الروض
الأنف ت السلامي بدء إسلام
الأنصار:
رسول الله ورهط من الخزرج عند العقبة:
قال ابن إسحاق: فلما أراد الله عز وجل إظهار دينه وإعزاز نبيه صلى الله
عليه وسلم وإنجاز موعده له خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في الموسم
الذي لقيه فيه النفر من الأنصار، فعرض نفسه على قبائل العرب، كما كان
صنع في كل موسم. فبينما هو عند العقبة لقي رهطا من الخزرج أراد الله
بهم خيرا
__________
بدء إسلام الأنصار
ولم يكن الأنصار اسما لهم في الجاهلية حتى سماهم الله به في الإسلام
وهم بنو الأوس والخزرج، والخزرج: الريح الباردة وقال بعضهم وهي الجنوب
خاصة ودخول الألف واللام في الأوس على حد دخولها في التيم جمع: تيمي
وهو من باب رومي وروم لأن الأوس هي العطية أو العوض ومثل هذا إذا كان
علما لا يدخله الألف واللام ألا ترى أن كل أوس في العرب غير هذا، فإنه
بغير ألف ولام كأوس بن حارثة الطائي وغيره وكذلك أوس وأويس الذئب قال
الراجز:
(4/43)
قال ابن إسحاق:
فحدثني عاصم بن عمر بن قتادة، عن أشياخ من قومه قالوا: لما لقيهم رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال لهم من أنتم ؟ قالوا: نفر من الخزرج، قال
أمن موالي يهود ؟ قالوا: نعم قال أفلا تجلسون أكلمكم ؟ قالوا: بلى.
فجلسوا معه فدعاهم إلى الله عز وجل وعرض عليهم الإسلام وتلا عليهم
القرآن. وكان مما صنع الله لهم به في الإسلام أن يهود كانوا معهم في
بلادهم وكانوا أهل كتاب
__________
يا ليت شعري عنه والأمر عمم ... ما فعل اليوم أويس بالغنم
وأبوهم حارثة بن ثعلبة [بن عمرو مزيقياء بن عامر ماء السماء بن حارثة
الغطريف بن امرئ القيس بن ثعلبة بن مازن بن الأزدي]، وهو أيضا: والد
خزاعة على أحد القولين وأمهم قيلة بنت كاهل بن عذرة قضاعية ويقال هي
بنت جفنة واسمه علبة بن عمرو بن عامر، وقيل بنت سيع بن الهون بن خزيمة
بن مدركة قاله الزبير بن أبي بكر في كتاب أخبار المدينة.
والأنصار: جمع ناصر على غير قياس في جمع فاعل ولكن على تقدير حذف الألف
من ناصر لأنها زائدة فالاسم على تقدير حذفها: ثلاثي والثلاثي يجمع على
أفعال وقد قالوا في نحوه صاحب وأصحاب وشاهد وأشهاد.
وذكر قول النبي - صلى الله عليه وسلم - للنفر من الأنصار: "أمن موالي
يهود أنتم" ؟ أي من حلفائهم والمولى يجمع الحليف وابن العم والمعتق
والمعتق لأنه مفعل من الولاية وجاء على وزن مفعل لأنه مفزع وملجأ لوليه
فجاء على وزن ما هو في معناه.
وذكر النفر القادمين في العام الثاني الذين بايعوه بيعة النساء وقد ذكر
الله تعالى
(4/44)
وعلم وكانوا هم
أهل شرك وأصحاب أوثان وكانوا قد عزوهم ببلادهم فكانوا إذا كان بينهم
شيء قالوا لهم إن نبيا مبعوث الآن قد أظل زمانه نتبعه فنقتلكم معه قتل
عاد وإرم. فلما كلم رسول الله صلى الله عليه وسلم أولئك النفر ودعاهم
إلى الله قال بعضهم لبعض يا قوم تعلموا والله إنه للنبي الذي توعدكم به
يهود فلا تسبقنكم إليه. فأجابوه فيما دعاهم إليه بأن صدقوه وقبلوا منه
ما عرض عليهم من الإسلام وقالوا: إنا قد تركنا قومنا، ولا قوم بينهم من
العداوة والشر ما بينهم فروي أن يجمعهم الله بك، فسنقدم عليهم فندعوهم
إلى أمرك، وتعرض عليهم الذي أجبناك إليه من هذا الدين فإن يجمعهم الله
عليه فلا رجل أعز منك.
ثم انصرفوا عن رسول الله - راجعين إلى بلادهم وقد آمنوا وصدقوا.
أسماء الرهط الخزرجيين الذين التقوا بالرسول عند العقبة:
قال ابن إسحاق: وهم - فيما ذكر لي: ستة نفر من الخزرج، منهم من بني
__________
بيعة النساء في القرآن فقال: {يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لا يُشْرِكْنَ
بِاللَّهِ شَيْئاً} [الممتحنة 12] الآية فأراد ببيعة النساء أنهم لم
يبايعوه على القتال وكانت مبايعته للنساء أن يأخذ عليهن العهد والميثاق
فإذا أقررن بألسنتهن قال قد بايعتكن وما مست يده يد امرأة في مبايعة
كذلك قالت عائشة وقد روي أنهن كن يأخذن بيده في البيعة من فوق ثوب وهو
قول عامر الشعبي، ذكره عنه ابن سلام في تفسيره والأول أصح وقد ذكر أبو
بكر محمد بن الحسن المقري النقاش في صفة بيعة النساء وجها ثالثا أورد
فيه آثارا، وهو أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يغمس يده في
إناء وتغمس المرأة يدها فيه عند المبايعة فيكون ذلك عقدا للبيعة وليس
هذا <247> بالمشهور ولا هو عند أهل الحديث بالثبت غير أن ابن إسحاق
أيضا قد ذكره في رواية عن يونس عن أبان بن أبي صالح وذكر أنساب الذين
بايعوه وسنعيده في بيعة العقبة وغزاة بدر وهناك يقع التنبيه على ما
يحتاج إليه بعون الله.
(4/45)
النجار - وهو
تيم الله - ثم من بني مالك بن النجار بن ثعلبة بن عمرو بن الخزرج بن
حارثة بن عمرو بن عامر: أسعد بن زرارة بن عدس بن عبيد بن ثعلبة بن غنم
بن مالك بن النجار وهو أبو أمامة وعوف بن الحارث بن رفاعة بن سواد بن
مالك بن غنم بن مالك بن النجار وهو ابن عفراء.
قال ابن هشام: وعفراء بنت عبيد بن ثعلبة بن عبيد بن ثعلبة بن غنم بن
مالك بن النجار.
قال ابن إسحاق: ومن بني زريق بن عامر بن زريق بن عبد حارثة بن مالك بن
غضب بن جشم بن الخزرج: رافع بن مالك بن العجلان بن عمرو بن عامر بن
زريق.
قال ابن هشام: ويقال عامر بن الأزرق.
قال ابن إسحاق: ومن بني سلمة بن سعد بن علي بن ساردة بن تزيد بن جشم بن
الخزرج، ثم من بني سواد بن غنم بن كعب بن سلمة قطبة بن عامر بن حديدة
بن عمرو بن غنم بن سواد.
قال ابن هشام: عمرو بن سواد، وليس لسواد ابن يقال له غنم.
قال ابن إسحاق: ومن بني حرام بن كعب بن غنم بن كعب بن سلمة عقبة بن
عامر بن نابي بن زيد بن حرام.
ومن بني عبيد بن عدي بن غنم بن كعب بن سلمة جابر بن عبد الله بن رئاب
بن النعمان بن سنان بن عبيد.
فلما قدموا المدينة إلى قومهم ذكروا لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم
ودعوهم إلى الإسلام حتى فشا فيهم فلم يبق دار من دور الأنصار إلا وفيها
ذكر من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ـــــــ
............................................
(4/46)
العقبة الأولى
ومصعب بن عمير:
حتى إذا كان العام المقبل وافى الموسم من الأنصار اثنا عشر رجلا، فلقوه
بالعقبة وهي العقبة الأولى، فبايعوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
على بيعة النساء وذلك قبل أن تفترض عليهم الحرب.
رجال من بني النجار:
منهم من بني النجار ثم بني مالك بن النجار أسعد بن زرارة بن عدس بن
ـــــــت
وذكر في أنساب المبايعين له في العقبة الأولى في بني سلمة منهم سادرة
بن تزيد بن جشم وتزيد بتاء منقوطة باثنتين من فوق ولا يعرف في العرب
تزيد إلا هذا، وتزيد بن الحاف بن قضاعة، وهم الذين تنسب إليهم الثياب
التزيدية وأما سلمة بكسر اللام فهم من الأنصار سمي بالسلمة واحدة
السلام وهي الحجارة قال الشاعر:
ذاك خليلي وذو يعاتبني ... يرمي ورائي بالسهم والسلمة
وفي جعفي سلمة بن عمرو بن دهل بن مروان بن جعفي وفي جهينة سلمة بن نصر
بن غطفان قاله ابن حبيب النسابة في الصحابة عمرو بن سلمة أبو بريدة
الجرمي الذي أم قومه وهو ابن ست سنين أو سبع وفي الرواة عبد الله بن
سلمة وينسب إلى بني سلمة هؤلاء سلمي بالفتح كما ينسب إلى بني سلمة وهم
بطنان من بني عامر يقال لهم السلمات يقال لأحدهم سلمة الخير وللآخر
سلمة الشر ابنا قصير بن كعب بن ربيعة بن عامر وأما بنو سليمة بياء ففي
دوس، وهم بنو سليمة بن مالك بن فهم بن غنم بن دوس، وسليمة هذا هو أخو
جذيمة الأبرش وهو الذي قتل
(4/47)
عبيد بن ثعلبة
بن غنم بن مالك بن النجار وهو أبو أمامة وعوف ومعاذ ابنا الحارث بن
رفاعة بن سواد بن مالك بن غنم بن مالك بن النجار وهما ابنا عفراء
رجال العقبة الأولى من بني زريق:
ومن بني زريق بن عامر رافع بن مالك بن العجلان بن عمرو بن عامر بن زريق
وذكوان بن عبد قيس بن خلدة بن مخلد بن عامر بن زريق.
قال ابن هشام: ذكوان، مهاجري أنصاري.
رجال العقبة الأولى من بني عوف:
ومن بني عوف بن الخزرج، ثم من بني غنم بن عوف بن عمرو بن عوف بن
الخزرج، وهم القواقل عبادة بن الصامت بن قيس بن أصرم بن فهر بن
ـــــــ
أخاه مالكا بسهم قتل خطأ ويقال في النسب إليه سلمي أيضا وهو القياس وقد
قيل سليمي كما قيل في عميرة عميري.
وذكر بني جدارة من بني النجار وجدارة وخدارة أخوان وغيره يقول في جدارة
خدارة بالخاء المضمومة وهكذا قيده أبو عمرو، كذلك ذكره ابن دريد في
الاشتقاق وهو أشبه بالصواب لأنه أخو خدرة وكثيرا ما يجعلون أسماء
الإخوة مشتقة بعضها من بعض.
وذكر القواقل وهم بنو عمرو بن غنم بن مالك وذكر تسميتهم القواقل وأن
ذلك لقولهم إذا أجاروا أحدا: قوقل حيث شئت، وفي الأنصار: القواقل
والجعادر وهما بطنان من الأوس، وسبب تسميتهما: واحد في المعنى، أما
الجعادر فكانوا إذا أجاروا أحدا أعطوه سهما، وقالوا له جعدر حيث شئت،
كما كانت القواقل
(4/48)
ثعلبة بن غنم ;
وأبو عبد الرحمن وهو يزيد بن ثعلبة بن خزمة بن أصرم بن عمرو بن عمارة،
من بني غصينة من بلي، حليف لهم.
مقالة ابن هشام في اسم القواقل:
قال ابن هشام: وإنما قيل لهم القواقل لأنهم كانوا إذا استجار بهم الرجل
دفعوا له سهما، وقالوا له قوقل به بيثرب حيث شئت.
قال ابن هشام: القوقلة ضرب من المشي.
ـــــــ
تفعل وهم بنو زيد بن عمرو بن مالك بن ضبيعة [بن زيد] يقال لهم كسر
الذهب وهما جميعا من الأوس. قال الشاعر:
فإن لنا بين الجواري وليدة ... مقابلة بين الجعادر والكسر
متى تدع في الزيدين زيد بن مالك ... وزيد بن عمرو تأتها عزة الخفر
وذكر فيهم أبا الهيثم بن التيهان ولم ينسبه ولا نسبه في أهل العقبة
الثانية ولا في غزوة بدر وهو مالك بن التيهان واسم التيهان أيضا مالك
بن عتيك بن عمرو بن عبد الأعلم بن عامر بن زعون بن جشم بن الحارث بن
الخزرج بن عمرو بن مالك بن الأوس الأنصاري حليف بني عبد الأشهل كان أحد
النقباء ليلة العقبة، ثم شهد بدرا، واختلف في وقت وفاته فأصح ما قيل
فيه إنه شهد مع علي صفين وقتل فيها رحمه الله وأحسب ابن إسحاق وابن
هشام تركا نسبه على جلالته في الأنصار وشهوده هذه المشاهد كلها مع رسول
الله - صلى الله عليه وسلم - لاختلاف فيه فقد وجدت في شعر عبد الله بن
رواحة حين أضاف أبو الهيثم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في
(4/49)
رجال العقبة من
بني سالم:
قال ابن إسحاق: ومن بني سالم بن عوف بن عمرو بن الخزرج، ثم من بني
العجلان بن زيد بن غنم بن سالم العباس بن عبادة بن نضلة بن مالك بن
العجلان.
ومن بني سلمة بن سعد بن علي بن أسد بن ساردة بن تزيد بن جشم بن الخزرج،
ثم من بني حرام بن كعب بن غنم بن سلمة عقبة بن عامر بن نابي بن زيد بن
حرام.
رجال العقبة من بني سواد:
ومن بني سواد بن غنم بن كعب بن سلمة قطبة بن عامر بن حديدة بن عمرو بن
غنم بن سواد.
رجال العقبة من الأوس :
وشهدها من الأوس بن حارثة بن ثعلبة بن عمرو بن عامر ثم من بني عبد
__________
منزله ومعه أبو بكر وعمر فذبح لهم عناقا وأتاهم بقنو من رطب الحديث
بطوله فقال ابن رواحة في ذلك:
فلم أر كالإسلام عزا لأهله ... ولا مثل أضياف لأراشي معشرا
فجعل إرشيا كما ترى، والإراشي منسوب إلى إراشة في خزاعة، أو إلى إراش
بن لحيان بن الغوث فالله أعلم أهو أنصاري بالحلف أم بالنسب المذكور قبل
هذا، ونقلته من قول أبي عمر في الاستيعاب وقد قيل إنه بلوي من بني
إراشة بن فاران بن عمرو بن بلي، والهيثم في اللغة فرخ [النسر أو]،
العقاب والهيثم أيضا ضرب من العشب فيما ذكر أبو حنيفة وبه سمي الرجل
هيثما أو بالمعنى الأول وأنشد:
(4/50)
الأشهل بن جشم
بن الحارث بن الخزرج بن عمرو بن مالك بن الأوس: أبو الهيثم بن التيهان،
واسمه مالك.
قال ابن هشام: التيهان يخفف ويثقل كقوله ميث وميت.
رجال العقبة الأولى من بني عمرو
ومن بني عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس: عويم بن ساعدة.
