الروض
الأنف ت السلامي
ذكر ما انتهى غليه أمر الفرس باليمن
...
ذكر ما انتهى إليه أمر الفرس باليمن:
ملك الحبشة في اليمن وملوكهم:
قال ابن إسحاق: فأقام وهرز والفرس باليمن، فمن بقية ذلك الجيش من
الفرس: الأبناء الذين باليمن اليوم. وكان ملك الحبشة باليمن، فيما بين
أن دخلها أرياط إلى أن قتلت الفرس مسروق بن أبرهة وأخرجت الحبشة،
اثنتين وسبعين سنة توارث ذلك منهم أربعة أرياط، ثم أبرهة، ثم يكسوم بن
أبرهة ثم مسروق بن أبرهة.
ملوك الفرس على اليمن:
قال ابن هشام: ثم مات وهرز فأمر كسرى ابنه المرزبان بن وهرز على اليمن،
ـــــــ
وقوله: ينادون آل بربر ; لأن البربر والحبشة من ولد حام1. وقد قيل إنهم
من ولد جالوت من العماليق.
وقد قيل في جالوت إنه من الخزر، وإن أفريقس لما خرج من أرض كنعان سمع
لهم بربرة وهي اختلاط الأصوات فقال ما أكثر بربرتهم فسموا بذلك وقيل
غير هذا.
وقوله والغرب أراد الغرب بضم الراء جمع: غراب وإن كان المعروف أغربة
وغربان ولكن القياس لا يدفعه وعنى بهم السودان.
وقوله وبدل الفيج بالزرافة وهو المنفرد في مشيته والزرافة الجماعة2
وقيل في الزرافة التي هي حيوان طويل العنق إنه اختلط فيها النسل بين
الإبل الوحشية والبقر الوحشية والنعام وإنها متولدة من هذه الأجناس
الثلاثة. وكذلك ذكر الزبيدي وغيره وأنكر الجاحظ هذا في كتاب الحيوان له
وقال إنما دخل
ـــــــ
1 ويرد ابن حزم على ذلك بأنه ما علم النسابون لقيس عيلان ابنا اسمه:
برن بفتح فتضعيف أصلاً، ولا كان لحمير طريق إلى بلاد البربر. انظر:
"الجمهرة" ص461.
2 ذكر الخشني أن الفيج: الذي يسير للسلطان بالكتب على رجليه.
(1/183)
ثم مات
المرزبان فأمر كسرى ابنه التينجان بن المرزبان على اليمن، ثم مات
التينجان فأمر كسرى ابن التينجان على اليمن، ثم عزله وأمر باذان فلم
يزل باذان عليها حتى بعث الله محمدا النبي - صلى الله عليه وسلم -
كسرى وبعثة النبي صلى الله عليه وسلم:
فبلغني عن الزهري أنه قال كتب كسرى إلى باذان: أنه بلغني أن رجلا من
قريش خرج بمكة، يزعم أنه نبي، فسر إليه فاستتبه فإن تاب وإلا فابعث إلي
برأسه فبعث باذان بكتاب كسرى إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
فكتب إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم – "إن الله قد وعدني أن يقتل
كسرى في يوم كذا من شهر كذا" فلما أتى باذان الكتاب توقف لينظر وقال إن
كان نبيا، فسيكون
ـــــــ
هذا الغلط عليهم من تسمية الفرس لها "اشتر - كاو - ماه1". والفرس إنما
سمته بذلك لأن في خلقتها شبها من جمل ونعامة وبقرة فاشتر هو الجمل وكاو
النعامة وماه البقرة والفرس تركب الأسماء وتمزج الألفاظ إذا كان في
المسمى شبه من شيئين أو أشياء ويقال زرافة بتشديد الفاء حكاه أبو عبيد
عن القناني.
وقوله بعد بني تبع بجاورة. هكذا في نسخة سفيان بن أبي العاص الأسدي
مصححا عليه وقد كتب في الحاشية نخاورة في الأمين وفي الحاشية النخاورة
الكرام وكذلك في المسموعة على ابن هشام يعني نسختي أبي الوليد الوقشي
اللتين قابل بهما مرتين ويعني بالحاشية حاشية "تينك الأمين" وأن فيهما:
نخاورة بالنون والخاء المنقوطة وهم الكرام كما ذكر.
باذان وكسرى:
وذكر قصة باذان، وما كتب به إلى كسرى، وكسرى هذا هو أبرويز بن هرمز بن
أنوشروان، ومعنى أبرويز بالعربية المظفر وهو الذي غلب الروم حين أنزل
الله:
ـــــــ
1 انظر: كتاب "الحيوان" 7/76.ط. 1324هـ
(1/184)
ما قال. فقتل
الله كسرى في اليوم الذي قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
قال ابن هشام: قتل على يدي ابنه شيرويه وقال خالد بن حق الشيباني: .
وكسرى إذ تقسمه بنوه ... بأسياف كما اقتسم اللحام1
تمخضت المنون له بيوم ... أنى، ولكل حاملة تمام2
إسلام باذان:
قال الزهري: فلما بلغ ذلك باذان بعث بإسلامه3 وإسلام من معه من الفرس
إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت الرسل من الفرس لرسول الله
- صلى الله عليه وسلم - إلى من نحن يا رسول الله؟ قال "أنتم منا وإلينا
أهل البيت" .
