الروض
الأنف ت السلامي
حديث تزويج رسول الله صلى الله عليه وسلم خديجة رضي الله عنها:
سنة صلى الله عليه وسلم عند تزوجه من خديجة:
قال ابن هشام: فلما بلغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خمسا وعشرين
سنة1 تزوج خديجة2 بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب بن مرة
بن كعب بن لؤي بن غالب، فيما حدثني غير واحد من أهل العلم عن أبي عمرو
المدني.
خروجه صلى الله عليه وسلم إلى الشام في تجارة خديجة، وما كان من بحيرى:
قال ابن إسحاق: وكانت خديجة بنت خويلد امرأة تاجرة ذات شرف ومال تستأجر
الرجال في مالها، وتضاربهم إياه بشيء تجعله لهم وكانت قريش قوما تجارا،
فلما بلغها عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما بلغها، من صدق
حديثه وعظم أمانته وكرم أخلاقه بعثت إليه فعرضت عليه أن يخرج في مال
لها إلى الشام تاجرا، وتعطيه أفضل ما كانت تعطي غيره من التجار مع غلام
لها يقال له ميسرة فقبله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منها، وخرج
في مالها ذلك وخرج معه غلامها ميسرة حتى قدم الشام .
ـــــــ
فصل في تزويجه عليه السلام خديجة رضي الله عنها:
شرح قول الراهب:
ذكر فيه قول الراهب ما نزل تحت هذه الشجرة إلا نبي. يريد ما نزل تحتها
ـــــــ
1 وقيل: كان سنه صلى الله عليه وسلم إحدى وعشرين سنة، وقيل ثلاثين،
راجع "شرح المواهب" و "الاسستيعاب".
2 وكان عمر خديجة إذ ذاك أربعين سنة، وقيل خمساً وأربعين. راجع "شرح
المواهب" و"الاستيعاب"
(2/151)
فنزل رسول الله
- صلى الله عليه وسلم - في ظل شجرة قريبا من صومعة راهب من الرهبان
فاطلع الراهب إلى ميسرة فقال له من هذا الرجل الذي نزل تحت هذه الشجرة؟
قال له ميسرة هذا رجل من قريش من أهل الحرم، فقال له الراهب ما نزل تحت
هذه الشجرة قط إلا نبي.
رغبة خديجة في الزواج منه:
ثم باع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سلعته التي خرج بها، واشترى
ما أراد أن يشتري ثم أقبل قافلا إلى مكة ، ومعه ميسرة فكان ميسرة -
فيما يزعمون - إذا كانت الهاجرة واشتد الحر، يرى ملكين يظلانه من الشمس
- وهو يسير على بعيره فلما قدم مكة على خديجة بمالها، باعت ما جاء به
فأضعف أو قريبا. وحدثها ميسرة عن قول الراهب وعما كان يرى من إظلال
الملكين إياه وكانت خديجة امرأة حازمة شريفة لبيبة مع ما أراد الله بها
من كرامته فلما أخبرها ميسرة بما أخبرها به بعثت إلى
ـــــــ
هذه الساعة إلا نبي، ولم يرد ما نزل تحتها قط إلا نبي. لبعد العهد
بالأنبياء قبل ذلك وإن كان في لفظ الخبر: قط، فقد تكلم بها على جهة
التوكيد للنفي والشجرة لا تعمر في العادة هذا العمر الطويل حتى يدري
أنه لم ينزل تحتها إلا عيسى، أو غيره من الأنبياء - عليهم السلام -
ويبعد في العادة أيضا أن تكون شجرة تخلو من أن ينزل تحتها أحد، حتى
يجيء نبي إلا أن تصح رواية من قال في هذا الحديث لم ينزل تحتها أحد بعد
عيسى ابن مريم - عليه السلام - وهي رواية عن غير ابن إسحاق، فالشجرة
على هذا مخصوصة بهذه الآية والله أعلم. وهذا الراهب ذكروا أن اسمه
نسطورا1 وليس هو بحيرى المتقدم ذكره.
ـــــــ
1 قلت: إن الصليبية استغلت هذه الأكذوبة، فادعى أحدهم وهو: نيكولدس أن
اثنين من اليهود، ومسيحياً يقوبياً يدعى: بحيرى أمدا محمداً بكثير من
المعلومات...الخ انظر: "الحضارة الإسلامية" ص62.
(2/152)
رسول الله -
صلى الله عليه وسلم - فقالت له - فيما يزعمون يا بن عم إني قد رغبت فيك
لقرابتك، وسطتك في قومك وأمانتك، وحسن خلقك، وصدق حديثك، ثم عرضت عليه
نفسها، وكانت خديجة يومئذ أوسط نساء قريش نسبا، وأعظمهن شرفا، وأكثرهن
مالا، كل قومها كان حريصا على ذلك منها لو يقدر عليه.
