الروض الأنف ت السلامي

الأعداء من يهود:
سبب عداوتهم للمسلمين:
قال ابن إسحاق: ونصبت عند ذلك أحبار يهود لرسول الله صلى الله عليه وسلم العداوة بغيا وحسدا وضغنا، لما خص الله تعالى به العرب من أخذه رسوله منهم وانضاف إليهم رجال من الأوس والخزرج، ممن كان على جاهليته فكانوا أهل نفاق على دين آبائهم من الشرك والتكذيب بالبعث إلا أن الإسلام قهرهم بظهوره واجتماع قومهم عليه فظهروا بالإسلام واتخذوه جنة من القتل ونافقوا في السر، وكان هواهم مع يهود لتكذيبهم النبي - صلى الله عليه وسلم - وجحودهم الإسلام. وكانت أحبار يهودهم الذين يسألون - رسول الله صلى الله عليه وسلم - ويتعنتونه ويأتونه باللبس ليلبسوا الحق بالباطل فكان القرآن ينزل فيهم فيما يسألون عنه إلا قليلا من المسائل في الحلال والحرام كان المسلمون يسألون عنها.
الأعداء من بني النضير:
منهم حيي بن أخطب، وأخواه أبو ياسر بن أخطب، وجدي بن أخطب
ـــــــ
تسمية اليهود الذين نزل فيهم القرآن
ذكر فيهم جدي بن أخطب بالجيم وهو أخو حيي بن أخطب، وأما حدي

(4/197)


وسلام بن مشكم، وكنانة بن الربيع بن أبي الحقيق وسلام بن أبي الحقيق أبو رافع الأعور وهو الذي قتله أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر - والربيع بن الربيع بن أبي الحقيق وعمرو بن جحاش، وكعب بن الأشرف وهو من طيئ ثم أحد بني نبهان وأمه من بني النضير والحجاج بن عمرو، حليف كعب بن الأشرف وكردم بن قيس، حليف كعب بن الأشرف فهؤلاء من بني النضير.
من بني ثعلبة:
ومن بني ثعلبة بن الفطيون عبد الله بن صوريا الأعور ولم يكن بالحجاز في زمانه أحد أعلم بالتوراة منه وابن صلوبا، ومخيريق، وكان حبرهم أسلم.
من بني قينقاع:
ومن بني قينقاع زيد بن اللصيت - ويقال ابن اللصيت - فيما قال ابن هشام - وسعد بن حنيف، ومحمود بن سيحان، وعزير بن أبي عزير، وعبد الله بن صيف.قال ابن هشام: ويقال ابن ضيف.
ـــــــ
بالحاء فذكره الدارقطني في نسب عتيبة بن الحارث بن شهاب بن حدي التميمي فارس العرب.
وذكر عزير بن أبي عزير وألفيت بخط الحافظ أبي بحر في هذا الموضع يقول عزيز بن أبي عزيز بزايين قيدناه في الجزء قبل.
وذكر ثعلبة بن الفطيون والفطيون كلمة عبرانية وهي عبارة عن كل من ولي أمر اليهود، وملكهم كما أن النجاشي عبارة عن كل من ملك الحبشة ، وخاقان ملك الترك، وقد تقدم من هذا الباب جملة.
وذكر فيهم عبد الله بن صوريا الأعور وكان أعلمهم بالتوراة ذكر النقاش

(4/198)


قال ابن إسحاق: وسويد بن الحارث، ورفاعة بن قيس، وفنحاص وأشيع ونعمان بن أضا، وبحري بن عمرو، وشأس بن عدي، وشأس بن قيس، وزيد بن الحارث ونعمان بن عمرو، وسكين بن أبي سكين، وعدي بن زيد، ونعمان بن أبي أوفى، أبو أنس ومحمود بن دحية ومالك بن صيف.
قال ابن هشام: ويقال ابن ضيف. قال ابن إسحاق: وكعب بن راشد وعازر ورافع بن أبي رافع، وخالد وأزار بن أبي أزار. قال ابن هشام: ويقال آزر بن آزر.
قال ابن إسحاق: ورافع بن حارثة، ورافع بن حريملة، ورافع بن خارجة، ومالك بن عوف ورفاعة بن زيد بن التابوت وعبد الله بن سلام بن الحارث وكان حبرهم وأعلمهم وكان اسمه الحصين فلما أسلم سماه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عبد الله. فهؤلاء من بني قينقاع.
من بني قريظة:
ومن بني قريظة: الزبير بن باطا بن وهب وعزال بن شمويل، وكعب بن
ـــــــ
أنه أسلم لما تحقق من صفات محمد - صلى الله عليه وسلم - في التوراة، وأنه هو وليس في سيرة ابن إسحاق ذكر إسلامه.
يهود المدينة:
فصل: وقوله ومن يهود بني زريق، ومن يهود بني حارثة، وذكر قبائل من الأنصار، وإنما اليهود بنو إسرائيل، وجملة من كان منهم بالمدينة وخيبر إنما هم [بنو] قريظة [وبنو] النضير وبنو قينقاع، غير أن في الأوس والخزرج من قد تهود وكان من نسائهم من تنذر إذا ولدت إن عاش ولدها أن تهوده لأن اليهود عندهم كانوا أهل علم وكتاب وفي هؤلاء الأبناء الذين تهودوا نزلت {لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} [البقرة: 256] حين أراد آباؤهم إكراههم على الإسلام في أحد الأقوال.

