الروض
الأنف ت السلامي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلواته على سيدنا محمد وآله أجمعين.
ذكر سرد النسب
الزكي من محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - إلى آدم عليه السلام
قال أبو محمد عبد الملك بن هشام [النحوي]:
هذا كتاب سيرة رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - محمد بن عبد الله
بن عبد المطلب، واسم عبد المطلب: شيبة بن هاشم واسم هاشم:
__________
تفسير نسب رسول الله صلى الله عليه وسلم
قد ذكرنا في كتاب التعريف والإعلام بما أبهم في القرآن من الأسماء
الأعلام معاني بديعة وحكمة من الله بالغة في تخصيص نبيه محمد - صلى
الله عليه وسلم - بهذين الاسمين: محمد وأحمد فلتنظر هناك ولعلنا أن
نعود إليه في باب مولده من هذا الكتاب - إن شاء الله تعالى.
عبد المطلب:
وأما جده عبد المطلب، فاسمه عامر في قول ابن قتيبة، وشيبة 1 في قول ابن
إسحاق وغيره وهو الصحيح. وقيل سمي شيبة لأنه ولد وفي رأسه شيبة، وأما
ـــــــ
1 جزم به القسطلاني في "شرحه للبخاري"، وعلل إضافة الحمد أنه رجاء أن
يكبر ويشيخ ويكثر حمد الناس له ويقول الطبري عن سبب تسميته بشيبة كان
في رأسه شيبة.
(1/25)
......................................................
ـــــــ
غيره من العرب ممن اسمه شيبة فإنما قصد في تسميتهم بهذا الاسم التفاؤل
لهم، ببلوغ سن الحنكة1 والرأي كما سموا بهرم وكبير وعاش عبد المطلب
مائة وأربعين سنة وكان لدة 2 عبيد بن الأبرص الشاعر غير أن عبيدا مات
قبله بعشرين سنة قتله المنذر أبو النعمان بن المنذر، ويقال إن عبد
المطلب أول من خضب بالسواد من العرب، والله أعلم.
وقد ذكر ابن إسحاق سبب تلقيبه بعبد المطلب. والمطلب مفتعل من الطلب.
هاشم:
وأما هاشم فعمر - كما ذكر - وهو اسم منقول من أحد أربعة أشياء من العمر
الذي هو العمر أو العمر الذي هو من عمور الأسنان وقاله القتبي: أو
العمر الذي هو طرف الكم يقال سجد على عمريه أي على كميه أو العمر الذي
هو القرط كما قال التنوخي:
وعمرو هند كأن الله صوره
عمرو3 بن هند يسوم الناس تعنيتا
وزاد أبو حنيفة وجها خامسا، فقال في العمر الذي هو اسم لنخل السكر
ويقال فيه عمر أيضا، قال يجوز أن يكون أحد الوجوه التي بها سمي الرجل
عمرا وقال كان ابن أبي ليلى يستاك بعسيب العمر 4
ـــــــ
1 التجربة والبصر بالأمور.
2 بكسر اللام وفتح الدال من ولد معك في وقت واحد.
3 يقول إن هند مثل عمرو بن هند أحد الملوك في الجاهلية.
4 العسيب: جريدة النخل.
(1/26)
عمرو بن عبد
مناف. واسم عبد مناف: المغيرة بن قصي، [واسم قصي: زيد]
__________
عبد مناف:
وعبد مناف اسمه المغيرة - كما ذكر - وهو منقول من الوصف والهاء فيه
للمبالغة أي إنه مغير على الأعداء أو مغير من أغار الحبل إذا أحكمه
ودخلته الهاء كما دخلت في علامة ونسابة لأنهم قصدوا قصد الغاية وأجروه
مجرى الطامة والداهية وكانت الهاء أولى بهذا المعنى لأن مخرجها غاية
الصوت ومنتهاه ومن ثم لم يكسر ما كانت فيه هذه الهاء فيقال في علامة
علاليم وفي نسابة نساسيب كي لا يذهب اللفظ الدال على المبالغة كما لم
يكسر الاسم المصغر كي لا تذهب بنية التصغير وعلامته.
