الروض
الأنف ت السلامي
ذكر ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى وعبيد الله بن جحش وعثمان بن
الحويرث وزيد بن عمرو بن نفيل
...
ذكر ورقة بن نوفل بن أسد بن العزى وعبيد الله بن جحش وعثمان بن الحويرث
وزيد بن عمرو بن نفيل
بحثهم في الأيان:
قال ابن إسحاق: واجتمعت قريش يوما في عيد لهم عند صنم من أصنامهم
ـــــــ
ذكر حديث ورقة بن نوفل
فصل وذكر حديث ورقة بن نوفل3، وعبيد الله بن جحش، وعثمان بن
ـــــــ
3 نسب ورقة, وهو ابن نوفل بن أسد بن عبد العزي بن قصي بن كلاب, وفي
"الصحيحين" ما يدل على أنه لقي النبي صلى الله عليه وسلم لكنه مات قبل
أن يدعو رسول إلى الإسلام.
(2/227)
كانوا يعظمونه
وينحرون له ويعكفون عنده ويديرون به وكان ذلك عيدا لهم في كل سنة يوما،
فخلص منهم أربعة نفر نجيا، ثم قال بعضهم لبعض تصادقوا، وليكتم بعضكم
على بعض قالوا: أجل وهم ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى بن قصي بن
كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي، وعبيد الله بن جحش بن رئاب بن يعمر بن صبرة
بن مرة بن كبير بن غنم بن دودان بن أسد بن خزيمة، وكانت أمه أميمة بنت
عبد المطلب. وعثمان بن الحويرث بن أسد بن عبد العزى بن قصي، وزيد بن
عمرو بن نفيل بن عبد العزى بن عبد الله بن قرط بن رياح بن رزاح بن عدي
بن كعب بن لؤي، فقال بعضهم لبعض تعلموا والله ما قومكم على شيء لقد
أخطئوا دين أبيهم إبراهيم ما حجر نطيف به لا يسمع ولا يبصر ولا يضر ولا
ينفع؟ يا قوم التمسوا لأنفسكم فإنكم والله ما أنتم على شيء فتفرقوا في
البلدان يلتمسون الحنيفية دين إبراهيم.
ـــــــ
الحويرث، وزيد بن عمرو بن نفيل وما تناجوا به وقال زيد بن عمرو بن نفيل
إلى آخر النسب والمعروف في نسبه ونسب ابن عمه عمر بن الخطاب: نفيل بن
رياح1 بن عبد الله بن قرط بن رزاح بتقديم رياح على عبد الله ورزاح بكسر
الراء قيده الشيخ أبو بحر وزعم الدارقطني أنه رزاح بالفتح وإنما رزاح
بالكسر رزاح بن ربيعة أخو قصي لأمه الذي تقدم ذكره.
الزواج من امرأة الأب في الجاهلية:
وأم زيد هي الحيداء بنت خالد الفهمية وهي امرأة جده نفيل ولدت له
الخطاب فهو أخو الخطاب لأمه وابن أخيه وكان ذلك مباحا في الجاهلية بشرع
متقدم ولم تكن من الحرمات التي انتهكوها، ولا من العظائم التي
ابتدعوها، لأنه أمر كان في عمود نسب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
فكنانة تزوج امرأة أبيه خزيمة، وهي برة بنت
ـــــــ
1 في "الإصابة": نفيل بن عبد العزي بن رياح.
(2/228)
فأما ورقة بن
نوفل فاستحكم في النصرانية، واتبع الكتب من أهلها، حتى علم علما
ـــــــ
مر فولدت له النضر بن كنانة، وهاشم أيضا قد تزوج امرأة أبيه وافدة
فولدت له ضعيفة ولكن هو خارج عن عمود نسب رسول الله - صلى الله عليه
وسلم - لأنها لم تلد جدا له أعني: واقدة وقد قال عليه السلام "أنا من
نكاح لا من سفاح" ولذلك قال سبحانه {وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ
آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ} [النساء: 22]. أي
إلا ما سلف من تحليل ذلك قبل الإسلام وفائدة هذا الاستثناء ألا يعاب
نسب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وليعلم أنه لم يكن في أجداده من
كان لغية ولا من سفاح1. ألا ترى أنه لم يقل في شيء نهى عنه في القرآن
{إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ} نحو قوله: {وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى}
[الإسراء: 32] ولم يقل إلا ما قد سلف: {وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ
الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ} [الإسراء: 33] ولم يقل إلا ما قد سلف، ولا في
شيء من المعاصي التي نهى عنها إلا في هذه وفي الجمع بين الأختين لأن
الجمع بين الأختين قد كان مباحا أيضا في شرع من قبلنا، وقد جمع يعقوب
بين راحيل وأختها ليا فقوله: {إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ} التفاتة إلى هذا
المعنى، وتنبيه على هذا المغزى، وهذه النكتة لقنتها من شيخنا الإمام
الحافظ أبي بكر محمد بن العربي - رحمه الله - وزيد هذا هو والد سعيد بن
زيد أحد العشرة الذين شهد لهم بالجنة وأم سعيد فاطمة بنت نعجة بن خلف
الخزاعي [عند الزبير بعجة بن أمية بن خويلد بن خالد بن اليمعر بن
خزاعة].