نسب خديجة:
وهي خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب
بن لؤي بن غالب بن فهر. وأمها: فاطمة بنت زائدة بن الأصم بن رواحة بن
حجر بن عبد بن معيص بن عامر بن لؤي بن غالب بن فهر. وأم فاطمة هالة بنت
عبد مناف بن الحارث بن عمرو بن منقذ بن عمرو بن معيص بن عامر بن لؤي بن
غالب بن فهر. وأم هالة قلابة بنت سعيد بن سعد بن سهم بن عمرو بن هصيص
بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر.
ـــــــ
تحقيق معنى الوسط:
وقول خديجة - رضي الله عنها: لسطتك في عشيرتك، وقوله في وصفها: هي أوسط
قريش نسبا. فالسطة من الوسط مصدر كالعدة والزنة والوسط من أوصاف المدح
والتفضيل ولكن في مقامين في ذكر النسب وفي ذكر الشهادة. أما النسب فلأن
أوسط القبيلة أعرفها، وأولاها بالصميم وأبعدها عن الأطراف والوسيط
وأجدر أن لا تضاف إليه الدعوة لأن الآباء والأمهات قد أحاطوا به من كل
جانب فكان الوسط من أجل هذا مدحا في النسب بهذا السبب وأما الشهادة
فنحو قوله سبحانه: {قَالَ أَوْسَطُهُمْ} وقوله: {وَكَذَلِكَ
جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ}
[البقرة: 143] فكان هذا مدحا في الشهادة لأنها غاية العدالة في الشاهد
أن يكون وسطا كالميزان لا يميل مع أحد، بل يصمم على الحق تصميما، لا
يجذبه هوى، ولا يميل به رغبة ولا رهبة من هاهنا، ولا من هاهنا، فكان
وصفه بالوسط غاية في التزكية والتعديل وظن كثير من الناس أن معنى
الأوسط الأفضل على الإطلاق وقالوا: معنى الصلاة الوسطى: الفضلى، وليس
(2/153)
زواجه صلى الله
عليه وسلم من خديجة:
فلما قالت ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذكر ذلك لأعمامه فخرج
معه عمه حمزة بن عبد المطلب - رحمه الله - حتى دخل على خويلد بن أسد
فخطبها إليه فتزوجها.
__________
كذلك بل هو في جميع الأوصاف لا مدح ولا ذم، كما يقتضي لفظ التوسط فإذا
كان وسطا في السمن فهي بين الممخة1 والعجفاء. والوسط في الجمال بين
الحسناء والشوهاء إلى غير ذلك من الأوصاف لا يعطي مدحا، ولا ذما، غير
أنهم قد قالوا في المثل أثقل من مغن وسط على الذم لأن المغني إن كان
مجيدا جدا أمتع وأطرب وإن كان باردا جدا أضحك وألهى، وذلك أيضا مما
يمتع. قال الجاحظ: وإنما الكرب الذي يجثم على القلوب ويأخذ بالأنفاس
الغناء الفاتر الوسط الذي لا يمتع بحسن ولا يضحك بلهو وإذا ثبت هذا فلا
يجوز أن يقال في رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هو أوسط الناس. أي
أفضلهم ولا يوصف بأنه وسط في العلم ولا في الجود ولا في غير ذلك إلا في
النسب والشهادة كما تقدم والحمد لله والله المحمود.
من الذي زوج خديجة؟
فصل: وذكر مشي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى خويلد بن أسد مع
عمه حمزة - رضي الله عنه - وذكر غير ابن إسحاق أن خويلدا كان إذ ذاك قد
أهلك وأن الذي أنكح خديجة - رضي الله عنها - هو عمها عمرو بن أسد، قاله
المبرد وطائفة معه وقال أيضا: إن أبا طالب هو الذي نهض مع رسول الله -
صلى الله عليه وسلم - وهو الذي خطب خطبة النكاح وكان مما قاله في تلك
الخطبة" أما بعد فإن محمدا ممن لا يوازن به فتى من قريش إلا رجح به
شرفا ونبلا وفضلا وعقلا، فإن كان في المال قل، فإنما ظل زائل وعارية
ـــــــ
1 في "اللسان": الممخة بضم فكسر مشددة مفتوحة: السمينة. وفي المثل: بين
الممخة والعجفاء.
(2/154)
......................................................
ـــــــ
مسترجعة وله في خديجة بنت خويلد رغبة ولها فيه مثل ذلك"1 فقال عمرو: هو
الفحل الذي لا يقدع أنفه فأنكحها منه ويقال قاله ورقة بن نوفل، والذي
قاله المبرد هو الصحيح لما رواه الطبري عن جبير بن مطعم، وعن ابن عباس،
وعن عائشة - رضي الله عنهم كلهم - قال إن عمرو بن أسد هو الذي أنكح
خديجة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأن خويلدا كان قد هلك قبل
الفجار وخويلد بن أسد هو الذي نازع تبعا الآخر حين حج وأراد أن يحتمل
الركن الأسود معه إلى اليمن ، فقام في ذلك خويلد وقام معه جماعة ثم إن
تبعا روع في منامه ترويعا شديدا حتى ترك ذلك وانصرف عنه والله أعلم.