(4/199)


أسد، وهو صاحب عقد بني قريظة الذي نقض عام الأحزاب، وشمويل بن زيد، وجبل بن عمرو بن سكينة، والنحام بن زيد، وقردم بن كعب، ووهب بن زيد، ونافع بن أبي نافع، وأبو نافع وعدي بن زيد، والحارث بن عوف، وكردم بن زيد وأسامة بن حبيب، ورافع بن رميلة وجبل بن أبي قشير، ووهب بن يهوذا، فهؤلاء من بني قريظة.
من بني زريق:
ومن يهود بني زريق: لبيد بن أعصم وهو الذي أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نسائه.
ـــــــ
السحر المنسوب إلى النبي صلى الله عليه وسلم:
وأما لبيد بن الأعصم الذي ذكره من يهود بني زريق، وقال هو الذي أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نسائه يعني من الأخذة وهي ضرب من السحر. في الخبر أن القاسم بن محمد ابن الحنفية، كان مؤخذا عن مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يستطيع أن يدخله وكان لبيد هذا قد سحر رسول الله - صلى الله عليه وسلم وجعل سحره في مشط ومشاطة. وروي مشاقة بالقاف وهي مشاقة الكتان وجف طلعة ذكر هي فحال النخل وهو ذكاره. والجف: غلاف للطلعة ويكون لغيرها، ويقال للجف القيقاء وتصنع منه آنية يقال لها: التلاتل [جمع: تلتلة] قاله أبو حنيفة ودفنه في بئر ذي أروان، وأكثر أهل الحديث يقولون ذوران تحت راعوفة البئر [أو أرعوفتها]، وهي صخرة في أسفله يقف عليها المائح وهذا الحديث مشهور عند الناس ثابت عند أهل الحديث غير أني لم أجد في الكتب المشهورة كم لبث - رسول الله صلى الله عليه وسلم - بذلك السحر حتى شفي منه ثم وقعت على البيان في جامع معمر بن راشد. روى معمر عن الزهري، قال سحر رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة يخيل إليه أنه يفعل الفعل وهو لا يفعله وقد طعنت

(4/200)


من بني حارثة :
ومن يهود بني حارثة: كنانة بن صوريا.
من بني عمرو:
ومن يهود بني عمرو بن عوف: قردم بن عمرو.
من بني النجار:
ومن يهود بني النجار: سلسلة بن برهام.
ـــــــ
المعتزلة في هذا الحديث وطوائف من أهل البدع وقالوا: لا يجوز على الأنبياء أن يسحروا، ولو جاز أن يسحروا، لجاز أن يجنوا.
ونزع بقوله عز وجل {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} [المائدة 67] والحديث ثابت خرجه أهل الصحيح ولا مطعن فيه من جهة النقل ولا من جهة العقل لأن العصمة إنما وجبت لهم في عقولهم وأديانهم وأما أبدانهم فإنهم يبتلون فيها، ويخلص إليهم بالجراحة والضرب والسموم والقتل والأخذة التي أخذها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من هذا الفن إنما كانت في بعض جوارحه دون بعض.
أما قوله سبحانه {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} [المائدة 67] فإنه قد روي أنه كان يحرس في الغزو حتى نزلت هذه الآية فأمر حراسه أن ينصرفوا عنه وقال لا حاجة لي بكم فقد عصمني الله من الناس أو كما قال
فقه حديث السحر:
وأما ما فيه من الفقه فإن عائشة قالت له هلا تنشرت، فقال: "أما أنا فقد شفاني الله وأكره أن أثير على الناس شرا" وهو حديث مشكل في ظاهره وإنما جاء الإشكال فيه من قبل الرواة فإنهم جعلوا جوابين لكلامين كلاما واحدا، وذلك أن

(4/201)


فهؤلاء أحبار اليهود، أهل الشرور والعداوة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه وأصحاب المسألة والنصب لأمر الإسلام الشرور ليطفئوه إلا ما كان من عبد الله بن سلام ومخيريق.
ـــــــ
أن عائشة قالت له أيضا: هلا استخرجته، أي هلا استخرجت السحر من الجف والمشاطة حتى ينظر إليه فلذلك قال وأكره أن أثير على الناس شرا، قال ابن بطال: كره أن يخرجه. فيتعلم منه بعض الناس فذلك هو الشر الذي كرهه.
قال المؤلف ويجوز أن يكون الشر غير هذا، وذلك أن الساحر كان من بني زريق فلو أظهر سحره للناس وأراهم إياه لأوشك أن يريد طائفة من المسلمين قتله ويتعصب له آخرون من عشيرته فيثور شر كما ثار في حديث الإفك من الشر ما سيأتي بيانه.
وقول عائشة هلا استخرجته هو في حديثين رواهما البخاري جميعا، وأما جوابه لها في حديث هلا تنشرت: بقوله: "أما أنا فقد شفاني الله" وجوابه لها حين قالت هلا استخرجته بأن قال أكره أن أثير على الناس شرا، فلما جمع الراوي بين الجوابين في حديث واحد استغلق الكلام وإذا نظرت الأحاديث متفرقة تبينت، وعلى هذا النحو شرح هذا الحديث ابن بطال.
وأما الفقه الذي أشرنا إليه فهو إباحة النشرة من قول عائشة هلا تنشرت، ولم ينكر عليها قولها.
وذكر البخاري عن سعيد بن المسيب أنه سئل عن النشرة للذي يؤخذ عن أهله فقال لا بأس لم ينه عن الصلاح إنما نهي عن الفساد ومن استطاع أن ينفع أخاه فليفعل ومن الناس من كره النشرة على العموم ونزع بحديث خرجه أبو داود

(4/202)


