شرح نظم المقصود عناصر الدرس
* المقصود من الثلاثي والرباعي.
* مدخل للأوزان الثلاثي المجرد الماضي.
* المضعف وأقسامه.
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن
سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن
لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله
صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً .. أما بعد ..
ذكرنا فيما سبق أن هذا الكتاب يتعلق بتصريف الأفعال، وأما الأسماء
فإنها تُذكر في المطولات، أو فيما اختص بالأسماء من الكتب المختصرة،
وذكرنا الأفعال المتصرفة هي التي يبحث عنها هذا الكتاب الذي معنا كما
جرى في اللامية وغيرها، وذكرنا أن الفعل نوعان: مجرد، ومزيد فيه.
والمجرد قلنا: هو ما تجرد ماضيه عن الزائد، يعني ننظر في الماضي فعَل
أو فعُل أو فعِل فليس عندنا حرفٌ زائد، وإنما جميع حروفه أصول، الفاء
ما يقابل الفاء وما يقابل العين وما يقابل اللام هي أصول وليس فيها
حرفٌ زائد هذا هو المجرد. والمزيد يعني المزيد فيه: ما اشتمل ماضيه على
الزائد، يعني ما يقابل الفاء حرفٌ أصلي، وما يقابل العين حرفٌ أصلي،
وما يقابل اللام حرفٌ أصلي، ويزيد على ذلك أن يكون فيه حرفٌ أو أكثر
زوائد، هذا نسميه المزيد. كلٌ منهما إما ثلاثي أو رباعي، يعني مزيد
المجرد يكون قسمين: ثلاثياً ورباعياً, الثلاثي: ما كانت أحرفه مركبة من
ثلاثة أحرف، لذلك سمي ثلاثي، وقلنا: ثُلاثي هذا شاذ؛ لأن الأصل أن
المنسوب إليه من جهة التحريك لا يتغير هذا هو الأصل، فإذا قيل: ثُلاثي
نسبة إلى الثَلاث وجب فتح المثلثة يعني الفاء، فنقول ثَلاثيٌ هذا هو
الأصل، إذاً ثُلاثي بضم الثاء هذا شاذٌ، ولكن جرى الصرفيون على هذا،
وبعضهم اعتذر، ولكن الاعتذار فيه كُلفة. إذاً الثُلاثي: ما كانت أصوله
ثلاثة أحرف, الرباعي: ما كانت أصوله أربعة أحرف. أيضاً رُباعي بضم
الراء ومع المدِ وبحذف الهمز نقول: هذا شاذ، والأصل أنه منسوب إلى
أربعة، فيبقى على أصله فيقال: أربعيٌ، ولا يقال رُباعي فحذف الهمز وضم
الراء رُ مع المد رُباعي ليس عندنا مد في أربعة ليس عندنا مد بعد الباء
وقولهم: رباعي، هذا شاذ، فيه ثلاث شذوذات, إذاً المجرد قلنا في الأصل
أنه يأتي على وزن فَعَل أو فَعِل أو فَعُل، هذا المجرد الثلاثي،
والمجرد الرباعي - سيأتينا إن شاء الله - أنه على وزنٍ واحد, المجرد
الثلاثي على فَعَل أو فَعِل أو فَعُل هذه القسمة ثلاثية باعتبار الوجود
وما نطقت به العرب؛ لأن الصرفيين استقرأوا كلام العرب فوجدوا أنه لا
يخرج ماضيه المجرد عن ثلاثة أوزان، قال النيساري:
الْمَاضِي لِلْمُجَرَّدِ الثُّلاَثِيْ ... أَبْنِيَةٌ تُحْصَرُ فِي
ثَلاَثِ
إذاً هذا الحصر يسمى استقراء، وهو استقراءٌ كليٌ تام يعني وهو حجة. نعم
فَعلَ أوفَعلَ ثُمَّ فَعلاَ ... وَيَلْزَمُ الثَّالِثُ مِثْلُ سَهُلاَ
أما القسمة العقلية فهي تقتضي أن يكون أقل
ما يتألف منه الفعل وهو ثلاثة أصول أن يكون على ثنتي أو اثني عشر
بناءًا أو وزناً، لماذا؟ لأن الفاء يحتمل ثلاثة أمور، التسكين هذا
نُسقطه من الأصل، لماذا؟ لأنه لا يُبتدأ بساكن، وإلا الأصل أن يقال:
الفاء يحتمل التسكين والفتح والضم والكسر، لكن نُسقط التسكين لأنه لا
يُنطق به، وإنما يمكن أن يُنطق بالكسر أو الضم أو الفتح، والعين تحتمل
أربعة أمور: التسكين والفتح والضم والكسر، ثلاثة في أربعة باثني عشر،
إذاً يحتمل القسمة العقلية أن يكون البناء اثني عشر وزناً, لكن أسقط
الكسر والضم من الفاء، وبقيت لنا حالة واحدة، لماذا أسقط الضم والكسر
من الفاء؟ لأن في الضم والكسر كُلفةً واستثقالاً، فأسقطا وبقي معنا
الفتح، إذاً حالة واحدة في الفاء: وهي فتح الفاء، أما الضم والكسر
فأسقطا لأن فيهما كُلفةً واستثقالاً، لا يرد على إسقاط الضم الفعل
المغير الصيغة وهو ضُرب؛ لأننا نقول: ضُرب على وزن فُعل، فإذا قيل:
يستثقل الضم على الفاء في المبني للمعلوم نقول: إذاً لماذا أدخل الضم
في فُعِل وضُرِب وقُتل إلى آخره؟ نقول: هذا بناء فرعي، وذاك بناء أصلي،
والتأصيل والتقعيد إنما يتعلقان بالأصول لا بالفروع، فلا يُنتقض الأصل
لعدم وجوده في الفرع. لِمَ جُعل الضم في المبني للمفعول دون المبني
للفاعل؟ نقول: لأن الإسناد إلى الفاعل أكثر من الإسناد إلى المفعول،
أما إسقاط الكسر فهو كالضم، ووجود الكسر في نحو شِهْد، وشِهِد قلنا:
