الروض
الأنف ت السلامي
ذكر يوم الرجيع في سنة ثلاث
طلبت عضل والقارة نفرا من المسلمين ليعلموهم فأوفد الرسول ستة:
قال حدثنا أبو محمد عبد الملك بن هشام قال حدثنا زياد بن عبد الله
البكائي عن محمد بن إسحاق المطلبي قال حدثني عاصم بن عمر بن قتادة، قال
قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أحد رهط من عضل والقارة.
ـــــــ
مقتل خبيب وأصحابه
<361> وذكر غدر عضل والقارة، وهما بطنان من بني الهون، والهون هم بنو
الريش ويثيع ابني الهون بن خزيمة، وقد تقدم التعريف بمعنى القارة،
وبالمثل جرى فيهم والقارة الحرة، وذكرنا السبب في تسميتهم بها.
وذكر أن أصحاب خبيب كانوا ستة وفي "الجامع الصحيح" للبخاري أنهم كانوا
عشرة وهو أصح، والله أعلم.
(6/123)
نسب عضل
والقارة
قال ابن هشام:
عضل والقارة، من الهون بن خزيمة بن مدركة.
قال ابن هشام: ويقال الهون، بضم الهاء.
قال ابن إسحاق:
<362> فقالوا: يا رسول الله إن فينا إسلاما، فابعث معنا نفرا من أصحابك
يفقهوننا في الدين ويقرئوننا القرآن ويعلموننا شرائع الإسلام. فبعث
رسول الله صلى الله عليه وسلم نفرا ستة من أصحابه وهم مرثد بن أبي مرثد
الغنوي، حليف حمزة بن عبد المطلب، وخالد بن البكير الليثي، حليف بني
عدي بن كعب، وعاصم بن ثابت بن أبي الأقلح، أخو بني عمرو بن عوف بن مالك
بن الأوس، وخبيب بن عدي، أخو بني جحجبى بن كلفة بن عمرو بن عوف وزيد بن
الدثنة بن معاوية أخو بني بياضة بن عمرو بن زريق بن عبد حارثة بن غضب
بن جشم بن الخزرج ; وعبد الله بن طارق حليف بني ظفر بن الخزرج بن عمرو
بن مالك بن الأوس.
وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم على القوم مرثد بن أبي مرثد الغنوي
فخرج مع القوم. حتى إذا كانوا على الرجيع ، ماء لهذيل بناحية الحجاز،
على صدور الهدأة
ـــــــ
<362> وذكر أسماء الستة وقد نسبهم فيما تقدم فأما خبيب فهو من بني
جحجبى بن كلفة بن عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس، وزيد بن الدثنة بن
معاوية مقلوب من الثدنة والثدن استرخاء اللحم.
(6/124)
غدروا بهم
فاستصرخوا عليهم هذيلا فلم يرع القوم وهم في رحالهم إلا الرجال بأيديهم
السيوف قد غشوهم فأخذوا أسيافهم ليقاتلوهم فقالوا لهم إنا والله ما
نريد قتلكم، ولكنا نريد أن نصيب بكم شيئا من أهل مكة ولكم عهد الله
وميثاقه أن لا نقتلكم
مقتل مرثد وابن البكير وعاصم
فأما مرثد بن أبي مرثد، وخالد بن البكير وعاصم بن ثابت فقالوا: والله
لا نقبل من مشرك عهدا ولا عقدا أبدا فقال عاصم بن ثابت <363>
ما علتي وأنا جلد نابل ... والقوس فيها وتر عنابل
تزل عن صفحتها المعابل ... الموت حق والحياة باطل
ـــــــ
وذكر فيهم عاصم بن ثابت وقوله
ما علتي وأنا جلد نابل ... والقوس فيها وتر عنابل
والعنابل الشديد وكأنه من العبالة وهي القوة والنون زائدة والعبالة
أيضا: شجرة صلبة وفي الخبر أن عصا موسى كانت من عبالة وقد روي أن عصا
موسى كانت من عين ورقة آس الجنة ويجوز أن يكون منحوتا من أصلين من
العنن والنبل كأنه يصيب ما عزله بنبله.
<363> وذكر قوله أبو سليمان وريش المقعد.
قوله أبو سليمان أي أنا أبو سليمان قد عرفت في الحروب وعندي نبل راشها
المقعد وكان رائشا صانعا. وريش السهم المحمود فيه اللؤام وهو أن تكون
الريشة بطنها إلى ظهر الأخرى، واللغاب يعكس ذلك أن يكون ظهر واحدة
(6/125)
وكل ما حم
الإله نازل ... بالمرء والمرء إليه آئل
إن لم أقاتلكم فأمي هابل
قال ابن هشام: هابل ثاكل.
وقال عاصم بن ثابت أيضا:
أبو سليمان وريش المقعد ... وضالة مثل الجحيم الموقد
إذا النواجي افترشت لم أرعد ... ومجنأ من جلد ثور أجرد
ومؤمن بما على محمد
وقال عاصم بن ثابت أيضا:
أبو سليمان ومثلي رامي ... وكان قومي معشرا كراما
وكان عاصم بن ثابت يكنى: أبا سليمان. ثم قاتل القوم حتى قتل وقتل
صاحباه.
