الروض
الأنف ت السلامي
ذكر ما قيل من الشعر يوم أحد
شعر هبيرة
<321> قال ابن إسحاق:
وكان مما قيل من الشعر في يوم أحد، قول هبيرة بن أبي وهب بن عمرو بن
عائذ بن عبد بن عمران بن مخزوم - قال ابن هشام: عائذ بن عمران بن مخزوم
<322> <323> :
ما بال هم عميد بات يطرقني ... بالود من هند إذ تعدو عواديها
باتت تعاتبني هند وتعذلني ... والحرب قد شغلت عني مواليها
مهلا فلا تعذليني إن من خلقي ... ما قد علمت وما إن لست أخفيها
مساعف لبني كعب بما كلفوا ... حمال عبء وأثقال أعانيها
وقد حملت سلاحي فوق مشترف ... ساط سبوح إذا تجري يباريها
كأنه إذ جرى عير بفدفدة ... مكدم لاحق بالعون يحميها
من آل أعوج يرتاح الندي له ... كجذع شعراء مستعل مراقيها
أعددته ورقاق الحد منتخلا ... ومارنا لخطوب قد ألاقيها
ـــــــ
شرح ما وقع في هذه الغزوة من الأشعار
<321> وقد شرطنا الإضراب عن شرح شعر الكفرة والمفاخرين بقتال النبي -
صلى الله عليه وسلم -
(6/74)
هذا وبيضاء مثل
النهي محكمة ... نيطت علي فما تبدو مساويها
سقنا كنانة من أطراف ذي يمن ... عرض البلاد على ما كان يزجيها
قالت كنانة أنى تذهبون بنا؟ ... قلنا: النخيل فأموها ومن فيها
نحن الفوارس يوم الجر من أحد ... هابت معد فقلنا نحن نأتيها
هابوا ضرابا وطعنا صادقا خذما ... مما يرون وقد ضمت قواصيها
ثمت رحنا كأنا عارض برد ... وقام هام بني النجار يبكيها
كأن هامهم عند الوغى فلق ... من قيض ربد نفته عن أداحيها
أو حنظل ذعذعته الريح في غصن ... بال تعاوره منها سوافيها
قد نبذل المال سحا لا حساب له ... ونطعن الخيل شزرا في مآقيها
وليلة يصطلي بالفرث جازرها ... يختص بالنقرى المثرين داعيها
وليلة من جمادى ذات أندية ... جربا جمادية قد بت أسريها
ـــــــ
إلا من <322> آمن منهم لكنه ذكر في شعر هبيرة الذي بدأ به بيتين ليسا
من شعره فلذلك ذكرتهما، وهما:
وليلة يصطلي بالفرث جازرها ... يختص بالنقرى المثرين داعيها
في ليلة من جمادى ذات أندية ... جربا جمادية قد بت أسريها
قوله يصطلي بالفرث أي يستدفئ به من شدة البرد.
حول جمع ندى وأسماء الشهور
وقوله يختص بالنقرى المثرين يريد يختص الأغنياء طلبا لمكافأتهم وليأكل
عندهم يصف شدة الزمان قاله يعقوب في الألفاظ ونسبهما الهذلي، وكذلك قال
ابن هشام في هذين البيتين أنهما ليسا لهبيرة ونسبهما لجنوب أخت
(6/75)
لا ينبح الكلب
فيها غير واحدة ... من القريس ولا تسري أفاعيها
أوقدت فيها لذي الضراء جاحمة ... كالبرق ذاكية الأركان أحميها
أورثني ذاكم عمرو ووالده ... من قبله كان بالمثنى يغاليها
كانوا يبارون أنواء النجوم فما ... دنت عن السورة العليا مساعيها
شعر حسان في الرد على هبيرة
قال ابن إسحاق:
فأجابه حسان بن ثابت، فقال:
سقتم كنانة جهلا من سفاهتكم ... إلى الرسول فجند الله مخزيها
أوردتموها حياض الموت صاحية ... فالنار موعدها، والقتل لاقيها
جمعتموها أحابيشا بلا حسب ... أئمة الكفر غرتكم طواغيها
ـــــــ
عمرو ذي الكلب الهذلي.
وقوله ذات أندية جمع ندى على غير قياس وقد قيل إنه جمع الجمع كأنه
<323> جمع ندى على نداء مثل جمل وجمال ثم جمع الجمع على أفعلة وهذا
بعيد في القياس لأن الجمع الكثير لا يجمع وفعال من أبنية الجمع الكثير
وقد قيل هو جمع ندي والندي المجلس وهذا لا يشبه معنى البيت ولكنه جمع
جاء على مثال أفعلة لأنه في معنى الأهوية والأشتية ونحو ذلك وأقرب من
ذلك أنه في معنى الرذاذ والرشاش وهما يجمعان على أفعلة وأراد بجمادى
الشهر وكان هذا الاسم قد وقع على هذا الشهر في زمن جمود الماء ثم انتقل
بالأهلة وبقي الاسم عليه وإن كان في الصيف والقيظ وكذلك أكثر هذه
الشهور العربية سميت بأسماء مأخوذة من أحوال السنة الشمسية ثم لزمتها،
وإن خرجت عن تلك الأوقات.
(6/76)
ألا اعتبرتم
بخيل الله إذ قتلت ... أهل القليب ومن ألقينه فيها
كم من أسير فككناه بلا ثمن ... وجز ناصية كنا مواليها
قال ابن هشام:
أنشدنيها أبو زيد الأنصاري لكعب بن مالك
قال ابن هشام: وبيت هبيرة بن أبي وهب الذي يقول فيه
وليلة يصطلي بالفرث جازرها ... يختص بالنقرى المثرين داعيها
يروى لجنوب أخت عمرو ذي الكلب الهذلي في أبيات لها في غير يوم أحد.
شعر كعب في الرد على هبيرة
<324> قال ابن إسحاق:
وقال كعب بن مالك يجيب هبيرة بن أبي وهب أيضا: <325> <326> <327>
ألا هل أتى غسان عنا ودونهم ... من الأرض خرق سيره متنعنع
ـــــــ
شرح شعر كعب:
<324> وذكر شعر كعب بن مالك يجيب هبيرة وأوله ألا هل أتى غسان. وقد
افتتح قصيدة أخرى في أشعار بدر بهذا اللفظ فقال:
ألا هل أتى غسان في نأي دارها
وإنما يذكر غسان لأنهم بنو عم الأنصار، والأنصار بنو حارثة بن ثعلبة بن
عمرو بن عامر. والذين بالشام بنو جحفة بن عمرو بن عامر، والكل غسان،
لأن غسان ماء شربوا منه حين ارتحالهم من اليمن فسموا به.
وقوله سيره متنعنع أي مضطرب. وقوله العراميس جمع عرمس
(6/77)
صحار وأعلام
كأن قتامها ... من البعد نقع هامد متقطع
تظل به البزل العراميس رزحا ... ويخلو به غيث السنين فيمرع
به جيف الحسرى يلوح صليبها ... كما لاح كتان التجار الموضع
به العين والآرام يمشين خلفة ... وبيض نعام قيضه يتقلع
مجالدنا عن ديننا كل فخمة ... مذربة فيها القوانس تلمع
وكل صموت في الصوان كأنها ... إذا لبست تهي من الماء مترع
ولكن ببدر سائلوا من لقيتم ... من الناس والأنباء بالغيب تدفع
وإنا بأرض الخوف لو كان أهلها ... سوانا لقد أجلوا بليل فأقشعوا
إذا جاء منا راكب كان قوله ... أعدوا لما يزجي ابن حرب ويجمع
فمهما يهم الناس مما يكيدنا ... فنحن له من سائر الناس أوسع
فلو غيرنا كانت جميعا: تكيده الب ... رية قد أعطوا يدا وتوزعوا
نجالد لا تبقى علينا قبيلة ... من الناس إلا أن يهابوا ويفظعوا
ولما ابتنوا بالعرض قال سراتنا ... علام إذا لم تمنع العرض نزرع؟
وفينا رسول الله نتبع أمره ... إذا قال فينا القول لا نتطلع
تدلى عليه الروح من عند ربه ... ينزل من جو السماء ويرفع
ـــــــ
وهي الناقة القوية على السير.
وقوله قيضه يتفلع أي يتشقق والقيض قشور البيض والقوانس جمع قونس وهي
بيضة السلاح.
وقوله وكل صموت في الصوان، يعني: الدرع جعلها صموتا لشدة نسجها وإحكام
<325> صنعتها، والنهي والنهي الغدير، سمي بذلك لأن ماءه قد منع من
الجريان بارتفاع الأرض فغادره السيل فسمي غديرا، ونهته الأرض فسمي
نهيا.
(6/78)
نشاوره فيما
نريد وقصرنا ... إذا ما اشتهى أنا نطيع ونسمع
وقال رسول الله لما بدوا لنا ... ذروا عنكم هول المنيات واطمعوا
وكونوا كمن يشري الحية تقربا ... إلى ملك يحيا لديه ويرجع
ولكن خذوا أسيافكم وتوكلوا ... على الله إن الأمر لله أجمع
فسرنا إليهم جهرة في رحالهم ... ضحيا علينا البيض لا نتخشع
بملمومة فيها السنور والقنا ... إذا ضربوا أقدامها لا تورع
فجئنا إلى موج من البحر وسطه ... أحابيش منهم حاسر ومقنع
ثلاثة آلاف ونحن نصية ... ثلاث مئين إن كثرنا وأربع
نغاورهم تجري المنية بيننا ... نشارعهم حوض المنايا ونشرع
تهادى قسي النبع فينا وفيهم ... وما هو إلا اليثربي المقطع
ومنجوفة حرمية صاعدية ... يذر عليها السم ساعة تصنع
تصوب بأبدان الرجال وتارة ... تمر بأعراض البصار تقعقع
ـــــــ
وقوله ومنجوفة مفعولة من نجفت: إذا حفرت، ويكون أيضا من نجفت العنز إذا
<326> شددتها بالنجاف وهو الحبل فإن كان أراد الرماح فمعنى قوله منجوفة
أي مشدودة مثقفة وإن كان أراد أسنتها، فهي أيضا متجوفة من نجفت إذا
حفرت، لأن ثعلب الرمح داخل في الحديدة فهي منجوفة له وإن كان أراد
السيوف فمنجوفة أي كالمحفورة لأن متونها مدوسة مضروبة بمطارق الحديد
فهي كالمحفورة.