هذا لا يرد نقضاً على الأصل؛ لأن أصل شِهْدَ: شَهِدَ، {شَهِدَ اللَّهُ
أَنَّهُ لَآ إِلَهَ إِلَّا هُوَ} [آل عمران:18]، (شَهِدَ اللَّهُ)
شَهِد هذا هو الأصل على وزن فَعِل، وفيه لغات فرعية: شَهِدَ: شَهْدَ،
شِهْدَ، شِهِد، هذه ثلاث لغات والعبرة بالأصل لا بالفرع، إذاً لا يرد
على إسقاط الضم والكسر من الفاء أي اعتراض، فتبقى حالة واحدة وهي
الفتح؛ لأنها أخف الحركات، والطبائع تميل إليها, هكذا قال الصرفيون،
العين يحتمل أربعة أمور: التسكين الفتح الضم الكسر، هل يمكن تسكين
العين؟ قالوا: لا, لماذا؟ لأن الفعل إذا قيل: على وزن فَعْلَ هكذا إذا
اتصل به ضمير رفعٍ متحرك وجب تسكين آخره، لذلك يقولون: يُبنى الفعل
الماضي على السكون إذا اتصل بضمير رفع متحرك، هذا المشهور عند
المتأخرين، ضَرَبَ ضَرَبْتُ الباء سُكنت هنا لماذا؟ مع أن الأصل أنه
مبني على الفتح ضَرَبَ؟
وَحُكْمُهُ فَتْحُ الأَخِيرِ مِنْهُ
ضَرَبَ فِعْلٌ ماض مبني على الفتح، لما
اتصل به ضمير رفع متحرك سُكن آخره، لماذا؟ دفعاً لتوالي أربع متحركات
فيما هو كالكلمة الواحدة؛ لأن الفاعل من فعلهِ يُنزل مُنزلة الجزء من
الكلمة كأنه كلمة واحدة، ضَرَبْتُ كأنك تقول: زيدٌ كلمة واحدة، وشجرةٌ
كلمة واحدة، والعرب تكره أن تتوالى أربع متحركات فيما هو كلمة أو
كالكلمة، إذاً لابد من تسكين أحد الحروف في ضربت، فسُكن آخره فقيل
ضربتْ، لو كان العين من ضربت كان ساكناً لالتقى عندنا ساكنان ولا يمكن
التخلص من التقاء الساكنين إلا بإسقاط الحرف مثلاً، وإذا أسقط الحرف
أبطل البناء، لماذا إسقاط الحرف؟ لأنه لا يمكن التحريك، لو حُرك على
الأصل التخلص من التقاء الساكنين لأنه بالكسر لانتقل فَعْلَ من فَعِل
فالتبس بالبناء الآخر، لو حُرك بالفتح لقيل فَعَل والتبس بالبناء
الآخر، لو حرك بالضم لقيل فعُل فالتبس بالبناء الثالث, إذاً لئلا يقع
الالتباس بالأبنية ويصير هناك خلط بين الأبنية لئلا يقع هذا الالتباس
أسقط التسكين، فبقي معنا الفتح والضم والكسر، فقيل: فَعَل فَعِل فَعُل،
أخفها فعَل؛ لأنه بفتحتين فتح الفاء والعين، ولذلك كَثُر استعماله في
ألسنة العرب وكثُر دورانه على الألسنة، فلذلك أعطوه التعدية واللزوم،
يعني استعمل متعدياً ولازماً، إلا أن التعدي فيه أكثر من اللزوم،
وأَخَذَ من الأبواب المضارع أيضاً ثلاثة أبواب: فَعَل يَفْعِل, فَعَل
يَفْعَل, فَعَل يَفْعُل.
البناء الثاني: فَعِل بكسر العين وهو أثقل من فَعَل، لذلك قلَّ
استعماله ودورانه على ألسنة العرب، فلما قلَّ قلت أحكامه؛ لأن الأول
كثُر فأُعطي التعدية واللزوم، والتعدية أكرم وأشرف من اللزوم فكان
الأصل فيه، أو الأكثر أنه متعدي، لما قل فَعِل أعطي التعدي واللزوم؛
لأنه كثير باعتبار فَعُل ما بعده، فأعطي اللزوم والتعدي أيضاً إلا أن
اللزوم فيه أكثر من التعدية، وأنقصوه أيضاً من أبواب المضارع باباً
واحداً أعطوه بابين، كلما قلَّ الشيء أنقصوه من أحكامه، فقالوا: فَعِل
يَفْعَل، فَعِل يَفْعِل، هذان بابان.
الثالث" فَعُل وهو أثقلها وأقلها استعمالاً؛ ولذلك قل مجيئه ودورانه
على ألسنة العرب، فلذلك لم يُستعمل إلا لازماً، يعني لا ينصبُ مفعولاً
به, ورحُبتك الدار هذه شاذ عندهم، أو على الحذف والإيصال رحبت بك
الدار، إذاً فَعُل هذا لا يستعمل إلا لازماً، الضم هنا قيل: إنه مناسبٌ
لمعناه، وسبق أن استعمال فَعُل في اللغة لمعنى لزوم الصفة، يعني يدل
هذا الضم على كون الصفة لازمة لموصوفها أو كاللازمة لموصوفها، كالشرف
والكرم، تقول: كَرُم وشَرُف وشَجُع هذه صفات لازمة وبعضها كاللازمة،
لما ثَقُل على الألسنة وقلّ استعماله لم يعطوه إلا اللزوم من جهة
العمل، يعني لا يتعدى يرفع فاعلاً ولا ينصب مفعولاً،
وَكُلُّ فِعْلٍ مُتَعَدٍّ يَنْصِبُ ... مَفْعُولَهُ مِثْلُ سَقَى
وَيَشْرَبُ
وأيضاً أعطوه باباً واحداً من أبواب
المضارع: وهي فَعُل يَفْعُل، وأسقطوا يَفْعِل ويَفْعَل من باب فَعُل،
لم يرد فَعُل يَفْعَل وكَوُد يَكوَد هذه لغة رديئة أو شاذة، ولم يُسمع
فَعُل يَفْعَل في اللغة الجيدة، فَعُل يَفْعَل كوُد يكْوَد هذا شاذ أو
لغة رديئة. إذاً الأبنية ثلاث: فَعَل، فَعِل، فَعُل)، هذا من جهة أصل
البناء وهو الثلاثي المجرد، أبوابه من جهة المضارع باعتبار الوجود كما
سبق: ثلاثة لفَعَل، واثنان لفَعِل، وواحد لفَعُل، باعتبار الوجود هذا
كم باب؟
أَبْوَابُهُ سِتٌّ ......