عهد الرسول على مبايعي العقبة:
قال ابن إسحاق: وحدثني يزيد بن أبي حبيب، عن"أبي" مرثد بن عبد الله
اليزني عن عبد الرحمن بن عسيلة الصنابحي عن عبادة بن الصامت، قال كنت
__________
رعت بقران الحزن روضا منورا ... عميما من الظلاع والهيثم الجعد
ذكر بيعتهم لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - على بيعة النساء ألا
يسرقوا، ولا يزنوا إلى آخر الآية وقيل في قوله عز وجل خبرا عن بيعة
النساء {وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ} [ الممتحنة:12] أنه الولد تنسبه
إلى بعلها، وليس منه وقيل هو الاستمتاع بالمرأة فيما دون الوطء كالقبلة
والجسة ونحوها، والأول يشبه أن يبايع عليه الرجال وكذلك قيل في قوله
تعالى: {وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ} [الممتحنة:12] أنه النوح وهذا
أيضا وليس من شأن الرجال فدل على ضعف قول من خصه بالنوح وخص البهتان
بإلحاق الولد بالرجل وليس منه وقيل يفترينه بين أيديهن يعني: الكذب
وعيب الناس بما ليس فيهم وأرجلهن يعني: المشي في معصية ولا يعصينك في
معروف أي في خير تأمرهن به والمعروف اسم جامع لمكارم الأخلاق وما عرف
حسنه ولم تنكره القلوب وهذا معنى يعم الرجال والنساء وذكر ابن إسحاق في
رواية يونس فيما أخذه عليه السلام عليهن أن قال "ولا تغششن أزواجكن
قالت إحداهن وما غش أزواجنا فقال أن تأخذي من ماله فتحابي به غيره"
(4/51)
فيمن حضر
العقبة الأولى، وكنا اثني عشر رجلا، فبايعنا رسول الله صلى الله عليه
وسلم على بيعة النساء وذلك قبل أن تفترض الحرب على أن لا نشرك بالله
شيئا، ولا نسرق ولا نزني ولا نقتل أولادنا، ولا نأتي ببهتان نفتريه من
بين أيدينا وأرجلنا، ولا نعصيه في معروف. فإن وفيتم فلكم الجنة. وإن
غشيتم من ذلك شيئا فأمركم إلى الله عز وجل إن شاء عذب وإن شاء غفر.
قال ابن إسحاق وذكر ابن شهاب الزهري، عن عائذ الله بن عبد الله
الخولاني أبي إدريس أن عبادة بن الصامت حدثه أنه قال بايعنا رسول الله
صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة الأولى على أن لا نشرك بالله شيئا، ولا
نسرق ولا نزني ولا نقتل أولادنا، ولا نأتي ببهتان نفتريه من بين أيدينا
وأرجلنا، ولا نعصيه في معروف فإن وفيتم فلكم الجنة وإن غشيتم من ذلك
فأخذتم بحده في الدنيا، فهو كفارة له وإن سترتم عليه إلى يوم القيامة
فأمركم إلى الله عز وجل إن شاء عذب وإن شاء غفر.
إرسال الرسول مصعبا مع وفد العقبة:
قال ابن إسحاق: فلما انصرف عنه القوم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم
معهم
__________
هجرة مصعب بن عمير:
فصل : وذكر هجرة مصعب بن عمير وهو المقرئ وهو أول من سمي بهذا، أعني
المقرئ يكنى أبا عبد الله كان قبل إسلامه من أنعم قريش عيشا وأعطرهم
وكانت أمه شديدة الكلف به وكان يبيت وقعب الحيس عند رأسه يستيقظ فيأكل
فلما أسلم أصابه من الشدة ما غير لونه وأذهب لحمه ونهكت جسمه حتى كان
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينظر إليه وعليه فروة قد رفعها،
فيبكي لما كان يعرف من نعمته وحلفت
(4/52)
مصعب بن عمير
بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصي، وأمره أن يقرئهم القرآن
ويعلمهم الإسلام ويفقههم في الدين فكان يسمى المقرئ بالمدينة مصعبا
وكان منزله على أسعد بن زرارة بن عدس أبي أمامة.
قال ابن إسحاق: فحدثني عاصم بن عمر بن قتادة: أنه كان يصلي بهم وذلك أن
الأوس والخزرج كره بعضهم أن يؤمه بعض.
__________
أمه حين أسلم وهاجر ألا تأكل ولا تشرب ولا تستظل بظل حتى يرجع إليها،
فكانت تقف للشمس حتى تسقط مغشيا عليها، وكان بنوها يحشون فاها بشجار
وهو عود فيصبون فيه الحساء لئلا تموت وسنذكر اسمها ونسبها عند ذكره في
البدريين إن شاء الله تعالى، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
يذكره فيقول: "ما رأيت بمكة أحسن لمة ولا أرق حلة ولا أنعم نعمة من
مصعب بن عمير" ذكره الواقدي. وذكر أيضا بإسناد له قال كان مصعب بن عمير
فتى مكة شبابا وجمالا وسنا وكان أبواه يحبانه وكانت أمه تكسوه أحسن ما
يكون من الثياب وكان أعطر أهل مكة يلبس الحضرمي من النعال.
وذكر أن منزله كان على أسعد بن زرارة منزل بفتح الزاي وكذلك كل ما وقع
في هذا الباب من منزل فلان على فلان فهو بالفتح لأنه أراد المصدر ولم
يرد المكان وكذا قيده الشيخ أبو بحر بفتح الزاي وأما أم قيس بنت محصن
المذكورة في هجرة بني أسد، فاسمها آمنة وهي أخت عكاشة وهي التي ذكرت في
الموطأ وأنها أتت بابن لها صغير لم يأكل الطعام إلى رسول الله صلى الله
عليه وسلم.
(4/53)
أول جمعة أقيمت
بالمدينة
أسعدبن زرارة وإقامة أول جمعة بالمدينة:
قال ابن إسحاق: وحدثني محمد بن أبي أمامة بن سهل بن حنيف، عن أبيه أبي
أمامة عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك، قال كنت قائد أبي، كعب بن مالك،
حين ذهب بصره فكنت إذا خرجت به إلى الجمعة فسمع الأذان بها صلى على أبي
__________
أول جمعة
فصل: وذكر أول من جمع بالمدينة وهو أبو أمامة وذكر غيره أن أول من جمع
بهم مصعب بن عمير، لأنه أول من قدم المدينة من المهاجرين ثم قدم بعده
ابن أم مكتوم، وقد ذكرنا في أول الكتاب من جمع في الجاهلية بمكة فخطب
وذكر وبشر بمبعث النبي صلى الله عليه وسلم وحض على اتباعه وهو كعب بن
لؤي ويقال أنه أول من سمى العروبة الجمعة ومعنى العروبة الرحمة فيما
بلغني عن بعض أهل العلم وكانت قريش تجتمع إليه فيها فيما حكى الزبير بن
بكار، فيخطبهم فيقول أما بعد فاعلموا وتعلموا إنما الأرض لله مهاد
والجبال أوتاد والسماء بناء والنجوم سمل ثم يأمرهم بصلة الرحم ويبشرهم
بالنبي صلى الله عليه وسلم ويقول حرمكم يا قوم عظموه فسيكون له نبأ
عظيم ويخرج منه نبي كريم ثم يقول في شعر ذكره:
على غفلة يأتي النبي محمد ... فيخبر أخبارا صدوق خبيرها
صروف رأيناها تقلب أهلها ... لها عقد ما يستحيل مريرها
ثم يقول:
يا ليتني شاهد فحواء دعوته ... إذا قريش تبغي الحق خذلانا
(4/54)
أمامة أسعد بن
زرارة. قال فمكث حينا على ذلك لا يسمع الأذان للجمعة إلا صلى عليه
واستغفر له. قال فقلت في نفسي: والله إن هذا بي لعجز ألا أسأله ما له
إذا سمع الأذان للجمعة صلى على أبي أمامة أسعد بن زرارة ؟ قال فخرجت به
في يوم جمعة كما كنت أخرج فلما سمع الأذان للجمعة صلى عليه واستغفر له.
قال فقلت له يا أبت ما لك إذا سمعت الأذان للجمعة صليت على أبي أمامة ؟
قال أي بني كان أول من جمع بنا بالمدينة في هزم النبيت، من حرة بني
بياضة، يقال له نقيع الخضمات، قال قلت: وكم أنتم يومئذ ؟ قال أربعون
رجلا
__________
ظوأما أول من جمع في الإسلام فهو من ذكرنا.
نقيع الخضمات:
وذكر ابن إسحاق أنه جمع بهم أبو أمامة عند هزم النبيت في بقيع يقال له
بقيع الخضمات. بقيع بالباء وجدته في نسخة الشيخ أبي بحر وكذلك وجدته في
رواية يونس عن ابن إسحاق، وذكره البكري في كتاب معجم ما استعجم من
أسماء البقع أنه نقيع بالنون ذكره في باب النون والقاف وقال هزم
النبيت: جبل على بريد من المدينة، وفي غريب الحديث أنه عليه السلام حمى
غرز النقيع قال الخطابي: النقيع: القاع والغرز شبه الثمام وسيأتي
تفسيره فيما بعد إن شاء الله تعالى، ومعنى الخضمات من الخضم وهو الأكل
بالفم كله والقضم بأطراف الأسنان ويقال هو أكل اليابس والخضم أكل الرطب
فكأنه جمع خضمة وهي الماشية التي تخضم فكأنه سمي بذاك لخضب كان فيه
وأما البقيع بالباء فهو أقرب إلى المدينة منه بكثير وأما بقيع الخبجبة
بخاء وجيم وباءين فجاء ذكره في سنن أبي داود: والخبجبة شجرة عرف بها.
(4/55)
..............................................
__________
الجمعة
فصل وتجميع أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الجمعة وتسميتهم
إياها بهذا الاسم وكانت تسمى العروبة - كان عن هداية من الله تعالى لهم
قبل أن يؤمروا بها، ثم نزلت سورة الجمعة بعد أن هاجر رسول الله صلى
الله عليه وسلم إلى المدينة، فاستقر فرضها واستمر حكمها، ولذلك قال -
صلى الله عليه وسلم - في يوم الجمعة "أضلته اليهود والنصارى، وهداكم
الله إليه".
ذكر الكشي، وهو عبد بن حميد قال نا عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن ابن
سيرين قال جمع أهل المدينة قبل أن يقدم النبي - صلى الله عليه وسلم -
المدينة، وقبل أن تنزل الجمعة وهم الذين سموا الجمعة قال الأنصار:
لليهود يوم يجتمعون فيه كل سبعة أيام وللنصارى مثل ذلك فهلم فلنجعل
يوما نجتمع فيه ونذكر الله ونصلي ونشكر أو كما قالوا، فقالوا: يوم
السبت لليهود ويوم الأحد للنصارى، فاجعلوا يوم العروبة كانوا يسمون يوم
الجمعة يوم العروبة فاجتمعوا إلى أسعد بن زرارة فصلى بهم يومئذ ركعتين
فذكرهم فسموا الجمعة حين اجتمعوا إليه فذبح لهم شاة فتغدوا وتعشوا من
شاة وذلك لقلتهم فأنزل الله - عز وجل - في ذلك {إِذَا نُودِيَ
لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ}
[الجمعة 9].
قال المؤلف ومع توفيق الله لهم إليه فيبعد أن يكون فعلهم ذلك عن غير
إذن من النبي - صلى الله عليه وسلم - لهم فقد روى الدارقطني عن عثمان
بن أحمد بن السماك قال نا أحمد بن محمد بن غالب الباهلي، قال نا محمد
بن عبد الله أبو زيد المدني، قال نا المغيرة بن عبد الرحمن، قال حدثني
مالك عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس، قال أذن النبي
صلى الله عليه وسلم بالجمعة قبل أن يهاجر ولم يستطع رسول الله - صلى
الله عليه وسلم - أن يجمع بمكة ولا يبدي لهم فكتب إلى مصعب بن عمير:
أما بعد فانظر اليوم الذي تجهر فيه اليهود بالزبور لسبتهم فاجمعوا
نساءكم وأبناءكم فإذا
(4/56)
...................................................
__________
مال النهار عن شطره عند الزوال من يوم الجمعة فتقربوا إلى الله بركعتين
قال فأول من جمع: مصعب بن عمير، حتى قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم
- المدينة، فجمع عند الزوال من الظهر وأظهر ذلك ومعنى قول النبي - صلى
الله عليه وسلم – "أضلته اليهود والنصارى، وهداكم الله إليه" فيما ذكر
أهل العلم أن اليهود أمروا بيوم من الأسبوع يعظمون الله فيه ويتفرغون
لعبادته فاختاروا من قبل أنفسهم السبت فألزموه في شرعهم كذلك النصارى
أمروا على لسان عيسى بيوم من الأسبوع فاختاروا من قبل أنفسهم الأحد
فألزموه شرعا لهم.
قال المؤلف: وكان اليهود إنما اختاروا السبت لأنهم اعتقدوه اليوم
السابع ثم زادوا لكفرهم أن الله استراح فيه تعالى الله عن قولهم لأن
بدء الخلق عندهم الأحد وآخر الستة الأيام التي خلق الله فيها الخلق
الجمعة وهو أيضا مذهب النصارى، فاختاروا الأحد لأنه أول الأيام في
زعمهم وقد شهد الرسول - صلى الله عليه وسلم - للفريقين بإضلال اليوم
وقال في صحيح مسلم: "إن الله خلق التربة يوم السبت" فبين أن أول الأيام
التي خلق الله فيها الخلق السبت وآخر الأيام الستة إذا الخميس وكذلك
قال ابن إسحاق فيما ذكر عنه الطبري، وفي الأثر أن يوم الجمعة سمي
الجمعة لأنه جمع فيه خلق آدم روي ذلك عن سلمان وغيره وقد قدمنا في حديث
الكشي أن الأنصار سموه جمعة لاجتماعهم فيه فهداهم الله إلى التسمية
وهداهم إلى اختيار اليوم وموافقة الحكمة أن الله تعالى لما بدأ فيه خلق
أبينا آدم وجعل فيه بدء هذا الجنس وهو البشر وجعل فيه أيضا فناءهم
وانقضاءهم إذ فيه تقوم الساعة وجب أن يكون يوم ذكر وعبادة لأنه تذكرة
بالمبدأ وتذكرة بالمعاد وانظر إلى قوله تعالى: {فَاسَعَوْا إِلَى
ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ} [الجمعة 9] وخص البيع لأنه يوم
يذكر باليوم الذي لا بيع فيه ولا خلة مع أنه وتر للأيام التي قبله في
الأصح من القول والله يحب الوتر لأنه من أسمائه فكان من هدى الله لهذه
الأمة أن ألهموا إليه ثم أقروا عليه
(4/57)
.................................................
__________
لما وافقوا الحكمة فيه فهم الآخرون السابقون يوم القيامة كما قال عليه
السلام كما أن اليوم الذي اختاروه سابق لما اختارته اليهود والنصارى،
ومتقدم عليه ولذلك كان يقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم سورة السجدة
في صبح يوم الجمعة رواه سعيد بن إبراهيم عن الأعرج عن أبي هريرة ورواه
مسلم البطين عن سعيد بن جبير عن ابن عباس كلاهما عن النبي - صلى الله
عليه وسلم - ورواه عن سعيد بن جبير أيضا عروة بن عبد الرحمن ذكره
البزار، ورواه الترمذي في كتاب العلل له عن الأحوص ورواه أيضا عن أبي
الأحوص وعن علقمة عن عبد الله بن مسعود عن رسول الله صلى الله عليه
وسلم لما فيه من ذكر الستة الأيام واتباعها بذكر خلق آدم من طين وذلك
في يوم الجمعة تنبيها منه عليه السلام على الحكمة وتذكرة للقلوب بهذه
الموعظة.
