شرح نظم المقصود عناصر الدرس
* باب المصدر ومشتقاته.
* بيان أن الأصل المصدر للفعل والمشتقات.
* الإشتقاق وكيفيته.
بسم الله الرحمن الرحيم
باب المصدر وما يشتق منه
انتقل الناظم رحمه الله تعالى بعد أن بين لنا فعل الثلاثي المجرد
وأوزانه في الماضي والمضارع، والفعل الرباعي المجرد ووزنه في الماضي
والمضارع، وكذلك بين لنا المزيد الثلاثي المزيد والرباعي المزيد، انتقل
إلى عقد باب ليبين لنا المشتقات المصدر والمشتقات، فقال رحمه الله
تعالى:
(باب المصدر وما يشتق منه) هذا الباب كما ترى (باب المصدر) إذاً مضاف
ومضاف إليه، وقد تمت الفائدة به، ومن المعلوم أن الكلام لا يتم إلا
بتركيب لابد أن يكون مركباً، الكلام: هو اللفظ المركب المفيد بالوضع.
لابد أن يكون مركباً، والمراد بالتركيب الذي هو قيد الكلام: التركيب
الإسنادي لا التركيب الإضافي، وهنا (باب المصدر وما يشتق منه) عطف على
المصدر، (باب المصدر) إذاً مضاف ومضاف إليه، تركيب إضافي وقد حصلت
الفائدة به. إذاً لا بد أن يكون ثَّم محذوف، لابد أن يكون في الكلام
محذوفًا، لماذا؟ لأن الفائدة حصلت التي هي الفائدة التركيبية، الفائدة
الكلامية، الفائدة التامة، والفائدة التامة تستلزم التركيب الإسنادي،
فإذا وجدت الفائدة التامة لابد أن تكون ثمرة التركيب الإسنادي، وعندنا
تركيب إضافي، إذاً لابد من التقدير فأصل التركيب: هذا باب المصدر، هذا
المبتدأ أو باب خبر حصلت الفائدة بالتركيب الإسنادي، إذاً الحذف جائز
والتقدير واجب، في مثل هذه التراكيب لابد من التقدير؛ لأجل تصحيح
النظم، ويجوز بعد ذكره أن يحذف هذا باب، (باب) هذا يجوز فيه الرفع
والنصب والجر كما سبق مراراً في الشروحات السابقة، أما الرفع فله
وجهان: إما أن يكون خبراً لمبتدأ محذوف هذا بابُ المصدر، ها: حرف
تنبيه، ذا: اسم إشارة مبني على السكون في محل رفع مبتدأ، (بابُ) خبر
المبتدأ، (باب) مضاف، والمصدر مضاف إليه هذا الوجه الأول. الوجه الثاني
في الرفع: أن يكون (باب) مبتدأ، وخبره محذوف وهو الجملة الإسمية،
تقديره: باب المصدر هذا محله، (باب) مبتدأ وهو مضاف، و (المصدر) مضاف
إليه، هذا محله مبتدأ وخبر والجملة في محل رفع خبر المبتدأ. إذاً الرفع
فيه وجهان: إما أن يكون مبتدأ لخبر محذوف، أو أن يكون خبراً لمبتدأ
محذوف. وأيهما أولى مع جواز الوجهين؟ أن يكون خبراً لمبتدأ محذوف؛ لأنه
إذا دار الكلام على أن يكون المحذوف هو المبتدأ أو الخبر مع جواز كلٍ
فالأولى عند البيانيين أن يكون المبتدأ هو المحذوف، لماذا؟ لأن أصل
التركيب المبتدأ والخبر أن المبتدأ يكون معلوماً عند المخاطَب] والخبر
يكون مجهولاً، وحذف المعلوم أولى من حذف المجهول؛ لأن الخبر حكم والحكم
الأصل فيه أنه مجهول، الأصل في المخاطب أن يكون جاهلاً للحكم، فلذلك
نقول: الأولى أن يكون المبتدأ هو المحذوف، هذه نكتة بلاغية إذا دار
الأمر بين أن يكون المبتدأ هو المحذوف أو الخبر فنقول: الأولى جعل
المبتدأ هو المحذوف؛ لأنه في الأصل معلوم عند المخاطب، والحكم إنما جيء
به لبيان المجهول؛ لذلك المبتدأ يعتبر توطئة لذكر الخبر. هذا الوجه
الأول وهو الرفع.
الوجه الثاني: النصب (بابَ)، النصب وهذا
يكون إعرابه على أنه مفعول به لفعل محذوف اقرأ (بابَ المصدر)، (بابَ)
إذًا نقول: مفعول به، والعامل فيه محذوف جوازاً؛ لأنه معلوم من السياق
(بابَ المصدر)، يعني اقرأ (باب المصدر).
الوجه الثالث: الجر وهذا على رأي الكوفيين، (بابِ المصدر) يعني انظر في
(بابِ)، فحُذف المتعلِّق مع متعلَّقه شذوذاً عند البصريين وجائزًا عند
الكوفيين.
وَعَدِّ لاَزِماً بِحَرْفِ جَرِّ ... وَإِنْ حُذِفْ فَالنَّصْبُ
لِلْمُنْجَرِّ
نَقْلاً ................... ... .......................
عند البصريين إذا حذف حرف الجر وبقي الاسم المجرور يجب أن ينصب على نزع
الخافض، قال: (وعدِّ لازماً بحرف جر وإن حذف) يعني حرف الجر (فالنصب
للمنجر نقلاً) يعني منقولاً، (نقلاً) مصدر بمعنى اسم المفعول، يعني
منقولاً عن العرب هو سماعي يحفظ ولا يقاس عليه، وعليه لا يصح أن نقول:
(بابِ)، ثم نحذف حركة الكسر التي أحدثها الحرف المحذوف، فنقول (بابَ)
على أنه منقول من الجر، لماذا؟ لأنه سماعي، والسماعي يوقف عنده ولا
يقاس عليه غيره. إذاً هذه ثلاثة أوجه من جهة الإعراب (باب المصدر وما
يشتق منه)، تُحكى في كل باب في كل فن كلما مرّ عليك كتاب أو باب
فتعربها بهذه الأوجه الثلاثة، بعضهم يجوِّز التسكين (بابْ المصدرُ وما
يشتق منه) لكن هذا فيه ضعف. (باب) أصله بَوَب من جهة اللفظ الألف هذه
منقلبة عن واو، والدليل على أنها منقلبة عن واو التصغير والجمع،
وَصَغِّرِ البَابَ فَقُلْ بُوَيْبُ ... ........................
