الروض الأنف ت السلامي

إذنه صلى الله عليه وسلم لمسلمي مكة بالهجرة
قال ابن إسحاق: فلما أذن الله تعالى له صلى الله عليه وسلم في الحرب وبايعه هذا الحي من الأنصار على الإسلام والنصرة له ولمن اتبعه وأوى إليهم من المسلمين أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه من المهاجرين من قومه ومن معه بمكة من المسلمين بالخروج إلى المدينة والهجرة إليها، واللحوق بإخوانهم من الأنصار، وقال إن الله عز وجل قد جعل لكم إخوانا ودارا تأمنون بها. فخرجوا أرسالا، وأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة ينتظر أن يأذن له ربه في الخروج من مكة ، والهجرة إلى المدينة .
ذكر المهاجرين إلى المدينة:
هجرة أبي سلمة وزوجه وحديثها عما لقيا:
فكان أول من هاجر إلى المدينة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من المهاجرين من
ـــــــ
متى أسلم عثمان بن أبي طلحة:
فصل: وذكر هجرة أم سلمة وصحبة عثمان بن طلحة لها، وهو يومئذ على كفره وإنما أسلم عثمان في هدنة الحديبية، وهاجر قبل الفتح مع خالد بن الوليد،

(4/101)


قريش، من بني مخزوم أبو سلمة بن عبد الأسد بن هلال بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، واسمه عبد الله هاجر إلى المدينة قبل بيعة أصحاب العقبة بسنة وكان قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة من أرض الحبشة فلما آذته قريش وبلغه إسلام من أسلم من الأنصار، خرج إلى المدينة مهاجرا.
قال ابن إسحاق: فحدثني أبي إسحاق بن يسار، عن سلمة بن عبد الله بن عمر بن أبي سلمة عن جدته أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت لما أجمع أبو سلمة الخروج إلى المدينة رحل إلي بعيره ثم حملني عليه وحمل معي ابني سلمة بن أبي سلمة في حجري، ثم خرج بي يقود بي بعيره فلما رأته رجال بني المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم قاموا إليه فقالوا هذه نفسك غلبتنا عليها، أرأيت صاحبتك هذه ؟ علام نتركك تسير بها في البلاد ؟ قالت فنزعوا خطام البعير من يده فأخذوني منه. قالت وغضب عند ذلك بنو عبد الأسد، رهط أبي سلمة فقالوا: لا والله لا نترك ابننا عندها إذا نزعتموها من صاحبنا. قالت فتجاذبوا بني سلمة بينهم حتى خلعوا يده وانطلق به بنو عبد الأسد، وحبسني بنو المغيرة عندهم وانطلق زوجي أبو سلمة إلى المدينة . قالت ففرق بيني وبين زوجي وبين ابني. قالت فكنت أخرج كل غداة فأجلس بالأبطح فما أزال أبكي، حتى أمسي سنة أو قريبا منها حتى مر بي رجل من بني عمي، أحد بني المغيرة فرأى ما بي فرحمني فقال لبني المغيرة ألا تخرجون هذه المسكينة فرقتم بينها وبين زوجها وبين ولدها قالت فقالوا لي: الحقي بزوجك إن شئت. قالت ورد بنو عبد الأسد إلي عند ذلك ابني. قالت فارتحلت بعيري ثم أخذت ابني فوضعته في حجري، ثم خرجت أريد زوجي بالمدينة. قالت وما معي أحد من خلق الله. قالت فقلت: أتبلغ بمن لقيت حتى أقدم على زوجي، حتى إذا كنت بالتنعيم لقيت عثمان بن طلحة بن أبي طلحة أخا بني
ـــــــ
وقتل يوم أحد إخوته مسافع وكلاب والحارث وأبوهم وعمه عثمان بن أبي طلحة قتل أيضا يوم أحد كافرا وبيده كانت مفاتيح الكعبة ودفعها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عام الفتح إلى عثمان بن طلحة بن أبي طلحة وإلى ابن عمه شيبة بن أبي عثمان بن أبي طلحة،

(4/102)


عبد الدار فقال لي: إلى أين يا بنت أبي أمية ؟ قالت فقلت: أريد زوجي بالمدينة. قال أو ما معك أحد ؟ قالت فقلت: لا والله إلا الله وبني هذا. قال والله ما لك من مترك فأخذ بخطام البعير فانطلق معي يهوي بي، فوالله ما صحبت رجلا من العرب قط، أرى أنه كان أكرم منه كان إذا بلغ المنزل أناخ بي، ثم استأخر عني، حتى إذا نزلت استأخر ببعيري، فحط عنه ثم قيده في الشجرة، ثم تنحى إلى شجرة فاضطجع تحتها، فإذا دنا الرواح قام إلى بعيري فقدمه فرحله ثم استأخر عني، وقال اركبي. فإذا ركبت واستويت على بعيري أتى فأخذ بخطامه فقاده حتى ينزل بي. فلم يزل يصنع ذلك بي حتى أقدمني المدينة ، فلما نظر إلى قرية بني عمرو بن عوف بقباء قال زوجك في هذه القرية - وكان أبو سلمة بها نازلا - فادخليها على بركة الله ثم انصرف راجعا إلى مكة .
قال فكانت تقول والله ما أعلم أهل بيت في الإسلام أصابهم ما أصاب آل أبي سلمة، وما رأيت صاحبا قط كان أكرم من عثمان بن طلحة.
هجرة عامر وزوجه وهجرة بني جحش:
قال ابن إسحاق: ثم كان أول من قدمها من المهاجرين بعد أبي سلمة عامر بن
__________
وهو جد بني شيبة حجبة الكعبة، واسم أبي طلحة جدهم عبد الله بن عبد العزى، وقتل عثمان رحمه الله شهيدا بأجنادين في أول خلافة عمر.
هجرة بني جحش:
وذكر هجرة بني جحش وهم عبد الله وأبو أحمد واسمه عبد وقد كان أخوهم عبيد الله أسلم ثم تنصر بأرض الحبشة، وزينب بنت جحش أم المؤمنين التي كانت عند زيد بن حارثة ونزلت فيها: {فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَراً زَوَّجْنَاكَهَا} [الأحزاب: 37] وأم حبيب بنت جحش التي كانت تستحاض وكانت تحت عبد