تفسير بعض قول ابن جحش:
وذكر قول عبد الله بن جحش حين تنصر بالحبشة: "فقحنا وصأصأتم" وشرح
ـــــــ
1 لا شك في طهارة نسبه صلى الله عليه وسلم, ولا شك في أنه كان من نكاح
صحيح بين عبد الله وآمنة, واحسن تعبير عن هذه الحقيقة جزء من حديث
أخرجه أبو نعيم: "لم يلتق أبواي قط على سفاح".
(2/229)
علماً من أهل
الكتاب وأما عبيد الله بن جحش، فأقام على ما هو عليه من الالتباس حتى
أسلم، ثم هاجر مع المسلمين إلى الحبشة ، ومعه امرأته أم حبيبة بنت أبي
سفيان مسلمة فلما قدمها تنصر وفارق الإسلام حتى هلك هنالك نصرانيا.
ما كان يفعله ابن جحش بعد تنصره بمسلمي الحبشة:
قال ابن إسحاق: فحدثني محمد بن جعفر بن الزبير ; قال "كان عبيد الله بن
جحش - حين تنصر - يمر بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم هنالك
من أرض الحبشة، فيقول فقحنا وصأصأتم" أي أبصرنا وأنتم تلتمسون البصر
ولم تبصروا بعد وذلك أن ولد الكلب إذا أراد أن يفتح عينيه لينظر صأصأ
لينظر. وقوله فقح فتح عينيه.
قال ابن إسحاق: وخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم بعده على امرأته أم
حبيبة بنت أبي سفيان بن حرب.
قال ابن إسحاق: وحدثني محمد بن علي بن حسين أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم بعث فيها إلى النجاشي عمرو بن أمية الضمري. فخطبها عليه النجاشي ;
فزوجه إياها، وأصدقها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعمائة دينار
فقال محمد بن علي: ما نرى عبد الملك بن مروان وقف صداق النساء على
أربعمائة دينار إلا عن ذلك. وكان الذي أملكها للنبي صلى الله عليه وسلم
خالد بن سعيد بن العاص.
تنصر ابن الحويرث، وذهابه إلى قيصر:
قال ابن إسحاق: وأما عثمان بن الحويرث، فقدم على قيصر ملك الروم فتنصر
ـــــــ
فقحنا بقوله فقح الجرو إذا فتح عينيه وهكذا ذكره أبو عبيد، وزاد جصص
أيضا، وذكر أبو عبيد: بصص بالباء حكاها عن أبي زيد1 وقال القالي إنما
رواه البصريون عن أبي زيد بياء منقوطة باثنتين لأن الياء تبدل من الجيم
كثيرا كما تقول أيل وأجل ولرواية أبي عبيد وجه وهو أن يكون بصص من
البصيص وهو البريق.
ـــــــ
1 في "القاموس": بصص الجرو. وانظر: "نوا در أبي زيد" ص 136.
(2/230)
قال ابن هشام:
ولعثمان بن الحويرث عند قيصر حديث منعني من ذكره ما ذكرت في حديث حرب
الفجار.
زيد بن عمرو وما وصل إليه، وشيء عنه:
قال ابن إسحاق: وأما زيد بن عمرو بن نفيل فوقف فلم يدخل في يهودية
ـــــــ
بعض الذين تنصروا:
فصل: فصل وذكر عثمان بن الحويرث مع زيد وورقة وعبيد الله بن جحش، ثم
قال وأما عثمان بن الحويرث فإنه ذهب إلى الشام ، وله فيها مع قيصر خبر
ولم يذكر ذلك الخبر، وذكر البرقي عن ابن إسحاق أن عثمان بن الحويرث قدم
على قيصر فقال له إني أجعل لك خرجا على قريش إن جاءوا الشام لتجارتهم
وإلا منعتهم فأراد قيصر أن يفعل فخرج سعيد بن العاصي بن أمية وأبو ذئب
وهو هشام بن شعبة بن عبد الله بن أبي قيس بن عبد ود بن نصر بن مالك بن
حسل بن عامر إلى الشام ، فأخذا فحبسا، فمات أبو ذئب في الحبس وأما سعيد
بن العاصي، فإنه خرج الوليد بن المغيرة، وهو أمية فتخلصوه في حديث طويل
رواه ابن إسحاق عن يعقوب بن عتبة بن المغيرة بن الأخنس وأبو ذئب الذي
ذكر هو جد الفقيه محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة بن الحارث بن أبي ذئب
يكنى: أبا الحارث من فقهاء المدينة ، وأمه بريهة بنت عبد الرحمن بن أبي
ذئب وأما الزبير فذكر أن قيصرا كان قد توج عثمان وولاه أمر مكة ، فلما
جاءهم بذلك أنفوا من أن يدينوا لملك وصاح الأسود بن أسد بن عبد العزى:
ألا إن مكة حي لقاح لا تدين لملك1 فلم يتم له مراده قال وكان يقال له
البطريق2 ولا عقب له ومات بالشام مسموما، سمه عمرو بن جفنة الغساني
الملك.
اعتزال زيد بن عمرو بن نفيل الأوثان:
فصل: وذكر اعتزال زيد الأوثان وتركه طواغيتهم وتركه أكل ما نحر [على
ـــــــ
1 أي لا تخضع للملوك.
2 في "القاموس": البطريق: ككبريت, القائد من قواد الروم, كان تحت يده
عشرة آلاف رجل.
(2/231)
ولا نصرانية
وفارق دين قومه فاعتزل الأوثان والميتة والدم والذبائح التي تذبح على
الأوثان ونهى عن قتل الموءودة وقال أعبد رب إبراهيم وبادى قومه بعيب ما
هم عليه.
