الأصل الواحد، المراد بالأصل الواحد هنا المصدر، لأن المصدر كما سيأتي هو أصل الاشتقاق، قال الحريري:
وَالْمَصْدَرُ الْأَصْلُ وَأَيُّ أَصْلِ ... وَمِنْهُ يَا صَاحِ اشْتِقَاقُ الْفِعْلِ

إذاً اشتقاق الفعل الماضي والمضارع والأمر واسم الفاعل واسم المفعول والصفة المشبهة وأفعل التفضيل كل هذه مشتقة من المصدر، سواء كانت بواسطة أو بدون واسطة، قد يكون الاشتقاق مباشرة كالفعل الماضي من المصدر، وقد يكون بواسطة كاسم الفاعل واسم المفعول. إذاً تحويل الأصل الواحد المُراد بالأصل في اللغة ما يبنى عليه غيره، ولذلك المصدر يُبنى عليه غيره وهو الفعل الماضي وسائر المشتقات، عبر بالأصل الواحد هنا ليشمل المذهبين: المذهب البصري والمذهب الكوفي؛ لأن أصل الاشتقاق مُختلفٌ فيه, عند البصريين: أن المصدر هو الأصل، وعند الكوفيين الفعل الماضي هو الأصل, فلذلك نقول في الحد هنا: تحويل الأصل الواحد، إذاً الأصل الواحد المُراد به المصدر على مذهب البصريين، وتحويلُ الأصلُ الواحد المُراد به الفعل الماضي على مذهب الكوفيين، فالأحسن أن يُعمم قولنا الأصل الواحد فيُراد به المصدر وغيره, لم؟ لأن باب التثنية والجمع والتصغير والنسب هذه من أبواب الصرف، فتحويل الأصل الواحد كـ (زيدٌ) إلى (زيدان)، وتحويل الأصل الواحد (زيد) إلى (زيدون)، وتحويل الأصل الواحد وهو (قُريش) إلى (قُرشيّ)، وتحويل الأصل الواحد (جبل) إلى (جبال)، نقول: هذا تغييرٌ من حال إلى حال، وهذه الأبواب التثنية والجمع والنسب والتصغير والجمع التصحيح والجمع المؤنث السالم هذه كلها من مباحث فن الصرف، فإذا خصصنا تحويل الأصل الواحد بالمصدر أو الفعل الماضي خرجت سائِر الأبواب.


إذاً نقول: تحويل الأصل الواحد يشمل على الصحيح المصدر وغيره، المصدر واضح لأنه أصل الاشتقاق للمشتقات، وغيره المُراد به: التثنية والجمع والنسب والتصغير، فهذه من مباحث فن الصرف. تحويل الأصل الواحد إلى أمثلةٍ المُراد بالأمثلة هنا الأبنية والصيغ كما سيأتي، أبنية وصيغ، هذه الأبنية وهذه الصيغ المُراد بها الكلمات العربية التي هي موضوع فن الصرف، من أي جهة؟ من جهة البحث عن هيئتها، والمُراد بهيئة الكلمة - (عدد) تنبه لهذا مهم – المراد بهيئة الكلمة أو زنة الكلمة أو بناء الكلمة أو وزن الكلمة أو صيغة الكلمة المُراد بها: عدد حروف الكلمة، وترتيبُ هذه الحروف، وحركاتها المعينةُ وسكونها، وما فيها من حروفٍ زائدة أو أصلية كلٌ في موضعهِ، يعني النظر في صفة الكلمة من جهة عدد الحروف، أومن جهة ترتيب الحروف، أو من جهة الحركات المعينة ضمة أو فتحة أو كسرة أو سكون، أو كون هذه الكلمة كلها أصول كرجل، أو فيها ما هو زائد تكون الكلمة مُشتملة على حروف زائدة, البحث في هذه الأشياء يُسمى بحثاً عن زنة الكلمة أو عن بنية الكلمة. إذاً تحويل الأصل الواحد إلى أمثلة مختلفة، والأمثلة المُراد بها: الصيغ والأبنية، من أي جهةٍ نبحث عنها؟ من جهة هيئتها هيئة الكلمة، وهذا يترتب تحتهُ أو يدخل تحته عدة أمور: البحث عن عدد حروف الكلمة، البحث عن ترتيب حروف الكلمة، البحث عن حركاتها المعينة وسكونها، البحث عن هل فيها حروف زائدة أم كلها أصلية.
إلى أمثلة مختلفة، المُراد بالاختلاف هنا باعتبار الهيئات؛ لأن المصدر مثلاً الضرب (ضَرْبٌ) هذا على وزن فَعْلٌ وهو مصدر، كيف نحوله إذا أردنا الفعل الماضي نقول: نأتي به على مثال فَعَلَ، إذاً – فَعَلَ - ضَرَبَ نقول: يدل على الحدث وهو الضرب وأنه وقع في زمن ماضٍ، ضَرَبَ فَعَلََ، إذا جئت بالفعل المُضارع منه تقول: يَضْربُ، يضربُ وضرب هل هما مُتحدان في المثال في الزنة؟ الجواب: لا. إذاً إلى أمثلة مختلفة يعني إلى صيغ وأوزان مختلفة، وهذا الاختلاف باعتبار الهيئات، فضرب مغايرٌ ليضرب، ويضرب مغايرٌ لـ (اضرب) هذا التحويل ما المرادُ به؟ المراد أن يدل على معانٍ لذلك قال: لمعانٍ، أمثلةٍ مختلفة لمعانٍ، اللام هذه لام التعليل، يعني الاختلاف والتحويل والتغيير للمصدر الواحد إلى أوزان متعدية لأي أمر؟ هل هو لأمر لغرض لفظي أو لغرض معنوي؟ ذَكر في الحد الغرض المعنوي, وإن كان هناك غرضاً لفظياً سيأتي بيانه, إذاً لمعانٍ اللام هذه للتعليل، إذاً التغيير بين الأبنية وبين الأوزان وبين الصيغ يكون لأجلِ حصولِ معانٍ.