وقوله:
تصوب بأبدان الرجال وتارة ... تمر بأعراض البصار تقعقع
يقول تشق أبدان الرجال حتى تبلغ البصار فتقعقع فيها، وهي جمع بصرة وهي
حجارة لينة ويجوز أن يكون أراد جمع بصيرة مثل كريمة وكرام والبصيرة
الدرع وقيل الترس والبصيرة أيضا: طريقة الدم في الأرض فإن
(6/79)
وخيل تراها
بالفضاء كأنها ... جراد صبا في قرة يتريع
فلما تلاقينا ودارت بنا الرحى ... وليس لأمر حمه الله مدفع
ضربناهم حتى تركنا سراتهم ... كأنهم بالقاع خشب مصرع
لدن غدوة حتى استفقنا عشية ... كأن ذكانا حر نار تلفع
وراحوا سراعا موجفين كأنهم ... جهام هراقت ماءه الريح مقلع
ورحنا وأخرانا بطاء كأننا ... أسود على لحم ببيشة ظلع
فنلنا ونال القوم منا وربما ... فعلنا ولكن ما لدى الله أوسع
ودارت رحانا واستدارت رحاهم ... وقد جعلوا كل من الشر يشبع
ونحن أناس لا نرى القتل سبة ... على كل من يحمي الذمار ويمنع
جلاد على ريب الحوادث لا نرى ... على هالك عينا لنا الدهر تدمع
بنو الحرب لا نعيا بشيء نقوله ... ولا نحن بما جرت الحرب نجزع
بنو الحرب إن نظفر فلسنا بفحش ... ولا نحن من أظفارها نتوجع
وكنا شهابا يتقي الناس حره ... ويفرج عنه من يليه ويسفع
فخرت علي ابن الزبعرى وقد سرى ... لكم طلب من آخر الليل متبع
فسل عنك في عليا معد وغيرها ... من الناس من أحزى مقاما وأشنع
ومن هو لم تترك له الحرب مفخرا ... ومن حده يوم الكريهة أضرع
شددنا بحول الله والنصر شدة ... عليكم وأطراف الأسنة سرع
تكر القنا فيكم كأن فروعها ... عز إلى مزاد ماؤها يتهرع
عمدنا إلى أهل اللواء ومن يطر ... بذكر اللواء فهو في الحمد أسرع
فخانوا وقد أعطوا يدا وتخاذلوا ... أبى الله إلا أمره وهو أصنع
قال ابن هشام:
وكان كعب بن مالك قد قال:
ـــــــ
كانت في الجسد فهي جدية ولا معنى لها في هذا البيت.
(6/80)
مجالدنا عن
جذمنا كل فخمة
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أيصلح أن تقول مجالدنا عن ديننا" ؟
فقال كعب نعم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "فهو أحسن" فقال كعب
مجالدنا عن ديننا
شعر لابن الزبعرى
قال ابن إسحاق:
وقال عبد الله بن الزبعرى في يوم أحد: <328>
يا غراب البين أسمعت فقل ... إنما تنطق شيئا قد فعل
إن للخير وللشر مدى ... وكلا ذلك وجه وقبل
والعطيات خساس بينهم ... وسواء قبر مثر ومقل
كل عيش ونعيم زائل ... وبنات الدهر يلعبن بكل
أبلغن حسان عني آية ... فقريض الشعر يشفي ذا العلل
كم ترى بالجر من جمجمة ... وأكف قد أترت ورجل
وسرابيل حسان سريت ... عن كماة أهلكوا في المنتزل
كم قتلنا من كريم سيد ... ماجد الجدين مقدام بطل
ـــــــ
شرح شعر لابن الزبعرى
<327> وقول ابن الزبعرى:
يا غراب البين أسمعت، فقل ... إنما تنطق شيئا قد فعل
إقرار الجاهلية بالقدر:
قوله قد فعل أي قد فرغ منه وقد كانوا في الجاهلية يقرون بالقدر وقال
لبيد في الجاهلية
إن تقوى ربنا خير نفل ... وبإذن الله ريثي والعجل
من هداه سبل الخير اهتدى ... ناعم البال ومن شاء أضل
(6/81)
صادق النجدة
قرم بارع ... غير ملتاث لدى وقع الأسل
فسل المهراس من ساكنه؟ ... بين أقحاف وهام كالحجل
ليت أشياخي ببدر شهدوا ... جزع الخزرج من وقع الأسل
حين حكت بقباء بركها ... واستحر القتل في عبد الأشل
ثم خفوا عند ذاكم رقصا ... رقص الحفان يعلو في الجبل
فقتلنا الضعف من أشرافهم ... وعدلنا ميل بدر فاعتدل
لا ألوم النفس إلا أننا ... لو كررنا لفعلنا المفتعل
بسيوف الهند تعلو هامهم ... عللا تعلوهم بعد نهل
ـــــــ
وقال راجزهم
يا أيها اللائم لمني، أو فذر ... إن كنت أخطأت فما أخطا القدر
<328> وقوله غير ملتاث هو مفتعل من اللوثة كما قال الضبي:
عند الحفيظة إن ذي لوثة لانا
والمهراس: حجر منقور يمسك الماء فيتوضأ منه شبه بالمهراس الذي هو
الهاوون ووهم المبرد فجعل المهراس اسما علما للمهراس الذي بأحد خاصة
وإنما هو اسم لكل حجر نقر فأمسك الماء. وروى ابن عبدوس عن مالك أنه سئل
عن رجل يمر بمهراس في أرض فلاة كيف يغتسل منه؟ فقال مالك هلا قلت مر
بغدير ومن يجعل له مهراسا في أرض فلاة؟ فهذا يبين لك أن المهراس ليس
مخصوصا بالمهراس الذي كان بأحد وكذلك وقع في غريب الحديث أن النبي -
صلى الله عليه وسلم - مر بقوم يتجاذون مهراسا أي يرفعونه.
(6/82)
رد حسان على
ابن الزبعرى
<329> فأجابه حسان بن ثابت الأنصاري رضي الله عنه قال:
ذهبت يا ابن الزبعرى وقعة ... كان منا الفضل فيها لو عدل
ولقد نلتم ونلنا منكم ... وكذاك الحرب أحيانا دول
نضع الأسياف في أكتافكم ... حيث نهوي عللا بعد نهل
كسلاح النبيب يأكلن العصل ... إذ تولون على أعقابكم
هربا من الشعب أشباه الرسل ... إذ شددنا شدة صادقة
نخرج الأصبح من أستاهكم ... فأجأناكم إلى سفح الجبل
بخناطيل كأشراف الملا ... من يلاقوه من الناس يهل
ضاق عنا الشعب إذ يجزعه ... وملأنا الفرط منه والرجل
ـــــــ
شعر حسان يرد به على ابن الزبعرى
<329> قول حسان يجيبه
هربا في الشعب أشباه الرسل
يعني: الغنم إذا أرسلها الراعي، يقال لها حينئذ رسل.
وقوله كأشراف الملا، الأشراف جمع شرف وهو الشخص والملا: ما اتسع من
الأرض ويريد بالأشراف هاهنا أشخاص الشجر وأصولها.
وقوله يهل، أراد فيهال ثم جزم للشرط فانحذفت الألف لالتقاء الساكنين
وهو من الهول يقال هالني الأمر يهولني هولا إذا أفزعك.
وقوله وملأنا الفرط أراد الفرط بتحريك الراء وهي الأكمة وما ارتفع
(6/83)
برجال لستم
أمثالهم ... أيدوا جبريل نصرا فنزل
وعلونا يوم بدر بالتقى ... طاعة الله وتصديق الرسل
وقتلنا كل رأس منهم ... وقتلنا كل جحجاح رفل
وتركنا في قريش عورة ... يوم بدر وأحاديث المثل
ورسول الله حقا شاهد ... يوم بدر والتنابيل الهبل
في قريش من جموع جمعوا ... مثل ما يجمع في الخصب الهمل
نحن لا أمثالكم ولد استها ... نحضر الناس إذا البأس نزل
ـــــــ
من الأرض والرجل جمع رجلة وهو المطمس من الأرض والرجلة أيضا في معنى
الرجل من الجراد قال الشاعر
وتحت نحور الخيل حرشف رجلة
يريد بالحرشف جماعة الربا، وهم صغار الجراد ضربهم مثلا للرجالة والرماة
وجمع الفرط أفراط.
<330> وقوله ولد استها: كلمة تقولها العرب عند السب تقول يا بني استها،
والولد بمعنى الأولاد. وكتب أهل دمشق إلى أهل مزة وهي على فرسخ من دمشق
وكانوا أمسكوا عنهم الماء فكتبوا إليهم من أهل دمشق إلى بني استها.
وبعد فإما أن يمسينا الماء وإلا صبحتكم الخيل. ذكره الجاحظ.
متى يضر حذف حرف الجر؟
وقوله في المؤمنين أيدوا جبريل أي أيدوا بجبريل وحذف الجار فتعدى الفعل
فنصب ولا يضر هذا الحذف إلا أن يكون الفعل المتعدي بحرف جر متضمنا
(6/84)
<331> قال ابن
هشام:
وأنشدني أبو زيد الأنصاري: " وأحاديث المثل " والبيت الذي قبله. وقوله
" في قريش من جموع جمعوا " عن غير ابن إسحاق.
ـــــــ
لمعنى فعل آخر ناصب كقولهم أمرتك الخير أي كلفتك الخير وألزمتكه ولا
يستقيم نهيتك الشر إذ ليس في معنى نهيتك فعل ناصب وقوله أيدوا جبريل أي
أصحبوه ونحو هذا، فحسن حذف الباء لهذا.