ـــــــ
{الم غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ} [الروم: 1-3] وهو الذي
عرض على الله في المنام فقال له سلم ما في يديك إلى صاحب الهراوة فلم
يزل مذعورا من ذلك حتى كتب إليه النعمان بن المنذر بظهور النبي - صلى
الله عليه وسلم - بتهامة4، فعلم أن الأمر سيصير إليه حتى كان من أمره
ما كان وهو الذي كتب إليه النبي - صلى الله عليه وسلم - وحفيده يزدجرد
بن شهريار بن أبرويز وهو آخر ملوك الفرس، وكان سلب ملكه وهدم سلطانه
على يدي عمر بن الخطاب، ثم قتل هو في أول خلافة عثمان، وجد مستخفيا في
رحى5 فقتل وطرح في قناة الرحى، وذلك بمرو من أرض فارس.
وذكر حديث باذان ومقتل كسرى، وكان مقتل كسرى حين قتله بنوه ليلة
الثلاثاء لعشر من جمادى الأولى سنة سبع من الهجرة وأسلم باذان باليمن
في سنة
ـــــــ
1 اللحام: جمع لحم.
2 أنى: بمعنى حان.
3 كان إسلام باذان في اليمن في سنة عشر، وفيها بعث رسول الله صلى الله
عليه وسلم إلى الأبناء يدعوهم إلى الإسلام.
4 قد يكون المقصود بها مكة نفسها.
5 قال الرحى من الأرض: مكان مستدير غليظ يكون بين رمال، أو القارة
الضخمة الغليظة.
(1/185)
....................................................
ـــــــ
عشر وفيها بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الأبناء1 يدعوهم إلى
الإسلام فمن الأبناء وهب بن منبه بن سيج بن ذكبار، وطاووس وذادويه
وفيروز اللذان قتلا الأسود العنسي الكذاب وقد قيل في طاووس إنه ليس من
الأبناء وإنه من حمير، وقد قيل من فارس، واسمه ذكوان بن كيسان وهو مولى
بجير بن ريسان وقد قيل مولى الجعد وكان يقال له طاووس القراء لجماله.
وقول خالد بن حق:
تمخضت المنون له بيوم ... أنى ; ولكل حاملة تمام2
المنون: المنية وهو أيضا من أسماء الدهر وهو من مننت الحبل إذا قطعته،
وفعول إذا كان بمعنى فاعل لم تدخل التاء في مؤنثه لسر بديع ذكرناه في
غير هذا الكتاب فيقال امرأة صبور وشكور فمعنى المنون المقطوع وتمخضت أي
حملت والمخاض الحمل ووزنه فعال ومخاضة الماء ومخاضة [النهر] وزنه مفعل
من الخوض.
وقوله: أنى، أي: حان، وقد قلبوه فقالوا: آن يئين والدليل على أن آن
يئين مقلوب من أنى يأنى، قوله آناء الليل وواحدها: إنى وأنى وإني
فالنون مقدمة على الياء في كل هذا، وفي كل ما صرف منه نحو الإناء
والآني: الذي بلغ أناه أي منتهى وقته في التسخين وهذا المعنى كقولهم في
المثل الدهر حبلى لا يدري ما تضع إن كان أراد بالمنون في البيت الدهر
وإن كان أراد بالمنون المنية فبعيد أن يقال تمخضت المنون له بهذا اليوم
الذي مات فيه فإن موته منيته فكيف تتمخض المنية بالمنية إلا أن يريد
أسبابها، وما مني له، أي: قدر من وقتها،
ـــــــ
1 الأبناء: هم أبناء فارس الذين استوطنوا اليمن.
2 معنى البيت كما في "اللسان" أن المنية تهيأت لأن تلد له الموت.
(1/186)
سلمان منا:
قال ابن هشام: فبلغني عن الزهري أنه قال:
فمن ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم – "سلمان منا أهل البيت" .
بعثة النبي، ونبوءة سطيح وشق:
عود إلى شق وسطيح قال ابن هشام: فهو الذي عنى سطيح بقوله "نبي زكي،
يأتيه الوحي من قبل العلي". والذي عنى شق بقوله "بل ينقطع برسول مرسل
يأتي بالحق والعدل من أهل الدين والفضل يكون الملك في قومه إلى يوم
الفصل".
ـــــــ
فتصح الاستعارة حينئذ ويستقيم التشبيه.