فصل: وذكر الزهري في سيره وهي أول سيرة ألفت في الإسلام كذا روي عن
[عبد العزيز بن محمد بن عبيد] الدراوردي أن رسول الله - صلى الله عليه
وسلم - قال لشريكه الذي كان يتجر معه في مال خديجة هلم فلنتحدث عند
خديجة وكانت تكرمهما وتتحفهما2، فلما قاما من عندها جاءت امرأة
مستنشئة3 - وهي الكاهنة - كذا قال الخطابي في شرح هذا الحديث فقالت له
جئت خاطبا يا محمد فقال كلا، فقالت ولم؟ فوالله ما في قريش امرأة وإن
كانت خديجة إلا تراك كفئا لها، فرجع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
خاطبا لخديجة مستحييا منها، وكان خويلد أبوها سكران من الخمر فلما كلم
في ذلك أنكحها، فألقت عليه خديجة حلة وضمخته بخلوق فلما صحا من سكره
قال ما هذه الحلة والطيب؟ فقيل إنك أنكحت محمدا خديجة
ـــــــ
1 ومما ورد في نص الخطبة كما في "نهاية الأرب": "الحمد لله الذي جعلنا
من ذرية إبراهيم وزرع إسماعيل وضئضئ معد، وعنصر مضر، وجعلنا حضنة بيته
وسواس حرمه، وجعل لنا بيتاً محجوجاً، وحرماً آمنا وجعلنا الحكام على
الناس..."الخ انظر "نهاية الأرب" 16/98.
2 التحفة الضم وكهمزة: البر واللطف والطرفة.
3 كانت من مولدات قريش، يقال: يستنشي الأخبار، أي يبحث عنها
(2/155)
قال ابن هشام:
وأصدقها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عشرين بكرة وكانت أول امرأة
تزوجها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم يتزوج عليها غيرها حتى
ماتت رضي الله عنها.
أولاده صلى الله عليه وسلم من خديجة:
قال ابن إسحاق فولدت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولده كلهم إلا
إبراهيم القاسم وبه كان يكنى صلى الله عليه وسلم والطاهر والطيب وزينب
ورقية وأم كلثوم، وفاطمة عليهم السلام.
قال ابن هشام: أكبر بنيه القاسم ثم الطيب ثم الطاهر وأكبر بناته رقية
ثم زينب ثم أم كلثوم، ثم فاطمة.
ـــــــ
وقد ابتنى بها، فأنكر ذلك ثم رضيه وأمضاه ففي هذا الحديث أن أباها كان
حيا، وأنه الذي أنكحها. كما قال ابن إسحاق. وقال راجز من أهل مكة في
ذلك:
لا تزهدي خديج في محمد ... نجم يضيء كإضاء الفرقد1
وقيل: إن عمرو بن خويلد أخاها هو الذي أنكحها منه ذكره ابن إسحاق في
آخر الكتاب.
أولاده من خديجة:
فصل: وذكر ولده منها - صلى الله عليه وسلم - فذكر البنات وذكر القاسم
والطاهر والطيب وذكر أن البنين هلكوا في الجاهلية وقال الزبير - وهو
أعلم بهذا الشأن - ولدت له القاسم وعبد الله وهو الطاهر وهو الطيب سمي
بالطاهر والطيب لأنه ولد بعد النبوة واسمه الذي سمي به أول هو عبد الله
وبلغ القاسم المشي غير أن رضاعته لم تكن كملت وقع في مسند الفريابي أن
خديجة دخل عليها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد موت القاسم وهي
تبكي: فقالت يا رسول الله درت لبينة القاسم
ـــــــ
1 الفرقد: النجم الذي يهتدى به، وفي "شرح المواهب" كما ضياء الفرقد.
(2/156)
قال ابن إسحاق:
فأما القاسم والطيب والطاهر فهلكوا في الجاهلية. وأما بناته فكلهن
أدركن الإسلام فأسلمن وهاجرن معه صلى الله عليه وسلم.
ـــــــ
فلو كان عاش حتى يستكمل رضاعه لهون علي فقال إن له مرضعا في الجنة
تستكمل رضاعته فقالت لو أعلم ذلك لهون علي فقال إن شئت أسمعتك صوته في
الجنة. فقالت بل أصدق الله ورسوله. قولها، لبينة هي تصغير لبنة وهي
قطعة من اللبن كالعسيلة تصغير عسلة ذكر سيبويه اللبنة والعسلة والشهدة
على هذا المعنى. قال المؤلف وهذا من فقهها - رضي الله عنها - كرهت أن
تؤمن بهذا الأمر معاينة فلا يكون لها أجر التصديق والإيمان بالغيب
وإنما أثنى الله تعالى على الذين يؤمنون بالغيب. وهذا الحديث يدل أيضا
على أن القاسم لم يهلك في الجاهلية. واختلفوا في الصغرى والكبرى من
البنات غير أن أم كلثوم لم تكن الكبرى من البنات ولا فاطمة والأصح في
فاطمة أنها أصغر من أم كلثوم1.
