شرح نظم المقصود

عناصر الدرس
* أسماء المصدر.
* حد المصدر.
* أقسام المصدر.

بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً .. أما بعد .. فلا زال الحديث في الباب الثاني الذي عنون له الناظم رحمه الله تعالى بقوله: (باب المصدر وما يشتق منه)، وذكرنا فيما سبق مبحثين: مبحث المصدر أنه هو الأصل؛ ولِذا عَطف عليه الناظم قوله: (وما يشتق منه) أي المصدر هو الأصل في الاشتقاق، وذكرنا المصدر أنه في اللغة: اسم لمحل صدور الشيء. ويسمى مصدراً، وحدثاً، وحَدَثَاناً، وفعلاً حقيقياً، واسمَ معنى، هذه كلها أسماء لمسمى واحد، حدثا، وحدثان، وفعلاً حقيقيا هو الفعل الحقيقي، والفعل الذي هو ضَرَب تسميه الفعل هذا مجاز، حقيقة عرفية اصطلاحية عند النحاة، أما الفعل الحقيقي فهو المصدر نفسه. إذًا يسمى حدثاً، وحدثاناً، وفعلاً حقيقياً، واسم معنى؛ لأنه يدل على أحد جزأي الفعل، الفعل له جزءان: حدث وزمن، أحد جزأيه هو الحدث هو اسم المعنى.
(وما يشتق منه) ذكرنا الاشتقاق أنه على ثلاثة أنواع، وإذا أردنا أن نحده حداً عاماً يشمل الجميع فنقول: هو أخذ كلمة من أخرى لمناسبة بين الكلمتين في المعنى ولو مجازاً.
أخذ كلمة من أخرى إذًا عندنا مأخوذ ومأخوذ منه، أخد كلمة من أخرى، لمناسبة بين الكلمتين في المعنى لابد من التناسب، وهذا هو القيد أو الشرط الذي يطرد في جميع أنواع: الاشتقاق الصغير والكبير والأكبر، كلها تشترك في شرط واحد وهو المعنى، وذكرنا أن المراد بالمعنى هو المعنى العام، يعني الحدث مطلق الحدث، لابد أن يكون المعنى موجوداً في المشتق كما أنه موجود في المشتق منه، لابد أن يوجد المعنى، وإن لم يكن المعنى موجودًا في المشتق لا يصح أن يشتق من أصل الوصف زنةً تدل على ذات متصفة بوصف، يعني لا يصح أن يقال: لشخص عالم وهو لم يتصف بالعلم، نقول: عالم هذا مشتق من العلم وهو المصدر، والعالم مشتق من العلم، هل يمكن أن يوصف الشخص بأنه عالم ولم يتصف بالعلم؟ لا، لا يمكن، وهذا خلافاً للمعتزلة؛ فإنهم أجازوا أن يشتق دون اتصاف الذات بالصفة، ولذلك يؤولون الصفات أو يحرفونها فيقولون: عليم بلا علم، وهذا مخالف لإجماع أهل اللغة؛ لأنه لا يجوز أن يشتق لذاتٍ من وصف لم تتصف به تلك الذات، كما قال صاحب المراقي:
وَعِنْدَ فَقْدِ الْوَصْفِ لاَ يُشْتَقُ ... وَأَعْوَزَ الْمُعْتَزِلِيَّ الْحَقُّ


(وعند فقد الوصف لا يشتق) إذًا لا يصح عند فقد الوصف، يعني إذا لم تتصف الذات بمدلول المصدر لا يصح أن يشتق؛ لأن الاشتقاق بأنواعه الثلاث لابد أن يشترك المشتق والمشتق منه في المعنى، لابد أن يكون المعنى موجودًا في المشتق منه كما أنه موجود في المشتق، فنقول: عالم لأنه ذات متصفة بالعلم، قدير لأنه ذات متصفة بالقدرة، بصير لأنه أو يدل على ذات متصفة بالصبر، سميع ... الخ. أما عند أهل البدع من المعتزلة ومن على شاكلتهم فعندهم يجوز أن يكون مشتقًا بلا دلالة على صفة؛ ولذلك يؤولون ويحرفون يقولون: عليم بلا علم، يعني ذات اتصفت بالعلم لكن بالذات لا بصفة زائدة على الذات، ولذلك يقولون: يسمع بذاته لا بصفة زائدة على الذات، يعلم بذاته لا بصفة زائدة على الذات ..... الخ. الحاصل أنه لابد من اشتراط المعنى بين المشتق والمشتق منه، إن انتفى المعنى عن المشتق منه نقول: بطل الاشتقاق لفوات الشرط؛ لأن ما ترتب على الشرط يفوت بفوات الشرط، لابد من وجود المعنى.
ولو مجازاً هذا للخلاف هل يُشتق من المعنى المجازي أو لا؟ فيه نزاع، وسبق أن الشيخ الأمين رحمه الله صححه وقال: أنه يصح التمثيل بقولهم: الحال ناطقة بكذا؛ لأن الحال ما تنطق ما تتكلم التي هي صفة، قال: هذا مشتق من النطق بمعنى الدلالة، لا من النطق بمعنى التكلم، وهو مجازٌ مفرد. الاشتقاق قلنا: ثلاثة أنواع: اشتقاق صغير، اشتقاق كبير، اشتقاق أكبر. إن كان هناك تناسب في المعنى واللفظ والترتيب فهو الصغير، إن كان هناك تناسب في المعنى واللفظ دون الترتيب فهو الكبير، وإن كان هناك تناسب في المعنى وأكثر الحروف ويكون باقي الحروف من مخرجٍ الحروف الأصلية، أو من مخرجٍ مقارب لها أي مخرجين متقاربين فنقول حينئذٍ: هذا اشتقاق أكبر. الذي يبحث عنه الصرفيون والأصوليون هو الأول؛ ولذلك هو الذي يقدم عندهم، المبحث هذا يبحث في كتب الصرف، كما أنه يُبحث في كتب الأصول، وهذا يدل على أنه ثَمَّ علاقة بين الصرف والأصول، لا يمكن أن يكون أصولياً إلا إذا كان على علم بالصرف والنحو:،
وَالاِشْتِقَاقُ رَدُّكَ اللَّفْظَ إِلَى ... لَفْظٍ وَأَطْلِقْ فِي الذِّي تَأَصَّلاَ
وَفِي المَعَانِي وَالأَصُولِ اشْتَرِطَا ... تَنَاسُباً بَيْنَهُمَا مُنْضَبِطَا
لاَبُدَّ فِي الْمُشْتَقِّ مِنْ تَغْيِيرِ
مُحَقَّقٍ أَوْ كَانَ ذَا تَقْدِيرِ