(4/103)


ربيعة، حليف بني عدي بن كعب، معه امرأته ليلى بنت أبي حثمة بن غانم بن عبد الله بن عوف بن عبيد بن عدي بن كعب. ثم عبد الله بن جحش بن رئاب بن يعمر بن صبرة بن مرة بن كثير بن غنم بن دودان بن أسد بن خزيمة، حليف بني أمية بن عبد شمس، احتمل بأهله وبأخيه عبد بن جحش وهو أبو أحمد - وكان أبو أحمد رجلا ضرير البصر وكان يطوف مكة، أعلاها وأسفلها، بغير قائد وكان شاعرا، وكانت عنده الفرعة بنت أبي سفيان بن حرب وكانت أمه أميمة بنت عبد المطلب بن هاشم - فغلقت دار بني جحش هجرة فمر بها عتبة بن ربيعة. والعباس بن عبد المطلب، وأبو جهل بن هشام بن المغيرة وهي دار أبان بن عثمان اليوم التي بالردم وهم مصعدون إلى أعلى مكة، فنظر إليها عتبة بن ربيعة تخفق أبوابها يبابا ليس فيها ساكن فلما رآها كذلك تنفس الصعداء ثم قال:
ـــــــ
الرحمن بن عوف، وحمنة بنت جحش التي كانت تحت مصعب بن عمير، وكانت تستحاض أيضا، وقد روي أن زينب استحيضت أيضا، ووقع في الموطأ أن زينب بنت جحش التي كانت تحت عبد الرحمن بن عوف، وكانت تستحاض ولم تك قط زينب عند عبد الرحمن بن عوف، ولا قاله أحد والغلط لا يسلم منه بشر وإنما كانت تحت عبد الرحمن أختها أم حبيب ويقال فيها أم حبيبة غير أن شيخنا أبا عبد الله محمد بن نجاح أخبرني أن أم حبيب كان اسمها: زينب فهما زينبان غلبت على إحداهما الكنية فعلى هذا لا يكون في حديث الموطأ وهم ولا غلط والله أعلم. وكان اسم زينب بنت جحش: برة فسماها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زينب وكذلك زينب بنت أم سلمة ربيبته عليه السلام كان اسمها برة فسماها زينب كأنه كره أن تزكي المرأة نفسها بهذا الاسم وكان اسم جحش بن رئاب برة بضم الباء فقالت زينب لرسول الله - صلى الله عليه وسلم يا رسول الله لو غيرت اسم أبي، فإن البرة صغيرة فقيل إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لها: "لو أبوك مسلما لسميته باسم من أسمائنا أهل البيت، ولكني قد سميته جحشا. والجحش أكبر من البرة" . ذكر هذا الحديث مسندا في كتاب المؤتلف والمختلف أبو الحسن الدارقطني.

(4/104)


وكل دار وإن طالت سلامتها ... يوما ستدركها النكباء والحوب
قال ابن هشام: وهذا البيت لأبي دؤاد الإيادي في قصيدة له. والحوب التوجع.وهو موضع آخر:الحاجة ،ويقال :الحوب الإثم
قال ابن إسحاق: ثم قال عتبة أصبحت دار بني جحش خلاء من أهلها فقال أبو جهل وما تبكي عليه من قل بن قل.
قال ابن هشام: القل: الواحد. قال لبيد بن ربيعة:
كل بني حرة مصيرهم ... قل وإن أكثرت من العدد
قال ابن إسحاق: ثم قال هذا عمل ابن أخي هذا، فرق جماعتنا، وشتت أمرنا وقطع بيننا فكان منزل أبي سلمة بن عبد الأسد وعامر بن ربيعة، وعبد الله بن جحش، وأخيه أبي أحمد بن جحش على مبشر بن عبد المنذر بن نبر بقباء في بني عمرو بن عوف ثم قدم المهاجرون أرسالا، وكان بنو غنم بن دودان أهل إسلام قد <294> أوعبوا إلى المدينة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم هجرة رجالهم ونساؤهم عبد الله بن
ـــــــ
الشعر الذي تمثل به أبو سفيان:
فصل: ذكر البيت الذي تمثل به أبو سفيان حين مر بدار بني جحش تخفق أبوابها، وهو قوله:
وكل بيت وإن طالت سلامته ... يوما ستدركه النكباء والحوب
كل امرئ بلقاء الموت مرتهن ... كأنه غرض للموت منصوب
والشعر لأبي دؤاد الإيادي واسمه حنظلة بن شرقي وقيل جارية بن الحجاج ذكر دار بني جحادة، وأنها عند دار أبان بن عثمان بالردم والردم حفر بالقتلى في الجاهلية فسمي الردم، وذلك في حرب كانت بين بني جمح وبين بني الحارث بن فهر، وكانت الدبرة فيها على بني الحارث ولذلك قل عددهم فهم أقل قريش عددا.

