شرح نظم المقصود عناصر الدرس
الميزان الصرفي وفائدته وكيفيته.
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن
سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له, وأشهد أن
لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله
صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً .. أما بعد ..
ثم قال:
فِعْلٌ ثُلاَثِيٌّ إِذَا يُجَرَّدُ ... أَبْوَابُهُ سِتٌّ كَمَا
سَتُسْرَدُ
(فِعْلٌ ثلاثيٌ) قبل الشروع في هذا البيت، لابد من معرفة مقدمة عند
الصرفيين، وهي ما يسمى بالميزان الصرفي، الميزان الصرفي؛ لأنه قال:
فِعْلٌ ثُلاَثِيٌّ إِذَا يُجَرَّدُ ... أَبْوَابُهُ سِتٌّ كَمَا
سَتُسْرَدُ
هذا يتضمن أن الطالب لابد أن يَعْرِف أولاً ما هو الميزان الصرفي، سبق
أن عِلْم الصرف يبحث في الكلمة العربية: أسماء المتمكنة والأفعال
المتصرفة، من جهةِ صياغتها، ومعرفة الأحوال الطارئة، ما هي الأحوال
الطارئة؟ هيئة الكلمة: حركاتها وسكناتها، ومعرفة الزائد مِن الأصلي،
ومعرفة المتقدم مِن المتأخر، لما رأى الصرفيون أن مبحثهم يتعلق بهذه
أوبالكلمات من جهة معرفة هيئة الكلمة، وعدد حروفها، وترتيبها، والمتقدم
منها والمتأخر، والحرف الزائد من الأصلي، رأوا أنه لابد من ميزان توزن
به هذه الأسماء المتمكنة وهذه الأفعال المتصرفة، فأوجدوا - يعني
اخترعوا - ميزاناً أطلق عليه الميزان الصرفي، الميزان: هذا مأخوذ من
الوزن، أصله: مِوْزان، سكنت الواو وكُسِر ما قبلها فقلبت ألفاً؛ لأنه
مأخوذ من الوزن، معرفة كما يقال الوزن: معرفة قيمة أوكِمية الشيء، فهنا
يوزن أو توزن هذه الكلمات لمعرفة حركاتها وسكناتها، والحرف الزائد من
الحرف الأصلي، والمتقدم من المتأخر، إذاً نقول: السبب في إيجاد واختراع
هذا الميزان الصرفي ليُتوصل به - ليتوصل - بهذا الميزان الصرفي إلى
معرفة هيئات حركات الكلمات هل هي فتحة أو كسرة، هل هي ضمة أم لا، أيضاً
معرفة الحرف الأصلي من الزائد، ومعرفة المتقدم من المتأخر، ولذلك بعضهم
حصر اختراع الميزان الصرفي في نقطتين:
النقطة الأولى: أن يُفرّق بين الحرف الأصلي
والزائد في الأكثر، باختصار، في الأكثر؛ لأنه في بعض الأحوال قد لا
يتميز من الوزن كما في التكرير - كما سيأتي -، وأن يكون باختصار،
لماذا؟ لأنك إذا قلت: اِسْتَغْفَرَ على وزن اِسْتَفْعَلَ، هذا فيه
اختصار؛ لأنك إذا أردت أن تميز الأصلي من الزائد من لفظ استغفر عليك أن
تقول: الألفُ والسينُ والتاءُ زوائد، والغين - استغفر - والفاء والراء
أصلية، هذا كلام طويل يحتاج إلى الاختصار، أن يكون هناك رمز بين
المُتكلِم والمُخاطب، وهذا لا يُخاطب به العوام، وإنما يُخاطب به أصحاب
الفن، فهو يعرف أنك إذا قلت: على وزن استفعل أن الفاء والعين واللام هي