ويجوز أن تكون الهاء في مغيرة للتأنيث ويكون منقولا من وصف كتيبة أو
خيل مغيرة، كما سموا بعسكر. وعبد مناف هذا كان يلقب قمر البطحاء - فيما
ذكر الطبري - وكانت أمه حبى قد أخدمته مناة وكان صنما عظيما لهم وكان
سمي به عبد مناة ثم نظر قصي فرآه يوافق عبد مناة بن كنانة فحوله عبد
مناف. ذكره البرقي والزبير أيضا، وفي المعيطي عن أبي نعيم قال قلت
لمالك ما كان اسم عبد المطلب؟ قال شيبة. قلت: فهاشم؟ قال عمرو، قلت:
فعبد مناف؟ قال: لا أدري 1قصي:
وقصي اسمه: زيد وهو تصغير قصي أي: بعيد لأنه بعد عن عشيرته في بلاد
قضاعة حين احتملته أمه فاطمة مع رابه2 ربيعة بن حرام على ما سيأتي
بيانه في الكتاب - إن شاء الله تعالى - وصغر على فعيل وهو تصغير فعيل3
لأنهم كرهوا
ـــــــ
1 يقول ابن دريد: مناف صنم من ينوف إذا ارتفع وعلا.
2 الراب: زوج الأم يربي ابنها من غيره.
3 وقصي تصغير قاص وإنما سمي قصياً لأنه قصي عن قومه، يقال: قصا الرجل
يقصو قصواً.
(1/27)
ابن كلاب بن
مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر
__________
اجتماع ثلاث ياءات فحذفوا إحداهن وهي الياء الزائدة الثانية التي تكون
في فعيل نحو قضيب فبقي على وزن فعيل ويجوز أن يكون المحذوف لام الفعل
فيكون وزنه فعيا، وتكون ياء التصغير هي الباقية مع الزائدة فقد جاء ما
هو أبلغ في الحذف من هذا، وهي قراءة قنبل يا بني ببقاء ياء التصغير
وحدها، وأما قراءة حفص يا بني فإنما هي ياء التصغير مع ياء المتكلم
ولام الفعل محذوفة فكان وزنه فعي ومن كسر الياء قال يا بني فوزنه يا
فعيل، وياء المتكلم هي المحذوفة في هذه القراءة.
كلاب:
وأما كلاب فهو منقول إما من المصدر الذي هو معنى المكالبة نحو كالبت
العدو مكالبة وكلابا، وإما من الكلاب جمع كلب، لأنهم يريدون الكثرة كما
سموا بسباع وأنمار. وقيل لأبي الرقيش الكلابي1 الأعرابي لم تسمون
أبناءكم بشر الأسماء نحو كلب وذئب وعبيدكم بأحسن الأسماء نحو مرزوق
ورباح؟ فقال إنما نسمي أبناءنا لأعدائنا، وعبيدنا لأنفسنا، يريد أن
الأبناء عدة الأعداء وسهام في نحورهم فاختاروا لهم هذه الأسماء.
مرة:
ومرة منقول من وصف الحنظلة والعلقمة وكثيرا ما يسمون بحنظلة وعلقمة
ويجوز أن تكون الهاء للمبالغة فيكون منقولا من وصف الرجل بالمرارة
ويقوي هذا قولهم تميم بن مر، وأحسبه من المسمين بالنبات لأن أبا حنيفة
ذكر أن المرة بقلة تقلع فتؤكل بالخل والزيت يشبه ورقها ورق الهندباء2.
ـــــــ
1 زيادة من "القلائد" للقلقشندي وهو الدقيش.
2 بكسر الهاء وفتح الدال أو كسرها، بقل زراعي حولي معروف.
(1/28)
......................................................
ـــــــ
كعب:
وأما كعب فمنقول إما من الكعب الذي هو قطعة من السمن أو من كعب القدم
وهو عندي أشبه لقولهم ثبت ثبوت الكعب وجاء في خبر ابن الزبير أنه كان
يصلي عند الكعبة يوم قتل وحجارة المنجنيق1 تمر بأذنيه وهو لا يلتفت
كأنه كعب راتب.
وكعب بن لؤي هذا أول من جمع يوم العروبة ولم تسم العروبة. الجمعة إلا
منذ جاء الإسلام في قول بعضهم وقيل هو أول من سماها الجمعة فكانت قريش
تجتمع إليه في هذا اليوم فيخطبهم ويذكرهم بمبعث النبي - صلى الله عليه
وسلم - ويعلمهم أنه من ولده ويأمرهم باتباعه والإيمان به وينشد في هذا
أبياتا منها قوله:
يا ليتني شاهد فحواء دعوته
إذا قريش تبغي الحق خذلانا
وقد ذكر الماوردي هذا الخبر عن كعب في كتاب الأحكام له
لؤي:
وأما لؤي، فقال ابن الأنباري هو تصغير اللأي وهو الثور الوحشي وأنشد:
يعتاد أدحية بقين بقفرة
ميثاء يسكنها اللأي والفرقد 2
قال أبو حنيفة: اللأي هي البقرة قال وسمعت أعرابيا يقول بكم لاءك هذه
وأنشد في وصف فلاة:
ـــــــ
1 آلة قديمة من آلات الحصار كانت ترمي بها حجارة ثقيلة على الأسوار
فتهدمها وهي مؤنثة معربة.