والقسمة هنا وجودية، يعني باعتبار الاستقراء الوجودي في كلام العرب،
أما القسمة العقلية فتقتضي أن تكون تسعة أبواب؛ لأن فَعَل أُعطي ثلاث،
والأصل في فَعِل وفَعُل أن يكون مماثلاً لفَعَل؛ لأن فَعَل محرك العين،
فَعِل محرك العين، وفَعُل محرك العين، بجامع أن كل منهما محركَ العين
كان لزاماً أن يُعطى فَعِل وفَعُل مثل ما أعطي فَعَل، فيكون لكل واحدٍ
منهما ثلاثة أبواب، فيقال: فَعَل يَفْعُل، فَعَل يَفْعِل، فَعَل
يَفْعَل، هذه ثلاثة ومسموعة - وسيأتي بيانها -. فَعِل بكسر العين
القسمة العقلية أن يُعطى ثلاث، لكن المسموع فَعِل يَفْعَل وهذا هو
القياس، لماذا هذا هو القياس؟ لأنه مخالف، حركة عين المضارع الأصل فيها
أن تكون مخالفة لحركة عين الماضي فَعِل يَفْعَل هذا هو القياس، وفَعِل
يَفْعِل هذا شاذ أو نادر، فَعِل يَفْعُل لم يُسمع من لغة العرب فَعِل
يَفْعُل وفَضِل يَفْضُل هذا شاذ أو من اللغات المتداخلة، ودَوِم بكسر
يدوم يَدْوُم هذا أيضاً شاذ أو من اللغات المتداخلة، إذاً لم يُسمع
فَعِل يَفْعُل، الأصل عدم السماع لكن عُلل بأنه لئلا يلزم اجتماع
ثقيلين على حرفٍ واحد، فَعِل هذا مكسور في الماضي وهو الكسر ثقيل، وإذا
قيل فَعِل يَفْعُل في المضارع صارت العين الواحدة محركة بحركتين وهاتان
الحركتان ثقيلتان، فراراً من أن يُحرك الحرف الواحد بحركتين ثقيلتين
قالوا: إذاً إذا حُرك بالكسر في الماضي لا نحركه بالضم في المضارع،
وقيل: لئلا يُنتقل من الكسر إلى الضم فقيل فَعِل يَفْعُل فيه انتقال من
الكسر إلى الضم، وهذا عندهم ثقيل وإن لم يمتنع.
أما فَعُل فلم يُسمع من جهة السماع لغة
العرب فلم يُسمع إلا بابٌ واحد: وهو ضم عينه في المضارع، وهذا مخالف
للأصل؛ لأن الأصل أن تكون حركة عين المضارع مخالفةً لحركة عين الماضي،
هذا هو الأصل، لماذا هذا الأصل؟. قالوا: لأن معنى المضارع مغاير لمعنى
الماضي، فلو أعطي المضارع نفس حركة عين الماضي قد يُفهم أن المعنى لم
يتغير أصالةً، وهذا ليس بصحيح، بل معنى المضارع مغاير لمعنى الماضي وإن
لم يكن مغاير له في جميع الأجزاء بل في بعض الأجزاء، لذلك لما اتحد في
فَعُل يَفْعُل لما كان مدلول الفعل المضارع هو عين مدلول الفعل الماضي
من كونه يدل على الصفات الخلقية والغرائز اللازمة جُعل الضم في المضارع
كما جُعل في الماضي لئلا يُفهم التخالف، إذاً فَعُل أعطي كم باب؟ باباً
واحداً سماعاً، أما من أصل القسمة العقلية فكان يقتضي أن يكون له ثلاثة
أبواب أو ثلاثة أبواب: فَعُل يَفْعُل هذا الأصل هو المسموع، فَعُل
يَفْعِل وهذا لم يسمع، فَعُل يَفْعَل وهذا أيضاً لم يسمع. فَعُل
يَفْعِل بضم العين في الماضي وكسرها في المضارع هذا يُعلل بما علل به
فَعِل يَفْعُل لئلا يجتمع ثقيلان على حرف واحد، ولئلا ينتقل من الضم
إلى الكسر كما هناك لئلا ينتقل من الكسر إلى الضم. واضح هذي؟. فَعِل
يَفْعِل لماذا لم يُسمع يَفْعِل؟ نقول: يعلل بإحدى علتين: إما أنه لئلا
يجتمع ثقيلان على حرفٍ واحد فَعُل يَفْعِل فَعُل العين مضمومة يَفْعِل
العين مكسورة والعين هي العين الحرف هو الحرف كرُم يكرُم كرُم يكرِم لو
قيل هكذا لقيل اجتمع على الراء الضم والكسر وهذا ثقيل، أيضاً لئلا
يُنتقل من الضم إلى الكسرِ. إذاً المسموع فقط يَفْعُل.
الدعائم هذه أو يقال أيضاً أبواب المضارعة على قسمين من جهة الأصالة
والمخالفة: ما كان قد جاء على الأصلِ وهو مخالفة حركة عين مضارعه لحركة
عين ماضيه يسمى دعائم وأصول؛ لأنه جاء على الأصل، وما لم يخالف هذا شاذ
أو نادر، يعني يعبر عنه بأن الباب شاذٌ أو نادر، فَعَل يَفْعُل فَعَل
يَفْعِل فَعِل يَفْعَل هذه ثلاثة أبواب دعائم، فَعَل يَفْعَل فَعِل
يَفْعِل فَعُل يَفْعُل هذه ليست من الدعائم، ليست من الدعائم والأصول.
