الروض الأنف ت السلامي

خروج زينب إلى المدينة
تأهبها وإرسال الرسول رجلين ليصحباها
"قال" سول الله صلى الله عليه وسلم قد أخذ عليه أو وعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك أن
ـــــــ
اتباع قريش لزينب
فصل وذكر خروج زينب بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من مكة ، واتباع قريش

(5/129)


يخلي سبيل زينب إليه أو كان فيما شرط عليه في إطلاقه ولم يظهر ذلك منه ولا من رسول الله صلى الله عليه وسلم فيعلم ما هو إلا أنه لما خرج أبو العاص إلى مكة وخلي سبيله بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة ورجلا من الأنصار مكانه فقال كونا ببطن يأجج حتى تمر بكما زينب فتصحباها حتى تأتياني بها فخرجا مكانهما، وذلك بعد بدر بشهر أو شيعه فلما قدم أبو العاص مكة أمرها باللحوق بأبيها، فخرجت تجهز.
هند تحاول تعرف أمر زينب
قال ابن إسحاق: فحدثني عبد الله بن أبي بكر، قال حدثت عن زينب أنها قالت بينا أنا أتجهز بمكة للحوق بأبي لقيتني هند بنت عتبة، فقالت يا بنت محمد ألم يبلغني أنك تريدين اللحوق بأبيك؟ قالت فقلت: ما أردت ذلك فقالت أي ابنة عمي، لا تفعلي، إن كانت لك حاجة بمتاع مما يرفق بك في سفرك، أو بمال تتبلغين به إلى أبيك، فإن عندي حاجتك، فلا تضطني مني، فإنه لا يدخل بين النساء ما بين الرجال. قالت والله ما أراها قالت ذلك إلا لتفعل قالت ولكني خفتها، فأنكرت أن أكون أريد ذلك وتجهزت.
ما أصاب زينب من قريش عند خروجها ومشورة أبي سفيان
<106> فلما فرغت بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم من جهازها قدم لها حموها كنانة بن الربيع أخو زوجها بعيرا، فركبته وأخذ قوسه وكنانته ثم خرج بها نهارا يقود بها، وهي في هودج لها. وتحدث بذلك رجال من قريش، فخرجوا في طلبها حتى أدركوها بذي
ـــــــ
لها، قال <106> وسبق إليها هبار بن الأسود والفهري، ولم يسم ابن إسحاق الفهري وقال ابن هشام: هو نافع بن عبد قيس، وفي غير السيرة أنه خالد بن عبد قيس، هكذا ذكره البزار فيما بلغني.
وذكر أن زينب حين روعها هبار بن الأسود ألقت ذا بطنها، وزاد غير ابن إسحاق أنه نخس بها الراحلة فسقطت على صخرة وهي حامل فهلك جنينها، ولم تزل تهريق الدماء حتى ماتت بالمدينة بعد إسلام بعلها أبي العاصي.

(5/130)


طوى، فكان أول من سبق إليها هبار بن الأسود بن المطلب بن أسد بن عبد العزى، والفهري، فروعها هبار بالرمح وهي في هودجها، وكانت المرأة حاملا - فيما يزعمون - فلما ريعت طرحت ذا بطنها وبرك حموها كنانة ونثر كنانته ثم قال والله لا يدنو مني رجل إلا وضعت فيه سهما، فتكركر الناس عنه. وأتى أبو سفيان في جلة من قريش فقال أيها الرجل كف عنا نبلك حتى نكلمك، فكف. فأقبل أبو سفيان حتى وقف عليه فقال إنك لم تصب خرجت بالمرأة على رءوس الناس علانية وقد عرفت مصيبتنا ونكبتنا، وما دخل علينا من محمد فيظن الناس إذا خرجت بابنته إليه علانية على رءوس الناس من بين أظهرنا أن ذلك عن ذل أصابنا عن مصيبتنا التي كانت وأن ذلك منا ضعف ووهن ولعمري ما لنا بحبسها عن أبيها من حاجة وما لنا في ذلك من ثورة ولكن ارجع بالمرأة حتى إذا هدأت الأصوات وتحدث الناس أن قد رددناها، فسلها سرا، وألحقها بأبيها، قال ففعل. فأقامت ليالي حتى إذا هدأت الأصوات خرج بها ليلا حتى أسلمها إلى زيد بن حارثة وصاحبه فقدما بها على رسول الله صلى الله عليه وسلم
شعر لأبي خيثمة فيما حدث لزينب:
<107> قال ابن إسحاق: فقال عبد الله بن رواحة، أو أبو خيثمة أخو بني سالم بن
ـــــــ
وذكر الزبير أن هبار بن الأسود لما أسلم وصحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان المسلمون يسبونه بما فعل حتى شكا ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال "سب من سبك يا هبار" فكف الناس عن سبه بعد. ولدت زينب [أمامة] ، وهي التي جاء فيها الحديث رواه عمرو بن السليم بن خلدة بن مخلد بن عامر بن زريق الزرقي عن أبي قتادة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي وهو حامل أمامة بنت زينب الحديث قال عمرو بن سليم إلى آخر ما تقدم قريبا.
تفسير قصيدة أبي خيثمة:
<107> وذكر شعر ابن رواحة وقيل بل قالها أبو خيثمة وفيها:

(5/131)