2 أدحية: أمكنة بيض النعام، ميثاء: لينة سهلة، الفرقد: ولد البقر.
(1/29)
ابن كنانة بن
خزيمة بن مدركة، واسم مدركة: عامر بن إلياس بن مضر بن
ـــــــ
كظهر اللأي لو يبتغي رية بها ... نهارا لأعيت في بطون الشواجن
الشواجن: شعب الجبال، والرية: مقلوب من ورى الزند وأصله: ورية وهو
الحراق الذي يشعل به الشررة من الزند وهو عندي تصغير لأي واللأي البطء
كأنهم يريدون معنى الأناة وترك العجلة وذلك أني ألفيته في أشعار بدر
مكبرا على هذا اللفظ في شعر أبي أسامة حيث يقول:
فدونكم بني لأي أخاكم ... ودونك مالكا يا أم عمرو 1
مع ما جاء في بيت الحطيئة في غيره:
أتت آل شماس بن لأي وإنما ... أتاهم بها الأحلام والحسب العد 2
وفي الحديث من قول أبي هريرة:
"والراوية يومئذ يستقى عليها" أحب إلي من شاء ولاء، فاللاء ههنا جمع
اللائي، وهو الثور مثل الباقر والجامل وتوهم ابن قتيبة أن قوله لاء مثل
ماء فخطأ الرواية وقال إنما هو ألآء مثل ألعاع جمع لأي وليس الصواب إلا
ما تقدم وأنه لاء مثل جاء.
فهروغيره:
وأما فهر فقد قيل إنه لقب والفهر من الحجارة الطويل واسمه قريش وقيل بل
اسمه فهر وقريش لقب له على ما سيأتي الاختلاف فيه - إن شاء الله تعالى
- ومالك والنضر وكنانة لا إشكال فيها.
ـــــــ
1 ستأتي القصيدة كاملة في الشعر الذي قيل في قتلى بدر من المشركين،
ويريد ببني لأي بني لؤي.
2 العد: القديم.
(1/30)
.....................................................
ـــــــ
خزيمة:
وخزيمة والد كنانة تصغير خزمة وهي واحدة الخزم ويجوز أن يكون تصغير
خزمة وكلاهما موجود في أسماء الأنصار وغيرهم وهي المرة الواحدة من
الخزم1 وهو شد الشيء وإصلاحه وقال أبو حنيفة الخزم مثل الدوم تتخذ من
سعفه الحبال ويصنع من أسافله خلايا للنحل وله ثمر لا يأكله الناس ولكن
تألفه الغربان وتستطيبه.
مدركة وإلياس:
وأما مدركة2 فمذكور في "الكتاب" وإلياس أبوه قال فيه ابن الأنباري
إلياس بكسر الهمزة وجعله موافقا لاسم إلياس النبي - صلى الله عليه وسلم
- وقال في اشتقاقه أقوالا منها: أن يكون فعيالا من الألس وهي الخديعة
وأنشد من فهة3 الجهل والألسة.
ومنها أن الألس اختلاط العقل وأنشدوا:
إني إذا لضعيف العقل مألوس
ومنها: أنه إفعال من قولهم: رجل أليس وهو الشجاع الذي لا يفر. قال
العجاج:
أليس عن حوبائه4 سخي
ـــــــ
1 الخزم: شجر تتخذ من لحائه الجبال، وهو خوص الدوم.
2 لقب مدركة لأنه أدرك الإبل التي كانت قد ضلت وهو من أدرك يدرك
إداركاً أي لحق.
3 الفهة: العي والزلة والجهلة.
4 الحوباء: النفس أو روع القلب.
(1/31)
نزار بن معد بن
عدنان بن [أدّ، ويقال]: أدد بن مقوم بن
ـــــــ
وقال الشاعر:
أليس كالنشوان وهو صاح.
