الروض
الأنف ت السلامي
ذكر نذر عبد المطلب ذبح ولده:
قال ابن إسحاق: وكان عبد المطلب بن هاشم - فيما يزعمون والله أعلم - قد
نذر حين لقي من قريش ما لقي عند حفر زمزم: لئن ولد له عشرة نفر ثم
بلغوا معه حتى يمنعوه لينحرن أحدهم لله عند الكعبة. فلما توافى بنوه
عشرة وعرف أنهم سيمنعونه جمعهم ثم أخبرهم بنذره ودعاهم إلى الوفاء لله
بذلك فأطاعوه وقالوا: كيف نصنع؟ قال ليأخذ كل رجل منكم قدحا ثم يكتب
فيه اسمه ثم ائتوني، ففعلوا، ثم أتوه فدخل بهم على هبل في جوف الكعبة،
وكان هبل على بئر في جوف الكعبة، وكانت تلك البئر هي التي يجمع فيها ما
يهدى للكعبة.
ـــــــ
نذر عبد المطلب:
فصل: وذكر نذر عبد المطلب أن ينحر ابنه إلى آخر الحديث. وفيه أن عبد
الله يعني: والد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان أصغر بني أبيه
وهذا غير معروف ولعل الرواية أصغر بني أمه وإلا فحمزة كان أصغر من عبد
الله والعباس أصغر من حمزة وروي عن العباس - رضي الله عنه - أنه قال
أذكر مولد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا ابن ثلاثة أعوام أو
نحوها، فجيء بي حتى نظرت إليه وجعل النسوة يقلن لي: قبل أخاك، قبل
أخاك، فقبلته، فكيف يصح أن يكون عبد الله هو الأصغر مع هذا؟ ولكن رواه
البكائي كما تقدم ولروايته وجه وهو أن يكون أصغر ولد أبيه حين أراد
نحره ثم ولد له بعد
ـــــــ
1 في "نسب قريش": سلمى بنت عامرة بن عميرة...الخ ص17.
(2/84)
الضرب بالقداح
عند العرب:
وكان عند هبل قداح سبعة كل قدح منها فيه كتاب. قدح فيه العقل1 إذا
اختلفوا في العقل من يحمله منهم ضربوا بالقداح السبعة فإن خرج العقل
فعلى من خرج حمله. وقدح فيه نعم. للأمر إذا أرادوه يضرب به في القداح
فإن خرج قدح نعم عملوا به. وقدح فيه لا، إذا أرادوا أمرا ضربوا به في
القداح فإن خرج ذلك القداح لم يفعلوا ذلك الأمر وقدح فيه منكم وقدح فيه
ملصق وقدح فيه من غيركم. وقدح فيه المياه إذا أرادوا أن يحفروا للماء
ضربوا بالقداح وفيها ذلك القدح فحيثما خرج عملوا به. وكانوا إذا أرادوا
أن يختنوا غلاما، أو ينكحوا منكحا، أو يدفنوا ميتا، أو شكوا في نسب
أحدهم ذهبوا به إلى هبل وبمئة درهم وجزور فأعطوها صاحب القداح الذي
يضرب بها، ثم قربوا صاحبهم الذي يريدون به ما يريدون ثم قالوا: يا
إلهنا هذا فلان بن فلان قد أردنا به كذا وكذا، فأخرج الحق فيه. ثم
يقولون لصاحب القداح اضرب فإن خرج عليه منكم كان منهم وسيطا2، وإن خرج
عليه من غيركم كان حليفا، وإن خرج عليه ملصق كان على منزلته فيهم لا
نسب له ولا حلف وإن خرج فيه شيء مما سوى هذا مما يعملون به نعم عملوا
به وإن خرج لا، أخروه عامه ذلك حتى يأتوه به مرة أخرى، ينتهون في
أمورهم إلى ذلك مما خرجت به القداح.
عبد المطلب وأولاده بين يدي صاحب القداح:
فقال عبد المطلب لصاحب القداح اضرب على بني هؤلاء بقداحهم هذه
ـــــــ
ذلك حمزة والعباس.
وسائر حديث عبد المطلب ليس فيه ما يشكل. وفيه أن الدية كانت بعشر من
ـــــــ
1 العقل: الدية.
2 وسيطاً: خالص النسب فيهم، ويقال: إن الوسيط هو الشريف في قومه، لأن
النسب الكريم دار به من كل جهة، وهو وسط.
(2/85)
وأخبره بنذره
الذي نذر فأعطاه كل رجل منهم قدحه الذي فيه اسمه وكان عبد الله بن عبد
المطلب أصغر بني أبيه كان هو والزبير وأبو طالب لفاطمة بنت عمرو بن
عائذ بن عبد بن عمران بن مخزوم بن يقظة بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب
بن فهر.
قال ابن هشام: عائذ بن عمران بن مخزوم.
خروج القدح على عبد الله وشروع أبيه في ذبحه، ومنع قريش له:
قال ابن إسحاق: وكان عبد الله - فيما يزعمون - أحب ولد عبد المطلب إليه
فكان عبد المطلب يرى أن السهم إذا أخطأه فقد أشوى1. وهو أبو رسول الله
- صلى الله عليه وسلم - فلما أخذ صاحب القداح القداح ليضرب بها، قام
عبد المطلب عند هبل يدعو الله ثم ضرب صاحب القداح فخرج القدح على عبد
الله فأخذه عبد المطلب بيده وأخذ الشفرة ثم أقبل به إلى إساف ونائلة
ليذبحه فقامت إليه قريش من أنديتها، فقالوا: "ماذا تريد يا عبد المطلب؟
قال أذبحه فقالت له قريش وبنوه والله لا تذبحه أبدا، حتى تعذر فيه. لئن
فعلت هذا لا يزال الرجل يأتي بابنه حتى يذبحه فما بقاء الناس على هذا؟
وقال له المغيرة بن عبد الله بن عمرو بن يقظة - وكان عبد الله ابن أخت
القوم والله لا تذبحه أبدا، حتى تعذر فيه فإن كان فداؤه بأموالنا
فديناه. وقالت له قريش وبنوه. لا تفعل وانطلق به إلى الحجاز، فإن به
عرافة2 لها تابع فسلها، ثم أنت على رأس أمرك، إن أمرتك بذبحه ذبحته،
وإن أمرتك بأمر لك وله فيه فرج قبلته.