عود إلى شعر حسان
وقول حسان
نخرج الأصبح من استاهكم
رواه أبو حنيفة نخرج الأضياح وهو اللبن الممزوج بالماء وهو في معنى
الأصبح لأن الصبحة بياض غير خالص فجعله وصفا للبن الممذوق المخرج من
بطونهم.
وقوله:
كسلاح النيب يأكلن العصل
<331> العصل نبات كالرفلين يصلح الإبل إذا أكلته ويكثر شربها للماء وهو
من الحمض، وينبت في السباخ قاله أبو حنيفة.
(6/85)
شعر كعب في
بكاء حمزة وقتلى أحد
قال ابن إسحاق:
وقال كعب بن مالك يبكي حمزة بن عبد المطلب وقتلى أحد من المسلمين:
نشجت وهل لك من منشج ... وكنت متى تذكر تلجج
تذكر قوم أتاني لهم ... أحاديث في الزمن الأعوج
فقلبك من ذكرهم خافق ... من الشوق والحزن المنضج
وقتلاهم في جنان النعيم ... كرام المداخل والمخرج
بما صبروا تحت ظل اللواء ... لواءالرسول بذي الأضوج
غداة أجابت بأسيافها ... جميعا بنو الأوس والخزرج
وأشياع أحمد إذ شايعوا ... على الحق النور والمنهج
فما برحوا يضربون الكماة ... ويمضون في القسطل المرهج
كذلك حتى دعاهم مليك ... إلى جنة دوحة المولج
ـــــــ
شعر كعب بن مالك
وقول كعب بن مالك:
لواء الرسول بذي الأضوج
الأضوج جمع ضوج والضوج جانب الوادي.
وقوله في القسطل المرهج. القسطل الغبار وكذلك الرهج وقد شرحنا السلجج
فيما مضى، والجمل الأدعج يعني الأسود ومنه الحديث في صفة النبي - صلى
الله عليه وسلم - في عينيه دعج وفي أشفاره وطف.
(6/86)
فكلهم مات حر
البلاء ... على ملة الله لم يحرج
كحمزة لما وفى صادقا ... بذي هبة صارم سلجج
فلاقاه عبد بني نوفل ... يبربر كالجمل الأدعج
فأوجره حربة كالشهاب ... تلهب في اللهب الموهج
ونعمان أوفى بميثاقه ... وحنظلة الخير لم يحنج
عن الحق حتى غدت روحه ... إلى منزل فاخر الزبرج
أولئك لا من ثوى منكم ... من النار في الدرك المرتج
ـــــــ
<332> وقوله: وحنظلة الخير لم يحنج أي لم يمله شيء عن الطريق المستقيم
يقال حنجت الشيء إذا أملته وعدلته عن وجهه ويقال أيضا: أحنجته فهو محنج
وسيأتي في الشعر بعد هذا ما يدل عليه.
وقوله:
عن الحق حتى غدت روحه
أنث الروح لأنه في معنى النفس وهي لغة مشهورة معروفة. أمر ذو الرمة عند
موته أن يكتب على قبره
يا نازع الروح من جسمي إذا قبضت ... وفارج الكرب أنقذني من النار
فكان ذلك مكتوبا على قبره.
وقوله: فاخر الزبرج أي فاخر الزينة أي ظاهرها.
وقوله في الدرك المرتج أي المغلق يقال ارتجت الباب إذا أغلقته، وهو من
الرتاج قالت جارية من العرب ماتت أمها، وتزوج أبوها:
ولكن قد أتى من دون ودي ... وبين فؤاده غلق الرتاج
ومن لم يؤذه ألم برأسي ... وما الرئمان إلا بالنتاج
(6/87)
شعر ضرار في
الرد على كعب
<333> فأجابه ضرار بن الخطاب الفهري، فقال:
أيجزع كعب لأشياعه ... ويبكي من الزمن الأعوج
عجيج المذكي رأى إلفه ... تروح في صادر محنج
فراح الروايا وغادرنه ... يعجعج قسرا ولم يخدج
فقولا لكعب يثني البكا ... وللنيء من لحمه ينضج
لمصرع إخوانه في مكر ... من الخيل ذي قسطل مرهج
فيا ليت عمرا وأشياعه ... وعتبة في جمعنا السورج
فيشفوا النفوس بأوتارها ... بقتلى أصيبت من الخزرج
وقتلى من الأوس في معرك ... أصيبوا جميعا بذي الأضوج
ومقتل حمزة تحت اللواء ... بمطرد مازن مخلج
وحيث انثنى مصعب ثاويا ... بضربة ذي هبة سلجج
بأحد وأسيافنا فيهم ... تلهب كاللهب الموهج
غداة لقيناكم في الحديد ... كأسد البراح فلم تعنج
بكل مجلحة كالعقاب ... وأجرد ذي ميعة مسرج
فدسناهم ثم حتى انثنوا ... سوى زاهق النفس أو محرج
قال ابن هشام:
ـــــــ
ومنه قيل: ارتج على الخطيب إذا أغلق عليه باب القول.
<333> وفي شعر ضرار: في جمعنا السورج وهو فوعل من السراج يريد المضيء.
(6/88)
وبعض أهل العلم
بالشعر ينكرها لضرار. وقول كعب " ذي النور والمنهج " عن أبي زيد
الأنصاري.
شعر ابن الزبعرى في يوم أحد:
قال ابن إسحاق:
وقال عبد الله بن الزبعرى في يوم أحد، يبكي القتلى:
ألا ذرفت من مقلتيك دموع ... وقد بان من حبل الشباب قطوع
وشط بمن تهوى المزار وفرقت ... نوى الحي دار بالحبيب فجوع
وليس لما ولى على ذي حرارة ... وإن طال تذراف الدموع رجوع
فذر ذا ولكن هل أتى أم مالك ... أحاديث قومي والحديث يشيع
ومجنبنا جردا إلى أهل يثرب ... عناجج منها متلد ونزيع
عشية سرنا في لهام يقودنا ... ضرور الأعادي للصديق نفوع
نشد علينا كل زعف كأنها ... غدير بضوج الواديين نقيع
فلما رأونا خالطتهم مهابة ... وعاينهم أمر هناك فظيع
وودوا لو أن الأرض ينشق ظهرها ... بهم وصبور القوم ثم جزوع
وقد عريت بيض كأن وميضها ... حريق ترقى في الأباء سريع
بأيماننا نعلو بها كل هامة ... ومنها سمام للعدو ذريع
فغادرن قتلى الأوس غاصبة بهم ... ضباع وطير يعتقين وقوع
وجمع بني النجار في كل تلعة ... بأبدانهم من وقعن نجيع
ولولا علو الشعب غادرن أحمدا ... ولكن علا والسمهري شروع
كما غادرت في الكر حمزة ثاويا ... وفي صدره ماضي الشباة وقيع
ونعمان قد غادرن تحت لوائه ... على لحمه طير يجفن وقوع
بأحد وأرماح الكماة يردنهم ... كما غال أشطان الدلاء نزوع
(6/89)
شعر حسان في
الرد على ابن الزبعرى:
فأجابه حسان بن ثابت، فقال:
أشاقك من أم الوليد ربوع ... بلاقع ما من أهلهن جميع
عفاهن صيفي الرياح وواكف ... من الدلو رجاف السحاب هموع
فلم يبق إلا موقد النار حوله ... رواكد أمثال الحمام كنوع
فدع ذكر دار بددت بين أهلها ... نوى لمتينات الحبال قطوع
وقل إن يكن يوم بأحد يعد ... سفيه فإن الحق سوف يشيع
فقد صابرت فيه بنو الأوس كلهم ... وكان لهم ذكر هناك رفيع
وحامى بنو النجار فيه وصابروا ... وما كان منهم في اللقاء جزوع
أمام رسول الله لا يخذلونه ... لهم ناصر من ربهم وشفيع
وفوا إذ كفرتم يا سخين بربكم ... ولا يستوي عبد وفى ومضيع
بأيديهم بيض إذا حمش الوغى ... فلا بد أن يردى لهن صريع
كما غادرت في النقع عتبة ثاويا ... وسعدا صريعا والوشيج شروع
وقد غادرت تحت العناجة مسندا ... أبيا وقد بل القميص نجيع
يكف رسول الله حيث تنضبت ... على القوم مما قد يثرن نقوع
ـــــــ
من شعر حسان
وفي شعر حسان:
وفوا إذ كفرتم يا سخين بربكم
<334> <335> أراد سخينة فرخم وعنى قريشا لأنها كانت تلقب بذلك
[لمداومتهم على ضرب هذا الحساء المتخذ من الدقيق الذي يسمى: سخينة] ،
وفي أشعار ضرار في العينية منها أمرها شاع أراد شائع فقلبت كما قال
الآخر:
(6/90)
أولئك قوم سادة
من فروعكم ... وفي كل قوم سادة وفروع
بهن نعز الله حتى يعزنا ... وإن كان أمر يا سخين فظيع
فلا تذكروا قتلى وحمزة فيهم ... قتيل ثوى لله وهو مطيع
فإن جنان الخلد منزلة له ... وأمر الذي يقضي الأمور سريع
وقتلاكم في النار أفضل رزقهم ... حميم معا في جوفها وصريع
<336> شعر عمرو بن العاص في يوم أحد:
<336> قال ابن هشام:
وبعض أهل العلم بالشعر ينكرهما لحسان وابن الزبعرى وقوله " ماضي الشباة
وطير يجفن " عن غير ابن إسحاق:
وقال ابن إسحاق:
وقال عمرو بن العاصي [في] يوم أحد:
ـــــــ
لاث به الأشاء والعبري
أراد:لائث ؛ وكما جاء في الحديث: لا يحتكر الطعام إلا طاغ أو باغ
أونازغ أراد: زائغ.
وفي شعره القافي:
رشاش الطعن والورق
الورق ما تعقد من الدم قاله ابن دريد وغيره وفيه ما به رهق أي عيب
والمرهق من الرجال المعيب.