وفي "غريب الحديث" للقتبي أن فلانا: أليس أهيس ألد ملحس. إن سئل أزز
وإن دعي انتهز. وقد فسره وزعم أن أهيس مقلوب الواو وأنه مرة من الهوس
وجعلت واوه ياء لازدواج الكلام فالأليس الثابت الذي لا يبرح والذي قاله
غير ابن الأنباري أصح، وهو أنه الياس سمي بضد الرجاء واللام فيه
للتعريف والهمزة همزة وصل وقاله قاسم بن ثابت في الدلائل 1 وأنشد
أبياتا شواهد منها قول قصي:
إني لدى الحرب رخي اللبب ... أمهتي خندف والياس أبي2
ويقال إنما سمي السل داء ياس وداء إلياس لأن إلياس بن مضر مات منه. قال
ابن هرمة
يقول العاذلون إذا رأوني ... أصبت بداء ياس فهو مودي
وقال ابن أبي عاصية:
فلو كان داء إلياس بي، وأعانني ... طبيب بأرواح العقيق شفانيا
وقال عروة بن حزام:
بي إلياس أو داء الهيام أصابني ... فإياك عني لا يكن بك ما بيا
ويذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال "لا تسبوا إلياس فإنه كان
مؤمنا" وذكر أنه كان يسمع في صلبه تلبية النبي - صلى الله عليه وسلم -
بالحج. ينظر في كتاب "المولد" للواقدي.
ـــــــ
1 هو ابن حزم العوفي المالكي الأندلسي الفقيه المحدث ت 302هـ).
2 اللبب: المنحر وموضع القلادة من الصدر وهو ما يشد في صدر الدابة.
(1/32)
.........................................
ـــــــ
وإلياس أول من أهدى البدن للبيت. قاله الزبير. وأم إلياس الرباب بنت
حميرة بن معد بن عدنان قاله الطبري، وهو خلاف ما قاله ابن هشام في هذا
الكتاب.
وأما مضر، فقد قال القتبي هو من المضيرة أو من اللبن الماضر والمضيرة
شيء يصنع من اللبن فسمي مضر لبياضه والعرب تسمي الأبيض أحمر فلذلك قيل
مضر الحمراء وقيل بل أوصى له أبوه بقبة حمراء، وأوصى لأخيه ربيعة بفرس
فقيل مضر الحمراء وربيعة الفرس.
ومضر أول من سن للعرب حداء الإبل1 وكان أحسن الناس صونا فيما زعموا -
وسنذكر سبب ذلك فيما بعد - إن شاء الله تعالى - وفي الحديث المروي "لا
تسبوا مضر ولا ربيعة، فإنهما كانا مؤمنين" ذكره الزبير بن أبي بكر.
نزار ومعد:
وأما نزار، فمن النزر وهو القليل وكان أبوه حين ولد له ونظر إلى النور
بين عينيه وهو نور النبوة الذي كان ينتقل في الأصلاب إلى محمد - صلى
الله عليه وسلم - فرح فرحا شديدا به ونحر وأطعم وقال إن هذا كله نزر
لحق هذا المولود فسمي نزارا لذلك2.
وأما معد أبوه فقال ابن الأنباري فيه ثلاثة أقوال أحدها، أن يكون مفعلا
من العد والثاني أن يكون فعلا من معد في الأرض أي أفسد كما قال:
وخاربين خربا فمعدا ... ما يحسبان الله إلا رقدا3
ـــــــ
1 ذكر ابن الأثير: أنه سقط عن بعيره فجعل يقول: يا يداه فأتته الإبل.
2 قال الأصفهاني: سمي بذلك لأنه كان فريد عصره، وقيل لنحافته، وقال
الماوردي: أنه كان مهزول البدن.
3 معد في الأرض: إذا أبعد في الذهاب.
(1/33)
......................................................
ـــــــ
وإن كان ليس في الأسماء ما هو على وزن فعل بفتح الفاء إلا مع التضعيف
فإن التضعيف يدخل في الأوزان ما ليس فيها كما قالوا. شمر وقشعريرة
ولولا التضعيف ما وجد مثل هذا، ونحو ذلك الثالث أن يكون من المعدين
وهما موضع عقبي الفارس من الفرس1 وأصله على القولين الأخيرين من المعد
بسكون العين وهو القوة ومنه اشتقاق المعدة.
عدنان:
وأما عدنان ففعلان من عدن إذا أقام ولعدنان أخوان نبت وعمرو فيما ذكر
الطبري.
النسب قبل عدنان:
وأدد مصروف. قال ابن السراج. هو من الود وانصرف لأنه مثل ثقب وليس
معدولا كعمر وهو معنى قول سيبويه.