ـــــــ
إلى ظهر الأخرى، وهو الظهار أيضا، وهو اللؤام أخذ اللأم وهو السهم
المريش قال امرؤ القيس:
كرك لأمين على نابل
وسئل رؤبة عن معنى هذا البيت فقال حدثني أبي عن أبيه قال حدثتني عمتي،
وكانت في بني دارم قالت سألت امرأ القيس وهو يشرب طلاء له مع علقمة بن
عبدة: ما معنى قولك:
كرك لأمين على نابل
فقال مررت بنابل وصاحبه يناوله الريش لؤما وظهارا، فما رأيت شيئا أسرع
منه ولا أحسن فشبهت به ذكر هذا أبو حنيفة. وقوله وضالة أي سهام قداحها
من الضال وهو السدر. قال الشاعر [ذو الرمة] :
قطعت إذا تخوفت العواطي ... ضروب السدر عبريا وضالا
(6/126)
ـــــــ
<364> فالعبري منها ما كان على شطوط الأنهار والضال ما كان في البرية
والعواطي هي الماشية تعطو أي تتناول وإنما تتناول أطراف الشجر في الصيف
فمعناه قطعت هذه الصحراء في هذا الوقت وتخوفت: أي تنقضت من قوله سبحانه
{أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ} [النحل 47]. وذكر أن حجير بن أبي
إهاب هو الذي اشترى خبيبا، وكان خبيب قد قتل الحارث بن نوفل أخا حجير
لأمه وقال معمر بن راشد اشترى خبيبا بنو الحارث بن نوفل لأنه قتل أباهم
يوم بدر والمعنى قريب مما ذكر ابن إسحاق.
وقوله ماوية بنت حجير بالواو رواه يونس بن بكير عن ابن إسحاق، ورواه
غيره عن ابن إسحاق: مارية بالراء وبالواو وقع في النسخ العتيقة من
رواية ابن هشام، كما رواه ابن بكير وقد تكلمنا عن اشتقاق هذا الاسم في
صدر هذا الكتاب فأغنى عن إعادته وذكرنا أن المارية بالتخفيف هي البقرة
وبتشديد الياء القطاة الملساء وأما الغلام الذي أعطته المدية فقيل هو
أبو عيسى بن الحارث بن عدي بن نوفل بن عبد مناف قاله الزبير وهو جد عبد
الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين الذي يروي عنه مالك في الموطأ.
وذكر أن أبا ميسرة هو الذي طعن خبيبا في الخشبة وهو أبو ميسرة بن عوف
بن السباق بن عبد الدار والذي طعنه معه عقبة بن الحارث يكنى أبا سروعة
ويقال إن أبا سروعة وعقبة أخوان أسلما جميعا ولعقبة بن الحارث حديث
واحد في الرضاع وشهادة امرأة واحدة فيه. وحديثه مشهور في الصحاح، فيه
أنه قال تزوجت بنت أبي إهاب بن عزيز فجاءت امرأة سوداء فقالت: إني قد
(6/127)
حديث حماية
الدبر لعاصم:
فلما <364> قتل عاصم أرادت هذيل أخذ رأسه ليبيعوه من سلافة بنت سعد بن
شهيد وكانت قد نذرت حين أصاب ابنيها يوم أحد: لئن قدرت على رأس عاصم
لتشربن في <365> قحفه الخمر فمنعته الدبر فلما حالت بينه وبينهم الدبر
قالوا: دعوه يمسي فتذهب عنه فنأخذه. فبعث الله الوادي فاحتمل عاصما،
فذهب به. وقد كان عاصم قد أعطى الله عهدا أن لا يمسه مشرك ولا يمس
مشركا أبدا، تنجسا ; فكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول حين بلغه أن
الدبر منعته يحفظ الله العبد
ـــــــ
أرضعتكما وذكر الحديث وزاد فيه الدارقطني قال جاءت امرأة سوداء تسأل
فلم نعطها شيئا، فقالت إني والله أرضعتكما، فذكر ذلك للنبي صلى الله
عليه وسلم وقال إنها كاذبة يا رسول الله فقال له عليه السلام "كيف وقد
قيل" فطلقها ونكحت ضريب بن الحارث فولدت له أم قتال وهي امرأة جبير بن
مطعم، وأم ابنه محمد ونافع ابنا جابر واسم هذه المرأة التي طلقها عقبة
غنية وتكنى أم يحيى، ذكر اسمها أبو الحسن الدارقطني في المؤتلف
والمختلف ولم يذكره أبو عمر في كتاب النساء ولا كثير ممن ألف في
الحديث.
وذكر قصة عاصم حين حمته الدبر. الدبر هاهنا: الزنابير وأما الدبر فصغار
الجراد ومنه يقال ماء دبر قاله أبو حنيفة، قال وقد يقال للنحل أيضا:
دبر بفتح الدال واحدتها <365> دبرة قال ويقال له خشرم ولا واحد له من
لفظه هذه رواية أبي عبيد عن الأصمعي، ورواية غيره عنه أن واحدته خشرمة.