هذا الشرط لابد منه نسيته بالأمس، وهو أنه لابد أن يكون بين المشتق والمشتق منه تغيير في اللفظ، ضَرَبَ ضرْبٌ حصل تغيير في اللفظ وهو فتح الثاني، حصل التغيير هنا بالحركة ضَرْبٌ هذا مصدر فعْلٌ بإسكان الثاني، اشتققت منه ضَرَبَ، إذًا لابد أن يكون ثَمَّ تغيير في اللفظ بين المشتق والمشتق منه، حصل التغيير هنا بالحركة، حصل بالحركة؛ لأن عين المصدر ساكنة، وعين الفعل الماضي هنا متحركة بالفتح، إذًا حصل التغيير،
لاَبُدَّ فِي الْمُشْتَقِّ مِنْ تَغْيِيرِ
مُحَقَّقٍ .....................


بالحركة أو بزيادة حرف أو بهما، ضرْبٌ نقول: اشتق منه ضارب، هنا واضح أن المشتق منه زيد فيه حرف وكُسِر الثاني، ضَرْبٌ ساكن، قلت: ضارب، إذًا كُسرت العين فَاعِل، إذًا كُسِرَت العين وزيد. إذًا حصل التغيير بين المشتق والمشتق منه،
لاَبُدَّ فِي الْمُشْتَقِّ مِنْ تَغْيِيرِ
مُحَقَّقٍ أَوْ كَانَ ذَا تَقْدِيرِ

إن لم يكن في اللفظ تغيير واضح بيّن من زيادة حرف أو تغيير حركة قالوا: لابد من التغيير، طَلَبَ هذا فعل ماضٍ، مصدره الطَّلَب، هل حصل تغيير؟ لم يحصل، لا في اللفظ ولا في الحركة، قالوا: لابد أن نقدر أن الحركة - حركة اللام في طلَبَ - مغايرة لحركة اللام في طَلَبٍ لابد من التغيير، كما قالوا في فُلْك استوى فيه المفرد والجمع، قالوا: لابد من اعتقاد أن الضمة التي في فُلك الجمع ليست هي التي في المفرد. هنا طلَبٌ فَعَلٌ طلَبَ فعل ماضٍ، أين التغيير؟ نقول: لم يحصل في اللفظ، إذًا لابد من التقدير، أن نقدر أن الَّلام التي حُرِّكت في طَلَب حركتها مغايرة لحركة طلبٍ،
لاَبُدَّ فِي الْمُشْتَقِّ مِنْ تَغْيِيرِ
مُحَقَّقٍ أَوْ كَانَ ذَا تَقْدِيرِ

(باب المصدر وما يشتق منه) قال رحمه الله:
وَمَصْدَرٌ أَتَى عَلَى ضَرْبَيْنِ ... مِيْمِي وَغَيْرِهِ عَلَى قِسْمَيْنِ

(ومصدرٌ) هذا مبتدأ وهو نكرة، وسوغ الابتداء به كونه مقصوداً به الحقيقة، وإذا قصد باللفظ حقيقة الشيء أفاد؛ لأنه يعم من جهة المعنى، والنكرة إذا أفادت صحَّ الابتداء بها،
وَلاَ يَجُوزُ الاِبْتِدَا بِالنَّكِرَهْ
مَا لَمْ تُفِدْ ..................

إذًا إن أفادت فإنه يجوز الابتداء بالنكرة، هنا حصل، لذلك عندما تسمع هذا اللفظ هل تستفيد فائدة أو لا؟ عندما يقال لك: (مصدر أتى على ضربين) استفدت أم لا؟ حصلت الفائدة، من أين حصلت مع كونه نكرة؟ نقول: أفادت، ما وجه الإفادة هنا؟ كونها مقصوداً بها حقيقة الفعل، ذات الفعل، وإذا قصد بالشيء حقيقةُ الشيء عَمَّ أفرادَه. (أتى) هذا فعل ماضٍ، وفاعله ضمير مستتر يعود على (مصدر)، والجملة في محل رفع خبر المبتدأ. (على ضربين) هذا حال متعلق بمحذوف، يعني مصدرٌ أتى حالَ كونهِ كائناً على ضربين، هذا وجه. ولك أن تجعل (مصدر) مبتدأ وجملة (أتى هو) في محل رفع صفة لمصدر. إذًا سوغ الابتداء بالنكرة كونها موصوفة، والجمل هي في معنى النكرات.
وَنَعَتُوْا بِجُمْلَةٍ مُنَكَّرَا
..........


إذاً الجملة في قوة النكرة، ولذا يصح النعت بها (مصدرٌ أتى). إذًا (مصدرٌ) مبتدأ، وجملة (أتى) في موضع رفع نعت لـ (مصدر). (على ضربين) جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر هو الخبر، يعني لك وجهان. (ومصدرٌ) أي اسم الحدث، وسبق أن المصدر في الاصطلاح: هو الاسم الدال على الحدث فقط. مدلول المصدر لفظٌ، لفظ مصدر مدلوله الذي يصدق عليه لفظٌ لا معنى؛ لأنه يدل على الحدث، اسم الحدث، ما اسم الحدث؟ يتنوع بتنوع الأفعال، أكلٌ وشربٌ، ونوم وقراءة وكتابة هذه أحداث، أسماؤها التي تُلفظ باللسان الحروف المجموعة ضربٌ أَكْلٌ شربٌ الألفاظ هذه ليست هي عين الحدث، الألفاظ ليست هي نفس الحدث، فعلُ القراءة شيء واللفظ شيءٌ آخر، اسمه فعل القراءة شيء الذي أنت تفعله، اسم هذا الفعل قراءة، الأكل الحركة، كونك تأكل هكذا وتضع في فمك هذا أكل ليس بلفظ، هو فعل حركة، اسمه أكلٌ، أكلٌ اسم الحدث، أكلٌ مصدر، مصدر مدلوله أَكْلٌ، أَكْلٌ مدلوله نفس الفعل الذي تفعله. إذًا المصدر: هو الاسم الدال على الحدث فقط. فقط ليخرج دلالته على شيء آخر كالصاحب والزمن؛ لأن الفعل يدل على الحدث، واسم الفاعل واسم المفعول والصفة المشبهة وسائر المشتقات تدل على الحدث، لكنها تدل على الحدث فقط؟ لا، تدل على الحدث في الفعل مع الزمن، وتدل على الحدث في المشتقات اسم الفاعل واسم المفعول مع الصاحب. إذًا لم تدل على الحدث فقط، والمصدر هو الاسم الدال على الحدث فقط؛ ولذا قيده ابن مالك بهذا:
الْمَصْدَرُ اسْمُ مَا سِوَى الزَّمَانِ مِنْ ... مَدْلُولَيِ الْفِعْلِ ...................