وقد قيل في عدنان هو ابن ميدعة وقيل ابن يحثم قاله القتبي وما بعد
عدنان من الأسماء مضطرب فيه فالذي صح عن رسول الله - صلى الله عليه
وسلم - أنه انتسب إلى عدنان لم يتجاوزه بل قد روي عن طريق ابن عباس أنه
لما بلغ عدنان. قال "كذب النسابون مرتين أو ثلاثا" 2، والأصح في هذا
الحديث أنه من قول ابن مسعود وروي عن عمر - رضي الله عنه - أنه قال
"إنما ننتسب إلى عدنان وما فوق ذلك لا ندري ما هو" وأصح شيء روي فيما
بعد عدنان ما ذكره الدولابي أبو بشر من طريق موسى بن يعقوب عن عبد الله
بن وهب بن زمعة الزمعي عن عمته عن أم سلمة عن
ـــــــ
1 في "اللسان" أيضاً المعدان الجنبان من الإنسان وغيره.
2 أخرجه ابن عساكر وابن سعد والديلمي وقال ابن عبد البر: ليس بالإسناد
القوي.
(1/34)
النبي - صلى
الله عليه وسلم - أنه قال "معد بن عدنان بن أدد بن زند - بالنون - بن
اليرى بن أعراق الثرى" قالت أم سلمة. فزند هو الهميسع واليرى هو نبت
وأعراق الثرى هو إسماعيل لأنه ابن إبراهيم وإبراهيم لم تأكله النار كما
أن النار لا تأكل الثرى.
وقد قال الدارقطني: لا نعرف زندا إلا في هذا الحديث وزند بن الجون وهو
أبو دلامة الشاعر.
قال المؤلف وهذا الحديث عندي ليس بمعارض لما تقدم من قوله "كذب
النسابون" ولا لقول عمر - رضي الله عنه - لأنه حديث متأول يحتمل أن
يكون قوله "ابن اليرى، ابن أعراق الثرى" كما قال "كلكم بنو آدم وآدم من
تراب" لا يريد أن الهميسع ومن دونه ابن لإسماعيل لصلبه ولا بد من هذا
التأويل أو غيره لأن أصحاب الأخبار لا يختلفون في بعد المدة ما بين
عدنان وإبراهيم ويستحيل في العادة أن يكون بينهما أربعة آباء أو سبعة
كما ذكر ابن إسحاق، أو عشرة أو عشرون فإن المدة أطول من ذلك كله وذلك.
أن معد بن عدنان كان في مدة بختنصر1 ابن ثنتي عشرة سنة.
قال الطبري: وذكر أن الله تعالى أوحى في ذلك الزمان إلى إرمياء بن
حلقيا2 أن اذهب إلى بختنصر فأعلمه أني قد سلطته على العرب، واحمل معدا
على البراق كيلا تصيبه النقمة فيهم فإني مستخرج من صلبه نبيا كريما
أختم به الرسل فاحتمل معدا على البراق إلى أرض الشام، فنشأ مع بني
إسرائيل وتزوج هناك امرأة اسمها: معانة بنت جوشن من بني دب بن جرهم،
ويقال في اسمها: ناعمة. قاله الزبير ومن ثم وقع في كتاب "الإسرائيليين"
نسب معد ثبته في كتبه رخيا، وهو يورخ كاتب إرمياء.
كذلك ذكر أبو عمر النمري3 حدثت بذلك عن الغساني عنه، وبينه وبين
ـــــــ
1 ذكر المسعودي أنه كان مرزبان العراق والمغرب وهو الذي فتح بيت
المقدس.
2 وهو أحد أنبياء العبرانيين كما ذكر بوست.
3 أبو عمر بن عبد البر: هو يوسف بن عبد الله بن محمد شيبخ علماء
الأندلس وكبير محدثيها في عصره ت: 463هـ).
(1/35)
ناحور بن تيرح
بن يعرب بن يشجب بن نابت بن إسماعيل بن إبراهيم - خليل الرحمن - بن
تارح وهو آزر بن ناحور بن ساروغ بن راعو بن فالخ بن عيبر بن شالخ بن
أرفخشذ بن سام بن نوح بن لمك بن متوشلخ بن أخنوخ، وهو إدريس النبي -
فيما يزعمون - والله أعلم وكان أول بني آدم أعطي النبوة وخط بالقلم -
ابن يرد بن مهليل بن قينن بن يانش بن شيث بن آدم صلى الله عليه وسلم.