والثول جماعة النحل أيضا، ولا واحد لها، وكذلك النوب واللوب. ومن اللوب
حديث زبان بن قسور قال رأيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو نازل بوادي
الشوحط فكلمته، فقلت:
(6/128)
المؤمن، كان
عاصم نذر أن لا يمسه مشرك ولا يمس مشركا أبدا في حياته فمنعه الله بعد
وفاته كما امتنع منه في حياته.
مصرع خبيب وابن طارق وابن الدثنة
وأما زيد بن الدثنة وخبيب بن عدي، وعبد الله بن طارق، فلانوا ورقوا
ورغبوا في الحياة فأعطوا بأيديهم فأسروهم ثم خرجوا إلى مكة ، ليبيعوهم
بها، حتى إذا كانوا بالظهران انتزع عبد الله بن طارق يده من القران ثم
أخذ سيفه واستأخر عنه القوم فرموه بالحجارة حتى قتلوه فقبره رحمه الله
بالظهران وأما خبيب بن عدي وزيد بن الدثنة فقدموا بهما مكة
قال ابن هشام:
فباعوهما من قريش بأسيرين من هذيل كانا بمكة
ـــــــ
يا رسول الله إن معنا لوبا لنا - يعني نخلا - كانت في عيلم لنا به طرم
وشمع فجاء رجل فضرب ميتين فأنتج حيا، وكفته بالتمام يعني نارا من زندين
ونحسه يعني: دخنه فطار اللوب هاربا، ودلى مشواره في العيلم فاشتار
العسل فمضى به فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - " ملعون ملعون من سرق
وقوم، فأضر بهم أفلا تبعتم أثره وعرفتم خبره؟ " قال قلت: يا رسول الله
إنه دخل في قوم لهم منعة وهم جيراننا من هذيل، فقال النبي - صلى الله
عليه وسلم - " صبرك صبرك ترد نهر الجنة وإن سعته كما بين اللقيقة
والسحيقة يتسبسب جريا بعسل صاف من قداه ما تقياه لوب ولا مجه ثوب " .
فالعيلم البئر وأراد بها ها هنا قبة النخل أو الخلية وقد يقال لموضع
النحل إذا كان صدعا في جبل شيق وجمعه شيقان ويقال لكل دخان نحاس ولا
يقال أيام إلا لدخان النحل خاصة يقال آمها يئومها إذا دخنها، قاله أبو
حنيفة.
(6/129)
قال ابن إسحاق:
فابتاع خبيبا حجير بن أبي إهاب التميمي، حليف بني نوفل لعقبة بن الحارث
بن عامر بن نوفل، وكان أبو إهاب أخا الحارث بن عامر لأمه لقتله بأبيه
قال ابن هشام:
الحارث بن عامر خال أبي إهاب وأبو إهاب أحد بني أسد بن عمرو بن تميم
ويقال أحد بني عدس بن زيد بن عبد الله بن دارم من بني تميم.
مقتل ابن الدثنة ومثل من وفائه للرسول
قال ابن إسحاق:
وأما زيد بن الدثنة فابتاعه صفوان بن أمية ليقتله بأبيه أمية بن خلف،
وبعث به صفوان بن أمية مع مولى له يقال له نسطاس إلى التنعيم ، وأخرجوه
من الحرم ليقتلوه.
واجتمع رهط من قريش، فيهم أبو سفيان بن حرب فقال له أبو سفيان حين
ـــــــ
مقتل حجر بن عدي
فصل <366> وذكر أن خبيبا أول من سن الركعتين عند القتل. قوله هذا يدل
على أنهما سنة جارية وكذلك فعلهما حجر بن عدي بن الأدبر حين قتله
معاوية - رحمه الله - وذلك أن زيادا كتب من البصرة إلى معاوية يذكر أن
حجرا وأصحابه قد خرجوا على السلطان وشقوا عصا المسلمين ووجه مع الكتاب
بك فيه شهادة سبعين رجلا فيهم الحسن بن أبي الحسن البصري وابن سيرين
والربيع بن زياد وجماعة من علية التابعين ذكرهم الطبري يشهدون بما قال
زياد من خروج حجر بن عدي عليه وكان حجر شديد الإنكار للظلم غليظا على
الأمراء وأنكر على
(6/130)
قدم ليقتل
أنشدك الله يا زيد أتحب أن محمدا عندنا الآن في مكانك نضرب عنقه وأنك
في أهلك؟ قال والله ما أحب أن محمدا الآن في مكانه الذي هو فيه تصيبه
شوكة تؤذيه وأني جالس في أهلي. قال يقول أبو سفيان ما رأيت من الناس
أحدا يحب أحدا كحب أصحاب محمد محمدا ; ثم قتله نسطاس يرحمه الله .
مقتل خبيب وحديث دعوته
وأما <367> خبيب بن عدي، فحدثني عبد الله بن أبي نجيح، أنه حدث عن
ماوية مولاة حجير بن أبي إهاب، وكانت قد أسلمت قالت كان خبيب عندي، حبس
في بيتي، فلقد اطلعت عليه يوما، وإن في يده لقطفا من عنب مثل رأس الرجل
يأكل منه وما أعلم في أرض الله عنبا يؤكل.