معانٍ: جمع معنى وهو في الأصلِ مصدرٌ ميميٌ من العناية نُقل إلى معنى المفعول وهو ما يُراد من اللفظ، لمعانٍ نقول المعنى في الاصطلاح عند النحاة: ما يراد من اللفظ أو ما يقصد من اللفظ. ما الذي تقصده إذا قلت: ضَرَبَ زيدٌ عمراً؟ تقصد جئت بالضرب الذي هو المصدر على زنة ضرب للدلالة على أن الفعل قد وقع وحصل الذي هو الحدث في الزمن الماضي. إذاً صياغتك للفعل الماضي على وزن ضرب من الضرب جئت به لمعنىً وهذا المعنى دلالة هو ضَرَبَ على وقوع الحدث في الزمن الماضي. (يضربُ زيدٌ عمراً) لم قلت يضربُ من الضرب؟ للدلالة على وقوع الحدث في الزمن الحال. اضرِب للدلالة على طلب إيقاع الحدث في الزمن المستقبل. إذاً هذه الاختلافات بين الصيغ (ضرب ويضرب واضرب) أنت غيّرت وحولت من الضرب إلى واحدٍ من هذه الأمثلة لمعنىً مقصودٍ لكَ, فلذلك قال في الحد: لمعانٍ مقصودة لا تحصل إلا بها، لا تحصل تلك المعاني إلا بها، الضمير هنا يعود على الأمثلة المختلفة، لا يمكن أن يُعبر عن إيقاع الحدث في الزمن الماضي بصيغة يفْعُل؛ لم؟ لأن يفعل هذه وضعت للدلالة على وقوع الحدث في الزمن الحال، وأنت تُريد أن تخبر عن إيقاع الحدث في الزمن الماضي، إذاً لا يمكن أن تُعبر بما في نفسك إلا إذا جئت بالصيغة الدالة على ذلك المعنى الخاص. واضح هذا؟. نقول التصريف أو الصرفُ في اصطلاح الصرفيين من جهة كونه صناعةً: تحويل الأصل الواحد الذي هو المصدر وغيره إلى أمثلة مختلفة، فإذا قيل لك مثلاً: اِيتِ برجل وهو مثنى، ثنِّه تقول: رجُلان ماذا صنعت؟ زدت عليه الألف والنون، الألف هذه علامة رفع في حالة الرفع والنون هذه عوضاً عن التنوين. أين يُبحث هذا؟ في فن الصرف؟، هل هو أمرٌ نظري علميٌ فقط أم عملي؟ نقول: عملي صناعيّ, تحويل الأصل الواحد نحول المصدر إلى الفعل وإلى الوصف. المُراد بالوصف هنا: اسم الفاعل واسم المفعول وإن كان هو بواسطة، لمعانٍ مقصودة لا تحصل تلك المعاني إلا بهذه الأمثلة؛ فالكرم مثلاً هذا مصدر إذا أردت أن تُحوله إلى معنى، هذا المعنى تُريد أن تُخبر عن إيقاع الكرم في الزمن الماضي فتأتي به على وزن أفْعَلَ (أَكَرَم زيدٌ عمراً)، إذا أردت أن تُخبر عن هذا الوصف الذي هو المصدر بأنه يقع ويحصل في الزمن الحاضر تقول: (يُكرم زيدٌ عمراً)، إذا أردت إيجاده وطلبه من غيره فتقول: أَكْرِمْ. إذاً أنت حولت المصدر الذي هو الأصل الواحد إلى أمثلة مختلفة، هذه الأمثلة وهذه الأوزان والصيغ لها معانٍ كل صيغةٍ تدل على معنىً خاص، المعنى هو الذي يوجد في النفس، وهذه الألفاظ هي دليلها وهي عبارةٌ عنها.
أما من جهة كونه علماً فهذا عرفه ابن الحاجب -رحمه الله- بقوله: علمٌ بأصولٍ تُعرف بها أحوالُ أبنية الكلم التي ليست بإعراب.
علم التصريف هو علم بأصولٍ تُعرف بها أحوالُ الكلم التي ليست بإعراب.
الصرف كان عند المتقدمين داخلاً في مُسمى النحو، كان النحو والصرف يشملهما عنوانٌ واحد يُسمى بالعربية ويسمى بالنحو؛ ولذلك ابن مالك -رحمه الله- نظم النحو ونظم في آخر ألفيته الصرف، وقال:
مَقَاصِدُ النَّحْوِ بِهَا مَحْوِيَّهْ


