الروض الأنف ت السلامي

وفاة عبد المطلب وما رثي به من الشعر
وفاة عبد المطلب، وما قيل فيه من الشعر:
فلما بلغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثماني سنين هلك عبد المطلب بن هاشم، وذلك بعد الفيل بثماني سنين.
قال ابن إسحاق: وحدثني العباس1 بن عبد الله بن معبد بن عباس عن بعض أهله.
أن عبد المطلب توفي ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - ابن ثماني سنين2.
قال ابن إسحاق: حدثني محمد بن سعيد بن المسيب.
أن عبد المطلب لما حضرته الوفاة، وعرف أنه ميت جمع بناته وكن ست نسوة صفية وبرة وعاتكة، وأم حكيم البيضاء وأميمة، وأروى، فقال لهن ابكين علي حتى أسمع ما تقلن قبل أن أموت.
قال ابن هشام: ولم أر أحدا من أهل العلم بالشعر يعرف هذا الشعر إلا أنه لما رواه عن محمد بن سعيد بن المسيب كتبناه.
رثاء صفية لأبيها عبد المطلب:
فقالت صفية ابنة عبد المطلب تبكي أباها:
ـــــــ
وفاة عبد المطلب:
قول صفية:
ففاضت عند ذلكم دموعي ... على خدي كمنحدر الفريد
ـــــــ
1 هو العباس بن عبد الله بن معبد بن العباس بن عبد المطلب الهاشمي المدني.
2 يقول البعض: توفي عبد المطلب ورسول الله ابن عشر سنين. راجع "الطبري.

(2/122)


أرقت لصوت نائحة بليل ... على رجل بقارعة الصعيد
ففاضت عند ذلكم دموعي ... على خدي كمنحدر الفريد
على رجل كريم غير وغل ... له الفضل المبين على العبيد
على الفياض شيبة ذي المعالي ... أبيك الخير وارث كل جود
صدوق في المواطن غير نكس ... ولا شخت المقام ولا سنيد
طويل الباع أروع شيظمي ... مطاع في عشيرته حميد
رفيع البيت أبلج ذي فضول ... وغيث الناس في الزمن الحرود
كريم الجد ليس بذي وصوم ... يروق على المسود والمسود
عظيم الحلم من نفر كرام ... خضارمة ملاوثة أسود
فلو خلد امرئ لقديم مجد ... ولكن لا سبيل إلى الخلود
لكان مخلدا أخرى الليالي ... لفضل المجد والحسب التليد
ـــــــ
يروى: كمنحدر بكسر الدال أي كالدر المنحدر ومنحدر بفتح الدال فيكون التشبيه راجعا للفيض فعلى رواية الكسر شبهت الدمع بالدر الفريد وعلى رواية الفتح شبهت الفيض بالانحدار.
وقولها: أبيك الخير. أرادت الخير فخففت كما يقال هين وهين وفي التنزيل {فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ} [الرحمن: 70]. وكان اسم أم الدرداء خيرة بنت أبي حدرد1 وكذلك أم الحسن بن أبي الحسن البصري، اسمها: خيرة فهذا من المخفف ويجوز أن يكون الخير ههنا هو ضد الشر جعلته كله خيرا على المبالغة كما تقول ما زيد إلا علم أو حسن وما أنت إلا سير، وهو مجاز حسن فعلى هذا الوجه لا يثنى ولا يجمع ولا يؤنث فيقال: خيرة.
ـــــــ
1 هي صحابية، وكانت زوجاً لأبي الدرداء، وكان له زوجتان كل واحدة منهما كنيتها أم الدرداء فالكبرى صحابية والصغرى تابعية، وهي التي روت في الصحيح أما الكبرى فليس لها في "الصحيحين" حديث. وهي خيرة بنت أبي حدرد، والحدرد: القصير.