(4/105)


جحش، وأخوه أبو أحمد بن جحش، وعكاشة بن محصن وشجاع وعقبة ابنا وهب وأربد بن جميرة.
قال ابن هشام: ويقال ابن حميرة.
قال ابن إسحاق: ومنقذ بن نباتة وسعيد بن رقيش ومحرز بن نضلة ويزيد بن رقيش، وقيس بن جابر، وعمرو بن محصن ومالك بن عمرو، وصفوان بن عمرو، وثقف بن عمرو، وربيعة بن أكثم والزبير بن عبيد، وتمام بن عبيدة وسخبرة بن عبيدة ومحمد بن عبد الله بن جحش.
هجرة نسائهم:
ومن نسائهم زينب بنت جحش، وأم حبيب بنت جحش وجذامة بنت جندل وأم قيس بنت محصن وأم حبيب بنت ثمامة وآمنة [أو أميمة] بنت رقيش وسخبرة بنت تميم وحمنة بنت جحش.
شعر أبو أحمد بن جحش في هجر بني أسد:
وقال أبو أحمد بن جحش بن رئاب وهو يذكر هجرة بني أسد بن خزيمة من قومه إلى الله تعالى وإلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وإيعابهم في ذلك حين دعوا إلى الهجرة:
ولو حلفت بين الصفا أم أحمد ... ومروتها بالله برت يمينها
لنحن الألى كنا بها، ثم لم نزل ... بمكة حتى عاد غثا سمينها
بها خيمت غنم بن دودان وابتنت ... وما إن غدت غنم وخف قطينها
إلى الله تغدو بين مثنى وواحد ... ودين رسول الله بالحق دينها
وقال أبو أحمد بن جحش أيضا:
لما رأتني أم أحمد غاديا ... بذمة من أخشى بغيب وأرهب
تقول فإما كنت لا بد فاعلا ... فيمم بنا البلدان ولتنأ يثرب
__________
.............................................

(4/106)


فقلت لها: بل يثرب اليوم وجهنا ... وما يشإ الرحمن فالعبد يركب
إلى الله وجهي والرسول ومن يقم ... إلى الله يوما وجهه لا يخيب
فكم قد تركنا من حميم مناصح ... وناصحة تبكي بدمع وتندب
ترى أن وترا نأينا عن بلادنا ... ونحن نرى أن الرغائب نطلب
دعوت بني غنم لحقن دمائهم ... وللحق لما لاح للناس ملحب
أجابوا بحمد الله لما دعاهم ... إلى الحق داع والنجاح فأوعبوا
وكنا وأصحابا لنا فارقوا الهدى ... أعانوا علينا بالسلاح وأجلبوا
كفوجين أما منهما فموفق ... على الحق مهدي، وفوج معذب
طغوا وتمنوا كذبة وأزلهم ... عن الحق إبليس فخابوا وخيبوا
ورعنا إلى قول النبي محمد ... فطاب ولاة الحق منا وطيبوا
ـــــــ
وذكر ابن إسحاق شعر أبي أحمد بن جحش وفيه:
إلى الله وجهي والرسول ومن يقم ... إلى الله يوما وجهه لا يخيب
هكذا يروى بكسر الباء على الإقواء ولو روي بالرفع لجاز على الضرورة ويكون تقديره فلا يخيب بإضمار الفاء في مذهب أبي العباس وفي مذهب سيبويه: يجوز أيضا لا على إضمار الفاء ولكن على نية التقديم للفعل على الشرط كما أنشدوا:
إنك إن يصرع أخوك تصرع
وهو مع إن أحسن لأن التقدير إنك تصرع إن يصرع أخوك، وأنشدوا أيضا:
من يفعل الحسنات الله يشكره

(4/107)