إسلام عبد الله بن سلام:
كيف أسلم:
قال ابن إسحاق: وكان من حديث عبد الله بن سلام، كما حدثني بعض أهله عنه. وعن إسلامه حين أسلم، وكان حبرا عالما، قال لما سمعت برسول الله صلى الله عليه وسلم عرفت صفته واسمه وزمانه الذي كنا نتوكف له فكنت مسرا لذلك صامتا عليه حتى قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ، فلما نزل بقباء في بني عمرو بن عوف، أقبل رجل حتى أخبر بقدومه وأنا في رأس نخلة لي أعمل فيها، وعمتي خالدة بنة الحارث تحتي
ـــــــ
مرفوعا: "أن النشرة من عمل الشيطان" وهذا - والله أعلم - في النشرة التي فيها الخواتم والعزائم وما لا يفهم من الأسماء العجمية ولولا الإطالة المخرجة لنا عن غرضنا لقدرنا الرخصة بالآثار وهذا القدر كاف والله المستعان. وكانت عقد السحر أحد عشر عقدة فأنزل الله تعالى المعوذتين أحد عشر آية فانحلت بكل آية عقدة قال تعالى: {وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ} [الفلق: 4] ولم يقل النفاثين وإنما كان الذي سحره رجلا والجواب أن الحديث قد رواه إسماعيل القاضي، وزاد في روايته أن زينب اليهودية أعانت لبيد بن الأعصم على ذلك السحر مع أن الأخذة في الغالب من عمل النساء وكيدهن.
إسلام عبد الله بن سلام:
سلام هو بتخفيف اللام ولا يوجد من اسمه سلام بالتخفيف في المسلمين لأن السلام من أسماء الله فيقال عبد السلام ويقال سلام بالتشديد وهو كثير وإنما سلام بالتخفيف في اليهود، وهو والد عبد الله بن سلام منهم.
ذكر فيه قول عمته خالدة أهو النبي الذي كنا نخبر أنه يبعث مع نفس الساعة وهذا الكلام في معنى قوله عليه السلام "إني لأجد نفس الساعة بين كتفي" وفي

(4/203)


جالسة فلما سمعت الخبر بقدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم كبرت، فقالت لي عمتي، حين سمعت تكبيري: خيبك الله والله لو كنت سمعت بموسى بن عمران قادما ما زدت، قال فقلت لها: أي عمة هو والله أخو موسى بن عمران وعلى دينه بعث بما بعث به. قالت أي ابن أخي، أهو النبي الذي كنا نخبر أنه يبعث مع نفس الساعة ؟ قال فقلت لها: نعم. قال فقالت فذاك إذا. قال ثم خرجت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلمت، ثم رجعت إلى أهل بيتي، فأمرتهم فأسلموا.
قومه يكذبونه ولا يتبعونه:
قال وكتمت إسلامي من يهود ثم جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت له يا رسول
ـــــــ
معنى قوله {نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ} [سبأ: 46] ومن كان بين يدي طالبه فنفس الطالب بين كتفيه وكأن النفس في هذا الحديث عبارة عن الفتن المؤذنة بقيام الساعة وكان بدؤها حين ولى أمته ظهره خارجا من بين ظهرانيهم إلى الله تعالى، ألا تراه يقول في حديث آخر "وأنا أمان لأمتي، فإذا ذهبت أتى أمتي ما يوعدون" فكانت بعده الفتنة ثم الهرج المتصل بيوم القيامة ونحو من هذا قوله عليه السلام "بعثت أنا والساعة كهاتين" ، يعني السبابة والوسطى، وهو حديث يرويه أنس بن مالك، وابن بريدة عن أبيه وجبير بن مطعم، وجابر بن سمرة وأبو هريرة وسهل بن سعد كلهم عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفي حديث سهل سبقتها بما سبقت هذه هذه يعني: الوسطى والسبابة وفي بعض ألفاظ الحديث إن كادت لتسبقني. ورواه أيضا: أبو جبيرة فقال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "جئت أنا والساعة كهاتين سبقتها كما سبقت هذه هذه في نفس من الساعة أو في نفس الساعة" ، خرجها الطبري بجميع أسانيدها، وبعضها في الصحيحين وفي بعضها زيادة على بعض.

(4/204)


الله إن يهود قوم بهت وإني أحب أن تدخلني في بعض بيوتك، وتغيبني عنهم ثم تسألهم عني، حتى يخبروك كيف أنا فيهم قبل أن يعلموا بإسلامي، فإنهم إن علموا به بهتوني وعابوني. قال فأدخلني رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض بيوته ودخلوا عليه فكلموه. وسألوه ثم قال لهم: "أي رجل الحصين بن سلام فيكم ؟ قالوا: سيدنا وابن سيدنا، وحبرنا وعالمنا. قال فلما فرغوا من قولهم خرجت عليهم فقلت لهم يا معشر يهود اتقوا الله واقبلوا ما جاءكم به فوالله إنكم لتعلمون إنه لرسول الله تجدونه مكتوبا عندكم في التوراة باسمه وصفته فإني أشهد أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأومن به وأصدقه وأعرفه فقالوا: كذبت ثم وقعوا بي، قال فقلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ألم أخبرك يا رسول الله أنهم قوم بهت أهل غدر وكذب وفجور قال فأظهرت إسلامي وإسلام أهل بيتي، وأسلمت عمتي خالدة بنت الحارث فحسن إسلامها.
حديث مخيريق:
إسلامه وموته ووصاته:
قال ابن إسحاق: "وكان من حديث مخيريق، وكان حبرا عالما، وكان رجلا غنيا
ـــــــ
وخالدة بنت الحارث قد ذكر إسلامها، وهي مما أغفله أبو عمر في كتاب الصحابة وقد استدركناها عليه في جملة الاستدراكات التي ألحقناها بكتابه.
وذكر حديث مخيريق، وقال فيه مخيريق خير يهود ، ومخيريق مسلم ولا يجوز أن يقال في مسلم هو خير النصارى، ولا خير اليهود، لأن أفعل من كذا إذا أضيف فهو بعض ما أضيف إليه. فإن قيل وكيف جاز هذا ؟ قلنا: لأنه قال خير يهود ولم يقل خير اليهود، ويهود اسم علم كثمود يقال إنهم نسبوا إلى يهود بن يعقوب ثم عربت الذال دالا، فإذا قلت: اليهود بالألف واللام احتمل وجهين النسب والدين الذي هو اليهودية أما النسب فعلى حد قولهم التيم في التيميين، وأما