__________
إبراهيم في ذلك النسب نحو من أربعين جدا، وقد ذكرهم كلهم أبو الحسن
المسعودي على اضطراب في الأسماء ولذلك - والله أعلم - أعرض النبي - صلى
الله عليه وسلم - عن رفع نسب عدنان إلى إسماعيل لما فيه من التخليط
وتغيير في الألفاظ وعواصة تلك الأسماء مع قلة الفائدة في تحصيلها. وقد
ذكر الطبري نسب عدنان إلى إسماعيل من وجوه ذكر في أكثرها نحوا من
أربعين أبا، ولكن باختلاف في الألفاظ لأنها نقلت من كتب عبرانية وذكر
من وجه قوي في الرواية عن نساب العرب، أن نسب عدنان يرجع إلى قيذر بن
إسماعيل وأن قيذر كان الملك في زمانه وأن معنى قيذر الملك إذا فسر وذكر
الطبري في عمود هذا النسب بورا بن شوحا، وهو أول من عتر العتيرة وأن
شوحا هو سعد رجب وأنه أول من سن رجبا للعرب. والعتيرة هي الرجبية.
وذكر في هذا النسب عبيد بن ذي يزن بن هماذا، وهو الطعان وإليه تنسب
الرماح اليزنية 1 وذكر فيهم أيضا دوس العتق وكان من أحسن الناس وجها،
وكان يقال في المثل أعتق من دوس، وهو الذي هزم جيش قطورا بن جرهم.
وذكر فيهم إسماعيل ذا الأعوج وهو فرسه وإليه تنسب الخيل الأعوجية وهذا
هو الذي يشبه فإن بختنصر كان بعد سليمان بمئتين من السنين لأنه كان
عاملا على العراق "لكي لهراسب" ثم لابنه "كي بستاسب" إلى مدة بهمن قبل
غلبة الإسكندر على دارا بن دارا بهمن، وذلك قريب من مدة عيسى ابن مريم
فأين هذه المدة من
ـــــــ
1 ذكر الطبري عن ابن إبداعي: هو عبيد وهو أول من قاتل بالرماح فنسبت
إليه.
(1/36)
قال أبو محمد
عبد الملك بن هشام حدثنا زياد بن عبد الله البكائي، عن محمد بن إسحاق
المطلبي بهذا الذي ذكرت من نسب محمد رسول الله صلى الله وآله وسلم إلى
آدم عليه السلام وما فيه من حديث إدريس وغيره.
قال ابن هشام: وحدثني خلاد بن قرة بن خالد السدوسي، عن شيبان بن زهير
بن شقيق بن ثور عن قتادة بن دعامة أنه قال:
ـــــــ
مدة إسماعيل؟ وكيف يكون بين معد وبنيه مع هذا سبعة آباء فكيف أربعة
والله أعلم؟
وكان رجوع معد إلى أرض الحجاز بعد ما رفع الله بأسه عن العرب ورجعت
بقاياهم التي كانت في الشواهق إلى محالهم ومياههم بعد أن دوخ بلادهم
بختنصر وخرب المعمور واستأصل أهل حضور 1 وهم الذين ذكرهم الله تعالى في
قوله {وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ} [الأنبياء: 11]؛ وذلك لقتلهم
شعيب بن ذي مهدم 2 نبيا أرسله الله إليهم وقبره بصنين جبل باليمن وليس
بشعيب الأول صاحب مدين. ذلك شعيب بن عيفي، ويقال فيه ابن صيفون وكذلك
أهل عدن، قتلوا نبيا أرسل إليهم اسمه حنظلة بن صفوان فكانت سطوة الله
بالعرب لذلك نعوذ بالله من غضبه وأليم عقابه.
عود إلى النسب:
ثم نعود إلى النسب: فأما مقوم 3 بكسر الواو، وأبو أدد فمفهوم المعنى،
وتيرح فيعل من الترحة إن كان عربيا. وكذلك ناحور من النحر ويشجب من
ـــــــ
1 بلدة باليمن نم أعمال زبيد.
2 قال في "القاموس" وذو مهدم كمنبر ومقعد: قيل لحمير وملك الحبش.
3 في الطبري مقوم وفي "المعارف" بتشديد الواو مع كسر.
(1/37)
إسماعيل بن
إبراهيم - خليل الرحمن - ابن تارح، وهو آزر - بن ناحور بن أسرغ بن أرغو
بن فالخ بن عابر بن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح بن لمك بن متوشلخ بن
أخنوخ بن يرد بن مهلائيل بن قاين بن أنوش بن شيث بن آدم صلى الله عليه
وسلم.
نهج ابن هشام في هذا الكتاب:
قال ابن هشام: وأنا إن شاء الله مبتدئ هذا الكتاب بذكر إسماعيل بن
إبراهيم ومن ولد رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - من ولده
وأولادهم لأصلابهم الأول
ـــــــ
الشجب وإن كان المعروف أن يقال شجب بكسر الجيم يشجب بفتحها، ولكن قد
يقال في المغالبة شاجبته فشجبته أشجبه بضم الجيم في المستقبل وفتحها في
الماضي ; كما يقال من العلم عالمته فعلمته بفتح اللام أعلمه بضمها. وقد
ذكرهم أبو العباس الناشئ في قصيدته المنظومة في نسب النبي - صلى الله
عليه وسلم - إلى آدم كما ذكرهم ابن إسحاق.