إذاً بويب تصغير (باب) على وزن فُعيل، رجعت الواو التي انقلبت ألفاً،
لمَ؟ لأن التصغير يرد الأشياء إلى أصولها، فهذه الألف في (باب) منقلبة
عن واو، فنقول: (باب) أصله: بَوَب، تحركت الواو وانفتح ما قبلها فقلبت
ألفاً، فلمَّا قيل: بويب، لم ينفتح ما قبلها، فزالت العلة فرجعت إلى
أصلها فقيل: بويب، مع أنها متحركة فُعيل، أليس كذلك؟ بويب مفتوحة الواو
تحركت، لِمَ لَمْ تقلب مع كونها تحركت في باب بوَب وانقلبت؟ نقول: هنا
وجد جزء العلة وهو كون الواو متحركة، ولم تتم العلة وهو كون ما قبلها
مفتوحاً تحركت الواو وانفتح، تحركت الواو بأي حركة كسرة أو فتحة أو
ضمة، أما ما قبلها لابد أن يكون مفتوحاً، تقول: تحركت الواو لذلك نطلق
ولا نقيد نوع الحركة، وانفتح ما قبلها يعني على خصوص الحركة، بويب
تحركت الواو ولم ينفتح ما قبلها فبقيت على أصلها، كذلك أبواب
لِأَنَّ بَاباً جَمْعُهُ أَبْوَابُ ... ........................
إذاً (باب) نقول: الألف هذه منقلبة عن واو بدليل تصغيره على بويب،
وجمعه على أبواب وبيبان وأبوبة. له ثلاثة جموع: أبواب وهذا هو القياسي،
وبيبان وأبوبة وهذا سماعي.
الباب له معنيان: معنى لغوي ومعنى اصطلاحي.
المعنى اللغوي: المدخل إلى الشيء، المدخل مفعل يعني مكان الدخول،
سيأتينا مفعل أنه صالح للحدث واسم المكان والزمان في بعض الأحوال. إذاً
المدخل للشيء مكان الدخول، أو يعبر بعضهم بأنه فرجة في ساتر يُتوصل بها
من داخل إلى خارج وعكسه. فرجة في ساتر مثل هذا الجدار فرجة، يعني فتحة،
فرجة في ساتر هذا ساتر الجدار وهذا ساتر، فرجة في ساتر يتوصل بها من
داخل إلى خارج وعكسه من خارج إلى داخل هذا هو الأصل؛ لذلك يقولون:
استعمال الباب في الأجرام في الأجسام حقيقة، وفي المعاني مجازاً على من
يرى المجاز. أما في الاصطلاح عندهم: فهو ألفاظ مخصوصة دالة على معانٍ
مخصوصة. (باب) ألفاظ مخصوصة، ما هي هذه الألفاظ؟ نقول: هذه تُخصَ
باعتبار المعاني، ما الذي يقيد المعاني؟ هو المضاف إليه، فإذا قلت: باب
نقول: استعماله عند أصحاب الاصطلاح أصحاب التصانيف استعماله في كونه
ألفاظاً مطلقاً تدل على أي شيء؟ نقول: المضاف إليه هو الذي يقيدها، إن
قلت باب العام، نقول: إذاً هذه لألفاظ تدل على معانٍ، ما هي هذه
المعاني؟ ما يتعلق بمسائل العام من جهة تعريف العام وألفاظ العموم
..... الخ، (باب) إذاً ألفاظ مخصوصة، ما هي هذه الألفاظ المخصوصة؟ ما
يتعلق بألفاظ العام وحَدِّه، ومعناه لغة واصطلاحاً، وصيغ العموم
والمسائل التي تذكر في ذلك الباب. ما الذي قيد هذه الألفاظ العامة؟
المعاني، من أين أخذناها؟ من المضاف إليه، فهنا مثلاً نقول (باب) ألفاظ
مخصوصة ما هي هذه الألفاظ؟ نقول: متعلقة بالمصدر، المصدر هذا له ألفاظ
تعبر عن المعاني التي في النفس أريد أن أعرف المصدر، أريد أن أبين
أقسام المصدر هل أعبر عن المصدر وأقسامه بألفاظ العموم والخصوص أم
بألفاظ خاصة؟ بألفاظ خاصة، إذاً ألفاظ مخصوصة دالة على معانٍ مخصوصة،
المعاني المخصوصة هي التي أريد أن أبينها لك سواء كان في كتاب الطهارة
في كتاب المياه ... الخ، هذه معان تقوم في النفس، إذاً معاني خاصة ليست
عامة، أريد أن أعبر عنها بألفاظ تخص الدلالة على هذه المعاني، ولا أعبر
بألفاظ عامة تدل على شيء مغاير لما في النفس. إذاً ألفاظ مخصوصة دالة
على معانٍ مخصوصة. يقيدها المضاف إليه هذا من جهة الحد الاصطلاحي. إذاً
له معنى لغوي ومعنى اصطلاحي. (بابُ المصدر) باب مضاف، والمصدر مضاف
إليه.) المصدر) مفعل، زنة مفعل وسيأتينا المصدر الميمي أنه يكون على
مفعِل ويكون صالحًا للحدث واسم المكان واسم الزمان، المصدر أصلاً في
اللغة اسم لمحل صدور الشيء، قيل المصدر في الأصل: اسم للموضع الذي تصدر
عنه الإبل. المصدر في أصل الاستعمال اللغوي قيل جعله حقيقة عرفية: اسم
للموضع المكان الذي تصدر عنه الإبل، قيل: سمي مصدراً لأن الإبل إذا
انصرفت عن الماء روت صدورُها.
إذاً مصدر مَفْعَل من الصدور هذا في أصل
استعمال أهل اللغة، أنه اسم للموضع الذي انصرفت عنه الإبل يسمى مصدراً،
(حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَآءُ) [القصص:23] ثم نقله أئمة اللغة، إذًا صار
حقيقة عرفية اصطلاحا خاصاً هذا هو النقل، الحقيقية العرفية أصلها
النقل، يكون له استعمال في اللغة ثم يخصص أو يعمم، والغالب أنه يخصص،
نقله أئمة اللغة وجعلوه اسماً للحدث الذي هو فعل الفاعل، القعود الجلوس
الأكل الشرب هذه أحداث تصدر عن الفاعل، هي فعل الفاعل هو الحدث، جُعل
المصدر اسماً لفعل الفاعل الذي هو الحدث، لم سمي فعل الفاعل مصدراً؟
قالوا: لأن الأفعال التي هي القعود والجلوس والنوم تصدر عن فاعلها.