وقول ابن حق وكسرى إذ تقسمه بنوه. وإنما كان قتله على يدي ابنه شيرويه
لكن ذكر بنيه لأن بدء الشر بينه وبينهم أن فرخان رأى في النوم أنه قاعد
على سرير الملك في موضع أبيه فبلغ أباه ذلك فكتب إلى ابنه شهريار -
وكان واليا له على بعض البلاد أن اقتل أخاك فرخان فأخفى شهريار الكتاب
من أخيه فكتب إليه مرة أخرى، فأبى من ذلك فعزله وولى فرخان وأمره بقتل
شهريار فعزم على ذلك فأراه شهريار الكتاب الذي كتب له أبوه فيه فتواطآ
عند ذلك على القيام على أبيهما، وأرسلا إلى ملك الروم يستعينان به في
خبر طويل فكان هذا بدء الشر ثم إن الفرس خلعت كسرى لأحداث أحدثها، وولت
ابنه شيرويه فكان كسرى أبرويز ربما أشار برأي من محبسه فقالت المرازبة
لشيرويه لا يستقيم لك الملك إلا أن تقتل أباك1، فأرسل إليه من يقتله
فيقال إنه كان يضرب بالسيف فما يعمل فيه شيئا، ففتش فوجد على عضده حجر
معلق كالخرزة فنزع فعملت فيه السلاح2،
ـــــــ
1 في "الطبري" أنهم قالوا له: "إنه لا يستقيم أن يكون لنا ملكان فإما
أن تأمر بقتل كسرى ونحن خولك [خدمك] المانحون الطاعة وإما أن نخلعك
ونعطيه الطاعة".
2 اسم قاتل كسرى: مهر هرمز بن مردانشاه.
(1/187)
الحجر الذي وجد
باليمن:
قال ابن إسحاق: وكان في حجر باليمن - فيما يزعمون - كتاب بالزبور كتب
في الزمان الأول "لمن ملك ذمار؟ لحمير الأخيار لمن ملك ذمار؟ للحبشة
الأشرار لمن ملك ذمار؟ لفارس الأحرار لمن ملك ذمار؟ لقريش التجار".
وذمار : اليمن أو صنعاء، قال ابن هشام: ذمار : بالفتح فيما أخبرني
يونس.
شعر الأعشى في نبوءة سطيح وشق:
قال ابن إسحاق: وقال الأعشى - أعشى بني قيس بن ثعلبة في وقوع ما قال
سطيح وصاحبه:
ما نظرت ذات أشفار كنظرتها ... حقا كما صدق الذئبي إذ سجعا1
ـــــــ
وكان قبل يقول لابنه يا قصير العمر فلم يدم أمره بعده إلا أقل من ستة
أشهر - فيما ذكروا - والله أعلم.
"ذمار وحمير وفارس والحبشة":
وقوله وجد بحجر باليمن : لمن ملك ذمار؟
وحكى ابن هشام عن يونس ذمار بفتح الذال فدل على أن رواية ابن إسحاق
بالكسر فإذا كان بكسر الذال فهو غير مصروف لأنه اسم لمدينة والغالب
عليه التأنيث ويجوز صرفه أيضا ; لأنه اسم بلد وإذا فتحت الذال فهو
مبني2 مثل رقاش وحذام وبنو تميم يعربون مثل هذا البناء فيقولون رقاش
[وحذام] في الرفع ورقاش وحذام في النصب والخفض يعربونه ولا يصرفونه
فإذا كان لام الفعل راء
ـــــــ
1 ذات أشفار: زرقاء اليمامة، وكانت العرب تزعم أنها ترى الأشخاص على
مسيرة ثلاثة أيام في الصحراء وخبرها مشهود.
2 في "المرصد": ذمار بكسر أوله ويفتح مبني على الكسر، قرية باليمن على
مرحلتين من صنعاء، وقيل: ذمار اسم لصنعاء.
(1/188)
وكانت العرب
تقول لسطيح الذئبي، لأنه سطيح بن ربيعة بن مسعود بن مازن بن ذئب.
قال ابن هشام: وهذا البيت في قصيدة له.
ـــــــ
اتفقوا مع أهل الحجاز على البناء والكسر. وذمار : من ذمرت الرجل إذا
حرضته على الحرب.
وقوله: لحمير الأخيار لأنهم كانوا أهل دين كما تقدم في حديث فيمون وابن
الثامر.
وقوله لفارس الأحرار فلأن الملك فيهم متوارث من أول الدنيا من عهد
جيومرت1 في زعمهم إلى أن جاء الإسلام لم يدينوا لملك من غيرهم ولا أدوا
الأتاوة2 لذي سلطان من سواهم فكانوا أحرارا لذلك.
وأما قوله للحبشة الأشرار فلما أحدثوا في اليمن من العيث والفساد
وإخراب البلاد حتى هموا بهدم بيت الله الحرام، وسيهدمونه في آخر
الزمان3 إذا رفع القرآن وذهب من الصدور الإيمان وهذا الكلام المسجع
ذكره المسعودي منظوما:
حين شيدت ذمار قيل لمن أن ... ت فقالت لحمير الأخيار
ثم سيلت من بعد ذاك؟ فقالت ... أنا للحبش أخبث الأشرار
ثم قالوا من بعد ذاك لمن أن ... ت؟ فقالت لفارس الأحرار
ثم قالوا من بعد ذاك لمن أن ... ت فقالت إلى قريش التجار
وهذا الكلام الذي ذكر أنه وجد مكتوبا بالحجر هو - فيما زعموا - من كلام
ـــــــ
1 أو كيومرت، والفرس يجمعون على أنه أول ملوكهم، ولكنهم اختلفوا في
شأنه.