خديجة وبحيرى ونسبها:
وخديجة بنت خويلد تسمى: الطاهرة في الجاهلية والإسلام وفي سير التيمي.
أنها كانت تسمى: سيدة نساء قريش، وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - حين
أخبرها عن جبريل ولم تكن سمعت باسمه قط، ركبت إلى بحيرى الراهب، واسمه
سرجس2 فيما ذكر المسعودي، فسألته عن جبريل فقال قدوس قدوس يا سيدة نساء
قريش أنى لك بهذا الاسم؟ فقالت بعلي وابن عمي محمد أخبرني أنه يأتيه،
فقال قدوس قدوس ما علم به إلا نبي مقرب فإنه السفير بين الله وبين
أنبيائه وإن الشيطان لا يجترئ
ـــــــ
1 في "نسب قريش" ص21: فولد لرسول الله صلى الله عليه وسلم القاسم، وهو
أكبر ولده، ثم زينب، ثم عبد الله، ثم أم كلثوم، ثم فاطمة، ثم رقية.
2 استغلت الصليبية هذا الإفك المفترى، فبهتت القديسة العظيمة خديجة
بأنها كانت على صلة بهذا الراهب المزعوم.
(2/157)
......................................................
ـــــــ
أن يتمثل به ولا أن يتسمى باسمه وكان بمكة غلام لعتبة بن ربيعة سيأتي
ذكره اسمه عداس عنده علم من الكتاب فأرسلت إليه تسأله عن جبريل فقال
قدوس قدوس أنى لهذه البلاد أن يذكر فيها جبريل يا سيدة نساء قريش،
فأخبرته بما يقول النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال عداس مثل مقالة
الراهب فكان مما زادها الله تعالى به إيمانا ويقينا.
وذكر ابن إسحاق نسب أمها فاطمة بنت زائدة بن الأصم، ولم يذكر اسم
الأصم، وذكره الزبير وغيره فقال جندب بن هدم بن حجر بفتح الحاء والجيم
من حجر كذا قيده الدارقطني، وأخوه حجير بن عبد بن معيص بن عامر وأما
حجر بسكون الجيم ففي حي ذي رعين وإليه ينسب الحجريون وأما حجر بكسر
الحاء ففي بني الديان عبد الحجر بن عبد المدان وهم من بني الحارث بن
كعب بن مذحج، وذكر يونس عن ابن إسحاق نسب أم خديجة كما ذكر في رواية
ابن هشام، وزاد فقال كانت أم فاطمة بنت زائدة هالة بنت عبد مناف بن
الحارث بن عبد بن منقذ بن عمرو بن معيص بن عامر بن لؤي، وأمها قلابة
وهي العرقة بنت سعيد بن سعد1 بن سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤي
وأمها: أميمة بنت عامر بن الحارث بن فهر2.
من تزوجت خديجة قبل الرسول صلى الله عليه وسلم؟:
وكانت خديجة قبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عند أبي هالة وهو
هند بن زرارة وقد قيل في اسمه زرارة وهند: ابنه بن النباش من بني عدي
بن جروة بن أسيد بن عمرو بن تميم فهو أسيدي بالتخفيف منسوب إلى أسيد
بالتشديد كذا قال سيبويه في النسب إلى أسيد. وعدي بن جروة يقال إن
الزبير صحفه وإنما هو عذي بن
ـــــــ
1 في "نسب قريش": قلابة، وهي العرقة بنت سعيد بن سهم بن عمرو...الخ.
2 في "نسب قريش": أميمة بنت عائش بن ظرب بن الحارث بن فهر.
(2/158)
أم إبراهيم:
قال ابن هشام: وأما إبراهيم فأمه مارية القبطية . حدثنا عبد الله بن
وهب عن ابن لهيعة قال أم إبراهيم: مارية سرية النبي صلى الله عليه وسلم
التي أهداها إليه المقوقس من جفن من كورة أنصنا.