وإبراهيم معناه أب راحم وآزر قيل معناه يا أعوج وقيل هو اسم صنم وانتصب
على إضمار الفعل في التلاوة وقيل هو اسم لأبيه كان يسمى تارح وآزر وهذا
هو الصحيح لمجيئه في الحديث منسوبا إلى آزر وأمه نونا، ويقال في اسمها:
ليوثي 1، أو نحو هذا وما بعد إبراهيم أسماء سريانية فسر أكثرها
بالعربية ابن هشام في غير هذا الكتاب وذكر أن فالع معناها: القسام
وشالخ معناها: الرسول أو الوكيل وذكر أن إسماعيل تفسيره مطيع الله وذكر
الطبري أن بين فالع وعابر أبا اسمه قينن أسقط اسمه في التوراة، لأنه
كان ساحرا، وأرفخشذ 2 تفسيره مصباح مضيء وشاذ مخفف بالسريانية "الضياء
ومنه حم شاذ" بالسريانية وهو رابع الملوك بعد "جيومرث"، وهو الذي قتله
الضحاك، واسمه "بيوراسب بن
ـــــــ
1 ذكر الطبري أنها بنت كريتا وفي رواية أنموتا.
2 كذا في "المروج" و"المقصد" و"الأمم" وفي "المعارف": أرفخشد.
(1/38)
فالأول من
إسماعيل إلى رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - وما يعرض من حديثهم
وتارك ذكر غيرهم من ولد إسماعيل على هذه الجهة للاختصار إلى حديث سيرة
رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - وتارك بعض ما ذكره ابن إسحاق في
هذا الكتاب مما ليس لرسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - فيه ذكر
ولا نزل فيه من القرآن شيء وليس سببا لشيء من هذا الكتاب ولا تفسيرا له
ولا شاهدا عليه لما ذكرت من الاختصار وأشعارا ذكرها لم أر أحدا من أهل
العلم بالشعر يعرفها، وأشياء بعضها
ـــــــ
إندراسب" والضحاك مغير من ازدهاق. قال حبيب:
وكأنه الضحاك في فتكاته ... بالعالمين وأنت أفريدون
لأن أفريدون هو الذي قتل الضحاك، بعد أن عاش ألف سنة في جور وعتو
وطغيان عظيم وذلك مذكور على التفصيل في تاريخ الطبري وغيره.
نوح ومن قبله:
وذكر نوحا - عليه السلام - واسمه عبد الغفار وسمي نوحا لنوحه على ذنبه
وأخوه صابئ بن لامك، إليه ينسب دين الصابئين فيما ذكروا والله أعلم.
وذكر أن لامك والد نوح عليه السلام. ولامك أول من اتخذ العود للغناء
بسبب يطول ذكره واتخذ مصانع الماء. وأبوه متوشلخ. وذكره الناشئ في
قصيدته فقال متوشلخ، وتفسيره مات الرسول لأن أباه كان رسولا وهو خنوخ؟
وقال ابن إسحاق وغيره هو إدريس النبي - عليه السلام - وروى ابن إسحاق
في الكتاب الكبير عن شهر بن حوشب عن أبي ذر عن النبي - صلى الله عليه
وسلم - أنه قال "أول من كتب بالقلم إدريس" 1 وعنه - عليه الصلاة
والسلام - أنه قال "أول من كتب بالعربية
ـــــــ
1 رواه أحمد عن ابي ذر.
(1/39)
......................................................
ـــــــ
إسماعيل" وقال أبو عمر: وهذه الرواية أصح من رواية من روى: أن أول من
تكلم بالعربية إسماعيل والخلاف كثير في أول من تكلم بالعربية. وفي أول
من أدخل الكتاب العربي أرض الحجاز. فقيل حرب بن أمية. قاله الشعبي.
وقيل هو شعبان بن أمية. وقيل عبد بن قصي تعلمه بالحيرة 1 أهل الحيرة من
أهل الأنبار 2.