واضح هذا؟. هل بقي شيء مما ذكرناه آنفاً سابقاً لم يبقَ شيء. قال
الناظم: رحمه الله تعالى:
فِعْلٌ ثُلاَثِيٌّ إِذَا يُجَرَّدُ ... أَبْوَابُهُ سِتٌّ كَمَا
سَتُسْرَدُ
(فِعْلٌ ثلاثيٌ) إذا عُلِمَ أن أبواب أو أقسام البناء الأصل للفعل
الثلاثي المجرد أنه ثلاثة أبنية، وستة أبنية للمضارع، نقول قبل الولوج
في ما ذكره الناظم: أن الفعل ينقسم إلى قسمين: صحيحٍ ومعتل؛ لأنه
سينبني عليه كلامُ في التفصيل، الفعل المجرد إما أن يكون صحيحاً
أومعتلاً، حد الصحيح: ما خلت حروفه الأصول التي تقابل بالفاء والعين
واللام من أحرف العلة. أحرف العلة ثلاثة: الواو والياء والألف،
وَالْوَاوُ وَالْيَاءُ جَمِيعاً وَالأَلِفْ ... هُنَّ حُرُوفُ
الاِعْتِلاَلِ الْمُكْتَنِفْ
هكذا قال الحريري.
إذا خلا ما يقابل الفاء من فَعَل وما يقابل
العين من فَعَل وما يقابل اللام من فَعَل إذا خلا من أحرف العلة الواو
أو الياء أو الألف نقول: هذا صحيح، نحو كَتَبَ، كتب على وزن فَعَلَ،
كتب فاء كتب الكاف وليست من حروف العلة، عين كَتَبَ التاء وليست من
حروف العلة، لام كتب الباء وليست من حروف العلة، إذاً خلت أصوله الفاء
والعين واللام من الواو أو الياء أو الألف، فنسمي هذا النوع الفعل بأنه
صحيح. المعتل: ما كان أحد حروفه الأصول التي تقابل بالفاء أو العين أو
اللام حرفاً من حروف العلة الثلاث،
وَالْوَاوُ وَالْيَاءُ جَمِيعاً وَالأَلِفْ ... هُنَّ حُرُوفُ
الاِعْتِلاَلِ الْمُكْتَنِفْ
إذاً إذا كان ما يقابل الفاء واواً أو ياءًا أو ألفاً ولا يمكن أن يكون
ألفاً نقول: هذا معتل، لماذا؟ لأن أحد أصوله وهو الفاء حرفٌ من حروف
العلة، مثل وعد؛ وعد نقول: هذا معتل، لماذا؟ لأنه على وزن فَعَلَ، أين
الفاء من وعد؟ الواو وهي حرف من حروف العلة، إذاً وعد هذا نقول: فعلٌ
معتل، باع بَيَعَ هذا الأصل تحركت الياء وانفتح ما قبلها فقُلبت ألفاً،
بيع على وزن فعَل نقول: هذا معتلٌ، لماذا؟ لأن عينه حرف من حروف العلة
وهو الياء، رمى على وزن فَعَل، أصله: رَمَيَ على وزن فَعَل تحركت الياء
وانفتح ما قبلها فقلبت ألفاً فصار رمى، إذاً رمى هذا معتل، لماذا؟ لأن
لامه حرفٌ من حروف العلة وهو الياء، ولا تقل الألف، الياء رمي هذا
الأصل على وزن فَعَل، فلام رمي حرف من حروف العلة فنسميه معتلاً، قال
النيساري:
وَانْقَسَمَ الأُصُولُ عِنْدَ الْحَلِّ ... إِلَى صَحِيحٍ وَإِلَى
مُعْتَلٍّ
إذاً تنقسم إلى صحيح وإلى معتل،
مُعْتَلُّهُمْ مَا فِيهِ حَرْفُ عِلَّهْ ... صَحِيحُهُم خِلاِفُهْ
مَحَلَّهْ
الصحيح ينقسم إلى سالمٍ ومضعفٍ ومهموز، الصحيح له أقسام، إذاً القسمة
ثنائية، ثم نقسم الصحيح إلى ثلاث: سالم، والمضعف، والمهموز. السالم: ما
خلت حروفه الأصول عن أحرف العلة، ما خلت حروفه الأصول ما يقابل بالفاء
أو العين أو اللام عن أحرف العلة، إذاً هو صحيح وجد فيه شرط الصحيح وهو
أخص، لماذا؟ لأننا قلنا: الصحيح ينقسم إلى سالم، والمنقسم يكون أعم من
أقسامه، الكلمة اسمٌ وحرفٌ، أيهما أعم الاسم أو الكلمة؟ الكلمة، لماذا؟
لأن الكلمة تشمل الاسم وزيادة وهي الفعل والحرف، كذلك نقول: الصحيح
ينقسم إلى سالم، إذاً أيهما أعم؟ الصحيح أعم من السالم، إذاً لابد من
وجود قيد الصحيح في حد السالم، فنقول: السالم: ما سلمت أصوله التي
تقابل بالفاء أو العين أو اللام من أحرف العلة - ونزيد ما يختص به
السالم عن الصحيح - والهمز والتضعيف. إذاً خلت أصوله من أحرف العلة ومن
الهمزة والتضعيف، يعني لا يقع الهمز فاء الكلمة، ولا يقع الهمز عين
الكلمة، ولا يقع الهمز لام الكلمة، فإذا قيل كتب نقول: هذا صحيح وسالم،
لماذا؟ لأن حروفه أصول وليس فيها حرفٌ من حروف العلة، أيضاً ليس فيه
همز وليس فيه تضعيف - سيأتي المضعف -، فهذا نسميه السالم، إذاً كل سالم
صحيح ولا عكس، كل اسم كلمة ولا عكس، كل سالم صحيح ولا عكس، هذا هو
السالم.