"مَقَاصِدُ النَّحْوِ" وهو قد نظم أيضاً الصرف، فدل على أنه يُريد النحو فن الصرف الخاص عند المتأخرين - وهو من المتأخرين -، والنحو الذي هو الكلام على التراكيب.
إذا أردنا أن نحد النحو كما سبق معنا في شرح المُلحة الشامل للصرف فنقول: هو علمٌ بأصول تُعرف بها أحوالُ الكلم إفراداً وتركيباً.
علمٌ بأصول تُعرف بها أحوالُ الكلم - ولا نقيد الآخر- أحوالُ الكلم إفراداً هذا هو فن الصرف، لماذا؟ لأن مبحث علم الصرف عن الألفاظ المفردة الكلمات فقط، لا يتكلم الصرف ولا يتعلق ولا يبحث عن التراكيب، إنما يبحث عن الكلمة قبل التركيب، ولذلك بعض أهل اللغة يرى أن الطالب يقدم فن الصرف على فن النحو، لم؟ لأن الأصل في الكلام أن يكون مفرداً، كلمات تختار من المعاجم ونحوها ثم تركب، والعِلمُ بالمفرد مقدم على العلمِ بالمركب، العلم بالمفردات مقدم على العلم بالمركبات، والنحو مُختص بالمركبات، إفراداً هذا المُراد به فن الصرف، تركيباً هذا المُراد به فن النحو، هذا عند المتقدمين. أما عند المُتأخرين لما فُصل فن الصرف بمصنفات ومباحث خاصة وشروح ونحوها جُعل فن النحو بِلقبٍ خاص وجُعل فن الصرف بلقبٍ خاص، عُرّف النحو الخاص بأنه علمٌ بأصولٍ تُعرف بها أحوال أواخر الكلم ِ إعراباً وبناءً. إذاً قيدنا أواخر؛ لأن مبحث النحو في أواخر الكلمات المفردة بعد التركيب، وعُرّفَ فن الصرفِ بعد إفراده وميزه عن النحو بأنه علم بأصول تُعرف بها أحوالُ أبنية الكلمِ التي ليست بإعراب ولا بناءً أو ليست بإعراب على قول ابن الحاجب.
علمٌ هذا جنس يشمل المقصود وغيره، يعني يشمل ما يريد تعريفه فن الصرف وغيره، علمٌ هذا جنس، بأصول يُعرف بها أحوال أبنية الكلم هذا أخرج ماعدا النحو والصرف، أخرج سائر الفنون، وبقي معنا النحو والصرف، التي ليست بإعرابٍ أخرج النحو، هذا على جهة الإجمال، أما على جهة التفصيل فنقول: قوله: علمٌ العلمُ يُطلق في استعمال العلماء على أحدِ ثلاثة معانٍ: الأول: الإدراك, والثاني: المسائل, والثالث: الملكة، قد يُراد في بعض المواضع بلفظ العلم الإدراك وهو معناه الأصلي في لغة العرب،
الْعِلْمُ إِدْرَاكُ الْمَعَانِي مُطْلَقاً

هذا هو الأصل, العلم هو إدراك المعاني مطلقاً، يعني سواء كان المعنى المدرك من جهة المفردات أو من جهة التراكيب، إذاً المعنى الأول للعلم هو الإدراك وهو المراد هنا. المعنى الثاني: المسائل، نفس المسائل التي يُبحث عنها في ذلك الفن, المعنى الثالث: الملكة التي يُِحصّلها الصرفي أو النحوي من ممارسة العلم. إذاً نقول: علم المراد به الإدراك، ما معنى الإدراك؟ وصول النفس إلى المعنى بتمامه، وهذا الوصول وصول النفس إلى المعنى أو الإدراك قد يكون مُتعلقه مفرد بيت، تعرف كلمة "بيت" معناها تعرف كلمة "مسجد" تعرف كلمة "قام" نقول: هذا إدراك للمعنى، هل هو إدراك معنى مُفرد أو مركب؟ نقول: مفرد، هذا الذي يُسمى بالتصور، قال الأخضري:
إِدْرَاكُ مُفْرَدٍ تَصَوُّراً عُلِمْ ... وَدَرْكُ نِسْبِةٍ بِتَصْدِيقٍ وُسِمْ


إن كان الإدراك للمعنى، فهمك للمعنى، أنت تسمع اللفظ، فيطلق المُتكلم الألفاظ أنت تفهم الكلمة هذه مُراداً بها معنى كذا، هذا يسمى بالتصور، إن كان مُتعلق الإدراك الذي وصلت إليه نفسك أو فهمته أو تعقلته إن كان مأخوذاً من جُملة اسمية أو جملة فعلية يُسمى تصديقاً.
إِدْرَاكُ مُفْرَدٍ تَصَوُّراً عُلِمْ ... وَدَرْكُ نِسْبَةٍ بِتَصْدِيقٍ وُسِمْ

(عِلْمٌ) إذاً هذا إدراك، هل فن الصرف بحث في المفردات، من جهة كونه علما هل هو بحث في المفردات أو بحث في قواعد عامة؟ نقول: الثاني. لذلك قال علمٌ بأصول، الأصول جمع أصل، وعدَّ العلم هنا بالباء مع أنه يتعدى بنفسه وبحرف الجر، {يَعْلَمُ مَابَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ} [البقرة:255]، {يَعْلَمُ مَابَيْنَ أَيْدِيهِمْ} تعدى مادة العلم بنفسها، {أَلَمْ يَعْلَم بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى} [العلق:14] تعدى بحرف الجر، علم يتعدى بنفسه، وقد يتعدى بحرف الجر، ويحتمل أنه ضُمِّن معنى أحاط، والإحاطة تتعدى بحرف الجر وهو الباء، {وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ} {وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ} تعدى بالباء، والتضمين: هو أن يُشرَب لفظٌ معنى لفظ آخر، كأنه قال إحاطةٌ بأصول، بأصول: نقول أصول: جمع أصل، وهو في اللغة: ما يُبنى عليه غيره، قال العمريطي:
فَالْأََصْلُ مَا عَلَيْهِ غَيْرُهُ بُنِي ... وَالْفَرْعُ مَا عَلَى سِوَاهُ يَنْبَنِي