عوف في الذي كان من أمر زينب قال ابن هشام: هي لأبي خيثمة <108>
أتاني الذي لا يقدر الناس قدره ... لزينب فيهم من عقوق ومأثم
وإخراجها لم يخز فيها محمد ... على مأقط وبيننا عطر منشم
وأمسى أبو سفيان من حلف ضمضم ... ومن حربنا في رغم أنف ومندم
فرنا ابنه عمرا ومولى يمينه ... بذي حلق جلد الصلاصل محكم
ـــــــ
على مأقط وبيننا عطر منشم
لمأقط معترك الحرب وعطر منشم كناية عن شدة الحرب وهو مثل وأصله - فيما زعموا - أن منشم كان امرأة من خزاعة تبيع العطر والطيب فيشترى منها للموتى، حتى تشاءموا بها لذلك وقيل إن قوما تحالفوا على الموت فغمسوا أيديهم في طيب منشم المذكورة تأكيدا للحلف فضرب طيبها مثلا في شدة الحرب وقيل منشم امرأة من غدانة وهو بطن من تميم ثم من بني يربوع بن حنظلة وأن هذه المرأة هي صاحبة يسار الذي يقال له يسار الواعب وأنه كان عبدا لها، وأنه راودها عن نفسها، فقالت له امهل حتى أشمك طيب الحرائر فلما أمكنها من أنفه أنخت عليه بالموسى حتى أوعبته جدعا، فقيل في المثل لاقى الذي لاقى يسار الكواعب فقيل عطر منشم. وفي الشعر
بذي حلق جلد الصلاصل محكم
عني: الغل والصلاصل جمع: صلصلة وهي صلصلة الحديد

(5/132)


فأقسمت لا تنفك منا كتائب ... سراة خميس في لهام مسوم
نزوع قريش الكفر حتى نعلها ... بخاطمة فوق الأنوف بميسم
ننزلهم أكناف نجد ونخلة ... وإن يتهموا بالخيل والرجل نتهم
يد الدهر حتى لا يعوج سربنا ... ونلحقهم آثار عاد وجرهم
ويندم قوم لم يطيعوا محمدا ... على أمرهم وأي حين تندم
فأبشر بخزي في الحياة معجل ... وسربال قار خالدا في جهنم
قال ابن هشام: ويروى: وسربال نار.
الخلاف بين ابن إسحاق وابن هشام في مولى يمين أبي سفيان:
قال ابن إسحاق: ومولى يمين أبي سفيان الذي يعني: عامر بن الحضرمي، كان في الأسارى، وكان حلف الحضرمي إلى حرب بن أمية.
قال ابن هشام: مولى يمين أبي سفيان الذي يعني: عقبة بن عبد الحارث بن الحضرمي، فأما عامر بن الحضرمي فقتل يوم بدر.
شعر هند وكنانة في خروج زينب:
ولما انصرف الذين خرجوا إلى زينب لقيتهم هند بنت عتبة، فقالت لهم
أفي السلم أعيارا جفاء وغلظة ... وفي الحرب أشباه النساء العوارك
ـــــــ
<108> وذكر قول هند بنت عتبة لفل قريش حين رجعوا من بدر.
أفي السلم أعيارا جفاء وغلظة
وفي الحرب أشباه النساء العوارك
يقال عركت المرأة ودرست وطمثت إذا حاضت وقد قيل أيضا: يقال ضحكت إذا حاضت وتأول عليه قوله تعالى: {وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ

(5/133)


<109> وقال كنانة بن الربيع في أمر زينب حين دفعها إلى الرجلين:
عجبت لهبار وأوباش قومه ... يريدون إخفاري ببنت محمد
ولست أبالي ما حييت عديدهم ... وما استجمعت قبضا يدي بالمهند
الرسول يحل دم هبار
قال ابن إسحاق: حدثني يزيد بن أبي حبيب، عن بكير بن عبد الله بن الأشج عن سليمان بن يسار عن أبي إسحاق الدوسي عن أبي هريرة قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية أنا فيها، فقال لنا: "إن ظفرتم بهبار بن الأسود أو الرجل "الآخر" الذي سبق معه إلى زينب - قال ابن هشام: وقد سمى ابن إسحاق الرجل في حديثه "وقال هو نافع بن عبد قيس " فحرقوهما بالنار" قال فلما كان الغد بعث إلينا، فقال "إني كنت أمرتكم بتحريق هذين الرجلين إن أخذتموهما، ثم رأيت أنه لا ينبغي لأحد أن يعذب بالنار إلا الله فإن ظفرتم بهما فاقتلوهما".
ـــــــ
فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ} [هود:71] وقد قيل أيضا: يقال أكبرت المرأة إذا حاضت وحمل بعضهم عليه قوله تعالى: {أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ} وسف:31] والهاء على هذا القول من أكبرنه عائدة على المصدر وهو تأويل ضعيف ونصب أعيارا على الحال والعامل فيه فعل مختزل لأنه أقام الأعيار مقام اسم مشتق فكأنه قال أفي السلم بلداء جفاة مثل الأعيار ونصب جفاء وغلظة نصب المصدر الموضوع موضع الحال كما تقول زيد الأسد شدة أي يماثله مماثلة شديدة فالشدة صفة للمماثلة كما أن المشافهة صفة للمكالمة إذا قلت: كلمته مشافهة

(5/134)