ـــــــ
جروة وكانت قبل أبي هالة عند عتيق بن عائذ بن عبد الله بن عمرو بن
مخزوم ولدت له عبد مناف بن عتيق كذا قال ابن أبي خيثمة وقال الزبير
ولدت لعتيق جارية اسمها: هند1 وولدت لهند أبي هالة ابنا اسمه هند2
أيضا، مات بالطاعون طاعون البصرة ، وكان قد مات في ذلك اليوم نحو من
سبعين ألفا، فشغل الناس بجنائزهم عن جنازته فلم يوجد من يحملها، فصاحت
نادبته واهند بن هنداه واربيب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلم
تبق جنازة إلا تركت واحتملت جنازته على أطراف الأصابع إعظاما لربيب
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذكره الدولابي ولخديجة من أبي هالة
ابنان غير هذا، اسم أحدهما: الطاهر واسم الآخر هالة. واختلف في سنه -
صلى الله عليه وسلم - حين تزوج خديجة فقيل ما قاله ابن إسحاق، وقيل كان
ابن ثلاثين سنة وقيل ابن إحدى وعشرين سنة3.
مارية وإبراهيم:
فصل: وذكر أن خديجة - رضي الله عنها - ولدت للنبي صلى الله عليه وسلم
ولده كلهم إلا إبراهيم، فإنه من مارية التي أهداها إليه المقوقس، وقد
تقدم اسم المقوقس، وأنه جريج بن مينا، وذكرنا معنى المقوقس في أول
الكتاب وذكرنا أنه أهدى مارية مع حاطب بن أبي بلتعة، ومع جبر مولى أبي
رهم الغفاري واسم أبي رهم كلثوم بن الحصين.وذلك حين أرسلها إليه رسول
الله - صلى الله عليه وسلم - يدعوه إلى الإسلام وأهدى معها
ـــــــ
1 قيل: إنها أسلمت ولها صحبة.
2 صحابي روى حديث صفة النبي صلى الله عليه وسلم شهد بدراً.
3 في البيهقي والحاكم أن عمره كان خمساً وعشرين، وعمرها خمساً وثلاثين.
(2/159)
......................................................
ـــــــ
أختها سيرين، وهي التي وهبها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لحسان
بن ثابت - رضي الله عنه - فأولدها عبد الرحمن بن حسان، وأهدى معها
المقوقس أيضا غلاما خصيا اسمه مأبور وبغلة تسمى: دلدل وقدحا من قوارير
كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يشرب فيه وتوفيت مارية - رضي
الله عنها - سنة ست عشرة في خلافة عمر - رضي الله عنه - وكان عمر هو
الذي يحشر الناس إلى جنازتها بنفسه وهي مارية بنت شمعون1 القبطية من
كورة حفن. وأما إبراهيم ابن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فمات وهو
ابن ثمانية عشر شهرا في سنة عشر من الهجرة في اليوم الذي كسفت فيه
الشمس وكانت قابلته سلمى امرأة أبي رافع وأرضعته أم بردة بنت المنذر
النجارية امرأة البرء بن أوس وسلمى: هي مولاة رسول الله - صلى الله
عليه وسلم - وقابلة بني فاطمة كلهم وهي غسلتها مع أسماء بنت عميس
الخثعمية، وغسلها معهما علي بن أبي طالب - كرم الله وجهه - وفي المسند
من طريق أنس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين ولدت له مارية
ابنه إبراهيم وقع في نفسه منه شيء حتى نزل جبريل عليه السلام، فقال له
السلام عليك يا أبا إبراهيم2.
ترجمة ورقة:
وذكر ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى، وأم ورقة هند بنت أبي كبير بن
عبد بن قصي، ولا عقب له3 وهو أحد من آمن بالنبي - صلى الله عليه وسلم -
قبل البعث وروى الترمذي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال
"رأيته في المنام وعليه ثياب بيض ولو كان من أهل النار لم تكن عليه
ثياب بيض" ، وهو حديث في إسناده ضعف. لأنه يدور على عثمان بن عبد
الرحمن، ولكن يقويه ما يأتي بعد هذا من قوله عليه السلام: "رأيت
ـــــــ
1 زاد في "نسب قريش" بعد شمعون: ابن إبراهيم.
2 في "زاد المعاد": أن الطيب والطاهر لقبان لولده المسمى: عبد الله
الذي ولد بعد النبوة.
3 اسم أبي كبير: منهب بضم الميم وسكون النون وكسر الهاء.
(2/160)
حديث خديجة مع
ورقة وصدق نبوءة ورقة فيه صلى الله عليه وسلم:
قال ابن إسحاق وكانت خديجة بنت خويلد قد ذكرت لورقة بن نوفل بن أسد بن
عبد العزى - وكان ابن عمها، وكان نصرانيا قد تتبع الكتب وعلم من علم
الناس - ما ذكر لها غلامها ميسرة من قول الراهب وما كان يرى منه إذ كان
الملكان يظلانه فقال ورقة لئن كان هذا حقا يا خديجة، إن محمدا لنبي هذه
الأمة وقد عرفت أنه كائن لهذه الأمة نبي ينتظر هذا زمانه أو كما قال.