ما هي مدلولا الفعل؟ الزمن والحدث. قال: (المصدر اسم ما سوى الزمان من) إذًا المصدر اسم الحدث. (ومصدرٌ) أي اسم الحدث، ويسمى حدثاً وحدثاناً وفعلاً حقيقياً واسم معنى، (مصدرٌ) مَفْعَل، سيأتينا أنه يصدق على الحدث، واسم المكان واسم الزمان، وسبق أنه مأخوذ من الصدور؛ لأنه منقول عن صدور الإبل، صدَرَت الإبل عن موضع شربه؛ الأنه في الأصل اسم للموضع الذي تصدر عنه الإبل، ولِمَ سميت؟ لأنها إذا انصرفت عن الماء رويت صدورها، ثم نقله أئمة اللغة إلى الحدث الذي هو فعل الفاعل. (ومصدرٌ) عرفنا حده، ما أقسامه؟ قال: (أتى على ضربين) (أتى) يعني ورد عن العرب، ووصفُه بالإتيان هنا وصف مجازي؛ لأنه ما يأتي هو، وصف مجازي. إذًا (أتى) يعني ورد وجاء وثبت عن العرب، حال كونه (على ضربين) على قسمين، (على نوعين) الضرب والقسم والنوع بمعنى واحد، إذًا المصدر نوعان، سواءً كان مصدرَ الثلاثي أو غيره، مطلقاً المصدر نوعان: (ميمي وغيره)، (ميمي) هذا بَدل مفصل من مجمل؛ لأن قوله: (ضربين) يعني نوعين، هذا فيه إجمال وفيه إبهام، فأبدل منه لإزالة الإبهام والتفصيل بعد الإجمال، فقال: (ميمي) أصله ميميّ بتشديد الياء؛ لأنه نسبة إلى ميم كقرشيّ، وإنما خفَّفَ الياء من أجل الوزن، (ميمي) نسبة للميم لأنه يفتتح بها، ما افتتح من المصادر بالميم فهو مصدر ميمي لكنه ليس على الإطلاق، إنما يُقيَّد المصدر الميمي بكونه ما كان في أوله ميم زائدة على نفس الكلمة، مَقْتَل أصله قَتْلٌ هذا المصدر، قَتْلٌ على وزن فَعْلٌ، فمقتل مفعل تقول: زيدت الميم، الميم زائدة، لأنك تقول: قتل يقتل قتلاً وقاتل، ليس فيه ميم، والحرف الذي يسقط في بعض التصاريف هذا حرف زائد. إذًا مقتل هذا مصدر ميمي؛ لأنه في أوله حرف الميم، وهو حرف زائد على نفس الكلمة ليس أصلاً من الكلمة ميمي، لو كانت الميم أصلية لا يسمى ميمياً في العرف، يعني في الاصطلاح، منَّ يمن منّاً، مناً هذا مصدر مبدوء بالميم، هل هو مصدر ميمي؟ الجواب: لا، لِمَ؟ لأن الميم حرف أصلي، وقيد تسمية المصدر بكونه ميمياً إذا كانت الميم حرفًا زائدًا على نفس الكلمة، أما إن كانت من نفس الكلمة فلا يسمى ميمياً في اصطلاح الصرفيين، مشى يمشي مشياً، مشيا ليس مصدراً ميمياً وإن كان مبدوءاً بالميم، مدَّ يمد مَدًّا، مدا هذا لا نقول: إنه ميمي، لماذا؟ لأن الميمَ حرفٌ أصلي في نفس الكلمة. إذًا النوع الأول أو الضرب الأول من نوعي المصدر: هو المصدر الميمي، سمي ميمياً لأنه مفتتح بالميم، نسبة الكل للجزء، مقتل هذا كل ميم وقاف وتاء ولام، نسبت الجميع إلى الجزء إلى الميم. أليس كذلك؟ من نسبة الكل لجزئه، إذًا المصدر الميمي نقول: هو المصدر الذي افتتح بميم زائدة على أصل الكلمة. (وغيره) النوع الثاني قال: (وغيره) الواو حرف عطف، (وغير) بالكسر عطفاً على (ميمي)؛ لأن (ميمي) بدل مفصل من مجمل (من ضربين)، وبدل المجرور مجرور. إذًا (ميميٍّ) هذا الأصل، ولكن سكنه للوزن، (وغيره) هذا معطوف على (ميمي) والمعطوف على المجرور مجرور، (وغيره) أي غير الميمي، وهو ما لم يفتتح بميم زائدة على نفس الكلمة. إذًا المصدر نوعان: مصدرٌ ميمي، ومصدرٌ غير ميمي.