وأما قراءته {هَلْ أَتَى عَلَى الْأِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ}
[الإنسان:1] في الركعة الثانية فلما فيها من ذكر السعي وشكر الله لهم
عليه يقول {وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً} [الإنسان:22] مع ما في
أولها من ذكر بدء خلق الإنسان وأنه لم يكن قبل شيئا مذكورا، وقد قال في
يوم الجمعة {فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة:9] فنبه بقراءته
إياها على التأهب للسعي المشكور عليه والله أعلم ألا ترى أنه كان كثيرا
ما يقرأ في صلاة الجمعة أيضا ب {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} [
الغاشية:1] وذلك أن فيها: {لِسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ} [الغاشية:9]كما في
سورة الجمعة:9 {فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} فاستحب عليه السلام
أن يقرأ في الثانية ما فيه رضاهم بسعيهم المأمور به في السورة الأولى.
(4/58)
..............................................
__________
لفظ الجمعة:
ولفظ الجمعة مأخوذ من الاجتماع كما قدمنا وكان على وزن فعلة وفعلة لأنه
في معنى قربة وقربة والعرب تأتي بلفظ الكلمة على وزن ما هو في معناها،
وقالوا: عمرة فاشتقوا اسمها من عمارة المسجد الحرام، وبنوه على فعلة
لأنها وصلة وقربة إلى الله ولهذا الأصل فروع في كلام العرب، ونظائر
لهذين الاسمين يفيتنا تتبعه عما نحن بسبيله وفيما قدمناه ما هو أكثر من
لمحة دالة وقالوا في الجمعة جمع بتشديد الميم كما قالوا عيد إذا شهد
العيد وعرف إذا شهد عرفة ولا يقال في غير الجمعة إلا جمع بالتخفيف وفي
البخاري: أول من عرف بالبصرة ابن عباس، والتعريف إنما هو بعرفات فكيف
بالبصرة ولكن معناه أنه رضي الله عنه إذا صلى العصر يوم عرفة أخذ في
الدعاء والذكر والضراعة إلى الله تعالى إلى غروب الشمس كما يفعل أهل
عرفة.
أيام الأسبوع:
وليس في تسميته هذه الأيام والاثنين إلى الخميس ما يشد قول من قال إن
أول الأسبوع الأحد وسابعها السبت كما قال أهل الكتاب لأنها تسمية طارئة
وإنما كانت أسماؤها في اللغة القديمة شيار وأول وأهون وجبار ودبار
ومؤنس والعروبة وأسماؤها بالسريانية قبل هذا أبو جاد هوز حطي إلى
آخرها، ولو كان الله تعالى ذكرها في القرآن بهذه الأسماء المشتقة من
العدد لقلنا: هي تسمية صادقة على المسمى بها، ولكنه لم يذكر منها إلا
الجمعة والسبت وليسا من المشتقة من العدد ولم يسمها رسول الله صلى الله
عليه وسلم - بالأحد والاثنين إلى سائرها إلا حاكيا للغة قومه لا مبتدئا
(4/59)
................................................
__________
لتسميتها، ولعل قومه أن يكونوا أخذوا معاني هذه الأسماء من أهل الكتاب
المجاورين لهم فألقوا عليها هذه الأسماء اتباعا لهم وإلا فقد قدمنا ما
ورد في الصحيح من قوله عليه السلام "إن الله خلق التربة يوم السبت
والجبال يوم الأحد" الحديث والعجب من الطبري على تبحره في العلم كيف
خالف مقتضى هذا الحديث وأعنف في الرد على ابن إسحاق وغيره ومال إلى قول
اليهود في أن الأحد هو الأول ويوم الجمعة سادس لا وتر وإنما الوتر في
قولهم يوم السبت مع ما ثبت من قوله عليه السلام "أضلته اليهود
والنصارى، وهداكم الله إليه" وما احتج به الطبري من حديث آخر فليس في
الصحة كالذي قدمناه وقد يمكن فيه التأويل أيضا، فقف بقلبك على حكمة
الله تعالى في تعبد الخلق به لما فيه من التذكرة بإنشاء هذا الجنس
ومبدئه كما قدمنا، ولما فيه أيضا من التذكرة بأحدية الله سبحانه
وانفراده قبل الخلق بنفسه فإنك إذا كنت في الجمعة وتفكرت في كل جمعة
قبله حتى يترقى وهمك إلى الجمعة التي خلق فيها أبوك آدم ثم فكرت في
الأيام الستة التي قبل يوم الجمعة وجدت في كل يوم منها جنسا من
المخلوقات موجودا إلى السبت ثم انقطع وهمك فلم تجد في الجمعة التي تلي
ذلك السبت وجودا إلا للواحد الصمد الوتر فقد ذكرت الجمعة من تفكر
بوحدانية الله وأوليته فوجب أن يؤكد في هذا اليوم توحيد القلب للرب
بالذكر له كما قال تعالى: {فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا
الْبَيْعَ} [الجمعة:9] الجمعة. وأن يتأكد ذلك الذكر بالعمل وذلك بأن
يكون العمل مشاكلا لمعنى التوحيد فيكون الاجتماع في مسجد واحد من
المساجد وإلى إمام واحد من الأئمة ويخطب ذلك الإمام فيذكر بوحدانية
الله تعالى وبلقائه فيشاكل الفعل القول والقول المعتقد فتأمل هذه
الأغراض بقلبك، فإنها تذكرة بالحق وقد زدنا على ما شرطنا في أول الكتاب
معاني لم تكن هنالك وعدنا بها، ولكن الكلام يفتح بعضه باب بعض ويحدو
المتكلم
(4/60)
أسعد بن زرارة
،ومصعب بن عمير ، وإسلام سعد بن معاذ وأسيد بن حضير:
قال ابن إسحاق: وحدثني عبيد الله بن المغيرة بن معيقب وعبد الله بن أبي
بكر بن محمد بن عمرو بن حزم: أن أسعد بن زرارة خرج بمصعب بن عمير يريد
به دار بني عبد الأشهل، ودار بني ظفر، وكان سعد بن معاذ بن النعمان بن
امرئ القيس بن زيد بن عبد الأشهل ابن خالة أسعد بن زرارة فدخل به حائطا
من حوائط بني ظفر.
قال ابن هشام: واسم ظفر كعب بن الحارث بن الخزرج بن عمرو بن مالك بن
الأوس - قالا: على بئر يقال لها: بئر مرق، فجلسا في الحائط، واجتمع
إليهما رجال ممن أسلم، وسعد بن معاذ، وأسيد بن حضير يومئذ سيدا قومهما
من بني عبد الأشهل وكلاهما مشرك على دين قومه فلما سمعا به قال سعد بن
معاذ لأسيد بن
__________
قصد البيان إلى الإطالة ولا بأس بالزيادة من الخير والله المستعان.
إسلام سعد بن معاذ وأسيد بن حضير
وسمع أهل مكة هاتفا يهتف ويقول قبل إسلام سعد
فإن يسلم السعدان يصبح محمد ... بمكة لا يخشى خلاف المخالف
فحسبوا أنه يريد بالسعدين القبيلتين سعد هذيم من قضاعة، وسعد بن زيد
مناة بن تميم، حتى سمعوه يقول:
فيا سعد سعد الأوس كن أنت ناصرا ... ويا سعد سعد الخزرجين الغطارف
أجيبا إلى داعي الهدى وتمنيا ... على الله في الفردوس منية عارف
فعلموا حينئذ أنه يريد سعد بن معاذ وسعد بن عبادة.
(4/61)
حضير لا أبالك
لك، انطلق إلى هذين الرجلين اللذين قد أتيا دارينا ليسفها ضعفاءنا
فازجرهما وانههما عن أن يأتيا دارينا، فإنه لولا أن أسعد بن زرارة مني
حيث قد علمت كفيتك ذلك هو ابن خالتي، ولا أجد عليه مقدما، قال فأخذ
أسيد بن حضير حربته ثم أقبل إليهما، فلما رآه أسعد بن زرارة قال لمصعب
بن عمير هذا سيد قومه قد جاءك، فاصدق الله فيه قال مصعب إن يجلس أكلمه.
قال فوقف عليهما متشتما، فقال ما جاء بكما إلينا تسفهان ضعفاءنا ؟
اعتزلانا إن كانت لكما بأنفسكما حاجة فقال له مصعب أو تجلس فتسمع فإن
رضيت أمرا قبلته، وإن كرهته كف عنك ما تكره ؟ قال أنصفت، ثم ركز حربته
وجلس إليهما، فكلمه مصعب بالإسلام وقرأ عليه القرآن فقالا: فيما يذكر
عنهما: والله لعرفنا في وجهه الإسلام قبل أن يتكلم في إشراقه وتسهله ثم
قال ما أحسن هذا الكلام وأجمله كيف تصنعون إذا أردتم أن تدخلوا في هذا
الدين ؟ قالا له تغتسل فتطهر وتطهر ثوبيك، ثم تشهد شهادة الحق
__________
هل يغتسل الكافر إذا أسلم ؟
وذكر فيه اغتسالهما حين أسلما بأمر مصعب بن عمير لهما بذلك فذلك السنة
في كل كافر يسلم ثم اختلف في نية الكافر إذا أسلم باغتساله فقال بعضهم
ينوي به رفع الجنابة عن نفسه وقال بعضهم ينوي التعبد ولا حكم للجنابة
في حقه لأن معنى الأمر به استباحة الصلاة والكافر لا يصلي، وإن كان
مخاطبا في أصح القولين ولكنه أمر مشروط بالإيمان فإذا لم يكن الإيمان
وهو الشرط الأول فأجدر بأن يكون - الشرط الثاني - وهو الغسل من الجنابة
غير مقيد بشيء فإذا أسلم هدم الإسلام ما كان قبله فلم يجب عليه إعادة
صلاة مضت وإذا سقطت الصلوات سقطت عنها شروطها، واستأنف الأحكام الشرعية
فتجب عليه الصلوات من حين يسلم بشروط أدائها من وضوء وغسل من جنابة إذا
أجنب بعد إسلامه وغير ذلك من شروط صحة الصلاة ورأيت لبعض المتأخرين أن
اغتساله سنة لافريضة وليس عندي بالبين لأن الله سبحانه يقول ِ{نَّمَا
الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} [التوبة 28] وحكم النجاسة إنما يرفع بالطهارة
ولم يحكم عليهم بالتنجيس لموضع الجنابة لأنه قد علق
(4/62)
ثم تصلي. فقام
فاغتسل وطهر ثوبيه وتشهد شهادة الحق ثم قام فركع ركعتين ثم قال لهما:
إن ورائي رجلا إن اتبعكما لم يتخلف عنه أحد من قومه وسأرسله إليكما
الآن سعد بن معاذ ثم أخذ حربته وانصرف إلى سعد وقومه وهم جلوس في
ناديهم فلما نظر إليه سعد بن معاذ مقبلا، قال أحلف بالله لقد جاءكم
أسيد بغير الوجه الذي ذهب به من عندكم فلما، وقف على النادي قال له سعد
ما فعلت ؟ قال كلمت الرجلين فوالله ما رأيت بهما بأسا، وقد نهيتهما
فقالا: نفعل ما أحببت، وقد حدثت أن بني حارثة قد خرجوا إلى أسعد بن
زرارة ليقتلوه وذلك أنهم قد عرفوا أنه ابن خالتك، ليخفروك قال فقام سعد
مغضبا مبادرا، تخوفا للذي ذكر له من بني حارثة فأخذ الحربة من يده ثم
قال والله ما أراك أغنيت شيئا، ثم خرج إليهما، فلما رآهما سعد مطمئنين
عرف سعد أن أسيدا إنما أراد منه أن يسمع منهما، فوقف عليهما متشتما، ثم
قال لأسعد بن زرارة يا أبا أمامة لولا ما بيني وبينك من القرابة ما رمت
هذا مني، أتغشانا في دارينا بما نكره - وقد قال أسعد بن زرارة لمصعب بن
عمير أي مصعب جاءك والله سيد من ورائه من قومه إن يتبعك لا يتخلف عنك
منهم اثنان - قال فقال له مصعب أو تقعد فتسمع فإن رضيت أمرا ورغبت فيه
قبلته، وإن كرهته عزلنا عنك ما تكره ؟ قال سعد أنصفت ثم ركز الحربة
وجلس فعرض عليه الإسلام وقرأ عليه القرآن قالا: فعرفنا والله في وجهه
الإسلام قبل أن يتكلم لإشراقه وتسهله ثم قال لهما: كيف تصنعون إذا أنتم
أسلمتم ودخلتم
__________
الحكم بصفة الشرك. والحكم المعلل بالصفة مرتبط بها فإذا ارتفع حكم
الشرك بالإيمان لم يبق للجنابة حكم كما إذا كان المسلم جنبا، ثم بال
فالطهور من الجنابة يرفع عنه حكم الحدث الأصغر وهو حدث الوضوء لأن
الطهارة الصغرى داخلة في الكبرى، وتطهره من تنجيس الشرك بإيمانه هو
أيضا بالإضافة إلى الطهر من الجنابة الطهارة الكبرى، فينبغي أن تكون
مغنية عنها، كما كانت الطهارة من الجنابة مغنية عن الطهارة من الحدث إذ
ليست واحدة من هذه الطهارات مزيلة لعين نجاسة فيها، فينبغي بعد هذا أن
أمره بالاغتسال تعبد والحكم بأنه غير فرض تحكم والله أعلم
(4/63)
في هذا الدين ؟
قالا: تغتسل فتطهر وتطهر ثوبيك، ثم تشهد شهادة الحق ثم تصلي ركعتين قال
فقام فاغتسل وطهر ثوبيه وتشهد شهادة الحق ثم ركع ركعتين ثم أخذ حربته
فأقبل عامدا إلى نادي قومه ومعه أسيد بن حضير.
قال فلما رآه قومه مقبلا، قالوا: نحلف بالله لقد رجع إليكم سعد بغير
الوجه الذي ذهب به من عندكم فلما وقف عليهم قال يا بني عبد الأشهل كيف
تعلمون أمري فيكم ؟ قالوا: سيدنا وأفضلنا رأيا، وأيمننا نقيبة قال فإن
كلام رجالكم ونسائكم علي حرام حتى تؤمنوا بالله وبرسوله.
قالا: فوالله ما أمسى في دار بني عبد الأشهل رجل ولا امرأة إلا مسلما
ومسلمة ورجع أسعد ومصعب إلى منزل أسعد بن زرارة فأقام عنده يدعو الناس
إلى الإسلام حتى لم تبق دار من دور الأنصار إلا وفيها رجال ونساء
مسلمون إلا ما كان من دار بني أمية بن زيد وخطمة ووائل وواقف وتلك أوس
الله وهم من الأوس بن حارثة وذلك أنه كان فيهم أبو قيس بن الأسلت وهو
صيفي، وكان شاعرا لهم قائدا يستمعون منه ويطيعون فوقف بهم عن الإسلام
فلم يزل على ذلك حتى هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة،
ومضى بدر وأحد والخندق، وقال فيما رأى من الإسلام وما اختلف الناس فيه
من أمره
أرب الناس أشياء ألمت ... يلف الصعب منها بالذلول
أرب الناس أما إذ ضللنا ... فيسرنا لمعروف السبيل
__________
غير أن الترمذي خرج حديث قيس بن عاصم حين أسلم فأمره رسول الله صلى
الله عليه وسلم أن يغتسل. قال الترمذي: وعلى هذا العمل عند أهل العلم
يستحبون للكافر إذا أسلم أن يغتسل ويغسل ثيابه فقال يستحبون وجعلها
مسألة استحباب.
