الروض
الأنف ت السلامي مقتل كعب بن
الأشرف
استنكاره خبر رسولي الرسول بقتل ناس من المشركين
قال ابن إسحاق وكان من حديث كعب بن الأشرف: أنه لما أصيب أصحاب بدر،
وقدم زيد بن
ـــــــ
مقتل كعب بن الأشرف
ذكر فيه أنه شبب بنساء المسلمين وآذاهم وكان قد شبب بأم الفضل زوج
(5/283)
حارثة إلى أهل
السافلة، وعبد الله بن رواحة إلى أهل العالية بشيرين بعثهما رسول الله
صلى الله عليه وسلم إلى من بالمدينة من المسلمين بفتح الله عز وجل عليه
وقتل من قتل من المشركين كما حدثني عبد الله بن المغيث بن أبي بردة
الظفري وعبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، وعاصم بن عمر بن
قتادة، وصالح بن أبي أمامة بن سهل كل قد حدثني بعض حديثه قالوا:
قال كعب بن الأشرف وكان رجلا <231> من طيء، ثم أحد بني نبهان، وكانت
أمه من بني النضير، حين بلغه الخبر: أحق هذا؟ أترون محمدا قتل هؤلاء
الذين يسمي هذان الرجلان يعني زيدا وعبد الله بن رواحة فهؤلاء أشراف
العرب وملوك الناس والله لئن كان محمد أصاب هؤلاء القوم لبطن الأرض خير
من ظهرها.
شعره في التحريض على الرسول
فلما تيقن عدو الله الخبر، خرج حتى قدم مكة، فنزل على عبد المطلب بن
أبي وداعة بن ضبيرة السهمي وعنده عاتكة بنت أبي العيص بن أمية بن عبد
شمس بن عبد مناف فأنزلته وأكرمته وجعل يحرض على رسول الله صلى الله
عليه وسلم وينشد الأشعار ويبكي أصحاب القليب من قريش، الذين أصيبوا
ببدر فقال
طحنت رحى بدر لمهلك أهله ... ولمثل بدر تستهل وتدمع
ـــــــ
العباس بن عبد المطلب فقال
أراحل أنت لم ترحل لمنعبته ... وتارك أنت أم الفضل بالحرم
في أبيات رواها يونس عن ابن إسحاق.
<231> وذكر فيه قوله عليه السلام "من لكعب [بن الأشرف] ، فقد آذى الله
(5/284)
قتلت سراة
الناس حول حياضهم ... لا تبعدوا إن الملوك تصرع
كم قد أصيب به من أبيض ماجد ... ذي بهجة يأوي إليه الضيع
طلق اليدين إذا الكواكب أخلفت ... حمال أثقال يسود ويربع
ويقول أقوام أسر بسخطهم ... إن ابن الأشرف ظل كعبا يجزع
صدقوا فليت الأرض ساعة قتلوا ... ظلت تسوخ بأهلها وتصدع
صار الذي أثر الحديث بطعنه ... أو عاش أعمى مرعشا لا يسمع
نبئت أن بني المغيرة كلهم ... خشعوا القتل أبي الحكيم وجدعوا
وابنا ربيعة عنده ومنبه ... ما نال مثل المهلكين وتبع
نبئت أن الحارث بن هشامهم ... في الناس يبني الصالحات ويجمع
ليزور يثرب بالجموع وإنما ... يحمى على الحسب الكريم الأروع
قال ابن هشام: قوله " تبع " وأسر بسخطهم " عن غير ابن إسحاق. <232>
شعر حسان في الرد عليه
قال ابن إسحاق:
فأجابه حسان بن ثابت الأنصاري، فقال:
ـــــــ
ورسوله" . فيه من الفقه وجوب قتل من سب النبي - صلى الله عليه وسلم -
وإن كان ذا عهد خلافا لأبي حنيفة رحمه الله فإنه لا يرى قتل الذمي في
مثل هذا، ووقع في كتاب شرف المصطفى أن الذين قتلوا <232> كعب بن الأشرف
حملوا رأسه في مخلاة إلى المدينة، فقيل إنه أول رأس حمل في الإسلام
وقيل بل رأس أبي عزة الجمحي الذي قال له النبي صلى الله عليه وسلم "لا
يلدغ المؤمن من جحر مرتين" فقتله واحتمل رأسه في
(5/285)
أبكى لكعب ثم
عل بعبرة ... منه وعاش مجدعا لا يسمع
ولقد رأيت ببطن بدر منهم ... قتلى تسح لها العيون وتدمع
فأبكي فقد أبكيت عبدا راضعا ... شبه الكليب إلى الكليبة يتبع
ولقد شفى الرحمن منا سيدا ... وأهان قوما قاتلوه وصرعوا
ونجا وأفلت منهم من قلبه ... شغف يظل لخوفه يتصدع
قال ابن هشام:
وأكثر أهل العلم بالشعر ينكرها لحسان.