(6/91)
خرجنا من
الفيفا عليهم كأننا ... مع الصبح من رضوى الحبيك المنطق
تمنت بنو النجار جهلا لقاءنا ... لدى جنب سلع والأماني تصدق
فما راعهم بالشر إلا فجاءة ... كراديس خيل في الأزقة تمرق
أرادوا لكيما يستبيحوا قبابنا ... ودون القباب اليوم ضرب محرق
وكانت قبابا أومنت قبل ما ترى ... إذ رامها قوم أبيحوا وأحنقوا
كأن رءوس الخزرجيين غدوة ... وأيمانهم بالمشرقية بروق
شعر كعب في الرد على ابن العاصي
فأجابه كعب بن مالك، فيما ذكر ابن هشام، فقال:
ألا أبلغا فهرا على نأي دارها ... وعندهم من علمنا اليوم مصدق
بأنا غداة السفح من بطن يثرب ... صبرنا ورايات المنية تخفق
صبرنا لهم والصبر منا سجية ... إذا طارت الأبرام نسموا ونرتق
على عادة تلكم جرينا بصبرنا ... وقدما لدى الغايات نجري فنستبق
لها حومة لا تستطاع يقودها ... نبي أتى بالحق عف مصدق
ألا هل أتى أفناء فهر بن مالك ... مقطع أطراف وهام مفلق
شعر ضرار في يوم أحد
قال ابن إسحاق:
وقال ضرار بن الخطاب: <337>
إني وجدك لولا مقدمي فرسي ... إذ جالت الخيل بين الجزع والقاع
ما زال منكم بجنب الجزع من أحد ... أصوات هام تزاقى أمرها شاعي
وفارس قد أصاب السيف مفرقه ... أفلاق هامته كفروة الراعي
(6/92)
إني وجدك لا
أنفك منتطقا ... بصارم مثل لون الملح قطاع
على رحالة ملواح مثابرة ... نحو الصريخ إذا ما ثوب الداعي
وما انتميت إلى خور ولا كشف ... ولا لئام غداة البأس أوراع
بل ضاربين حبيك البيض إذ لحقوا ... شم العرانين عند الموت لذاع
شم بهاليل مسترخ حمائلهم ... يسعون للموت سعيا غير دعداع
وقال ضرار بن الخطاب أيضا:
لما أتت من بني كعب مزينة ... والخزرجية فيها البيض تأتلق
وجردوا مشرفيات مهندة ... وراية كجناح النسر تختفق
فقلت يوم بأيام ومعركة ... تنسى لما خلفها ما هزهز الورق
قد عودوا كل يوم أن تكون لهم ... ريح القتال وأسلاب الذين لقوا
خيرت نفسي على ما كان من وجل ... منها وأيقنت أن المجد مستبق
أكرهت مهري حتى خاض غمرتهم ... وبله من نجيع عانك علق
فظل مهري وسربالي جسيدهما ... نفخ العروق رشاش الطعن والورق
أيقنت أني مقيم في ديارهم ... حتى يفارق ما في جوفه الحدق
لا تجزعوا يا بني مخزوم إن لكم ... مثل المغيرة فيكم ما به زهق
صبرا فدى لكم أمي وما ولدت ... تعاوروا الضرب حتى يدبر الشفق
وقال عمرو بن العاصي:
لما رأيت الحرب ينـ ... زو شرها بالرضف نزرا
ـــــــ
في شعر عمرو بن العاص
<337> وفي شعر عمرو بن العاصي: يمشون قطوا. القطو والأقطيطاء مشي
القطا.
(6/93)
وتناولت شهباء
تلحـ ... و الناس بالضراء لحوا
أيقنت أن الموت حق ... والحياة تكون لغوا
حملت أثوابي على ... عتد يبذ الخيل رهوا
سلس إذا نكبن في ال ... بيداء يعلو الطرف علوا
وإذا تنزل ماؤه ... من عطفه يزداد زهوا
ربذ كيعفور الصريـ ... مة راعه الرامون دحوا
شنج نساه ضابط ... للخيل إرخاء وعدوا
ففدى لهم أمي غدا ... ة الروع إذ يمشون قطوا
سيرا إلى كبش الكتيـ ... بة إذ جلته الشمس جلوا
قال ابن هشام:
وبعض أهل العلم بالشعر ينكرها لعمرو.
شعر كعب في الرد على عمرو بن العاصي
قال ابن إسحاق:
فأجابهما كعب بن مالك، فقال <339>
أبلغ قريشا وخير القول أصدقه ... والصدق عند ذوي الألباب مقبول
أن قد قتلنا بقتلانا سراتكم ... أهل اللواء ففيما يكثر القيل
ويوم بدر لقيناكم لنا مدد ... فيه مع النصر ميكال وجبريل
ـــــــ
شعر كعب
<338> وفي شعر كعب خذم رعابيل. الخذم القطع بالأسنان. ورعابيل قطع
متمزقة يقال خباء مرعبل أي متمزق.
(6/94)
إن تقتلونا
فدين الحق فطرتنا ... والقتل في الحق عند الله تفضيل
وإن تروا أمرنا في رأيكم سفها ... فرأي من خالف الإسلام تضليل
فلا تمنوا لقاح الحرب واقتعدوا ... إن أخا الحرب أصدى اللون مشغول
إن لكم عندنا ضربا تراح له ... عرج الضباع له خذم رعابيل
إنا بنو الحرب نمريها وننتجها ... وعندنا لذوي الأضغان تنكيل
إن ينج منها ابن حرب بعدما بلغت ... منه التراقي، وأمر الله مفعول
فقد أفادت له حلما وموعظة ... لمن يكون له لب ومعقول
ولو هبطتم ببطن السيل كافحكم ... ضرب بشاكلة البطحاء ترعيل
تلقاكم عصب حول النبي لهم ... مما يعدون للهيجا سرابيل
من جذم غسان مسترخ حمائلهم ... لا جبناء ولا ميل معازيل
يمشون تحت عمايات القتال كما ... تمشي المصاعبة الأدم المراسيل
أو مثل مشي أسود الظل ألثقها ... يوم رذاذ من الجوزاء مشمول
في كل سابغة كالنهي محكمة ... قيامها فلج كالسيف بهلول
ـــــــ
وقوله
إنا بنو الحرب نمريها وننتجها
مستعار من مريت الناقة إذا استدررت لبنها، ونتجتها إذا استخرجت منها
ولدا، يقال نتجت الناقة ونتجها أهلها، وأما أنتجت تنتج فإذا دنا
نتاجها.
<339> وقوله:
يوم رذاذ من الجوزاء مشمول
يريد من أيام أنواء الجوزاء، وهو نوء الهفعة أو الهنعة وذلك في الشتاء
(6/95)
ترد حد قرام
النبل خاسئة ... ويرجع السيف عنها وهو مفلول
ولو قذفتم بسلع عن ظهوركم ... وللحياة ودفع الموت تأجيل
ما زال في القوم وتر منكم أبدا ... تعفو السلام عليه وهو مطلول
عبد وحر كريم موثق قنصا ... شطرع المدينة مأسور ومقتول
كنا نؤمل أخراكم فأعجلكم ... منا فوارس لا عزل ولا ميل
إذا جنى فيهم الجاني فقد علموا ... حقا بأن الذي قد جر محمول
ما نحن لا نحن من إثم مجاهرة ... ولا ملوم ولا في الغرم مخذول
شعر حسان في أصحاب اللواء
وقال حسان بن ثابت، يذكر عدة أصحاب اللواء يوم أحد:
- قال ابن هشام: هذه أحسن ما قيل:- <340>
منع النوم بالعشاء الهموم ... وخيال إذا تغور النجوم
ـــــــ
في شهر كانون الأول ومشمول من الريح الشمال.
وقوله ألثقها من اللثق وهو البلل والطين اليسير والرذاذ معروف وهو أكثر
من الطش والبغش والطل نحو منه أو أقوى منه قليلا، يقال أرض مطلولة
ومبغوشة ولا يقال مرذوذة ولكن يقال مرذة ومرذ عليها قاله الخطابي.
أجود ما قال حسان:
وذكر شعر حسان. قال ابن هشام: هذه أجود ما قال وهذه القصيدة التي قالها
حسان <340> ليلا، ونادى قومه أنا أبو الحسام أنا أبو الوليد وهما
كنيتان له ثم
(6/96)
من حبيب أضاف
قلبك منه ... سقم فهو داخل مكتوم
يا لقومي هل يقتل المرء مثلي ... واهن البطش والعظام سئوم
لو يدب الحولي من ولد الذ ... ر عليها لأندبتها الكلوم
شأنها العطر والفراش ويعلو ... ها لجين ولؤلؤ منظوم
لم تفتها شمس النهار بشيء ... غير أن الشباب ليس يدوم
إن خالي خطيب جابية الجو ... لان عند النعمان حين يقوم
وأنا الصقر عند باب ابن سلمى ... يوم نعمان في الكبول سقيم
وأبي وواقد أطلقا لي ... يوم راحا وكبلهم مخطوم
ورهنت اليدين عنهم جميعا ... كل كف جزء لها مقسوم
وسطت نسبتي الذوائب منهم ... كل دار فيها أب لي عظيم
وأبي في سميحة القائل الفا ... صل يوم التقت عليه الخصوم
تلك أفعالنا وفعل الزبعرى ... خامل في صديقه مذموم
رب حلم أضاعه عدم المال ... وجهل غطا عليه النعيم
إن دهرا يبور فيه ذوو الع ... لم لدهر هو العتو الزنيم
لا تسبنني فلست بسبي ... إن سبي من الرجال الكريم
ما أبالي أنب بالحزن تيس ... أم لحاني بظهر غيب لئيم
ولي البأس منكم إذ رحلتم ... أسرة من بني قصي صميم
ـــــــ
أمرهم أن يرووها عنه قبل النهار مخافة أن يعوقه عائق فخر فيها على ابن
الزبعرى بمقامات له عند ملوك الشام من أبناء جفنة افتك فيها عناة من
قومه.