إدريس:
قال المؤلف ثم نرجع الآن إلى ما كنا بصدده. فنقول إن إدريس - عليه
السلام - قد قيل إنه إلياس وإنه ليس بجد لنوح. ولا هو في عمود هذا
النسب. وكذلك سمعت شيخنا الحافظ أبا بكر - رحمه الله - يقول - ويستشهد
بحديث الإسراء - فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - كلما لقي نبيا من
الأنبياء الذين لقيهم ليلة الإسراء قال "مرحبا بالنبي الصالح والأخ
الصالح". وقال له آدم مرحبا بالنبي الصالح والابن الصالح. كذلك قال له
إبراهيم. وقال له إدريس والأخ الصالح. فلو كان في عمود نسبه لقال له
كما قال له أبوه إبراهيم وأبوه آدم ولخاطبه بالبنوة ولم يخاطبه
بالأخوة. وهذا القول عندي أنبل والنفس إليه أميل لما عضده من هذا
الدليل.
وقال: إدريس بن يرد وتفسيره الضابط. ابن مهلائيل، وتفسيره الممدح وفي
زمنه كان بدء عبادة الأصنام.
"ابن قينان" وتفسيره المستوى. "ابن أنوش" وتفسيره الصادق وهو
ـــــــ
1 مدينة على ثلاثة أميال من الكوفة.
2 الأنبار: مدينة قرب بلخ بخراسان. ومدينة علىالفرات الغربي بغداد كانت
الفرس تسميها: فيروز سابور وهي المقصودة.
(1/40)
......................................................
ـــــــ
بالعربية أنش وهو أول من غرس النخلة وبوب الكعبة 1 وبذر الحبة فيما
ذكروا، "ابن شيث" وهو بالسريانية: شاث. وبالعبرانية: شيث. وتفسيره عطية
الله "ابن آدم".
آدم:
وفيه ثلاثة أقوال قيل هو اسم سرياني وقيل هو أفعل من الأدمة. وقيل أخذ
من لفظ الأديم 2. لأنه خلق من أديم الأرض. وروي ذلك عن ابن عباس. وذكر
قاسم بن ثابت في الدلائل عن محمد بن المستنير. وهو قطرب أنه قال لو كان
من أديم الأرض لكان على وزن فاعل وكانت الهمزة أصلية فلم يكن يمنعه من
الصرف مانع وإنما هو على وزن أفعل من الأدمة. ولذلك جاء غير مجرى 3.
قال المؤلف: وهذا القول ليس بشيء ; لأنه لا يمتنع أن يكون من الأديم
ويكون على وزن أفعل. تدخل الهمزة الزائدة على الهمزة الأصلية كما تدخل
على همزة الأدمة. فأول الأدمة همزة أصلية. فكذلك أول الأديم همزة
أصلية. فلا يمتنع أن يبنى منها أفعل. فيكون غير مجرى. كما يقال رجل
أعين وأرأس من العين والرأس. وأسوق وأعنق من الساق والعنق. مع ما في
هذا القول من المخالفة لقول السلف الذين هم أعلم منه لسانا، وأذكى
جنانا.
حكم التكلم في الأنساب:
قال المؤلف وإنما تكلمنا في رفع هذا النسب على مذهب من رأى ذلك من
ـــــــ
1 ورد أن أول من أقام الكعبة إبراهيم وإسماعيل فكيف يقال أن هذا
بوبها؟!
2 ظاهر الشيء والجلد.
3 أي ممنوع من التنوين.
(1/41)
يشنع الحديث
به، وبعض يسوء بعض الناس ذكره، وبعض لم يقر لنا البكائي بروايته؛
ومستقص إن شاء الله تعالى ما سوى ذلك منه بمبلغ الرواية له، والعلم به.
ـــــــ
العلماء. ولم يكرهه كابن إسحاق والطبري والبخاري والزبيريين، وغيرهم من
العلماء. وأما مالك - رحمه الله - فقد سئل عن الرجل يرفع نسبه إلى آدم
فكره ذلك. قيل له فإلى إسماعيل فأنكر ذلك أيضا. وقال ومن يخبره به؟
وكره أيضا أن يرفع في نسب الأنبياء مثل أن يقال إبراهيم بن فلان بن
فلان. قال ومن يخبره به؟ وقع هذا الكلام لمالك في الكتاب الكبير
المنسوب إلى المعيطي وإنما أصله لعبد الله بن محمد بن حنين 1. وتممه
المعيطي، فنسب إليه. وقول مالك هذا نحو مما روي عن عروة بن الزبير أنه
قال ما وجدنا أحدا يعرف ما بين عدنان وإسماعيل وعن ابن عباس - رضي الله
عنه - قال بين عدنان وإسماعيل ثلاثون أبا لا يعرفون.
ـــــــ
1 في "شرح المواهب" للزرقاني بن جبير).
(1/42)
|