وقوله " أبكي لكعب " عن غير ابن إسحاق.
شعر ميمونة في الرد على كعب
قال ابن إسحاق:
ـــــــ
رمح إلى المدينة فيما ذكر وأما أول مسلم حمل رأسه في الإسلام فعمرو بن
الحمق وله صحبة. وفيه من قول حسان في كعب:
بكى كعب ثم عل بعبرة
فيه دخول زحاف على زحاف وذلك أن أول الجزء سبب ثقيل وسبب خفيف فإذا دخل
فيه الزحاف الذي يسمى الإضمار صارا سببين خفيفين فيعود متفاعلن إلى وزن
مستفعلن ومستفعلن يدخله الخبن والطي، وهو حذف الرابع منه فشبه حسان
متفاعلان في الكامل بمستفعلن لما صار إلى وزنه فحذف الحرف الساكن وهو
الرابع من متفاعلن إلى وزن مفتعلن وهو غريب في الزحاف فإنه زحاف سهل
زحافا آخر ولولا الزحاف الذي هو الإضمار ما جاز البتة حذف الرابع من
متفاعلن.
(5/286)
وقالت امرأة من
المسلمين من بني مريد بطن من بلي كانوا حلفاء في بني أمية بن زيد، يقال
لهم الجعادرة، تجيب كعبا قال ابن إسحاق: اسمها <233> ميمونة بنت عبد
الله، وأكثر أهل العلم بالشعر ينكر هذه الأبيات لها، وينكر نقيضتها
لكعب بن الأشرف
تحنن هذا العبد كل تحنن ... يبكى على قتلى وليس بناصب
بكت عين من يبكي لبدر وأهله ... وعلت بمثليها لؤي بن غالب
فليت الذين ضرجوا بدمائهم ... يرى ما بهم من كان بين الأخاشب
فيعلم حقا عن يقين ويبصروا ... مجرهم فوق اللحى والحواجب
شعر كعب في الرد على ميمونة
فأجابها كعب بن الأشرف فقال
ألا فازجروا منكم سفيها لتسلموا ... عن القول يأنى منه غير مقارب
أتشتمني إن كنت أبكي بعبرة ... لقوم أتاني ردهم غير كاذب
فإني لباك ما بقيت وذاكر ... مآثر قوم مجدهم بالجباجب
لعمري لقد كانت مريد بمعزل ... عن الشر فاحتالت وجوه الثعالب
فحق مريد أن تجد أنوفهم ... بشتمهم حي لؤي بن غالب
وهبت نصيبي من مريد لجعدر ... وفاء وبيت الله بين الأخاشب
تشبيب كعب بنساء المسلمين والحيلة في قتله
ثم رجع كعب بن الأشرف إلى المدينة فشبب بنساء المسلمين حتى آذاهم. فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم كما حدثني عبد الله بن المغيث بن أبي
بردة "من لي بابن الأشرف" ؟ فقال له محمد بن مسلمة أخو بني عبد الأشهل
أنا لك يا رسول الله أنا أقتله؟ قال "فافعل إن قدرت على ذلك" فرجع محمد
بن مسلمة فمكث ثلاثا لا
ـــــــ
<233> وذكر في الذين قتلوا كعبا أبا عبس بن جبر واسمه عبد الرحمن وذكر
سلكان بن سلامة واسمه سعد.