إذاً الرجل أو الفاعل نفسه هو محل لصدور الأكل والشرب والقعود والجلوس
والنوم ..... الخ. واضحة علة النقل؟ نقول: المصدر في الأصل في استعمال
أهل اللغة اسم للمكان الذي تصدر عنه الإبل، تشرب الماء ثم تمشي، نقول:
المكان هذا مصدر في اللغة، نقله أئمة اللغة إلى الحدث، ما هو الحدث؟
فعل الفاعل، ما هو فعل الفاعل؟ الذي تراه أمر غير ملفوظ به، إلا إذا
كان التكلم والقول واللفظ، كالقعود والجلوس، أنت الآن ترى جلوسي مثلاً
هذا هو فعل الفاعل، أنا متصف بالجلوس، جلست الجلوس هذا لفظ الفعل الذي
تراه هو فعل الفاعل، سمى مصدراً بعد نقله عن المعنى اللغوي، لم؟ لأن
الجلوس الذي تراه صدر مني أنا. إذاً أنا محلٌ لصدور الحدث، فسمى مصدراً
هذا يدل على أن المصدر أصلٌ للفعل، وأن المصدر سابق للفعل، وأن الفعل
مشتق وفرع من المصدر، لماذا؟ لأنه لو كان فرعاً عن الفعل لسمي صادراً،
وسمي الفعل مصدراً، قيل: ولم يقل أحدٌ بهذا أن الفعل يسمى مصدراً،
والمصدر الذي هو الجلوس والأكل والشرب ... الخ يسمى صادراً، لم يقل به
أحد، فدل على أن المصدر هو أصل الاشتقاق كما سيأتي. إذاً المصدر في
اللغة: اسم لمحل صدور الشيء. أما في الاصطلاح: فهو الاسم الدال على
الحدث فقط. ما هو الحدث؟ تقول: فعل الفاعل تعبر عنه بلفظه، اسم هذا
اللفظ مصدر، إذاً مُسمى المصدر: لفظ، ما هو هذا اللفظ؟ اسم للحدث، إذا
قيل: حقيقة الضرب، ما هي حقيقة الضرب؟ هل هو (ضَرْبٌ)؟ هذا لفظ هذا
اسم، مسماه الذي تراه وتسمعه، هذا حدث ما ينطق ما يلفظ، إنما اسمه
الضرب. إذاً الضرب مسماه ما تراه أو تسمعه، اسم الضرب المصدر، إذاً
مدلول المصدر هو الحدث الضرب، مدلول الضرب هو الذي يصدر من الفاعل الذي
تراه بعينك. إذاً نقول: المصدر في الاصطلاح: الاسم الدال على الحدث.
إذاً عندنا دال ومدلول، ما هو الدال؟ المصدر، ما هو المدلول؟ الضرب
مثلاً، الضرب ضَرْبٌ هذا فعْل مصدر، نقول: هذا فعل مصدر، ضرب مسمى،
اسمه مصدر، مسمى الضرب الذي تراه، فليس ثّمَّ اتحاد بين اللفظ وبين
المسمى في مثل هذه التراكيب، هذا معنى دقيق يحتاج إلى تأمل. إذاً نقول:
المصدر هو الاسم الدال على الحدث فقط. والحدث هو فعل الفاعل من قعود
وأكل وشرب ونوم وجلوس وكتابة وقراءة وتلاوة وصلاة .... الخ، هذا هو
الحدث، اسمها الذي يعبر عنها اسمه المصدر.
(باب المصدر وما يُشتق منه) هنا ماذا يريد
أن يبين الناظم رحمه الله؟ قال: (باب المصدر) يعني يريد أن يبين لك
أبنية المصدر؛ لأنه قال:
(من ذي الثلاث فالزم الذي سمع ... )
إذًا يريد أن يبين لك أبنية المصدر، إذاً لا بد من التقدير: بيان أبنية
المصدر، لابد من التقدير عند الإعراب، تقول: (باب) مضاف، و (المصدر)
مضافٌ إليه، عند حل التركيب من جهة المعنى لا يستقيم إلا على حذف مضاف،
(باب المصدر)، المصدر ما هو؟ الاسم الدال على الحدث، إذاً ماذا يريد أن
يبين الناظم؟ إذاً لا بد من التقدير: (باب بيان أبنية المصدر وما يشتق
منه) يعني وبيان أبنية ما يشتق منه، (ما) اسم موصول يعني الذي بمعني
الذي، (يشتق منه) وأبنية الذي يشتق منه، (يُشتق) هذا فعل مضارع مغير
الصيغة، ونائبه ضمير يعود على (ما)، وذكَّره باعتبار لفظ (ما)؛ لأن
(ما) في اللفظ مذكر، وفي المعنى هنا كما في التركيب مؤنث، يجوز أن
يراعي المعنى ويجوز أن يراعي اللفظ، وهنا ذكَّر باعتبار اللفظ، (يشتق)
قلنا: هذا فعل مضارع مصدره الاشتقاق، اشتق يشتق اشتقاقًا من باب افتعل
يفتعل افتعالاً، اجتمع يجتمع اجتماعاً. إذًا (يشتق) نقول: هذا فعل
مضارع مصدره الاشتقاق، ما معنى الاشتقاق حتى نعرف ما هو الفرع عن
المصدر؟ الاشتقاق له معنيان، عرفنا أنه مصدر لافتعل، إذًا له معنيان:
المعنى اللغوي والمعنى الاصطلاحي، أما معناه اللغوي: فهو الاقتطاع،
وقيل: أخذ شقِّ الشيء، أي جانب منه، يقال قَعَدَ في شقٍّ من الدار، أي
في ناحية منها وجانب منها. أما في الاصطلاح فعرَّفوه: بأنه أخذُ كلمةٍ
من أخرى لمناسبة بين الكلمتين في المعنى ولو مجازاً. هذا التعريف أخذ
كلمة من أخرى، إذاً عندنا كلمة مأخوذ منها التي يعبر عنها الصرفيون
بالمشتق منها، وعندنا كلمة مشتقة التي يعبر عنها بعضهم بالمأخوذ، إذاً