2 الإتاوة: الخراج أو الجزية.
3 لعله يشير إلى حديث: "اتركوا الحبشة ما تركوكم، فإنه لا يستخرج كنز
الكعبة إلا ذو السويقية من الحبشة" وقد رواه أبو داود بسند ضعيف.
(1/189)
....................................................
ـــــــ
هود - عليه السلام - وجد مكتوبا في منبره وعند قبره حين كشفت الريح
العاصفة عن منبره الرمل حتى طهر وذلك قبل ملك بلقيس بيسير وكان خطه
بالمسند ويقال إن الذي بنى ذمار هو شمر بن الأملوك والأملوك هو مالك بن
ذي المنار ويقال ذمار وظفار، ومنه المثل من دخل ظفار حمر أي تكلم
بالحميرية.
زرقاء اليمامة:
وذكر قول الأعشى:
ما نظرت ذات أشفار كنظرتها. البيت. يريد زرقاء اليمامة، وكانت تبصر على
مسيرة ثلاثة أيام وقد تقدم طرف من ذكرها في خبر جديس وطسم وقبل البيت:
قالت أرى رجلا في كفه كتف ... أو يخصف النعل لهفي أية صنعا
فكذبوها بما قالت فصبحهم ... ذو آل حسان يزجي الموت والسلعا1
وكان جيش حسان هذا قد أمروا أن يخيلوا عليها بأن يمسك كل واحد منهم
نعلا كأنه يخصفها، وكتفا كأنه يأكلها، وأن يجعلوا على أكتافهم أغصان
الشجر فلما أبصرتهم قالت لقومها: قد جاءتكم الشجر أو قد غزتكم حمير،
فقالوا: قد كبرت وخرفت، فكذبوها، فاستبيحت بيضتهم2 وهو الذي ذكر
الأعشى.
ـــــــ
1 السلع: شجر مر ينبت في اليمن، وهو من الفصيلة الكرمية،وفي "الطبري":
والشرعا، ويخصف النعل: يخزها ويصلحها، وانظر قصيدتها في "الطبري":
1/631. وهي ستة أبيات.
2 حوزتهم وحماهم.
(1/190)
قصة ملك الحضر:
نسب النعمان، وشيء عن الحضر، وشعر عدي فيه:
قال ابن هشام: وحدثني خلاد بن قرة بن خالد السدوسي عن جناد، أو عن بعض
علماء أهل الكوفة بالنسب أنه يقال إن النعمان بن المنذر من ولد ساطرون
ملك الحضر.
والحضر حصن عظيم كالمدينة، كان على شاطئ الفرات، وهو الذي ذكر عدي بن
زيد في قوله
وأخو الحضر إذ بناه وإذ دجلة يجبى إليه والخابور
شاده مرمرا وجلله كلسا فللطير في ذراه وكور
لم يهبه ريب المنون فبان ال ... ملك عنه فبابه مهجور
قال ابن هشام: وهذه الأبيات في قصيدة له.
والذي ذكره أبو دواد الإيادي في قوله:
وأرى الموت قد تدلى من الحضر على رب أهله الساطرون
ـــــــ
خبر الحضر والساطرون
ذكر فيه قول من قال إن النعمان من ولد الساطرون وهو صاحب الحضر. قال
المؤلف فنذكر شرح قصة الحضر وصاحبه وما قيل في ذلك ملخصا بعون الله.
الساطرون بالسريانية: هو الملك واسم الساطرون الضيزن بن معاوية. قال
الطبري: هو جرمقاني1، وقال ابن الكلبي هو قضاعي من العرب الذين تنخوا
بالسواد فسموا: تنوخ، أي أقاموا بها، وهم قبائل شتى، ونسبه ابن الكلبي،
ـــــــ
1 الجرامقة: قوم من العجم صاروا بالموصل في أوائل الإسلام، وجرمقك بلدة
بفارس، وقيل: من أهل باجرمي وهي قرية قرب الرقة من أرض الجزيرة.
(1/191)
وهذا البيت في
قصيدة له. ويقال إنها لخلف الأحمر ويقال لحماد الراوية.
دخول سابور الحضر، وزواجه بنت ساطرون، وما وقع بينهما:
وكان كسرى سابور ذو الأكتاف غزا ساطرون ملك الحضر، فحصره سنتين فأشرفت
بنت ساطرون يوما، فنظرت إلى سابور وعليه ثياب ديباج وعلى رأسه تاج من
ذهب مكلل بالزبرجد والياقوت واللؤلؤ وكان جميلا، فدست إليه أتتزوجني إن
فتحت لك باب الحضر؟ فقال نعم فلما أمسى ساطرون شرب حتى سكر وكان لا
يبيت إلا سكران فأخذت مفاتيح باب الحضر من تحت رأسه فبعثت بها مع مولى
لها ففتح الباب فدخل سابور فقتل ساطرون واستباح الحضر وخربه وسار بها
فتزوجها، فبينا هي نائمة على فراشها ليلا إذ جعلت تتململ لا تنام فدعا
لها بشمع ففتش فراشها، فوجد عليه ورقة آس فقال لها سابور أهذا الذي
أسهرك؟ قالت نعم قال فما كان أبوك يصنع بك؟ قالت كان يفرش لي الديباج
ويلبسني الحرير ويطعمني المخ ويسقيني الخمر قال أفكان جزاء أبيك ما
صنعت به؟ أنت إلي بذلك أسرع ثم أمر بها، فربطت قرون رأسها بذنب فرس ثم
ركض الفرس
ـــــــ
فقال هو ابن معاوية بن عبيد، ووجدته بخط أبي بحر عبيد بضم العين بن
أجرم من بني سليح بن حلوان بن الحاف بن قضاعة، وأمه جيهلة وبها كان
يعرف وهي أيضا قضاعية من بني تزيد الذين تنسب إليهم الثياب التزيدية.