(2/123)


رثاء برة لأبيها عبد المطلب:
وقالت برة بنت عبد المطلب تبكي أباها:
أعيني جودا بدمع درر ... على طيب الخيم والمعتصر
على ماجد الجد واري الزناد ... جميل المحيا عظيم الخطر
على شيبة الحمد ذي المكرمات ... وذي المجد والعز والمفتخر
وذي الحلم والفصل في النائبات ... كثير المكارم جم الفجر
له فضل مجد على قومه ... منير يلوح كضوء القمر
أتته المنايا، فلم تشوه ... بصرف الليالي، وريب القدر
رثاء عاتكة لأبيها عبد المطلب:
وقالت عاتكة بنت عبد المطلب تبكي أباها:
أعيني جودا، ولا تبخلا ... بدمعكما بعد نوم النيام
أعيني واسحنفرا واسكبا ... وشوبا بكاءكما بالتدام
ـــــــ
وقولها: ولا شخت المقام ولا سنيد الشخت [الدقيق الضامر لا هزالا] ضد الضخم تقول ليس كذلك ولكنه ضخم المقام ظاهره. والسنيد الضعيف الذي لا يستقل بنفسه حتى يسند رأيه إلى غيره.
وقولها: خضارمة ملاوثة. ملاوثة جمع ملواث من اللوثة وهي القوة كما قال المكعبر:
عند الحفيظة إن ذو لوثة لاثا
وقد قيل إن اسم الليث منه أخذ إلا أن واوه انقلبت ياء لأنه فيعل فخفف كما تقدم في هين وهين ولين ولين.
وقول برة:
أتته المنايا فلم تشوه

(2/124)


أعيني واستخرطا واسجما ... على رجل غير نكس كهام
على الجحفل الغمر في النائبات ... كريم المساعي، وفي الذمام
على شيبة الحمد واري الزناد ... وذي مصدق بعد ثبت المقام
وسيف لدى الحرب صمصامة ... ومردى المخاصم عند الخصام
وسهل الخليقة طلق اليدين ... وف عدملي صميم لهام
تبنك في باذخ بيته ... رفيع الذؤابة صعب المرام
رثاء أم حكيم لأبيها عبد المطلب:
وقالت أم حكيم البيضاء بنت عبد المطلب تبكي أباها:
ألا يا عين جودي واستهلي ... وبكي ذا الندى والمكرمات
ألا يا عين ويحك أسعفيني ... بدمع من دموع هاطلات
وبكي خير من ركب المطايا ... أباك الخير تيار الفرات
طويل الباع شيبة ذا المعالي ... كريم الخيم محمود الهبات
وصولا للقرابة هبرزيا ... وغيثا في السنين الممحلات
وليثا حين تشتجر العوالي ... تروق له عيون الناظرات
عقيل بني كنانة والمرجى ... إذا ما الدهر أقبل بالهنات
ومفزعها إذا ما هاج هيج ... بداهية وخصم المعضلات
ـــــــ
أي: لم تصب الشوى1، بل أصابت المقتل وقد تقدم في حديث عبد المطلب وضربه بالقداح على عبد الله وكان يرى أن السهم إذا خرج على غيره أنه قد أشوي أي قد أخطأ مقتله أي مقتل عبد المطلب وابنه ومن رواه أشوى بفتح الواو فالسهم هو الذي أشوى وأخطأ وبكلا الضبطين وجدته، ويقال أيضا: أشوى الزرع إذا أفرك فالأول من الشوى، وهذا من الشي بالنار قاله أبو حنيفة.
ـــــــ
1 الشواة: جلدة الرأس، والشوى: اليدان والرجلان والأطراف، وما كان غير مقتل.

(2/125)


فبكيه ولا تسمي بحزن ... وبكي، ما بقيت، الباكيات
رثاء أميمة لأبيها عبد المطلب:
وقالت أميمة بنت عبد المطلب تبكي أباها:
ألا هلك الراعي العشيرة ذو الفقد ... وساقي الحجيج والمحامي عن المجد
ومن يؤلف الضيف الغريب بيوته ... إذا ما سماء الناس تبخل بالرعد
كسبت وليدا خير ما يكسب الفتى ... فلم تنفك تزداد يا شيبة الحمد
أبو الحارث الفياض خلى مكانه ... فلا تبعدن فكل حي إلى بعد
فإني لباك - ما بقيت - وموجع ... وكان له أهلا لما كان من وجدي
سقاك ولي الناس في القبر ممطرا ... فسوف أبكيه وإن كان في اللحد
فقد كان زينا للعشيرة كلها ... وكان حميدا حيث ما كان من حمد
رثاء أروى لأبيها عبد المطلب:
وقالت أروى بنت عبد المطلب تبكي أباها:
بكت عيني، وحق لها البكاء ... على سمح سجيته الحياء
على سهل الخليقة أبطحي ... كريم الخيم نيته العلاء
على الفياض شيبة ذي المعالي ... أبيك الخير ليس له كفاء
طويل الباع أملس شيظمي ... أغر كأن غرته ضياء
ـــــــ
وقول عاتكة: ومردى المخاصم المردى: مفعل من الردى، وهو الحجر الذي يقتل من أصيب به وفي المثل كل ضب عنده مرداته1 [أي يقرب منه حتفه لأنه يرمى به فيقتل].
وقولها: وف. أي وفي، وخفف للضرورة وقوله عدملي. العدملي:
ـــــــ
1 في الأصل: عند. وفي "مجمع الأمثال" و "سمط اللآلي": عنده. والمرداة: الحجر الذي يرمي به، والضب: قليل الهداية.