الأصلية، وما عداها فهو حرفٌ زائد، إذاً نقول: يُفرَّق بين الحرف
الأصلي والزائد في الأكثر باختصار بواسطة هذا الميزان الصرفي، باختصار؛
لأنك لو لم تأتِ بهذا الميزان للزمك أن تُبين الحروف الأصلية من
الزائدة باللفظ، تُسِمي كل حرفٍ على حدة. في الأكثر؛ لأن الحرف المكرر
هذا يُكرر بجنس ما ذُكر قبلهُ، قَرْدَدَ يقولون: قردد هذه قَرْدَ على
وزن فَعْلَ هذه حروف أصلية، القاف والراء والدال الأولى حروف أصلية،
قَرْدَدَ الدال الثانية هذه زائدة، هي من جنس ما قبلها فنقول: في وزنه
على وزن فَعْلَلَ، بخلاف اِسْتَغْفَرَ على وزن اِسْتَفْعَلَ، هناك
مُيّز الحرف الزائد من الأصلي بذكر الوزن، استغفر على وزن استفعل، أما
قَرْدَدَ هل تميز الحرف الزائد من الأصلي بالوزن؟ نقول: لا, إذاً تمييز
وتفريق الحرف الأصلي من الزائد هذا في الأكثر، وقد لايكون هنُاك تمييز
بذكر الميزان الصرفي، وهذا في حالةٍ واحدة: وهي إذا كان الحرف الزائد
من جنس الحرف الأصلي, قَرْدَدَ على وزنِ فَعْلَلَ، اللام الأولى أصلية،
واللام الثانية زائدة، هل تميّز الزائد من الأصلي من بين الدالين؟
نقول: لا, إذاً التفريق يكون في الأكثر وباختصار لما ذُكر.
بيان النقطة الثانية في فائدة الميزان
الصرفي: هو بيان محل الأصلي، قلنا من مباحث فن الصرف: أن يُعرف المتقدم
من المتأخر، ففَعَلَ مثلاً قد يتقدم العين على الفاء عَفَلَ، وقد يتقدم
اللام على العين، أو على الفاء كما في أشياء على وزن لفْعَاء، إذاً كيف
نعرف المتقدم من المتأخر؟ نقول: بالميزان الصرفي، آدُر على وزن
أَعْفُلُ، آدُرْ جمع دار أدْور كما سيأتي، آدُر نقول: هذا جمع دار على
وزن أَعْفُلْ، وأيهما المتقدم العين أما الفاء؟ العين، لو قلت: آدُر
هكذا، هل فهمت أن العين متقدمة على الفاء؟ نقول: لا, لكن لما وُزِنْتَ،
وقيل: وزن آدُرْ أعفل، عرفنا أن المتقدم أن العين تقدمت على الفاء،
أَيِسَ أصلها: يَئِسَ، أيس على وزن عَفِلَ، أيس أصلها من اليأس، يَئِسَ
على وزن فَعِل، تقدمت العين على الفاء، لو قيل: أَيِسَ على وزن فَعِلَ،
قد يقول المبتدي: أَيِسَ على وزن فَعِل، نقول: خطأ، لِمَ؟ لأنه جعل
الفاء عيناً والعين فاءً، وإنما أيس على وزن عَفِلَ. إذاً نقول: ما
فائدة الميزان الصرفي؟ أمران: تفريق الحرف الزائد من الأصلي في الأكثر،
احترازاً من نحو الحرف المكرر، مثل قردد، باختصارٍ قلنا: لأنه لو لم
يؤتَ بالوزنِ للزِم أنْ نأتيَ بالزائدِ والأصلي نُطقاً ملفوظاً به،
تقول: الألف والسين والتاء زوائد، والغين والفاء والراء أصول، وهذا
تطويل.
النقطة الثانية نقول: بيان محل الأصل، لماذا؟ لأنه لا يلتزم دائماً أن
يكون الفاء متقدماً على العين، وأن يكون الفاء والعين متقدمين على
اللام, بل قد تتقدم العين على الفاء، أو اللام على العين أو على الفاء.