نمت بأرحام إليهم قريبة ... ولا قرب بالأرحام إذ لا نقرب
فأي ابن أخت بعدنا يأمننكم ... وأية صهر بعد صهري ترقب
ستعلم يوما أينا إذ تزايلوا ... وزيل أمر الناس للحق أصوب
قال ابن هشام: قوله: ولتنأ يثرب وقوله إذ لا نقرب عن غير ابن إسحاق.
قال ابن هشام: يريد بقوله إذ إذا، كقول الله عز وجل {إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ} قال أبو النجم العجلي:
ثم جزاه الله عنا إذ جزى ... جنات عدن في العلالي والعلا
__________
على هذا التقدير وفي الشعر أيضا:
ولا قرب بالأرحام إذ لا تقرب
وتأول ابن هشام إذ هنا بمعنى: إذا وهو خطأ من وجهين أحدهما: أن الفعل المضارع لا يحسن بعد إذا مع حرف النفي وإنما يحسن بعد إذ كقوله سبحانه {إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ} [الأنفال 49] ولو قلت: سآتيك إذا تقول كذا، كان قبيحا إذا أخرتها، أو قدمت الفعل لما في إذا من معنى الشرط وإنما يحسن هذا في حروف الشرط مع لفظ الماضي، تقول سآتيك إن قام زيد وإذا قام زيد ويقبح سآتيك إن يقم زيد لأن حرف الشرط إذا أخر ألغي وإذا ألغي لم يقع الفعل المعرب بعده غير أنه حسن في كيف نحو قوله سبحانه {يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ} [المائدة 64] و {فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ} [الروم: 48] لسر بديع لعلنا نذكره إن وجدنا لشفرتنا محزا، ويحسن الفعل المستقبل مع إذا بعد القسم كقوله تعالى: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ} [الفجر 4] لانعدام معنى الشرط فيه فهذا وجه والوجه الثاني: أن إذ بمعنى إذا غير معروف في الكلام ولا حكاه ثبت وما استشهد به من قول رؤبة ليس على ما ظن إنما معناه ثم جزاه الله ربي إن جزى، أي من أجل أن نفعني وجزى عني، كما قال تعالى: {يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئا} [البقرة: 48] ففاعل جزى: مضمر عائد

(4/108)


...............................................
__________
على الرجل الممدوح وإذ بمعنى أن المفتوحة كذا قال سيبويه في سواد الكتاب ويشهد له قوله سبحانه {بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 80] وعليه يحمل قوله سبحانه {وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ} [الزخرف 39] وغفل النسوي عما في الكتاب من هذا، وجعل الفعل المستقبل الذي بعد لن عاملا في الظرف الماضي، فصار بمنزلة من يقول سآتيك اليوم أمس وهذا هراء من القول وغفلة عما في كتاب سيبويه، وليت شعري ما يقول في قوله سبحانه {وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هَذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ} [الأحقاف: 11] فإن جوز وقوع المستقبل في الظرف الماضي على أصله الفاسد فكيف يعمل ما بعد الفاء فيما قبلها لا سيما مع السين وهو قبيح أن تقول غدا سآتيك، فإن قلت: غدا فسآتيك، فكيف إن زدت على هذا وقلت: أمس فسآتيك، وإذ على أصله بمنزلة أمس فهذه فضائح لا غطاء عليها.
فإن قال قائل فكيف الوجه في قوله سبحانه {إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ} [الأنعام: 30] وكذلك {وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُؤُوسِهِمْ} [السجدة: 12] أليس هذا كما قال ابن هشام بمعنى إذا التي تعطي الاستقبال ؟
قيل له وكيف تكون بمعنى إذا، وإذا لا يقع بعدها الابتداء والخبر، وقد قال سبحانه {وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُؤُوسِهِمْ} وإنما التقدير ولو ترى ندمهم وحزنهم في ذلك اليوم بعد وقوفهم على النار فإذ ظرف ماض على أصله ولكن بالإضافة إلى حزنهم وندامتهم فالحزن والندامة واقعان بعد المعاينة والتوقيف فقد صار وقت التوقيف ماضيا بالإضافة إلى ما بعده والذي بعده هو مفعول ترى، وهذا نحو مما يتوهم في قوله سبحانه {فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا} [الكهف: 71] فيتوهم أن إذا هاهنا بمعنى إذ لأنه حديث قد مضى، وليس كما يتوهم بل هي على بابها، والفعل بعدها مستقبل بالإضافة إلى الانطلاق لأنه بعده والانطلاق قبله ولولا حتى، ما جاز أن يقال إلا انطلقا إذ ركبا، ولكن معنى الغاية في حتى دل على أن الركوب كان بعد الانطلاق وإذا كان بعده فهو مستقبل بالإضافة إليه وكذلك مسألتنا

(4/109)


............................................
__________
الحزن وسوء الحال الذي هو مفعول لترى، وإن كان غير مذكور في اللفظ فهو بعد وقت الوقوف فوقف الوقوف ماض بالإضافة إليه وإذ لم يكن بد من حذف فكذلك نقدر حذفا في قوله تعالى: {وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ} [الأحقاف: 11] ونحوه لأنها وإن كانت بمعنى أن فلا بد لها من تعلق كأنه قال جزيتم بهذا من أجل أن ظلمتم أو من أجل أن لم يهتدوا به ضلوا.
وذكر في نساء بني جحش جذامة بنت جندل وأحسبه أراد جذامة بنت وهب بن محصن وهي المذكورة في حديث الرضاع في الموطأ وقال فيها خلف بن هشام البزار: جذامة بالذال المنقوطة هكذا ذكر عنه مسلم بن الحجاج، والمعروف جدامة بالدال وقد يقال فيها جدامة بالتشديد والجدامة قصب الزرع وأملى علينا أبو بكر الحافظ وكتبت عنه بخط يدي قال المبارك بن عبد الجبار عن أبي إسحاق البرمكي عن محمد بن زكريا بن حبويه عن أبي عمر الزاهد المطرز قال الجدامة بتشديد الدال طرف السعفة وبه سميت المرأة وكانت جدامة بنت وهب تحت أنيس بن قتادة الأنصاري وأما جدامة بنت جندل فلا تعرف في آل جحش الأسديين ولا في غيرهم ولعله وهم وقع في الكتاب وأنها بنت وهب بن محصن بنت أخي عكاشة بن محصن كما قدمنا والله أعلم.
وذكر في بني أسد ثقف بن عمرو، ويقال فيه ثقاف شهد هو وأخوه مدلاج [أو مدلج] بدرا وقتل يوم أحد شهيدا وقال موسى بن عقبة قتل يوم خيبر قتله أسير [بن رزام] اليهودي.
وذكر فيهم أم حبيب بنت ثمامة وهي مما أغفله أبو عمر في كتابه وأغفل أيضا