قال ابن إسحاق: وحدثني عاصم بن عمر بن قتادة وعبد الله بن أبي نجيح
جميعا أنها قالت قال لي حين حضره القتل ابعثي إلي بحديدة أتطهر بها
للقتل قالت فأعطيت غلاما من الحي الموسى، فقلت: ادخل بها على هذا الرجل
البيت قالت فوالله ما هو إلا أن ولى الغلام بها إليه فقلت: ماذا صنعت
أصاب والله الرجل ثأره بقتل هذا الغلام فيكون رجلا برجل فلما ناوله
الحديدة أخذها من يده ثم قال لعمرك، ما خافت أمك غدري حين بعثتك بهذه
الحديدة إلي ثم خلى سبيله.
قال ابن هشام: ويقال إن الغلام ابنها.
قال ابن إسحاق: قال عاصم
ـــــــ
زياد أمورا من الظلم فخرج عليه ولم يكن قصده الخروج على معاوية فلما
حمل حجر إلى معاوية في خمسة من أصحابه قال له السلام عليك يا أمير
المؤمنين فقال له معاوية أوأنا للمؤمنين أمير؟ ثم أمر بقتله فعند ذلك
صلى حجر الركعتين ثم لقي معاوية عائشة بالمدينة فقالت أما اتقيت الله
يا معاوية في
(6/131)
ثم خرجوا بخبيب
حتى إذا جاءوا به إلى التنعيم ليصلبوه قال لهم إن رأيتم أن تدعوني حتى
أركع ركعتين فافعلوا، قالوا: دونك فاركع. فركع ركعتين أتمهما وأحسنهما،
ثم أقبل على القوم فقال أما والله لولا أن تظنوا أني إنما طولت جزعا من
القتل لاستكثرت من الصلاة.
قال فكان خبيب بن عدي أول من سن هاتين الركعتين عند القتل للمسلمين.
قال ثم رفعوه على خشبة فلما أوثقوه قال اللهم إنا قد بلغنا رسالة
رسولك، فبلغه الغداة ما يصنع بنا، ثم قال اللهم أحصهم عددا، واقتلهم
بددا ولا تغادر منهم أحدا. ثم قتلوه رحمه الله.
فكان معاوية بن أبي سفيان يقول حضرته يومئذ فيمن حضره مع أبي سفيان
فلقد رأيته يلقيني إلى الأرض فرقا من دعوة خبيب وكانوا يقولون إن الرجل
إذا دعي عليه فاضطجع لجنبه زالت عنه.
<368> قال ابن إسحاق: حدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير، عن
أبيه عباد عن عقبة بن الحارث قال سمعته يقول
ما أنا والله قتلت خبيبا، لأني كنت أصغر من ذلك ولكن أبا ميسرة أخا بني
عبد الدار أخذ الحربة فجعلها في يدي، ثم أخذ بيدي وبالحربة ثم طعنه بها
حتى قتله
قال ابن إسحاق: وحدثني بعض أصحابنا، قال
كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه استعمل سعيد بن عامر بن حذيم الجمحي
ـــــــ
حجر بن عدي وأصحابه؟ فقال أو أنا قتلتهم إنما قتلهم من شهد عليهم فلما
أكثرت عليه قال لها دعيني وحجرا <367> فإني ملاقيه غدا على الجادة قالت
فأين عزب عنك حلم أبي سفيان؟ فقال حين غاب عني مثلك من قومي
(6/132)
على بعض الشام
، فكانت تصيبه غشية وهو بين ظهري القوم فذكر ذلك لعمر بن الخطاب وقيل
إن الرجل مصاب؟ فسأله عمر في قدمة قدمها عليه فقال يا سعيد ما هذا الذي
يصيبك؟ فقال والله يا أمير المؤمنين ما بي من بأس ولكني كنت فيمن حضر
خبيب بن عدي حين قتل وسمعت دعوته فالله ما خطرت على قلبي وأنا في مجلس
قط إلا غشي علي فزادته عند عمر خيرا
قال ابن هشام:
أقام خبيب في أيديهم حتى انقضت الأشهر الحرم، ثم قتلوه.