عندنا مأخوذ ومأخوذ منه، وبعضهم يعبر مردود ومردود منه،
وَالاِشْتِقَاقُ رَدُّكَ اللَّفْظَ إِلَى ... لَفْظٍ وَأَطْلِقْ فِي
الذِّي تَأَصَّلاَ
عبر بالرد، إذاً عندهم مردود ومردود إليه. أخذ كلمة من أخرى، إذاً
عندنا أصل وعندنا فرع، عندنا مأخوذ ومأخوذ منه، أخذ كلمة من أخرى
لمناسبة بين الكلمتين في المعنى، إذاً لا بد أن يكون تناسب بين
الكلمتين، والمراد بالتناسب هنا: التناسب العام الذي هو الحدث، أما
خصوصيات كل كلمة مشتقة وما تتميز به عن غيرها فليس داخلاً في الشرط،
إذاً لا بد أن يكون تناسب بين الكلمتين، ضربٌ ضَرَبَ أخذ كلمة من أخرى،
(ضَرَبَ) أخذناها من (ضَرْبٌ) لمناسبة بين الكلمتين في المعنى (ضرْبٌ)
يدل على الحدث وهو الضرب، (ضَرَبَ) يتضمن، لا نقول: يدل على الحدث
مطلقا, نعم يدل، لكن ليست دلالة مطابقة، يعني من جميع الوجوه، (ضَرْبٌ)
يدل على الحدث دلالة مطابقية، و (ضَرَبَ) يدل على الحدث دلالة تضمنية،
لِمَ؟ لأن الفعل يدل على شيئين: الحدث والزمن، جزؤه هو المصدر الحدث؛
لذلك عرفه ابن مالك بهذا:
الْمَصْدَرُ اسْمُ مَا سِوَى الزَّمَانِ مِنْ ... مَدْلُولَيِ
الْفِعْلِ كَأَمْنٍ مِنْ أَمِنْ
(المصدر اسم ما سوى الزمان) اسم غير
الزمان، (من مدلولي الفعل) ما هما مدلولا الفعل؟ الحدث والزمن، ما هو
المصدر؟ (اسم ما سوى الزمان) يعني غير الزمان، إذاً هو الحدث، فنقول:
(ضَرْبٌ) هذا مصدر، وضَرَبَ، أخذ كلمة من أخرى، أخذنا (ضَرَبَ) من
(ضَرْب) لمناسبة بين الكلمتين في المعنى، ما هو المعنى؟ نقول: المعنى
العام وهو ثبوت الضرب، نقول: (ضَرَبَ) يدل على شيء زائد على (ضرْب) وهو
كون الضرب وقع في الزمن الماضي، هل هذه الدلالة مأخوذة من (ضَرْب)؟
نقول: لا، إذاً الاختلاف في جزء المعنى لخصوصية الصيغة لا ينافي أصل
الاشتراط وهو التناسب في المعنى بين الكلمتين؛ لأننا نقول: لا بد في
المشتق والمشتق منه أن يكون بينهما تناسب في المعنى، هل هنا تناسب في
كل المعنى (ضَرَبَ) مع (ضَرْب)؟ الجواب: لا، إنما في القدر المشترك وهو
الدلالة على الحدث، كون (ضَرَبَ) يدل على شيء زائد لا يدل عليه المأخوذ
منه هذا لا ينفي الاشتراط، بل نقول: هذا دليل الاشتقاق، لم؟ لأن فائدة
الاشتقاق: تحويل الأصل الواحد إلى أمثلة مختلفة لمعانٍ مقصودة لا تحصل
إلا بها. معانٍ مقصودة لا تحصل إلا بهذه الأمثلة. إذاً هذا هو التصريف،
وهذا هو فائدة الاشتقاق، كون (ضَرَبَ) يدل على شيء وهو كلمة مأخوذة من
(ضَرْبٍ) يدل على شيء لا يدل عليه الأصل، ولذلك الفرع يدل على الأصل
وزيادة، هذه الزيادة هي التي ينفصل وينفك ويتميز بها عن الكلمة
الأصلية. ولو مجازاً هذا على الخلاف هل الاشتقاق يكون في الحقائق فقط
أو في المجاز؟ فيه نزاع، وذكره صاحب الحد هنا تبعاً وهو تعريف الشيخ
الأمين الشنقيطي رحمه الله تبعاً لصاحب المراقي
وَالاِشْتِقَاقُ رَدُّكَ اللَّفْظَ إِلَى ... لَفْظٍ وَأَطْلِقْ فِي
الذِّي تَأَصَّلاَ
(أطلق في الذي تأصلا) أراد به أن الأصل المأخوذ منه مطلقاً سواء كان
حقيقة أو مجازاً، قيل: ناطق، هذا ما نوعه؟ اسم فاعل، مأخوذ من النُّطق
وهو التكلم هذا حقيقة، نطقت الحال بكذا أو الحال ناطقة، الحال الهيئة
الطبيعة وطبيعة الشخص نطقت بكذا، ترى الشخص وجهه مكفهر تقول: نطقت حاله
بالغضب وكذا، هل تكلمت؟ لا، إنما المراد دلت حاله دلالة واضحة كدلالة
التكلم باعتبار المتكلم، إذاً هو مجازاً، هل يصح أن يقال ناطقة مشتقة
من النطق بمعنى الدلالة والأصل في النطق هو الكلام؟ هذا فيه نزاع،
أثبته الشيخ الأمين الشنقيطي رحمه الله في نثر الورود (وأطلق في الذي
تأصلا). إذاً نقول: الاشتقاق: هو أخذ كلمة من أخرى، إذاً عندنا كلمة
مأخوذة وكلمة مأخوذ منها، لمناسبة بين الكلمتين هذه المناسبة تكون في
المعنى، وقد تكون في اللفظ والحروف كما سيأتي، وإنما يذكر المعنى مع
كون الاشتقاق الصغير يشترط فيه اللفظ ليدخل الاشتقاق الأكبر كما سيأتي،
لمناسبة بينهما في المعنى إذاً إذا لم يكن بينهما مناسبة ولو اتفقت
الحروف نقول: هذا لا يسمى اشتقاقًا عند أهل الاصطلاح كما سيأتي. ولو
مجازاً لإدخال المجاز. الاشتقاق عند أصحابه ثلاثة أنواع: اشتقاق صغير،
واشتقاق كبير، واشتقاق أكبر.