وذكر مقام خالد عند النعمان الغساني من آل جفنة وليس بالنعمان بن
المنذر وقال فيها:
رب حلم أضاعه عدم الما ... ل وجهل غطا عليه النعيم
غطا بتخفيف الطاء أنشده يونس بن حبيب وهكذا كان في حاشية الشيخ مذكورا
عن يونس وغطا ارتفع وعلا، وأنشد القتبي:
(6/97)
تسعة تحمل
اللواء وطارت ... في رعاع من القنا مخزوم
وأقاموا حتى أبيحوا جميعا ... في مقام وكلهم مذموم
بدم عانك وكان حفاظا ... أن يقيموا إن الكريم كريم
وأقاموا حتى أزيروا شعوبا ... والقنا في نحورهم مخطوم
وقريش تفر منا لواذا ... أن يقيموا وخف منها الحلوم
لم تطق حمله العواتق منهم ... إنما يحمل اللواء النجوم
ـــــــ
ومن تعاجيب خلق الله غاطية ... يعصى منها ملاحي وغربيب
ملاحي بتخفيف اللام ويقال ملاحي كما قال:
كعنقود ملاحية حين نورا
<341> وقال أبو حنيفة: من قال ملاحية بالتشديد شبهه بالملاح وهو ثمر
الأراك وفيه ملوحة وقال والغربيب اسم لنوع من العنب وليس بنعت. قال
المؤلف وإذا ثبت هذا فلعلك أن تفهم منه معنى قوله سبحانه {وَغَرَابِيبُ
سُودٌ} [ فاطر 27] . حين وصف الجدد وسود عندي بدل لا نعت وإنما يتم شرح
الآية لمن لحظه من هذا المطلع فإن أبا حنيفة زعم أن الغربيب إذا أطلق
لفظه ولم يقيد بشيء موصوف به فإنما يفهم منه العنب الذي هذا اسمه خاصة
والله الموفق للصواب وفهم الكتاب.
وذكر فيه حماة اللواء من بني عبد الدار، وأنهم صرعوا حوله حتى أخذته
امرأة منهم وهي عمرة بنت علقمة، فلذلك قال
لم تطق حمله العواتق منهم ... إنما يحمل اللواء النجوم
(6/98)
<341> قال ابن
هشام: قال حسان هذه القصيدة:
منع النوم بالعشاء الهموم
ليلا، فدعا قومه فقال لهم خشيت أن يدركني أجلي قبل أن أصبح فلا ترووها
عني
قال ابن هشام:
أنشدني أبو عبيدة للحجاج بن علاط السلمي يمدح أبا الحسن أمير المؤمنين
علي بن أبي طالب، ويذكر قتله طلحة بن أبي طلحة بن عبد العزى بن عثمان
بن عبد الدار صاحب لواء المشركين يوم أحد:
لله أي مذبب عن حرمة ... أعني ابن فاطمة المعم المخولا
سبقت يداك له بعاجل طعنة ... تركت طليحة للجبين مجدلا
ـــــــ
<342> شعر ابن علاط
وقال في شعر حجاج بن علاط يمدح عليا رضي الله عنه.
لله أي مذبب عن حرمة
ألفيت في حاشية الشيخ أبي بحر على هذا البيت في حاشية الأصل يعني أصل
أبي الوليد قال إبراهيم أي نصب لأنه مديح والمديح نصب في أي حاليه فأما
ابن هشام فرفع أي. قال المؤلف وهذا الذي ذكره من نصب أي على المديح لا
يستقيم إلا أن تقدر حذف المبتدأ قبله كأنه قال لله أنت لأنه لا ينصب
على المدح إلا بعد جملة تامة وأما الرفع على أن تجعل خبره لله فقبيح
لأنها وإن كانت خبرا، فأصلها الاستفهام فلها صدر الكلام كما كان ذلك في
كم خبرية كانت أو استفهامية فالتقدير إذا: لله دره أي مذبب عن حرمة هو
ألا ترى أنه يقبح أن يقول جاءني أي فتى، فإن جعلته وصفا جاريا على ما
قبلها، فقلت: جارتي رجل أي رجل جاز ذلك لأنه إذا كان وصفا لم تله
العوامل اللفظية فكأنه لم يخرج عن
(6/99)
وشددت شدة باسل
فكشفتهم ... بالجر إذ يهوون أخوال أخولا
شعر حسان في قتلى يوم أحد:
<343> قال ابن إسحاق:
وقال حسان بن ثابت يبكي حمزة بن عبد المطلب ومن أصيب من أصحاب رسول
الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد: <344> <345> <346>
يا مي قومي فاندبن ... بسحيرة شجو النوائح
كالحاملات الوقر بال ... ثقل الملحات الدوالح
ـــــــ
أصله إذ المبتدأ لا تليه العوامل اللفظية.
وقوله أخول أخولا، أي متفرقين ووقع تفسيره في بعض النسخ من قول ابن
هشام، وكان أصله من الخال وهو الخيلاء والكبر تقول فلان أخول من فلان
أي أشد كبرا منه واختيالا، فمعنى قولهم إذا جاء القوم أخول أخولا، أي
انفرد كل واحد منهم بنفسه وازدهاه الخال أن يكون تابعا لغيره فكلما
رأيت أحدا منهم قلت: هذا أخول من الآخر هذا هو الأصل ثم كثر حتى استعمل
في التفرق مثلا، وإن لم يكن هناك من معنى الخال شيء وقد قيل في أخول
إنه من تخولت بالموعظة ونحوها إذا فعلت ذلك شيئا فشيئا، وفي الحديث كان
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتخولنا بالموعظة مخافة السآمة
علينا.
شعر حسان الحائي
<343> وذكر شعر حسان الحائي وقال فيه
كالحاملات الوقر بالث ... قل الملحات الدوالح
الدوالح جمع دالحة وهي المثقلة وكذلك الدلوح من السحاب وهي المثقلة
بالماء وفيه.
(6/100)
المعولات
الخامشات ... وجوه حرات صحائح
وكأن سيل دموعها ال ... أنصاب تخضب بالذبائح
ينقضن أشعارا لهن ... هناك بادية المسائح
وكأنها أذناب خي ... ل بالضحى شمس رواسح
من بين مشزور ومج ... زور يذعذع بالبوارح
يبكين شجوا مسلبا ... ت كدحتهن الكوادح
ولقد أصاب قلوبها ... مجل له جلب قوارح
إذ أقصد الحدثان من ... كنا نرجي إذ نشايح
ـــــــ
ينقضن أشعارا لهن ... هناك بادية المسائح
المسائحجمع : مسيحة وهو ما لم يمشط من الشعر بدهن ولا شيء والمسيحة
أيضا القطعة من الفضة والمسيحة الفرس .
وقوله من بين مشرور أي مفرق ويقال شررت الملح إذا فرقته، والمجل كالجرح
تقول مجلت يدي من العمل.
<344> وقوله نشائح أي نحاذر كما قال الآخر:
وشايحت قبل اليوم إنك شيح
وقوله قد كنت المصامح وفي الحاشية عند الشيخ المصافح بالفاء في رواية
أخرى، وأما المصامح بالميم فيجوز أن يكون من صمحت الشيء إذا أذبته،
قاله صاحب العين قال والصمحمح من الرجال الشديد العصب وسنه ما بين
(6/101)
أصحاب أحد
غالهم ... دهر ألم له جوارح
من كان فارسنا وحا ... مينا إذا بعث المسالح
يا حمز لا والله لا ... أنساك ماصر اللقائح
لمناخ أيتام وأضـ ... ياف وأرملة تلامح
ولما ينوب الدهر في ... حرب لحرب وهي لافح
يا فارسا يا مدرها ... يا حمز قد كنت المصامح
عنا شديدات الخطو ... ب إذا ينوب لهن فادح
ذكرتني أسد الرسو ... ل وذاك مدرهنا المنافح
عنا وكان يعد إذ ... عد الشريفون الجحاجح
يعلو القماقم جهرة ... سبط اليدين أغر واضح
لا طائش رعش ولا ... ذو علة بالحمل آنخ
بحر فليس يغب جا ... را منه بسيب أو منادخ
أودى شباب أولي الحفا ... ئظ والثقيلون المراجح
ـــــــ
الثلاثين إلى الأربعين والصماح فيما ذكر أبو حنيفة الريح المنتنة.
وقوله سبب أو منادح يجوز أن يكون جمع : مندوحة وهي السعة وقياسه مناديح
بالياء وحذفها ضرورة ويجوز أن يكون من الندح فيكون مفاعلا بضم الميم أي
<345> مكاثرا، ويكون بفتح الميم فيكون جمع مندحة مفعلة من الكثرة
والسعة وأما قولهم أنا في مندوحة من هذا الأمر فهي مفعولة من الندح
ووهم أبو عبيد ، فجعله من انداح بطنه إذا اتسع والنون في مندوحة أصل
وهي في انداح زائدة لأن وزنه انفعل والألف في انداح أصل وهي بدل من واو
كأنه مندوحة الشج والميم في مندوحة زائدة والدال عين الفعل وهو في
انداح فاء الفعل ومن هاهنا قال الخطابي: يا عجبا لابن قتيبة يترك مثل
هذا من غلط أبي عبيد ، ويعنف في الرد عليه فيما لا بال له من الغلط.
(6/102)
المطعمون إذا
المشا ... تي ما يصفقهن ناضح
لحم الجلاد وفوقه ... من شحمه شطب شرائح
ليدافعوا عن جارهم ... ما رام ذو الضغن المكاشح
لهفي لشبان رزئ ... ناهم كأنهم المصابح
شم، بطارقة غطا ... رفة خضارمة مسامح
المشترون الحمد بال ... أموال إن الحمد رابح
والجامزون بلجمهم ... يوما إذا ما صاح صائح
من كان يرمى بالنوا ... قر من زمان غير صالح
ما إن تزال ركابه ... يرسمن في غبر صحاصح
راحت تبارى وهو في ... ركب صدورهم رواشح
حتى تئوب له المعا ... لي ليس من فوز السفائح
يا حمز قد أوحدتني ... كالعود شذ به الكوافح
أشكو إليك وفوقك الـ ... تراب المكور والصفائح
من جندل نلقيه فو ... قك إذ أجاد الضرح ضارح
في واسع يحشونه ... بالترب سوته المماسح
ـــــــ
وقوله خضارمة جمع خضرم وهو الكثير العطاء.