من شرح شعر ابن الأسلت:
فصل: وذكر شعر أبي قيس بن الأسلت وفيه قوله:
(4/64)
فلولا ربنا كنا
يهودا ... وما دين اليهود بذي شكول
ولولا ربنا كنا نصارى ... مع الرهبان في جبل الجليل
ولكنا خلقنا إذ خلقنا ... حنيفا ديننا عن كل جيل
نسوق الهدي ترسف مذعنات ... مكشفة المناكب في الجلول
قال ابن هشام: أنشدني قوله فلولا ربنا، وقوله لولا ربنا، وقوله مكشفة
المناكب في الجلول رجل من الأنصار، أو من خزاعة.
أمر العقبة الثانية:
مصعب بن عمير والعقبة الثانية:
قال ابن إسحاق: ثم إن مصعب بن عمير رجع إلى مكة ، وخرج من خرج من
__________
ولولا ربنا كنا يهودا ... وما دين اليهود بذي شكول
أراد جمع: شكل وشكل الشيء - بالفتح - هو مثله والشكل بالكسر الدل
والحسن فكأنه أراد أن دين اليهود بدع فليس له شكول أي ليس له نظير في
الحقائق ولا مثيل يعضده من الأمر المعروف المقبول وقد قال الطائي:
وقلت: أخي، قالوا: أخ من قرابة ... فقلت لهم إن الشكول أقارب
قريبي في رأيي وديني ومذهبي ... وإن باعدتنا في الخطوب المناسب
وقال فيه مع الرهبان في جبل الجليل الجليل بالجيم الثمام وهذا الجبل من
جبال الشام معروف بهذا الاسم.
(4/65)
الأنصار
المسلمين إلى الموسم مع حجاج قومهم من أهل الشرك حتى قدموا مكة ،
فواعدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم العقبة، من أوسط أيام التشريق
حين أراد الله بهم ما أراد من كرامته والنصر لنبيه وإعزاز الإسلام
وأهله وإذلال الشرك وأهله.
البراء بن معرور وصلاة الكعبة:
قال ابن إسحاق: حدثني معبد بن كعب بن مالك بن أبي كعب بن القين أخو بني
سلمة أن أخاه عبد الله بن كعب وكان من أعلم الأنصار، حدثه أن أباه كعبا
حدثه وكان كعب ممن شهد العقبة وبايع رسول الله صلى الله عليه وسلم بها،
قال خرجنا في حجاج قومنا من المشركين وقد صلينا وفقهنا، ومعنا البراء
بن معرور، سيدنا وكبيرنا، فلما وجهنا لسفرنا، وخرجنا من المدينة ، قال
البراء لنا: يا هؤلاء إني قد رأيت رأيا، فوالله ما أدري، أتوافقونني
عليه أم لا ؟ قال قلنا: وما ذاك ؟ قد رأيت أن لا أدع هذه البنية مني
بظهر يعني: الكعبة، وأن أصلي إليها. قال فقلنا، والله ما بلغنا أن
نبينا صلى الله عليه وسلم يصلي إلا إلى الشام ، وما نريد أن نخالفه.
قال فقال إني لمصل إليها قال فقلنا له لكنا لا نفعل. قال فكنا إذا حضرت
الصلاة صلينا إلى الشام ، وصلى إلى الكعبة، حتى قدمنا مكة . قال وقد
كنا عبنا عليه ما صنع وأبى إلا الإقامة على ذلك فلما قدمنا مكة قال لي:
يا ابن أخي، انطلق بنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نسأله عما
صنعت في سفري هذا، فإنه والله لقد وقع في نفسي منه شيء لما رأيت من
خلافكم إياي فيه. قال فخرجنا نسأل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
وكنا لا نعرفه ولم نره قبل ذلك فلقينا رجلا من أهل مكة، فسألناه عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال هل تعرفانه ؟ فقلنا:
__________
ذكر البراء بن معرور، وصلاته إلى القبلة :
ذكر حديث كعب بن مالك حين حج في نفر من قومه مع البراء بن معرور،
فكانوا يصلون إلى بيت المقدس، وكان البراء يصلي إلى الكعبة الحديث -
إلى قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم: "قد كنت على قبلة لو صبرت
عليها" فقه قوله لو صبرت عليها: أنه لم يأمره بإعادة ما قد صلى ; لأنه
كان متأولا.
(4/66)
لا ; قال فهل
تعرفان العباس بن عبد المطلب عمه ؟ قال قلنا: نعم - قال وقد كنا نعرف
العباس كان لا يزال يقدم علينا تاجرا - قال فإذا دخلتما المسجد فهو
الرجل الجالس مع العباس. قال فدخلنا المسجد فإذا العباس جالس ورسول
الله صلى الله عليه وسلم جالس معه فسلمنا ثم جلسنا إليه. فقال رسول
الله صلى الله عليه وسلم للعباس "هل تعرف هذين الرجلين يا أبا الفضل" ؟
قال نعم هذا البراء بن معرور، سيد قومه وهذا كعب بن مالك. قال فوالله
ما أنسى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الشاعر" ؟ قال نعم. فقال
البراء بن معرور: يا نبي الله إني خرجت في سفري هذا، وقد هداني الله
للإسلام فرأيت أن لا أجعل هذه البنية مني بظهر فصليت إليها، وقد خالفني
أصحابي في ذلك حتى وقع في نفسي من ذلك شيء فماذا ترى يا رسول الله ؟
قال: "قد كنت على قبلة لو صبرت عليها" . قال فرجع البراء إلى قبلة رسول
الله صلى الله عليه وسلم وصلى معنا إلى الشام . قال وأهله يزعمون أنه
صلى إلى الكعبة حتى مات وليس ذلك كما قالوا، نحن أعلم به منهم.
__________
قبلة الرسول صلى الله عليه وسلم
وفي الحديث دليل على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي بمكة
إلى بيت المقدس، وهو قول ابن عباس، وقالت طائفة ما صلى إلى بيت المقدس
إلا مذ قدم المدينة سبعة عشر شهرا أو ستة عشر شهرا، فعلى هذا يكون في
القبلة نسخان نسخ سنة بسنة ونسخ سنة بقرآن وقد بين حديث ابن عباس منشأ
الخلاف في هذه المسألة فروي عنه من طرق صحاح أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم كان إذا صلى بمكة استقبل بيت المقدس، وجعل الكعبة بينه وبين
بيت المقدس، فلما كان عليه السلام يتحرى القبلتين جميعا لم يبن توجهه
إلى بيت المقدس للناس حتى خرج من مكة والله أعلم. قال الله تعالى له في
الآية الناسخة {وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ
(4/67)
قال ابن هشام:
وقال عون بن أيوب الأنصاري:
ومنا المصلي أول الناس مقبلا ... على كعبة الرحمن بين المشاعر
يعني البراء بن معرور. وهذا البيت في قصيدة له.
إسلام عبد الله بن عمرو:
قال ابن إسحاق: حدثني معبد بن كعب أن أخاه عبد الله بن كعب حدثه أن
أباه
__________
الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة 150] أي من أي جهة جئت إلى الصلاة
وخرجت إليها فاستقبل الكعبة كنت مستدبرا لبيت المقدس أو لم تكن لأنه
كان بمكة يتحرى في استقباله بيت المقدس أن تكون الكعبة بين يديه وتدبر
قوله تعالى: {وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ} وقال لأمته
{وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} [البقرة:150]
ولم يقل حيثما خرجتم وذلك أنه كان عليه السلام إمام المسلمين فكان يخرج
إليهم إلى كل صلاة ليصلي بهم وكان ذلك واجبا عليه إذ كان الإمام
المقتدى به فأفاد ذكر الخروج في خاصته في هذا المعنى، ولم يكن حكم غيره
هكذا، يقتضي الخروج ولا سيما النساء ومن لا جماعة عليه وكرر الباري
تعالى الأمر بالتوجه إلى البيت الحرام في ثلاث آيات لأن المنكرين
لتحويل القبلة كانوا ثلاثة أصناف من الناس اليهود، لأنهم لا يقولون
بالنسخ في أصل مذهبهم وأهل الريب والنفاق اشتد إنكارهم له أنه كان أول
نسخ نزل وكفار قريش قالوا: ندم محمد على فراق ديننا فسيرجع إليه كما
رجع إليه قبلتنا، وكانوا قبل ذلك يحتجون عليه فيقولون يزعم محمد أنه
يدعونا إلى ملة إبراهيم وإسماعيل وقد فارق قبلة إبراهيم وإسماعيل وآثر
عليها قبلة اليهود، فقال الله له حين أمره بالصلاة إلى الكعبة
{لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلاَّ الَّذِينَ
ظَلَمُوا مِنْهُمْ} [البقرة 150] على الاستثناء المنقطع أي لكن الذين
ظلموا منهم لا يرجعون ولا يهتدون وقال سبحانه:
(4/68)
كعب بن مالك
حدثه قال كعب ثم خرجنا إلى الحج وواعدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم
بالعقبة من أوسط أيام التشريق. قال فلما فرغنا من الحج وكانت الليلة
التي واعدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لها، ومعنا عبد الله بن عمرو
بن حرام أبو جابر سيد من ساداتنا، وشريف من أشرافنا، أخذناه معنا، وكنا
نكتم من معنا من قومنا من المشركين أمرنا، فكلمناه وقلنا له يا أبا
جابر إنك سيد من ساداتنا، وشريف من أشرافنا، وإنا نرغب
__________
{الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ} [البقرة:
147] أي من الذين شكوا وامتروا، ومعنى: الحق من ربك أي الذي أمرتك به
من التوجه إلى البيت الحرام ، هو الحق الذي كان عليه الأنبياء قبلك فلا
تمتر في ذلك وقال {وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ
أَنَّهُ الْحَقُّ} [البقرة: 144] وقال {وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ
لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [البقرة: 146] أي يكتمون
ما علموا من أن الكعبة هي قبلة الأنبياء وروى أبو داود السنجري في كتاب
الناسخ والمنسوخ له وهو في روايتنا عنه بسند رفيع حدثنا الإمام الحافظ
أبو بكر بن العربي قال أنا أبو الحسن علي بن الحسين بن علي بن أيوب
البزار، قال أنا أبو علي بن شاذان قال أنا أبو بكر الفقيه النجار أحمد
بن سليمان عنه قال نا أحمد بن صالح، قال نا عنبسة بن يونس عن ابن شهاب
قال كان سليمان بن عبد الملك لا يعظم إيلياء كما يعظمها أهل بيته قال
فسرت معه وهو ولي عهد قال ومعه خالد بن يزيد بن معاوية قال سليمان وهو
جالس فيه والله إن في هذه القبلة التي صلى إليها المسلمون والنصارى
لعجبا، قال خالد بن يزيد أما والله إني لأقرأ الكتاب الذي أنزله الله
على محمد - صلى الله عليه وسلم - وأقرأ التوراة، فلم يجدها اليهود في
الكتاب الذي أنزله الله عليهم ولكن تابوت السكينة كان على الصخرة فلما
غضب الله تعالى على بني إسرائيل رفعه فكانت صلاتهم إلى الصخرة عن
مشاورة منهم، وروى أبو داود أيضا أن يهوديا خاصم أبا العالية في القبلة
فقال أبو العالية: إن موسى عليه السلام كان يصلي عند الصخرة ويستقبل
البيت الحرام ، فكانت الكعبة قبلة وكانت الصخرة بين يديه وقال اليهودي:
بيني وبينك مسجد صالح النبي صلى الله عليه وسلم فقال أبو العالية: فإني
صليت في مسجد صالح وقبلته
(4/69)
بك عما أنت فيه
أن تكون حطبا للنار غدا، ثم دعوناه إلى الإسلام وأخبرناه بميعاد رسول
الله صلى الله عليه وسلم إيانا العقبة. قال فأسلم وشهد معنا العقبة،
وكان نقيبا.
قال فنمنا تلك الليلة مع قومنا في رحالنا، حتى إذا مضى ثلث الليل خرجنا
من رحالنا لمعاد رسول الله صلى الله عليه وسلم نتسلل تسلل القطا
مستخفين حتى اجتمعنا في الشعب عند العقبة، ونحن ثلاثة وسبعون رجلا
ومعنا امرأتان من نسائنا نسيبة بنت كعب أم عمارةإحدى نساء بني مازن بن
النجار وأسماء بنت عمرو بن عدي بن
__________
الكعبة،وأخبر أبو العالية أنه رأى مسجد ذي القرنين وقبلته الكعبة، وروي
أيضا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول لجبريل: "وددت أن الله
حولني عن قبلة اليهود، فيقول له جبريل إنما أنا عبد مأمور" وروى غيره
أنه كان يتبعه بصره إذا عرج إلى السماء حرصا على أن يأمره بالتوجه إلى
الكعبة، فأنزل الله تعالى: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي
السَّمَاءِ} [البقرة: 144].
أم عمارة وأم منيع في بيعة العقبة الأخرى
وذكر بيعة العقبة، وذكر عدة أصحاب بيعة العقبة، وأنهم كانوا ثلاثة
وسبعين رجلا وامرأتين وهما: أم عمارة وهي نسيبة بنت كعب امرأة زيد بن
عاصم شهدت بيعة العقبة وبيعة الرضوان، وشهدت يوم اليمامة، وباشرت
القتال بنفسها، وشاركت ابنها عبد الله في قتل مسيلمة فقطعت يدها، وجرحت
اثني عشر جرحا، ثم عاشت بعد ذلك دهرا، وكان الناس يأتونها بمرضاهم
لتستشفي لهم فتمسح بيدها الشلاء على العليل وتدعو له فقل ما مسحت بيدها
ذا عاهة إلا برئ.
والأخرى: أسماء بنت عمرو أم منيع وقد رفع في نسبها ونسب الأخرى ابن
إسحاق، ويروى أن أم عمارة قالت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما
أرى كل شيء إلا للرجال,
(4/70)
نابي، إحدى
نساء بني سلمة وهي أم منيع.
العباس يتوثق للنبي عليه الصلاة والسلام.
قال فاجتمعنا في الشعب ننتظر رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جاءنا
ومعه العباس بن عبد المطلب، وهو يومئذ على دين قومه إلا أنه أحب أن
يحضر أمر ابن أخيه ويتوثق له. فلما جلس كان أول متكلم العباس بن عبد
المطلب، فقال يا معشر الخزرج - قال وكانت العرب إنما يسمون هذا الحي من
الأنصار، الخزرج، خزرجها وأوسها - إن محمدا منا حيث قد علمتم وقد
منعناه من قومنا ; ممن هو على مثل رأينا فيه فهو في عز من قومه ومنعة
في بلده وإنه قد أبى إلا الانحياز إليكم واللحوق بكم فإن كنتم ترون
إنكم وافون له بما دعوتموه إليه ومانعوه ممن خالفه فأنتم وما تحملتم من
ذلك وإن كنتم ترون أنكم مسلموه وخاذلوه بعد الخروج به إليكم فمن الآن
فدعوه فإنه في عز ومنعة من قومه وبلده. قال فقلنا له قد سمعنا ما قلت،
فتكلم يا رسول الله فخذ لنفسك ولربك ما أحببت.
عهد الرسول عليه الصلاة والسلام على الأنصار:
قال فتكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم فتلا القرآن ودعا إلى الله
ورغب في الإسلام ثم
__________
وما أرى للنساء شيئا، فأنزل الله تعالى: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ
وَالْمُسْلِمَاتِ} [الأحزاب: 35] الآية.
