الروض
الأنف ت السلامي
المجلد الثاني
إشارة إلى ذكر احتفار زمزم
...
إشارة إلى ذكر احتفار زمزم
شيء عن زمزم:
قال محمد بن إسحاق المطلبي: بينما عبد المطلب بن هاشم نائم في الحجر،
إذ أتي فأمر بحفر زمزم، وهي دفن بين صنمي قريش: إساف ونائلة، وعند منحر
قريش. وكانت جرهم دفنتها حين ظعنوا من مكة، وهي بئر إسماعيل بن إبراهيم
عليهما السلام، التي سقاه الله حين ظمئ وهو صغير، فالتمست له أمه ماء
فلم تجده، فقامت إلى الصفا تدعو الله وتستغيثه للإسماعيل، ثم أتت
المروة ففعلت مثل ذلك.
ـــــــ
(2/5)
باب مولد النبي صلى الله عليه وسلم
ذكر نسب أمه آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة وأن زهرة هو ابن كلاب
وفي المعارف لابن قتيبة أن زهرة اسم امرأة عرف بها بنو زهرة، وهذا منكر
غير معروف وإنما هو اسم جدهم - كما قال ابن إسحاق والزهرة في اللغة
إشراق في اللون أي لون كان من بياض أو غيره وزعم بعضهم أن الأزهر هو
الأبيض خاصة وأن الزهر اسم للأبيض من النوار وخطأ أبو حنيفة من قال
بهذا القول وقال إنما الزهرة إشراق في الألوان كلها، وأنشد في نور
الحوذان وهو أصفر:
ترى زهر الحوذان حول رياضه ... يضيء كلون الأتحمي المورس1
ـــــــ
1 الحوذان: نبات عشبي من ذوات الفلقتين منه أربع أنواع تزرع لزهرها
وأخرى تنبت برية.
الأتحمي: يقال تحم الثوب: وشاه، والأتحمي: برد.
المورس: يقال ورس الثوب: صبغة بالورس، وهو نبت من الفصيلة البقلية.
(2/5)
وبعث الله
تعالى جبريل عليه السلام، فهمز له بعقبه في الأرض، فظهر الماء، وسمعت
أمه أصوات السباع فخافتها عليه، فجاءت تشتد نحوه، فوجدته يفحص بيده عن
الماء تحت خده ويشرب، فجعلته حسياً.
ـــــــ
وفي حديث يوم أحد: نظرت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعيناه
تزهران تحت المغفر.
زمزم :
وذكر فيه خبر إسماعيل وأمه وقد تقدم طرف منه. وذكر أن جبريل - عليه
السلام - همز بعقبه في موضع زمزم، فنبع الماء وكذلك زمزم تسمى: همزة
جبريل بتقديم الميم على الزاي ويقال فيها أيضا: هزمة جبريل لأنها هزمة1
في الأرض وحكي في اسمها: زمازم وزمزم. حكي ذلك عن المطرز وتسمى أيضا:
طعام طعم وشفاء سقم. وقال الجربي: سميت زمزم، بزمزمة الماء وهي صوته
وقال المسعودي: سميت زمزم ; لأن الفرس كانت تحج إليها في الزمن الأول
فزمزمت عليها. والزمزمة صوت يخرجه الفرس من خياشيمها عند شرب الماء.
وقد كتب عمر - رضي الله عنه - إلى عماله أن انهوا الفرس عن الزمزمة
وأنشد المسعودي:
زمزمت الفرس على زمزم ... وذاك في سالفها الأقدم2
وذكر البرقي عن ابن عباس - رضي الله عنه - أنها سميت زمزم لأنها زمت
بالتراب لئلا يأخذ الماء يمينا وشمالا، ولو تركت لساحت على الأرض حتى
تملأ كل شيء. وقال ابن هشام: والزمزمة عند العرب: الكثرة والاجتماع قال
الشاعر:
وباشرت معطنها المدهثما ... ويممت زمزومها المزمزما
ـــــــ
1 في "النهاية" لابن الأثير: الهزمة: النقرة في الصدر، وهزمت البئر:
إاذ حفرتها.
2 الزمزمة أيضاً: تراطن الفرس على أكلهم، وهم صموت لا يستعملون اللسان
ولا الشفة لكنه صوت تدبره من خياشيمهم وحلوقهم. انظر "المسعودي" 1/242.
(2/6)
....................................................
ـــــــ
سبب نزول هاجر وإسماعيل مكة:
المدهثم: اللين.
وكان سبب إنزال هاجر وابنها إسماعيل بمكة ونقلها إليها من الشام أن
سارة بنت عم إبراهيم - عليه السلام - شجر بينها وبين هاجر أمر وساء ما
بينهما، فأمر إبراهيم أن يسير بها إلى مكة، فاحتملها على البراق واحتمل
معه قربة بماء ومزود تمر وسار بها حتى أنزلها بمكة في موضع البيت1 ثم
ولى راجعا عوده على بدئه وتبعته هاجر وهي تقول آلله أمرك أن تدعني،
وهذا الصبي في هذا البلد الموحش وليس معنا أنيس؟ فقال نعم فقالت إذا لا
يضيعنا، فجعلت تأكل من التمر وتشرب من ماء القربة حتى نفد الماء وعطش
الصبي، وجعل ينشغ للموت2 وجعلت هي تسعى من الصفا إلى المروة، ومن
المروة إلى الصفا ; لترى أحدا، حتى سمعت صوتا عند الصبي فقالت قد سمعت،
إن كان عندك غوث ثم جاءت الصبي فإذا الماء ينبع من تحت خده فجعلت تغرف
بيديها، وتجعل في القربة. قال النبي - صلى الله عليه وسلم - "لو تركته
لكانت عينا" , أو قال "نهرا معينا" , وكلمها الملك وهو جبريل - عليه
السلام - وأخبرها أنها مقر ابنها وولده إلى يوم القيامة وأنها موضع بيت
الله الحرام، ثم ماتت هاجر، وإسماعيل - عليه السلام - ابن عشرين سنة
وقبرها في الحجر، وثم قبر إسماعيل – صلى الله عليه وسلم3 - وكان الحجر
قبل بناء البيت زربا لغنم إسماعيل صلى الله عليه وسلم ويقال إن أول بلد
ميرت منه أم إسماعيل عليه - السلام - وابنها التمر القرية التي كانت
تعرف بالفرع من ناحية المدينة، والله أعلم.
ـــــــ
1 في رواية للبخاري: "وضعها عند دوحة فوق الزمزم في أعلى مسجد، وليس
بمكة يومئذ أحد، وليس بها ماء" .
2 يشهق ويعلو صوته وينخفض كالذي ينازع.
3 من زيادة أبي جهم.
(2/7)
|