(2/126)


أقب الكشح أروع ذي فضول ... له المجد المقدم والسناء
أبي الضيم أبلج هبرزي ... قديم المجد ليس له خفاء
ومعقل مالك وربيع فهر ... وفاصلها إذا التمس القضاء
وكان هو الفتى كرما وجودا ... وبأسا حين تنسكب الدماء
إذا هاب الكماة الموت حتى ... كأن قلوب أكثرهم هواء
مضى قدما بذي ربد خشيب ... عليه حين تبصره البهاء
قال ابن إسحاق: فزعم لي محمد بن سعيد بن المسيب أنه أشار برأسه وقد أصمت أن هكذا فابكينني.
نسب المسيب:
قال ابن هشام: المسيب بن حزن بن أبي وهب بن عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم.
ـــــــ
[والعدامل والعداملي] الشديد. واللهام: فعال من لهمت الشيء ألهمه إذا ابتلعته، قال الراجز [رؤبة بن العجاج]:
كالحوت لا يرويه شيء يلهمه ... يصبح عطشانا1 وفي البحر فمه
ومنه سمي الجيش لهاما.
وقولها: على الجحفل. جعلته كالجحفل أي يقوم وحده مقامه والجحفل لفظ منحوت من أصلين من جحف وجفل وذلك أنه يجحف ما يمر عليه أي يقشره ويجفل أي يقلع2 ونظيره نهشل الذئب هو عندهم منحوت من أصلين أيضا، من نهشت اللحم ونشلته3، وعاتكة: اسم منقول من الصفات
ـــــــ
1 في "ديوان رؤبه": ظمآن. وانظر "خزانة البغدادي" 4/343.
2 في "اللسان":يجفل، ويجحف: يقشر، وفي الأصل: حجف بدلاً، من جحف.
3 نهشه: كمنعه، نهسه، والنهس: أخذ اللحم بمقدم الأسنان ونتفه.

(2/127)


رثاء حذيفة لعبد المطلب:
قال ابن إسحاق: وقال حذيفة بن غانم أخو بني عدي بن كعب بن لؤي يبكي عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف، ويذكر فضله وفضل قصي على قريش، وفضل ولده من بعده عليهم وذلك أنه أخذ بغرم أربعة آلاف درهم بمكة، فوقف بها فمر به أبو لهب عبد العزى بن عبد المطلب، فافتكه:
أعيني جودا بالدموع على الصدر ... ولا تسأما، أسقيتما سبل القطر
وجودا بدمع واسفحا كل شارق ... بكاء امرئ لم يشوه نائب الدهر
وسحا، وجما، واسجما ما بقيتما ... على ذي حياء من قريش وذي ستر
على رجل جلد القوى، ذي حفيظة ... جميل المحيا غير نكس ولا هذر
على الماجد البهلول ذي الباع واللهى ... ربيع لؤي في القحوط وفي العسر
على خير حاف من معد وناعل ... كريم المساعي، طيب الخيم والنجر
وخيرهم أصلا وفرعا ومعدنا ... وأحظاهم بالمكرمات وبالذكر
وأولاهم بالمجد والحلم والنهى ... وبالفضل عند المجحفات من الغبر
ـــــــ
يقال امرأة عاتكة، وهي المصفرة لبدنها بالزعفران والطيب. وقال القتبي عتكت القوس إذا قدمت1 وبه سميت المرأة. والقول الأول قول أبي حنيفة.
وقول أروى: ومعقل مالك وربيع فهر. تريد بني مالك بن النضر بن كنانة. وقولها: بذي ربد. تريد سيفا ذا طرائق. والربد الطرائق. وقال صخر الغي [الهذلي]:
وصارم أخلصت خشيبته ... أبيض مهو في متنه ربد2
ـــــــ
1 في "القاموس": عتك القوس عتكاً: احمرت قدماً.
2 خشيبة في الأصل: خشيشة، وهو خطأ صوبته من "اللسان"، والخشبية: الطبيعة أخلصتها المداوس والصقل.