أما في الاصطلاح فيُطلق على أربعة معانٍ المراد بها معنا هنا في هذا الحد: القاعدة المستمرة، إذاً المراد هنا إدراك بأصول، والمُراد بالأصول هنا القواعد؛ والقواعد جمع قاعدة، والقاعدة: هي الأمرٌ الكلي، أو قضية يُتعرفُ بها أحكام ُ جزئيات موضوعها. قضيةٌ كليةٌ يُتعرف بها أحكام جزئيات موضوعها.
قضية المراد بها: الخبر، والمراد بالخبر: المبتدأ مع خبره عند النحاة، والفعل مع فاعله أونائبه. لذلك يسمى في اصطلاح المناطقة الخبر يسمى قضية، والخبر عند البيانيين ما احتمل الصدق والكذب لذاته.
مُحْتَمِلٌ لِلصِّدْقِ وَالْكِذْبِ الْخَبَرْ
وَغَيرُهُ الْإِنْشَا وَلَا ثَالِثَ قَرْ

إذاً عند الجمهور البيانيين أن الكلام إذا احتمل الصدق والكذب فهو خبر، وإلا فهو إنشاء، هنا المراد بالقضية الخبر، إذاً حُكمٌ كُلي قضية، القضية هذه المبتدأ والخبر يحتمل أنها جُزئية، ويحتمل أنها كُلية، جزئية يعني يكون الحُكم متعلقاً بشخص بفردٍ واحدٍ معين، "جاء زيد" إثبات الحكم وهو المجيء لفرد معين وهو زيد، هذه تسمى قضية جزئية. "جاء رجُلٌ" رجل هذا مشترك لا يتعين أو لا يختص بفردٍ دون غيره، نقول: هذا قضيةٌ كُليةٌ، إذاً ما كان اللفظ خاصاً من جهة المدلول يسمى اللفظ المفرد يسمى جزئياً، وإن كان يُفهم اشتراكاً بين من أُطلق عليه وغيره يسمى كلياً.
فَمُفْهِمُ اشْتِرَاكٍ الكُلِّيُّ ... كَأَسَدٍ وَعَكْسُهُ الجُزْئِِيُّ


قضية كليةٌ إذاً كلية أخرج القضايا الجزئية؛ لأن البحث في العلوم إنما يكون للقضايا الكلية التي تنطبق على سائر أبواب الفن، علمٌ بأصول أو قضية كلية يتُعرف بها أحكام جزئيات موضوعها؛ لأن الموضوع كما قلنا: هو كُلي لا يختص بفردٍ دون غيره، إذا أريد أن يُحكم على بعض أفراد موضوعها لابد من وضعه في مقدمة صغرى وأخرى كبرى تحصل بها النتيجة، لذلك نُرجئ هذا الكلام نقول: قضيةٌ كُلية يُتعرف بها أحكام جزئيات موضوعها. من القواعد العامة عندهم: أن الواو والياء - الآن بحثنا في فن الصرف، عند النحاة نقول: الفاعل مرفوع، هذا قضية عامه كلية، كل فاعل مرفوع، جاء زيد، نقول: زيد هذا فاعل، طبقنا عليه حد الفاعل. ما حكمه من جهة الإعراب هل هو مرفوع؟ هل هو منصوب؟ نقول: زيدٌ من قولك جاء زيدٌ فاعل، والقاعدة العامة: أنَّ كل فاعل مرفوع إذاً زيدٌ مرفوع - عند الصرفيين يُقال: إذا تحركت الواو وانفتح ما قبلها قُلبت ألفاً. أيُ واو، هل هي من قال قَوَلَ أو من غيره؟ لا، قاعدة عامة: فإذا جئت إلى اللفظ قَوَلَ لأنه مأخوذ من القول نقول: قول هذه واو تحركت وانفتح ما قبلها، ما هي القاعدة؟ ماذا نصنع؟ هل نُبقي الواو كما هي؟ نقول: لا, عندنا قاعدة عامة تنطبق على قَوَلَ وعلى غيرها؛ إذاً قَوَلَ فعل ماضٍ عينه واوٌ تحركت الواو وانفتح ما قبلها فقلبت ألفاً. لم؟ لأن القاعدة العامة التي تشمل هذا المفرد وغيره أن الواو أو الياء إذا تحركتا وانفتح ما قبلهما قُلبت الواو أو الياء ألفاً، بَيَعَ نقول: الياء هذه تحركت وانفتح ما قبلها نقلبها ألفاً, لم؟ لأن القاعدة العامة عند الصرفيين التي تنطبق على هذا المثال وغيره أن الياء إذا تحركت وانفتح ما قبلها قُلبت ألفاً. إذا اجتمعت الواو والياء وسبقت إحداهما بالسكون وجب قلب الواو ياءً وإدغام الياء في الياء، سيّد على وزن فَيْعِل أو فَعْيَل على خلاف، "سَيْوِد" اجتمعت الياء والواو، سَيْوِد فَيْ الياء ساكنة، وسيوِد بكسر الواو، نقول: اجتمعت الواو والياء وسبقت إحداهما بالسكون وجب قلب الواو ياءً وإدغام الياء في الياء، فنقول: "سيّد". ميّت مَيْوِت مَوْيِت على خلاف, نقول: اجتمعت الواو والياء وسبقت إحداهما بالسكون فوجب قلب الواو ياءً وإدغام الياء في الياء. إذاً القاعدة العامة نطبقها على أفرادها. قضية كليةٌ التي هي مثل ماذا؟ إذا تحركت الواو وانفتح ما قبلها. قضية كلية يتعرف بها بواسطتها، باستعمالها، بتطبيقها أحكام جزئياتِ موضوعها يعني أفرادها، الواو إذا تحركت أيُّ واو؟ كلما وجدت في أي فرد من الكلمات خاصة الأفعال كل ما وجدت الواو متحركة منفتح ما قبلها نقول: وجب قلبها ألفاً.