(4/110)


هجرة عمر وقصة عياش معه:
قال ابن إسحاق: ثم خرج عمر بن الخطاب، وعياش بن أبي ربيعة المخزومي حتى قدما المدينة. فحدثني نافع مولى عبد الله بن عمر، عن عبد الله بن عمر، عن أبيه عمر بن الخطاب، قال اتعدت، لما أردنا الهجرة إلى المدينة، أنا وعياش بن أبي
ـــــــ
ذكر ثمام بن عبيدة وهو ممن ذكره ابن إسحاق في هذه الجملة المذكورين من بني أسد.
وذكر ابن إسحاق في هذه الجملة أربد بن جميرة الأسدي بالجيم وقاله ابن هشام: حميرة بالحاء ورواه إبراهيم بن سعد عن ابن إسحاق بخلاف ما رواه البكائي وابن هشام، فقال فيه ابن حمير بتشديد الياء كأنه تصغير حمار.
وذكر فيهم محرز بن نضلة ولم يرفع نسبه وهو ابن نضلة بن عبد الله بن مرة بن غنم بن دودان بن أسد [بن خزيمة] قتل في غزوة ذي قرد شهيدا، وكان قد شهد بدرا، وكان يعرف بالأخرم ويلقب فهيرة وقال فيه موسى بن عقبة بن محرز بن وهب ولم يقل ابن نضلة.
وذكر ابن إسحاق أيضا يزيد بن رقيش، وبعضهم يقول فيه أربد ولا يصح، وهو ابن رقيش بن رئاب بن يعمر بن كبير بن غنم بن دودان وذكر فيهم ربيعة بن أكثم ولم ينسبه وهو ابن أكثم بن سخبرة بن عمرو بن نفير بن عامر بن غنم بن دودان بن أسد يكنى: أبا يزيد وكان قصيرا دحدحا قتل يوم خيبر بالنطاة قتله الحارث اليهودي.
هجرة عمر وعياش:
ذكر فيها تواعدهم التناضب بكسر الضاد كأنه جمع تنضب [واحدته تنضبة]

(4/111)


ربيعة وهشام بن العاصي بن وائل السهمي التناضب من أضاة بني غفار، فوق سرف، وقلنا: أينا لم يصبح عندها فقد حبس فليمض صاحباه. قال فأصبحت أنا وعياش بن أبي ربيعة عند التناضب، وحبس عنا هشام وفتن فافتتن.
تغرير أبي جهل والحارث بعياش:
فلما قدمنا المدينة نزلنا في بني عمرو بن عوف بقباء وخرج أبو جهل بن هشام والحارث بن هشام إلى عياش بن أبي ربيعة، وكان ابن عمهما وأخاهما لأمهما، حتى
ـــــــ
وهو ضرب من الشجر تألفه الحرباء. قال الشاعر:
إني أتيح له حرباء تنضبة ... لا يرسل الساق إلا ممسكا ساقا
ويقال لثمره الممتع وهو فنعلل أدغمت النون في الميم وظاهر قول سيبويه: أنه فعلل وأنه مما لحقته الزيادة بالتضعيف والقول الأول يقويه أن مثله الهندلع وهو نبت وتتخذ من هذا الشجر القسي كما تتخذ من النبع والشوط والشريان والسراء والأشكل ودخان التنضب ذكره أبو حنيفة في النبات. وقال الجعدي:
كأن الغبار الذي غادرت ... ضحيا دواخن من تنضب
شبه الغبار بدخان التنضب لبياضه. وقال آخر [عقيل بن علقة المري] :
وهل أشهدن خيلا كأن غبارها ... بأسفل علكد دواخن تنضب
وأضاة بني غفار على عشرة أميال من مكة، والأضاة الغدير، كأنها مقلوب من وضأة على وزن فعلة واشتقاقه من الوضاءة بالمد وهي النظافة لأن الماء ينظف,

(4/112)