المضعف هذا قسمان: مضعف الثلاثي - وهو الذي
يعنينا -، ومضعف الرباعي. مضعف الثلاثي ومزيده، ومضعف الرباعي، المضعف
الثلاثي - يعني الذي ضُعف كرر -: ما كانت عينه ولامه من جنس واحد، مدَّ
شدَّ قصَّ فرَّ، هذا نسميه مضعفاً ثلاثياً، لماذا؟ لأن العين واللام من
جنس واحد يعني حرف واحد، مدَّ أصله مَدَدَ على وزن فَعَل، أدغمت الدال
الأولى في الدال الثانية، إذاً العين مدد فعل عينه دال ولامه دال، إذاً
هو مضعف، نسميه مضعف، ما كانت عينه ولامه من جنس واحد هذا مضعف
الثلاثي، أما مضعف الرباعي - ولا كلام للصرفيين فيه مثل أو -: ما كانت
فاؤه ولامه الأولى من جنس واحد وعينه ولامه الثانية من جنس واحد، زلزل
فاء الكلمة الزاي أو زه إن شئت، زلز فعل إذاً فاء الكلمة زه ولام
الكلمة الأولى زه إذاً من جنس واحد، ما كانت فاؤه ولامه الأولى من جنس
واحد، ما كانت عينه وهي اللام زل ولامه الثانية من جنس واحد زلزل،
عندنا حرفان في زلزل فقط الزاي واللام، الفاء واللام الأولى زاي،
والعين واللام الثانية لام، إذاً ما كانت فاؤه ولامه الأولى من جنس
واحد عينه ولامه الثانية من جنس واحد يسمى مضعفاً رباعياً، وسوس زلزل.
هذا المضعف. بقي المهموز، المهموز - أيضاً قسمٌ من أقسام الصحيح -: وهو
ما كانت فاؤه أو عينه أو لامه
ما كان فاؤه أو عينه أو لامه همزاً، إذا وقعت الهمزة فاء الكلمة يسمى
مهموزة، إذا وقعت الهمزة عين الكلمة يسمى مهموزة، إذا وقعت الهمزة لام
الكلمة يسمى مهموز، أخذ على وزن فَعَل، أكل على وزن فَعَل، أين وقعت
الهمزة هنا؟ فاء الكلمة، نسميه مهموزاً، هل هو معتل؟ لا, هل هو صحيح؟
نعم صحيح. ما نوعه من أنواع الصحيح؟ مهموز، كل مهموزٍ صحيح ولا عكس؛
لأن مدَّ صحيح وليس بمهموز، أخذ هذا مهموزٌ صحيح، سأل مهموز، أين وقعت
الهمزة؟ عين الكلمة، قرأ مهموز، أين وقعت الهمزة؟ لام الكلمة، هذه
ثلاثة أنواع للصحيح: السالم، المضعف، المهموز.
أما المعتل - وهذا الذي يأتي فيه الكلام
عند الصرفيين - فهو أربعة أنواع: المثال، والأجوف، والناقص، واللفيف،
وهذا تحته نوعان، وبعضهم يفصل فيجعلها خمسة فيقول: المثال، والأجوف،
والناقص، واللفيف المفروق، واللفيف المقرون، هذه خمسة أنواع. ما هو
المثال؟ أولاً قلنا: إنَّ المعتل: ما كان أحد أصوله حرفاً من حروف
العلة، يعني يأتي فاؤه واو أو ياء ولا يأتي ألف، يأتي عينه واو أو ياء
أو ألف منقلبة عن واو أو ياء يعني لا تكون أصلاً، ما يكون لامه واو أو
ياء أو ألف منقلبة عن واو أو ياء، ما اعتلت فاؤه نسميه مثالاً، إذا وقع
ما يقابل الفاء واواً أو ياءًا نسميه مثالاً؛ لأنه ماثل الصحيح في عدم
اعتلال ماضيه، يعني لم يعتل الماضي وعد مثل خرج، خرج صحيح، هل فيه
إعلال؟ ليس فيه إعلال، كذلك وعد ويسر وينع ويتم هذه وهب وزن هذه معتلات
وهي مثل الصحيح في كونها لم يقع فيها إعلال، إذاً ما اعتلت فاؤه نسميه
مثالاً، ثم إن كان حرف العلة الواو نسميه مثالاً واوياً مثل وعد، وعد
هذا مثال واوي، لِمَ مثال؟ لكون فاءه حرفاً من حروف العلة، لِمَ كان
واوياً؟ لأن الحرف الذي وقع وهو من حروف العلة عينه الواو يعني ذاته
الواو فنقول هذا مثالٌ واويٌ، وعد وهب وجد وصل وضع وقع نقول: هذا مثالٌ
واويٌ؛ لأن فاءه حرف من حروف العلة وهو الواو، إن كان الفاء هنا حرفاً
من حروف العلة وهو الياء نسميه مثالاً يائياً، مثل ينع ويفع يسر نقول:
هذا مثالٌ يائيٌ، إذاً المثال: ما كانت أو إن شئت اختصاراً ما اعتلت
فاؤه. قال النيساري:
مَا اعْتَلَّ بِالْفَاءِ هُوَ المِثَالُ ... مِثَالُهُ اليَسَارُ
وَالْوِصَالُ
لأن هذا الحكم يشمل الأفعال والأسماء، ما اعتلت فاؤه مثال, ننظر إلى
الحرف الذي يليه وهو العين ما اعتلت عينه هو الأجوف، إذاً الأجوف ما
هو؟ ما اعتلت عينه، ثم قد يكون واواً وقد يكون ياءً، قال على وزن فَعَل
أصله: قَوَلَ، فاؤه حرفٌ صحيح ليس من حروف العلة قول قال، عينه واو
والواو من حروف العلة، إذاً نقول: هذا معتل، وكون حرف العلة وقع وسطاً
أجوف نسميه أجوفا.