عِلْم بأصولٍ، نقول: أصول هذا المراد به جمع أصل، والمراد: القاعدة، وقد يُسمى عند بعضهم بالأصل كما ذُكر هنا، أو بالأساس، أو بالقانون، أو بالضابط، كلها ألفاظ من جهة الاصطلاح مترا دفة. علمٌ بأصول إذا تعلمنا هذه الأصول وجمعناها من كتب الصرف ماذا يحصل بها؟ قال: علمٌ بأصول يُعرف بها، هنا غاير، في الأول قال: علم، وهنا قال: يُعرف، لم؟ من جهة الاستعمال عندهم عادة وإن كان فيه خلاف من جهة اللغة أن العلم يُستعمل في الكليات، وأن المعرفة تُستعمل في المواد والجزئيات، لذلك غاير بينهما. علمٌ بأصول هذه قواعد عامة، الإدراك المتعلق بالقواعد العامة يُسمى علماً، والإدراك المتعلق بالمواد والجزئيات والأفراد يُسمى معرفةً، وإن كان عند أكثر أهل اللغة أن العلم والمعرفة مترادفان. وغاير بعضهم بينهما أن العلم ما لم يُسبق بجهلٍ، والمعرفة ما سبقت بجهل، على خلاف في هذه المسألة.
علمٌ بأصول يُعرف بها أحوال أبنية الكلم، المُراد بأبنية الكلم كما سبق، أبنية جمع بناء والمُراد به الوزن والزنة والصيغة التي عبّرنا عنها بهيئة الكلمة ترتيب أو عدد حروف الكلمة وترتيبها وحركاتُها المعينة وسُكونها وما فيها من حروف أصلية أو زائدة كلٌ في موضعه هذا يُسمى بناءً، أحواله هو ما يعتري هذه الأبنية من جهة كيفية صياغة هذه الأبنية، إذا أريد فعل الأمر من الضرب كيف نأتي به؟ إذا أردنا الفعل المضارع للمتكلم أو للمتكلمين أو للغائب كيف نأتي به من الضرب؟ هذه أحوال وصيغ، إذا أردنا الفعل الأمر من الضرب كيف نأتي به؟ إذا أردنا اسم الفاعل، إذا أردنا اسم المفعول، إذا أردنا اسم الآلة، إذا أردنا اسم الزمان أو اسم المكان من هذا اللفظ الضرب كيف نأتي به؟ نقول: هذا يتعلق ببنية الكلمة، هذه الكلمة قد يعتريها أحوال أخرى، منها هل هي صحيحة الحروف أم لا؟ هل كلها الحروف صحيحة أم لا؟ يعني هل فيها حرف علة أم لا؟ وإن كان فيها حرف علة هل يعتري هذا الحرف العلة إعلال أو قلب أو حذف؟ أو هناك همز قد يخفف، أو من جهة الابتداء، أو من جهة الإمالة؟ نقول: هذا البحث كله ينظر في فن الصرف.
علمٌ بأصولٍ يعرف بها أحوالُ، وأحوال هذه جمع حال، والمراد به الصفة، صفة هيئة أبنية الكلمة أوالصفة هي نفسها الهيئة، يُعرف بها أحوال يعني صفة أبنية الكلم، الكلم هذا اسم جنس واحدهُ كلمة، وسيأتي المراد بالكلمة؛ لأن الكلمة ثلاثةُ أنواع: اسمٌ، وفعلٌ، وحرفٌ، هل فن الصرف يبحث في هذه المفردات الثلاثة أم لا؟ سيأتي في الموضوع.


التي ليست بإعراب هذا لإخراج فن النحو، لم؟ لأن مبحث النحو في أحوال الكلمة لكن من جهة آخرها؛ لأن الرفعَ صفةٌ للكلمة، والنصبَ صفةٌ للكلمة، والجر والسكون والجزم هذا صفةٌ للكلمة، إذاً هو حالٌٌ من أبنية الكلم يتعلق بآخر الكلم؛ لأن قوله: أحوال أبنية هذا يشمل الأول والوسط والآخر، الأول والوسط لا مبحث للنحاة فيه، إنما مبحثهم في الآخر، قد يكون متعلق الحرف الآخر ما يتعلق بالصرف دون النحو، وقد يكون متعلق بالنحو دون الصرف، يضربُ زيدٌ، يضربُ الضمة هذه صفةٌ للفعل المضارع، ما الذي أحدثها؟ عامل الرفع التجرد عن الجازم والناصب، إذاً هو هذا العامل الذي أحدث في هذه الكلمة يضرب أين؟ في أولها أم في أوسطها؟ نقول: في آخرها، من أي جهة؟ من جهة إحداث علامة تدل على أنه مرفوع على مذهب الكوفيين أن الإعراب معنوي، يضرب آخره؟ الباء، صفته؟ الضمة، {قُمِ الَّيْلَ} [المزمل:2]، اضربِ الرجل، (قُمِ) آخر (قُمِ) الميم، ما حركته؟ السكون أو الكسر؟ السكون والكسر؟! لا، السكون، آخره السكون؛ لم؟ لأنه فعل أمرٍ مبني على السكون، أين هو؟ مقدر، لم قدر؟ للتخلص من التقاء الساكنين. إذاً الكسر هذا هل هو مبحث النحويين أم مبحثُ الصرفيين؟ مبحث الصرفيين مع كونه تعلق بحال في آخر الكلمة وهو الميم، نقول: إذاً قد يشترك النحاة والصرفيون في البحث عن حاله وصفته وهيئته أعني الآخر لكن الجهة تختلف؛ جهة بحث النحويين من كون هذه الكلمة قد طلبها عاملٌ وأثر هذا العامل لا يظهر إلا في آخر الكلمة، وأما بحث الصرفيين فهو لامن جهة كون العامل قد أحدث في آخر هذه الكلمة، وإنما من جهة أخرى كالتقاء الساكنيين {قُمِ الَّيْلَ} [المزمل:2]، أو من جهة الإدغام {قَالَت طَّائِفَةٌ} [آل عمران:72]، {أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ} [الأعراف:160]، نقول: هذا إدغام تعلق بآخر الكلمة، هل هو من مباحث الصرفيين أو النحويين؟ نقول: هو من مباحث الصرفيين لا من مباحث فن النحو؛ لأن صفة الحرف الأخير لا من جهة كونه مطلوباً لعامل يظهر أثر هذا العامل في آخر الكلمة وإنما من جهة الإدغام هذا هو حدُ فن الصرف عند الصرفيين من جهة كونه علماً، ليس الذي تُطبقه، إنما الذي تعملهُ وتتمرس عليه وتتمرن عليه، هو تحويل الأصل الواحد، عملية تحول المصدر إلى غيره, تحول الفعل الماضي إلى الفعل المضارع، والمضارع إلى ماضٍ أو إلى أمر، أو تشتق اسم الفاعل أو اسم مفعول يعني بواسطة؛ لأن الاشتقاق يكون بواسطة ويكون مباشرة من المصدر، إذا عرفنا هذا حد الصرف العلمي والعملي نقول: ما موضوع فن الصرف؟ في أي شيء يبحث؟ نقول: موضوع فن الصرف هو الألفاظ أو المفردات العربية, من أي جهة؟ نقول: من جهتين:
المبحث الأول: في كيفية صياغتها لإفادة المعاني. كيف نصُوغ الفعل الماضي من الضرب؟ كيف نصوغ الفعل المضارع إذا أردت به المتكلم؟ كيف تأتي باسم الفاعل وعلى أي زنة؟
على زنة فاعل، على زنة أفعل، على زنة فَعِل؟ الوقوف على هذه الكيفيات من مباحث فن الصرف.