الكلمات التي توزن هذه الأصول لا تقِلُّ عن - أقول: الأصول - لا تقل عن
ثلاثة أحرف، ولا تزيد عن خمسةِ أحرف، لا تقل عن ثلاثة أحرف، ولا تزيد
عن خمسة أحرف. إذاً قد يكون الموزونُ ثلاثياً، وقد يكون رُباعياً، وقد
يكون وقد يكون خماسياً، هذه الحروف الأصول، الثُلاثي والرُباعي هذانِ
مُختصانِ بالأفعالِ، لا يكون الفعلُ خماسياً وحروفه أصول، لابد من حرفٍ
زائد، أما الأسماء فقد تكون ثلاثية، وقد تكون رُباعية، وقد تكون
خُماسية وهي أصول، جَحْمَرِشٌ، هذه جَحْمَرِشٌ كم حرف؟ خمسة أحرف، فهي
اسم وهي أصول، جحمرشٌ على وزن فَعْلَلِلٌ، نقول: الكلمات إما أن تكون
ثُلاثية، وإما أن تكون رُباعية، وإما أن تكون خُماسية، وضْعُ الميزان
الذي توزنُ بهِ الحروف إما أن يُراعى الثُلاثي، أو يُراعى الرُباعي، أو
يُراعى الخُماسي، لكن نجد أن الصرفيين وضعوا أصل الميزان على ثلاثةِ
أحرف فقالوا: فَعَلَ، إذاً اعتبروا ماذا؟ الثلاثي، ولم ينظروا إلى
الرباعي ولا الخماسي في أصل وضع الميزان، إنما وضعوا الميزان ثُلاثياً
نقول: لماذا؟ لكون أكثر الكلمات ثُلاثية، يعني لماذا اختاروا الثلاثي
دون الرباعي ولا الخماسي؟ نقول: باستقراء كلام العرب أن أكثر الكلمات
ثُلاثية، ثم يتلوها كلَّما ثَقُلت الكلمة على اللسان قَلَّت، فالثلاثي
لخفته كَثُرَ تكلُمهم به، ثم الرُباعي أقل من الثُلاثي وأكثر من
الخُماسي، ثم بعد ذلك يأتي الخُماسي، إذاً نقول: اختار الصرفيون في
أصلِ وضع الميزان أن يكون على ثلاثة أحرف, لماذا؟ لسببين:
السبب الأول: أن أكثر الكلمات ثُلاثية.
السبب الثاني: أنهم لو وضعوا الميزان الصرفي على أربعة أحرف وأرادوا
وزن الثُلاثي ماذا يلزمهم؟ يلزمهم أن يحذفوا حرفاً، وإذا وضعوا الميزان
على أربعة أحرف وأرادوا أن يزنوا به الخماسي لزمهم أن يزيدوا حرفاً،
ولو وضعوا الميزان الصرفي على خمسة أحرف وأرادوا وزن الرباعي لزِمهم أن
يحذفوا حرفاً، وإذا وضعوا الميزان الصرفي على خمسة أحرف وأرادوا أن
يزنوا به الثلاثي لزمهم أن يحذفوا حرفين. عندهم قاعدة: أن الزيادة أسهل
من النقصان، وبعضهم يعبر بأن الزيادة أصلٌ والنقصانَ فرعٌ. إذا اعتبرنا
هاتين الكلمتين أن الزيادة أسهل من النقصان أو أن الزيادة أصلٌ
والنقصان فرعٌ، نقول: ما الذي إذا وضع عليه ثلاثياً أو رُباعياً أو
خماسياً يلزمه الزيادة دون النقصان؟ ليس عندنا إلا الثُلاثي؛ لأن
الثلاثي إذا وضعت الميزان على ثلاثةِ أحرف ثم وزنت به الرُباعي زدته
حرفاً، وإذا وزنت به الخماسي زدته حرفين، إذاً هل هناك حذف نُقصان؟ لا،
إنما هو زيادة، وهذا عندهم أسهل من النقصان، لو وضع الميزان على أربعة
أحرف وأريد أن يوزن به الثلاثي نقص منه حرف، لو وضع على خمسة أحرف
وأريد أن يوزن به الرباعي أو الخماسي لابد من حذف حرف أو حرفين، إذاً
ارتكابُ ما يؤدي إلى المحافظة على الأصل وهو كون الميزان ثلاثياً أولى
من ارتكاب ما هو فرع وهو وضع الميزان رُباعياً أو خماسياً ثم بعد ذلك
يطرأ عليه النقصان وهو فرعٌ عن الزيادة. واضح هذا؟. نقول إذاً: لماذا
جُعل الميزانُ الصرفي ثلاثياً إذا كانت الكلمات العربية التي توزن
ويدخُلها الصرف قد تكون من جهة الأصول قد تكون ثلاثية، وقد تكون
رُباعية وهي أصول، وقد تكون خماسية وهي أصول، لماذا اختير الثلاثي؟
نقول لسببين:
السبب الأول: أن أكثر الكلمات ثلاثية. هذا الأول.