يعني لم يفتتح بحرف الميم الزائدة على أصل الكلمة. (وغيره على قسمين) (على قسمين) هذا حال من النوع الثاني (وغيره)، غير الميمي حال كونه كائناً (على قسمين)، هذا يسمى لفاً ونشراً غير مرتب؛ لأنه قسَّم (ميمي وغيره)، الأول: ميمي، والثاني: غير الميمي. ثم أراد أن يقسم الثاني وإن كان الأصل أن يقسم الأول، وهذا وارد في لغة العرب أنه قد يُعدل عن الترتيب الأصلي لنكتة، وهو التنبيه أو الإشارة أو الالتفات، وهذا وارد حتى في القرآن {لا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ} (الحشر:20) القسم الأول: أصحاب النار، القسم الثاني: أصحاب الجنة، {أَصْحَابُ الْجَنَّةِ} وصف القسم الثاني، {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ} (آل عمران:106) هذا لف يعني ذكر القسمين {فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ} (آل عمران:106) إذًا بدأ بالقسم الثاني، ثم قال: {وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ} (آل عمران107) بدأ بالقسم الأول، هذا يسمى لفًا ونشرًا غير مرتب. (ميمي وغيره)، ثم قال: (على قسمين)، قسَّم الثاني وترك الأول؛ لأن الثاني محصور وقليل، والكلام عليه قليل، والأول فيه طول فيحتاج إلى بسط. إذًا عدل عن الترتيب لنكتة، وهو أن القسم الثاني الكلام عليه قليل، والقسم الأول الكلام عليه طويل، فقدم ما قلَّ عليه الكلام على ما كثر، (على قسمين) نقول: هذا حال من غير، (غيره) غير الميمي حال كونه كائناً (على قسمين)، إذًا جاءت الحال من النكرة هنا أليس كذلك؟ ويشترط في صاحب الحال أن يكون معرفةً، فكيف الجواب؟ معرّف بالإضافة، (غير) مضاف والهاء مضاف إليه، غير نكرة والهاء الضمير معرفة فاكتسب التعريف، لكن يقولون: غير متوغلة في الإبهام، لذلك لا تتعرف، لكن في مثل هذا التركيب نقول: غير الأصل فيها أنها متوغلة في الإبهام، إلا إذا وقعت بين ضدين فإنها تتعرف. تقول: (ميمي وغيره) جاء زيدٌ وغيره، غير زيد من؟ العالم كله يصدق عليه، إذًا هل تعرّف؟ ما تعرّف، أليس كذلك؟ جاء زيد وغيره، جاء زيد وغير زيد، من غير زيد؟ خالد ومحمد وبكر و .. و .. و ... الخ، إذًا هل تعرَّف بالإضافة؟ ما تعرَّف، إلا إذا وقعت بين ضدين، الحركة غير السكون، إذًا غير السكون معرّف أو ليس معرفاً؟ لأن له فرداً واحداً وهو الحركة غير السكون؟ نقول: هذا تعرف بالإضافة، لماذا؟ لأنّ غير السكون المغاير للسكون هو الحركة، إذًا إذا وقعت بين ضدين، نقول: اكتسبت التعريف من المضاف إليه. هنا عندنا بالحصر والاستقراء والتتبع لكلام العرب المصدر مطلقاً ليس إلا ميميًّا أو غير ميمي، إذا لم يكن غير ميمي فهو ميمي، أليس كذلك؟ إذًا مثل السكون ضد الحركة، (على قسمين) نقول: هنا جاء من صاحب الحال وهو معرفةٌ؛ لأن غير في هذا التركيب اكتسبت التعريف من الضمير، (على قسمين) على ضربين على نوعين،
مِنْ ذِي الثُّلاَثِ فَالزَمِ الَّذِي سُمِعْ ... ..............................


(من ذي الثُّلاثِ) أو (من ذي الثَّلاثِ)، لك أن تضبطه هكذا أو كذا، (على قسمين من ذي) يعني من قسم كائن من الفعلِ المجرَّد، (ذي) هذا بمعنى صاحب، (ذي الثَّلاث) يعني (ذي) صاحب الأحرف (الثَّلاثِ) وهو الفعل الثُّلاثي المجرد، (من ذي الثُّلاث) من صاحب اللقب الثُّلاثِي، وإن كان في الشرح حل المعقود ظاهر كلامه أنه (من ذي الثَّلاثِ)؛ لأنه قدره هكذا: من الفعل المجرد (ذي) أي صاحب الأحرف (الثَّلاث)، وظاهر العبارة أن الثلاث بالفتح هنا. أو من ذي الثُّلاثِ يعني من الفعل صاحب اللقب الثلاثي وهو الذي تَألف من ثلاثة أحرف، (من ذي الثُّلاثي) غيرِ الميمي من الفعلِ المجرَّد ذي الثُّلاثي (من ذي) (من) حرف جر، و (ذي) ليست اسم إشارة، أنا قلت: (من ذي) يعني بمعنى صاحب، إذًا من الأسماء الستة التي رفعها بالواو ونصبها بالألف وجرُّها بالياء، (من ذي الثلاث) اسم من الأسماء الستة مجرور بالياء المحذوفة للتخلص من التقاء الساكنين، إذًا (من ذي الثُّلاثي) تعرب الملفوظ لا المرسوم. (فالزم الذي سمع) أمر من الإلزام بمعنى احفظ، احفظ الذي سمع عن العرب، (الذي سمع) (سُمِع) هذا فعل ماضٍ مغيَّر الصيغة، نائبه يعود على (ذي الثُّلاث) يعني من الفعل الثلاثي (الذي سُمع)، عندهم عند البيانيين أن الموصول مع صلته في قوة المشتق، يعني يصح أن تحذفه وتأتي باسم الفاعل أو اسم المفعول، (من ذي الثلاث فالزم الذي سمع) يعني فالزم المسموع، يعني احفظ المسموع ولا تقس عليه غيره، لماذا؟ قالوا لكثرته تعذَّر ضبطُه، إذًا يكون باب الثلاثي أو مصادر باب الثلاثي المجرد كلها مسموعة وليست مقيسة. إذًا يسمع السامع الفعل وإذا أراد أن يعرف مصدره فلابد من الرجوع إلى معاجم اللغة، لابد من الرجوع إلى كتب المعاجم ليعرف بماذا نطقت العرب بمصدر فِعْل كذا، وهل له أن يأتي من عنده بشيء؟ الجواب: لا، ينبغي أن يقف على ما ورد عن العرب، فكل ما كان من الفعل الثلاثي فمصدره سماعي. إذًا المصدر قد يكون مصدراً سماعياً وهو المصدر الذي يلزم حفظه عن العرب، هذا المصدر السماعي، وهو محصور في الفعل الثلاثي،
...................... ... وَمَا عَدَاهُ فَالقِيَاسَ تَتَّبِعْ

هذا هو المصدر القياسي. إذًا المصدر نوعان: مصدر ميمي ومصدر غير ميمي، غير الميمي قسمان: مصدرٌ سماعي ومصدرٌ قياسي، المصدر السماعي: هو المصدر الذي يلزم حفظه عن العرب، ولا يجوز لك أيها الناطق أن تقيس عليه ما لم يسمع، فإذا ورد فعلٌ ولم ينطق العرب بمصدره تتوقف، تبحث في كتب اللغة فإن لم تحصل على مصدر له تتوقف فيه، لماذا؟ لأن العرب لم تنطق بمصدر هذا الفعل. إذًا المصادر السماعية محصورة في المجرد الثلاثي، هذا قولٌ ونسب لسيبويه، أن جميع مصادر الفعل الثلاثي سماعية ولا ينقاس منها شيء.
المذهب الثاني ونسب إلى سيبويه وهو اختيار ابنُ مالك رحمه الله: أنه قياسي، ولكن قياسي فيما لم يسمع له مصدر، أما إن سمع له مصدر فيوقف عندما سمع، فقالوا مثلاً:
فَعْلٌ قِيَاسُ مَصْدَرِ الْمُعَدَّى ... ....................