(4/205)


كثير الأموال من النخل وكان يعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم بصفته وما يجد في علمه وغلب عليه إلف دينه فلم يزل على ذلك حتى إذا كان يوم أحد، وكان يوم أحد يوم السبت، قال يا معشر يهود والله إنكم لتعلمون أن نصر محمد عليكم لحق. قالوا: إن اليوم يوم السبت قال لا سبت لكم. ثم أخذ سلاحه فخرج حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأحد وعهد إلى من وراءه من قومه إن قتلت هذا اليوم فأموالي لمحمد - صلى الله عليه وسلم - يصنع فيها ما أراه الله. فلما اقتتل الناس قاتل حتى قتل. فكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما بلغني - يقول: "مخيريق خير يهود" . وقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم أمواله فعامة صدقات رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة منها
شهادة عن صفية:
قال ابن إسحاق: وحدثني عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم قال حدثت عن صفية بنت حيي بن أخطب أنها قالت كنت أحب ولد أبي إليه وإلى
__________
الدين فعلى حد قولك: النصارى والمجوس أعني: أنها صفة لا أنها نسب إلى أب. وفي القرآن لفظ ثالث لا يتصور فيه إلا معنى واحد وهو الدين دون النسب وهو قوله سبحانه: {وَقَالُوا كُونُوا هُوداً أَوْ نَصَارَى} [البقرة: 135]. بحذف الياء ولم يقل كونوا يهود لأنه أراد التهود وهو التدين بدينهم ولو قال كونوا يهودا بالتدين لجاز أيضا على أحد الوجهين المتقدمين ولو قيل لقوم من العرب: كونوا يهود بغير تنوين. لكان محالا، لأن تبديل النسب حقيقة محال وقد قيل في هود: جمع هائد وهو في معنى ما قلناه فلتعرف الفرق بين قولك هودا بغير ياء ويهودا بالياء والتنوين ويهود بغير تنوين فإنها تفرقة حسنة صحيحة والله أعلم ولم يسلم من أحبار يهود على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا اثنان. وقد جاء في الحديث: "لو

(4/206)


عمي أبي ياسر لم ألقهما قط مع ولد لهما إلا أخذاني دونه. قالت فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ، ونزل قباء ، في بني عمرو بن عوف غدا عليه أبي، حيي بن أخطب، وعمي: أبو ياسر بن أخطب، مغلسين. قالت فلم يرجعا حتى كانا مع غروب الشمس. قالت فأتيا كالين كسلانين ساقطين يمشيان الهوينى. قالت فهششت إليهما كما كنت أصنع فوالله ما التفت إلي واحد منهما، مع ما بهما من الغم. قالت وسمعت عمي أبا ياسر وهو يقول لأبي: حيي بن أخطب: أهو هو ؟ قال نعم والله قال أتعرفه وتثبته ؟ قال نعم قال فما في نفسك منه ؟ قال عداوته والله ما بقيت.
من اجتمع إلى يهود من منافقي الأنصار
من بني عمرو:
قال ابن إسحاق: وكان ممن انضاف إلى يهود ممن سمي لنا من المنافقين من الأوس والخزرج، والله أعلم. من الأوس، ثم من بني عمرو بن عوف بن مالك بن
ـــــــ
اتبعني عشرة من اليهود لم يبق في الأرض يهودي إلا اتبعني" رواه أبو هريرة. وسمع كعب الأحبار أبا هريرة يحدث فقال له إنما الحديث اثنا عشر من اليهود ومصداق ذلك في القرآن {وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً} [المائدة: 12] فسكت أبو هريرة. قال ابن سيرين: أبو هريرة أصدق من كعب. قال يحيى بن سلام كلاهما: صدق; لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما أراد لو اتبعني عشرة من اليهود بعد هذين اللذين قد أسلما.
ذكر المنافقين:
فصل: وذكر تبتلا من المنافقين قال وكان أدلم والأدلم الأسود الطويل من كل شيء. وقيل لجماعة النمل ديلم لسوادهم من كتاب العين.