إذا أطلق الاشتقاق انصرف إلى الصغير وهو
المعتبر عند أهل الصرف، أما الكبير والأكبر فهذان مبحثهما في كتب
اللغة، أما الصغير فهو الذي يبحث عند الصرفيون، ما ضابط كلِّ منها؟
نقول: الاشتقاق الصغير: هو ما كان التناسب بين الكلمتين - يعني
المأخوذة والمأخوذة منها - ما كان التناسب بين الكلمتين في المعنى
واللفظ وترتيب الحروف. لابد من ثلاثة أمور: لا بد من التناسب في
المعنى، واللفظ، وترتيب الحروف. في المعنى المقصود به المعنى العام،
أما خصوصية كل صيغة تدل على زيادة ليست في المصدر لا تنافي أصل
الاشتراط، إذاً إذا لم يكن ثمَّ مناسبة بين الكلمتين لا يسمى اشتقاقاً،
قَتْلٌ ومَقْتَل، قَتْلٌ مصدر، وَمَقْتَلٌ مصدر ميمي، وكلاهما يدلان
على شيء واحد، لا يصح أن نقول على قولٍ: مَقْتَل مُشتق من قَتْل،
لماذا؟ لأن الشيء لا يناسب نفسه، بل هو هو، مدلول مقتل هو مدلول قَتْل،
كيف يكون الشيء مناسباً لنفسه؟ المناسبة بين الشيئين تكون بالتغاير في
أصل المناسِب والمناسَب، أما إذا كان مدلول اللفظين واحداً فلا يصح أن
يوصف بكونه مناسباً لغيره؛ لأنه هو هو كما عبر الشيخ الأمين - رحمه
الله -. إذًا قتل ومقتل نقول: ليس أحدهما مشتقا من الآخر. بان يبين هل
هو مشتق من بين الظرفية؟ نقول: لا، الحروف واحدة بين بان يبين، الألف
هذه منقلبة عن ياء بين، إذاً باء وياء ونون، بين الظرفية كذلك باء وياء
ونون، إذاً اتحدت الحروف والترتيب، هل هو اشتقاق؟ نقول لا، لماذا؟ لأن
مدلول بان بمعنى ظهر، ومدلول بين بمعنى وسط، إذاً هل هما متحدان هل
هناك مناسبة بين المعنى؟ الجواب: لا. إذاً لا يصح أن نقول: بان يبين
مشتق من بين الظرفية وإن كان اللفظ وترتيب الحروف واحد، لماذا؟ لأنه
يشترط في الكلمة المأخوذة والمأخوذ منها المشتق والمشتق منه أن يكون ثم
تناسب بين الكلمتين، والمراد بالتناسب هنا في المعنى: المعنى العام،
وليس ثم معنى أصلاً بين الكلمتين. قيل أيضاً: هلاك أو هالك، هالك
مدلوله مدلول موت، الموت والهلاك وهالك هل نقول: هالك اسم فاعل مشتق من
الموت؟ لا، لماذا؟ المعنى واحد، هل اتحد في اللفظ؟ الجواب: لا، إذاً
كما شرط - في اتحاد المعنى بين الكلمتين أو - التناسب - لا أقول اتحاد
المعنى - التناسب بين الكلمتين يشترط التناسب في اللفظ، فالهالك بمعنى
الميت، الهالك وإن كان هو أعم قد يطلق على غير الميت الهالك بمعنى
الموت، إذاً هناك مناسبة في المعنى، لكن لما اختلفت المناسبة في اللفظ
لا يصح أن نقول: هالك مشتق من الموت، أن يكون تناسب بين الكلمتين في
المعنى وفي اللفظ وترتيب الحروف، في اللفظ يقصد به أن الحروف موجودة
الحروف الأصلية؛ لذلك بعضهم يشترط في اللفظ يعبر عن اللفظ هنا في
المعنى والحروف الأصلية، كما عبر صاحب المراقي
وَالاِشْتِقَاقُ رَدُّكَ اللَّفْظَ إِلَى ... لَفْظٍ وَأَطْلِقْ فِي
الذِّي تَأَصَّلاَ
وَفِي المَعَانِي وَالأَصُولِ اشْتَرِطَا ... تَنَاسُباً بَيْنَهُمَا
مُنْضَبِطَا
لابد أن يكون تناسب في المعنى واللفظ
والمراد باللفظ هنا الحروف الأصلية، لابد أن تكون الحروف التي في
المشتق هي بعينها في المشتق منه، والأصلية قيد لكونه لا يشترط التناسب
في الحروف الزائدة. إذاً لابد أن تكون الحروف الأصلية موجودة في الفرع
كما هي موجودة في الأصل. قالوا: ولو بالقوة، يعني لا يشترط أن تكون
موجودة بالفعل، لماذا؟ لأنها قد تحذف من الأصل الذي هو أصل الاشتقاق،
وقد تحذف من الفرع، زنة هذا مصدر من الوزن، عدة هذا مصدر من الوعد، هل
نقول: عدة وزنة هذا ليس أصلاً لكونه غير موجود فيه الحرف الأول ولا يصح
الاشتقاق منه؟ نقول: لا، قَلْ بِعْ قُل مأخوذ من القول، أين الواو
الحرف الأصلي؟ أليس قل مشتقًا من القول؟ فعل أمر مشتق من المصدر، لابد
من وجود الحروف الأصلية أين الواو؟ نقول: حذفت، بِعْ أين الياء؟ حذفت،
قلت بعت خَف أين العين؟ نقول: حذفت، ما علة الحذف؟ علة تصريفية. إذاً
لا يشترط في الحروف الأصلية أن تكون موجودة في الفرع بالفعل، بل قد
تحذف من الأصل كعدة وزنة، وقد تحذف من الفرع كقل وبع. وترتيب الحروف
يقصدون أن حرف الفاء الذي في المصدر يكون فاءً في الفرع، والعين تكون
عيناً في الفرع، واللام في الأصل تكون لاماً في الفرع، (ضَرْبٌ) هذا
مصدر، اشتق منه الفعل الماضي تقول: (ضَرَبَ) على وزن فَعَلَ، طَبِّق
القاعدة لابد من التناسب في المعنى، التناسب في اللفظ، الترتيب، حتى
يكون اشتقاقاً صغيراً لابد من الترتيب. المعنى العام ما هو؟ الضرب،
موجود في المصدر وهو مدلوله الأصلي وموجود في ضرَب، وزاد عليه فائدة
الاشتقاق وهو الدلالة على الزمن الماضي، هل الحروف كلها موجودة الأصلية
ضَرْبٌ الضاد والراء والباء هل هي موجودة في ضرَب؟ نعم، الترتيب هل
الضاد في محلها والراء والياء؟ نعم، قل ضَرْبٌ ضَرَبَ يَضْرب فعل مضارع
هل المعنى الأصلي العام موجود؟ نعم، هل الحروف موجودة الضاد والراء
والباء؟ نعم. هل الترتيب كما هو؟ نعم, اضرب ضارب ضاد ثم راء ثم باء،
مضروب ميم ضاد راء باء والواو والميم هذان زائدان. إذًا وجد المعنى
العام في جميع المشتقات، الضرب ضَرَب يضرب اضرب ضارب مضروب مَضْرَب،
المعنى العام وهو الدلالة على الحدث وهو الضرب مع قطع النظر عن خصوصية
كل صيغة، أيضاً الحروف الأصلية موجودة في جميع الصيغ الأمثلة المختلفة،
كذلك الترتيب، هذا يسمى عند الصرفيين الاشتقاق الصغير، وبعضهم يسميه
الأصغر، وهو الذي إذا أطلق عند الصرفيين انصرف إلى هذا. (ذهابٌ) هذا
مصدر، (ذَهَبَ) فعل ماضٍ، ذهابٌ وذهب هل هناك مناسبة في المعنى بين
اللفظين؟ نقول: نعم، ذهاب هذا مصدر يدل على الحدث الخاص الذي تعلمه،
ذهب يدل على المصدر وزيادة، الزيادة هذه هي فائدة الاشتقاق، يذهب فعل
مضارع الترتيب الذال الهاء والباء موجودة في ذهب، يذهب زيدت الياء
والذال كما هي في موضعها والهاء والباء، اذهب مذهب، نقول: هذا اشتقاق
صغير للتناسب في المعنى العام في جميع الصيغ في اللفظ، الحروف الأصلية
موجودة في جميع الأمثلة، كذلك الترتيب كما هو، نسمي هذا اشتقاقًا
صغيرًا،
وَالاِشْتِقَاقُ رَدُّكَ اللَّفْظَ إِلَى ... لَفْظٍ وَأَطْلِقْ فِي
الذِّي تَأَصَّلاَ
وَفِي المَعَانِي وَالأَصُولِ اشْتَرِطَا
... تَنَاسُباً بَيْنَهُمَا مُنْضَبِطَا
عرّف الاشتقاق الصغير لأنه هو الذي إذا أطلق عند الصرفيين وعند
الأصوليين انصرف إلى الاشتقاق الصغير، قيل: هذا علم مستقل ولكنه ذهب مع
أدراج الرياح، لم يبق إلا كتاب الاشتقاق لابن دريد.