ـــــــ
القس" يعني، ورقة وعليه ثياب حرير لأنه أول من آمن بي، وصدقني، وسيأتي
بقية من خبره1 فيما بعد - إن شاء الله - وقد ألفيت للحديث الذي خرجه
الترمذي في ورقة إسنادا جيدا غير الذي ذكره الترمذي، وهو ما رواه
الزبير بن أبي بكر عن عبد الله بن معاذ الصنعاني عن معمر عن الزهري عن
عروة بن الزبير - رضي الله عنه – قال: سئل رسول الله - صلى الله عليه
وسلم - عن ورقة بن نوفل، كما بلغنا فقال رأيته في المنام عليه ثياب بيض
فقد أظن أن لو كان من أهل النار لم أر عليه البياض وكان يذكر الله في
سفره في الجاهلية ويسبحه وهو الذي يقول:
لقد نصحت لأقوام وقلت لهم ... أنا النذير فلا يغرركم أحد
لا تعبدن إلها غير خالقكم ... فإن دعوكم فقولوا: بيننا جدد
سبحان ذي العرش سبحانا يدوم له ... وقبلنا سبح الجودي والجمد
مسخر كل ما تحت السماء له ... لا ينبغي أن يناوي ملكه أحد
لا شيء مما ترى تبقى بشاشته ... يبقى الإله ويودي المال والولد
لم تغن عن هرمز يوما خزائنه ... والخلد قد حاولت عاد فما خلدوا
ولا سليمان إذ تجري الرياح به ... والإنس والجن فيما بينها مرد2
أين الملوك التي كانت لعزتها ... من كل أوب إليها وافد يفد
ـــــــ
1 رواه البيهقي في "الدلائل" وقال: إنه منقطع.
2 في "الأغاني": الجن والإنس تجري بينها البرد.
(2/161)
......................................................
ـــــــ
حوض هنالك مورود بلا كذب ... لا بد من ورده يوما كما وردوا
نسبه أبو الفرج1 إلى ورقة وفيه أبيات تنسب إلى أمية بن أبي الصلت، ومن
قوله فيما خبرته به خديجة - رضي الله عنها - عن رسول الله - صلى الله
عليه وسلم -:
يا للرجال لصرف الدهر والقدر ... وما لشيء قضاه الله من غير2
حتى خديجة تدعوني لأخبرها ... أمرا أراه سيأتي الناس من أخر
فخبرتني بأمر قد سمعت به ... فيما مضى من قديم الدهر والعصر
بأن أحمد يأتيه فيخبره ... جبريل إنك مبعوث إلى البشر
فقلت: عل الذي ترجين ينجزه ... لك الإله فرجي الخير وانتظري
وأرسلته إلينا كي نسائله ... عن أمره ما يرى في النوم والسهر
فقال حين أتانا منطقا عجبا ... يقف منه أعالي الجلد والشعر
إني رأيت أمين الله واجهني ... في صورة أكملت في أهيب الصور
ثم استمر فكان الخوف يذعرني ... مما يسلم من حولي من الشجر
فقلت: ظني وما أدري أيصدقني ... أن سوف تبعث تتلو منزل السور
وسوف أبليك إن أعلنت دعوتهم ... من الجهاد بلا من ولا كدر
مثنى يقصد به المفرد:
فصل: وفي شعر ورقة:
ـــــــ
1 يعني صاحب كتاب "الأغاني".
2 في "الإصابة": وصرف الدهر.
(2/162)
قال : فجعل
ورقة يستبطئ الأمر ويقول حتى متى؟ فقال ورقة في ذلك:
لججت وكنت في الذكرى لجوجا ... لهم طالما بعث النشيجا
ووصف من خديجة بعد وصف ... فقد طال انتظاري يا خديجا
ببطن المكتين على رجائي ... حديثك أن أرى منه خروجا
بما خبرتنا من قول قس ... من الرهبان أكره أن يعوجا
بأن محمدا سيسود فينا ... ويخصم من يكون له حجيجا
ـــــــ
ببطن المكتين على رجائي ... حديثك أن أرى منه خروجا
ثنى مكة، وهي واحدة لأن لها بطاحا وظواهر وقد ذكرنا من أهل البطاح، ومن
أهل الظواهر فيما قبل على أن للعرب مذهبا في أشعارها في تثنية البقعة
الواحدة وجمعها نحو قوله وميت بغزات. يريد بغزة وبغادين في بغداد، وأما
التثنية فكثير نحو قوله:
بالرقمتين له أجر وأعراس ... والحمتين سقاك الله من دار1
وقول زهير: ودار لها بالرقمتين. وقول ورقة من هذا: ببطن المكتين. لا2
معنى لإدخال الظواهر تحت هذا اللفظ وقد أضاف إليها البطن كما أضافه
المبرق حين قال:
ببطن مكة مقهور ومفتون
وإنما يقصد العرب في هذا الإشارة إلى جانبي كل بلدة أو الإشارة إلى
أعلى البلدة وأسفلها، فيجعلونها اثنين على هذا المغزى، وقد قالوا: صدنا
بقنوين3 وهو قنا اسم جبل وقال عنترة:
ـــــــ
1 في "اللسان": الرقمة: الروضة، ورقمه الوادي حيث يجتمع الماء.