الثاني: أننا لو وضعناه رُباعياً أو خماسياً لابد من نقص حرفٍ أو
حرفين، أما لو وضعناه ثلاثياً فليس عندنا نقصٌ، وإنما هو زيادة حرفٍ أو
حرفين، وهذا متى؟ إذا وزن بالثُلاثي الرُباعي أو الخُماسي، وعندهم
الزيادةُ أصلٌ والنقصان فرعٌ، فالتزموا ما يؤدي إلى الأصل وهو كون
الميزان ثُلاثياً، واجتنبوا ما يؤدي إلى الفرعِ وهو كون الميزان
رُباعياً أو خماسياً، إذا علم هذا يأتي السؤال: لماذا اختاروا الفاء
والعين واللام؟ لماذا قالوا: فعل، ولم يقولوا: عسل مثلاً؟ كتب على وزن
لسع، لماذا اختير الفاء والعين واللام؟
قيل: المخارج ثلاثة، وأريد أن يشارك كل مخرجٍ بحرف، فقيل فَعَلَ. هذا
أولاً.
ثانياً: أن معنى الفعل أعمُ الأفعال، يعني
معنى فعل أعم الأفعال بمعنى أنه يصح استعماله في معنى كل حدث، يصحُ
استعمال لفظ فعل في معنى كل حدث، هل صمتَ؟ فتقول: فعلتُ، صح أن يعبر عن
الصوم بفعل، هل نُمت؟ تقول: فعلتُ، هل أكلت؟ فعلتُ.، هل درست؟ فعلت،
إذاً كل حدث يصح أن يستعمل لفظ فَعَلَ في الدلالة عليه، ولذلك جاء قوله
تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ} [المؤمنون:4]،
والأصل: مُزكون، ولكن عُبِّر بفاعلون لأنه يصدق على الزكاة أنها
فِعْلٌ، كما يصدق على الصومِ ونحوهِ، وهذا في الفعل، ونقول: حمل الاسم
على الفعل لأن الفعل هو الأصل في التصريف. إذاً عرفنا الآن ثلاثة
مباحث.