قول البراء بن معرور:
وذكر قول البراء بن معرور، وهو أول من ضرب بيده على يد رسول الله صلى
الله عليه وسلم بالبيعة على اختلاف في ذلك قد ذكره ابن إسحاق، فقال
نبايعك على أن نمنعك مما نمنع منه أزرنا، أراد نساءنا، والعرب تكني عن
المرأة بالإزار وتكني أيضا بالإزار
(4/71)
قال: "أبايعكم
على أن تمنعوني مما تمنعون منه نساءكم وأبناءكم" قال فأخذ البراء بن
معرور بيده ثم قال نعم والذي بعثك بالحق لنمنعنك مما نمنع منه أزرنا
فبايعنا يا رسول الله فنحن والله أهل الحروب وأهل الحلقة ورثناها كابرا
[عن كابر]. قال فاعترض القول والبراء يكلم رسول الله صلى الله عليه
وسلم أبو الهيثم بن التيهان فقال يا رسول الله إن بيننا وبين الرجال
حبالا، وإنا قاطعوها – يعني
__________
عن النفس وتجعل الثوب عبارة عن لابسه كما قال:
رموها بأثواب خفاف فلا ترى ... لها شبها إلا النعام المنفرا
أي بأبدان خفاف فقوله مما نمنع أزرنا يحتمل الوجهين جميعا، وقد قال
الفارسي في قول الرجل الذي كتب إلى عمر من الغزو يذكره بأهله:
ألا أبلغ أبا حفص رسولا ... فدى لك من أخي ثقة إزاري
قال الإزار كناية عن الأهل وهو في موضع نصب بالإغراء أي احفظ إزاري،
وقال ابن قتيبة: الإزار في هذا البيت كناية عن نفسه ومعناه فدا لك
نفسي، وهذا القول هو المرضي في العربية والذي قاله الفارسي بعيد عن
الصواب لأنه أضمر المبتدأ وأضمر الفعل الناصب للإزار ولا دليل عليه
لبعده عنه وبعد البيت ما يدل على صحة القول المختار وهو :
قلائصنا هداك الله مهلا ... شغلنا عنكم زمن الحصار
فنصب قلائصنا بالإضمار الذي جعله الفارسي ناصبا للإزار.
ترجمة البراء
والبراء بن معرور يكنى أبا بشر بابنه بشر بن البراء وهو الذي أكل مع
رسول
(4/72)
اليهود - فهل
عسيت إن نحن فعلناذلك ثم أظهرك الله أن ترجع إلى قومك وتدعنا ؟ قال
فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال " بل الدم الدم والهدم
الهدم، أنا منكم وأنتم مني، أحارب من حاربتم وأسالم من سالمتم" .
قال ابن هشام: ويقال الهدم الهدم: أي ذمتي ذمتكم وحرمتي حرمتكم.
قال كعب وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أخرجوا إلي منكم
ـــــــ
الله - صلى الله عليه وسلم - من الشاة المسمومة فمات ومعرور اسم أبيه
معناه مقصود يقال عره واعتره إذا قصد والبراء هذا ممن صلى رسول الله
صلى الله عليه وسلم - على قبره بعد موته وكبر أربعا، وفي هذا الحديث
الصلاة على القبر وقد رويت من ست طرق عن النبي - صلى الله عليه وسلم -
قاله أحمد بن حنبل، وذكرها كلها أبو عمر في التمهيد وزاد ثلاث طرق لم
يذكرها ابن حنبل فهي إذا تروى من - تسع طرق أعني أن - تسعة من الصحابة
رووا صلاته عليه السلام على القبر فمنهم ابن عباس، وأنس بن مالك وبريدة
وأبو هريرة، وزيد بن ثابت، وعامر بن فهيرة وأبو قتادة الأنصاري، وسهل
بن حنيف، وعبادة بن الصامت، وحديثه مرسل وأصحها إسنادا حديث ابن عباس
وأبي هريرة.
والهدم الهدم:
وذكر قول النبي - صلى الله عليه وسلم - للمبايعين له " بل الدم الدم
والهدم الهدم" وقال ابن هشام: الهدم بفتح الدال. قال ابن قتيبة: كانت
العرب تقول عند عقد الحلف والجوار دمي دمك وهدمي هدمك، أي ما هدمت من
الدماء هدمته أنا، ويقال أيضا: بل اللدم اللدم والهدم الهدم، وأنشد:
ثم الحقي بهدمي ولدمي
(4/73)
اثني عشر
نقيبا، ليكونوا على قومهم بما فيهم" فأخرجوا منهم اثني عشر نقيبا، تسعة
من الخزرج، وثلاثة من الأوس. أسماء النقباء الاثني عشر وتمام خبر
العقبة
نقباء الخزرج:
قال ابن هشام: من الخزرج - فيما حدثنا زياد بن عبد الله البكائي، عن
محمد بن إسحاق المطلبي - أبو أمامة أسعد بن زرارة بن عدس بن عبيد بن
ثعلبة بن غنم بن مالك بن النجار وهو تيم الله بن ثعلبة عمرو بن الخزرج
[بن حارثة] وسعد بن الربيع بن عمرو بن أبي زهير بن مالك بن امرئ القيس
بن مالك بن ثعلبة بن كعب بن
__________
فاللدم جمع لادم وهم أهله الذين يلتدمون عليه إذا مات وهو من لدمت صدره
إذا ضربته. والهدم قال ابن هشام: الحرمة وإنما كنى عن حرمة الرجل وأهله
بالهدم لأنهم كانوا أهل نجعة وارتحال ولهم بيوت يستخفونها يوم ظعنهم
فكلما ظعنوا هدموها، والهدم بمعنى المهدوم كالقبض بمعنى المقبوض ثم
جعلوا الهدم وهو البيت المهدوم عبارة عما حوى، ثم قال هدمي هدمك أي
رحلتي مع رحلتك أي لا أظعن وأدعك وأنشد يعقوب:
تمضي إذا زجرت عن سوأة قدما ... كأنها هدم في الجفر منقاض
من ولي النقباء:
فصل: وذكر الاثني عشر نقيبا، وشعر كعب فيهم إلى آخره وليس فيه ما يشكل
وإنما جعلهم عليه السلام اثني عشر نقيبا اقتداء بقوله تعالى في قوم
موسى:
(4/74)
الخزرج بن
الحارث بن الخزرج، وعبد الله بن رواحة بن ثعلبة امرئ القيس بن عمرو بن
امرئ القيس بن مالك [الأغر] بن ثعلبة بن كعب بن الخزرج بن الحارث بن
الخزرج، ورافع بن مالك بن العجلان بن عمرو بن عامر بن زريق بن عبد
حارثة بن مالك بن غضب بن جشم بن الخزرج ; والبراء بن معرور بن صخر بن
خنساء بن سنان بن عبيد بن عدي بن غنم بن كعب بن سلمة بن سعد بن علي بن
أسد بن ساردة بن تزيد بن جشم بن الخزرج وعبد الله بن عمرو بن حرام بن
ثعلبة بن حرام بن كعب بن غنم بن كعب بن سلمة بن سعد بن علي بن أسد بن
ساردة بن تزيد بن جشم بن الخزرج، وعبادة بن الصامت بن قيس بن أصرم بن
فهر بن ثعلبة بن غنم بن سالم بن عوف بن عمرو بن عوف بن الخزرج.
قال ابن هشام: هو غنم بن عوف، أخو سالم بن عوف بن عمرو بن عوف بن
الخزرج.
قال ابن إسحاق: وسعد بن عبادة بن دليم بن حارثة بن أبي خزيمة بن ثعلبة
بن طريف بن الخزرج بن ساعدة بن كعب بن الخزرج والمنذر بن عمرو بن خنيس
بن حارثة بن لوذان بن عبد ود بن زيد بن ثعلبة بن الخزرج بن ساعدة بن
كعب بن الخزرج - قال ابن هشام: ويقال ابن خنيش.
نقباء الأوس:
ومن الأوس أسيد بن حضير بن سماك بن عتيك بن رافع بن امرئ القيس بن زيد
بن عبد الأشهل [بن جشم بن الحارث بن الخزرج بن عمرو بن مالك بن الأوس
بن حارثة وسعد بن خيثمة بن الحارث بن مالك بن كعب بن النحاط بن كعب بن
حارثة بن غنم بن السلم بن امرئ القيس [بن ثعلبة بن عمرو بن عوف] بن
مالك بن الأوس [بن حارثة] ورفاعة بن عبد المنذر بن زبير بن زيد بن أمية
بن زيد بن مالك بن عوف بن عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس.
__________
{وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً} [المائدة: 12] وقد
سمينا أولئك النقباء بأسمائهم في كتاب التعريف والإعلام فلينظر هنالك.
<270> وروي عن الزهري أنه قال قال النبي عليه السلام للأوس والخزرج حين
قدم عليهم النقباء: " لا يغضبن أحدكم فإني أفعل ما
(4/75)
شعر كعب في حصر
النقباء:
قال ابن هشام: وأهل العلم يعدون فيهم أبا الهيثم بن التيهان ولا يعدون
رفاعة. وقال كعب بن مالك يذكرهم فيما أنشدني أبو زيد الأنصاري:
أبلغ أبيا أنه قال رأيه ... وحان غداة الشعب والحين واقع
أبى الله ما منتك نفسك إنه ... بمرصاد أمر الناس راء وسامع
وأبلغ أبا سفيان أن قد بدا لنا ... بأحمد نور من هدى الله ساطع
فلا تزغبن في حشد أمر تريده ... وألب وجمع كل ما أنت جامع
ودونك فاعلم أن نقض عهودنا ... أباه عليك الرهط حين تبايعوا
أباه البراء وابن عمرو كلاهما ... وأسعد يأباه عليك ورافع
وسعد أباه الساعدي ومنذر ... لأنفك إن حاولت ذلك جادع
وما ابن ربيع إن تناولت عهده ... بمسلمه لا يطمعن ثم طامع
وأيضا فلا يعطيكه ابن رواحة ... وإخفاره من دونه السم ناقع
وفاء به والقوقلي بن صامت ... بمندوحة عما تحاول يافع
أبو هيثم أيضا وفي بمثلها ... وفاء بما أعطى من العهد خانع
وما ابن حضير إن أردت بمطمع ... فهل أنت عن أحموقة الغي نازع
وسعد أخو عمرو بن عوف فإنه ... ضروح لما حاولت م الأمر مانع
أولاك نجوم لا يغبك منهم ... عليك بنحس في دجى الليل طالع
فذكر كعب فيهم أبا الهيثم بن التيهان ولم يذكر رفاعة.
قال ابن إسحاق: فحدثني عبد الله بن أبي بكر: أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم قال للنقباء "أنتم على قومكم بما فيهم كفلاء ككفالة
الحواريين لعيسى ابن مريم، وأنا كفيل على قومي" - يعني المسلمين -
قالوا: نعم
__________
أومر" وجبريل عليه السلام إلى جنبه يشير إليهم واحدا بعد واحد وروي في
المعيطي عن مالك بن أنس أنه روى حديث النقباء عن شيخ من الأنصار، قال
(4/76)
كلمة العباس بن
عبادة في الخزرج قبل المبايعة:
قال ابن إسحاق: وحدثني عاصم بن عمرو بن قتادة: أن القوم لما اجتمعوا
لبيعة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال العباس بن عبادة بن نضلة
الأنصاري، أخو بني سالم بن عوف يا معشر الخزرج، هل تدرون علام تبايعون
هذا الرجل ؟ قالوا: نعم قال إنكم تبايعونه على حرب الأحمر والأسود من
الناس فإن كنتم ترون أنكم إذا نهكت أموالكم مصيبة وأشرافكم قتلا
أسلمتموه فمن الآن فهو والله - إن فعلتم خزي الدنيا والآخرة وإن كنتم
ترون أنكم وافون له بما دعوتموه إليه على نهكة الأموال وقتل الأشراف
فخذوه فهو والله خير الدنيا والآخرة قالوا: فإنا نأخذه على مصيبة
الأموال وقتل الأشراف فما لنا بذلك يا رسول الله إن نحن وفينا ؟ قال
"الجنة". قالوا: ابسط يدك، فبسط يده فبايعوه. وأما عاصم بن عمر بن
قتادة فقال والله ما قال ذلك العباس إلا ليشد العقد لرسول الله صلى
الله عليه وسلم في أعناقهم.
وأما عبد الله بن أبي بكر فقال ما قال ذلك العباس إلا ليؤخر القوم تلك
الليلة رجاء أن يحضرها عبد الله بن أبي ابن سلول فيكون أقوى لأمر
القوم. فالله أعلم أي ذلك كان.
نسب سلول:
قال ابن هشام: سلول امرأة من خزاعة، وهي أم أبي بن مالك بن الحارث.
أول من ضرب على يد الرسول في بيعة العقبة الثانية:
قال ابن إسحاق: فبنو النجار يزعمون أن أبا أمامة أسعد بن زرارة كان أول
__________
مالك وكنت أعجب كيف جاء هذا رجلان من قبيلة ورجل من أخرى حتى حدثت بهذا
الحديث وأن جبريل هو الذي ولاهم وأشار عن النبي - صلى الله عليه وسلم -
بهم.
تفسير بعض ما وقع في ما وجدته:
وذكر أن الشيطان صرخ من رأس العقبة بأنفذ صوت. قال الشيخ أبو بحر :
(4/77)
من ضرب على يده
وبنو عبد الأشهل يقولون بل أبو الهيثم بن التيهان.
قال ابن إسحاق: قال الزهري: حدثني معبد بن كعب بن مالك، فحدثني في
حديثه عن أخيه عبد الله بن كعب عن أبيه كعب بن مالك، قال كان أول من
ضرب على يد رسول الله صلى الله عليه وسلم البراء بن معرور، ثم بايع بعد
القوم.
تنفير الشيطان لمن بايع في العقبة الثانية:
فلما بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صرخ الشيطان من رأس العقبة
بأنفذ صوت سمعته قط: يا أهل الجباجب - والجباجب: المنازل - هل لكم في
مذمم والصباة معه قد اجتمعوا على حربكم. قال فقال رسول الله صلى الله
عليه وسلم "هذا أزب العقبة هذا ابن أزيب- - قال ابن هشام: ويقال ابن
أزيب- استمع أي عدو الله أما والله لأفرغن لك"
استعجال المبايعين للإذن بالحرب:
قال ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ارفضوا إلى رحالكم" . قال
فقال له العباس بن عبادة بن نضلة: والله الذي بعثك بالحق إن شئت لنميلن
على أهل منى غدا
__________
هكذا وقع في الأمهات وأصلحناه عن القاضي أبي الوليد بأبعد قال المؤلف
ولا معنى لهذا الإصلاح لأن وصف الصوت بالنفاذ صحيح هو أفصح من وصفه
بالبعد وقد مضى في حديث عمر مع الكاهن قال لقد سمعت من صوت العجل صوتا
ما سمعت أنفذ منه وفي الصحيح أن الله تعالى يحشر الخلق يوم القيامة في
صردح واحد فينفذهم البصر ويسمعهم الداعي. وكذلك وجدته في رواية يونس بن
بكير عن ابن إسحاق: بأنفذ صوت كما كان في الأصل.
وقوله يا أهل الجباجب، يعني: منازل منى، وأصله أن الأوعية من الأدم
كالزبيل ونحوه يسمى: جبجبة فجعل الخيام والمنازل لأهلها كالأوعية وقوله
عليه
(4/78)
بأسيافنا ؟ قال
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لم نؤمر بذلك ولكن ارجعوا إلى
رحالكم" قال فرجعنا إلى مضاجعنا، فنمنا عليها حتى أصبحنا.