ـــــــ
الأوثان]1 والنصب. روى البخاري عن محمد بن أبي بكر، قال أخبرنا فضيل بن
سليمان قال أخبرنا موسى، قال حدثني سالم بن عبد الله، عن عبد الله بن
عمر: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لقي زيد بن عمرو بن نفيل بأسفل
بلدح2 قبل أن ينزل على النبي - عليه السلام - الوحي فقدمت إلى النبي -
صلى الله عليه وسلم - سفرة أو قدمها إليه النبي صلى الله عليه وسلم
فأبى أن يأكل منها، ثم قال زيد إني لست آكل ما تذبحون على أنصابكم ولا
آكل إلا ما ذكر اسم الله عليه وأن زيد بن عمرو بن نفيل كان يعيب على
قريش ذبائحهم ويقول الشاة خلقها الله وأنزل لها من السماء الماء وأنبت
لها من الأرض الكلأ ثم تذبحونها على غير اسم الله؟ إنكارا لذلك،
وإعظاما له قال موسى بن سالم بن عبد الله: ولا أعلم إلا ما تحدث به عن
ابن عمر أن زيد بن عمرو بن نفيل خرج إلى الشام يسأل عن الدين ويتبعه
فلقي عالما من اليهود فسأله عن دينهم وقال له إني لعلي أن أدين بدينكم
فأخبروني، فقال لا تكون على ديننا، حتى تأخذ بنصيبك من غضب الله قال
زيد ما أفر إلا من غضب الله ولا أحمل من غضب الله شيئا أبدا، وأنى
أستطيعه فهل تدلني على غيره؟ قال ما أعلمه إلا أن يكون حنيفا، قال وما
الحنيف؟ قال دين إبراهيم لم يكن يهوديا ولا نصرانيا، ولا يعبد إلا الله
فخرج زيد فلقي عالما من النصارى، فذكر مثله فقال لن تكون على ديننا،
حتى تأخذ بنصيبك من لعنة الله قال ما أفر إلا من لعنة الله ولا أحمل من
لعنة الله ولا من غضبه شيئا أبدا، وأنى أستطيع فهل تدلني على غيره؟ قال
ما أعلمه إلا أن يكون حنيفا، قال وما الحنيف؟ قال دين إبراهيم لم يكن
يهوديا ولا نصرانيا، ولا يعبد إلا الله فلما رأى زيد قولهم في إبراهيم
خرج فلما برز رفع يديه فقال اللهم
ـــــــ
1 ما بين القوسين زيادة من "السيرة".
2 بلدح: واد قبل مكة من جهة المغرب, أو مكان على طريق التنعيم.
(2/232)
قال ابن إسحاق:
وحدثني هشام بن عروة عن أبيه عن أمه أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما،
قال لقد رأيت زيد بن عمرو بن نفيل شيخا كبيرا مسندا ظهره إلى الكعبة،
وهو يقول يا معشر قريش، والذي نفس زيد بن عمرو بيده ما أصبح منكم أحد
على دين إبراهيم غيري، ثم يقول اللهم لو أني أعلم أي الوجوه أحب إليك
عبدتك به ولكني لا أعلمه ثم يسجد على راحته.
ـــــــ
إني أشهدك أني على دين إبراهيم. وقال الليث كتب إلي هشام بن عروة عن
أبيه عن أسماء بنت أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - قالت رأيت زيد بن
عمرو بن نفيل قائما مسندا ظهره إلى الكعبة، يقول يا معشر قريش، والله
ما منكم على دين إبراهيم غيري، وكان يحيي الموءودة يقول للرجل إذا أراد
أن يقتل ابنته لا تقتلها، أكفيك مؤنتها، فيأخذها، فإذا ترعرعت قال
لأبيها: إن شئت دفعتها إليك، وإن شئت كفيتك مؤنتها إلى هاهنا انتهى
حديث البخاري. وفيه سؤال يقال كيف وفق الله زيدا إلى ترك أكل ما ذبح
على النصب وما لم يذكر اسم الله عليه ورسول الله - صلى الله عليه وسلم
- كان أولى بهذه الفضيلة في الجاهلية لما ثبت الله؟ فالجواب من وجهين
أحدهما: أنه ليس في الحديث حين لقيه ببلدح فقدمت إليه السفرة أن رسول
الله - صلى الله عليه وسلم - أكل منها، وإنما في الحديث أن زيدا قال
حين قدمت السفرة لا آكل مما لم يذكر اسم الله عليه الجواب الثاني1: أن
زيدا إنما فعل ذلك برأي رآه لا بشرع متقدم وإنما تقدم شرع إبراهيم
بتحريم الميتة لا بتحريم ما ذبح لغير الله وإنما نزل تحريم ذلك في
الإسلام وبعض الأصوليين يقولون الأشياء قبل ورود الشرع على الإباحة فإن
قلنا بهذا، وقلنا إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يأكل مما
ذبح على النصب فإنما فعل أمرا مباحا، وإن كان لا يأكل منها فلا إشكال
وإن قلنا أيضا: إنها ليست على الإباحة ولا على التحريم وهو الصحيح
فالذبائح خاصة لها أصل
ـــــــ
1 جواب الثاني غير مقبول, وزعمه أن ما ذبح لغير الله لم يكن محرما في
دين إبراهيم قول بغير دليل والأنصاب: أحجار كانت حول الكعبة يذبحون
عليها الأصنام.