الإبل قبل هذه القصة: وأول من ودي بالمائة إذا: عبد الله. وقد قدمنا ما
ذكره الأصبهاني عن أبي اليقظان أن أبا سيارة هو أول من جعل الدية مائة
من الإبل وأما أول من ودي بالإبل من العرب: فزيد بن بكر بن هوازن قتله
أخوه معاوية جد بني
ـــــــ
1 أشوى: أبقى، يقال: أشويت من الطعام: إذا أبقيت.
2 يقال إن اسم هذه العرافة: قطبة. وقيل: بل اسمها: سجاح.
(2/86)
عرافة الحجاز
وما أشارت به على عبد المطلب:
فانطلقوا حتى قدموا المدينة، فوجدوها - فيما يزعمون - بخيبر. فركبوا
حتى جاءوها، فسألوها، وقص عليها عبد المطلب خبره وخبر ابنه وما أراد به
ونذره فيه فقالت لهم ارجعوا عني اليوم حتى يأتيني تابعي فأسأله. فرجعوا
من عندها فلما خرجوا عنها قام عبد المطلب يدعو الله ثم غدوا عليها،
فقالت لهم قد جاءني الخبر، كما الدية فيكم؟ قالوا: عشر من الإبل وكانت
كذلك1. قالت فارجعوا إلى بلادكم ثم قربوا صاحبكم وقربوا عشرا من الإبل
ثم اضربوا عليها، وعليه بالقداح فإن خرجت على صاحبكم فزيدوا من الإبل
حتى يرضى ربكم وإن خرجت على الإبل فانحروها عنه فقد رضي ربكم ونجا
صاحبكم.
نجاة عبد الله من الذبح:
فخرجوا حتى قدموا مكة، فلما أجمعوا على ذلك من الأمر قام عبد المطلب
يدعو الله ثم قربوا عبد الله وعشرا من الإبل وعبد المطلب قائم عند هبل
يدعو الله عز وجل ثم ضربوا فخرج القدح على عبد الله فزادوا عشرا من
الإبل فبلغت الإبل عشرين وقام عبد المطلب يدعو الله عز وجل ثم ضربوا
فخرج القدح على عبد الله فزادوا عشرا من الإبل فبلغت الإبل ثلاثين وقام
عبد المطلب يدعو الله ثم
ـــــــ
عامر بن صعصعة2.
وأما الكاهنة التي تحاكموا إليها بالمدينة فاسمها: قطبة. ذكرها عبد
الغني في كتاب "الغوامض والمبهمات" وذكر ابن إسحاق في رواية يونس أن
اسمها: سجاح.
ـــــــ
1 من هنا نجد أن الدية كانت عندهم عشرة من الإبل، ويكون عبد الله أول
من جعلها مائة من الإبل.
2 اسم زيد في "جمهرة أنساب العرب": يزيد. وفيه أيضاً هو الذي قتله
معاوية، فجعل فيه عامر بن الظرب العدواني مائة من الإبل، وهي أول دية
قضى فيها بذلك. انظر "جمهرة ابن حزم" ص/252.
(2/87)
ضربوا، فخرج
القدح على عبد الله فزادوا عشرا من الإبل فبلغت الإبل أربعين وقام عبد
المطلب يدعو الله ثم ضربوا، فخرج القدح على عبد الله فزادوا عشرا من
الإبل فبلغت الإبل خمسين وقام عبد المطلب يدعو الله ثم ضربوا فخرج
القدح على عبد الله فزادوا عشرا من الإبل فبلغت الإبل ستين وقام عبد
المطلب يدعو الله ثم ضربوا فخرج القدح على عبد الله فزادوا عشرا من
الإبل فبلغت الإبل سبعين وقام عبد المطلب يدعو الله ثم ضربوا فخرج
القدح على عبد الله فزادوا عشرا من الإبل فبلغت الإبل ثمانين وقام عبد
المطلب يدعو الله ثم ضربوا، فخرج القدح على عبد الله فزادوا عشرا من
الإبل فبلغت الإبل تسعين وقام عبد المطلب يدعو الله ثم ضربوا، فخرج
القدح على عبد الله فزادوا عشرا من الإبل فبلغت الإبل مئة وقام عبد
المطلب يدعو الله ثم ضربوا فخرج القدح على الإبل فقالت قريش ومن حضر قد
انتهى رضا ربك يا عبد المطلب، فزعموا أن عبد المطلب قال لا والله حتى
أضرب عليها ثلاث مرات فضربوا على عبد الله وعلى الإبل وقام عبد المطلب
يدعو الله فخرج القدح على الإبل ثم عادوا الثانية وعبد المطلب قائم
يدعو الله فخرج القدح على الإبل ثم عادوا الثالثة وعبد المطلب قائم
يدعو الله فضربوا، فخرج القدح على الإبل فنحرت ثم تركت لا يصد عنها
إنسان ولا يمنع.
قال ابن هشام: ويقال إنسان ولا سبع.
قال ابن هشام: وبين أضعاف هذا الحديث رجز لم يصح عندنا عن أحد من أهل
العلم بالشعر.
(2/88)
|