(4/207)


الأوس ; ثم من بني لوذان بن عمرو بن عوف زوي بن الحارث.
من بني حبيب:
ومن بني حبيب بن عمرو بن عوف جلاس بن سويد بن الصامت، وأخوه الحارث بن سويد.
شيء عن جلاس:
وجلاس الذي قال - وكان ممن تخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك - لئن كان هذا الرجل صادقا لنحن شر من الحمر. فرفع ذلك من قوله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم - عمير بن سعد، أحدهم وكان في حجر جلاس خلف جلاس على أمه بعد أبيه فقال له عمير بن سعد: والله يا جلاس إنك لأحب الناس إلي وأحسنهم عندي يدا، وأعزهم علي أن يصيبه شيء يكرهه ولقد قلت مقالة لئن رفعتها عليك لأفضحنك ولئن صمت عليها ليهلكن ديني، ولإحداهما أيسر علي من الأخرى. ثم مشى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر له ما قال جلاس فحلف جلاس بالله لرسول الله صلى الله عليه وسلم لقد كذب علي عمير وما قلت ما قال عمير بن سعد. فأنزل الله عز وجل فيه {يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا وَمَا نَقَمُوا إِلا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْراً لَهُمْ وَإِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذَاباً أَلِيماً فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ فِي الأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ} [التوبة: 74].
قال ابن هشام: الأليم الموجع. قال ذو الرمة يصف إبلا:
وترفع من صدور شمردلات ... يصك وجوهها وهج أليم
وهذا البيت في قصيدة له.
قال ابن إسحاق: فزعموا أنه تاب فحسنت توبته حتى عرف منه الخير والإسلام.
ـــــــ
......................................

(4/208)


شيء عن الحارث بن سويد:
وأخوه الحارث بن سويد، الذي قتل المجذر بن ذياد البلوي وقيس بن زيد أحد بني ضبيعة يوم أحد. خرج مع المسلمين وكان منافقا، فلما التقى الناس عدا عليهما، فقتلهما ثم لحق بقريش.
قال ابن هشام: وكان المجذر بن ذياد قتل سويد بن صامت في بعض الحروب التي كانت بين الأوس والخزرج فلما كان يوم أحد طلب الحارث بن سويد غرة المجذر بن ذياد ليقتله بأبيه فقتله وحده وسمعت غير واحد من أهل العلم يقول والدليل على أنه لم يقتل قيس بن زيد أن ابن إسحاق لم يذكره في قتلى أحد.
قال ابن إسحاق: قتل سويد بن صامت معاذ ابن عفراء غيلة في غير حرب رماه بسهم فقتله قبل يوم بعاث.
قال ابن إسحاق: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم - فيما يذكرون - قد أمر عمر بن الخطاب بقتله إن هو ظفر به ففاته فكان بمكة ثم بعث إلى أخيه جلاس يطلب التوبة ليرجع إلى قومه. فأنزل الله تبارك وتعالى فيه - فيما بلغني عن ابن عباس: {كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْماً كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [آل عمران: 86] إلى آخر القصة.
ـــــــ
وذكر الحارث بن سويد، وقتله للمجذر بن ذياد. واسم المجذر عبد الله والمجذر الغليظ الخلق.
وذكر أن الله تعالى أنزل في الحارث بن سويد وارتداده: {كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْماً كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ} [آل عمران: 86] فقيل إن هذه الآية مقصورة على سببها مخصوصة بمن سبق في علم الله أنه لا يهديه من كفره ولا يتوب عليه من ظلمه وإلا فالتوبة مفروضة وقد تاب قوم بعد ارتدادهم فقبلت توبتهم. وقيل ليس فيها نفي

(4/209)


من بني ضبيعة:
ومن بني ضبيعة بن زيد بن مالك بن عوف بن عمرو بن عوف بجاد بن عثمان بن عامر.
من بني لوذان:
ومن بني لوذان بن عمرو بن عوف نبتل بن الحارث وهو الذي قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم - فيما بلغني: "من أحب أن ينظر إلى الشيطان فلينظر إلى نبتل بن الحارث" وكان رجلا جسيما أدلم ثائر شعر الرأس أحمر العينين أسفع الخدين وكان يأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم يتحدث إليه فيسمع منه ثم ينقل حديثه إلى المنافقين وهو الذي قال إنما محمد أذن من حدثه شيئا صدقه. فأنزل الله عز وجل فيه {وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [التوبة: 61].
قال ابن إسحاق: وحدثني بعض رجال بلعجلان أنه حدث أن جبريل عليه السلام أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له إنه يجلس إليك رجل أدلم ثائر شعر الرأس أسفع الخدين أحمر العينين كأنهما قدران من صفر كبده أغلظ من كبد الحمار ينقل حديثك إلى المنافقين فاحذره. وكانت تلك صفة نبتل بن الحارث فيما يذكرون.
منى بني ضبيعة:
ومن بني ضبيعة أبو حبيبة بن الأزعر وكان ممن بنى مسجد الضرار ، وثعلبة بن حاطب، ومعتب بن قشير، وهما اللذان عاهدا الله لئن آتانا من فضله لنصدقن ولنكونن من الصالحين إلخ القصة. ومعتب الذي قال يوم أحد: لو كان لنا
ـــــــ
لقبول التوبة فإنه قال {كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ} ولم يقل لا يهدي الله على أنه قد قال في آخرها: {وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [آل عمران: 86] إلى آخر القصة.وذلك يرجع إلى الخصوص كما قدمنا أو إلى معنى الهداية في الظلمة التي عند الصراط بالنور التام يوم القيامة فإن ذلك منتف عمن مات غير تائب من كفره وظلمه. والله أعلم.