الاشتقاق الكبير: هو أن يكون تناسب بين الكلمتين - المشتق والمشتق منها
– أن يكون تناسبا بين الكلمتين في المعنى واللفظ من غير ترتيب للحروف،
يعني لا يشترط الثالث وهو الترتيب بين الحروف، يمثلون لهذا بـ (جبذ
وجذب) المعنى واحد الجذب تشد الرجل تجذبه هذا هو المعنى، مدلول اللفظين
المناسبة بينهما واحدة، والحروف الأصلية موجودة جذب الجيم والذال
والباء، لكن ما الذي فقد؟ الثالث وهو الترتيب، هذا يسمى اشتقاقاً
كبيراً، أن يكون تناسب بين الكلمتين المأخوذة والمأخوذ منها طبعاً جذب
هو الأصل وجبذ على القلب هو الفرع، نقول: المعنى العام موجود، والحروف
الأصلية موجودة، لكن الذي فقد وصار مستقلاً عن النوع الأول هو عدم
الترتيب:
وَالجَذْبُ وَالجَبْذُ كَبِيرٌ وَانْتَمَى ... لِلأَكْبَرِ الثَّلْمَ
وَثَلْبَ مَنْ دَرَى
جذب وجبذ جبذ وجذب هو هذا الفعل الماضي، نقول المعنى العام واحد،
والحروف الأصلية موجودة، وانتفى ترتيب الحروف الذي افترق به عن المعنى
الأول. أيضاً حَمِدَ ومَدَحَ، حمد الحاء والميم والدال، مدح الميم
والدال والحاء، المعنى واحد الثناء، هذا ثناء وهذا ثناء وإن اختلفا في
الخصوصية، الحروف الأصلية موجودة الميم أصل والدال والحاء، لكن الذي
اختلف هو الترتيب. (أَيِسَ وَيَئِسَ) قل فيهما مثل (حمد ومدح) (وجذب
وجبذ).
الثالث: الذي هو الأكبر: ما كان التناسب فيه بين الكلمتين في المعنى
وأكثر الحروف.
إذاً الحروف الأصلية هنا اختلت، المعنى العام موجود، وإنما الذي انتفى
جميع الحروف الأصلية، يعني وأكثر الحروف الأصلية، إذاً بعضها سقط من
الفرع، قيل: والحرف الذي جيء به بدل الأصل لابد أن يكون أو في الغالب
أن يكون من مخرج واحد، أو من مخرجين متقاربين، (ثَلَمَ ثلبَ) المعنى
العام واحد موجود، (ثلب وثلم) الثاء واللام أصل، موجودة في ثلم هذا هو
الأصل، وثلب هذا هو الفرع، لكن سقطت ما الذي سقط؟ الميم، إذاً هل وجدت
الحروف الأصلية جميعها في الفرع؟ الجواب: لا، أبدلت بدل الميم الباء،
هل مخرج الميم والباء متغايران؟ ما مخرجهما؟ حرف شفوي، إذًا من مخرج
واحد، هنا حصل التناسب بين الكلمتين في المعنى دون الحروف الأصلية،
وإذا لم توجد الحروف الأصلية فمن باب أولى أن ينتفي القيد الثالث وهو
ترتيب الحروف، قيل: ثلب وثلم. نعق ونهق، أحدهما مأخوذة من الآخر نَعَقَ
ونَهَقَ المعنى العام موجود معروف، (نَعَقَ) الحروف الأصلية بعضها بل
أكثرها موجود وهو النون والقاف، ما الذي سقط؟ العين، ما الذي أُبدل؟
الهاء، مخرج واحد؟ مخرج واحد وهو حرف حلقي، (مَدَحَ ومَدَهَ) هي نفسها
المعنى العام مشترك بين اللفظين، ومدح بَدَل الحاء هاء وهما من مخرج
واحد، يقال فيهما ما قيل في السابق. إذاً هذه ثلاثة أنواع يسمى
الاشتقاق، أو هي أنواع الاشتقاق:
- الاشتقاق الصغير أن يوجد فيه ثلاثة أمور
تناسب بين اللفظين الكلمتين في المعنى العام وفي اللفظ الحروف الأصلية
وفي الترتيب.
- الاشتقاق الكبير يكون تناسب بين الكلمتين في المعنى العام والحروف
الأصلية ويفقد ترتيب الحروف.
- الثالث الأكبر أن يكون بين الكلمتين تناسب في المعنى العام وأكثر
الحروف. إذاً سقط الشرط الثاني فمن باب أولى الثالث.
الذي يجمع الجميع أن يكون بين الكلمتين تناسب في المعنى، التناسب في
المعنى شرط في الأول الاشتقاق الصغير، وشرط في الثاني وفي الثالث.