(2/233)
قال ابن إسحاق:
وحدثت أن ابنه سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل وعمر بن الخطاب، وهو ابن
عمه قالا لرسول الله صلى الله عليه وسلم أنستغفر لزيد بن عمرو؟ قال نعم
فإنه يبعث أمة وحده.
ـــــــ
في تحليل الشرع المتقدم كالشاة والبعير ونحو ذلك مما أحله الله تعالى
في دين من كان قبلنا، ولم يقدح في ذلك التحليل المتقدم ما ابتدعوه حتى
جاء الإسلام وأنزل الله سبحانه {وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ
اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} [الأنعام: 121]. ألا ترى كيف بقيت ذبائح أهل
الكتاب عندنا على أصل التحليل بالشرع المتقدم ولم يقدح في التحليل ما
أحدثوه من الكفر وعبادة الصلبان فكذلك كان ما ذبحه أهل الأوثان محلا
بالشرع المتقدم حتى خصه القرآن بالتحريم.
زيد وصعصعة والموءودة:
فصل: وذكر خبر الموءودة وما كان زيد يفعل في ذلك وقد كان صعصعة بن
معاوية جد الفرزدق رحمه الله يفعل مثل ذلك ولما أسلم سأل رسول الله صلى
الله عليه وسلم هل لي في ذلك من أجر؟ فقال في أصح الروايتين "لك أجره
إذا من الله عليك بالإسلام" وقال المبرد في الكامل عن النبي - صلى الله
عليه وسلم - كلاما لم يصح لفظه ولا معناه ولا يشهد له أصل. والأصول
تشهد له بهذه الرواية التي ذكرناها ; لما ثبت أن الكافر إذا أسلم، وحسن
إسلامه كتب له كل حسنة كان زلفها، وهذا الحديث أخرجه البخاري، ولم يذكر
فيه كل حسنة كان زلفها، وذكرها الدارقطني وغيره ثم يكون القصاص بعد ذلك
الحسنة بعشر أمثالها، والموءودة مفعولة من وأده إذا أثقله قال الفرزدق:
ومنا الذي منع الوائدا ... ت وأحيا الوئيد فلم يوأد
يعني: جده صعصعة بن معاوية بن ناجية بن عقال بن محمد بن سفيان بن
مجاشع. وقد قيل كانوا يفعلون ذلك غيرة على البنات وما قاله الله في
القرآن هو
(2/234)
شعر زيد في
فراق دين قومه:
وقال زيد بن عمرو بن نفيل في فراق دين قومه وما كان لقي منهم في ذلك:
أربا واحدا، أم ألف رب ... أدين إذا تقسمت الأمور
عزلت اللات والعزى جميعا ... كذلك يفعل الجلد الصبور
ـــــــ
الحق من قوله: {خشية إملاق} [الإسراء: 31] وذكر النقاش في التفسير أنهم
كانوا يئدون من البنات ما كان منهن زرقاء أو برشاء أو شيماء أو كشحاء1
تشاؤما منهم بهذه الصفات قال الله تعالى: {وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ
سُئِلَتْ بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ} 2 [التكوير 8 - 9].
العزى:
فصل: وذكر شعر زيد بن عمرو وفيه:
عزلت اللات والعزى جميعا.
فأما اللات فقد تقدم ذكرها، وأما العزى، فكانت نخلات مجتمعة وكان عمرو
بن لحي قد أخبرهم - فيما ذكر - أن الرب يشتي بالطائف عند اللات، ويصيف
بالعزى، فعظموها وبنوا لها بيتا، وكانوا يهدون إليه كما يهدون إلى
الكعبة، وهي التي بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خالد بن الوليد
ليكسرها، فقال له سادتها: يا خالد احذرها;
ـــــــ
1 الزرقاء: العمياء أو من بها ذلك. البرشاء: من في لونها نقط مختلفة
حمراء, وأخرى غبراء. الشيماء: من كثرت في بدنها الشامات. الكشحاء:
الموسومة بالنار في كشحها, وقيل: الكسحاء.
2 راجع "فتح الباري". 7/115.
(2/235)
فلا العزى،
أدين ولا ابنتيها ... ولا صنمي بني عمرو أزور
ولا هبلا أدين وكان ربا ... لنا في الدهر إذ حلمي يسير
عجبت. وفي الليالي معجبات ... وفي الأيام يعرفها البصير
بأن الله قد أفنى رجالا ... كثيرا كان شأنهم الفجور
وأبقى آخرين ببر قوم ... فيربل منهم الطفل الصغير1
وبينا المرء يعثر ثاب2 يوما ... كما يتروح الغصن المطير
ولكن أعبد الرحمن ربي ... ليغفر ذنبي الرب الغفور
فتقوى الله ربكم احفظوها ... متى ما تحفظوها. لا تبوروا
ـــــــ
فإنها تجدع وتكنع فهدمها خالد وترك منها جذمها وأساسها، فقال قيمها:
والله لتعودن ولتنتقمن ممن فعل بها هذا، فذكر - والله أعلم - أن رسول
الله - صلى الله عليه وسلم - قال لخالد "هل رأيت فيها شيئا"؟ فقال لا،
فأمره أن يرجع ويستأصل بقيتها بالهدم فرجع خالد فأخرج أساسها، فوجد
فيها امرأة سوداء منتفشة الشعر تخدش وجهها، فقتلها، وهرب القيم وهو
يقول لا تعبد العزى بعد اليوم. هذا معنى ما ذكر أبو سعيد النيسابوري في
المبعث. وذكره الأزرقي أيضا ورزين.