(4/210)


من الأمر شيء ما قتلنا هاهنا. فأنزل الله تعالى في ذلك من قوله {وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَا لا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا} [آل عمران: 154] إلى آخر القصة.
وهو الذي قال يوم الأحزاب: كان محمد يعدنا أن نأكل كنوز كسرى وقيصر وأحدنا لا يأمن أن يذهب إلى الغائط. فأنزل الله عز وجل فيه {وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلاَّ غُرُوراً} [الأحزاب: 12] والحارث بن حاطب.
معتب وابنا حاطب بدريون وليسوا منافقين:
قال ابن هشام: معتب بن قشير، وثعلبة والحارث ابنا حاطب وهم من بني أمية بن زيد من أهل بدر وليسوا من المنافقين فيما ذكر لي من أثق به من أهل العلم وقد نسب ابنا إسحاق ثعلبة والحارث في بني أمية بن زيد في أسماء أهل بدر.
قال ابن إسحاق: وعباد بن حنيف أخو سهل بن حنيف ; ويخرج وهم ممن كان بنى مسجد الضرار ، وعمرو بن خذام، وعبد الله بن نبتل.
من بني ثعلبة:
ومن بني ثعلبة بن عمرو بن عوف جارية بن عامر بن العطاف وابناه زيد ومجمع ابنا جارية وهم ممن اتخذ مسجد الضرار . وكان مجمع غلاما حدثا قد جمع من القرآن أكثره وكان يصلي بهم فيه ثم إنه لما أخرب المسجد وذهب رجال من بني عمرو بن عوف كانوا يصلون ببني عمرو بن عوف في مسجدهم وكان زمان عمر بن الخطاب، كلهم في مجمع ليصلي بهم فقال لا، أوليس بإمام المنافقين في مسجد الضرار ؟ فقال لعمر يا أمير المؤمنين والله الذي لا إله إلا هو ما علمت بشيء من أمرهم ولكني كنت غلاما قارئا للقرآن وكانوا لا قرآن معهم
ـــــــ
.....................................................

(4/211)


فقدموني أصلي بهم وما أرى أمرهم إلا على أحسن ما ذكروا فزعموا أن عمر تركه فصلى بقومه.
من بني أمية:
ومن بني أمية بن زيد بن مالك وديعة بن ثابت، وهو ممن بنى مسجد الضرار ، وهو الذي قال إنما كنا نخوض ونلعب. فأنزل الله تبارك وتعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ} [المائدة: 65]. إلى آخر القصة.
من بني عبيد:
ومن بني عبيد بن زيد بن مالك خذام بن خالد وهو الذي أخرج مسجد الضرار من داره وبشر ورافع ابنا زيد.
من بني النبيت:
ومن بني النبيت - قال ابن هشام: النبيت عمرو بن مالك بن الأوس - قال ابن إسحاق: ثم من بني حارثة بن الحارث بن الخزرج بن عمرو بن مالك بن الأوس: مربع بن قيظي، وهو الذي قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين أجاز في حائطه ورسول الله صلى الله عليه وسلم عامد إلى أحد: لا أحل لك يا محمد إن كنت نبيا، أن تمر في حائطي، وأخذ في يده حفنة من تراب ثم قال والله لو أعلم أني لا أصيب بهذا التراب غيرك لرميتك به فابتدره القوم ليقتلوه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "دعوه فهذا الأعمى، أعمى القلب، أعمى البصيرة" .
فضربه سعد بن زيد، أخو بني عبد الأشهل بالقوس فشجه وأخوه أوس بن قيظي وهو الذي قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الخندق: يا رسول الله إن بيوتنا عورة، فأذن لنا فلنرجع إليها. فأنزل الله تعالى فيه {يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلاَّ فِرَاراً} [الأحزاب: 13].
ـــــــ
............................................

(4/212)


قال ابن هشام: عورة أي معورة للعدو وضائعة وجمعها: عورات قال النابغة الذبياني
متى تلقهم لا تلق للبيت عورة ... ولا الجار محروما ولا الأمر ضائعا
وهذا البيت في أبيات له. والعورة أيضا: عورة الرجل وهي حرمته. والعورة أيضا السوأة.
من بني ظفرة:
قال ابن إسحاق: ومن بني ظفر واسم ظفر كعب بن الحارث بن الخزرج حاطب بن أمية بن رافع وكان شيخا جسيما قد عسا في جاهليته وكان له ابن من خيار المسلمين يقال له يزيد بن حاطب أصيب يوم أحد حتى أثبتته الجراحات فحمل إلى دار بني ظفر.
قال ابن إسحاق: فحدثني عاصم بن عمر بن قتادة أنه اجتمع إليه من بها من رجال المسلمين ونسائهم وهو بالموت فجعلوا يقولون أبشر يا ابن حاطب بالجنة. قال فنجم نفاقه حينئذ فجعل يقول أبوه أجل جنة والله من حرمل. غررتم والله هذا المسكين من نفسه.
قال ابن إسحاق: وبشير بن أبيرق وهو أبو طعمة سارق الدرعين الذي
ـــــــ
ذكر حديث بشير بن أبيرق سارق الدرعين
وذكر أن الله أنزل فيه {وَلا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ} [النساء: 107] الآية وكان من قصة الدرعين وقصة بشير أن بني أبيرق وهم ثلاثة بشير ومبشر وبشر نقبوا مشربة أو نقبها بشير وحده على ما قال ابن إسحاق، وكانت

(4/213)