المبحث الثاني: يبحث عن الأحوال العارضة لهذه الأبنية، لأنك تقول من القول تأتي به على وزن فَعَلَ على المبحث الأول أردت أن آتي بالفعل الماضي من القول وهو المصدر أريد أن أحوله إلى فِعْلٍ ماضٍ قلت (قَوَلَ) على وزن (فَعَلَ) إذاً طبقت القاعدة الأولى أو المبحث الأول في فن الصرف في كيفية صياغة الأبنية لإفادة المعاني. أريد أن أُخبر عن القول أنه وقع في الزمن الماضي نقول: "قَوَلَ زيد" هذا الأصل لكن نظرنا فإذا هناك حال وصفة وهيئة اعترت الصيغة والبنية وهو كون عين الكلمة واواً تحركت وانفتح ما قبلها. فنقول وجب قلبها ألفاً إذاً نقول تعلق المبحثان بهذا المثال؛ كيفية صياغة الفعل الماضي من القول أتي به على وزن فَعَلَ - هذا هو القاعدة - اعترى هذا الوزن حال وصفة وهيئة لابد من تغييرها. إذاً حصل تغيير. الصرف في اللغة هو التغيير غيرنا قَوْلٌ إلى (قَوَلَ) ولكن يحتاج إلى تغيير آخر وهو من (قَوَل) إلى (قال) إذاً علمُ الصرف يبحث في المفردات العربية من جهتين:
أولاً: البحث عن كيفية صياغة هذه الأبنية لإفادة المعاني الخاصة إذا أريد التفضيل نأتي به على أي وزن نقول: (أفعل) نقول "زيدٌ أكرم من عمرٌ" من أين أخذت أكرم؟ هذا هو فن الصرف كذلك قد يعتري هذه الأبنية أحوال كالحذف والقلب وتخفيف الهمزة والإبدال والإمالة إلى آخره. المفردات العربية هو مبحث فن الصرف المفرد المراد به هنا كلمة والكلمة قولٌ مفرد وهي ثلاثة أنواع (اسمٌ وفعلٌ وحرفٌ) هل هذه الثلاثة بجميع أنواعها هي مبحث الصرفيين أم هناك تفصيل, نقول هناك تفصيل. ليس كل مفرد يدخل في فن الصرف. بل المقصود بالألفاظ أو المفردات العربية نوعان لا ثالث لهما، وهو الاسم المتمكن والفعلُ المتصرف.
الكلمة أنواع: اسمٌ وفعلٌ وحرفٌ، الاسم نوعان: معرب ومبني،
وَالاِسْمُ مِنْهُ مُعْرَبٌ وَمَبْنِي

معرب، المعرب هذا يسمى عند النحاة الاسم المتمكن، يعني متمكن في باب الإعراب، المتمكن هذا ينقسم إلى قسمين: متمكن أمكن ومتمكن غير أمكن، الثاني هو الممنوع من الصرف، النوع الثاني من أنواع الاسم هو المبني الذي أشبه الحرف شبهاً قوياً، قال ابن مالك - رحمه الله -:
وَالاِسْمُ مِنْهُ مُعْرَبٌ وَمَبْنِي ... لِشَبَهٍ مِنَ الْحُرُوفِ مُدْنِي

النوع الثاني: هذا لا مبحث للصرفيين فيه، يعني الاسم المبني لا يدخل معنا أصلاً، وإنما الذي يدخل معنا هو الاسم المتمكن، إذاً الاسم هل كل اسم يبحث عنه الصرفيون؟ الجواب لا، الاسم قسمان: متمكن وهو المعرب، وغير متمكن وهو المبني، الثاني لا مبحث للصرفيين فيه. إذاً نقول: المفردات المراد بها الاسم المتمكن.
النوع الثاني: الفعل، الفعل من جهة التصرف وعدمه نوعان: فعلٌ متصرف وفعلٌ جامد، الأول: هو الذي يدخله صرف، لأن الفعل المتصرف هو المشتق، إذاً هو مأخوذ من غيره، والذي يؤخذ من غيره هو الذي يَبحث عنه الصرفيون، تحويل الأصل الواحد، وهنا ليس عندنا تحويل، الفعل الجامد ليس فيه تحويل، إذاً لا مبحث للصرفيين في الفعل الجامد، إذاً خرج الفعل الجامد كما خرج الاسم المبني.