من فَعَل وفَعِل، إذًا كل ما كان على ماضيه فَعَل أو فَعِل وهو متعدي مصدره على فَعْلٌ، إن سُمِع له مصدر مغاير لفَعْل لا ينقاس على فَعْل، وإنما يجب الوقوف عندما سمع، قالوا: ضَرَبَها الفَحْل ضِراباً، ضَرَبَها القياس ضَرْباً،
فَعْلٌ قِيَاسُ مَصْدَرِ الْمُعَدَّى ... مِنْ ذِيْ ثَلاَثَةٍ كَرَدَّ رَدًّا

فَعْلٌ قياس مصدر المعدَّى من ذي ثلاثة ... فَعْل ضَرَب ضرباً ضربت زيداً ضَرْباً
وَأَوْجَبَتْ لَهُ النُّحَاةُ النَّصْبَا ... فِي قَوْلِهِمْ ضَرَبْتُ زَيْداً ضَرْبَا

ضَرْباً هذا هو القياس، لكن ضَرْباً هنا ليست هي ضَرَبَها الفَحْل المعنى مختلف والألفاظ واحدة، هناك قيل: سُمِع ضَرَبَها الفَحْل ضِرَاباً، وضَرَبَها هذا فَعَل مُتعدي، والأصل أن يقال: ضَرَبَها الفَحْل ضَرْباً، لكن لم يسمع ضَرْباً، وإنما سُمِع ضِراباً، فقال ابن مالك وسيبويه: يجب الوقوف عندما سمع ولا ينقاس، فلا يصح أن يقال: فَعْلٌ. هذا مذهب ابن مالك، ونسب لسيبويه. مذهب الفراء: أنه ينقاس مطلقاً فيما سمع وما لم يسمع.
إذًا مصادر الفعل الثلاثي المجرد هل هي سماعية أم قياسية؟ تقول: على ثلاثة مذاهب:
المذهب الأول الذي اختاره الناظم هنا تبعاً لابن الحاجب في الشافية وغيرها: أنه سماعي، ولا ينقاس منه شيء؛ لأنه كثير لم يمكن ضبطه، يتعذر ضبطه.
المذهب الثاني وهو مذهب ابن مالك وهو المرجح عند المحققين: أنه قياسي، ولكنه قياسي فيما لم يُسمع له مخالف لما جُعل قياساً، فإن سُمع مخالف له جُعِل المسموعُ هو المصدر، ولا ينقاس غيره.
المذهب الثالث وهو مذهب الفراء: أنه ينقاس مطلقاً فيما سمع وما لم يسمع.
إذًا نقول: الفعل الثلاثي المجرد على القول بأنه قياسي، ابن الحاجب رحمه الله ظاهر كلامه في الشافية أنه يميل إلى أنه سماعيٌّ مطلقاً، ولكن جعل ما جعله ابن مالك قياسي هو الغالب، وابن مالك رحمه الله قعَّد قواعد تبعاً لغيره من المتقدمين وجعلها هي القياس وما عداه ينقاس عليه، فيكون الفرق بين القولين: ابن الحاجب رحمه الله ما لم يرد فيه السماع يوقف فيه، وعند ابن مالك ما لم يرد فيه السماع يقيسه على القاعدة، ما هي القاعدة عند ابن مالك؟ يقول: الفعل الثلاثي المجرد لا يخلو من ثلاثة أبنية: فَعَل أو فَعِل أو فَعُل، كل منهما من فَعَل وفَعِل يكون لازماً ويكون متعدياً، ما كان متعدياً من الثلاثي من باب فَعَل أو فَعِل قياس مصدره فَعْلٌ.
فَعَل المتعدي فَعِل المتعدي تقول: قياس مصدره فَعْلٌ، ضَرَبَ ضَرْباً، نَصَرَ نَصْرًا، فَهِمَ فَهْمًا، أَمِنَ أَمْنًا، ردَّ ردًّا،
فَعْلٌ قِيَاسُ مَصْدَرِ الْمُعَدَّى ... مِنْ ذِيْ ثَلاَثَةٍ كَرَدَّ رَدًّا

إذًا القاعدة الأولى أو القياس الأول ما كان على وزن فَعَل وفَعِل المتعدي منهما قياسه فَعْلٌ بفتح الفاء وسكون العين.
فَعِل اللازم هذا يأتي مصدره على فَعَل بفتح الفاء والعين، فَرِحَ زيدٌ فَرَحًا، فَرَحًا هذا مصدر ماضيه فَرِح، إذًا ما كان على زنة فَعِل وهو لازم نقول: يأتي على فَعَل بفتح الفاء والعين، فَرِحَ فَرَحًا، جَوِيَ جَوًى بالتنوين وحَذْفِ الألف، شَلَّت يَدُه شلَلاً،
وَفَعِلَ اللَّازِمُ بَابُهُ فَعَلْ ... كَفَرَحٍ وَكَجَوًى وَكَشَلَلْ