مُعْتَلُّ عَيْنِهِ يُسَمَّى أَجْوَفَا ... وَذَا ثَلاَثَةٍ كَطُفْتُ
بِالصَّفَا
(ذَا ثَلاَثَةٍ) يعني كما يسمى أجوف يسمى ذا الثلاثة، لماذا؟ لأنه إذا
اتصل به ضمير المتكلم حذف منه حرفٌ وصار مع الضمير ثلاثة أحرف، قال قلت
أين العين؟ حُذفت، لماذا حُذفت؟ للتخلص من التقاء الساكنين، كم حرف مع
التاء؟ ثلاثة أحرف يسمى ذا الثلاثة.
مُعْتَلُّ عَيْنِهِ يُسَمَّى أَجْوَفَا ... وَذَا ثَلاَثَةٍ كَطُفْتُ
بِالصَّفَا
طاف يطوف طَوَفَ هذا الأصل، إذاً ما اعتلت عينه يسمى أجوفا.
ماذا بقي من الحروف؟ اللام، ما اعتلت لامه يسمى ناقصاً، مثل رمى، الراء
هذه هي الفاء وهي حرفٌ صحيح، والميم هي العين وهي حرفٌ صحيح، الياء هي
اللام فإذا بها حرف علة نقول: هذا معتل، ما نوعه من أنواع المعتل؟
نقول: هذا ناقصٌ، قال النيساري:
مَا اعْتَلَّ لاَمًا كَحَمِيتُ مَرْبَعَهْ ... سُمِّيَ مَنْقُوصًا
كَذَا ذَا الأَرْبَعَهْ
حميت، حمى حَمَيَ هذا الأصل تحركت الياء
وانفتح ما قبلها فقلبت الياء ألفاً، كما يقال في مشى مَشَيَ رَضِيَ هذا
الأصل، فإذا اتصل به ضمير المتكلم صار كم حرفاً؟ أربعة، رمى رميت إذاً،
ذا ثلاثة في الأجوف، ذا أربعة في الناقص، إذاً يسمى منقوصا ويسمى ذا
الأربعة، لِمَ سمي منقوصاً؟ لأنه يُنقص بعض الحركات، أو ينقص بحذف آخره
في الأسماء؛ لأن هذا الحكم المعتل أنواعه يدخل في الأفعال ويدخل في
الأسماء، قاضٍ هذا نسميه منقوصاً، لِمَ سمي منقوصاً؟ نُقص بعض الحركات
وهي الضمة والكسرة في حالة الرفع، جاء القاضي مررت بالقاضي هنا لا يمكن
إظهار الضمة ولا الكسرة، إذاً نُقص بعض الحركات، كذلك يخشى هذا نقص
إظهار جميع الحركات، يرمي هذا منقوص نقص بعض الحركات الضمة والكسرة،
الضمة هذا فعل، الذي يدخله الكسر هو الأسماء فقط، إذاً سمي منقوصاً
لأنه ينقص بعض الحركات أو يحذف آخره في الأسماء، ذا الأربعة سمي
منقوصاً وذا الأربعة لأنه إذا اتصل به ضمير الرفع المتحرك صار أربعة
أحرف، غزوت رميت مشيت إلى آخره هذا المنقوص. بقي معنا الرابع وهو
اللفيف، اللفيف: هو ما اجتمع فيه حرفا علة في الكلمة، قد يكون لفيفاً
مفروقاًً وقد يكون لفيفاً مقروناً، اللفيف المفروق: ما كانت فاؤه ولامه
حرفي علة، وقى وفى، وقى على وزن فَعَل، ما فاء الكلمة؟ الواو لأنها حرف
علة، ما عين الكلمة؟ القاف، حرف علة؟ حرفٌ صحيح، ما لام الكلمة؟ الياء،
وقى وَقَيَ هذا الأصل، إذاً ما كانت فاؤه ولامه حرفي علة يسمى لفيفاً
مفروقاً؛ لأنه فُرق بينهما بحرف صحيح، اللفيف المقرون - هذا من
الاقتران يعني -:ما كانا متتاليين، ثم التتالي هنا والتوالي قد يكون
بين الفاء والعين أو بين العين واللام،
بِالْفَاءِ وَالعَينِ لَفِيفٌ قُرِنَا ... كَذَاكَ بِالْعَينِ وَلاَمٍ
فَاقْرِنَا
(بِالْفَاءِ وَالعَينِ لَفِيفٌ قُرِنَا) هذا لا يوجد في الأفعال، وإنما
هو يختص بالأسماء، يومٌ على وزن فَعْلٌ، فاؤه ياء، عينه واو، لامه ميم،
أين حرفا العلة؟ الفاء والعين، نقول: هذا لفيف مقرون؛ لأنه لم يُفصل
بينهما بحرف، هذا يوجد في الأسماء ولا يوجد في الأفعال، ما كانت فاؤه
وعينه حرفي علة، ما كانت عينه ولامه حرفي علة ولم يفصل بينهما حرفٌ هذا
يسمى لفيفاً مقروناً، طوى وشوى وهوى، هوى على وزن فَعَل، أين فاء
الكلمة؟ الهاء، ليس من حروف العلة، أين عين الكلمة؟ الواو، من حروف
العلة، أين اللام؟ الياء، هوى، إذاً نقول: هوى هذا لفيفٌ مقرون، لماذا؟
لكون عينه ولامه حرفي علة، هذه مقدمة لابد من ضبطها لأنه سيأتي عليها
كلامٌ في الشرح.