أولاً: ما الفائدة من الميزان الصرفي؟
لماذا جعل الصرفيون ميزاناً صرفياً؟ وقلنا: تحته نقطتان. الثاني: لماذا
كان ثلاثياً؟ وقلنا: تحته نقطتان. الثالث: لماذا اختير الفاء والعين
واللام؟ الآن كيفية الوزن؟ كيف نَزِن؟ عندنا وزن، وعندنا موزون، وزن
وموزون، فَعَلَ هو الوزن، والموزون هو الاسم المتمكن أو الفعل المتصرف،
هذا يسمى موزوناً، وفَعَلَ يسمى وزناً، فإذا قيل: كتب على وزن فَعَلَ،
كَتَبَ موزون، وفعل وزنٌ، ما يقابل الفاء من فعل وهو الكاف هذا الكاف
يسمى فاءَ الكلمة، لماذا؟ لأنه قوبل في الوزنِ بالفاء، فالكاف من كتب
نسميها فاء الكلمة، لماذا؟ لأنه قوبِل في الوزن بالفاء، التاء من كتب
نُسميها عين الكلمة، لِمَ؟ لأنها قوبلت في الوزن بالعين فَعَلَ فَعَ،
الباء من كتب نقول: لام الكلمة، لماذا؟ لأنها قوبلت في الوزن باللام،
إذاً كَتَبَ نقول: على وزن فَعَلَ، فَعَل هذه أحرف لابد من تحريكها،
هذا هو الأصل أن يكون الحرف محركاً، وقد يعتريه السكون، بماذا نحرك
فَعَلَ الفاء والعين؟ بما يقابله من الحروف - حروف الموزون -، ففاء
الكلمة من كتب ما حركتها؟ الفتح، فنقول: فَعَ عينُ الكلمة من كتب
يقابلها العين من فَعَل، ما حركة العين من فَعَلْ؟ الفتح، لماذا؟ لأن
التاء مفتوحة، اللام نقول: بالفتح، والأصل أنها ليست داخلة في فن
الصرف، فَهِمْ على وزن فَعِلَ، الفاء مفتوحة لكون الفاء من الموزون
مفتوحة، والعين من فَعِل مكسورة لكون مقابلها وهو الهاء مكسور، فَهِم
على وزنِ فَعِلَ، كرُمَ على وزن فَعُلَ بضم العين، لماذا ضممت العين؟
لكون مقابلها وهو كرُم الراء عين الكلمة لكونها مضمومة تضُم ما يقابلها
في الوزن، تقول: ضَرْبٌ على وزن فَعْلٌ تُسكِّن العين، لماذا سكنت
العين؟ ضَرْبٌ على وزن فَعْلٌ، ضَرْ الضاد مفتوحة فتفتح الفاء فَعْ،
الراء ساكنة فتُسكن العين، ضَرْبٌ على زون فَعْلٌ، إِبِل على وزن فِعِل
بكسر الفاء والعين، لماذا كسرت الفاء والعين؟ لكونهما مكسورتين في
الموزون، كَتِف على وزن فَعِل بفتح الفاء وكسر العين، قُفْل على وزن
فُعْل بضم الفاء وإسكان العين، واضح هذا؟. إذاً نقول: الخلاصة يوزن
الثُلاثي بالوزن فَعَلَ، ويسمى ما يقابل الفاء من الوزن فاء الكلمة،
وما يقابل العين من الوزن عين الكلمة، وما يقابل اللام من الوزن لام
الكلمة، ويعطى حركة الوزن حركة الموزون، إن كان مفتوحاً فمفتوح، وإن
كان مكسوراً فمكسور، وإن كان مضموماً فمضموم، وإن كان ساكناً فساكن،
هذا إذا كانت الكلمة الموزونة على ثلاثة أحرف, قد تزيد على ثلاثة تكون
رُباعية، وقد تكون خماسية، ماذا نصنع إذا أردنا أن نَزِنَ دَحْرَجَ، أو
اِنْطَلَقَ، أو اِسْتَخْرَجَ؟ نقول: فَعَلْ؟! نقول: لا, إذاً لابد من
زيادةِ حرفٍ أو حرفين على الوزن الثُلاثي، فنقول: الكلمة إذا كانت أكثر
من ثلاثةِ أحرف فلا تخلوا من ثلاثةِ أحوال، - إذا كانت الكلمة أكثر من
ثلاثة أحرف فلا تخلوا من ثلاثة أحوال - أو ثلاثة أقسام أو أنواع:
النوع الأول: أن تكون هذه الزيادة على
الثلاثة الأحرف من أصل وضعِ الكلمة، مثل ماذا؟ مثل: دَحْرَجَ دَحْرَ