وقوله يرسمن من الرسيم في السير والصحاصح جمع صحصح وهي الأرض الملساء.
وقوله ليس من فوز السفائح السفائح جمع سفيحة وهي كالجوالق ونحوه.
(6/103)
فعزاؤنا أنا
نقو ... ل وقولنا برح بوارح
من كان أمسى وهو عم ... ا أوقع الحدثان جانح
فليأتنا فلتبك عي ... ناه لهلكانا النوافح
القائلين الفاعلين ... ذوي السماحة والممادح
من لا يزال ندى يديه ... له طوال الدهر مائح
قال ابن هشام:
وأكثر أهل العلم بالشعر ينكرها لحسان وبيته " المطعمون إذا المشاتي "
وبيته " الجامزون بلجمهم " وبيته " من كان يرمي بالنواقر " عن غير ابن
إسحاق.
شعر حسان في بكاء حمزة:
قال ابن إسحاق:
وقال حسان بن ثابت أيضا يبكي حمزة بن عبد المطلب: <347>
أتعرف الدار عفا رسمها ... بعدك صوب المسنبل الهاطل
بين السراديح فأدمانة ... فمدفع الروحاء في حائل
ساءلتها عن ذاك فاستعجمت ... لم تدر ما مرجوعة السائل؟
دع عنك دارا قد عفا رسمها ... وابك على حمزة ذي النائل
المالئ الشيزي إذا أعصفت ... غبراء في ذي الشيم الماحل
والتارك القرن لدى لبدة ... يعثر في ذي الخرص الذابل
واللابس الخيل إذ أجحمت ... كالليث في غابته الباسل
أبيض في الذروة من هاشم ... لم يمر دون الحق بالباطل
مال شهيدا بين أسيافكم ... شلت يدا وحشي من قاتل
ـــــــ
شعر حسان اللامي
<346> وقال في القصيدة اللامية ذي الخرص الذابل يريد الرمح والخرص
سنانه <347> وجمعه خرصان. وفيه شلت يدا وحشي من قاتل
(6/104)
أي امرئ غادر
في ألة ... مطرورة مارنة العامل
أظلمت الأرض لفقدانه ... واسود نور القمر الناصل
صلى عليه الله في جنة ... عالية مكرمة الداخل
كنا نرى حمزة حرزا لنا ... في كل أمر نابنا نازل
وكان في الإسلام ذا تدرإ ... يكفيك فقد القاعد الخاذل
لا تفرحي يا هند واستحلبي ... دمعا وأذري عبرة الثاكل
أبكي على عتبة إذ قطه ... بالسيف تحت الرهج الجائل
إذا خر في مشيخة منكم ... من كل عات قلتة جاهل
أرداهم حمزة في أسرة ... يمشون تحت الحلق الفاضل
غداة جبريل وزير له ... نعم وزير الفارس الحامل
ـــــــ
ترك تنوين العلم للضرورة ترك التنوين للضرورة لما كان اسما علما،
والعلم قد يترك صرفه كثيرا، ومنع من ذلك البصريون، واحتج الكوفيون في
إجازته بأن الشاعر قد يحذف الحرف والحرفين نحو قول علقمة [بن عبدة] :
كأن إبريقهم ظبي على شرف ... مقدم بسبا الكتان ملئوم
أي بسبائب وقول لبيد:
كالحماليج بأيدي التلام
أي التلاميذ. وقال ابن السراج محتجا عليهم ليس التنوين من هذا في شيء
لأنه زائد
(6/105)
شعر كعب في
بكاء حمزة:
<348> وقال كعب بن مالك يبكي حمزة بن عبد المطلب:
طرقت همومك فالرقاد مسهد ... وجزعت أن سلخ الشباب الأغيد
ودعت فؤادك للهوى ضمرية ... فهواك غوري وصحوك منجد
فدع التمادي في الغواية سادرا ... قد كنت في طلب الغواية تفند
ولقد أتى لك أن تناهى طائعا ... أو تستفيق إذا نهاك المرشد
ولقد هددت لفقد حمزة هدة ... ظلت بنات الجوف منها ترعد
ولو أنه فجعت حراء بمثله ... لرأيت رأسي صخرها يتبدد
قرم تمكن في ذؤابة هاشم ... حيث النبوة والندى والسودد
والعاقر الكوم الجلاد إذا غدت ... ريح يكاد الماء منها يجمد
والتارك القرن الكمي مجدلا ... يوم الكريهة والقنا يتقصد
ـــــــ
لمعنى، وما زيد معنى لا يحذف.
شعر كعب
<348> وفي شعر كعب:
طرقت همومك فالرقاد مسهد
أراد الرقاد مسهد صاحبه فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه وهو
الضمير المخفوض فصار الضمير مفعولا لم يسم فاعله فاستتر في المسهد.
ومنه
وجزعت أن سلخ الشباب الأغيد
(6/106)
وتراه يرفل في
الحديد كأنه ... ذو لبدة شثن البراثن أربد
عم النبي محمد وصفيه ... ورد الحمام فطاب ذاك المورد
وأتى المنية معلما في أسرة ... نصروا النبي ومنهم المستشهد
ولقد إخال بذاك هندا بشرت ... لتميت داخل غصة لا تبرد
مما صبحنا بالعقنقل قومها ... يوما تغيب فيه عنها الأسعد
وببئر بدر إذ يرد وجوههم ... جبريل تحت لوائنا ومحمد
حتى رأيت لدى النبي سراتهم ... قسمين يقتل من نشاء ويطرد
فأقام بالعطن المعطن منهم ... سبعون عتبة منهم والأسود
وابن المغيرة قد ضربنا ضربة ... فوق الوريد لها رشاش مزيد
وأمية الجمحي قوم ميله ... عضب بأيدي المؤمنين مهند
فأتاك فل المشركين كأنهم ... والخيل تثفنهم نعام شرد
شتان من هو في جهنم ثاويا ... أبدا ومن هو في الجنان مخلد
<349> وقال كعب أيضا يبكي حمزة
صفية قومي ولا تعجزي ... وبكي النساء على حمزة
ولا تسأمي أن تطيلي البكا ... على أسد الله في الهزة
فقد كان عزا لأيتامنا ... وليث الملاحم في البزة
ـــــــ
أي الأغيد صاحبه وهو الناعم.
<349> وقوله والخيل تثفنهم أي تتبع آثارهم وأصله من ثفنات البعير وهو
ما حول الخف منه. قصيدة كعب الزائية
وقول كعب في الشعر الزائي
وليث الملاحم في البزة
(6/107)
يريد بذاك رضا
أحمد ... ورضوان ذي العرش والعزة
شعر كعب في أحد
<350> وقال كعب أيضا في أحد <351> <352> <353>
إنك عمر أبيك الكري ... م أن تسألي عنك من يجتدينا
فإن تسألي ثم لا تكذبي ... يخبرك من قد سألت اليقينا
بأنا ليالي ذات العظا م ... كنا ثمالا لمن يعترينا
تلوذ البجود بأذرائنا ... من الضر في أزمات السنينا
بجدوى فضول أولي وجدنا ... وبالصبر والبذل في المعدمينا
وأبقت لنا جلمات الحرو ... ب ممن نوازي لدن أن برينا
ـــــــ
البزة الشارة الحسنة والبزة السلاح أيضا، وهو من بززت الرجل إذا سلبته
بزته يقال من عز بز أي من غلب سلب والبزابز الرجل الشديد.
نونية كعب
<350> وقال أيضا في القصيدة النونية
تلوذ البجود بأذرائنا
البجود جمع بجد وهم جماعة من الناس ويروى النجود بالنون وهي المرأة
المكروبة. والنجود من الإبل القوية وقوله بأذرائنا، جمع ذرا من قولهم
أنا في ذرا فلان أي في ستره وتقول العرب: ليس في الشجر أذرى من السلم
أي أدفأ ذرا منه لأنه يقال ما مات أحد صردا قط في ذرا سلمة.
وقوله جلمات الحروب. من قولك: جلمت الشيء وجرشته إذا قطعته،
(6/108)
معاطن تهوي
إليها الحقو ... ق يحسبها من رآها الفتينا
نخيس فيها عتاق الجما ... ل صحما دواجن حمرا وجونا
ودفاع رجل كموج الفرا ... ت يقدم جأواء جولا طحونا
ترى لونها مثل لون النجو ... م رجراجة تبرق الناظرينا
فإن كنت عن شأننا جاهلا ... فسل عنه ذا العلم ممن يلينا
بنا كيف نفعل إن قلصت ... عوانا. ضروسا عضوضا جحونا
ـــــــ
ومنه الجلمان. وقوله لدن أن برينا أي خلقنا، والباري: الخالق سبحانه أي
هذا حالنا من لدن خلقنا.
وقوله يحسبها من رآها الفتينا، هي الصخور السود سميت بذلك لأنها تشبه
ما فتن بالنار أي أحرق. وفي التنزيل {عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ}
[الذريات:13] وأصل الفتن الاختبار وإنما قيل فتنت الحديدة بالنار لأنك
تختبر طيبها من خبيثها.
وقوله دواجن حمرا وجونا، أي حمرا وسودا، وقوله جأواء أي كتيبة لونها
لون الحديد.
<351> وقوله جولا طحونا: الجول جانب البئر.
وقوله إن قلصت يعني الحرب ثم وصفها فقال عضوضا جحونا من العض وحجونا من
حجنت العود إذا لويته، وقوله:
(6/109)
ألسنا نشد
عليها العصا ... ب حتى تدر وحتى تلينا
ويوم له رهج دائم ... شديد التهاول حامي الأرينا
طويل شديد أوار القتا ... ل تنفي قواحزه المقرفينا
تخال الكماة بأعراضه ... ثمالا على لذة منزفينا
ـــــــ
ألسنا نشد عليها العصا ... ب حتى تدر وحتى تلينا
هذا كله من صفة الحرب شبهها بناقة صعبة قلصت أي صارت قلوصا، أي إنا
نذلل صعبها، وتلين من ضراسها. وقوله ويوم له رهج دائم الرهج الغبار.