__________
السلام حين صرخ إبليس يا أهل الجباجب،. "هذا أزب العقبة هذا ابن أزيب"
قال ابن هشام: ويقال ابن أزبب كذا تقيد في هذا الموضع أزب العقبة وقال
ابن ماكولا: أم كرز بنت الأزب بن عمرو بن بكيل من همدان جدة العباس أم
أمه سيلة، وقال لا يعرف الأزب في الأسماء إلا هذا، وأزب العقبة، وهو
اسم شيطان ووقع في هذه النسخة في غزوة أحد إزب العقبة بكسر الهمزة
وسكون الزاي وفي حديث ابن الزبير ما يشهد له حين رأى رجلا طوله شبران
على بردعة رحله [فأخذ السوط فأتاه فقال "ما أنت" ؟ فقال أزب، قال "وما
أزب" ؟ قال رجل من الجن ; فضربه على رأسه بعود السوط حتى باص أي هرب
وقال يعقوب في الألفاظ الأزب: القصير. وحديث ابن الزبير ذكره العتبي في
الغريب فالله أعلم أي اللفظين أصح ؟ وابن أزيب في رواية ابن هشام يجوز
أن يكون فعيلا من الإزب أيضا، والأزيب البخيل وأزيب اسم ريح من الرياح
الأربع والأزيب الفزع أيضا، والأزيب الرجل المتقارب المشي وهو على وزن
أفعل قاله صاحب العين ويحتمل أن يكون ابن أزيب من هذا أيضا، وأما
البخيل فأزيب على وزن فعيل لأن يعقوب حكى في الألفاظ امرأة أزيبة ولو
كان عن وزن أفعل في المذكر لقيل في المؤنث زيبا إلا أن فعيلا في أبنية
الأسماء عزيز وقد قالوا في ضهياء وهي التي لا تحيض من النساء فعلى
جعلوا الهمزة زائدة وهي عندي فعيل لأن الهمزة في قراءة عاصم لام الفعل
في قوله تعالى: {يُضَاهِئُونَ} [التوبة:30] والضهيأ من هذا لأنها تضاهي
الرجل
(4/79)
غدو قريش على
الأنصار في شأن البيعة:
فلما أصبحنا غدت علينا جلة قريش، حتى جاءونا في منازلنا، فقالوا: يا
معشر الخزرج، إنه قد بلغنا أنكم قد جئتم إلى صاحبنا هذا تستخرجونه من
بين أظهرنا، وتبايعونه على حربنا، وإنه والله ما من حي من العرب أبغض
إلينا، أن تنشب الحرب بيننا وبينهم منكم. قال فانبعث من هناك من مشركي
قومنا يحلفون بالله ما كان من هذا شيء وما علمناه. قال وقد صدقوا، لم
يعلموه. قال وبعضنا ينظر إلى بعض. قال ثم قام القوم وفيهم الحارث بن
هشام بن المغيرة المخزومي، وعليه نعلان له جديدان. قال فقلت له كلمة -
كأني أريد أن أشرك القوم بها فيما قالوا - يا أبا جابر أما تستطيع أن
تتخذ وأنت سيد من ساداتنا، مثل نعلي هذا الفتى من قريش ؟ قال فسمعها
الحارث فخلعهما من رجليه ثم رمى بهما إلي وقال والله لتنتعلنهما. قال
يقول أبو جابر مه أحفظت والله الفتى، فاردد إليه نعليه. قال قلت: لا
والله لا أردهما، فأل والله صالح لئن صدق الفأل لأسلبنه.
__________
أي تشبهه ويقال فيه ضهياء بالمد فلا إشكال فيها أنها للتأنيث على لغة
من قال ضاهيت بالياء وقد يجوز أن يكون أزيب وأزيبة مثل أرمل وأرملة فلا
- يكون فعيلا. وروى أبو الأشهب عن الحسن قال لما بويع لرسول الله - صلى
الله عليه وسلم - بمنى صرخ الشيطان فقال رسول الله - صلى الله عليه
وسلم – "هذا أبو لبينى قد أنذر بكم فتفرقوا".
تذكير فعيل وتأنيثها:
فصل وذكر الحارث بن هشام حين رمى بنعليه إلى جابر قال وكان عليه نعلان
جديدان والنعل مؤنثة ولكن لا يقال جديدة في الفصيح من الكلام وإنما
يقال ملحفة جديد لأنها في معنى مجددة أي مقطوعة فهي من باب كف خضيب
وامرأة قتيل قال سيبويه: ومن قال جديدة فإنما أراد معنى حديثة أراد
سيبويه أن حديثة بمعنى حادثة وكل فعيل بمعنى فاعل يدخله التاء في
المؤنث.
(4/80)
قال ابن إسحاق:
وحدثني عبد الله بن أبي بكر: أنهم أتوا عبد الله بن أبي ابن سلول
فقالوا له مثل ما قال كعب من القول فقال لهم إن هذا الأمر جسيم، ما كان
قومي ليتفوتوا علي بمثل هذا، وما علمته كان قال فانصرفوا عنه.
خروج قريش في طلب الأنصار:
قال ونفر الناس من منى، فتنطس القوم الخبر، فوجدوه قد كان وخرجوا في
طلب القوم فأدركوا سعد بن عبادة بأذاخر والمنذر بن عمرو، أخا بني ساعدة
بن كعب بن الخزرج، وكلاهما كان نقيبا. فأما المنذر فأعجز القوم وأما
سعد فأخذوه فربطوا يديه إلى عنقه بنسع رحله ثم أقبلوا به حتى أدخلوه
مكة يضربونه ويجذبونه بجمته وكان ذا شعر كثير.
خلاص ابن عبادة من أسر قريش، وما قيل في ذلك من شعر:
قال سعد فوالله إني لفي أيديهم إذ طلع علي نفر من قريش، فيهم رجل وضيء
أبيض شعشاع حلو من الرجال.
قال قلت في نفسي: إن يك عند أحد من القوم خير فعند هذا، قال فلما دنا
مني رفع يده فلكمني لكمة شديدة. قال قلت في نفسي: لا والله ما عندهم
بعد هذا من خير. قال فوالله إني لفي أيديهم يسحبونني إذ أوى لي رجل ممن
كان معهم فقال ويحك أما بينك وبين أحد من قريش جوار ولا عهد ؟ قال قلت:
بلى، والله لقد كنت أجير لجبير بن مطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف
تجارة وأمنعهم ممن أراد ظلمهم ببلادي، وللحارث بن حرب بن أمية بن عبد
شمس بن عبد مناف قال ويحك فاهتف. باسم الرجلين واذكر ما بينك وبينهما.
قال:
ـــــــ
من ألقاب الطويل:
وذكر قول سعد حين أسرته قريش: فأتاني رجل وضيء شعشاع. والشعشع
والشعشعاني والشعشعان الطويل من الرجال وكذلك السلهب والصعقب والشوقب و
[الشرعب] والشرجب والخبق والشوذب الطويل مع رقة في أسماء كثيرة.
(4/81)
ففعلت، وخرج
ذلك الرجل إليهما، فوجدهما في المسجد عند الكعبة، فقال لهما: إن رجلا
من الخزرج الآن يضرب بالأبطح ليهتف بكما، ويذكر أن بينه وبينكما جوارا،
قالا: من هو ؟ قال سعد بن عبادة. قالا: صدق والله إن كان ليجير لنا
تجارنا، ويمنعهم أن يظلموا ببلده قال فجاءا فخلصا سعدا من أيديهم
فانطلق. وكان الذي لكم سعدا، سهيل بن عمرو، أخو بني عامر بن لؤي
قال ابن هشام: وكان الرجل الذي أوى إليه أبا البختري بن هشام.
قال ابن إسحاق: وكان أول شعر قيل في الهجرة بيتين قالهما ضرار بن
الخطاب بن مرداس، أخو بني محارب بن فهر: فقال:
تداركت سعدا عنوة فأخذته ... وكان شفاء لو تداركت منذرا
ـــــــ
معاني الكلمات
وقوله أوى إليه رجل أي رق له يقال أوى إيه [وأوية] مأوية. وقوله فتنطس
القوم الخبر أي أكثروا البحث عنه والتنطس تدقيق النظر. قال الراجز
[رؤبة بن العجاج]
وقد أكون عندها نقريسا ... طبا بأدواء النسا نطيسا
وذكر قول ضرار بن الخطاب:
وكان شفاء لو تداركت منذرا
وضرار بن الخطاب: وضرار كان شاعر قريش وفارسها، ولم يكن في قريش أشعر
منه [عبد الله] ثم ابن الزبعرى بن قيس بن عدي، وكان جده مرداس رئيس بني
محارب بن فهر في الجاهلية يسير فيهم بالمرباع وهو ربع الغنيمة وكان
أبوه أيام
(4/82)
ولو نلته طلت
هناك جراحه ... وكانت حريا أن يهان ويهدرا
قال ابن هشام: ويروى:
وكان حقيقا أن يهان ويهدرا
قال ابن إسحاق: فأجابه حسان بن ثابت فيهما فقال:
لست إلى سعد ولا المرء منذر ... إذا ما مطايا القوم أصبحن ضمرا
فلولا أبو وهب لمرت قصائد ... على شرف البرقاء يهوين حسرا
أتفخر بالكتان لما لبسته ... وقد تلبس الأنباط ريطا مقصرا
فلا تك كالوسنان يحلم أنه ... بقرية كسرى أو بقرية قيصرا
ولا تك كالثكلى وكانت بمعزل ... عن الثكل لو كان الفؤاد تفكرا
ـــــــ
الفجار رئيس بني محارب بن فهر أسلم ضرار عام الفتح.
حول قصيدة حسان:
وذكر قول حسان يجيبه:
لست إلى عمرو ولا المرء منذر ... إذ ما مطايا القوم أصبحن ضمرا
يعني بعمرو عمرو بن خنيس والد المنذر. يقول لست إليه ولا إلى ابنه
المنذر أي أنت أقل من ذلك والمنذر بن عمرو هذا يقال له أعنق ليموت هو
أحد النقباء كما ذكر ابن إسحاق وذكر ابن إسحاق في المؤاخاة أن رسول
الله - صلى الله عليه وسلم - آخى بينه وبين أبي ذر الغفاري وأنكر ذلك
الواقدي محمد بن عمر وقال إنما آخى بينه وبين طليب بن عمرو. قال وكيف
يواخي بينه وبين أبي ذر والمواخاة كانت قبل بدر وأبو ذر كان إذ ذاك
غائبا عن المدينة ، ولم يقدم إلا بعد بدر وقد قطعت بدر
(4/83)
ولا تك كالشاة
التي كان حتفها ... بحفر ذراعيها فلم ترض محفرا
ولا تك كالعاوي فأقبل نخره ... ولم يخشه سهما من النبل مضمرا
فإنا ومن يهدي القصائد نحونا ... كمستبضع تمرا إلى أهل خيبرا
قصة صنم عمرو بن الجموح
عدوان قوم عمرو على صنمه:
فلما قدموا المدينة أظهروا الإسلام بها، وفي قومهم بقايا من شيوخ لهم
على دينهم من الشرك منهم عمرو بن الجموح بن زيد بن حرام بن كعب بن غنم
بن
__________
المواخاة ونسخها قوله سبحانه {وَأُولُوا الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ
أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ
عَلِيمٌ} [الأنفال 175] وللمنذر بن عمرو حديث واحد عن رسول الله - صلى
الله عليه وسلم - ليس له غيره يرويه عبد المهيمن بن عباس بن سهل بن سعد
عن أبيه عن جده عن المنذر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سجد عن
السهو قبل التسليم وعبد المهيمن ضعيف. وقول حسان:
ولا تك كالشاة التي كان حتفها ... بحفر ذراعيها، لم ترض محفرا
تقوله العرب في مثل قديم فيمن أثار على نفسه شرا كالباحث عن المدية
وأنشد أبو عثمان [الجاحظ] عمرو بن بحر. [للفرزدق] :
وكان يجير الناس من سيف مالك ... فأصبح يبغي نفسه من يجيرها
وكان كعنز السوء قامت بظلفها ... إلى مدية تحت التراب تثيرها
إسلام عمرو بن الجموح وصنمه:
<278> فصل في إسلام عمرو بن الجموح، وذكر صنمه الذي كان يعبده واسمه
مناة
(4/84)
كعب بن سلمة
وكان ابنه معاذ بن عمرو شهد العقبة، وبايع رسول الله صلى الله عليه
وسلم بها، وكان عمرو بن الجموح سيدا من سادات بني سلمة وشريفا من
أشرافهم وكان قد اتخذ في داره صنما من خشب يقال له مناة كما كانت
الأشراف يصنعون تتخذه إلها تعظمه وتطهره فلما أسلم فتيان بني سلمة معاذ
بن جبل وابنه معاذ بن عمرو، في فتيان منهم ممن أسلم وشهد العقبة، كانوا
يدلجون بالليل على صنم عمرو ذلك فيحملونه فيطرحونه في بعض حفر بني سلمة
وفيها عذر الناس منكسا على رأسه فإذا أصبح عمرو، قال ويلكم من عدا على
آلهتنا هذه الليلة ؟ قال. ثم يغدو يلتمسه حتى إذا وجده غسله وطهره
وطيبه، ثم قال أما والله لو أعلم من فعل هذا بك لأخزينه. فإذا أمسى
ونام عمرو، عدوا عليه ففعلوا به مثل ذلك فيغدو فيجده في مثل ما كان فيه
من الأذى، فيغسله ويطهره ويطيبه ثم يغدون عليه إذا أمسى، فيفعلون به
مثل ذلك. فلما أكثروا عليه استخرجه من حيث ألقوه يوما، فغسله وطهره
وطيبه، ثم جاء بسيفه فعلقه عليه ثم قال إني والله ما أعلم من يصنع بك
ما ترى، فإن كان فيك خير فامتنع فهذا السيف معك. فلما أمسى ونام عمرو،
غدوا عليه فأخذوا السيف من عنقه ثم أخذوا كلبا ميتا فقرنوه به بحبل ثم
ألقوه في بئر من آبار سلمة فيها عذر من عذر الناس ثم غدا عمرو بن
الجموح فلم يجده في مكانه الذي كان به.
إسلام عمرو وشعره في ذلك:
فخرج يتبعه حتى وجده في تلك البئر منكسا مقرونا بكلب ميت فلما رآه
وأبصر شأنه وكلمه من أسلم من قومه فأسلم برحمة الله وحسن إسلامه. فقال
حين أسلم، وعرف من الله ما عرف وهو يذكر صنمه ذلك وما أبصر من أمره
ويشكر
__________
وزنه فعلة من منيت الدم وغيره إذا صببته، لأن الدماء كانت تمنى عنده
تقربا إليه ومنه سميت الأصنام الدمى، وفي الحديث لا والدمى لا أرى بما
تقول بأسا، وكذلك مناة الطاغية التي كانوا يهلون إليها بقديد والحظ من
هذا المطلع ما في قوله تعالى: {وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى}
[لنجم:20] من الفائدة جعلها ثالثة للات والعزى
(4/85)
الله تعالى
الذي أنقذه مما كان فيه من العمى والضلالة :
والله لو كنت إلها لم تكن ... أنت وكلب وسط بئر في قرن
أف لملقاك إلها مستدن ... الآن فتشناك عن سوء الغبن
الحمد لله العلي ذي المنن ... الواهب الرزاق ديان الدين
هو الذي أنقذني من قبل أن ... أكون في ظلمة قبر مرتهن
بأحمد المهدي النبي المرتهن
ـــــــ
وأخرى بالإضافة إلى مناة التي كان يعبدها عمرو بن الجموح وغيره من قومه
فهما مناتان وإحداهما عن الأخرى بالإضافة إلى صاحبتها.
وقوله:
الآن فتشناك عن سوء الغبن
الغبن في الرأي يقال غبن رأيه كما يقال سفه نفسه فنصبوا، لأن المعنى:
خسر نفسه وأوبقها وأفسد رأيه ونحو هذا.
وقوله إلها مستدن من السدانة وهي خدمة البيت وتعظيمه.