فَعْلَ، هذه أربعة أحرف: الدال والحاء والراء والجيم، إذاً زادت على
ثلاثة أحرف، ماذا نصنع؟ نقول: نزيدُ على اللام الأولى من فَعَلْ لاماً
ثانيةً تكون مقابلة للحرف الأصلي الزائد على الميزان، دَحْرَجَ نقول:
الجيم هنا زائدة ليس في أصل وضع اللغة، لا، هي أصلية، ولكنها زائدة
باعتبار الميزان؛ لأننا نتكلم عن الميزان الصرفي هو في الأصل ثُلاثي،
فإذا وُزِن به الرباعي لابد من زيادة لام، فاللام باعتبار الوزن زائدة،
أما باعتبار الموزون فلا، فدحرج كلها أصول فِعْل ماضي أربعة أحرف كلها
أصول، وإنما الزيادة جاءت باعتبار الميزان الصرفي، فنزيد على الميزان،
فَعَلْ نزيد لاماً ثانية فنقول: دَحْرَجَ على وزن فَعْلَلَ، هذا القسم
الأول: وهو أن تكون الزيادة فيه من أصلِ وضعِ الكلمة، ومثلنا للرباعي
كدَحْرَجَ، لو كانت الكلمة زائدة على ثلاثة أحرف بحرفين وهو الخُماسي -
وهذا خاص بالأسماء، الخُماسي الأصول لا يكون إلا في الأسماء -، الرباعي
ليس منه خماسي الأصول. جَحْمَرِشٌ نقول: هذه على وزن فَعْلَلِلٌ، زدنا
لامين على اللام الأصلية، فَعْلَ ثلاثة أحرف جَحْمَ, رِش هذه نزيد
مقابلها لامين فنقول: جَحْمَرِشٌ على وزن فَعْلَلِلٌ، جحم فَعْلَ هذه
الأصل الثُلاثي، زادت الكلمة على الميزان الثُلاثي، زادت كم حرف؟
حرفين، فنزيد في مقابلة الحرفين لامين في الميزان، فنقول: جَحْمَرِشٌ
على وزن فَعْلَلِلٌ، سَفَرْجَلٌ على وزن فَعَلَّلٌ بإدغام اللام الأولى
في الثانية. واضح هذا؟. هذا القسم الأول.
القسم الثاني: أن تكون الزيادة فيه يعني في
الموزون ناشئة من التكرارِ أو لغيره، كالإلحاق ونحوه، هذا يمثلون له
بنحو جَلْبَبَ، جلبب هذي نقول: على وزن فَعْلَل، الباء الأولى أصلية،
والثانية زائدة، وزيدت هنا للإلحاق، عندهم باب يسمى باب الإلحاق، ما
معنى باب الإلحاق؟ - الاسم واضح - أن تُلحق الكلمة الثُلاثية حرفاً
لتنتقل من هذا الباب إلى الباب الذي ألحقت به، فقيل: جَلْبَبَ الباء
الثانية زيدت لإلحاق الكلمة بباب دَحْرَجَ، فتكون جَلْبَبَ مساوية
لدحرج في الماضي والمضارع والأمر والمصدر إلى آخره، كما تقول: دَحْرَجَ
فِعْلٌ ماضي، تقول: جلبب زدت عليها الباء لتكون موازيةً لها في الفعل
الماضي، يُدحرجُ تقول: يُجَلْبِبُ، دَحرِجْ جَلبِبْ، دحرجةً المصدر
جلببةً, دِحراجاً جِلباباً إلى آخره، هذا يسمى باب الإلحاق، فهنا
الزيادة من جنس الحرف الأصلي الباء، ونوع الزيادة نقول: للإلحاق،
ألُحقت جَلْبَبَ بدحرج لتكون مساوية لها في الفعل الماضي والمضارع
والأمر واسم الفاعل مُدَحْرِجْ مُجَلْبِبْ والمصدر وكل ما يشتق من
دَحْرَجَ، ماذا صنعنا في جلبب؟ نقول: زدنا لاماً كما هي في دحرج فهو
مساوٍ له في جميع الأحوال، دَحْرَجَ على وزن فَعْلَل، كذلك جَلْبَبَ
على وزن ماذا؟ فَعْلَلَ، هذه الزيادة مثال للإلحاق. قد تكون لغير
الإلحاق كالتكرار ونحوه، مثل قتّل وقطّع وخرّج وضرّب, نقول: هنا زيادة
من جنس الحرف الأصلي، جَلْبَب قلنا: الباء الأولى أصلية، والباء