معنى يربل:
وقوله: فيربل منهم الطفل الصغير. ألفيت في حاشية الشيخ أبي بحر ربل
الطفل يربل إذا شب وعظم. يربل بفتح الباء أي يكبر وينبت ومنه أخذ تربيل
الأرض. وقوله كما يتروح الغصن أي ينبت ورقه بعد سقوطه.
ـــــــ
1 ربل الطفل يربل (من بابي نصر وضرب): إذا شب وعظم وكبر. وفي
"الأغاني": فيربو.
2 ثاب: رجع.
(2/236)
ترى الأبرار.
دارهم جنان ... وللكفار حامية سعير
وخزي في الحياة وإن يموتوا ... يلاقوا ما تضيق به الصدور
وقال زيد بن عمرو بن نفيل أيضا - قال ابن هشام: هي لأمية بن أبي الصلت
في قصيدة له. إلا البيتين الأولين والبيت الخامس وآخرإلاه ولا رب يكون
مدانياها بيتا. وعجز البيت الأول عن غير ابن إسحاق:
إلى الله أهدي مدحتي وثنائيا ... وقولا رصينا لا يني الدهر باقيا
إلى الملك الأعلى الذي ليس فوقه ... إلاه ولا رب يكون مدانيا
ـــــــ
إعراب نعت النكرة المتقدم:
وقوله: وللكفار حامية سعير. نصب حامية على الحال من سعير لأن نعت
النكرة إذا تقدم عليها نصب على الحال وأنشد سيبويه في مثله:
لمية موحشا طلل1
وأنشد أيضا [لذي الرمة]:
وتحت العوالي والقنا مستكنة ... ظباء أعارتها العيون الجآذر
والعامل في هذا الحال الاستقرار الذي يعمل في الظرف ويتعلق به حرف الجر
وهذا الحال على مذهب أبي الحسن الأخفش لا اعتراض فيها ; لأنه يجعل
النكرة التي بعدها مرتفعة بالظرف ارتفاع الفاعل وأما على مذهب سيبويه،
فالمسألة عسيرة جدا ; لأنه يلزمه أن يجعلها حالا من المضمر في
الاستقرار لأنه معرفة فذلك أولى من أن يكون حالا من نكرة فإن قدر
الاستقرار آخر الكلام وبعد المرفوع كان ذلك فاسدا ; لتقدم الحال على
العامل المعنوي وللاحتجاج له وعليه موضع غير هذا.
ـــــــ
1 يرى ابن الحاجب في "أماليه" على أبيات "المفضل" انه يجوز أن تكون
كلمة موحشا حالا من الضمير في "ليمة" لأن جعل الحال من المعرفة أولى من
جعلها من النكرة متقدمة عليها, لأن هذا هو الكثير الشائع.
(2/237)
ألا أيها
الإنسان إياك والردى1 ... فإنك لا تخفي من الله خافيا
وإياك لا تجعل مع الله غيره ... فإن سبيل الرشد أصبح باديا
حنانيك2 إن الجن كانت رجاءهم ... وأنت إلهي ربنا ورجائيا
رضيت بك - اللهم - ربا فلن أرى ... أدين إلها غيرك الله ثانيا
أدين لرب يستجاب ولا أرى ... أدين لمن لم يسمع الدهر داعيا
وأنت الذي من فضل من ورحمة ... بعثت إلى موسى رسولا مناديا
فقلت له يا اذهب وهارون فادعوا ... إلى الله فرعون الذي كان طاغيا
وقولا له آأنت سويت هذه ... بلا وتد حتى اطمأنت كما هيا
وقولا له آأنت رفعت هذه ... بلا عمد أرفق - إذا - بك بانيا
وقولا له آأنت سويت وسطها ... منيرا، إذا ما جنه الليل هاديا
وقولا له من يرسل الشمس غدوة ... فيصبح ما مست من الأرض ضاحيا
وقولا له من ينبت الحب في الثرى ... فيصبح منه البقل يهتز رابيا
ويخرج منه حبه في رءوسه ... وفي ذاك آيات لمن كان واعيا
وأنت بفضل منك نجيت يونسا ... وقد بات في أضعاف حوت لياليا
وإني لو سبحت باسمك ربنا ... لأكثر - إلا ما غفرت - خطائيا
فرب العباد ألق سيبا ورحمة ... علي وبارك في بني وماليا
وقال زيد بن عمرو يعاتب امرأته صفية بنت الحضرمي.
ـــــــ
من معاني شعر زيد:
فصل: وأنشد أيضا لزيد:
ـــــــ
1 الردي: الهلال والموت, ليس المراد تحذيره الموت, وإنما المراد تحذيره
ما يأتي به الموت ويبديه ويكشفه من جزاء العمال.
2 حنانيك: أي حنانا بعد حنان.
(2/238)
نسب الحضرمي:
قال ابن هشام: واسم الحضرمي عبد الله أحد الصدف، واسم الصدف عمرو بن
مالك أحد السكون بن أشرس بن كندي ويقال كندة بن ثور بن مرتع بن عفير بن
عدي بن الحارث بن مرة بن أدد بن زيد بن مهسع بن عمرو بن عريب بن زيد بن
كهلان بن سبأ، ويقال مرتع بن مالك بن زيد بن كهلان بن سبأ.
ـــــــ
إلى الله أهدي مدحتي وثنائيا.
وفيه:
ألا أيها الإنسان إياك والردى.