هذا الضابط أو القياس.
الثالث: فَعَل اللازم يأتي مصدره قياساً على فُعُول، خرج زيد، هذا فَعَل وهو لازم، نقول: قياس مصدره على الفُعُول بضم الفاء والعين، خَرَجَ خُرُوجًا، جَلَسَ جُلُوسًا، نَهَضَ نُهُوضًا، بَكَرَ بُكُورًا، تأتي به على زنة فُعُول.
إذًا فَعَل فَعِل فَعُل، فَعَل المتعدي وفَعِل المتعدي يأتي منهما المصدر قياساً على فَعْلٍ بفتح فسكون، فَعِل الَّلازم يأتي المصدر منه على زنة فَعَلٍ فَرَحٍ، فَعَلَ اللازم بفتح العين يأتي مصدره قياساً على الفُعُول، هذا الضابط العام، هناك استثناءات في كل بناء لكن نتركها من باب الاختصار. إذًا فَعَل فَعِل، بقي فَعُل، فَعُل له مصدران فَعُل اللازم لا يكون إلا لازماً، يأتي على زنة فُعُولَة وفَعَالة، صَعُبَ صُعُوبَةً، سَهُلَ سُهُولَةً، جَزُلَ جزالة، عَذُبَ عُذُوبَةً، فَصُحَ فَصَاحَةً، ضَخُمَ ضَخَامَةً، إذًا ما كان على وزن فَعُل بضم العين له مصدران له قياسان: فُعُولةٌ وفَعَالةٌ. واضح هذا؟. إذًا فَعَل فَعِل فَعُل، ما كان متعدياً من باب فَعَل وفَعِل فَعْل، ما كان لازمًا من باب فَعِل فَعَل، ما كان لازمًا من باب فَعَل الفُعُول، فَعُل له مصدران، هذا هو القياس عند ابن مالك رحمه الله تعالى. هناك استثناءات تجدونها في شذى العرف ونحوه، لكن هذه القاعدة العامة، وكل قاعدة لها استثناءات، هذا عند ابنِ الحاجب رحمه الله هو الغالب، وما لم يأتِ على هذه الأوزان فهو موقوفٌ فيه، يعني ما لم يُسمع موقوف فيه، أما عند ابن مالك رحمه الله تعالى لا، ما لم يسمع ينقاس على هذه الأوزان المذكورة، عند ابن الحاجب أنَّ هذه الأوزان أغلبية؛ لأنه يرى أن الثلاثي كله سماعي، فهذا أغلبي، وما عداه ما لم يسمع يوقف على ما سمع عليه ولا ينقاس على المسموع. قال هنا: (من ذي الثُّلاث فالزم الذي سمع .... وما عداه) يعني والذي جاوز، قلنا: قسم كائن (من ذي الثُّلاثِ)، وقسم مـ (ما عداه)، يعني من الفعل الذي (عداه) الضمير يعود على (الثُّلاثِ)، إذًا الذي جاوز الثلاث (فالقياس تتبع) تتبع القياس، (فالقياس تتبع)، (ما عداه) (ما) اسم موصول بمعنى الذي يَصدق على الفعل، وهو مبتدأ هنا في محل رفع مبتدأ، (عداه) هذه صلة الموصول لا محل لها من الإعراب، (فالقياس تتبع) (فالقياس) الفاء هذه رابطة للخبر بالمبتدأ؛ لأن القاعدة أن المبتدأ إذا كان فيه معنى العموم أو كان لفظاً من ألفاظ العموم جاز أن تُدخل الفاء على الخبر رابطة للخبر بالمبتدأ، يعني يربط بين الجزأين لكنه جوازاً. (فالقياس تتبع) يعني تتبع أيها الصرفي القياس، يعني تقيس ما لم يسمع على ما سُمع، لِمَ فرقوا بينهما؟ قالوا: لأن الثلاثي كثير، المسموع كثير، وليس على سنن واحد، فيه اضطراب، ولذلك لا يمكن أن يجعل قياساً، أما ما عدا الثلاثي وهو الصادق على الرباعي المجرَّد والمزيد، والخماسي والسداسي، فهذا جاء على سنن واحد، مصادره قليلة يمكن ضبطها، وما عداه يقال: إنه شاذ.


إذًا (وما عداه) والذي عدا الثلاثي الذي تجاوز ثلاثة أحرف (وما عداه) وما جاوز الثلاثي وهو الرباعي (فالقياس تتبع)، ما هو القياس؟ عرفنا الثلاثي المجرد، نقول: الرباعي المجرد له وزنان، أو مصدره يأتي على فَعْلَلَةٍ وهذا هو القياس، وفِعْلاَلٍ وهذا سماعي، دحرج يدحرج دحرجةً، دحرجةً هذا هو القياس، ودِحراجاً فِعْلاَلاً هذا هو السماعي،
فِعْلاَلٌ اوْ فَعْلَلَةٌ لِفَعْلَلَا ... وَاجْعَلَ مَقِيساً ثَانِياً لَا أَوَّلَا

هكذا قال ابن مالك، إذًا فَعْلَلَ دَحْرَجَ، سَرْهَفَ يُسَرْهفُ سَرْهَفَةً، سَرْهَفَةً هذا هو المصدر القياسي، سِرْهَافًا هذا مصدرٌ سماعي، لذلك قلنا في الملحق هناك: القيد في اتحاد المصدرين في المصدر الأول، لِمَ؟ لأنه هو الذي يطرد، وما عداه الثاني فِعلال لا يطرد، فدل على أنه ليس قياسياً، وإنما يسمع في بعض أمثلة الرباعي ولا يسمع في بعضها الآخر، هذا هو الرباعي. الرباعي المزيد الذي أصله ثلاثي نرجع إلى السابق الذي أصله الثلاثي نسير على ما سبق،
أَوَّلُهَا الرُّبَاعِ مِثْلُ أَكْرَمَا ... وَفَعَّلَ وَفَاعَلاَ كَخَاصَمَا