(5/287)
يأكل ولا يشرب
إلا ما يعلق به نفسه فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فدعاه
فقال له "لم تركت الطعام والشراب"؟ فقال يا رسول الله قلت لك قولا لا
أدري هل أفين لك به أم لا؟ فقال " إنما عليك الجهد "; فقال يا رسول
الله إنه لا بد لنا من أن نقول قال "قولوا ما بدا لكم فأنتم في حل من
ذلك" . فاجتمع في قتله محمد بن مسلمة، وسلكان بن سلام بن وقش وهو أبو
نائلة أحد بني عبد الأشهل، وكان <234> أخا كعب بن الأشرف من الرضاعة
وعباد بن بشر بن وقش، أحد بني عبد الأشهل، والحارث من أوس بن معاذ، أحد
بني عبد الأشهل، وأبو عبس بن جبر أحد بني حارثة ; ثم قدموا إلى عدو
الله كعب بن الأشرف قبل أن يأتوه سلكان بن سلامة [بن وقش] أبا نائلة،
فجاءه فتحدث معه ساعة وتناشدوا شعرا، وكان أبو نائلة يقول الشعر ثم قال
ويحك يا ابن الأشرف إني قد جئتك لحاجة أريد ذكرها لك، فاكتم عني ; قال
افعل قال كان قدوم هذا الرجل علينا بلاء من البلاء عادتنا به العرب،
ورمتنا عن قوس واحد وقطعت عنا السبل حتى ضاع العيال وجهدت الأنفس
وأصبحنا قد جهدنا وجهد عيالنا. فقال كعب أنا ابن الأشرف أما والله لقد
كنت أخبرك يا ابن سلامة أن الأمر سيصير إلى ما أقول فقال له سلكان: إني
قد أردت أن تبيعنا طعاما ونرهنك ونوثق لك، ونحسن في ذلك فقال أترهنونني
أبناءكم؟ قال لقد أردت أن تفضحنا، إن معي أصحابا لي على مثل رأيي، وقد
أردت أن آتيك بهم فتبيعهم وتحسن في ذلك ونرهنك من الحلقة ما فيه وفاء
وأراد سلكان أن لا ينكر السلاح إذا جاءوا بها، قال إن في الحلقة لوفاء
قال فرجع سلكان إلى أصحابه فأخبرهم خبره وأمرهم أن يأخذوا السلاح ثم
ينطلقوا فيجتمعوا إليه فاجتمعوا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال ابن هشام:
ويقال أترهنونني نساءكم؟ قال كيف نرهنك نساءنا وأنت أشب أهل يثرب
(5/288)
وأعطرهم قال
أترهنونني أبناءكم؟
قال ابن إسحاق: فحدثني ثور بن زيد عن عكرمة، عن ابن عباس قال:
مشى معهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بقيع الغرقد، ثم وجههم فقال
"انطلقوا على اسم الله اللهم أعنهم" ثم رجع رسول الله صلى الله عليه
وسلم إلى بيته وهو في ليلة مقمرة وأقبلوا حتى انتهوا إلى حصنه فهتف به
أبو نائلة، وكان حديث عهد بعرس فوثب في ملحفته فأخذت امرأته بناحيتها،
وقالت إنك امرئ محارب وإن أصحاب الحرب لا ينزلون في هذه الساعة قال إنه
أبو نائلة، لو وجدني نائما لما أيقظني، فقالت والله إني لأعرف في صوته
الشر؟ قال يقول لها كعب لو يدعى الفتى لطعنة لأجاب.
فنزل فتحدث معهم ساعة وحدثوا معه ثم قال هل لك يا ابن الأشرف أن تتماشى
إلى شعب العجوز، فنتحدث به بقية ليلتنا هذه؟ قال إن شئتم. فخرجوا
يتماشون فمشوا ساعة ثم إن أبا نائلة شام يده في فود رأسه ثم شم يده
فقال ما رأيت كالليلة طيبا أعطر قط، ثم مشى ساعة ثم عاد لمثلها حتى
اطمأن ثم مشى ساعة ثم عاد <235> لمثلها، فأخذ بفود رأسه ثم قال اضربوا
عدو الله فضربه فاختلفت عليه أسيافهم فلم تغن شيئا.
قال محمد بن مسلمة فذكرت مغولا في سيفي، حين رأيت أسيافنا لا تغني
شيئا، فأخذته، وقد صاح عدو الله صيحة لم يبق حولنا حصن إلا وقد أوقدت
عليه نار قال فوضعته في ثنته ثم تحاملت عليه حتى بلغت عانته فوقع عدو
الله وقد أصيب الحارث بن أوس بن معاذ فجرح في رأسه أو في رجله أصابه
بعض أسيافنا. قال فخرجنا حتى سلكنا على بني أمية بن زيد، ثم على بني
قريظة، ثم على بعاث حتى أسندنا في حرة العريض، وقد أبطأ علينا صاحبنا
الحارث بن أوس، ونزف الدم فوقفنا له ساعة ثم أتانا يتبع آثارنا. قال
فاحتملناه فجئنا به
(5/289)
رسول الله صلى
الله عليه وسلم آخر الليل وهو قائم يصلي، فسلمنا عليه فخرج إلينا،
فأخبرناه بقتل عدو الله وتفل على جرح صاحبنا، فرجع ورجعنا إلى أهلنا
فأصبحنا وقد خافت يهود لوقعتنا بعدو الله فليس بها يهودي إلا وهو يخاف
على نفسه.