وذكر قول أبي دواد:
وأرى الموت قد تدلى من الحض ... ر على رب أهله الساطرون1
واسم أبي دواد: جارية بن حجاج وقيل حنظلة بن شرقي وبعد هذا البيت:
ـــــــ
1 الحضر كما في "المراصد": مدينة مبنية بالحجارة المهندمة بيوتها
وسقوفها وأبوابها ويقولون كان فيها ستون برجاً كباراً، بين كل برجين
تسعة أبراج صغار. وقال: إنها بإزاء تكريت.
(1/192)
حتى قتلها،
ففيه يقول أعشى بني قيس بن ثعلبة:
ألم تر للحضر إذ أهله ... بنعمى، وهل خالد من نعم
أقام به شاهبور الجنو ... د حولين تضرب فيه القدم1
فلما دعا ربه دعوة ... أناب إليه فلم ينتقم
وهذه الأبيات في قصيدة له.
وقال عدي بن زيد في ذلك:
والحضر صابت عليه داهية ... من فوقه أيد مناكبها
ربية لم توق والدها ... لحينها إذ أضاع راقبها
إذ غبقته صهباء صافية ... والخمر وهل يهيم شاربها
فأسلمت أهلها بليلتها ... تظن أن الرئيس خاطبها
فكان حظ العروس إذ جشر ... الصبح دماء تجري سبائبها
وخرب الحضر واستبيح وقد ... أحرق في خدرها مشاجبها
وهذه الأبيات في قصيدة له.
ـــــــ
صرعته الأيام من بعد ملك ... ونعيم وجوهر مكنون2
وكان الضيزن من ملوك الطوائف وكان يقدمهم إذا اجتمعوا لحرب عدو من
غيرهم وكانت الحضر بين دجلة والفرات، وكان ملكه يبلغ أطرار الشام، وكان
سابور قد تغيب عن العراق إلى خراسان، فأغار الضيزن على بلاده بمن معه
من العرب، فلما قفل سابور وأخبر بصنع الضيزن نهد إليه وأقام عليه أربع
سنين.
وذكر الأعشى في شعره حولين لا يقدر على فتح الحصن وكان للضيزن بنت
اسمها: النضيرة وفيها قيل:
ـــــــ
1 شاهبور: معناه ابن الملك. وشاه:ملك، وبور: ابن. القُدُم:جمع قدوم،
وهو الفأس ونحوها.
2 البيت في "المروج" 2/256 كما يأتي:
ولقد كان آمنا للدواهي
ذا ثراء وجوهر مكنون
(1/193)
....................................................
ـــــــ
أقفر الحضر من نضيرة فالم ... رباع منها فجانب الثرثار
وكانت سنتهم في الجارية إذا عركت أي حاضت أخرجوها إلى ربض المدينة،
فعركت النضيرة فأخرجت إلى ربض الحضر1 فأشرفت ذات يوم فأبصرت سابور -
وكان من أجمل الناس - فهويته فأرسلت إليه أن يتزوجها، وتفتح له الحضر
واشترطت عليه والتزم لها ما أرادت ثم اختلف في السبب الذي دلت عليه
فقال ابن إسحاق ما في الكتاب وقال المسعودي: دلته على نهر واسع [اسمه
الثرثار] كان يدخل منه الماء إلى الحضر فقطع لهم الماء ودخلوا منه2.
وقال الطبري: دلته على طلسم [أو طلسم] كان في الحضر وكان في علمهم أنه
لا يفتح حتى تؤخذ حمامة ورقاء وتخضب رجلاها بحيض جارية بكر زرقاء ثم
ترسل الحمامة فتنزل على سور الحضر فيقع الطلسم فيفتح الحضر ففعل سابور
ذلك فاستباح الحضر وأباد قبائل من قضاعة كانوا فيه منهم بنو عبيد رهط
الضيزن لم يبق منهم عقب وحرق خزائن الضيزن واكتسح ما فيها، ثم قفل
بنضيرة معه وذكر الطبري في قتله إياها حين تململت على الفراش الوثير
ولين الحرير أنه قال لها: ما كان يصنع بك أبوك؟ فقالت كان يطعمني المخ
والزبد وشهد أبكار النحل وصفو الخمر. وذكر أنه كان يرى مخها من صفاء
بشرتها، وأن ورقة الآس أدمتها في عكنة من عكنها، وأن الفراش الذي نامت
عليه كان من حرير حشوه القز. وقال المسعودي: كان حشوه زغب3 الطير ثم
اتفقوا في صورة قتلها4 كما ذكر ابن إسحاق غير أن ابن إسحاق قال كان
المستبيح للحضر سابور
ـــــــ
1 ربض المدينة: ما حولها.