قدما علينا المدينة، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم بمكة فكلماه وقالا: إن أمك قد ندرت أن لا يمس رأسها مشط حتى تراك، ولا تستظل من شمس حتى تراك، فرق لها، فقلت له يا عياش إنه والله إن يريدك القوم إلا ليفتنوك عن دينك فاحذرهم فوالله لو قد آذى أمك القمل لامتشطت ولو قد اشتد عليها حر مكة لاستظلت. قال فقال أبر قسم أمي، ولي هنالك مال فآخذه قال فقلت: والله إنك لتعلم أني لمن أكثر قريش مالا، فلك نصف مالي ولا تذهب معهما. قال فأبى علي إلا أن يخرج معهما ; فلما أبى إلا ذلك قال قلت له أما إذ قد فعلت ما فعلت، فخذ ناقتي هذه فإنه ناقة نجيبة ذلول فالزم ظهرها، فإن رابك من القوم ريب فانج عليها:
فخرج عليها معهما، حتى إذا كانوا ببعض الطريق قال له أبو جهل يا ابن أخي، والله لقد استغلظت بعيري هذا، أفلا تعقبني على ناقتك هذه ؟ قال بلى. قال فأناخ وأناخا ليتحول عليها، فلما استووا بالأرض عدوا عليه فأوثقاه وربطاه ثم دخلا به مكة، وفتناه فافتتن.
قال ابن إسحاق: فحدثني به بعض آل عياش بن أبي ربيعة: أنهما حين دخلا به مكة دخلا به نهارا موثقا، ثم قالا: يا أهل مكة، هكذا فافعلوا بسفهائكم كما فعلنا بسفيهنا هذا
__________
وجمع الأضاة إضاء وقال النابغة [في صفة الدروع] :
علين بكديون وأبطن كرة ... وهن إضاء صافيات الغلائل
[وأضيات وأضوات وأضا وإضون]. وهذا الجمع يحتمل أن يكون غير مقلوب فتكون الهمزة بدلا من الواو المكسورة في وضاء وقياس الواو المكسورة تقتضي الهمز على أصل الاشتقاق ويكون الواحد مقلوبا لأن الواو المفتوحة لا تهمز مع أن لام الفعل غير همزة وقد يجوز أن يكون الجمع محمولا على الواحد فيكون مقلوبا مثله ويقال أضاءة بالمد وقد يجمع أضاة على إضين قاله أبو حنيفة وأنشد:

(4/113)


كتاب عمر إلى هشام بن العاصي:
قال ابن إسحاق: وحدثني نافع، عن عبد الله بن عمر، عن عمر في حديثه قال فكنا نقول ما الله بقابل ممن افتتن صرفا ولا عدلا ولا توبة قوم عرفوا الله ثم رجعوا إلى الكفر لبلاء أصابهم قال وكانوا يقولون ذلك لأنفسهم. فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ، أنزل الله تعالى فيهم وفي قولنا وقولهم لأنفسهم {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ} [الزمر: 53 - 55]. قال عمر بن الخطاب: فكتبتها بيدي في صحيفة وبعثت بها إلى هشام بن العاصي قال فقال هشام بن العاصي: فلما أتتني جعلت أقرؤها بذي طوى، أصعد بها فيه وأصوب ولا أفهمها، حتى قلت اللهم فهمنيها. قال فألقى الله تعالى في
ـــــــ
محافر كأسرية الإضينا
الأسرية جمع سري وهو الجدول ويقال له أيضا: السعيد.
قول هشام بن العاص:
فصل وذكر نزول الآية {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ} [الزمر: 53] الآية في المستضعفين بمكة وقول هشام بن العاص ففاجأتني وأنا بذي طوى . طوى : مقصور موضع بأسفل مكة ، ذكر أن آدم لما أهبط إلى الهند، ومشى إلى مكة ، وجعل الملائكة تنتظره بذي طوى ، وأنهم قالوا له يا آدم ما زلنا ننتظرك هاهنا منذ ألفي سنة وروي أن آدم كان إذا أتى البيت خلع نعليه بذي طوى ، وأما ذو طواء بالمد فموضع آخر بين مكة والطائف هكذا ذكره البكري,

(4/114)


قلبي أنها إنما أنزلت فينا، وفيما كنا نقول في أنفسنا ويقال فينا. قال فرجعت إلى بعيري، فجلست عليه فلحقت برسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو بالمدينة.
خروج الوليد بن الوليد في أمر عياش وهشام:
قال ابن هشام: فحدثني من أثق به أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وهو بالمدينة: "من لي بعياش بن أبي ربيعة، وهشام بن العاصي" ؟ فقال الوليد بن الوليد بن المغيرة: أنا لك يا رسول الله بهما، فخرج إلى مكة ، فقدمها مستخفيا، فلقي امرأة تحمل طعاما، فقال لها: أين تريدين يا أمة الله ؟ قالت أريد هذين المحبوسين - تعنيهما - فتبعها حتى عرف موضعهما، وكانا محبوسين في بيت لا سقف له فلما أمسى تسور عليهما، ثم أخذ مروة. فوضعها تحت قيديهما، ثم ضربهما بسيفه فقطعهما فكان يقال لسيفه " ذو المروة ". لذلك ثم حملهما على بعيره وساق بهما، فعثر فدميت أصبعه فقال:
هل أنت إلا أصبع دميت ... وفي سبيل الله ما لقيت
ثم قدم بهما على رسول الله - صلى الله عليه وسلم المدينة.
منازل المهاجرين بالمدينة:
منزل عمر وأخيه وابنا سراقة وبنوا البكير وغير هم:
قال ابن إسحاق: ونزل عمر بن الخطاب حين قدم المدينة ، ومن لحق به من أهله وقومه وأخوه زيد بن الخطاب، وعمرو وعبد الله ابنا سراقة بن المعتمر وخنيس بن حذافة السهمي - وكان صهره على ابنته حفصة بنت عمر فخلف عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم بعده - وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل، وواقد بن عبد الله التميمي، حليف لهم وخولي بن أبي خولي ومالك بن أبي خولي حليفان لهم.
قال ابن هشام: أبو خولي من بني عجل بن لجيم بن صعب بن علي بن بكر بن وائل.
__________
...............................................