(2/128)


على شيبة الحمد الذي كان وجهه ... يضيء سواد الليل كالقمر البدر
وساقي الحجيج ثم للخبز هاشم ... وعبد مناف ذلك السيد الفهري
طوى زمر ما عند المقام فأصبحت ... سقايته فخرا على كل ذي فخر
ليبك عليه كل عان بكربة ... وآل قصي من مقل وذي وفر
بنوه سراة كهلهم وشبابهم ... تفلق عنهم بيضة الطائر الصقر
قصي الذي عادى كنانة كلها ... ورابط بيت الله في العسر واليسر
فإن تك غالته المنايا وصرفها ... فقد عاش ميمون النقيبة والأمر
وأبقى رجالا سادة غير عزل ... مصاليت أمثال الردينية السمر
أبو عتبة الملقي إلي حباءه ... أغر هجان اللون من نفر غر
وحمزة مثل البدر يهتز للندى ... نقي الثياب والذمام من الغدر
وعبد مناف ماجد ذو حفيظة ... وصول لذي القربى رحيم بذي الصهر
كهولهم خير الكهول ونسلهم ... كنسل الملوك لا تبور ولا تحري
ـــــــ
وقول عاتكة: تبنك في باذخ بيته. أي تبنك بيته في باذخ من الشرف ومعنى تبنك تأصل من البنك وهو الأصل. والبنك أيضا: ضرب من الطيب وهو أيضا عود السوس1 [شجر يغمى به البيوت ويدخل عصيره في الأدوية وفي عروقه حلاوة شديدة وفي فروعه مرارة].
وقوله فأشار إليهن برأسه وقد أصمت بفتح الهمزة والميم هكذا قيده الشيخ عن أبي الوليد ويقال صمت وأصمت وسكت وأسكت بمعنى واحد [وسمح وأسمح وعصفت الريح وأعصفت وطلعت على القوم وأطلعت. ابن قتيبة في أدب الكاتب].
ـــــــ
1 في "اللسان" و "القاموس" ما وضعته بين قوسين عن عود السوس، ويقول الأزهري عن البنك: إنها فارسية ومعناها: الأصل.

(2/129)


.....................................................
ـــــــ
أبو جهم
وذكر شعر حذيفة بن غانم العدوي، وهو والد أبي جهم بن حذيفة1 واسم أبي جهم عبيد، وهو الذي أهدى الخميصة2 لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فنظر إلى علمها. الحديث. وقد روي أيضا هذا الحديث على وجه آخر وهو أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أتي بخميصتين فأعطى إحداهما أبا جهم وأمسك الأخرى، وفيها علم فلما نظر إلى علمها في الصلاة أرسلها إلى أبي جهم وأخذ الأخرى بدلا منها، هكذا رواه الزبير. وأم أبي جهم يسيرة بنت عبد الله بن أذاة بن رياح، وابن أذاة هو خال أبي قحافة وسيأتي نسب أمه وقد قيل إن الشعر لحذافة بن غانم وهو أخو حذيفة والد خارجة بن حذافة وله يقول فيه أخارج إن أهلك. وفي الشعر غير نكس ولا هذر. النكس من السهام الذي نكس في الكنانة ليميزه الرامي، فلا يأخذه لرداءته. وقيل الذي انكسر أعلاه فنكس ورد أعلاه أسفله وهو غير جيد للرمي.
وقوله لا تبور ولا تحري. أي لا تهلك ولا تنقص ويقال للأفعى: حارية لرقتها وفي الحديث ما زال جسم أبي بكر يحري حزنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أي ينقص لحمه حتى مات والإجرياء السيرة وهي إفعيلاء من الجري3 وليس لها نظير في الأبنية إلا الإهجيرا في معنى الهجيرى4.
وفيها قوله وليس بها إلا شيوخ بني عمرو. يريد بني هاشم ; لأن اسمه عمرو.
ـــــــ
1 قال البخاري: اسمه عامر، وكنيته في "الإصابة": أبو جهم، وهو من المعمرين.
2 الخميصة، ثوب حر، أو صوف معلم، وكانت من لباس الناس قديماً، وهو يشير إلى حديث "الصحيحين" من حديث عائشة قولها: "صلى النبي صلى الله عليه وسلم في خميصة لها أعلام..." الحديث.
3 في الأصل: إحرياء والحري بالحاء، وهو خطأ صوابه ما أثبته. والإجرياء في "اللسان": الوجه الذي تأخذ فيه.
4 الدأب والعادة والقول السيئ وكثرة الكلام.