الحرف بجميع أنواعه لا مدخل للصرفيين فيه، سواء كان مشتركاً أو خاصاً، عاملاً أم لا، نقول: لا مبحث للصرفيين فيه. إذاً اختص مبحث الصرفيين في نوعين: الاسم المتمكن وهو المعرب، والاسم المبني لا دخل لنا فيه، النوع الثاني: الفعل المتصرف، لذلك قال ابن مالك:
حَرْفٌ وَشِبْهُهُ مِنَ الصَّرْفِ بَرِي ... وَمَا سِوَاهُمَا بِتَصْرِيفٍ حَرِيّ

حَرْفٌ وَشِبْهُهُ, المُراد بالشبه: الفعل الجامد أشبه الحرف في كونه جامداً، حَرْفٌ وَشِبْهُهُ مِنَ الصَّرْفِ بَرِي تبرأ من الصرف، وَمَا سِوَاهُمَا الذي هو الاسم المتمكن والفعل المتصرف، بِتَصْرِيفٍ حَرِيّ جديرٌ وحقيقٌ أن يُتصرف فيه؛ لأن مبحث الصرفيين في هذا الفن، يرد إشكال، قلنا: الاسم المبني لا مبحث للصرفيين فيه، سمع من كلام العرب في (ذا وتا والذي والتي)، (ذا) اسم إشارة لمفرد، و (تا) اسم إشارة، الأول مفرد مذكر، والثاني اسم إشارة لمفرد مؤنث، (الذي) هذا اسم موصول لمفرد مذكر، (التي) اسم موصول لمفردة مؤنثة، قال ابن مالك:
بِذَا لِمُفْرَدٍ مُذَكَّرٍ أَشِرْ ... بِذِي وَذِهْ تِي تَا عَلَى الأنْثَى اقْتَصِرْ

مَوْصُولُ الاسْمَاءِ الَّذِي الأنْثَى الَّتي ... وَالْيَا إِذَا مَا ثُنِّيَا لَا تُثْبِتِ

ذكرنا فيما سبق أن التثنية والتصغير من مباحث الصرف، سمع من كلام العرب أنهم ثنوا (ذا وتا) فقالوا: ذانِ رفعاً، وذينِ نصباً أوجراً، وتانِ رفعاً، وتينِ نصباً أوجراً، اللذانِ رفعاً، واللذينِ نصباً أو جراً، واللتانِ رفعاً، واللتينِ نصباً أو جراً، كذلك سمع تصغيرها، ذَيَّا تصغير ذا، تَيَّا تصغير تا، اللَذَيَّا تصغير الذي، اللَتَيَّا تصغير التي، ما الجواب على هذا؟ نقول: الجواب من جهتين: الأولى: المنعُ، ما هو المنع؟ هو أن تمنع لا تُسلم، الاسم المفرد إذا كان مختوماً بألف وكان ثُلاثياً وجب قلب الألف واوً، إذا كانت مُنقلبة عن واو أو قلب الألف ياء إذا كانت منقلبة عن ياء أو قلبها واوً إن جهل حالها "ذا" على مذهب البصريين؛ حرفٌ أصلي من ذات الكلمة جُهل حالها، إذاً إذا كانت التثنية تثنيه حقيقية لوجب أن يُقال في (ذا ذوان رفعاً, وذوينِ نصباً أوجراً) ولكن ما قيل هذا،! قيل: ذانِ، ما قلبت الألف واواً، ولو كانت مثناة حقيقة لقلبت كما قيل في (عصا عصوانِ رفعاً, وعصَوينِ نصباً وجراً). إذاً ذانِ وتانِ ليست مُثناه حقيقةً، إذ لو كانت مُثناة لوجب قلب الألف واوً فقيل: (ذوانِ وتوان). الذي هذا مختومٌ بياء، القاضي كيف تثنيه؟ القاضيان؛ نُبقي الياء، وهنا (الذي اللذانِ) حُذفت الياء لو كانت التثنية هذه حقيقة لقيل: (اللَّذَيانِ واللتيانِ، واللذيينِ واللتيينِ) بإثبات الياء ولكن ابن مالك يقول:
مَوْصُولُ الاسْمَاءِ الَّذِي الأنْثَى الَّتي ... وَالْيَا إِذَا مَا ثُنِّيَا لَا تُثْبِتِ


لم؟ لأنه هكذا سُمع من لغة العرب، إذاً نقول: الأول المنعُ؛ نمنع أن تكون هذه الألفاظ مُثناة حقيقة أو مصغرةً حقيقة، أما التثنية فكما سبق، لو كانت ذا وتا مُثناةً لقلبت الألف واوً، ولم تُقلب، ولو كانت الياء في اللذان واللتان مُثناة حقيقة لأبقيت الياء كما أبقيت في (القاضي قاضيان قاضيين)، ذَيَّا وتَيَّا واللَذَيَّا واللَتَيَّا، نقول نمنع أن تكون تصغيراً حقيقة، إذ لو كانت مصغرة لجرت على السنن المطرد من لغة العرب، لوجب ضم أوله، قال الحريري:
وَإِنْ تُرِدْ تَصْغِيرَ الِاسْمِ الْمُحْتَقَرْ ... إِمَّا لِتِهْوِانٍ وَإِمِّا لِصِغَرْ
فَضُمَّ مَبْدَاهُ لِهَذِيْ الْحِادِثَهْ ... وَزِدْهُ يَاءً تَبْتَدِيهَا ثَالِثَهْ