وقوله ديان الدين: الدين جمع دينة وهي العادة ويقال لها دين أيضا، وقال
ابن الطثرية واسمه يزيد:
أرى سبعة يسعون للوصل كلهم ... له عند ليلى دينة يستدينها
فألقيت سهمي بينهم حين أوخشوا ... فما صار لي في القسم إلا ثنينها
ويجوز أن يكون أراد بالدين الأديان أي هو ديان أهل الأديان ولكن جمعها
(4/86)
شروط البيعة قي
العقبة الأخيرة:
قال ابن إسحاق: وكان في بيعة الحرب حين أذن الله لرسوله في القتال
شروطا سوى شرطه عليهم في العقبة الأولى، كانت الأولى على بيعة النساء
وذلك أن الله تعالى لم يكن أذن لرسوله صلى الله عليه وسلم في الحرب
فلما أذن الله له فيها، وبايعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في
العقبة الأخيرة على حرب الأحمر والأسود أخذ لنفسه واشترط على القوم
لربه وجعل لهم على الوفاء بذلك الجنة.
قال ابن إسحاق: فحدثني عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت، عن أبيه
الوليد عن جده عبادة بن الصامت، وكان أحد النقباء، قال:
بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بيعة الحرب - وكان عبادة من
الاثني عشر الذين بايعوه في العقبة الأولى على بيعة النساء - على السمع
والطاعة في عسرنا ويسرنا ومنشطنا ومكرهنا، وأثرة علينا، وأن لا ننازع
الأمر أهله وأن نقول بالحق أينما كنا، لا نخاف في الله لومة لائم.
أسماء من شهد العقبة
عددهم :
قال ابن إسحاق: وهذه تسمية من شهد العقبة، وبايع رسول الله صلى الله
عليه وسلم بها من
__________
على الدين لأنها ملل ونحل كما قالوا في جمع: الحرة: حرائر لأنهن في
معنى الكرائم والعقائل وكذلك مرائر الشجر وإن كانت الواحدة مرة ولكنها
في معنى فعيلة لأنها عسيرة في الذوق وشديدة على الأكل وكريهة إليه.
تفسير بعض الأنساب:
فصل : وذكر ابن إسحاق تسمية من حضر العقبة، وذكر أنسابهم إلا أبا
الهيثم بن التيهان وقد ذكرنا اسمه واسم أبيه وما قيل في نسبه في ذكر
العقبة الأولى.
(4/87)
الأوس والخزرج،
وكانوا ثلاثة وسبعين رجلا وامرأتين.
من شهد من الأوس ابن حارثة وبنى عبد الأشهل:
شهدها من الأوس بن حارثة بن ثعلبة بن عمرو بن عامر، ثم من بني عبد
الأشهل بن جشم بن الحارث بن الخزرج بن عمرو بن مالك بن الأوسأسيد بن
حضير بن سماك بن عتيك بن رافع بن امرئ القيس بن زيد بن عبد الأشهل نقيب
لم يشهد بدرا. وأبو الهيثم بن التيهان، واسمه مالك شهد بدرا. وسلمة بن
سلامة بن وقش بن زغبة بن زعوراء بن عبد الأشهل شهد بدرا، ثلاثة نفر.
قال ابن هشام: ويقال: ابن زعوراء بفتح العين.
من شهدها من بني حارثة بن الحارث:
قال ابن إسحاق: ومن بني حارثة بن الحارث بن الخزرج بن عمرو بن مالك بن
الأوس: ظهير بن رافع بن عدي بن زيد بن جشم بن حارثة وأبو بردة بن نيار
واسمه هانئ بن نيار بن عمرو بن عبيد بن كلاب بن دهمان بن غنم بن ذبيان
بن هميم بن كاهل بن ذهل بن دهني بن بلي بن عمرو بن الحاف بن قضاعة،
حليف لهم شهد بدرا ونهير [أبو بهير] بن الهيثم من بني نابي بن مجدعة بن
حارثة ثلاثة نفر.
من شهدها من بني عمرو بن عوف:
ومن بني عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس: سعد بن خيثمة بن الحارث بن مالك
بن كعب بن النحاط بن كعب بن حارثة بن غنم بن السلم بن امرئ القيس بن
مالك بن الأوس، نقيب شهد بدرا، فقتل به مع رسول الله - صلى الله عليه
وسلم - شهيدا.
__________
وذكر قطبة بن عامر، والقطبة فيما ذكر أبو حنيفة واحدة القطب وهي شوكة
مدحرجة فيها ثلاث شويكات وهي تشبه حسك السعدان وقد بان بنعت
(4/88)
قال ابن هشام:
ونسبه ابن إسحاق في بني عمرو بن عوف وهو من بني غنم بن السلم لأنه ربما
كانت دعوة الرجل في القوم ويكون فيهم فينسب إليهم.
قال ابن إسحاق: ورفاعة بن عبد المنذر بن زنبر بن زيد بن أمية بن زيد بن
مالك بن عوف بن عمرو، نقيب شهد بدرا. وعبد الله بن جبير بن النعمان بن
أمية بن البرك - واسم البرك امرؤ القيس بن ثعلبة بن عمرو شهد بدرا،
وقتل يوم أحد شهيدا أميرا لرسول الله صلى الله عليه وسلم على الرماة
ويقال أمية بن البرك، فيما قال ابن هشام.
قال ابن إسحاق: ومعن بن عدي بن الجد بن العجلان بن [حارثة] بن ضبيعة
[بن حرام] لهم من بلي، شهد بدرا وأحدا والخندق، ومشاهد رسول الله صلى
الله عليه وسلم كلها، قتل يوم اليمامة شهيدا في خلافة أبي بكر الصديق
رضي الله عنه. وعويم بن ساعدة شهد بدرا وأحدا والخندق خمسة نفر.
فجميع من شهد العقبة من الأوس أحد عشر رجلا.
من شهدها من الخرزج بن حارثة:
وشهدها من الخزرج بن حارثة بن ثعلبة بن عمرو بن عامر، ثم من بني النجار
وهو تيم الله بن ثعلبة بن عمرو بن الخزرج: أبو أيوب وهو خالد بن زيد بن
كليب بن ثعلبة بن عبد بن عوف بن غنم بن مالك بن النجار شهد بدرا وأحدا
والخندق، والمشاهد كلها، مات بأرض الروم غازيا في زمن معاوية بن أبي
سفيان. ومعاذ بن الحارث بن رفاعة بن سواد بن مالك بن غنم بن مالك بن
النجار شهد بدرا وأحدا والخندق، والمشاهد كلها، وهو ابن عفراء، وأخوه
عوف بن الحارث، شهد بدرا وقتل به شهيدا، وهو الذي قتل أبا جهل بن هشام
بن المغيرة وهو لعفراء - ويقال رفاعة بن الحارث بن سواد فيما قال ابن
هشام - وعمارة بن حزم بن زيد بن لوذان بن
ـــــــ
أبي حنيفة له أنه الذي نسميه ببلادنا حمص الأمير. والقطبة طرف النصل.
(4/89)
عمرو بن عبد
عوف بن غنم بن مالك بن النجار. شهد بدرا وأحدا والخندق، والمشاهد كلها،
قتل يوم اليمامة شهيدا في خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه وأسعد بن
زرارة بن عدس بن عبيد بن ثعلبة بن غنم بن مالك بن النجار نقيب مات قبل
بدر ومسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم يبنى، وهو أبو أمامة. ستة نفر.
من شهدها من بني عمرو بن مبذول:
ومن بني عمرو بن مبذول - ومبذول عامر بن مالك بن النجار: سهل بن عتيك
بن نعمان بن عمرو بن عتيك بن عمرو، شهد بدرا. رجل.
من شهدها من بني عمرو بن مالك:
ومن بني عمرو بن مالك بن النجار وهم بنو حديلة - قال ابن هشام: حديلة
بنت مالك بن زيد مناة بن حبيب بن عبد حارثة بن مالك بن غضب بن جشم بن
الخزرج - أوس بن ثابت بن المنذر بن حرام بن عمرو بن زيد مناة بن عدي بن
عمرو بن مالك، شهد بدرا. وأبو طلحة وهو زيد بن سهل بن الأسود بن حرام
بن عمرو بن زيد مناة بن عدي بن عمرو بن مالك، شهد بدرا. رجلان.
من شهدها من بني مازن بن النجار:
ومن بني مازن بن النجار قيس بن أبي صعصعة، واسم أبي صعصعة عمرو بن زيد
بن عوف بن مبذول بن عمرو بن غنم بن مازن شهد بدرا، وكان رسول الله صلى
الله عليه وسلم جعله على الساقة يومئذ. وعمرو بن غزية بن عمرو بن ثعلبة
بن خنساء بن
ـــــــ
وذكر ذكوان بن عبد قيس، ونسبه إلى عامر بن زريق بن عامر بن زريق بن
رواحة بن غضب بن جشم والغضب في اللغة الشديد الحمرة وجشم معدول
(4/90)
مبذول بن عمرو
بن غنم بن مازن. رجلان. فجميع من شهد العقبة من بني النجار أحد عشر
رجلا.
تصويب نسب عمروبن غزية :
قال ابن هشام: عمرو بن غزية بن عمرو بن ثعلبة بن خنساء هذا الذي ذكره
ابن إسحاق، إنما هو غزية بن عطية بن خنساء.
من شهدها من بلحارث بن الخزرج:
قال ابن إسحاق: ومن بلحارث بن الخزرج: سعد بن الربيع بن عمرو بن أبي
زهير بن مالك بن امرئ القيس بن مالك [الأغر] بن ثعلبة بن كعب بن الخزرج
بن الحارث نقيب شهد بدرا وقتل يوم أحد شهيدا. وخارجة بن زيد بن أبي
زهير بن مالك بن امرئ القيس بن مالك [الأغر] بن ثعلبة بن كعب بن الخزرج
بن الحارث شهد بدرا وقتل يوم أحد شهيدا وعبد الله بن رواحة [بن ثعلبة]
بن امرىء القيس بن عمرو بن امرئ القيس بن مالك الأغر] بن ثعلبة بن كعب
بن الخزرج بن الحارثنقيب شهد بدرا وأحدا والخندق ومشاهد رسول الله صلى
الله عليه وسلم كلها، إلا الفتح وما بعده وقتل يوم مؤتة شهيدا أميرا
لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبشير بن سعد بن ثعلبة بن الجلاس بن
زيد بن مالك [الأغر] بن ثعلبة بن كعب بن الخزرج بن الحارث أبو النعمان
بن بشير شهد بدرا. وعبد الله بن زيد بن ثعلبة بن عبد ربه بن زيد [مناة]
بن الحارث بن الخزرج [بن حارثة] شهد بدرا، وهو الذي أري النداء للصلاة
فجاء
ـــــــ
عن جاشم وهو من جشمت الأمر [تكلفته على مشقة] كما عدلوا عمر عن عامر
وقد أملينا جزءا في أسرار ماينصرف وما لا ينصرف شرحنا فيه فائدة العدل
عن فاعل إلى فعل وما حقيقة العدل والمقصود به ولم لم يعدل عن أسماء
الأجناس ولم لم يكن إلا في الصفات ولم لم يكن من الصفات إلا في مثل
عامر وزافر وقاثم ولم يكن
(4/91)
به إلى رسول
الله - صلى الله عليه وسلم - فأمر به. وخلاد بن سويد بن ثعلبة بن عمرو
بن حارثة بن امرئ القيس بن مالك [الأغر] بن ثعلبة بن كعب بن الخزرج بن
الحارث [بن الخزرج] شهد بدرا وأحدا والخندق وقتل يوم بني قريظة شهيدا،
طرحت عليه رحى من أطم من آطامها فشدخته شدخا شديدا، فقال رسول الله -
صلى الله عليه وسلم - فيما يذكرون – "إن له لأجر شهيدين" وعقبة بن عمرو
بن ثعلبة بن أسيرة بن عسيرة بن جدارة بن عوف بن الحارث [بن الخزرج] وهو
أبو مسعود وكان أحدث من شهد العقبة سنا، مات في أيام معاوية لم يشهد
بدرا سبعة نفر.
من شهدها من بني بياضةبن عامر:
ومن بني بياضة بن عامر بن زريق بن عبد حارثة بن مالك بن غضب بن جشم بن
الخزرج: زياد بن لبيد بن ثعلبة بن سنان بن عامر بن عدي بن أمية بن
بياضة شهد بدرا. وفروة بن عمرو بن وذفة بن عبيد بن عامر بن بياضة شهد
بدرا. قال ابن هشام: ويقال ودفة
ـــــــت
في مالك وصالح وسالم ولم خص فعل هذا البناء بالعدل إليه وهل عدل إلى
بناء غيره أم لا ولم منع الخفض والتنوين إذا كان معدولا إلى هذا البناء
فمن اشتاق إلى معرفة هذه الأسرار فلينظرها هنالك فإن ابن جني قد حام في
كتاب الخصائص على بعضها، فما ورد وصأصأ فما فقح.
وذكر في بني بياضة عمرو بن وذقة بذال معجمة وقال ابن هشام: وذفة بدال
مهملة وهو الأصح، والودفة الروضة الناعمة سميت بذلك لأنها تقطر ماء من
نعمتها، والأداف الذكر وأصله وداف سمي بذلك الموضع قطر الماء والمني
منه ويقال للروضة الناعمة الدقرى، وعمرو بن ودفة هذا هو البياضي الذي
روى عنه مالك في كتاب الصلاة ولم يسمه وفي الأنصار [من قبائل الخزرج]
بنو النجار،
(4/92)
<284> قال ابن
إسحاق: وخالد بن قيس بن مالك بن العجلان بن عامر بن بياضة شهد بدرا.
ثلاثة نفر.
من شهدها من بني زريق:
ومن بني زريق بن عامر بن زريق بن عبد حارثة بن مالك بن غضب بن جشم بن
الخزرج: رافع بن مالك بن العجلان بن عمرو بن عامر بن زريق نقيب. وذكوان
بن عبد قيس بن خلدة بن مخلد بن عامر بن زريق [بن عامر بن زريق بن عبد
حارثة]، وكان خرج إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان معه بمكة
وهاجر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة، فكان يقال له
مهاجري أنصاري، شهد بدرا وقتل يوم أحد شهيدا. وعباد بن قيس بن عامر بن
خلدة بن مخلد بن عامر بن زريق، شهد بدرا. والحارث بن قيس بن خالد بن
مخلد بن عامر بن زريق، وهو أبو خالد شهد بدرا. أربعة نفر.
من شهدها من بني سلمة ين سعد:
ومن بني سلمة بن سعد بن علي بن أسد بن ساردة بن تزيد بن جشم بن
__________
وهم تيم الله بن ثعلبة، سمي النجار فيما ذكروا لأنه نجر وجه رجل بقدوم
وقيل كان نجارا، وثعلبة في العرب كثير في الرجال وقل ما يسمون بثعلب
وإن كان ذلك هو القياس كما يسمون بنمر وسبع وذئب ولكن الثعلب اسم مشترك
إذ يقال ثعلب الرمح وثعلب الحوض وهو مخرج الماء منه وفي الحديث حتى قام
أبو لبابة يسد ثعلب مربده بردائه فكأنهم عدلوا عن التسمية بثعلب لهذا
الاشتراك مع أن الثعلبة أحمى لأدراصها وأغير على أجرائها من الثعلب.