شعر كعب بن مالك في مقتل ابن الأشرف
قال ابن إسحاق: فقال كعب بن مالك:
فغودر منهم كعب صريعا ... فذلت بعد مصرعه النضير
على الكفين ثم وقد علته ... بأيدينا مشهرة ذكور
بأمر محمد إذ دس ليلا ... إلى كعب أخا كعب يسير
فما كره فأنزله بمكر ... ومحمود أخو ثقة جسور
قال ابن هشام:
وهذه الأبيات في قصيدة له في يوم بني النضير سأذكرها إن شاء الله في
حديث ذلك اليوم.
شعر حسان في قتل ابن الأشرف وابن أبي الحقيق
قال ابن إسحاق:
وقال حسان بن ثابت يذكر قتل كعب بن الأشرف وقتل سلام بن أبي الحقيق
<236>
لله در عصابة لاقيتهم ... يا ابن الحقيق وأنت يا ابن الأشرف
يسرون بالبيض الخفاف إليكم ... مرحا كأسد في عرين مغرف
حتى أتوكم في محل بلادكم ... فسقوكم حتفا ببيض ذفف
ـــــــ
<236> وذكر في شعر حسان الفاوي وفيه: ببيض ذفف. الذفف جمع ذفيف
(5/290)
مستنصرين لنصر
دين نبيهم ... مستصغرين لكل أمر مجحف
ـــــــ
وهو الخفيف السريع وهو جمع على غير قياس وإنما فعل جمع فاعل ولكن
الذفيف من السيوف في معنى القاطع والصارم.
وفيه في عرين مغرف. العرين أجمة الأسد وهو الغريف أيضا، والغريف أيضا
الكثير فيحتمل إن أراد بمغرف مكثرا من الأسد ويحتمل إن أراد توكيد معنى
الغريف كما يقال خبيث مخبث.
وذكر قول امرأة كعب والله إني لأعرف في صوته الشر وفي كتاب البخاري:
إني لأسمع صوتا يقطر منه الدم.
وفيه ما رأيت عطرا كاليوم معناه عند سيبويه: ما رأيت كعطر أراه اليوم
عطرا: كذلك قال في قول العرب: لم أر كاليوم رجلا، أي كرجل أراه اليوم
رجلا، فحذف ما دخلت عليه الكاف وحذف الفعل وهو أرى، وفاعله ومفعوله
وهذا حذف كثير لا سيما، وقد يقال ما رأيت كاليوم ولا تذكر بعده شيئا
إذا تعجبت، فدل على أنهم لم يحذفوا هذا الحذف الكثير ولكنهم أوقعوا
التعجب على اليوم لأن الأيام تأتي بالأعاجيب والعرب تذمها وتمدحها في
نظمها ونثرها، ويعلم المخاطب أن اليوم لم يذم لنفسه ولا يعجب منه لنفسه
فيلتمس منك البيان والتفسير لما تعجبت منه فتأتي بالتمييز لتبين. فعطرا
منصوب على التمييز والدليل على ذلك أنه يحسن خفضه بمن لأنه متعجب منه
فتقول لم أر كاليوم من رجل.
ووقع في رواية إبراهيم بن سعد عن ابن إسحاق بعد قوله فمشوا ساعة قال
فجعل كعب ينشده <237>
رب خال لي لو أبصرته ... سبط المشية أباء أنف
لين الجانب في أقربه ... وعلى الأعداء كالسم الدعف
(5/291)
<237> قال ابن
هشام:
وسأذكر قتل سلام بن أبي الحقيق في موضعه إن شاء الله.
وقوله " ذفف " عن غير ابن إسحاق.
ـــــــ
وكرام لم يشنهم حسب ... أهل عز وحفاظ وشرف
يبذلون المال فيما نابهم ... لحقوق تعتريهم وعرف
وليوث حين يشتد الوغى ... غير أنكاس ولا ميل كشف
فهم أهل سماح وقرى ... وحفاظ لم يعانوا بصلف
سكنوا من يثرب كل ربى ... وسهول حيث حلوا في أنف
وهم أهل مشاريب بها ... وحصون ونخيل وغرف
ولها بئر رواء جمة ... من يردها بإناء يغترف
ونخيل في تلاع جمة ... تخرج التمر كأمثال الأكف
وصرير من محال خلته ... آخر الليل مهاريج ندف
تدلج الجون على أكتافها ... بدلاء ذات أركان صدف
كل حاجاتي قد قضيتها ... غير حاجاتي في بطن الجرف
(5/292)
|