وقوله: شديد التهاول: جمع تهويل والتهاويل ألوان مختلفة قال الشاعر
[عبد المسيح بن عسلة] يصف روضا:
وعازب قد علا التهويل جنبته ... لا تنفع النعل في رقراقه الحافي
وقوله حامي الأرينا: جمع إرة وهو مستوقد النار يجوز أن يكون وزنها علة
من الأوار وهو الحر، فحذفت الهمزة وهمزت الواو لانكسارها، وجائز أن
يكون وزنها فعلة من تأريت بالمكان لأنهم يتأرون حولها، وهذا الوجه هو
الصحيح لأنهم جمعوها على إرين مثل سنين ولا يجمع هذا الجمع المسلم كجمع
من يعقل إلا إذا حددت لامه وكان مؤنثا، وكان لام الفعل حرف علة ولم يكن
له مذكر كالأمة إذا اجتمعت فيه هذه الشروط الأربعة جمع بالواو والنون
في الرفع. والياء والنون في الخفض والنصب كسنين وعضين غير أنهم قد
قالوا: رقين في جمع الرقة وهي الورق وقد تكلمنا على سر هذا الجمع وسر
أرضين في " نتائج الفكر " بما فيه جلاء والحمد لله.
(6/110)
تعاور أيمانهم
بينهم ... كؤوس المنايا بحد الظبينا
ـــــــ
<352> وقوله: كنار أبي حباحب والضبينا يقال أبو حباحب ذباب يلمع بالليل
وقيل كان رجلا لئيما لا يرفع ناره خشية الأضياف ولا يوقدها إلا ضعيفة
وترك صرفه ولم يخفض وهو في موضع الخفض لما قدمناه من أن الاسم إذا ترك
صرفه ضرورة أو غير ضرورة لم يدخله الخفض كما لا يدخله التنوين لئلا
يشبه ما يضيفه المتكلم إلى نفسه وقال أبو حنيفة لا أدري ما حباحب ولا
أبو حباحب ولا بلغني عن العرب فيه شيء وقال في الإرة عن قوم حكى قولهم
هو من أريت الشيء إذا علمته، وقال الأري هو عمل النحل وفعلها، ثم سمي
العسل أريا لهذا كما يسمى مزجا وأنشد [لأبي ذؤيب الهذلي] :
وجاءوا بمزج لم ير الناس مثله ... هو الضحك إلا أنه عمل النحل
قال والضحك: الزبد الأبيض وقيل الثغر وقيل الطلع وقيل العجب.
وقوله والظبينا: جمع ظبة جمعها على هذا الجمع المسلم لما قدمناه في
الأرين والسنين غير أنه لم يكسر أول الكلمة كما كسرت السين من سنين
إشعارا بالجمع لأن ظبين لا يشبه أن يكون واحدا، إذ ليس في الأسماء فعيل
وكسروا أول سنين إيذانا بأنه جمع كي لا يتوهم أنه اسم على فعول إذ ليس
في الأسماء فعول ولا فعيل ولم يبلغ سيبويه أن ظبة تجمع على ظبين وقد
جاء في هذا الشعر وفي غيره كما تراه.
وقوله قواحزه جمع قاحز وهو الوثاب القلق يقال قحز قحزانا [وقحزا
وقحوزا] ، إذا وثب وقلق. وقوله بخرس الحسيس يصف السيوف بالخرس
(6/111)
شهدنا فكنا
أولي بأسه ... وتحت العماية والمعلمينا
بخرس الحسيس حسان رواء ... وبصرية قد أجمن الجفونا
فما ينفللن وما ينحنين ... وما ينتهين إذا ما نهينا
كبرق الخريف بأيدي الكماة ... يفجعن بالظل هاما سكونا
وعلمنا الضرب آباؤنا ... وسوف نعلم أيضا بنينا
جلاد الكماة وبذل التلا ... د عن جل أحسابنا ما بقينا
إذا مر قرن كفى نسله ... وأورثه بعده آخرينا
نشب وتهلك آباؤنا ... وبينا نربي بنينا فنينا
سألت بك ابن الزبعرى فلم ... أنبأك في القوم إلا هجينا
خبيثا تطيف بك المنديات ... مقيما على اللؤم حينا فحينا
ـــــــ
لوقوعها في الدم واللحم.
وقوله حسان رواء من الدم وقوله بصرية منسوبة إلى بصرى من أرض الشام،
كما أن المشرفية منسوبة إلى مشارف من أرض الشام، لأنها تصنع فيها.
وقوله: قد أجمن الجفونا، أي كرهن المقام فيها، ومللنه ومنه قول هشام
لسالم بن <353> عبد الله ما طعامك قال الخبز بالزيت قال أما تأجمهما؟
قال: إذا أجمتهما تركتهما حتى أشتهيهما. وقوله: وتحت العماية
والمعلمينا بإسقاط الواو من أول القسيم الثاني وقع في الأصل وفي
الحاشية وتحت العماية بواو العطف وقع في الأصلين وبها يكمل الوزن ولا
يجوز إسقاطها إلا على مذهب الأخفش الذي يجيز الخرم في أول القسيم
الثاني من البيت كما يجيزه العروضيون في أول البيت.
وقوله تطيف بك المنديات أي الأمور الشنيعة.
(6/112)
تبجست تهجو
رسول الملي ... ك قاتلك الله جلفا لعينا
تقول الخنائم ترمي به ... نقي الثياب تقيا أمينا
قال ابن هشام:
أنشدني بيته " بنا كيف نفعل "، والبيت الذي يليه والبيت الثالث منه
وصدر الرابع منه وقوله " نشب وتهلك آباؤنا والبيت الذي يليه والبيت
الثالث منه أبو زيد الأنصاري.
<354> قال ابن إسحاق:
وقال كعب بن مالك أيضا، في يوم أحد: <354>
سائل قريشا غداة السفح من أحد ... ماذا لقينا وما لاقوا من الهرب
كنا الأسود وكانوا النمر إذا زحفوا ... ما إن نراقب من آل ولا نسب
فكم تركنا بها من سيد بطل ... حامي الذمار كريم الجد والحسب
فينا الرسول شهاب ثم يتبعه ... نور مضيء له فضل على الشهب
الحق منطقه والعدل سيرته ... فمن يجبه إليه ينج من تبب
نجد المقدم ماضي الهم معتزم ... حين القلوب على رجف من الرعب
يمضي ويذمرنا عن غير معصية ... كأنه البدر لم يطبع على الكذب
بدا لنا فاتبعناه نصدقه ... وكذبوه فكنا أسعد العرب
جالوا وجلنا فما فاءوا وما رجعوا ... ونحن نثقنهم لم نأل في الطلب
ليس سواء وشتى بين أمرهما ... حزب الإله وأهل الشرك والنصب
قال ابن هشام:
أنشدني من قوله " يمضي ويذمرنا " إلى آخرها، أبو زيد الأنصاري.
ـــــــ
وقوله تبجست، من تبجس الماء إذا انفجر
(6/113)
شعر ابن رواحة
في بكاء حمزة
قال ابن إسحاق:
وقال عبد الله بن رواحة يبكي حمزة بن عبد المطلب:
قال ابن هشام: أنشدنيها أبو زيد الأنصاري لكعب بن مالك: <355>
بكت عيني وحق لها بكاها ... وما يغني البكاء ولا العويل
على أسد الإله غداة قالوا ... أحمزة ذاكم الرجل القتيل
أصيب المسلمون به جميعا ... هناك وقد أصيب به الرسول
أبا يعلى لك الأركان هدت ... وأنت الماجد البر الوصول
عليك سلام ربك في جنان ... مخالطها نعيم لا يزول
ألا يا هاشم الأخيار صبرا ... فكل فعالكم حسن جميل
رسول الله مصطبر كريم ... بأمر الله ينطق إذ يقول
ألا من مبلغ عني لؤيا ... فبعد اليوم دائلة تدول
وقبل اليوم ما عرفوا وذاقوا ... وقائعنا بها يشفى الغليل
نسيتم ضربنا بقليب بدر ... غداة أتاكم الموت العجيل
غداة ثوى أبو جهل صريعا ... عليه الطير حائمة تجول
وعتبة وابنه خرا جميعا ... وشيبة عضه السيف الصقيل
ومتركنا أمية مجلعبا ... وفي حيزومه لدن نبيل
وهام بني ربيعة سائلوها ... ففي أسيافنا منها فلول
ألا يا هند فابكي لا تملي ... فأنت الواله العبرى الهبول
ألا يا هند لا تبدي شماتا ... بحمزة إن عزكم ذليل
شعر كعب في أحد:
قال ابن إسحاق:
(6/114)
وقال كعب بن
مالك:
أبلغ قريشا على نأيها ... أتفخر منا بما لم تلي
فخرتم بقتلى أصابتهم ... فواضل من نعم المفضل
فحلوا جنانا وأبقوا لكم ... أسودا تحامي عن الأشبل
تقاتل عن دينها وسطها ... نبي عن الحق لم ينكل
رمته معد بعور الكلام ... ونبل العداوة لا تأتلي
قال ابن هشام:
أنشدني قوله " لم تلي "، وقوله " من نعم المفضل " أبو زيد الأنصاري.
شعر ضرار في أحد
قال ابن إسحاق:
وقال ضرار بن الخطاب في يوم أحد: <356>
ما بال عينك قد أزرى بها السهد ... كأنما جال في أجفانها الرمد
أمن فراق حبيب كنت تألفه ... قد حال من دونه الأعداء والبعد
أم ذاك من شغب قوم لا جداء بهم ... إذ الحروب تلظت نارها تقد
ما ينتهون عن الغي الذي ركبوا ... وما لهم من لؤي ويحهم عضد
وقد نشدناهم بالله قاطبة ... فما تردهم الأرحام والنشد
ـــــــ
شعر ضرار
<355> وقول ضرار في قصيدته الدالية يكبو في جديته أي في دمه.