2 انظر "المروج" 2/256.
3 وهو الشعيرات الصفر على ريش الفرخ.
4 ربط غدائرها إلى فرسين جموحين، ثم استركضهما فقطعاها.
(1/194)
....................................................
ـــــــ
ذو الأكتاف وجعله غير سابور بن أزدشير بن بابك، وقد تقدم أن أزدشير هو
أول من جمع ملك فارس، وأذل ملوك الطوائف حتى دان الملك له والضيزن كان
من ملوك الطوائف فيبعد أن تكون هذه القصة لسابور ذي الأكتاف وهو سابور
بن هرمز وهو ذو الأكتاف لأنه كان بعد سابور الأكبر بدهر طويل وبينهم
ملوك مسمون في كتب التاريخ وهم هرمز بن سابور وبهرام بن هرمز وبهرام بن
بهرام وبهرام الثالث ونرسي بن بهرام وبعده كان ابنه سابور ذو الأكتاف
والله أعلم.
وقول الأعشى: شاهبور الجنود بخفض الدال يدل على أنه ليس بشاهبور ذي
الأكتاف وأما إنشاده لأبيات عدي بن زيد:
وأخو الحضر إذ بناه وإذ ... دجلة يجبى إليه و الخابور
فللشعر خبر عجيب. حدثنا إجازة القاضي الحافظ أبو بكر عن ابن أيوب عن
البرقاني عن أبي الحسن علي بن عمر قال حدثنا أبو بكر الأزرق يوسف بن
يعقوب بن إسحاق بن البهلول قال حدثني جدي، قال حدثني أبي، عن إسحاق بن
زياد من بني سلمة بن لؤي عن شبيب بن شيبة عن خالد بن صفوان بن الأهتم
قال أوفدني يوسف بن عمر إلى هشام بن عبد الملك في وفد [أهل] العراق قال
فقدمت عليه وقد خرج متبديا بقرابته وأهله وحشمه وغاشيته من جلسائه فنزل
في أرض قاع صحصح متنايف1 أفيح في عام [قد] بكر وسميه وتتابع وليه2
وأخذت الأرض [فيه] زينتها من اختلاف أنوار نبتها من نور ربيع مونق فهو
أحسن منظرا، وأحسن مستنظرا، وأحسن مختبرا بصعيد كأن ترابه قطع الكافور
حتى لو أن قطعة ألقيت فيه لم تترب قال وقد ضرب له سرادق من حبرة كان
صنعه
ـــــــ
1 القاع المستوي من الأرض، صحصح: الأرض الواسعة المستوية الجرداء ذات
الحصى الصغار.
2 الوسمي: مطر الربيع الأول، والولي: المطر الذي يليه.
(1/195)
....................................................
ـــــــ
له يوسف بن عمر باليمن، فيه فسطاط1 فيه أربعة أفرشة من خز أحمر مثلها
مرافقها وعليه دراعة2 من خز أحمر مثلها عمامتها، قال وقد أخذ الناس
مجالسهم فأخرجت رأسي من ناحية الطاق فنظر إلي شبه المستنطق [لي] ;
فقلت: أتم الله عليك يا أمير المؤمنين نعمة سوغكها بشكر وجعل ما قلدك
من هذا الأمر رشدا، وعاقبة ما تئول إليه حمدا، وأخلصه لك بالتقى، وكثره
لك بالنماء ولا كدر عليك منه ما صفا، ولا خالط سروره الردى ; فقد أصبحت
للمسلمين ثقة ومستراحا. إليك يقصدون في أمورهم وإليك يفزعون في مظالمهم
وما أجد يا أمير المؤمنين شيئا - جعلني الله فداءك - هو أبلغ في قضاء
حقك وتوقير مجلسك مما من الله [جل وعز] به علي من مجالستك، والنظر إلى
وجهك من أن أذكرك نعم الله عليك، وأنبهك لشكرها، وما أجد يا أمير
المؤمنين شيئا هو أبلغ من حديث من سلف قبلك من الملوك فإن أذن لي أمير
المؤمنين أخبرته عنه. قال فاستوى جالسا - وكان متكئا - ثم قال هات يا
ابن الأهتم [قال]: فقلت: يا أمير المؤمنين إن ملكا من الملوك قبلك خرج
في عام مثل عامنا هذا إلى الخورنق والسدير3 في عام قد بكر وسميه وتتابع
وليه وأخذت الأرض فيه زينتها من نور ربيع مونق فهو في أحسن منظر وأحسن
مستنظر وأحسن مختبر بصعيد كأن ترابه قطع الكافور4 حتى لو أن قطعة ألقيت
فيه لم تترب. قال وقد كان أعطي فتاء السن مع الكثرة والغلبة والقهر قال
فنظر فأبعد النظر فقال لجلسائه لمن [مثل] هذا؟ هل رأيتم مثل ما أنا
فيه؟ [و] هل أعطي أحد مثل ما أعطيت؟ قال وعنده رجل من بقايا حملة الحجة
ـــــــ
1 بيت من الشعر.