الحروف الأصلية شرط في الصغير وفي الكبير، أليس كذلك؟ وجود جميع الحروف
الأصلية هي قيد في الاشتقاق الصغير والاشتقاق الكبير، أما الأكبر فلا
يشترط فيه تمام الحروف الأصلية، لم؟ قالوا: لأنه لو وجدت الحروف
الأصلية بتمامها إما أن توجد مع الترتيب أو بدون ترتيب، إن وجدت جميع
الحروف مع الترتيب فهو الأول، إن وجدت جميع الحروف بدون ترتيب فهو
الثاني. إذن لا بد أن يكون ناقصاً حتى يكون نوعاً مستقلاً. واضح هذه
الثلاثة الأمور.
(وما يشتق منه) عطف (ما يشتق منه) الضمير يعود على (المصدر). إذاً يرى
الناظم ما يراه البصريون وهو أن المصدر أصل الاشتقاق، - الفعل الماضي
وغيره من سائر المشتقات - عند كثير من الصرفيين الذين يصنفون في الكتب
المتوسطة هذه أو التي للمبتدئين يحصرون المشتقات في تسعة:
الماضي، والمضارع، والأمر، والنهي، واسم الفاعل، واسم المفعول، واسم
المكان، واسم الزمان، واسم الآلة.
وجرى على هذا الناظم والشارح، فسَّر (ما) في هذا الموضع بهذه التسعة:
الماضي، والمضارع، والأمر، والنهي، واسم الفاعل، واسم المفعول، واسم
المكان، واسم الزمان، واسم الآلة. ما وجه الحصر؟ قالوا: المشتق من
المصدر إما أن يكون فعلاً أو اسماً، الفعل مشتق من المصدر بالذات
مباشرة الفعل الماضي، أو الاسم هذا مشتق من المصدر بواسطة الفعل
المضارع أو غيره. إذًا إما أن يكون فعلاً أو يكون اسماً، فأما الفعل
فإما أن يكون إخبارياً أو إنشائياً، فإن كان إخبارياً فإن لم تتعاقب في
أوله إحدى الزوائد الأربعة التي هي أحرف المضارعة إحدى حروف (أنيت) إن
لم تتعاقب في أوله إحدى الزوائد الأربعة فهو الماضي، وإن تعاقبت فهو
المضارع، إذاً هذا هو الإخباري إن لم توجد (بالنفي) في أوله لَم تتعاقب
لأنها لا توجد هكذا كلها كما سيأتينا لأنها لا توجد هكذا كلها بمجموعها
أو بجميعها وإنما تتعاقب إذا وجدت الهمزة انتفى البقية، إن وجدت التاء
انتفى البقية هذا معنى التعاقب، إن لم تتعاقب في أول الفعل إحدى حروف
أنيت فهو الماضي، وإن تعاقبت فهو المضارع، وإن كان إنشائياً فإما أن
يدل على طلب الفعل فهو الأمر، وإما أن يدل على طلب ترك الفعل فهو
النهي. هذا إذاً الفعل، إذاً الفعل دخل تحته أربعة: الماضي والمضارع
تحت الإخباري، والأمر والنهي تحت الإنشائي.
وأما الاسم فإما أن يدل على ذات من قام به
الفعل وهو اسم الفاعل، وإما أن يدل على ذات من وقع عليه الفعل فهو اسم
المفعول، وإما أن يدل على ما يقع فيه الفعل ولا يخلو إما أن يكون
مكاناً فهو اسم المكان، أو زماناً فهو اسم الزمان، وإما أن يدل على ما
يحدث بسببه الفعل فهو اسم الآلة. هذه تسعة، الاسم، الفعل واضح، الاسم
إما أن يدل يعني يفهم منه إما أن يدل على ذات من قام به الفعل (ضارب)
تدل على ذات متصفة بالفعل وأنه وقع منه، إذاً فهو اسم الفاعل، إما أن
يدل على ذات من قام به الفعل فهو اسم الفاعل، وإما أن يدل على ذات من
وقع عليه الفعل فهو اسم المفعول، وإما أن يدل على ما وقع فيه،
الظَّرْفُ وَقْتٌ أَوْ زَمَانٌ ضُمِّنَا ... فِيهِ ..................
إذاً (فيه) إما أن يدل على ما يقع فيه الفعل فلا يخلو إما أن يكون
مكاناً أو زماناً الأول: اسم المكان، والثاني: اسم الزمان، وإما يدل
على ما وقع بسببه الفعل وهو اسم الآلة. يرد ثلاثة أمور: الصفة المشبهة،
واسم التفضيل، وأمثلة المبالغة. أين تضعونها؟ قالوا: هذه داخلة في اسم
الفاعل. إذاً ليست خارجة، قد يسأل الطالب يقول: هذه التسعة ليس فيها
الصفة المشبهة، وليس فيها اسم التفضيل، وليس فيها الأمثلة المبالغة،
قالوا جواباً على هذا الإشكال: هي داخلة في اسم الفاعل. وبعضهم يعدها
كما فعل صاحبكم في شذا العرف عدها عشرة، وزاد الصفة المشبهة، واسم
التفضيل، وأدخل الأمثلة المبالغة في اسم الفاعل، وجعل اسم الزمان واسم
المكان واحداً، فصارت عنده عشرة. المهم أن المشتقات هي ما ذكر هذه
التسعة، ومن المشتقات الصفة المشبهة واسم التفضيل وأمثلة المبالغة،
سواء عددتها عشرة أو خمسة عشر المهم أن تعرف أن هذا مشتق من المصدر.
إذاً قوله: (وما) هذا اسم موصول بمعنى الذي، إذاً (وما) أي وماضٍ
ومضارعٌ وأمرٌ ونهيٌ واسمُ فاعلٍ واسمُ مفعولٍ واسمُ مكانٍ واسمُ زمانٍ
واسمُ آلةٍ (يشتق منه) من المصدر. إذاً (الذي) يصدق على المشتقات التي
ذكرها الناظم والتي شرحها صاحبه عليش في الشرح الكبير.
(باب المصدر وما يشتق منه) إذاً نأخذ من هذا أن الناظم يرى أن المصدر
هو أصل الاشتقاق، وهذا هو الصحيح، هناك جدل كبير بين الكوفيين
والبصريين على أيهما مشتق من الآخر، أيهما أصل وأيهما فرع؟ النتيجة لا
ينبني على الخلاف ثمرة، ليس هناك ثمرة، وإنما من باب المعرفة فقط
العلم، ولكن الصحيح أن المصدر هو الأصل، قال الحريري:
وَالْمَصْدَرُ الأَصْلُ وَأَيَّ أَصْلِ ... وَمِنْهُ يَا صَاحِ
اشْتِقَاقُ الْفِعْلِ
ابن مالك قال:
بِمِثْلِهِ أَوْ فِعْلٍ اوْ وَصْفٍ نُصِبْ ... وَكَوْنُهُ أَصْلاً
لِهَذِينِ انْتُخِبْ
الْمَصْدَرُ اسْمُ مَا سِوَى الزَّمَانِ مِنْ ... مَدْلُولَيِ
الْفِعْلِ كَأَمْنٍ مِنْ أَمِنْ
بِمِثْلِهِ أَوْ فِعْلٍ اوْ وَصْفٍ نُصِبْ ... وَكَوْنُهُ
........................