ـــــــ
لم صارت صلاة خبيب سنة؟
وإنما <368> صار فعل خبيب سنة حسنة. والسنة إنما هي أقوال من النبي -
صلى الله عليه وسلم - وأفعال وإقرار لأنه فعلها في حياته عليه السلام
فاستحسن ذلك من فعله واستحسنه المسلمون مع أن الصلاة خير ما ختم به عمل
العبد وقد صلى هاتين الركعتين أيضا زيد بن حارثة مولى النبي - صلى الله
عليه وسلم - وذلك في حياته عليه السلام حدثنا أبو بكر بن طاهر بن طاهر
الإشبيلي قال أخبرنا أبو علي الغساني، قال أخبرنا أبو عمر العمري قال
أخبرنا أبو القاسم عبد الوارث بن سفيان بن جبرون قال أخبرنا أبو محمد
قاسم بن أصبغ، قال أخبرنا أبو بكر بن أبي خيثمة أخبرنا ابن معين:
أخبرنا قال أخبرنا يحيى بن عبد الله بن بكير المصري، قال أخبرنا الليث
بن سعد، قال بلغني أن زيد بن حارثة اكترى من رجل بغلا من الطائف اشترط
عليه الكري أن ينزله حيث شاء قال فمال به إلى خربة فقال له انزل فنزل
فماذا في الخربة قتلى كثيرة قال فلما أراد أن يقتله قال دعني أصلي
ركعتين قال صل فقد صلى قبلك هؤلاء فلم تنفعهم صلاتهم شيئا، قال فلما
صليت أتاني، ليقتلني، قال فقلت: يا أرحم الراحمين قال فسمع صوتا: لا
تقتله قال فهاب ذلك فخرج يطلب أحدا، فلم ير شيئا، فرجع إلي فناديت: يا
أرحم الراحمين ففعل ذلك <369> ثلاثا، فإذا أنا بفارس بيده حربة حديد في
رأسها شعلة من نار
(6/133)
ما نزل في سرية
الرجيع من القرآن
<369> قال ابن إسحاق:
وكان مما نزل من القرآن في تلك السرية كما حدثني مولى لآل زيد بن ثابت،
عن عكرمة مولى ابن عباس، أو عن سعيد بن جبير عن ابن عباس. قال قال ابن
عباس:
لما أصيبت السرية التي كان فيها مرثد وعاصم بالرجيع قال رجال من
المنافقين يا ويح هؤلاء المفتونين الذين هلكوا "هكذا"، لا هم قعدوا في
أهليهم ولا هم أدوا رسالة صاحبهم فأنزل الله تعالى في ذلك من قول
المنافقين وما أصاب
ـــــــ
فطعنه بها، فأنفذه من ظهره فوقع ميتا، ثم قال لما دعوت المرة الأولى يا
أرحم الراحمين كنت في السماء السابعة فلما دعوت المرة الثانية يا أرحم
الراحمين كنت في السماء الدنيا، فلما دعوت المرة الثالثة يا أرحم
الراحمين أتيتك
ما أنزل الله من القرآن في حق خبيب وأصحابه
فصل
وذكر ابن إسحاق ما أنزل الله تعالى في خبر خبيب وأصحابه من قول
المنافقين فيهم {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي
الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ}
[البقرة:204] الآية وأكثر أهل التفسير على خلاف قوله وأنها نزلت في
الأخنس بن شريق الثقفي، رواه أبو مالك عن ابن عباس، وقاله مجاهد، وقال
ابن الكلبي كنت بمكة فسئلت عن هذه الآية فقلت: نزلت في الأخنس بن شريق،
فسمعني رجل من ولده فقال لي: يا هذا إنما أنزل القرآن على أهل مكة، فلا
تسم أحدا ما دمت فيها، وكذلك قالوا في قوله {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ
يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ} [البقرة:207] نزلت في
صهيب بن سنان حين هاجر، وترك جميع
(6/134)
أولئك النفر من
الخير بالذي أصابهم فقال سبحانه {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ
قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} أي لما يظهر من الإسلام بلسانه
{وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ} وهو مخالف لما يقول
بلسانه {وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ} [البقرة:204] : أي ذو جدال إذا
كلمك وراجعك . <370>
تفسير ابن هشام لبعض الغريب
قال ابن هشام:
الألد: الذي يشغب فتشتد خصومته؟ وجمعه لد. وفي كتاب الله عز وجل
{وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْماً لُدّاً} [مريم:97] . وقال المهلهل بن ربيعة
التغلبي، واسمه امرؤ القيس، ويقال عدي بن ربيعة:
إن تحت الأحجار حدا ولينا ... وخصيما ألد ذا معلاق
ـــــــ
ماله لقريش ويدعونه يهاجر بنفسه إلى الله ورسوله واستشهد ابن هشام على
تفسير الألد بقول مهلهل قال واسمه امرؤ القيس، ويقال عدي، وقد صرح
مهلهل باسم نفسه في الشعر الذي استشهد به ابن هشام، فقال:
صربت صدرها إلي وقالت ... يا عديا لقد وقتك الأواقي
<370> وفيه البيت الذي ذكر ابن هشام:
إن تحت الأحجار حدا ولينا ... وخصيما ألد ذا معلاق
ويروى: مغلاق بالغين المعجمة والمعلاق اللسان وأما المغلاق بالغين
معجمة فالقول الذي يغلق فم الخصم ويسكته. وبعده:
(6/135)
ويروى ذا مغلاق
فيما قال ابن هشام: وهذا البيت في قصيدة له وهو الألندد. قال الطرماح
بن حكيم الطائي يصف الحرباء
يوفي على جذم الجذول كأنه
خصم أبر على الخصوم ألندد
وهذا البيت في قصيدة له. قال ابن إسحاق: قال تعالى: {وَإِذَا تَوَلَّى}
أي خرج من عندك سعى في الأرض {سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا
وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ}
[البقرة:205] أي لا يحب عمله ولا يرضاه. {وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ
اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْأِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ
وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ
ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ}
[البقرة:206-207] أي قد شروا أنفسهم من الله بالجهاد في سبيله والقيام
بحقه حتى هلكوا على ذلك يعني تلك السرية.