تحذير من الردى، والردى هو الموت فظاهر اللفظ متروك وإنما هو تحذير مما
يأتي به الموت ويبديه ويكشفه من جزاء الأعمال ولذلك قال فإنك لا تخفي
من الله خافيا. وفيه:
وإني وإن سبحت باسمك ربنا ... لأكثر إلا ما غفرت خطائيا
معنى البيت: إني لأكثر من هذا الدعاء الذي هو باسمك ربنا إلا ما غفرت
"وما" بعد إلا زائدة وإن سبحت: اعتراض بين اسم إن وخبرها، كما تقول إني
لأكثر من هذا الدعاء الذي هو باسمك ربنا إلا والله يغفر لي لأفعل كذا،
والتسبيح هنا بمعنى الصلاة أي لا أعتمد وإن صليت إلا على دعائك
واستغفارك من خطاياي.
تفسير حنانيك:
وقوله حنانيك بلفظ التثنية قال النحويون يريد حنانا بعد حنان كأنهم
ذهبوا إلى التضعيف والتكرار لا إلى القصر على اثنين خاصة دون مزيد. قال
المؤلف رحمه الله ويجوز أن يريد حنانا في الدنيا، وحنانا في الآخرة
وإذا قيل هذا
(2/239)
.....................................................
ـــــــ
المخلوق نحو قول طرفة:
أبا منذر أفنيت فاستبق بعضنا ... حنانيك بعض الشر أهون من بعض
فإنما يريد حنان دفع وحنان نفع لأن كل من أمل ملكا، فإنما يؤمله ليدفع
عنه ضيرا، أو ليجلب إليه خيرا.
شريعة أدين:
وقوله: فلن أرى أدين إلها. أي أدين لإله وحذف اللام وعدى الفعل لأنه في
معنى: أعبد إلها.
حول اسم الله:
وقوله: غيرك الله برفع الهاء أراد يا ألله وهذا لا يجوز فيما فيه الألف
واللام إلا أن حكم الألف واللام في هذا اللفظ المعظم يخالف حكمها في
سائر الأسماء ألا ترى أنك تقول يا أيها الرجل ولا ينادى اسم الله بيا
أيها، وتقطع همزته في النداء فتقول يا ألله ولا يكون ذلك في اسم غيره
إلى أحكام كثيرة يخالف فيها هذا الاسم لغيره من الأسماء المعرفة ولعل
بعض ذلك أن يذكر فيما بعد - إن شاء الله - وقد استوفيناه في غير هذا
الكتاب وفيه بيت حسن لم يذكره ابن إسحاق، وذكره أبو الفرج1 في أخبار
زيد وهو:
أدين إلها يستجار ولا أرى ... أدين لمن لم يسمع الدهر داعيا
ـــــــ
1 في كتابه "الأغاني".
(2/240)
.....................................................
ـــــــ
حذف المنادى مع بقاء الياء:
وفيه فقلت: ألا يا اذهب على حذف المنادى، كأنه قال ألا يا هذا اذهب كما
قرئ ألا يا اسجدوا، يريد يا قوم اسجدوا، وكما قال غيلان:
ألا يا اسلمي يا دار مي على البلى1
وفيه: اذهب وهارون عطفا على الضمير في اذهب وهو قبيح إذا لم يؤكد ولو
نصبه على المفعول معه لكان جيدا.
تصريف اطمأنت وأشياء:
وقوله اطمأنت كما هيا، وزنه افلعلت لأن الميم أصلها أن تكون بعد الألف
لأنه من تطأمن أي تطأطأ وإنما قدموها لتباعد الهمزة التي هي عين الفعل
من همزة الوصل فتكون أخف عليهم في اللفظ كما فعلوا في أشياء حين قلبوها
في قول الخليل وسيبويه فرارا من تقارب الهمزتين. كما هيا. ما: زائدة
لتكف الكاف عن العمل وتهيئها للدخول على الجمل وهي اسم مبتدأ والخبر
محذوف التقدير كما هي عليه والكاف في موضع نصب على الحال من المصدر
الذي دل عليه اطمأن كما تقول سرت مثل سير زيد فمثل حال من سيرك الذي
سرته، وفيه أرفق إذا بك بانيا. أرفق تعجب وبك في موضع رفع لأن المعنى:
رفقت، وبانيا تمييز لأنه يصلح أن يجر بمن كما تقول أحسن بزيد من رجل
وحرف الجر متعلق بمعنى التعجب إذ قد علم أنك متعجب منه ولبسط هذا
المعنى وكشفه موضع غير هذا - إن شاء الله - وبعد قوله:
ـــــــ
1 هو لذي الرمة, غيلان بن عقبة من بني صعب بن مالك بن عبد مناة ويكنى
أبا الحارث انظر: "خزانة لأدب": 1/74. ويرى الجوهري في "الصحاح" أن
قوله تعالى: {ألا يا اسجدوا} .