(2/130)


متى ما تلاقي منهم الدهر ناشئا ... تجده بإجريا أوائله يجري
هم ملئوا البطحاء مجدا وعزة ... إذا استبق الخيرات في سالف العصر
وفيهم بناة للعلا، وعمارة ... وعبد مناف جدهم جابر الكسر
بإنكاح عوف بنته، ليجيرنا ... من أعدائنا إذ أسلمتنا بنو فهر
ـــــــ
وفيها قوله: وليس بها إلا شيوخ بني عمرو. يريد: بني هاشم، لأن اسمه عمرو.
وفيها: غير عزل وهو جمع أعزل ولا يجمع أفعل على فعل ولكن جاء هكذا ; لأن الأعزل في مقابلة الرامح وقد يحملون الصفة على ضدها، كما قالوا: عدوة - بتاء التأنيث - حملا على صديقة وقد يجوز أن يكون أجراه مجرى: حسر جمع: حاسر لأنه قريب منه في المعنى1.
تهام وشآم:
وقوله فسرنا تهامي البلاد مخففا مثل يمانيا، والأصل في يمان يمني، فخففوا الياء وعوضوا منها ألفا، والأصل في تهام: تهامي بكسر التاء من تهامي لأنه منسوب إلى تهامة2 ولكنهم حذفوا إحدى الياءين كما فعلوا في يمان وفتحوا التاء من تهام لما حذفوا الياء من آخره لتكون الفتحة فيه كالعوض من الياء كما كانت الألف في يمان وكذلك الألف في شآم بفتح الهمزة وألف بعدها عوضا من الياء المحذوفة فإن شددت الياء من شآم قلت: شأمي بسكون الهمزة وتذهب الألف التي كانت عوضا من الباء لرجوع الياء المحذوفة ولا تقول في غير النسب شآم بالفتح والهمز ولا في النسب إذا شددت3 الياء شأمي. وسألت الأستاذ أبا القاسم بن
ـــــــ
1 الحاسر: من لا مفغر له ولا درع.
2 تهامة: تساير البحر: منها: مكة، وقيل: يخرج من مكة فلا يزال في تهامة حتى يبلغ عسفان.
3 هذا من النسب المسموع، ويتميز هذا النوع بخفيف ياء النسب المشددة، والإتيان بألف للتعويض عنها قبل لام الكلمة.

(2/131)