ـــــــ
حية في الوجار أربد لا ين ... فع منها السليم نفث الراقي
وسمي مهلهلا بقوله
لما توقل في الكراع هجينهم ... هلهلت أثار جابرا أو صنبلا
هلهلت: أي كدت وقاربت، وأما الألد، فهو من اللديدين وهما جانبا العنق
فالألد الذي يريغ الحجة من جانب إلى جانب يقال تركته يتلدد وقال الزجاج
الخصام جمع في هذه الآية ولا يستقيم أن يكون معناه المخاصمة لأن
(6/136)
تفسير ابن هشام
لبعض الغريب
قال ابن هشام:
يشري نفسه يبيع نفسه. وشروا: باعوا. قال يزيد بن ربيعة بن مفرغ
الحميري:
وشريت بردا ليتني ... من بعد برد كنت هامه
برد غلام له باعه وهذا البيت في قصيدة له وشرى أيضا: اشترى.
قال الشاعر:
فقلت لها لا تجزعي أم مالك ... على ابنيك إن عبد لئيم شراهما
شعر خبيب حين أريد صلبه:
قال ابن إسحاق:
وكان مما قيل في ذلك من الشعر قول خبيب بن عدي، حين بلغه أن القوم قد
اجتمعوا لصلبه.
قال ابن هشام: وبعض أهل العلم بالشعر ينكرها له.
لقد جمع الأحزاب حولي وألبوا ... قبائلهم واستجمعوا كل مجمع
وكلهم مبدي العداوة جاهد ... علي لأني في وثاق بمضبع
وقد جمعوا أبناءهم ونساءهم ... وقربت من جذع طويل ممنع
إلى الله أشكو غربتي ثم كربتي ... وما أرصد الأحزاب لي عند مصرعي
ـــــــ
أفعل الذي يراد به التفضيل إنما يكون بعض ما أضيف إليه تقول زيد أفصح
الناس ولا تقول زيد أفصح الكلام.
<371> قال الشيخ الحافظ رضي الله عنه وهذا الذي قاله حسن إن كان ألد من
هذا الباب الذي مؤنثه " الفعلى، أما إن كان من باب أفعل الذي مؤنثه
فعلاء نحو أخرس وخرساء، فالخصام مصدر خاصمته، وهو ظاهر قول المفسرين
فإنهم فسروه
(6/137)
فذا العرش
صبرني على ما يراد بي ... فقد بضعوا الحمى وقد ياس مطمعي
وذلك في ذات الإله وإن يشأ ... يبارك على أوصال شلو ممزع
وقد خيروني الكفر والموت دونه ... وقد هملت عيناي من غير مجزع
وما بي حذار الموت أني لميت ... ولكن حذاري جحم نار ملفع
فوالله ما أرجو إذا مت مسلما ... على أي جنب كان في الله مصرعي
فلست بمبد للعدو تخشعا ... ولا جزعا إني إلى الله مرجعي
شعر حسان في بكاء خبيب:
وقال حسان بن ثابت يبكي خبيبا:
ما بال عينيك لا ترقا مدامعها ... سحا على الصدر مثل اللؤلؤ القلق
على خبيب فتى الفتيان قد علموا ... لا فشل حين تنقاه ولا نزق
فاذهب خبيب جزاك الله طيبة ... وجنة الخلد عند الحور في الرفق
ماذا تقولون إن قال النبي لكم ... حين الملائكة الأبرار في الأفق
ـــــــ
بالشديد الخصومة فاللدد إذا من صفة المخاصمة وإن وصف به الرجل مجازا،
ويقوي هذا قوله
وخصيما <372> ألد ولم يضفه ولا قال ألد من كذا، فجعله من باب أصم وأشم
ونحوه ويقويه أيضا قولهم في الجمع قوم لد، روت عائشة عن النبي - صلى
الله عليه وسلم - أنه قال "أبغض الخلق إلى الله الخصم الألد" وقرأ ابن
محيصن {وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ} [البقرة: 204] بفتح
الياء والهاء ورفع الهاء من اسم الله تعالى، أي ويعلم الله ما في قلبه.
عدس في شعر حسان في خبيب
وذكر شعر حسان في قصة خبيب. <373> وقوله فيه:
(6/138)
فيم قتلتم شهيد
الله في رجل ... طاغ قد أوعث في البلدان والرفق
قال ابن هشام:
ويروى: " الطرق " وتركنا ما بقي منها، لأنه أقذع فيها.