2 في "اللسان": الرقمتان: روضتان بناحية الصمان.
3 في "القاموس": القنوان: جبلان.
(2/163)
ويظهر في
البلاد ضياء نور ... يقيم به البرية أن تموجا
ـــــــ
شربت بماء الدخرضين
وهو من هذا الباب في أصح القولين قال عنترة أيضا:
بعنيزتين وأهلنا بالعيلم1
وعنيزة اسم موضع وقال الفرزدق:
عشية سال المربدان كلاهما
وإنما هو مربد البصرة. وقولهم:
تسألني برامتين سلجما
وإنما هو رامة وهذا كثير.
وأحسن ما تكون هذه التثنية إذا كانت في ذكر جنة وبستان فتسميها جنتين
في فصيح الكلام إشعارا بأن لها وجهين وأنك إذا دخلتها، ونظرت إليها
يمينا وشمالا رأيت من كلتا الناحيتين ما يملأ عينيك قرة وصدرك مسرة وفي
التنزيل {لَقَدْ كَانَ لِسَبَأٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ
عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ} إلى قوله سبحانه {وَبَدَّلْنَاهُمْ
بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ} [سبأ: 15، 16]. وفيه {جَعَلْنَا
لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ } [الكهف: 32] الآية. وفي آخرها : {وَدَخَلَ
جَنَّتَهُ} فأفرد بعدما ثنى، وهي هي وقد حمل بعض العلماء على هذا
المعنى قوله سبحانه: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ}
[الرحمن 46]، والقول في هذه الآية يتسع والله المستعان.
النور والضياء:
فصل: وقال في هذا الشعر:
ويظهر في البلاد ضياء نور
ـــــــ
1 في "المراصد": عنيرة: موضع بين البصرة ومكة، وأيضاً: بئر على ميلين
من القريتين ببطن الرمة، وقيل: غير ذلك.
(2/164)
فيلقى من
يحاربه خسارا ... ويلقى من يسالمه فلوجا
فيا ليتي إذا ما كان ذاكم ... شهدت فكنت أولهم ولوجا
ولوجا في الذي كرهت قريش ... ولو عجت بمكتها عجيجا
أرجي بالذي كرهوا جميعا ... إلى ذي العرش إن سفلوا عروجا
وهل أمر السفالة غير كفر ... بمن يختار من سمك البروجا
فإن يبقوا وأبق تكن أمور ... يضج الكافرون لها ضجيجا
وإن أهلك فكل فتى سيلقى ... من الأقدار1 متلفة خروجا
ـــــــ
هذا البيت يوضح لك معنى النور ومعنى الضياء وأن الضياء هو المنتشر عن
النور وأن النور هو الأصل للضوء ومنه مبدؤه وعنه يصدر وفي التنزيل:
{فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ}
[البقرة: 17]. وفيه: {جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُوراً}
[يونس: 5] لأن نور القمر لا ينتشر عنه من الضياء ما ينتشر من الشمس [و]
لا سيما في طرفي الشهر وفي الصحيح"الصلاة نور والصبر ضياء" وذلك أن
الصلاة هي عمود الإسلام وهي ذكر وقرآن وهي تنهى عن الفحشاء والمنكر
فالصبر عن المنكرات والصبر على الطاعات هو الضياء الصادر عن هذا النور
الذي هو القرآن والذكر وفي أسماء الباري سبحانه: {اللَّهُ نُورُ
السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [النور 35] ولا يجوز أن يكون الضياء من
أسمائه - سبحانه - وقد أمليت في غير هذا الكتاب من معنى نور السموات
والأرض ما فيه شفاء والحمد لله.
نون الوقاية في إن وأخواتها
فصل: وفي شعر ورقة:
فيا ليتني إذا ما كان ذاكم.
بحذف نون الوقاية وحذفها مع ليت رديء وهو في لعل أحسن منه لقرب
ـــــــ
1 المتلفة: المهلكة, والحروج: الكثيرة التصرف.
(2/165)
......................................................
ـــــــ
مخرج اللام من النون حتى لقد قالوا: لعل ولعن ولأن بمعنى واحد ولا سيما
وقد حكى يعقوب أن من العرب من يخفض بلعل وهذا يؤكد حذف النون من لعلني،
وأحسن ما يكون حذف هذه النون في إن وأن ولكن وكأن لاجتماع النونات
وحسنه في لعل أيضا كثرة حروف الكلمة وفي التنزيل {لَعَلِّي أَرْجِعُ
إِلَى النَّاسِ} [يوسف: 46]. بغير نون ومجيء هذه الياء في ليتي بغير
نون مع أن ليت ناصبة يدلك على أن الاسم المضمر في ضربني هو الياء دون
النون كما هو في: ضربك، وضربه حرف واحد وهو الكاف ولو كان الاسم هو
النون مع الياء - كما قالوا في المخفوض مني وعني بنونين نون من ونون
أخرى مع الياء فإذا الياء وحدها هي الاسم في حال الخفض وفي حال النصب.