(ذَا ذَيَّا) ما ضُم أوله، إذاً لم يجر على القاعدة العامة والسنن المُطرد من كلام العرب، إذاً ليست مصغرة حقيقة. فالجواب الأول هو المنع، وهذه الألفاظ صيغٌ وضعت من أول الأمر للدلالة على الاثنين أو المصغر، ليست مُثناةً وليست مُصغرةً، وإنما وضعتها العرب هكذا ابتداءً للدلالة على الاثنين والتصغير، فاللذانِ ونحوها يدلّ على الاثنين، والتصغير على المصغر.
الجواب الثاني: نقول: سلمنا أنها مُثناةٌ حقيقة، وأنها مفرد وثُنيت، ولكنها ألفاظٌ شاذة من جهتين: من جهة الإقدام عليها ومن جهة صورتها؛ لأن المثنى إذا أردنا أن نُثنيه يُشترط أن يكون مُعرباً، والمبني لا يُثنى، إذاً من جهة الإقدام كونك تنوي أن تُثني ذا هذا خطأٌ شاذ؛ لأن ذا من أسماء الإشارة، والذي من الأسماء الموصولة وهي مبنية, إذاً من حيث الإقدام لو تجاوزت وتقحّمت وخالفت الأصل الأول كان ينبغي أن تأتي به على السنن المُطرد، فتقلب الألف واواً وتُثبت الياء أيضاً، خان من جهة الصورة، ويكون الشذوذ من جهتين: من جهة الإقدام عليها ومن جهة صورتها، إذاً هي ألفاظ تُحفظ ولا يُقاس عليها، وهل مبحث الصرفيين فيما هو المُطرد العام أو فيما شذ؟ الأول، لذلك قال الحريري:
(وَشَذَّ) يعني خرج عن القياس
وَشَذَّ مِمَّا أَصَّلُوهُ ذَيَّا ... تَصْغِيرُ ذَا وَمِثْلُهُ اللَّذَيَّا

وشذَّ ممَّا أصّلوه من الأصل أن يُضم أوله وتُزاد ياء بعد الثاني ساكنة،
فَضُمَّ مَبْدَاهُ لِهَذِيْ الْحِادِثَهْ ... وَزِدْهُ يَاءً تَبْتَدِيهَا ثَالِثَهْ

وهُنا خالف. ثم قال:
وَلَيْسَ هَذَا بِمِثَالٍ يُحْذَى ... فِاتَّبِعِ الأَصْلَ وَدَعْ مَا شَذَّا

إذاً الحاصل من هذا إن موضوع علم الصرف هو الألفاظ المفردة أو المفردات العربية (الاسم المتمكن والفعل المتصرف)، الاسم المبني لا مبحث للصرفيين فيه، الفعل الجامد لا مبحث للصرفيين فيه، الحرف بأنواعه لا مبحث للصرفيين فيه.
مسائل هذا الفن وما يُذكر فيه من أبواب مما سيأتي إن شاء الله.
صيغ الثلاثي: كيف يؤتى بالفعل المضارع؟ يعني طريقة أخذ الفعل المضارع من الماضي، طريقة صوغ الفعل الأمر من المضارع، اسم الفاعل اسم المفعول، اسم الزمان واسم المكان، هذه كلها سيُبحث عنها في فن الصرف، في أول الفنون لا تكون مُشتملة على جميع الأبواب.


حكمه: فرض كفاية؛ لأنه من العلوم العربية، وتعلم العلوم العربية نحواً وصرفاً وبياناً مما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، كما قرره الأصوليين؛ لأن فهم الكتاب والسنة لا يتم إلا بفهم لغة العرب، وفهم الكتاب والسُنة واجبٌ, وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب, وهذا يُقرر في مباحث شروط المُجتهد، يعني إذا أردت الحكم على اللغة العربية وكلام العلماء فيه تبحثه في كتاب الأصول في كتاب الاجتهاد في البحث عن شروط المجتهد، لا بد أن يكون ذا درجة وسطى لغةً ونحواً وصرفاً.
واضعه: المشهور عند المُتأخرين أنه "أبو مُسلم"، وقيل "أبو علي مُعاذ بن مُسلم الهرّار"، هذا عن المُتأخرين يكاد يكون إطباق أنه واضع فن الصرف، ولكن الصحيح أنه "أبو الأسود الدؤولي"، واضع فن النحو هو واضع فن الصرف؛ لأن أبا معاذ هو أول من أفرد فن الصرف بكتاب أو بمباحث خاصة، وإلا كان موجوداً، لذلك كتاب سيبويه اشتمل على النحو وعلى أبواب كثيرة في فن الصر، لذلك فهو سابقٌ على أبي مُعاذ، فدل على أن واضع فن النحو هو عينه واضع فن الصرف، وقد كان علمُ الصرف يبحث في مباحث اللغة عامة نحواً وصرفاً وبياناً وإخبارياً وتاريخ، وكلها تبحث في موضوع واحد يؤتى بهذا وذاك، ثم بعد ذلك انفرد علم النحو والصرف، ثم بعد ذلك انفرد فن الصرف، هذا أهم ما يُذكر في مبادئ هذا الفن، وسنأتي الشروع في المتن. نقف على هذا.
وصلى الله على وسلم نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.