فِعْلٌ ثُلاَثِيٌّ إِذَا يُجَرَّدُ ... أَبْوَابُهُ سِتٌّ كَمَا
سَتُسْرَدُ
(فِعْلٌ ثُلاَثِيٌّ) (فِعْلٌ) بكسر الفاء
وسكون العين، الفِعْل والفَعْل عند أهل اللغة: مصدران لفَعَل الثلاثي
بفتح العين، هذا الأصل، مصدران لفَعَل، لكن في اصطلاح الصرفيين والنحاة
فرقوا بينهما فجعلوا الفِعل اسم مصدر لفَعَل بفتحها، والفَعْل بالفتح
مصدراً، جعلوا الفِعْل اسم مصدر، وجعلوا الفَعْل هو المصدر، ولكن عند
أهل اللغة: الفِعْل والفَعْل مصدران، ثم جعلوا الفِعْل اسم مصدر ونقلوه
إلى مدلولٍ خاص، استعملوه في مدلولٍ خاص وهو ما يقابل الاسم والحرف:
وهو ما دل على معنى في نفسه واقترن بأحد الأزمنة الثلاثة وضعاً. كلمة
فِعْل في اللغة ليس هذا مدلولها، إنما هذا مدلولٌ اصطلاحي، يعني حقيقة
عرفية، يعني في اصطلاح النحاة والصرفيين إذا أطُلق لفظ الفعل انصرف إلى
الكلمة المخصوصة، ولذلك بعضهم يقول فِعْلٌ، الفِعْل اسمٌ لكلمة مخصوصة،
ما هي هذه الكلمة المخصوصة؟ كلمة دلت على معنى في نفسها، مثل قام فعلٌ،
يقوم فعلٌ، قم فعلٌ، هذا اصطلاح خاص عند الصرفيين والنحاة، بحيث إذا
أطلق انصرف إلى قام يقوم قم، (فِعْلٌ ثُلاَثِيٌّ) (فِعْلٌ) هذاايش
إعرابه؟ مبتدأ، قال ابن مالك:
وَلاَ يَجُوزُ الاِبْتِدَا بِالنَّكِرَهْ ... مَا لَمْ تُفِدْ كَعِنْدَ
زَيدٍ نَمِرِهْ
كيف أفادت هنا؟ (ثُلاَثِيٌّ) هذه الكلمة نعت لـ (فِعْلٌ)، إذاً
(فِعْلٌ) هذا مبتدأ، وسوغ الابتداء به كونه موصوفاً، أو قُصد الجنس،
إذا قصد الجنس عم، (فِعْلٌ ثُلاَثِيٌّ) , (فِعْلٌ) يشمل فَعَل وفَعِل
وفَعُل، هل بقي رابع؟ لم يبق رابع، إذاً (فِعْلٌ) هذا يشمل الثلاثة
الأبنية، هل هو نكرة في المعنى؟ لا, إذاً أفاد قُصد الجنس، إذا قُصد
الجنس استغرق جميع الأفراد، وهنا الأفراد معلومة بالاستقراء وهي كونها
فَعَل فَعِل فَعُل، إذاً نقول: هنا وجه الابتداء بالنكرة أمران:
أولاً: كونها موصوفة (فِعْلٌ)، الثاني: قُصد الجنس، وإذا قصد الجنس
أفاد؛ لأن الجنس هنا يصدق على جميع الأفراد، والأفراد معلومة وهي ثلاثة
أبنية: فَعَل فَعِل فَعُل. (فِعْلٌ ثُلاَثِيٌّ) إذاً أخرج الرباعي؛
لأنه سيأتي الكلام عليه، و (ثُلاَثِيٌّ) كما سبق بضم الثاء، والأفصح
بفتحها ثَلاثي؛ لأنه نسبة إلى ثلاثة، (فِعْلٌ ثُلاَثِيٌّ إِذَا
يُجَرَّدُ) (إِذَا) هذه ظرف لما يستقبل من الزمان ضُمِّن معنى الشرط
يضاف إلى الجملة،
وَأَلْزَمُوا إِضَافَةً إِلَى الجُمَلْ ... حَيْثُ وَإِذْ وَإِنْ
يُنَوَّنْ يُحْتَمِلْ
وَأَلْزَمُوا إِذَا إِضَافَةً إِلَى ... جُمِلِ الأَفْعَالِ كَهُنْ
إِذَا اعْتَلاَ
إذاً (إِذَا) هذه تلتزم الإضافة إلى الجمل،
لما ضمن معنى الشرط احتاج إلى فعل شرط وجواب شرط، أين فعل الشرط؟
(يُجَرَّدُ)، إذاً (إِذَا) هذه نقول: ظرف لما يستقبل من الزمان مضمنٌ
معنى الشرط - معنى إن الشرطية - خافضٌ لشرطهِ في محلِ نصبٍ بجوابهِ،
خافضٌ لشرطه لماذا؟ لأنه في الأصل ظرف والظرف يُضاف إلى ما بعده، إذاً
(يُجَرَّد) هذا فعلٌ مضارع مغير الصيغة، يعني مبني للمجهول، أو لما لم
يسمَّ فاعله، ونائب الفاعل ضمير مستتر يعود على (فِعْلٌ)، وجملة
(يُجَرَّد) في محل جر بإضافة (إِذَا) إليها هذا، معنى (إِذَا) خافضٌ
لشرطه؛ لأن المضاف يعمل في المضاف إليه, المضاف إليه على الصحيح مجرور
بالمضاف و (إِذَا) هنا مضاف؛ لأنه ظرف (يُجَرَّدُ) هذه جملة أضيفت،
{هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ} [المائدة:119] , (يَنْفَعُ) في محل جر إضافة
إلى (يَوْمُ)، وهنا كذلك، (أَبْوَابُهُ سِتٌّ) (يُجَرَّدُ أَبْوَابُهُ
سِتٌّ) (يُجَرَّدُ) من أي شيء؟ من الزيادة، إذاً حذف المتعلق وهو الجار
والمجرور من الزيادة للعلم به؛ لأن الفعل الثلاثي هنا لا يتصور إلا أن
يكون مجرداً؛ لأن ليس عندنا فعل أقل من ثلاثة، إذاً (فِعْلٌ ثُلاَثِيٌّ
إذا يُجَرَّدُ) من أحرف الزيادة، حذف المتعلِق للعلم به، (يُجَرَّدُ)
من التجريد بمعنى التخلية إذا خلا من أحرف الزيادة، (أَبْوَابُهُ
سِتٌّ) (إذا يُجَرَّدُ) قلنا: جملة (يُجَرَّدُ) هذه فعل الشرط، أين
جواب الشرط؟ نقول: محذوف، ما الذي دل عليه؟ جملة الخبر الآتية
(أَبْوَابُهُ سِتٌّ)، (أَبْوَابُهُ) هذا مبتدأ ثان، (سِتٌّ) هذا خبر
المبتدأ الثاني، وجملة المبتدأ الثاني وخبره في محل رفع خبر المبتدأ
الأول الذي هو (فِعْلٌ ثُلاَثِيٌّ) (أَبْوَابُهُ سِتٌّ)، أين جملة جواب
الشرط وهو (إِذَا)؟ محذوف، ما الدليل عليه؟ جملة الخبر الآتية، لماذا
لم نعكس؟ لم نجعل (أَبْوَابُهُ سِتٌّ) هي جواب (إِذَا) ونقول: الخبر
فعلٌ محذوف لأن (إِذَا) هذه وقع الجواب جملة اسمية، وإذا وقع الجواب
جملة اسمية وجب اقترانها بالفاء، قال ابن مالك:
وَاقْرِنْ بِفَا حَتْماً جَوَاباً لَوْ جُعِلْ ... شَرْطاً لإِنْ أَوْ
غَيرِهَا لَمْ يَنْجَعِلْ
طَلَبِيَةٌ اِسْمِيَةٌ .....