أي المصدر - أول البيت – (وكونه أصلاً
لهذين) الذي هو الفعل والوصف (انتخب) يعني اختير. إذاً اختيار ابن مالك
والحريري وغيره وجمهور البصريين أن المصدر هو أصل الاشتقاق، وأعظم ما
يدل على هذا: أن المصدر يدل على شيء واحد وهو الحدث، والفعل يدل على
شيئين: الحدث والزمن، واسم الفاعل والمشتقات تدل على الحدث وصاحبه،
[نتكلم في الدلالة اللغوية، ليست الدلالة الالتزامية العقلية، الدلالة
اللغوية الفعل يدل على لغة على الحدث والزمن، وأما دلالته على الفاعل
فهذه دلالة عقلية، عقلية لماذا؟ لأن كل حدث لا بد له من مُحدِث هذا
عقلاً، إذًا المصدر يدل على شيء واحد، والفعل يدل على شيئين: وهما
الحدث والزمن، واسم الفاعل والمشتقات تدل على الحدثِ وصاحبه،] وما دل
على واحد أصلٌ لما دل على الاثنين؛ لأن الواحد أصلٌ للاثنين.
أيضاً الفعل المشتق يدل على جميع المصدر، والمصدر لا يدل على جميع
الفعل والمشتقات، أليس كذلك؟ (ضَرَبَ) يدل على جميع ما دل عليه ضَرْبٌ،
لكن هل (ضَرْبٌ) يدل على جميع ما دل عليه فعَل ضَرَبَ؟ الجواب: لا.
إذًا ما دل على اثنين فرع عن ما دل على واحد. وفائدة الاشتقاق: هي هذه
الزيادة، نقول: الفعل دل على المصدر وزيادة، هذه الزيادة هي التي انفصل
بها الفرع المشتق عن المشتق منه؛ لدلالة على أنه فرع عنه، وإلا لو كانت
الدلالة واحدة لما كان هناك اشتقاق.
أيضاً المصدر اسم، والاسم مستقل بذاته لا يفتقر إلى الفعل، لذلك في أول
الكلام على أقسام الكلام يقال: أن الاسم قُدِّم على الفعل لشرفه عليه،
لِمَ؟ لأنه يستغنى عن الفعل فيوجد الكلام المفيد من اسمين، ولا يمكن أن
يوجد الكلام المفيد من فعلين، إذًا أيهما مستقل ولا يفتقر إلى الآخر
والثاني يكون مفتقراً وغير مستقل؟ الفعل لا يكون مستقلاً، لا يمكن أن
يكون منفرداً عن الاسم، لا تحصل الفائدة بمجرد ذكر الفعل، أو بضم فعل
إلى فعل آخر، إذًا الاسم لا يفتقر إلى الفعل، وهو مستقل بذاته وغنيٌ
بنفسه؛ لذا ارتفع عن الفعل. الفعل لا يستقل، مفتقر إلى الاسم، وما
استقل بنفسه ولم يفتقر إلى غيره الأولى أن يُجعل أصلاً لما لا يَستقل
بنفسه ويَفتقر إلى غيره.
أيضاً رابعاً يزاد أن اسمه المصدر كما سبق، والمصدر معناه محلُّ صدور
الشيء. إذًا (ضَرْبٌ) محل صدورٍ لضَرَب ويَضْرِب واضرب وضارب ومضروب
ومضْرِب، فإذا كان كذلك ولم يعلم من أهل العلم أن من سَمى الفعل مصدراً
والمصدر الذي هو (ضَرْبٌ) ونحوه أنه سماه صادراً لم يُعلم هذا، دل على
اتفاقِهم أصالةً قبل الخلاف دل على اتفاقِهم على أن المصادر محل
للمشتقات، محل لأخذ المشتقات، فبهذا يترجح أن المصدر أصلٌ للفعل وسائر
المشتقات، هذا مذهب البصريين.
الكوفيون على العكس، الفعل الماضي هو أصل
والمصدر فرع عنه، ولهم أدلة موجودة في موضعها، وأطنب ابن الأنباري رحمه
الله وهو بصري في كتابه (الإنصاف في مسائل الخلاف بين البصريين
والكوفيين) في هذه المسألة، يعني من أراد التوسع فليرجع إلى هذا الكتاب
(الإنصاف في مسائل الخلاف) في مجلدين، وهو من أنفس الكتب لابن الأنباري
رحمه الله تعالى. إذًا المصدر أصل والفعل فرع. يبقى الإشكال أننا إذا
أردنا الفعل المضارع لا نقول: ضَرْبٌ يَضْرِبُ، نقول: لا، زد على الفعل
الماضي حرف المضارعة ضَرَبَ، تقول: يضرب. ثم إذا أردنا الأمر نقول:
يضرب احذف حرف المضارعة وائت بهمزة الوصل وسكن آخره قل: اضرب. إذًا
أخذت اضرب من يضرب، ويضرب أخذته من ضرَب. إذًا لم تأخذه من المصدر!
قالوا إجابة على هذا الإشكال: أن الاشتقاق قد يكون بالذات وهو الفعل
الماضي من المصدر، ضَرْبٌ ضَرَبَ، أما يَضْرِبُ اضْرِب هذا اشتق من
المصدر بواسطة الفعل، فيضرب مشتق من المصدر بواسطة ضَرَبَ، واضرب مشتق
من المصدر بواسطة يَضْرِبُ، واضح هذا. إذًا نقول: أنَّ المصدر أصلٌ
والفعل فرع.
(باب المصدر وما يُشتق منه) (منه) جار ومجرور متعلِّق بقوله: (يُشتق)،
والضمير يعود على (المصدر).
وَمَصْدَرٌ أَتَى عَلَى ضَرْبَيْنِ ... مِيْمِي وَغَيْرِهِ عَلَى
قِسْمَيْنِ
مِنْ ذِي الثُّلاَثِ فَالزَمِ الَّذِي سُمِعْ ... وَمَا عَدَاهُ
فَالقِيَاسَ تَتَّبِعْ
لابد أن نقرأ ولو لم نشرح، حتى لا تقولوا: ما أخذنا شيء.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
|