(2/241)
شعر زيد في
عتاب زوجته على اتفاقها مع الخطاب في معاكسته:
قال ابن إسحاق: وكان زيد بن عمرو قد أجمع الخروج من مكة، ليضرب في
الأرض يطلب الحنيفية دين إبراهيم صلى الله عليه وسلم فكانت صفية بنت
الحضرمي كلما رأته قد تهيأ للخروج وأراده آذنت به الخطاب بن نفيل، وكان
الخطاب بن نفيل عمه وأخاه لأمه وكان يعاتبه على فراق دين قومه وكان
الخطاب قد وكل صفية به وقال إذا رأيتيه قد هم بأمر فآذنيني به - فقال
زيد:
لا تحبسيني في الهوا ... ن صفي ما دابي ودابه
إني إذا خفت الهوا ... ن مشيع ذلل ركابه
دعموص أبواب الملو ... ك وجائب للخرق نابه
ـــــــ
وقد بات في أضعاف حوت لياليا
بيت لم يذكره ابن إسحاق، ووقع في جامع ابن وهب وهو:
وأنبت يقطينا عليه برحمة ... من الله لولا ذاك أصبح ضاحيا1
صفية بنت الحضرمي:
وذكر صفية بنت الحضرمي واسم الحضرمي عبد الله بن عمار2 وسيأتي ذكر
نسبها عند ذكر أخيها بعد.
الدعموص والخرم في الشعر:
وقوله دعموص أبواب الملوك. يريد ولاجا في أبواب الملوك وأصل
ـــــــ
1 اليقطين: كل شيء ذهب بسطافي الأرض, ومنه: القرع والبطح وغيرهما,
وضاحيا: عاريا بارزا للشمس.
2 في "السيرة": ورد اسم الحضرمي: عبد الله بن عباد, ويقول الخشني:
والصواب: عماد لا عباد.
(2/242)
قطاع أسباب تذل
بغير أقران صعابه
وإنما أخذ الهوا ... ن العير إذ يوهى إهابه
ويقول إني لا أذل بصك جنبيه صلابه
وأخي ابن أمي، ثم عمي لا يواتيني خطابه
وإذا يعاتبني بسو ... ء قلت: أعياني جوابه
ولو أشاء لقلت: ما ... عندي مفاتحه وبابه
شعر زيد حين كان يستقبل الكعبة:
قال ابن إسحاق: وحدثت عن بعض أهل زيد بن عمرو بن نفيل: أن زيدا إذا كان
استقبل الكعبة داخل المسجد قال لبيك حقا حقا، تعبدا ورقا.
عذت بما عاذ به إبراهيم ... مستقبل القبلة وهو قائم
إذ قال:
ـــــــ
الدعموص سمكة صغيرة كحية الماء فاستعاره هنا، وكذلك جاء في حديث أبي
هريرة يرفعه "صغاركم دعاميص1 الجنة" وكما استعارت عائشة العصفور حين
نظرت إلى طفل صغير قد مات فقالت "طوبى له عصفور من عصافير الجنة لم
يعمل سوءا، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم "وما يدريك؟ إن الله خلق
الجنة وخلق لها أهلا، وخلق النار وخلق لها أهلا" أخرجه مسلم وفي هذه
الأبيات خرم في موضعين أحدهما قوله:
ولو أشاء لقلت ما ... عندي مفاتحه وبابه
والآخر قوله:
ـــــــ
1 رواه احمد ومسلم والبخاري في "الأدب", وقدى فسره الخشني الدعموص
بقوله: دويبة تغوص في الماء مرة بعد مرة, يشبه بها الرجل الذي يكثر
الدلوج في الشياء, فيعني انه يكثر الدخول على الملوك.
(2/243)
أنفي لك اللهم
عان راغم ... مهما تجشمني فإني جاشم
البر أبغي لا الخال، ليس مهجر كمن قال.
قال ابن هشام: ويقال: البر أبقى لا الخال1، ليس مهجر كمن2 قال. قال
وقوله:
مستقبل الكعبة عن بعض أهل العلم. قال ابن إسحاق: وقال زيد بن عمرو بن
نفيل:
وأسلمت وجهي لمن أسلمت ... له الأرض تحمل صخرا ثقالا
دحاها فلما استوت ... على الماء أرسى عليها الجبالا
وأسلمت وجهي لمن أسلمت ... له المزن تحمل عذبا زلالا
إذا هي سيقت إلى بلدة ... أطاعت فصبت عليها سجالا
الخطاب ووقوفه في سبيل زيد بن نفيل،وخروج زيد إلى الشام وموته:
وكان الخطاب قد آذى زيدا، حتى أخرجه إلى أعلى مكة ، فنزل حراء مقابل
ـــــــ
وإنما أخذ الهوان ال ... عير إذ يوهى إهابه
وقد تقدم مثل هذا في شعر ابن الزبعرى، وتكلمنا عليه هنالك بما فيه
كفاية. وقوله ويقول إني لا أذل أي يقول العير ذلك بصك جنبيه صلابه أي
صلاب ما يوضع عليه وأضافها إلى العير لأنها عبؤه وحمله.
لغويات ونحويات:
وذكر قوله البر أبغي لا الخال3 قال ابن هشام: البر أبغي: بالنصب والخال
الخيلاء والكبر وقوله ليس مهجر كمن قال أي ليس من هجر
ـــــــ
1 الخال: الخيلاء والكبر.
2 المهجر: الذي يسير في الهاجرة: أي القائلة.
3 هو في الطبراني والبزار مع اختلاف يسير.