أنزل الله تعالى فيه {وَلا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّاناً أَثِيماً} [النساء: 107]وقزمان: حليف لهم.
قال ابن إسحاق: فحدثني عاصم بن عمر بن قتادة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: "إنه لمن أهل النار" . فلما كان يوم أحد قاتل قتالا شديدا حتى قتل بضعة نفر من المشركين فأثبتته الجراحات فحمل إلى دار بني ظفر، فقال له رجال من المسلمين أبشر يا قزمان، فقد أبليت اليوم وقد أصابك ما ترى في الله قال بماذا أبشر فوالله ما قاتلت إلا حمية عن قومي ; فلما اشتدت به جراحاته وآذته أخذ سهما من كنانته فقطع به رواهش يده فقتل نفسه.
ـــــــ
المشربة لرفاعة بن زيد وسرقوا أدراعا له وطعاما فعثر على ذلك فجاء ابن أخيه قتادة بن النعمان يشكو بهم إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجاء أسيد بن عروة بن أبيرق إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال يا رسول الله إن هؤلاء عمدوا إلى أهل بيت هم أهل صلاح ودين فأبنوهم بالسرقة ورموهم بها من غير بينة وجعل يجادل عنهم حتى غضب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على قتادة ورفاعة فأنزل الله تعالى: {وَلا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ} [النساء: 107] الآية.
وأنزل الله عز وجل {وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً} [النساء: 112] وكان البريء الذي رموه بالسرقة لبيد بن سهل: قالوا: ما سرقناه وإنما سرقه لبيد بن سهل، فبرأه الله فلما أنزل الله تعالى فيهم ما أنزل هرب ابن أبيرق السارق إلى مكة ، ونزل على سلافة بنت سعد بن شهيد فقال فيها حسان بن ثابت بيتا، يعرض فيه بها، فقالت إنما أهديت لي شعر حسان، وأخذت رحله فطرحته خارج المنزل وقالت حلقت وسلقت وخرقت إن بت في منزلي ليلة سوداء فهرب إلى خيبر، ثم إنه نقب بيتا ذات ليلة

(4/214)


من بني عبد الأشهل:
قال ابن إسحاق: ولم يكن في بني عبد الأشهل منافق ولا منافقة يعلم إلا أن الضحاك بن ثابت، أحد بني كعب رهط سعد بن زيد، قد كان يتهم بالنفاق وحب يهود. قال حسان بن ثابت:
من مبلغ الضحاك أن عروقه ... أعيت على الإسلام أن تتمجدا
أتحب يهدان الحجاز ودينهم ... كبد الحمار ولا تحب محمدا
دينا لعمري لا يوافق ديننا ... ما استن آل في الفضاء وخودا
وكان جلاس بن سويد بن صامت قبل توبته - فيما بلغني - ومعتب بن قشير، ورافع بن زيد، وبشر وكانوا يدعون بالإسلام فدعاهم رجال من المسلمين في خصومة كانت بينهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعوهم إلى الكهان حكام أهل الجاهلية فأنزل الله عز وجل فيهم {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً} [النساء: 60] إلى آخر القصة.
من الخزرج
ومن الخزرج، ثم من بني النجار رافع بن وديعة، وزيد بن عمرو، وعمرو بن قيس، وقيس بن عمرو بن سهل.
ـــــــ
فسقط الحائط عليه فمات. ذكر هذا الحديث بكثير من ألفاظه الترمذي، وذكره الكشي والطبري بألفاظ مختلفة وذكر قصة موته يحيى بن سلام في تفسيره ووقع اسمه في أكثر التفاسير طعمة بن أبيرق وفي كتب الحديث بشير بن أبيرق وقال ابن إسحاق في رواية يونس بن بكير عنه بشير أبو طعمة فليس طعمة إذا اسما له وإنما هو أبو طعمة كما ذكر ابن إسحاق في هذه الرواية والله أعلم. وفي رواية يونس أيضا

(4/215)


من بني جشم
ومن بني جشم بن الخزرج، ثم من بني سلمة: الجد بن قيس، وهو الذي يقول يا محمد ائذن لي، ولا تفتني. فأنزل الله تعالى فيه {وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ} [التوبة 49]. إلى آخر القصة.
من بني عوف
ومن بني عوف بن الخزرج: عبد الله بن أبي ابن سلول وكان رأس المنافقين وإليه يجتمعون وهو الذي قال: {يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ} في غزوة بني المصطلق. وفي قوله ذلك نزلت سورة المنافقين بأسرها. وفيه وفي وديعة - رجل من بني عوف - ومالك بن أبي نوفل وسويد، وداعس وهم من رهط عبد الله بن أبي ابن سلول وعبد الله بن أبي ابن سلول. فهؤلاء النفر من قومه الذين كانوا يدسون إلى بني النضير حين حاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن اثبتوا، فوالله لئن أخرجتم لنخرجن معكم ولا نطيع فيكم أحدا أبدا، وإن قوتلتم لننصرنكم. فأنزل الله تعالى فيهم {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَداً أَبَداً وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} ثم القصة من السورة حتى انتهى إلى قوله {كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ} [الحشر:11، 16].
ـــــــ
أن الحائط الذي سقط عليه كان بالطائف لا بخيبر كما قال ابن سلام وأن أهل الطائف قالوا حينئذ ما فارق محمدا من أصحابه من فيه خير. والأبيات التي رمى بها حسان المرأة وهي من بني عمرو بن عوف وقد تقدم اسمها:
ما سارق الدرعين إذ كنت ذاكرا ... بذي كرم من الرجال أوادعه
وقد أنزلته بنت سعد فأصبحت ... ينازعها جاراستها وتنازعه
ظننتم بأن يخفى الذي قد صنعتم ... وفيكم نبي عنده الوحي واضعه

(4/216)