حول تقدم صلة المصدر عليه:
فصل: وفيه: حديثك أن أرى منه خروجا. قوله منه الهاء راجعة على الحديث
وحرف الجر متعلق بالخروج وإن كره النحويون ذلك لأن ما كان من صلة
المصدر عندهم فلا يتقدم عليه لأن المصدر مقدر بأن والفعل فما يعمل فيه
هو من صلة أن فلا يتقدم فمن أطلق القول في هذا الأصل ولم يخصص مصدرا من
مصدر فقد أخطأ المفصل وتاه في تضلل ففي التنزيل: {أَكَانَ لِلنَّاسِ
عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ} [يونس: 2]. ومعناه
أكان عجبا للناس أن أوحينا، ولا بد للام هاهنا أن تتعلق بعجب لأنها
ليست في موضع صفة ولا موضع حال لعدم العامل فيها، وفيه أيضا: {لا
يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلاً} [الكهف: 108] {وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا
مَصْرِفاً} [الكهف: 53]. وفيه أيضا: {لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَاراً}
[الكهف: 18]. وتقول لي فيك رغبة وما لي عنك معول فيحسن كل هذا بلا خلاف
وقد أجاز ابن السراج أبو بكر و [محمد بن يزيد] المبرد أيضا في ضربا
زيدا، إذا أردت الأمر أن تقدم المفعول المنصوب بالمصدر وقال لأن ضربا
هاهنا في معنى:
(2/166)
......................................................
ـــــــ
اضرب فقد خصص لك ضربا من المصادر بجواز تقديم معمولها عليها فإن كان
المصدر غير أمر وكان نكرة لم يتقدم المفعول خاصة عليه بخلاف المجرور
والظرف فالواجب إذا ربط هذا الباب وتفصيله.
متى يجوز تقديم معمول المصدر؟
فنقول كل مصدر نكرة غير مضاف إلى ما بعده يجوز تقديم معموله عليه إلا
المفعول لأن المصدر النكرة لا يتقدر بأن والفعل لأنك إن قدرته بأن
والفعل بقي الفعل بلا فاعل وما كان مضافا إلى ما بعده فالمضاف إليه
فاعل في المعنى أو مفعول فلذلك يصير المصدر مقدرا بأن والفعل فقف على
هذا الأصل فمنه حسن قول ورقة أن أرى منه خروجا، أي أرى خروجا منه وكذلك
لو ذكر الدخول فقال أرى فيه دخولا، يريد دخولا فيه لكان حسنا، وتقول
اللهم اجعل من أمرنا فرجا ومخرجا، فمن أمرنا: متعلق بما بعده وهو مصدر
ولا خفاء في حسن هذا التقديم لما ذكرناه.
ومن قول ورقة بن نوفل في معنى ما تقدم من رواية يونس عن ابن إسحاق:
أتبكر أم أنت العشية رائح ... وفي الصدر من إضمارك الحزن قادح
لفرقة قوم لا أحب فراقهم ... كأنك عنهم بعد يومين نازح
وأخبار صدق خبرت عن محمد ... يخبرها عنه إذا غاب ناصح
فتاك الذي وجهت يا خير حرة ... بغور والنجدين حيث الصحاصح1
إلى سوق بصرى في الركاب التي غدت ... وهن من الأحمال قعص دوالح2
ـــــــ
1 الغور: ما بين ذات عرق إلى البحر. والنجد: ما خالف الغور أي تهامة:
أعلاه: تهامة واليمن، وأسفله: العراق والشام، وأوله من جهة الحجاز: ذات
عرق. والصحصاح: جمع صحصح: الأرض الجرداء المستوية.
2 دلح، كمنع مشى بحمله منقبض الخطو لثقله، والقعص: الموت السريع.
(2/167)
......................................................
ـــــــ
فخبرنا عن كل خير بعلمه ... وللحق أبواب لهن مفاتح
بأن ابن عبد الله أحمد مرسل ... إلى كل من ضمت عليه الأباطح
وظني به أن سوف يبعث صادقا ... كما أرسل العبدان هود وصالح
وموسى وإبراهيم حتى يرى له ... بهاء ومنثور من الذكر واضح
ويتبعه حيا لؤي جماعة ... شيابهم والأشيبون الجحاجح
فإن أبق حتى يدرك الناس دهره ... فإني به مستبشر الود فارح
وإلا فإني يا خديجة - فاعلمي ... عن أرضك في الأرض العريضة سائح
(2/168)
|