فسرنا تهامي البلاد ونجدها ... بأمنه حتى خاضت العير في البحر
وهم حضروا والناس باد فريقهم ... وليس بها إلا شيوخ بني عمرو
بنوها ديارا جمة وطووا بها ... بئارا تسح الماء من ثبج البحر
لكي يشرب الحجاج منها، وغيرهم ... إذا ابتدروها صبح تابعة النحر
ثلاثة أيام تظل ركابهم ... مخيسة بين الأخاشب والحجر
وقدما غنينا قبل ذلك حقبة ... ولا نستقي إلا بخم أو الحفر
وهم يغفرون الذنب ينقم دونه ... ويعفون عن قول السفاهة والهجر
وهم جمعوا حلف الأحابيش كلها ... وهم نكلوا عنا غواة بني بكر
ـــــــ
الرماك - وكان إماما في صنعة العربية عن البيت الذي أملاه أبو علي في النوادر وهو قوله:
أتظعن عن حبيبك ثم تبكي ... عليه فمن دعاك إلى الفراق
كأنك لم تذق للبين طعما ... فتعلم أنه مر المذاق
أقم وانعم بطول القرب منه ... ولا تظعن فتكبت باشتياق
فما اعتاض المفارق من حبيب ... ولو يعطى الشآم مع العراق
فقال محدث ولم يره حجة. وكذلك وجدت في شعر حبيب الشآم بالفتح كما في هذا البيت. وليس بحجة أيضا.
[في اللسان "وقد جاء الشآم لغة في الشأم قال المجنون:
وخبرت ليلى بالشآم مريضة ... فأقبلت من مصر إليها أعودها
وقال آخر:
أتتنا قريش قضها بقضيضها ... وأهل الحجاز والشآم تقصف
وقوله:
حذف الياء من هاء الكناية:

(2/132)


فخارج إما أهلكن فلا تزل ... لهم شاكرا حتى تغيب في القبر
ولا تنس ما أسدى ابن لبنى ; فإنه ... قد أسدى يدا محقوقة منك بالشكر
وأنت ابن لبنى من قصي إذا انتموا ... بحيث انتهى قصد الفؤاد من الصدر
وأنت تناولت العلا فجمعتها ... إلى محتد للمجد ذي ثبج جسر
سبقت، وفت القوم بذلا ونائلا ... وسدت وليدا كل ذي سؤدد غمر
وأمك سر من خزاعة جوهر ... إذا حصل الأنساب يوما ذوو الخبر
إلى سبإ الأبطال تنمى وتنتمي ... فأكرم بها منسوبة في ذرا الزهر
أبو شمر منهم وعمرو بن مالك ... وذو جدن من قومها وأبو الجبر
ـــــــ
حذف الياء من هاء الكناية بأمنه حتى خاضت العير في البحر ضرورة كما أنشد سيبويه:
سأجعل عينيه لنفسه مقنعا1
في أبيات كثيرة أنشدها سيبويه، وهذا مع حذف الياء والواو وبقاء حركة الهاء فإن سكنت الهاء بعد الحذف فهو أقل في
الاستعمال من نحو هذا، وأنشدوا:
ونضواي مشتاقان له أرقان2
وهذا الذي ذكرناه هو في القياس أقوى ; لأنه من باب حمل الوصل على الوقف نحو قول الراجز:
لما رأى أن لا دعة ولا شبع
ومنه في التنزيل كثير نحو إثبات هاء السكت في الوصل وإثبات الألف من أنا، وإثبات ألف الفواصل نحو {وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا} [الأحزاب: 10] وهذا
ـــــــ
1 الشعر لمالك بن خريم الهمداني وهو:
فإن يك غثاً أو سميناً فإنني ... سأجعل عينه لنفسه مقنعاً.
2 النضو: البعير المهزول والناقة.

(2/133)


......................................................
ـــــــ
الذي ذكره سيبويه من الضرورة في هاء الإضمار إنما هو إذا تحرك ما قبلها نحو به وله ولا يكون في هاء المؤنث البتة لخفة الألف فإن سكن ما قبل الهاء نحو فيه وبنيه كان الحذف أحسن من الإثبات فإن قلت فقد قرأ عيسى بن مينا: نصله ويؤده وأرجه1 ونحو ذلك في اثني عشر موضعا بحذف الياء وقيل الهاء متحرك فكيف حسن هذا؟ قلنا: إن ما قبل الهاء في هذه المواضع ساكن وهو الياء من نصليه ويؤديه ويؤتيه، ولكنه حذف للجازم فمن نظر إلى اللفظ وأن ما قبل الهاء متحرك أثبت الياء كما أثبتها في: به وله ومن نظر إلى الكلمة قبل دخول الجازم رأى ما قبل الهاء ساكنا، فحذف الياء فهما وجهان حسنان بخلاف ما تقدم.
من شرح قصيدة حذيفة:
وذكر في هذا الشعر وأسعد قاد الناس. وهو أسعد أبو حسان بن أسعد، وقد تقدم في التبابعة، وكذلك أبو شمر، وهو شمر الذي بنى سمرقند2، وأبوه مالك يقال له الأملوك ويحتمل أن يكون أراد أبا شمر الغساني والد الحارث بن أبي شمر.
وعمرو بن مالك الذي ذكر أحسبه عمرا ذا الأذعار وقد تقدم في التبابعة، وهو من ملوك اليمن، وإنما جعلهم مفخرا لأبي لهب لأن أمه خزاعية من سبأ، والتبابعة كلهم من حمير بن سبإ وقد تقدم الخلاف في خزاعة.
وأبو جبر الذي ذكره في هذا الشعر ملك من ملوك اليمن ذكر القتبي أن سمية
ـــــــ
1 ويعني بذلك الآيات القرآنية التالية: النساء: 115، آل عمران: 75، الأعراف: 111. وفي يؤده ونصله خمس قراءات.
2 في "القاموس": شمر بن أفريقش غزا مدينة السغد، فقلعها، فقيل: شمركند، فعربت: سمرقند.