قال ابن إسحاق:
وقال حسان بن ثابت أيضا يبكي خبيبا: <373>
يا عين جودي بدفع منك منسكب ... وأبكي خبيبا مع الفتيان لم يؤب
صقرا توسط في الأنصار منصبه ... سمح السجية محضا غير مؤتشب
قد هاج عيني على علات عبرتها ... إذ قيل نص إلى جذع من الخشب
يا أيها الراكب الغادي لطيته ... أبلغ لديك وعيدا ليس بالكذب
بني كهيبة أن الحرب قد لقحت ... محلوبها الصاب إذ تمرى لمحتلب
فيها أسود بني النجار تقدمهم ... شهب الأسنة في معصوصب لجب
قال ابن هشام:
وهذه القصيدة مثل التي قبلها، وبعض أهل العلم بالشعر ينكرهما لحسان وقد
تركنا أشياء قالها حسان في أمر خبيب لما ذكرت.
قال ابن إسحاق:
وقال حسان بن ثابت أيضا:
لو كان في الدار قرم ماجد بطل ... ألوي من القوم صقر خاله أنس
إذن وجدت خبيبا مجلسا فسحا ... ولم يشد عليك السجن والحرس
ولم تسقك إلى التنعيم زعنفة ... من القبائل منهم من نفت عدس
ـــــــ
من القبائل منهم من نفت عدس
قوله من نفت عدس يعني: حجير بن أبي إهاب بن عرين وهو ينتسب إلى
(6/139)
دلوك غدرا وهم
فيها أولو خلف ... وأنت ضيم لها في الدار محتبس
قال ابن هشام:
أنس الأصم السلمي: خال مطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف. وقوله " من
نفت عدس " يعني حجير بن أبي إهاب، ويقال الأعشى بن زرارة بن النباش
الأسدي، وكان حليفا لبني نوفل بن عبد مناف.
من اجتمعوا لقتل خبيب:
قال <374> ابن إسحاق:
وكان الذين أجلبوا على خبيب في قتله حين قتل من قريش: عكرمة بن أبي
جهل، وسعيد بن عبد الله بن أبي قيس بن عبد ود، والأخنس بن شريق الثقفي
حليف بني زهرة وعبيدة بن حكيم بن أمية بن حارثة بن الأوقص السلمي، حليف
بني أمية بن عبد شمس، وأمية بن أبي عتبة وبنو الحضرمي.
ـــــــ
بني عدس بن زيد بن عبد الله بن دارم بن مالك بن حنظلة ويقال بل هو من
بني ربيعة بن مالك بن حنظلة ومن هاهنا ذكر نفي بني عدس له من أجل
الاختلاف في نسبه.
وعدس بضم الدال في تميم وهو هذا، وكل عدس في العرب سواه فهو بفتح الدال
وهو من عدس في الأرض إذا ذهب فيها، والله أعلم فمن المفتوح الدال عدس
بن عبيد في الأنصار، ثم في بني النجار وهو جد أبي أمامة أسعد بن زرارة
وقد قال بعض النسابين في عدس بن زيد بن عبد الله بن دارم الذي تقدم
ذكره عدس بفتح الدال والأول أعرف وأشهر. <374>
دعوة خبيب على قاتليه
وذكر قول خبيب حين رفعوه في الخشبة اللهم أحصهم عددا، واقتلهم بددا
(6/140)
شعر حسان في
هجاء هذيل لقتلهم خبيبا:
وقال حسان أيضا يهجو هذيلا فيما صنعوا بخبيب بن عدي:
أبلغ بني عمرو بأن أخاهم ... شراه امرئ قد كان للغدر لازما
شراه زهير بن الأغر وجامع ... وكانا جميعا يركبان المحارما
أجرتم فلما أن أجرتم غدرتم ... وكنتم بأكناف الرجيع لهاذما
فليت خبيبا لم تخنه أمانة ... وليت خبيبا كان بالقوم عالما
قال ابن هشام: زهير بن الأغر وجامع الهذليان اللذان باعا خبيبا. قال
ابن إسحاق:
وقال حسان بن ثابت أيضا: <375>
إن سرك الغدر صرفا لا مزاج له ... فأت الرجيع فسل عن دار لحيان
ـــــــ
فمن رواه بددا بكسر الهاء فهو مصدر بمعنى التبدد أي ذوي بدد فإن قيل
فهل أجيبت فيهم دعوة خبيب والدعوة على تلك الحال من مثل ذلك العبد
مستجابة؟ قلنا: أصابت منهم من سبق في علم الله أن يموت كافرا، ومن أسلم
منهم فلم يعنه خبيب ولا قصده بدعائه ومن قتل منهم كافرا بعد هذه الدعوة
فإنما قتلوا بددا غير معسكرين ولا مجتمعين كاجتماعهم في أحد، وقبل ذلك
في بدر، وإن كانت الخندق بعد قصة خبيب فقد قتل منهم آحاد فيها متبددون
ثم لم يكن لهم بعد ذلك جمع ولا معسكر غزوا فيه فنفذت الدعوة على صورتها
وفيمن أراد خبيب - رحمه الله - وحاشا له أن يكره إيمانهم وإسلامهم.