الثانية زائدة، هل هي من جنسها؟ من جنسها، الحرف الأصلي باء والحرف
المزيد باء، فهو من جنسه، ليس مغايراً له، قطّع وقتّل نقول: هنا زيد
حرف من جنس عين الكلمة، هل المراد به الإلحاق؟ لا، ليس عندنا إلحاق
هنا، وإنما المراد به: معنى من المعاني، وهي معاني كثيرة ومبسوطة، يعني
لها بابٌ خاصٌ في فنِ الصرف، هنا للتكثير مثلاً قتّل قطّع، قَطَّعَ
قَطَعَ هل بينهما فرق؟ قَطَعَ يدلُ على إثبات القطع ولو مرة واحدة،
قطّع على التكرار فهو تضعيف، إذا أردنا أن نزِن قطّع وقتّل نقول: نأتي
بمقابل الحرف الزائد من جنس ما وزن به سابقه، والذي وزن به سابق الحرف
الزائد هذا وهو قتّل التاء الأولى بماذا وزناها؟ بماذا قابلناها؟
بالعين، إذاً نقول، قتّل التاء الثانية التي زيدت من جنس الحرف السابق
نأتي بعينٍ، فنقول: قتّل على وزن فَعَّلَ، ضَرَّبَ على وزن فَعَّلَ،
ولا يصح أن يُقال - وقد قيل به لكنه شاذ لا يصح أن يقال - قتّل على وزن
قَعْتَلَ، بعضهم قال: نأتي بالحرف كما هو, قال النيساري:
وَزَائِدٌ بِلَفْظِهِ
نأتي بالحرف الزائد بلفظه؛ لأن قتّل الأصل في التاء الثانية أن يُنطقَ
بها في الوزن كما هي، كما نقول: انطلق على وزن انفعل، قال: كذلك قتّل
نقول على وزن قَعْتَلَ، قطّع على وزن قَعْطَلَ، كذلك خَرَّجَ على وزن
فَعْرَلَ، لكن الصواب أنهُ يُقابل من جنسِ الحرف السابق له.
القسم الثالث: - الذي مخالف للنوعين: ليس
النوع الأول الذي الزيادة فيه من أصوله، وليس النوع الثاني الذي
الزيادة فيه تكون من جهة التضعيف أو التكرار أو الإلحاق أو غيره، يعني
بمعنى من المعاني - هذا هو الذي يوزنُ بأن يُقابل الحرف الأصلي بالفاء
والعينِ واللام والحرف الزائد يُلفظ بلفظهِ، يُنطق به كما هو، أَكَرْمَ
نقول: الهمزة هذه زائدة؛ لأن أصل الفعل كَرُمَ، كرُم على وزن فعُل،
أَكْرَمَ نقول: على وزن أفَعْل، الهمزة هذه هل هي من أصول الكلمة؟ لا,
لماذا؟ لأنها زائدة همزة قطع، هل هي زيدت للإلحاق؟ نقول: لا، إنما هي
زائدة لكونه فعل ماضي على وزن أَفْعَلَ، يعني ليكون الفعل الثُلاثي من
باب الرُباعي الذي زيد فيه حرفٌ في أوله - سيأتينا بحث هذا -، إذاً
نقول: أَكْرَمَ على وزن أَفْعَلَ، الكاف والراء والميم حروف أصول تقابل
بالفاء والعين واللام، (وَزَائِدٌ بِلَفْظِهِ) يعني الذي زيد يُنطق في
الوزن بلفظه، فنقول: أَكْرَمَ على وزن أَفْعَلَ، انطلق الطاء واللام
والقاف هذه أصول، فتقابل بالفاء والعين واللام، وأما الهمزة الألف همزة
الوصل والنون هذه زوائد فتُنطق في الوزن بلفظه، فتقول: اِنْطَلَقَ على
وزن اِنْفَعَلَ، (وَزَائِدٌ بِلَفْظِهِ) اسَتَخْرَج اسَتََفْعَل،
اِسْتَغْفَرَ اِسْتَفْعَلَ، تَكَلَّمَ تَفَعَّلَ، تخرّج تعلّم نقول:
تفعّل، تقطّع تفعّل، هنا عندنا ملحظ أنهُ قد يوجد في الكلمة الواحدة ما
يتنازعه قسمان من الثلاثة، - قد يوجد في الكلمة الواحد – قلنا: القسم
الأول: ما تكون فيه الزيادة أصلية، حكمه أن يُزاد في مقابل الحرف
الواحد وهو الرُباعي لامٌ ثانية، وأن يُزاد في مُقابلة الخماسي كم لام؟
يُزاد لامان.