2 الدراعة: جبة مشقوقة المقدم، وثوب من صوف.
3 الخورنق: قصر كبير بناه النعمان بن امرئ القيس، وهو معرب خورنكاه: أي
موضع الأكل. والسدير: موضع معروف بالحيرة.
4 شجر يتخذ منه مادة شفافة بلورية الشكل يميل لونها إلى البياض.
(1/196)
....................................................
ـــــــ
والمضي على أدب الحق ومنهاجه. قال: ولن تخلوا الأرض من قائم لله بحجته
في عباده فقال أيها الملك إنك قد سألت عن أمر أفتأذن في الجواب عنه؟
قال نعم. قال أرأيت ما أنت فيه أشيء لم تزل فيه أم شيء صار إليك ميراثا
من غيرك، وهو زائل عنك، وصائر إلى غيرك، كما صار إليك ميراثا من لدن
غيرك؟ قال فكذلك هو. قال فلا أراك [إلا] أعجبت بشيء يسير تكون فيه
قليلا، وتغيب عنه طويلا، وتكون غدا بحسابه مرتهنا. قال ويحك فأين
المهرب؟ وأين المطلب؟ قال إما أن تقيم في ملكك، تعمل فيه بطاعة [الله]
ربك على ما ساءك وسرك، ومضك وأرمضك وإما أن تضع تاجك، وتضع أطمارك،
وتلبس أمساحك1، وتعبد ربك في هذا الجبل حتى يأتيك أجلك. قال فإذا كان
في السحر فاقرع علي بابي، فإني مختار أحد الرأيين فإن اخترت ما أنا فيه
كنت وزيرا، لا تعصى، وإن اخترت خلوات الأرض وقفر البلاد كنت رفيقا، لا
تخالف. قال فقرع عليه بابه عند السحر فإذا هو قد وضع تاجه [وخلع
أطماره] ولبس أمساحه وتهيأ للسياحة قال فلزما - والله - الجبل حتى
أتتهما آجالهما، وهو حيث يقول أحد بني تميم: عدي بن [زيد] بن سالم
المري العدوي:
أيها الشامت المعير بالد ... هر أأنت المبرأ الموفور؟
أم لديك العهد الوثيق من الأيا ... م؟ بل أنت جاهل مغرور
من رأيت المنون خلدن أم من ... ذا عليه من أن يضام خفير
أين كسرى كسرى الملوك أنو ... شروان أم أين قبله سابور؟
وبنو الأصفر الكرام ملوك الر ... وم؟ لم يبق منهم مذكور
وأخو الحضر إذ بناه وإذ دج ... لة تجبى إليه و الخابور
شاده مرمرا، وجلله كلس ... ا فللطير في ذراه وكور
ـــــــ
1 الأمساح: جمع مسح: الكساء من الشعر.
(1/197)
....................................................
ـــــــ
لم يهبه ريب المنون فبا ... ن الملك عنه فبابه مهجور
وتذكر رب الخورنق إذ ... أشرف يوما، وللهدى تفكير
سره ماله وكثرة ما يملك ... والبحر معرضا والسدير
فارعوى قلبه وقال وما غبطة ... حي إلى الممات يصير؟
ثم أضحوا كأنهم ورق جف ... فألوت به الصبا والدبور
ثم بعد الفلاح والملك ... والإمة وارتهم هناك القبور1
قال فبكى [والله] هشام حتى أخضل لحيته وبل عمامته وأمر بنزع أبنيته
وبنقلان قرابته وأهله وحشمه وغاشيته من جلسائه ولزم قصره.
قال فأقبلت الموالي والحشم على خالد بن صفوان بن الأهتم وقالوا: ما
أردت إلى أمير المؤمنين؟ أفسدت عليه لذته ونغصت عليه مأدبته. قال إليكم
عني فإني عاهدت الله [عز وجل] عهدا ألا أخلو بملك إلا ذكرته الله عز
وجل.
والذي ذكره عدي بن زيد في هذا الشعر هو النعمان بن امرئ القيس جد
النعمان بن المنذر، وأول هذا الشعر:
أرواح مودع أم بكور ... [لك] فانظر لأي ذاك تصير
قاله عدي، وهو في سجن النعمان بن المنذر، وفيه قتل وهو عدي بن زيد بن
حماد بن زيد بن أيوب بن محروب بن عامر بن عصية بن امرئ القيس بن زيد بن
مناة بن تميم وقال عمرو بن آلة بن الخنساء:
ـــــــ
1 المرمر: الرخام. والكلس: الجير أو مادة لطلاء القصور. ومعرض: أعرض
الشيء ظهر وأبرز. ارعوى: كف وارتدع. وألوى به: ذهب به. الصبا: ريح
مهبها من مشرق الشمس. الدبور: ريح تهب من المغرب إلى المشرق. والإمة:
النعمة.
(1/198)
....................................................