(2/244)
مكة، ووكل به
الخطاب شبابا من شباب قريش وسفهاء من سفهائهم فقال لهم لا تتركوه يدخل
مكة ، فكان لا يدخلها إلا سرا منهم فإذا علموا بذلك آذنوا به الخطاب
فأخرجوه وآذوه كراهية أن يفسد عليهم دينهم وأن يتابعه أحد منهم على
فراقه. فقال وهو يعظم حرمته على من استحل منه ما استحل من قومه:
لاهم إني محرم لا حله ... وإن بيتي أوسط المحله
عند الصفا ليس بذي مضله
ثم خرج يطلب دين إبراهيم عليه السلام ويسأل الرهبان والأحبار حتى بلغ
الموصل والجزيرة كلها، ثم أقبل فجال الشام كله حتى انتهى إلى راهب
بميفعة من أرض البلقاء ، كان ينتهي إليه علم أهل النصرانية فيما يزعمون
فسأله عن الحنيفية دين إبراهيم فقال إنك لتطلب دينا ما أنت بواجد من
يحملك عليه اليوم ولكن قد أظل زمان نبي يخرج من بلادك التي خرجت منها،
يبعث بدين إبراهيم الحنيفية فالحق بها، فإنه مبعوث الآن هذا زمانه وقد
كان شام اليهودية والنصرانية، فلم يرض شيئا منهما، فخرج سريعا، حين قال
له ذلك الراهب ما قال يريد مكة ، حتى إذا توسط بلاد لخم، عدوا عليه
فقتلوه - فقال ورقة بن نوفل بن أسد يبكيه.
رثاء ورقة لزيد:
رشدت، وأنعمت ابن عمرو، وإنما ... تجنبت تنورا من النار حاميا
بدينك ربا ليس رب كمثله ... وتركك أوثان الطواغي كما هيا
وإدراكك الدين الذي قد طلبته ... ولم تك عن توحيد ربك ساهيا
فأصبحت في دار كريم مقامها ... تعلل فيها بالكرامة لاهيا
ـــــــ
وتكيس كمن آثر القائلة والنوم فهو من قال يقيل وهو ثلاثي، ولكن لا
يتعجب منه. لا يقال ما أقيله قال أهل النحو استغنوا عنه بما أنومه
ولذكر السر في امتناع التعجب من هذا الفعل موضع غير هذا. وقول زيد إني
محرم لا حله. محرم أي ساكن بالحرم والحلة: أهل الحل. يقال للواحد
والجميع حلة. ذكر لقاء زيد
(2/245)
تلاقي خليل
الله فيها، ولم تكن ... من الناس جبارا إلى النار هاويا
وقد تدرك الإنسان رحمة ربه ... ولو كان تحت الأرض سبعين واديا
قال ابن هشام: يروى لأمية بن أبي الصلت البيتان الأولان منها، وآخرها
بيتا في قصيدة له. وقوله "أوثان الطواغي" عن غير ابن إسحاق.
ـــــــ
الراهب بميفعة هكذا تقيد في الأصل بكسر الميم من ميفعة1 والقياس فيها:
الفتح لأنه اسم لموضع أخد من اليفاع وهو المرتفع من الأرض. وقوله شام
اليهودية والنصرانية، هو فاعل من الشم كما قال يزيد بن شيبان حين سأل
النسابة من قضاعة، ثم انصرف فقال له النسابة شاممتنا مشامة الذئب
الغنم2 ثم تنصرف. في حديث ذكره أبو علي في النوادر ومعناه استخبر
فاستعاره من الشم فنصب اليهودية والنصرانية نصب المفعول ومن خفض جعل
شام اسم فاعل من شممت، والفعل أولى بهذا الموضع كما تقدم وقول ورقة
رشدت وأنعمت ابن عمرو، أي رشدت وبالغت في الرشد كما يقال أمعنت النظر
وأنعمته، وقوله ولو كان تحت الأرض سبعين واديا بالنصب. نصب سبعين على
الحال لأنه قد يكون صفة للنكرة كما قال:
فلو كنت في جب ثمانين قامة3
وما [يكون] صفة للنكرة يكون حالا من المعرفة وهو هنا حال من البعد كأنه
ـــــــ
1 في "المراصد": بفتحالميم وبالفاء المفتوحة: قريبة من ارض البلقاء من
الشام, وهي أيضا في دار همدان باليمن.
2 الخبر في "الأمالي": 2/297. ط 2.
3 الشعر للأعشى, وهو كما في "اللسان":
لئن كنت في جب ثمانين قامة ... ورقيت أسباب السماء بسلم
وصف بالثمانين, وإن كان اسما لأنه في معنى طويل, والبيت من شواهد
سيبويه.
(2/246)
ـــــــ
قال: ولو بعد تحت الأرض سبعين. كما تقول بعد طويلا، أي بعدا طويلا،
وإذا حذفت المصدر وأقمت الصفة مقامه لم تكن إلا حالا، وقد تقدم قول
سيبويه في ذلك في مسألة ساروا رويدا ونحو هذا: داري خلف دارك فرسخا، أي
تقرب منها فرسخا إن أردت القرب وكذلك إن أردت البعد فالبعد والقرب
مقدران بالفرسخ فلو قلت: داري تقرب منك قربا مقدرا بفرسخ لكان بمنزلة
من يقول قربا كثيرا أو قليلا، فالفرسخ موضوع موضع كثير أو قليل فإعرابه
كإعرابه وكذلك قول الشاعر:
لا تعجبوا فلو ان طول قناته ... ميل إذا نظم الفوارس ميلا
أي: نظمهم نظما مستطيلا، ووضع ميلا موضع مستطيلا، فإعرابه كإعرابه فهو
وصف للمصدر وإذا أقيم الوصف مقام الموصوف في هذا الباب لم يكن حالا من
الفاعل لكن من المصدر الذي يدل الفعل عليه بلفظه نحو ساروا طويلا،
وسقيتها أحسن من سقي إبلك، ونحو ذلك.
(2/247)
|