وذكر قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لبني سلمة: "من سيدكم" ؟
فقالوا جد بن قيس على بخل فيه فقال وأي داء أكبر من البخل ؟ بل سيدكم
الأبيض الجعد بشر بن
(4/93)
الخزرج ; ثم من
بني عبيد بن عدي بن غنم بن كعب بن سلمة البراء بن معرور بن صخر بن
خنساء بن سنان بن عبيد بن عدي بن غنم نقيب وهو الذي تزعم بنو سلمة أنه
كان <285> أول من ضرب على يد رسول الله صلى الله عليه وسلم وشرط له
واشترط عليه ثم توفي قبل مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة .
وابنه بشر بن البراء بن معرور، شهد بدرا وأحدا والخندق، ومات بخيبر من
أكلة أكلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من الشاة التي سم فيها -
وهو الذي قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم حين سأل بني سلمة "من
سيدكم يا بني سلمة" ؟ فقالوا: الجد بن قيس، على بخله فقال رسول الله
صلى الله عليه وسلم "وأي داء أكبر من البخل سيد بني سلمة الأبيض الجعد
بشر بن البراء بن معرور" وسنان بن صيفي بن صخر بن خنساء بن سنان بن
عبيد، شهد بدرا، والطفيل بن النعمان بن خنساء بن سنان بن عبيد، شهد
بدرا، وقتل يوم الخندق شهيدا. ومعقل بن المنذر بن سرح بن خناس بن سنان
بن عبيد، شهد بدرا. ويزيد بن المنذر بن سرح بن خناس بن سنان بن عبيد
شهد بدرا. ومسعود بن يزيد بن سبيع بن خنساء بن سنان بن عبيد. والضحاك
بن حارثة بن زيد بن ثعلبة بن عبيد، شهد بدرا، ويزيد بن خدام أو [ابن
حرام أو خدارة] بن سبيع بن خنساء بن سنان بن عبيد. وجبار بن صخر بن
أمية بن خنساء بن سنان بن عبيد [بن عدي بن غنم بن كعب بن سلمة]، شهد
بدرا.
قال ابن هشام: ويقال جبار بن صخر بن أمية بن خناس.
ـــــــ
البراء" وروي عن الزهري وعامر الشعبي أنهما قالا في هذا الحديث عن
النبي عليه السلام " بل سيدكم عمرو بن الجموح" وقال شاعر الأنصار في
ذلك
وقال رسول الله والحق قوله ... لمن قال منا من تعدون سيدا
فقالوا له جد بن قيس على التي ... نبخله فيها، وما كان أسودا
فسود عمرو بن الجموح لجوده ... وحق لعمرو وعندنا أن يسودا
ذكر خديج بن سلامة البلوي:
فصل: وذكر خديج بن سلامة البلوي وهو خديج بخاء منقوطة مفتوحة ودال
(4/94)
قال ابن إسحاق:
والطفيل بن مالك بن خنساء بن سنان بن عبيد شهد بدرا. أحد عشر رجلا.
من شهدها من بني سواد بن غنم:
ومن بني سواد بن غنم بن كعب بن سلمة ثم من بني كعب بن سواد كعب بن مالك
بن أبي كعب بن القين بن كعب. رجل.
من شهدها من بني غنم بن سولد:
ومن بني غنم بن سواد بن غنم بن كعب بن سلمة سليم بن عمرو بن حديدة بن
عمرو بن غنم، شهد بدرا. وقطبة بن عامر بن حديدة بن عمرو بن غنم شهد
بدرا. ويزيد بن عامر بن حديدة بن عمرو بن غنم وهو أبو المنذر شهد بدرا.
وأبو اليسر واسمه كعب بن عمرو بن عباد بن عمرو بن غنم [بن سواد بن غنم
بن كعب بن سلمة]، شهد بدرا. وصيفي بن سواد بن عباد بن عمرو بن غنم.
خمسة نفر.
تصويب اسم صيفي:
قال ابن هشام: صيفي بن أسود بن عباد بن عمرو بن غنم بن سواد وليس لسواد
ابن يقال له غنم.
من شهدها من بني نابي بن عمرو:
قال ابن إسحاق: ومن بني نابي بن عمرو بن سواد بن غنم بن كعب بن سلمة
ثعلبة بن غنمة بن عدي بن نابي، شهد بدرا، وقتل بالخندق شهيدا. وعمرو بن
غنمة بن عدي بن نابي، وعبس بن عامر بن عدي بن نابي، شهد بدرا. وعبد
الله بن أنيس، حليف لهم من قضاعة. وخالد بن عمرو بن عدي بن نابي. خمسة
نفر.
من شهدها من بني حرام بن كعب:
قال ابن إسحاق: ومن بني حرام بن كعب بن غنم بن كعب بن سلمة
__________
مكسورة كذا ذكره الدارقطني وغيره وذكره الطبري، وقال شهد العقبة، ولم
يشهد بدرا، وقال يكنى أبا رشيد.
(4/95)
عبد الله بن
عمرو بن حرام بن ثعلبة بن حرام نقيب شهد بدرا، وقتل يوم أحد شهيدا،
وابنه جابر بن عبد الله. ومعاذ بن عمرو بن الجموح بن زيد بن حرام، شهد
بدرا. وثابت بن الجذع - والجذع ثعلبة بن زيد بن الحارث بن حرام - شهد
بدرا، وقتل بالطائف شهيدا. وعمير بن الحارث بن ثعلبة بن زيد بن الحارث
بن حرام شهد بدرا. قال ابن هشام: عمير بن الحارث بن لبدة بن ثعلبة.
قال ابن إسحاق: وخديج بن سلامة بن أوس بن عمرو بن الفرافر [أو القراقر]
حليف لهم من بلي ومعاذ بن جبل بن عمرو بن أوس بن عائذ بن عدي بن كعب بن
عمرو بن أدي بن سعد بن علي بن أسد، يقال أسد بن ساردة بن تزيد بن جشم
بن الخزرج، وكان في بني سلمة شهد بدرا، والمشاهد كلها ومات بعمواس عام
الطاعون بالشام في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه وإنما ادعته بنو
سلمة أنه كان أخا سهل بن محمد بن الجد بن قيس بن صخر بن خنساء بن سنان
بن عبيد بن عدي بن غنم بن كعب بن سلمة. لأمه. سبعة نفر.
تصويب نسب خديج بن سلامة:
قال ابن هشام: أوس ابن عباد بن عدي بن كعب بن عمرو بن أدي بن سعد.
من شهدها من بني عوف بن الخزرج:
قال ابن إسحاق: ومن بني عوف بن الخزرج، ثم من بني سالم بن عوف بن عمرو
بن عوف بن الخزرج: عبادة بن الصامت بن قيس بن أصرم بن فهر بن ثعلبة بن
غنم بن سالم بن عوف نقيب شهد بدرا والمشاهد كلها.
قال ابن هشام: هو غنم بن عوف، أخو سالم بن عوف بن عمرو بن عوف بن
الخزرج.
__________
وذكر معاذ بن جبل ونسبه إلى أدي بن سعد بن علي أخي سلمة وقد انفرض عقب
أدي وآخر من مات منهم عبد الرحمن بن معاذ بن جبل، وقد يقال في أدي
أيضا: أذن في غير رواية ابن إسحاق وابن هشام.
(4/96)
قال ابن إسحاق:
والعباس بن عبادة بن نضلة بن مالك بن العجلان بن زيد بن غنم بن سالم بن
عوف، وكان ممن خرج إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بمكة فأقام
معه بها فكان يقال له مهاجري أنصاري وقتل يوم أحد شهيدا. وأبو عبد
الرحمن يزيد بن ثعلبة بن خزمة بن أصرم بن عمرو بن عمارة، حليف لهم من
بني غصينة من بلي. وعمرو بن الحارث بن لبدة بن عمرو بن ثعلبة: أربعة
نفر وهم القواقل.
من شهدها من بني سالم بن غنم:
ومن بني سالم بن غنم بن عوف بن الخزرج، وهم بنو الحبلى - قال ابن هشام:
الحبلى: سالم بن غنم بن عوف، وإنما سمي الحبلى - لعظم بطنه رفاعة بن
عمرو بن زيد بن عمرو بن ثعلبة بن مالك بن سالم بن غنم، شهد بدرا، وهو
أبو الوليد.
قال ابن هشام: ويقال رفاعة ابن مالك ومالك ابن الوليد بن عبد الله بن
مالك بن ثعلبة بن جشم بن مالك بن سالم.
قال ابن إسحاق: وعقبة بن وهب بن كلدة بن الجعد بن هلال بن الحارث بن
عمرو بن عدي بن جشم بن عوف بن بهثة بن عبد الله بن غطفان بن سعد بن قيس
بن عيلان، حليف لهم شهد بدرا، وكان ممن خرج إلى رسول الله صلى الله
عليه وسلم مهاجرا من المدينة إلى مكة ، فكان يقال له مهاجري أنصاري.
قال ابن هشام: رجلان.
من شهدها من بني ساعدة بن كعب:
قال ابن إسحاق: ومن بني ساعدة بن كعب بن الخزرج: سعد بن عبادة بن دليم
بن حارثة بن أبي خزيمة بن ثعلبة بن طريف بن الخزرج بن ساعدة نقيب
ـــــــ
وذكر أن معاذ بن جبل مات في طاعون عمواس، هكذا تقيد في النسخة عمواس
بسكون الميم وقال فيه البكري في كتاب المعجم من أسماء البقع عمواس بفتح
(4/97)
والمنذر بن
عمرو بن خنيس بن حارثة بن لوذان بن عبد ود بن زيد بن ثعلبة بن جشم بن
الخزرج بن ساعدة، نقيب شهد بدرا وأحدا، وقتل يوم بئر معونة أميرا لرسول
الله صلى الله عليه وسلم وهو الذي كان يقال له أعنق ليموت. رجلان.
قال ابن هشام: ويقال المنذر:ابن عمرو بن خنش.
قال ابن إسحاق: فجميع من شهد العقبة من الأوس والخزرج ثلاثة وسبعون
رجلا وامرأتان منهم يزعمون أنهما قد بايعتا، وكان رسول الله صلى الله
عليه وسلم لا يصافح النساء إنما كان يأخذ عليهن فإن أقررن قال: "اذهبن
فقد بايعتكن" .
من شهدها من بني مازن بن النجار:
ومن بني مازن بن النجار نسيبة بنت كعب بن عمرو بن عوف بن مبذول بن عمرو
بن غنم بن مازن [بن النجار]، وهي أم عمارة كانت شهدت الحرب مع رسول
الله - صلى الله عليه وسلم - وشهدت معها أختها. وزوجها زيد بن عاصم بن
كعب. وابناها: حبيب بن زيد، وعبد الله بن زيد، وابنها حبيب الذي أخذه
مسيلمة الكذاب الحنفي، صاحب اليمامة، فجعل يقول له أتشهد أن محمدا رسول
الله ؟ فيقول نعم فيقول أفتشهد أني رسول الله ؟ فيقول: لا أسمع فجعل
يقطعه عضوا عضوا حتى مات في يده لا يزيده على ذلك إذا ذكر له رسول الله
صلى الله عليه وسلم آمن به وصلى عليه وإذا ذكر له مسيلمة قال لا أسمع -
فخرجت إلى اليمامة مع المسلمين فباشرت الحرب بنفسها، حتى قتل الله
مسيلمة ورجعت وبها اثنا عشر جرحا، من بين طعنة وضربة.
ـــــــ
الميم والعين وهي قرية بالشام عرف الطاعون بها لأنه منها بدأ وقيل إنما
سمي طاعون عمواس لأنه عم وآسى أي جعل بعض الناس أسوة بعض.
وذكر يزيد بن ثعلبة بن خزمة بسكون الزاي كذا قال فيه ابن إسحاق وابن
الكلبي وقال الطبري فيه خزمة بتحريك الزاي وهو بلوي من بني عمارة بفتح
العين
(4/98)
قال ابن إسحاق:
حدثني هذا الحديث عنها محمد بن يحيى بن حبان، عن عبد الله بن عبد
الرحمن بن أبي صعصعة
من شهدها من بني سلمة:
ومن بني سلمة: أم منيع؛ واسمها: أسماء بنت عمروبن عدي بن نابي بن عمرو
بن سواد بن غنم بن كعب بن سلمة.
نزول الأمر لرسول الله صلى الله عليه وسلم في القتال:
بسم الله الرحمن الرحيم. قال حدثنا أبو محمد عبد الملك بن هشام قال
حدثنا زياد بن عبد الله البكائي، عن محمد بن إسحاق المطلبي وكان رسول
الله صلى الله عليه وسلم قبل بيعة العقبة لم يؤذن له في الحرب ولم تحلل
له الدماء إنما يؤمر بالدعاء إلى الله والصبر على الأذى، والصفح عن
الجاهل وكانت قريش قد اضطهدت من اتبعه من المهاجرين حتى فتنوهم عن
دينهم ونفوهم من بلادهم فهم من بين مفتون في دينه ومن بين معذب في
أيديهم وبين هارب في البلاد فرارا منهم منهم من بأرض الحبشة ، ومنهم من
بالمدينة وفي كل وجه فلما عتت قريش على الله عز وجل وردوا عليه ما
أرادهم به من الكرامة وكذبوا نبيه صلى الله عليه وسلم وعذبوا ونفوا من
عبده ووحده وصدق نبيه واعتصم بدينه أذن الله عز وجل لرسوله صلى الله
عليه وسلم في القتال والانتصار ممن ظلمهم وبغى عليهم فكانت أول آية
أنزلت في إذنه له في الحرب وإحلاله له الدماء
ـــــــ
وتشديد الميم ولا يعرف عمارة في العرب إلا هذا، كما لا يعرف عمارة بكسر
العين إلا أبي بن عمارة الذي يروي حديثا في المسح على الخفين وقد قيل
فيه عمارة بضم العين وأما سوى هذين فعمارة بالضم غير أن الدارقطني ذكر
عن محمد بن حبيب عن ابن الكلبي في نسب قضاعة: قال مدرك بن عبد الله
القمقام بن عمارة بن ذويد بن مالك. وفي النساء عمارة بنت نافع وهي أم
محمد بن عبد الله بن عبد الرزاق، وفي الأنصار خزمة سوى هذا المذكور
بفتح الزاي كثير.
(4/99)
والقتال لمن
بغى عليهم فيما بلغني عن عروة بن الزبير وغيره من العلماء قول الله
تبارك وتعالى: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا
وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ
دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاَّ أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ
وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ
صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ
اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ
اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ
أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ
وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ}
[الحج:39-41]: أي أني، إنما أحللت لهم القتال لأنهم ظلموا، ولم يكن لهم
ذنب فيما بينهم وبين الناس إلا أن يعبدوا الله وأنهم إذا ظهروا أقاموا
الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر يعني النبي - صلى
الله عليه وسلم - وأصحابه رضي الله عنهم أجمعين ثم أنزل الله تبارك
وتعالى عليه {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ} [الأنفال:39]
أي حتى لا يفتن مؤمن عن دينه {وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ}
[البقرة:193] أي حتى يعبد الله لا يعبد معه غيره
__________
وذكر بني الحبلى والنسب إليه حبلي بضم الحاء والباء قاله سيبويه على
غير قياس النسب وتوهم بعض من ألف في العربية أن سيبويه قال فيه حبلي
بفتح الباء لما ذكره مع جذمي في النسب إلى جذيمة ولم يذكره سيبويه معه
لأنه على وزنه ولكن لأنه شاذ مثله في القياس الذي ذكرناه عن سيبويه من
تقييده بالضم ذكره أبو علي القالي في البارع وقال هكذا تقيد في النسخ
الصحيحة من سيبويه، وحسبك من هذا أن جميع المحدثين يقولون أبو عبد
الرحمن الحبلي بضمتين لا يختلفون في ذلك فدل هذا كله على غلط من نسب
إلى سيبويه أنه فتح الباء.
(4/100)
|