(2/134)


وأسعد قاد الناس عشرين حجة ... يؤيد في تلك المواطن بالنصر
قال ابن هشام: "أمك سر من خزاعة"، يعني: أبا لهب أمه لبنى بنت هاجر الخزاعي. وقوله "بإجريا أوائله" عن غير ابن إسحاق.
رثاء مطرود لعبد المطلب وبني عبد مناف:
قال ابن إسحاق: وقال مطرود بن كعب الخزاعي يبكي عبد المطلب وبني عبد مناف:
يا أيها الرجل المحول رحله ... هلا سألت عن آل عبد مناف
هبلتك أمك، لو حللت بدارهم ... ضمنوك من جرم ومن إقراف
ـــــــ
أم زياد كانت لأبي جبر ملك من ملوك اليمن، دفعها إلى الحارث بن كلدة المتطبب في طب طبه.
زيد أفضل إخوته:
وذكر ولاية العباس - رضي الله عنه - السقاية وقال كان من أحدث إخوته سنا، وكذلك قال في صفة النبي - صلى الله عليه وسلم - كان من أفضل قومه مروءة وهذا مما منعه النحويون أن يقال زيد أفضل إخوته وليس بممتنع وهو موجود في مواضع كثيرة من هذا الكتاب وغيره وحسن لأن المعنى: زيد يفضل إخوته أو يفضل قومه ولذلك ساغ فيه التنكير وإنما لذي يمتنع بإجماع إضافة أفعل إلى التثنية مثل أن تقول هو أكرم أخويه إلا أن تقول الأخوين بغير إضافة1.
من شرح شعر مطرود:
فصل: وذكر في شعر مطرود:
ـــــــ
1 اشترط النحاة في أفعل التفضيل المضاف أن يكون بعضاً من المضاف إليه بشرط إرادة التفضيل.

(2/135)


الخالطين غنيهم بفقيرهم ... حتى يعود فقيرهم كالكافي
المنعمين إذا النجوم تغيرت ... والظاعنين لرحلة الإيلاف
والمنعمين إذا الرياح تناوحت ... حتى تغيب الشمس في الرجاف
إما هلكت أبا الفعال فما جرى ... من فوق مثلك عقد ذات نطاف
ـــــــ
منعوك من جور ومن إقراف1
أي منعوك من أن تنكح بناتك أو أخواتك من لئيم فيكون الابن مقرفا للؤم أبيه وكرم أمه فيلحقك وصم من ذلك، ونحو منه قول مهلهل:
أنكحها فقدها الأراقم في ... جنب وكان الحباء من أدم
أي أنكحت لغربتها من غير كفء. قال مبرمان أنشدنا أبو بكر بن دريد وكان الخباء من أدم بخاء معجمة الأعلى، وهو خطأ وتصحيف وإنما هو بالحاء المهملة وهو معدود في تصحيفات ابن دريد وفيه قول المفجع [البصري] ردا على ابن دريد:
ألست قدما جعلت تعترق ... الطرف بجهل مكان تغترق2
وقلت:
كان الخباء من أدم ... وهو حباء يهدى، ويصطدق
وذلك أن مهلهلا نزل في جنب وهو حي وضيع من مذحج. فخطبت ابنته فلم يستطع منعها، فزوجها، وكان نقدها من أدم فأنشد:
أنكحها فقدها الأراقم في ... جنب وكان الحباء من أدم
لو بأبانين جاء خاطبها ... ضرج ما أنف خاطب بدم3
ـــــــ
1 الذي في "السيرة": ضمنوك. والمقرف: الذي دانى الهجنة من الفرس وغيره، وهو الذي أمه عربية وأبوه ليس بعربي.
2 تعترق الطرف: تشغلهم بالنطر إليها عن النظر إلى غيرها لحسنها. انظر "المزهر" للسيوطي: 2/366.
3 الأبانان: جبلان بالبادية اسم أحدهما: أبان، والآخر : متالع.