(4/115)


قال ابن إسحاق: وبنو البكير أربعة هم إياس بن البكير، وعاقل بن البكير، وعامر بن البكير، وخالد بن البكير وحلفاؤهم من بني سعد بن ليث على رفاعة بن عبد المنذر بن زنبر، في بني عمرو بن عوف بقباء وقد كان منزل عياش بن أبي ربيعة معه عليه حين قدما المدينة.
منزل طلحة وصهيب :
ثم تتابع المهاجرون، فنزل طلحة بن عبيد الله بن عثمان، وصهيب بن سنان على خبيب بن إساف أخي بلحارث بن الخزرج بالسنح. قال ابن هشام: ويقال يساف فيما أخبرني عنه ابن إسحاق. ويقال بل نزل طلحة بن عبيد الله على أسعد بن زرارة أخي بني النجار.
قال ابن هشام: وذكر لي عن أبي عثمان النهدي أنه قال بلغني أن صهيبا حين أراد الهجرة قال له كفار قريش: أتيتنا صعلوكا حقيرا، فكثر مالك عندنا، وبلغت الذي بلغت، ثم تريد أن تخرج بمالك ونفسك، والله لا يكون ذلك، فقال لهم صهيب أرأيتم إن جعلت لكم مالي أتخلون سبيلي ؟ قالوا: نعم. قال فإني جعلت لكم مالي. قال فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "ربح صهيب ربح صهيب" .
__________
وأما طوى بضم الطاء والقصر المذكور في التنزيل فهو بالشام اسم للوادي المقدس وقد قيل ليس باسم له وإنما هو من صفة التقديس أي المقدس مرتين.
نزول طلحة وصهيب على خبيب بن إساف:
فصل: وذكر نزول طلحة وصهيب على خبيب بن إساف ويقال فيه يساف بياء مفتوحة في غير رواية الكتاب وهو إساف بن عنبة ولم يكن حين نزول المهاجرين عليه مسلما في قول الواقدي بل تأخر إسلامه حتى خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى بدر قال خبيب فخرجت معه أنا ورجل من قومي، وقلنا له نكره أن يشهد قومنا مشهدا لا نشهده معهم فقال: "أسلمتما" ؟ فقلنا: لا، فقال "ارجعا، فإنا لا نستعين بمشرك".
وخبيب هو الذي خلف على بنت خارجة بعد أبي بكر الصديق واسمها:

(4/116)


منزل حمزة وزيد وأبي مرثد وابنه وأنسة وأبي كبشة :
قال ابن إسحاق: ونزل حمزة بن عبد المطلب، وزيد بن حارثة، وأبو مرثد كناز بن حصن.
قال ابن هشام: ويقال ابن حصين - وابنه مرثد الغنويان حليفا حمزة بن عبد المطلب، وأنسة وأبو كبشة، موليا رسول الله صلى الله عليه وسلم على كلثوم بن هدم أخي بنيعمرو بن عوف بقباء ويقال بل نزلوا على سعد بن خيثمة ; ويقال بل نزل حمزة بن عبد المطلب على أسعد بن زرارة أخي بني النجار. كل ذلك يقال
__________
حبيبة وهي التي يقول فيها أبو بكر عند وفاته ذو بطن بنت خارجة أراها جارية وهي بنت خارجة بن أبي زهير والجارية أم كلثوم بنت أبي بكر مات خبيب في خلافة عثمان وهو جد خبيب بن عبد الرحمن الذي يروي عنه مالك في موطئه.
أبو كبشة:
وذكر أنسة وأبا كبشة في الذين نزلوا على كلثوم بن الهدم، فأما أنسة مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم فهو من مولدي السراة ، ويكنى: أبا مسروح، وقيل أبا مشرح شهد بدرا، والمشاهد كلها مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومات في خلافة أبي بكر، وأبو كبشة اسمه سليم يقال إنه من فارس، ويقال من مولدي أرض دوس، شهد بدرا والمشاهد كلها مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومات في خلافة عمر في اليوم الذي ولد فيه عروة بن الزبير، وأما الذي كانت كفار قريش تذكره وتنسب النبي عليه السلام إليه وتقول قال ابن أبي كبشة وفعل ابن أبي كبشة، فقيل فيه أقوال قيل إنها كنية أبيه لأمه وهب بن عبد مناف، وقيل كنية أبيه من الرضاعة الحارث بن عبد العزى، وقيل إن سلمى أخت

(4/117)