من أسلم من أحبار يهود نفاقا
قال ابن إسحاق: وكان ممن تعوذ بالإسلام ودخل فيه مع المسلمين وأظهره وهو منافق من أحبار يهود.
من بني قينقاع
من بني قينقاع: سعد بن حنيف، وزيد بن اللصيت ونعمان بن أوفى بن عمرو، وعثمان بن أوفى، وزيد بن اللصيت، الذي قاتل عمر بن الخطاب رضي الله عنه بسوق بني قينقاع، وهو الذي قال حين ضلت ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم يزعم محمد أنه يأتيه خبر السماء وهو لا يدري أين ناقته فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وجاءه الخبر بما قال عدو الله في رحله ودل الله تبارك وتعالى رسوله صلى الله عليه وسلم على ناقته "إن قائلا قال يزعم محمد أنه يأتيه خبر السماء ولا يدري أين ناقته ؟ وإني والله ما أعلم إلا ما علمني الله وقد دلني الله عليها، فهي في هذا الشعب ، قد حبستها شجرة بزمامها" فذهب رجال من المسلمين فوجدوها حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وكما وصف ورافع بن حريملة، وهو الذي قال له الرسول صلى الله عليه وسلم - فيما بلغنا - حين مات: "قد مات اليوم عظيم من عظماء المنافقين" ورفاعة بن زيد بن التابوت وهو الذي قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم حين هبت عليه الريح وهو قافل من غزوة بني المصطلق، فاشتدت عليه حتى أشفق المسلمون منها ; فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تخافوا، فإنما هبت لموت عظيم من عظماء الكفار".
ـــــــ
وقع هذا البيت في كتاب سيبويه. وذكر الشعر والخبر بطوله ابن إسحاق في رواية يونس عنه.
فصل : وأنشد ابن هشام:
لدم الوليد وراء الغيب بالحجر
والبيت لتميم بن أبي بن مقبل واللدم الضرب والغيب العائر من الأرض.

(4/217)


فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وجد رفاعة بن زيد بن التابوت مات ذلك اليوم الذي هبت فيه الريح وسلسلة بن برهام. وكنانة بن صوريا.
طرد المنافقين من مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم
وكان هؤلاء المنافقون يحضرون المسجد فيستمعون أحاديث المسلمين ويسخرون ويستهزئون بدينهم فاجتمع يوما في المسجد منهم ناس فرآهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يتحدثون بينهم خافضي أصواتهم قد لصق بعضهم ببعض فأمر بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخرجوا من المسجد إخراجا عنيفا، فقام أبو أيوب خالد بن زيد بن كليب، إلى عمرو بن قيس، أحد بني غنم بن مالك بن النجار - كان صاحب آلهتهم في الجاهلية فأخذ برجله فسحبه حتى أخرجه من المسجد وهو يقول أتخرجني يا أبا أيوب من مربد بني ثعلبة ثم أقبل أبو أيوب أيضا إلى رافع بن وديعة، أحد بني النجار فلببه بردائه ثم نتره نترا شديدا، ولطم وجهه ثم أخرجه من المسجد وأبو أيوب يقول له أف لك منافقا خبيثا: أدراجك يا منافق من مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال ابن هشام: أي ارجع من الطريق التي جئت منها. قال الشاعر
فولى وأدبر أدراجه ... وقد باء بالظلم من كان ثم
وقام عمارة بن حزم إلى زيد بن عمرو، وكان رجلا طويل اللحية فأخذ بلحيته فقاده بها قودا عنيفا حتى أخرجه من المسجد ثم جمع عمارة يديه فلدمه بهما في صدره لدمة خر منها. قال يقول خدشتني يا عمارة قال أبعدك الله يا منافق فما
ـــــــ
باب إخراج المنافقين
وذكر ابن إسحاق في باب إخراج المنافقين من المسجد أبا محمد وقال هو رجل من بني النجار، ولم يعرفه بأكثر من هذا، وهو أبو محمد مسعود بن أوس بن زيد بن أصرم بن زيد بن ثعلبة بن غنم بن مالك بن النجار يعد في الشاميين وهو

(4/218)


أعد الله لك من العذاب أشد من ذلك فلا تقربن مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال ابن هشام: اللدم الضرب ببطن الكف. قال تميم بن أبي بن مقبل:
وللفؤاد وجيب تحت أبهره ... لدم الوليد وراء الغيب بالحجر
قال ابن هشام: الغيب ما انخفض من الأرض. والأبهر عرق القلب.
قال ابن إسحاق: وقام أبو محمد رجل من بني النجار، كان بدريا، وأبو محمد مسعود بن أوس بن زيد بن أصرم بن زيد بن ثعلبة بن غنم بن مالك بن النجار إلى قيس بن عمرو بن سهل، وكان قيس غلاما شابا، وكان لا يعلم في المنافقين شاب غيره فجعل يدفع في قفاه حتى أخرجه من المسجد.
وقام رجل من بلخدرة بن الخزرج، رهط أبي سعيد الخدري يقال له عبد الله بن الحارث، حين أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بإخراج المنافقين من المسجد إلى رجل يقال له الحارث بن عمرو، وكان ذا جمة فأخذ بجمته فسحبه بها سحبا عنيفا، على ما مر به من الأرض حتى أخرجه من المسجد. قال يقول المنافق لقد أغلظت يا ابن الحارث فقال له إنك أهل لذلك أي عدو الله لما أنزل الله فيك، فلا تقربن مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم، فإنك نجس.
وقام رجل من بني عمرو بن عوف إلى أخيه زوي بن الحارث فأخرجه من المسجد إخراجا عنيفا، وأفف منه وقال غلب عليك الشيطان وأمره.
فهؤلاء من حضر المسجد يومئذ من المنافقين وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بإخراجهم.
ـــــــ
الذي زعم أن الوتر واجب فقال عبادة كذب أبو محمد وهو معدود في البدريين عند الواقدي وطائفة ولم يذكره ابن إسحاق فيهم.

(4/219)