الروض
الأنف ت السلامي
ابتداء تنزيل القرآن
قال ابن إسحاق: فابتدئ رسول الله رضي الله عنهن بالتنزيل في شهر رمضان
بقول الله عز وجل: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ
الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى
وَالْفُرْقَانِ} [البقرة: 185]. وقال الله تعالى: {إِنَّا
أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ
الْقَدْرِ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ تَنَزَّلُ
الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ
سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} [القدر: 1-5]. وقال الله
تعالى: {حم وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ
مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ
حَكِيمٍ أَمْراً مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ} [الدخان: 1
- 5]. وقال تعالى: {إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَمَا
أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى
الْجَمْعَانِ} [الأنفال: 41]. وذلك ملتقى رسول الله صلى الله عليه وسلم
والمشركين ببدر.
ـــــــ
متى نزل القرآن؟
فصل: وذكر قول الله تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ
الْقُرْآنُ} [البقرة: 185]. إلى آخر الآية مستشهدا بذلك على أن القرآن
أنزل في شهر رمضان وفي ليلة القدر من رمضان وهذا يحمل تأويلين أحدهما:
أن يكون أراد بدء النزول وأوله لأن القرآن نزل في أكثر من عشرين سنة في
رمضان وغيره والثاني: ما قاله ابن عباس: أنه نزل جملة واحدة إلى سماء
الدنيا، فجعل في بيت العزة مكنونا في الصحف المكرمة المرفوعة المطهرة
ثم نزلت منه الآية بعد الآية
(2/271)
قال ابن إسحاق:
وحدثني أبو جعفر محمد بن علي بن حسين: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
التقى هو والمشركون ببدر يوم الجمعة. صبيحة سبع عشرة من رمضان.
قال ابن إسحاق: ثم تتام الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهو
مؤمن بالله مصدق بما جاءه منه قد قبله بقبوله وتحمل منه ما حمله على
رضا العباد وسخطهم والنبوة أثقال ومؤنة لا يحملها، ولا يستطيع بها إلا
أهل القوة والعزم من الرسل بعون الله تعالى وتوفيقه لما يلقون من الناس
وما يرد عليهم مما جاءوا به عن الله سبحانه وتعالى.
__________
والسورة بعد السورة في أجوبة السائلين والنوازل الحادثة إلى أن توفي -
صلى الله عليه وسلم - وهذا التأويل أشبه بالظاهر وأصح في النقل والله
أعلم1.
حول إضافة شهر إلى رمضان:
فصل: وفي قوله تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ} [البقرة: 185] فذكر الشهر
مضافا إلى رمضان واختار الكتاب والموثقون النطق به بهذا اللفظ دون أن
يقولوا: كتب في رمضان وترجم البخاري والنسوي2 على جواز اللفظين جميعا
وأوردا حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "من صام رمضان وإذا جاء
رمضان" ، ولم يقل شهر رمضان وقد بينت أن لكل مقام مقامه ولا بد من ذكر
شهر في مقام ومن حذفه في مقام آخر والحكمة في ذكره إذا ذكر في القرآن
والحكمة أيضا في حذفه إذا حذف من اللفظ وأين يصلح الحذف ويكون أبلغ من
الذكر كل هذا مبين في كتاب "نتائج الفكر", فهناك أوردنا فيه فوائد تعجز
عنها همم أهل هذا العصر. أدناها تساوي رخلة عند من عرف قدرها، غير أنا
نشير إلى بعضها، فنقول قال سيبويه: ومما لا يكون
ـــــــ
1 ما ورد في نزول القرآن جملة واحدة إلى بيت العزة, أو إلى سماء
الدنيا, كلام لا سند له صحيح والصحيح ما ورد في القرآن: {شَهْرُ
رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ} [البقرة: 185] إلى غير
ذلك من الآيات.
2 هو أبو العباس الحسن بن سفيان النسوي, وله مسند مشهور.
(2/272)
قال فمضى رسول
الله صلى الله عليه وسلم على أمر الله على ما يلقى من قومه من الخلاف
والأذى.
ـــــــ
العمل إلا فيه كله المحرم وصفر يريد أن الاسم العلم يتناول اللفظ كله
وذلك إذا قلت: الأحد أو الاثنين فإن قلت يوم الأحد أو شهر المحرم كان
ظرفا، ولم يجر مجرى المفعولات وزال العموم من اللفظ لأنك تريد في الشهر
وفي اليوم ولذلك قال عليه السلام من صام رمضان ولم يقل شهر رمضان ليكون
العمل فيه كله وهذه إشارة إلى بعض تلك الفوائد التي أحكمناها في غير
هذا الكتاب.
(2/273)
|