(2/136)


إلا أبيك أخي المكارم وحده ... والفيض مطلب أبي الأضياف
ولاية العباس على سقاية زمزم:
قال ابن إسحاق: فلما هلك عبد المطلب بن هاشم ولي زمزم والسقاية عليهما بعده العباس بن عبد المطلب، وهو يومئذ من أحدث إخوته سنا، فلم تزل إليه حتى قام الإسلام وهي بيده. فأقرها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - له على ما مضى من ولايته فهي إلى آل العباس بولاية العباس إياها، إلى اليوم.
ـــــــ
وقوله حتى تغيب الشمس بالرجاف يعني: البحر. لأنه يرجف. ومن أسمائه أيضا: خضارة [سمي بذلك لخضرة مائه]. والدأماء [سمي بذلك لتداؤم أمواجه أي تراكمها، وتكسر بعضها على بعض] وأبو خالد.
وقوله عقد ذات نطاف. النطف1 اللؤلؤ الصافي. ووصيفة منطفة [ومتنطفة] أي مقرطة بتومتين [والتومة اللؤلؤة أو حبة تعمل من الفضة كالدرة] والنطف في غير هذا: التلطخ بالعيب وكلاهما من أصل واحد وإن كانا في الظاهر متضادين في المعنى ; لأن النطفة هي الماء القليل وقد يكون الكثير وكأن اللؤلؤ الصافي أخذ من صفاء النطفة. والنطف الذي هو العيب أخذ من نطفة الإنسان وهي ماؤه أي كأنه لطخ بها.
وقوله والفيض مطلب أبي الأضياف. يريد أنه كان لأضيافه كالأب. والعرب تقول لكل جواد أبو الأضياف. كما قال مرة بن محكان [السعدي التميمي سيد بني ربيع]:
أدعى أباهم ولم أقرف بأمهم ... وقد عمرت. ولم أعرف لهم نسبا
ـــــــ
1 مفردها نطفة كهمزة بضم النون وفتح الطاء.

(2/137)


......................................................
ـــــــ
اللهبي العائف:
فصل: وذكر خبر اللهبي العائف. قال ابن هشام: ولهب حي من الأزد: وقال غيره وهو لهب بن أحجن بن كعب بن الحارث بن كعب بن عبد الله بن مالك بن نصر بن الأزد. وهي القبيلة التي تعرف بالعيافة والزجر1. ومنهم اللهبي الذي زجر حين وقعت الحصاة بصلعة عمر رضي الله عنه - فأدمته وذلك في الحج فقال أشعر أمير المؤمنين. والله لا يحج بعد هذا العام فكان كذلك2 واللهب شق في الجبل3 [والجمع ألهاب ولهوب] وبنو ثمالة رهط المبرد الثمالي هم بنو أسلم بن أحجن بن كعب. وثمالة أمهم. وكانت العيافة والزجر في لهب قال الشاعر:
سألت أخا لهب ليزجر زجرة ... وقد رد زجر العالمين إلى لهب
وقوله ليعتاف لهم وهو يفتعل من العيف. يقال عفت الطير. واعتفتها عيافة واعتيافا: وعفت الطعام أعافه عيفا. وعافت الطير الماء عيافا.
ـــــــ
1 العيافة: تتبع آثار الأقدام والأخفاف والحوافر في مقابلة الأثر.
2 وهذا من الخرافات الأسطورية، فالله وحده هو عالم الغيب.
3 في "الاشتقاق": اللهب: الشعب الضيق في أعلى الجبل، والجمع ألهاب ولهوب.

(2/138)