القسم الثاني: وهو ما كانت الزيادة فيه
للتكرار أو للإلحاق وغيره، يعني نشأت الزيادة بسبب التكرار أو التضعيف
أوالإلحاق، نقول: هذا يُزاد في الوزن من جنس الحرف الذي زيد عليه،
فقردد وجلبب، نقول: جلبب الباء الثانية زيدت على الباء الأولى فنزنها
بجنس ما وَزَنَّا بهِ الباء الأولى وهي اللام، كذلك قطّع وقتّل, ما لم
يكُن من هذا ولا ذاك، ما لم يكن من الأول ولا الثاني ننزل الحرف الزائد
بنفسه ونلفظ به بنفسه في الوزن، قد يجتمع في الكلمة الواحدة نوعان مثل
تَكَلَّمَ، تكلم كم زيادة فيه؟ زيادتان: التاء والتضعيف، التاء ما
حُكمُها؟ أن يُلفظ بها في الوزن، فنقول: تَفَعَّلَ، تكلّم اللام
الثانية زائدة هذه من جنس قطّع وقتّل، ماذا نصنع؟ نقول: نزيد في الوزن
من جنس الحرف السابق، والحرف السابق قابلناه باللامِ، إذاً نجعل الحرف
الثاني مقابل باللام، فاجتمع فيه نوعان فكلٌ يُعطى حكمه مما عُلِم
سابقاً، فنقول: تَكَلَّمَ على وزن تَفَعَّل، التاء تُنزل كما هي في
الوزن، وتكلم اللام، عندنا لامان: الأولى أصلية، والثانية زائدة،
نُقابل الثانية هي زائدة نُقابِلُها بما قابلنا بها الحرف السابق، ولا
نُنْزِلُها كما هي, سجَنْجَلَ على وزن فَعَنْعَل، عَقَنْقَلَ على وزن
فَعَنْعَلَ، هنا اجتمع فيه زيادتان النون في سّجَنْجَل النون هذه
زائدة، فيُلفظ بها في الوزن فتقول: فَعَنْ، سجن الجيم الأولى هي عينُ
الكلمة، سَجَنْجَ هذا تضعيف يُسمى، فَعَنْعَ ولا يصح أن تقول: فعنج،
إنما تقول: فعنعل, عقنقل النون زائدة، والقاف الأولى عينُ الكلمة،
والقاف الثانية حرفٌ زائد من جنس الحرف الأصلي الذي هو عين الكلمة،
وزنا العين عين الكلمة أو قابلناها بالعين، فنقابل الحرف الذي ضُعِف به
العين بما قوبِل به العين، تقول: عقنقل على وزن فَعَنْعَلَ, اغدودن
الهمزة زائدة اغدو، والنون هذه أصلية، والواو زائدة، وعندنا تضعيف الذي
هو الدال اغدو افعو، افعوعل اغدودن، اِفْ الهمزة كما هي تنزل، والواو
كما هي اِفْعَوْ، اغدود الدال الثانية كررت مع الدال الأولى، والدال
الأولى قابلناها بماذا؟ بالعين، فنقابل الثانية بالعين، فنقول افعوعل
مثل اعشوشب، هذه ثلاثة أنواع، بقي الإعلال إذا كان الموزون مُعَلاَّ،
أو هناك حذف، أو هناك قلب مكاني، وهذه تحتاج إلى درس مستقل. نقف على
هذا.
وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم أجمعين.
|