ـــــــ
ألم ينبئك والأنباء تنمى ... بما لاقت سراة بني العبيد1
ومصرع ضيزن وبني أبيه ... وأحلاس الكتائب من تزيد2
أتاهم بالفيول مجللات ... وبالأبطال سابور الجنود
فهدم من أواسي الحضر صخرا ... كأن ثقاله زبر الحديد3
وقال الأعشى:
أقام به شاهبور الجنو ... د حولين تضرب فيه القدم
وقد قدمنا أن شاهبور معناه ابن الملك وأن بور هو الابن بلسانهم وفي هذا
البيت دليل على ما قلناه من أن سابور مغير عن شاهبور. والقدم جمع قدوم
وهو الفأس ونحوه والقدوم: اسم موضع أيضا اختتن فيه إبراهيم عليه السلام
الذي جاء في الحديث أن إبراهيم اختتن بالقدوم مخفف أيضا، وقد روي فيه
التشديد. وبعده:
فهل زاده ربه قوة ... ومثل مجاوره لم يقم
وكان دعا قومه دعوة ... هلموا إلى أمركم قد صرم
فموتوا كراما بأسيافكم ... أرى الموت يجشمه من جشم
وفي الشعر: وهل خالد من نعم. يقال نعم ينعم وينعم مثل حسب يحسب ويحسب.
وفي أدب الكاتب أنه يقال نعم ينعم مثل فضل يفضل. حكي ذلك عن سيبويه،
وهو غلط من القتبي ومن تأمله في كتاب سيبويه تبين له غلط القتبي،
ـــــــ
1 في "الطبري" و "المسعودي" و "الأغاني": ألم يحزنك. وتمنى: تنتشر.
2 في "المسعودي": وأحلاف. وأحلاس الكتائب: الشجعان الملازمون لها.
3 الأواسي: جمع آسية، وهو ما أسس من بنيان فأحكم أصله من سارية أو
غيرها، وزبر: جمع زبرة: القطعة الضخمة.
(1/199)
وأن سيبويه لم
يذكر الضم إلا في فضل يفضل1.
وقول عدي بن زيد: ربية لم توق والدها. يحتمل أن تكون فعيلة من ربيت إلا
أن القياس في فعيلة بمعنى: مفعولة أن تكون بغير هاء ويحتمل أنه أراد
معنى الربو والنماء لأنها ربت في نعمة فتكون بمعنى فاعلة ويكون البناء
موافقا للقياس وأصح من هذين الوجهين أن يكون أراد ربيئة بالهمز وسهل
الهمزة فصارت ياء وجعلها ربيئة لأنها كانت طليعة حيث اطلعت حتى رأت
سابور وجنوده ويقال للطليعة ذكرا كان أو أنثى: ربيئة2 ويقال له رباء
على وزن فعال وأنشدوا:
رباء شماء لا يأوي لقلتها
البيت.
وقوله أضاع راقبها، أي أضاع المربأة الذي يرقبها ويحرسها، ويحتمل أن
تكون الهاء عائدة على الجارية أي أضاعها حافظها.
وقوله: والخمر وهل. يقال: وهل الرجل وهلا ووهلا إذا أراد شيئا، فذهب
وهمه إلى غيره. ويقال فيه وهم أيضا بفتح الهاء وأما وهم بالكسر فمعناه
غلط وأوهم بالألف معناه أسقط.
وقوله سبائبها. السبائب جمع: سبيبة وهي كالعمامة أو نحوها، ومنه السب
وهو الخمار.
وقوله: في خدرها مشاجبها. المشاجب جمع مشجب وهو ما تعلق منه الثياب
ومنه قول جابر وإن ثيابي لعلى المشجب وكانوا يسمون القربة شجبا;
ـــــــ
1 في "المختار": نعم وبابه سهل، وكذا نعم من باب علم.
2 الطليعة الذي يرقب العدو من مكان عال لئلا يدهم قومه، وفي "اللسان"
الربيئة: الطليعة، وإنما أنثوه، لأن الطليعة يقال له: العين، لأنه يرعى
أمورهم ويحرسهم.
(1/200)
ـــــــ
لأنها جلد ماء قد شجب أي عطب وكانوا لا يمسكون القربة وهي الشجب إلا
معلقة فالعود الذي تعلق به هو المشجب حقيقة ثم اتسعوا، فسموا ما تعلق
به الثياب مشجبا تشبيها به.
وفي شعر عدي المتقدم ذكر الخابور، وهو واد معروف وهو فاعول من خبرت
الأرض إذا حرثتها، وهو واد عظيم عليه مزارع. قالت ليلى أخت الوليد بن
طريف الخارجي الشيباني حين قتل أخوها الوليد قتله يزيد بن مزيد
الشيباني أيام الرشيد فلما قتل قالت أخته:
أيا شجر الخابورما لك مورقا ... كأنك لم تحزن على ابن طريف1
فقدناه فقدان الربيع وليتنا ... فديناه من ساداتنا بألوف
وأما الخافور بالفاء فنبات تخفر ريحه أي تقطع شهوة النساء كما يفعل
الحبق ويقال له المرو وبهذا الاسم يعرفه الناس وهو الزغبر أيضا.
(1/201)
|