(6/115)
حتى إذا ما
أبوا إلا محاربة ... واستحصدت بيننا الأضغان والحقد
سرنا إليهم بجيش في جوانبه ... قوانس البيض والمحبوكة السرد
والجرد ترفل بالأبطال شازية ... كأنها حدأ في سيرها تؤد
جيش يقودهم صخر ويرأسهم ... كأنه ليث غاب هاصر حرد
فأبرز الحين قوما من منازلهم ... فكان منا ومنهم ملتقى أحد
فغودرت منهم قتلى، مجدلة ... كالمعز أصرده بالصردح البرد
قتلى كرام بنو النجار وسطهم ... ومصعب من قنانا حوله قصد
وحمزة القرم مصروع تطيف به ... ثكلى وقد حز منه الأنف والكبد
كأنه حين يكبو في جديته ... تحت العجاج وفيه ثعلب جسد
حوار ناب وقد ولى صحابته ... كما تولى النعام الهارب الشرد
مجلحين ولا يلوون قد ملئوا ... رعبا، فنجتهم العوصاء والكود
تبكي عليهم نساء لا يعول لها ... من كل سالبة أثوابها قدد
وقد تركناهم للطير ملحمة ... وللضباع إلى أجسادهم تفد
ـــــــ
<356> وقوله: ثعلب جسد يريد ثعلب الرمح وجسد من الجساد وهو الدم.
وقوله: الأضغان والحقد حرك القاف بالكسر ضرورة ولو وقف على الدال
بالسكون وكان الاسم مخفوضا كان الكسر أحسن في الوقف كما قال واصطفافا
بالرجل أي الرجل.
وقوله: العوصاء والكؤد يريد الرملة العويص مسلكها، والكؤد جمع عقبة
كؤود وهي الشاقة.
(6/116)
قال ابن هشام:
وبعض أهل العلم بالشعر ينكرها لضرار.
رجز أبي زعنة يوم أحد:
قال ابن إسحاق:
وقال أبو زعنة بن عبد الله بن عمرو بن عتبة أخو بني جشم بن الخزرج، يوم
أحد
أنا أبو زعنة يعدو بي الهزم ... لم تمنع المخزاة إلا بالألم
يحمي الذمار خزرجي من جشم
رجز ينسب لعلي في يوم أحد:
<357> قال ابن إسحاق:
وقال علي بن أبي طالب - قال ابن هشام: قالها رجل من المسلمين يوم أحد
غير علي فيما ذكر لي بعض أهل العلم بالشعر ولم أر أحدا منهم يعرفها
لعلي:
لا هم إن الحارث بن الصمة ... كان وفيا وبنا ذا ذمة
أقبل في مهامه مهمة ... كليلة ظلماء مدلهمة
بين سيوف ورماح جمة ... يبغي رسول الله فيما ثمة
قال ابن هشام: قوله " كليلة " عن غير ابن إسحاق.
رجز عكرمة في يوم أحد:
قال ابن إسحاق:
وقال عكرمة بن أبي جهل في يوم أحد:
ـــــــ
رجز عكرمة
<357> وقول عكرمة أرحب هلا، هو من زجر الخيل وكذلك هقط وهقط وهب
(6/117)
كلهم يزجره
أرحب هلا ... ولن يروه اليوم إلا مقبلا
يحمل رمحا ورئيسا جحفلا
شعر الأعشى التميمي في بكاء قتلى بني عبد الدار يوم أحد:
وقال الأعشى بن زرارة بن النباش التميمي - قال ابن هشام: ثم أحد بني
أسد بن عمرو بن تميم - يبكي قتلى بني عبد الدار يوم أحد: <358>
حيي من حي علي نأيهم ... بنو أبي طلحة لا تصرف
يمر ساقيهم عليهم بها ... وكل ساق لهم يعرف
لا جارهم يشكو ولا ضيفهم ... من دونه باب لهم يصرف
وقال عبد الله بن الزبعرى يوم أحد:
قتلنا ابن جحش فاغتبطنا بقتله ... وحمزة في فرسانه وابن قوقل
وأفلتنا منهم رجال فأسرعوا ... فليتهم عاجوا ولم نتعجل
أقاموا لنا حتى تعض سيوفنا ... سراتهم وكلنا غير عزل
وحتى يكون القتل فينا وفيهم ... ويلقوا صبوحا شره غير منجلي
قال ابن هشام: وقوله " وكلنا " وقوله " ويلقوا صبوحا ": عن غير ابن
إسحاق.
شعر صفية في بكاء حمزة
قال ابن إسحاق:
وقالت صفية بنت عبد المطلب تبكي أخاها حمزة بن عبد المطلب:
أسائلة أصحاب أحد مخافة ... بنات أبي من أعجم وخبير
فقال الخبير أن حمزة قد ثوى ... وزير رسول الله خير وزير
ـــــــ
وسقب. وذكر قول نعيم
(6/118)
دعاه إله الحق
ذو العرش دعوة ... إلى جنة يحيا بها وسرور
فذلك ما كنا نرجي ونرتجي ... لحمزة يوم الحشر خير مصير
فوالله لا أنساك ما هبت الصبا ... بكاء وحزنا محضري ومسيري
على أسد الله الذي كان مدرها ... يذود عن الإسلام كل كفور
فيا ليت شلوي عند ذاك وأعظمي ... لدى أضبع تعتادني ونسور
أقول وقد أعلى النعي عشيرتي ... جزى الله خيرا من أخ ونصير
قال ابن هشام: وأنشدني بعض أهل العلم بالشعر قولها:
بكاء وحزنا محضري ومسيري ... شعر نعم في بكاء شماس
قال ابن إسحاق:
وقالت نعم امرأة شماس بن عثمان، تبكي شماسا، وأصيب يوم أحد: <359>
يا عين جودي بفيض غير إبساس ... على كريم من الفتيان أباس
ـــــــ
شعر نعيم
يا عين جودي بفيض غير إبساس
<358> <359> الإبساس أن تستدر لبن الناقة بأن تمسح ضرعها، وتقول لها:
بس بس فاستعارت هذا المعنى للدمع الفائض بغير تكلف ولا استدرار له.
وقولها: صعب البديهة أي بديهته لا تعارض ولا تطاق فكيف رويته واحتفاله.
(6/119)
صعب البديهة
ميمون نقيبته ... حمال ألوية ركاب أفراس
أقول لما أتى الناعي له جزعا ... أودى الجواد وأودى المطعم الكاسي
وقلت لما خلت منه مجالسه ... لا يبعد الله عنا قرب شماس
شعر أبي الحكم في تعزية نعم
فأجابها أخوها، وهو أبو الحكم بن سعيد بن يربوع يعزيها، فقال:
اقنى حياءك في ستر وفي كرم ... فإنما كان شماس من الناس
لا تقتلي النفس إذ حانت منيته ... في طاعة الله يوم الروع والباس
قد كان حمزة ليث الله فاصطبري ... فذاق يومئذ من كأس شماس
ـــــــ
شعر كعب اللامي
وفي شعر كعب
بكت عيني وحق لها بكاها ... وما يغني البكاء ولا العويل
وضع المقصور في موضعه والممدود في موضعه لأن البكاء مقصور بمعنى الحزن
والغم وإن كان ممدودا فهو الصراخ وكذلك قياس الأصوات أن تكون على فعال
فقوله حق لها بكاها، أي حق لها حزنها، لأنه الذي يحق دون الصراخ. ثم
قال وما يغني البكاء ولا العويل أي ليس ينفع الصياح ولا الصراخ ولا
يجدي على أحد، فتنزلت كل كلمة منزلتها.
وقوله حق لها، أي حق والأصل حقق على فعل فبكاها: فاعل لا مفعول وكل فعل
إذا أردت المبالغة في الأمر ومعنى التعجب نقلت الضمة من عين الفعل إلى
فائه فتقول حسن زيد أي حسن جدا، فإن لم ترد معنى التعجب لم يجز إلا
الضم أو التسكين تقول كبر زيد وكبر ولا تقول كبر إلا مع قصد
(6/120)
رجعت وفي نفسي
بلابل جمة ... وقد فاتني بعض الذي كان مطلبي
من أصحاب بدر من قريش وغيرهم ... بني هاشم منهم ومن أهل يثرب
ولكنني قد نلت شيئا ولم يكن ... كما كنت أرجو في مسيري ومركبي
قال ابن هشام: وأنشدني بعض أهل العلم بالشعر قولها:
وقد فاتني بعض الذي كان مطلبي
وبعضهم ينكرها لهند والله أعلم.
ـــــــ
التعجب. قال الشاعر [الأخطل] :
فقلت: اقتلوها عنكم بمزاجها ... وحب بها مقتولة حين تقتل
<360> يعني الخمر. وقال آخر [سهم بن حنظلة الغنوي] :
لم يمنع القوم مني ما أردت ولم ... أعطيهم ما أرادوا حسن ذا أدبا
أي حسن وقال آخر
ألا حب بالبيت الذي أنت زائره
وقال بالبيت لأن معناه كمعنى أحبب بالبيت تعجبا. وقول كعب
أبا يعلى لك الأركان هدت
كان حمزة يكنى أبا يعلى بابنه يعلى، ولم يعش لحمزة ولد غيره وأعقب يعلى
خمسة من البنين ثم انقرض عقبهم فيما ذكر مصعب ويكنى حمزة أيضا أبا
عمارة وقد تقدم ذكره في المبعث بهذه الكنية قيل إن عمارة بنت له كني
بها،
(6/121)
وهي التي وقع
ذكرها في السنن للدارقطني أن مولى لحمزة مات وترك بنتا فورثت منه النصف
وورثت بنت حمزة النصف الآخر ولم يسمها في السنن ولكن جاء اسمها في كتاب
أحكام القرآن لبكر بن العلاء والله أعلم وقد روي أن الولاء كان لها،
وأنها كانت المعتقة لا حمزة.
(6/122)
|