منزل عبيدة وأخيه الطفيل وغيرهما:
ونزل عبيدة بن الحارث بن المطلب، وأخوه الطفيل بن الحارث، والحصين بن الحارث ومسطح بن أثاثة بن عباد بن المطلب وسويبط بن سعد بن حريملة أخو بني عبد الدار وطليب بن عمير أخو بني عبد بن قصي، وخباب مولى عتبة بن غزوان، على عبد الله بن سلمة، أخي بلعجلان بقباء.
منزل عبد الرحمن بن عوف:
ونزل عبد الرحمن بن عوف في رجال من المهاجرين على سعد بن الربيع أخي بلحارث بن الخزرج، في دار بلحارث بن الخزرج.
ـــــــ
عبد المطلب كان يكنى أبوها أبا كبشة، وهو عمرو بن لبيد وأشهر من هذه الأقوال كلها عند الناس أنهم شبهوه برجل كان يعبد الشعرى وحده دون العرب، فنسبوه إليه لخروجه عن دين قومه.
وذكر الدارقطني اسم أبي كبشة هذا في المؤتلف والمختلف فقال اسمه وجز بن غالب وهو خزاعي، وهو من بني غبشان.
وذكر نزولهم بقباء وهو مسكن بني عمرو بن عوف وهو على فرسخ من المدينة ، وهو يمد ويقصر ويؤنث ويذكر ويصرف ولا يصرف وأنشد أبو حاتم في صرفه:
ولأبغينكم قبا [و] عوارضا ... ولأقبلن الخيل لابة ضرغد
وكذلك أنشده قاسم بن ثابت في الدلائل قبا بضم القاف و [فتح] الباء وهو عند أهل العربية تصحيف منهما جميعا، وإنما هو كما أنشده سيبويه: قنا وعوارضا،

(4/118)


منزل الزبير وأبو سبرة:
ونزل الزبير بن العوام، وأبو سبرة بن أبي رهم بن عبد العزى، على منذر بن محمد بن عقبة بن أحيحة بن الجلاح بالعصبة دار بني جحجبى.
منزل مصعب:
ونزل مصعب بن عمير بن هاشم، أخو بني عبد الدار على سعد بن معاذ بن النعمام أخي بني عبد الأشهل في دار بني عبد الأشهل.
منزل أبي حذيفة وعتبة:
ونزل أبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة، وسالم مولى أبي حذيفة.
ـــــــ
لأن قنا جبل عند عوارض يقال له ولجبل آخر معه قنوان وبينهما وبين قباء مسافات وبلاد فلا يصح أن يقرن قباء الذي عند المدينة مع عوارض وقنوين وكذا قال البكري في معجم ما استعجم وأنشد [لمعقل بن ضرار بن سنان الملقب بالشماخ].
كأنها لما بدا عوارض ... والليل بين قنوين رابض
وقباء : مأخوذ من القبو وهو الضم والجمع قاله أبو حنيفة وقال القوابي: هن اللواتي يجمعن العصفر واحدتهن قابية. قال وأهل العربية يسمون الضمة من الحركات قبوا، وأما قولهم لا والذي أخرج قوبا من قابية يعنون الفرخ من البيضة فمن قال فيه قابية بتقديم الباء فهو القبو الذي يقدم ومن قال فيه قابية فهو من لفظ القوب لأنها تتقوب عنه أي تتقشر قال الكميت يصف النساء:
لهن وللمشيب ومن علاه ... من الأمثال قابية وقوب

(4/119)


قال ابن هشام: سالم مولى أبي حذيفة سائبة لثبيتة [أو نبيتة] بنت يعار بن زيد بن عبيد بن زيد بن مالك بن عوف بن عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس، سيبته فانقطع إلى أبي حذيفة بن عتبة بن ربيعة فتبناه فقيل سالم مولى أبي حذيفة ويقال كانت ثبيتة بنت يعار تحت أبي حذيفة بن عتبة فأعتقت سالما سائبة.
فقيل سالم مولى أبي حذيفة.
قال ابن إسحاق: ونزل عتبة بن غزوان بن جابر على عباد بن بشر بن وقش أخي بني عبد الأشهل في دار عبد الأشهل.
منزل عثمان:
ونزل عثمان بن عفان على أوس بن ثابت بن المنذر أخي حسان بن ثابت في
__________
وفي حديث عمر فكانت قابية قوب عامها، يعني: العمرة في أشهر الحج وقد ذكر أن قباء اسم بئر عرفت القرية بها.
سالم مولى أبي حذيفة:
فصل : وذكر سالما مولى أبي حذيفة الذي كان أبو حذيفة قد تبناه كما تبنى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زيدا، وكان سائبة أي لا ولاء عليه لأحد وذكر المرأة التي أعتقته سائبة وهي ثبيتة بنت يعار وقد قيل في اسمها بثينة ذكره أبو عمر وذكر عن الزهري أنه كان يقول فيها: بنت تعار وقال ابن شيبة في المعارف اسمها سلمى [وقال ابن حبان: يقال لها: ليلمة] ويقال في اسمها أيضا: عمرة وقد أبطل التسبيب في العتق كثير من العلماء وجعلوا الولاء لكل من أعتق أخذا بحديث النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك وحملا له على العموم ولما روي أيضا عن ابن مسعود أنه قال لا سائبة في الإسلام ورأى مالك ميراث السائبة لجماعة المسلمين ولم ير ولاءه لمن سيبه فكان للتسييب والعتق عنده حكمان مختلفان وسالم هذا هو الذي أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم سهلة بنت سهيل أن ترضعه ليحرم عليها، فأرضعته وهو ذو لحية.

(4/120)


دار بني النجار، فلذلك كان حسان يحب عثمان ويبكيه حين قتل.
وكان يقال نزل الأعزاب من المهاجرين على سعد بن خيثمة، وذلك أنه كان عزبا، فالله أعلم أي ذلك كان.
__________
فإن قيل كيف جاز له أن ينظر إلى ثديها، فقد روي في ذلك أنها حلبت له في مسعط وشرب اللبن ذكر ذلك محمد بن حبيب.

(4/121)