نقول: الرباعي المزيد إما أن يكون على زنة أَفْعَل، أو فَعَّل، أو فَاعل، ثلاثة أوزان، هل يزيد عليها رابع؟ لا، نقول: مصدر أَفْعَل أكرم يأتي على الإِفعال، له مصدر واحد، أَكْرَم يكرم إكرامًا، إذًا يسهل حفظه ويمكن أن يقاس عليه غيره، إذًا منضبط جاء على سنن واحد مطرد، ألفاظ معلومة مقدرة تحفظ، وغيرها يقاس عليها، أكرم يكرم إكراماً، أَسقط يسقط إسقاطاً، أخرج يخرج إخراجاً، لكن هذا إذا كانت عينه صحيحة، أما إذا كانت عينه معتلة فهنا كأقام تقول: المصدر إقامةً، أَقَامَ هذا على وزن أَفْعَلَ عينه معتلة؛ لأن أصله أَقْوَمَ على وزن أَفْعَل، الواو مفتوحة وما قبلها ساكن، أَقْوَم كأَكْرَم نُقلت حركةُ الواو إلى القاف الساكن قبله وهو صحيح، نُقِلت حركة الواو إلى الساكن قبلها، فتقول: - بتركيب الطرفين - تحركت الواو باعتبار الأصل؛ لأنه كيف نقول: أقام؟ لابد من توفر العلة كاملة وهي تحرك الواو وانفتاح ما قبلها. العرب هل نطقت أقْوَم أو نطقت أَقَام؟ أقام، والقياس المطرد أنه لا تقلب الواو ألفاً إلا بجزأي العلة أو العلة كاملة وهي تحركها وانفتاح ما قبلها، أفْعَل أقْوَم، لم يتحرك ما قبل الواو، إذًا نقول: أقوم نقلت حركة الواو إلى ما قبلها القاف، فتحركت الواو باعتبار الأصل وانفتح ما قبلها باعتبار الآن فقلبت الواو ألفاً، فصار أقام، المصدر منه على الإِفْعَال، الألف هذه التي بين العين واللام زيدت للدلالة على المصدر، إذًا هي زائدة لمعنى، إذا قُلبت العين ألفاً في الماضي، كذلك تقلب ألفاً في المصدر، وهذه من حججِ الكوفيين بأن المصدر فرع لا أصلٌ، أقام، تقول في المصدر: إقْواماً، أَقَام إِقْوَاماً إفْعَالاً إكْرَامًا، زدتَ ألف بين العين واللام إقواماً، نُقلت حركة الواو لأن العرب لم تقل إقواماً قالت إقامة، إذًا نقلت حركة الواو إلى ما قبلها، فنقول: تحركت الواو باعتبار الأصل وانفتح ما قبلها باعتبار الآن فقلبت الواو ألفاً، ماذا حصل؟ التقى ألفان، لا يمكن تحريك الأول؛ لأنَّ الألف لا تقبل فحذفت أحد الألفين، وهناك صراع كبير في أي الألفين هي المحذوفة، لكن سواء كانت الأولى أو الثانية لا إشكال، لابد من حذف إحداهما، حُذِفَت أحد الألفين فعوض عنها التاء في الأخير، فقيل: إقامةً، هذه الألف إقامةً إما أن تكون هي العين وألف الإفعال محذوفةً، وإما أن تكون ألف الإفعال وعين الكلمة محذوفة، وعوض عن المحذوف، لأنه إما عين وهو أصلٌ، وإما ألف دالة على معنى عُوِّض عنها التاء،
................ ... ...... وَغَالِباً ذَا التَّا لَزِمْ

عند ابن مالك غالباً ليس مطرداً؛ لأنه جاء في القرآن {وَإِقَامِ الصَّلَاةِ} [النور:37] قال: هذه التاء هنا حذفت، هل حذفت من أجل الإضافة أو أنها مطلقاً؟ فيه نزاع، المهم أنها قد تحذف في بعض المواضع، والأصل أن يعوض عن المحذوف سواء كان ألفاً ألف الأفعال أو عين الكلمة أن يعوض عنها التاء. إذًا نقول: أفعل أكرم المصدر يأتي على الإفعال، هذا متى؟ إذا كان صحيح العين، أما إذا كانت عينه معتلة كإقامة، أقوم أقام نقول: يأتي على إقامةٍ. واضح هذا؟.


(وفَعَّل)، فَعَّل هذا من الرباعي المزيد، فَعَّل إما أن يكون صحيحاً أو معتلاً مثل أَكرم، إن كان صحيحاً جاء على التفعيل، فعَّل تفعيلاً كلَّم تكليماً {كَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيماً} [النساء:164] قَدَّس تقديساً، خَرَّج تخريجاً، علَّم تَعليماً، هذا إن كان على زنة فعَّل وهو صحيح، الوزن المطرد التفعيل. قيل: يأتي على فِعَّال وفِعَال، زيد، وهذا فيه خلاف هل يأتي على فِعَّال؟ بعضهم يجعله سماعي، وبعضهم يجعله قياسي كابن عقيل، {وَكَذَّبُوا بِآياتِنَا كِذَّاباً} [النبأ:28] كذَّب فعَّل، الأصل أن يقال: تكذيباً تفعيلا، مثل ما قال: كلَّم تكليماً، لكن جاء (كِذَّاباً) هل هو مقيس أو سماعي؟ فيه نزاع، لكن عدّه ابن عقيل أنه قياسي فِعَّال، وقُرِأَ {وَكَذَّبُوا بِآياتِنَا كِذَاباً} بالتخفيف. إذاً يأتي على فِعَّال وعلى فِعَال، هذا فعَّل إن كان صحيحاً له ثلاثة أوزان عند بعض الصرفيين: التفعيل وهو الغالب المطرد، فِعَّال، فِعَال. إن كان معتلاً فيأتي أيضاً على التفعيل، ولكن تحذف ياؤه ويعوض عنه التاء، زكَّى تزكيةً، حُذِفت الياء وعُوِّض عنها التاء، ربَّى تربيةً، نمَّى تنميةً، على وزن تَفْعِلَة. إذًا يأتي على تَفْعِلَة بحذف الياء وتعويض التاء عنه، هذا إن كان معتلاً، زد على ذلك المهموز يأتي على النوعين: التفعيل والتَفْعِلَة، خطَّأَ تخطأة وتخطيئًا، نبَّأَ تنبأةً وتنبيئًا، جزَّأ تجزئةً وتجزيئًا. إذًا نقول: فعَّل إما أن يكون صحيحاً أو معتلاً أو مهموزاً، إن كان صحيحاً فمصدره المقيس عليه التفعيل، وزد على ذلك فِعَّال وفِعَال. إذاً له ثلاثة أوزان، إن كان معتلاً مثل زكّى فنقول: يأتي على التفعلة، الأصل هو التفعلة هو التفعيل، ولكن حصل إعلال بحذف الياء وتعويض التاء عنه، صلَّى تصليةً، وزكَّى تزكيةً، وربَّى تربيةً تَفْعِلَة، إن كان مهموزاً يأتي على الوزنين خَطَّأَ تخطأة تَفْعِلَةً، وتخطيئًا تفعيلاً، هذا فعَّل.
(وفَاعل) بزيادة الألف فَاعل المصدر يأتي على فِعَال والمفاعلة،
لِفَاعَلَ الْفِعَالُ واَلْمُفَاعَلَهْ ... .......................