إذا وقعت اسمية نقول: وجب قرنهابالفاء،
وهنا لم تقرن بالفاء، فدل ذلك على أنها ليست جواباً لـ (إِذَا)، إذاً
(فِعْلٌ ثُلاَثِيٌّ إِذَا) تجرد وخلا من أحرف الزيادة، فأبوابه هذه
الفاء واقعة في جواب (إِذَا)، فأبواب ستٌ، (أَبْوَابُهُ سِتٌّ) هذه
الجملة وقعت خبراً لقوله: (فِعْلٌ)، أبواب جمع باب، والمراد بالباب هنا
قد يستعمل الباب في النوع والقسم، فـ (أَبْوَابُهُ) ليست كما يقال باب
الطهارة مثلاً الباب لغة: المدخل للشيء، واصطلاحاً: ألفاظٌ مخصوصة ...
الخ، نقول هنا: لا، أبواب هنا بمعنى أنواع، فـ (أَبْوَابُهُ) أي أقسام
الفعل الثلاثي أو أنواعه باعتبار مضارعه (سِتٌّ) , (سِتٌّ) هنا بإسقاط
التاء، والأصل أن يُقال: ستةٌ، لماذا؟ لأن المعدود باب، وباب هذا مذكر
أو مؤنث؟ مذكر، والقاعدة: أن العدد يخالف المعدود تذكيراً وتأنيثاً،
فالأفصح أن يقال أبوابه ستة، ولكن جوز الحذف هنا؟ كيف تقدم وهو مبتدأ،
وهذا خبر؟! لا، تقول: محذوف، أبوابه ستة، أبواب فهو محذوف، وليس
متقدماً، إذاً (أَبْوَابُهُ سِتٌّ كَمَا سَتُسْرَدُ)، (أَبْوَابُهُ
سِتٌّ) هذا باستقراء كلام العرب، وإلا فالقسمة العقلية تقتضي أنه تسعة،
(كَمَا سَتُسْرَدُ) يعني كما ستذكر متتالية، الكاف هنا للتشبيه، و
(مَا) هنا بمعنى الذي تصدق على الأبواب الستة، (سَتُسْرَدُ) هذا فعل
مضارع مُغير الصيغة، أين نائبه؟ (سَتُسْرَدُ) أين نائب الفعل؟ قلنا:
(كَمَا سَتُسْرَدُ) (مَا) بمعنى الذي يصدق على الأبواب الستة مدلوله،
(سَتُسْرَدُ) هي، التاء هنا مثل هند تضرب، التاء للتأنيث، إذاً نائب
الفاعل ضمير تقديره هي، (مَا) في اللفظ مذكر وأُرجع الضمير هنا إلى
معناه؛ لأن الأبواب جمعٌ وكل جمعٍ مؤنث كما قال الزمخشري، إذاً أبواب
هذا جمع تكسير، هي يعني الأبواب، ويجوز في مصدق (مَا) إذا كان مؤنثاً
اعتبار اللفظ أو اعتبار المعنى، (مَا) بمعنى الذي في اللفظ مذكر قطعاً،
لكن مدلوله قد يكون مذكراً وقد يكون مؤنثاً، إن كان مدلوله مذكراً فلا
يصح إرجاع الضمير إليه إلا مذكراً؛ لأنك إن أرجعته باعتبار اللفظ فهو
مذكر، وإن أرجعته باعتبار المعنى فهو مذكر، إذاً لا يجوز إلا التذكير،
أما إذا كان في اللفظ مذكر على الأصل واستعمل في المعنى مؤنث جاز لك في
إرجاع الضمير وجهين: التذكير باعتبار اللفظ، والتأنيث باعتبار المعنى،
يعني هنا يصح في غير النظم (كَمَا سَتُسْرَدُ)، كما سيسرد هو، أي إلى
لفظ (مَا). (كَمَا سَتُسْرَدُ) إذاً اعتبر المعنى؛ لأن المعنى مؤنث
فأنث الضمير، كما سيسرد أي هو باعتبار لفظ (مَا).
إذاً هذا قصد بهذا البيت أو عنى بهذا البيت أن يُبين لك أن الفعل
الثلاثي إذا جُرد عن الزيادة عن أحرف الزيادة (أَبْوَابُهُ سِتٌّ)
باستقراء كلام العرب (كَمَا سَتُسْرَدُ) والسرد: ذكر الشيء على
التوالي، فذكر لك أولاً الأبواب الستة على جهة الإجمال، ثم فصل لك
الأبواب باباً باباً فقال:
فَالعَيْنُ إِنْ تُفْتَحْ بِمَاضٍ فَاكْسِرِ ... أَوْ ضُمَّ أوْ
فَافْتَحْ لَهَا في الغَابِرِ
وهذا يحتاج إلى شرح مطول، ويأتينا إن شاء الله يوم السبت.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
|