خَاصم خِصاماً ومُخَاصمة، له وزنان، له بناءان، قياس مصدره خَاصم يخاصم خِصاماً فِعَالاً ومُخَاصمة، قاتل يقاتل قتالاً ومقاتلة، ضارب يضارب ضِراباً ومضاربة، هذا فاعل.
هذا الرباعي المزيد وأصله ثلاثي، له ثلاثة أوزان: أَكرم وفعَّل وفاعل، كلُّها مقيسة.
وَاخْصُصْ خُمَاسِيًّا بِذِي الأَوْزَانِ ... فَبَدْؤُهَا كَانْكَسَرَ وَالثَّانِي


القاعدة العامة في الخماسي والسداسي له قاعدتان: ما كان مبدوءاً بهمزة الوصل وهو انكسر، افتعل افعَّل هذا في الخماسي، استفعل افعوعل افعوَّل افعنلى وافعنللا وافعال ما قد صاحب اللامين هذه كلها لها قياس واحد، وهو كَسر الحرف الثالث وزيادة مدٍّ قبل آخره، هذا هو القياس، سهل، كم مصدر الآن؟ كم فعل؟ تحفظ قياس واحد انطلَق انفعل، انطَـ الطاء مفتوحة، اكسرها انطِـ، زِد ألفاً قبل آخره انطِلاق، انطلق ينطلق انطِلاقاً، انكسَر ينكسِر انكِساراً، افتَعَل اجْتَمَعَ يجتَمِع اجتِمَاعاً اجتَـ التاء مفتوحة تكسر الثالث اجتماعاً، افعلَّ احمرَّ يحمرُّ احمراراً، هنا انفك الإدغام، احمرَّ اجتمع مثلان، احمرَّ الأخير راء وقبله راء، قلنا المصدر: تكسِر الحرف الثالث احمِرا زدت قبل الأخير ألف انفك الإدغام، لذلك نقول: احمراراً، ليس عندنا إدغام، لماذا؟ لزوال الموجب، لم أدغم في احمرّ؟ لتوالي المثلين، وهنا فُرِّق بينهما بالألف؛ لأنه يزاد قبل الأخير مدٌّ، فقيل: احمراراً، اصفراراً اخضراراً، استفعل نحو اسْتَخرج، تقول: اسْتِخْرَاجاً، تكسر الثالث وتزيد ألف مد قبل آخره تقول: استخرج يستخرج استخراجاً، اسْتَغْفَرَ يستغفر استِغفاراً، هذا إن كان صحيحاً، أما إن كان معتلاً فهو أخو أكرم، أقام هنا استقامة، استقام أصلها استقْوَم، كيف صار استقامة؟ نقول: نقلت حركة الواو إلى ما قبلها، تحركت الواو باعتبار الأصل وفَتِحَ ما قبلها باعتبار الآن فقلبت الواو ألفاً، استقام، أصله استقْوَم على وزن استفعل، المصدر منه استقوامًا، نقول: اسْتِـ هذا كسرت الثالث، قْوَامًا نقول: الواو هذه حركتها نقلت إلى ما قبلها، فتحركت الواو باعتبار الأصل وفتح ما قبلها باعتبار الآن فقلبت الواو ألفًا، فاجتمع عندنا ألفان الألف المنقلبة عن العين والألف الزائدة للمصدرية، فحذفنا إحداهما، أيهما المحذوف؟ على نزاع، وعوَّضنا عن المحذوف تاء فصار استقامةً، استقام استقامة. افْعَوْعَل اعْشَوْشَب يعشَوْشِب اعشِوْشَاباً، لكن المصدر افعيعالاً، اعشِوْ سكنت الواو وكُسِر ما قبلها فقلبت الواو ياءاً، صار اعشيشاباً. افْعَوَّل اجْلَوَّذَ اجلِوَّاذاً افْعِوَّالاً بكسر الثالث وزيادة مدٍّ قبل الآخر. افعنلى اسلنقى اسلنقاياً تطرفت الواو فقلبت همزةً. افعنلل اقعنسس اقْعِنْسَاساً كسر كسرنا الثالث وزدنا ألف قبل آخره. افْعَالَّ احمارّ افْعِيْعَالاً احميْراراً، هذه ما كان مبدوءاً بهمزة الوصل من الخماسي والسداسي القاعدة قياس مصدره: بكسر الحرف الثالثِ وزيادةُ مدٍّ قبل آخره.


بقي معنا ما كان مبدوءاً بالتاء، سواء كان من الخماسي أو من السداسي، ما كان مبدوءاً بالتاء تضم الرابع فقط، تَعَلَّمَ يتعلم تعلُّماً هذا مصدره، سهل، تعلَّم تعلُّمًا، تحلم تحلُّماً، تصبَّر تصبُّراً، تفاعل تفاعُلاً، ما كان مبدوءاً بالتاء تضم الرابع، تباعدَ تباعُداً، تقاتل تقاتُلاً، تباعَد تباعُدًا، (ثُمَّ الخُمَاسِيْ وَزْنُهُ تَفَعْلَلاَ) تَدَحْرَجَ تَدَحْرُجًا. (ذِي سِتَّةٍ نَحْوُ افْعَلَلَّ افْعَنْلَلاَ) هذا داخل فيما سبق. إذًا تقول: الخلاصة أن مصادر الفعل الثلاثي اختلف فيها الصرفيون هل هي قياسية أم سماعية، المرجح عند ابن مالك والمنسوب عند المحققين لسيبويه أنه مقيس، والقياس ما ذكر باب فَعَل وفَعِل المتعدي يأتي على فَعْل بفتح فسكون، وفَعِل اللازم يأتي على فَعَل، وفَعَل اللازم يأتي على الفُعُول، وفَعُل له مصدران: فعولة وفعالة، سُهُولة وجزالة. والرباعي والخماسي والسداسي هذه مقيسة عند الجميع لا خلاف فيها، وباب كلٍ كما ذكر، ومتن البناء مخصص لهذه الأبواب فقط من أوله لآخره، من أراد الاستيعاب في مثل هذه المسائل فليرجع إلى شروح متن البناء فإنه مخصص لهذه الأبواب، ذكر ستة وثلاثين أو خمسة وثلاثين باباً، هل هي متعدية أو لا؟ والشراح ما شاء الله يعني زادوا، خاصة كتاب الأساس فإنه أطنب. ونقف على هذا.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.