(6/141)
قوم تواصوا
بأكل الجار بينهم ... فالكلب والقرد الإنسان مثلان
لو ينطق التيس يوما قام يخطبهم ... وكان ذا شرف فيهم وذا شأن
قال ابن هشام: وأنشدنا أبو زيد الأنصاري قوله:
لو ينطق التيس يوما قام يخطبهم ... وكان ذا شرف فيهم وذا شأن
قال ابن إسحاق: وقال حسان بن ثابت أيضا يهجو هذيلا:
سالت هذيل رسول الله فاحشة ... ضلت هذيل بما سالت ولم تصب
سالوا رسولهم ما ليس معطيهم ... حتى الممات وكانوا سبة العرب
ولن ترى لهذيل داعيا أبدا ... يدعو لمكرمة عن منزل الحرب
لقد أرادوا خلال الفحش ويحهم ... وأن يحلوا حراما كان في الكتب
قال حسان بن ثابت أيضا يهجو هذيلا:
لعمري لقد شانت هذيل بن مدرك ... أحاديث كانت في خبيب وعاصم
أحاديث لحيان صلوا بقبيحها ... ولحيان جرامون شر الجرائم
أناس هم من قومهم من صميمهم ... بمنزلة الزمعان دبر القوادم
هم غدروا يوم الرجيع وأسلمت ... أمانتهم ذا عفة ومكارم
رسول رسول الله غدرا ولم تكن ... هذيل توفى منكرات المحارم
فسوف يرون النصر يوما عليهم ... بقتل الذي تحميه دون الجرائم
أبابيل دبر شمس دون لحمه ... حمت لحم شهاد عظام الملاحم
لعل هذيلا أن يروا بمصابه ... مصارع قتلى أو مقاما لمأتم
ونوقع فيهم وقعة ذات صولة ... يوافي بها الركبان أهل المواسم
(6/142)
بأمر رسول الله
إن رسوله ... رأى رأي ذي حزم بلحيان عالم
قبيلة ليس الوفاء يهمهم ... وإن ظلموا لم يدفعوا كف ظالم
إذا الناس حلوا بالفضاء رأيتهم ... بمجرى مسيل الماء بين المخارم
محلهم دار البوار ورأيهم ... إذا نابهم أمر كرأي البهائم
وقال حسان بن ثابت يهجو هذيلا:
لحى الله لحيانا فليست دماؤهم ... لنا من قتيلي غدرة بوفاء
همو قتلوا يوم الرجيع ابن حرة ... أخا ثقة في وده وصفاء
فلو قتلوا يوم الرجيع بأسرهم ... بذي الدبر ما كانوا له بكفاء
قتيل حمته الدبر بين بيوتهم ... لدى أهل كفر ظاهر وجفاء
فقد قتلت لحيان أكرم منهم ... وباعوا خبيبا ويلهم بلفاء
فأف للحيان على كل حاله ... على ذكرهم في الذكر كل عفاء
قبيلة باللؤم والغدر تغتري ... فلم تمس يخفي لومها بخفاء
فلو قتلوا لم توف منه دماؤهم ... بلى إن قتل القاتليه شفائي
فإلا أمت أذعر هذيلا بغارة ... كغادي الجهام المغتدي بإفاء
بأمر رسول الله والأمر أمره ... يبيت للحيان الخنا بفناء
يصبح قوما بالرجيع كأنهم ... جداء شتاء بتن غير دفاء
وقال حسان بن ثابت أيضا يهجو هذيلا:
فلا والله ما تدري هذيل ... أصاف ماء زمزم أم مشوب
ولا لهم إذا اعتمروا وحجوا ... من الحجرين والمسعى نصيب
ولكن الرجيع لهم محل ... به اللؤم المبين والعيوب
كأنهم لدى الكنات أصلا ... تيوس بالحجاز لها نبيب
هم غروا بذمتهم خبيبا ... فبئس العهد عهدهم الكذوب
(6/143)
قال ابن هشام:
آخرها بيتا عن أبي زيد الأنصاري.
شعر حسان في بكاء خبيب وأصحابه:
قال ابن إسحاق: وقال حسان بن ثابت يبكي خبيبا وأصحابه <377> <378>
صلى الإله على الذين تتابعوا ... يوم الرجيع فأكرموا وأثيبوا
ـــــــ
ابن كهيبة في شعر حسان
فصل: وذكر أشعار حسان في خبيب وأصحابه وليس فيهم معنى خفي، ولا لفظ
غريب وحشي، فيحتاج إلى تفسيره ولكن في بعضها:
بني كهيبة أن الحرب قد لقحت
<377> جعل كهيبة كأنه اسم علم لأمهم وهذا كما يقال بني ضوطري وبني
الغبراء وبني درزة قال الشاعر:
أولاد درزة أسلموك وطاروا
وهذا كله اسم لمن يسب، وعبارة عن السفلة من الناس وكهيبة من الكهبة وهي
الغبرة وهذا كما قالوا: بني الغبراء وأكثر أشعار حسان في هذه القصة قال
فيها من هذيل، لأنهم إخوة القارة، والمشاركون لهم في الغدر بخبيب
وأصحابه وهذيل وخزيمة أبناء مدركة بن إلياس وعضل والقارة من بني خزيمة.
حول العلم وضعه من التنوين مع الخفض:
وقوله وابن لطارق وابن دثنة منهم حذف التنوين كما تقدم في قوله شلت يدا
وحشي من قاتل ولو أنه حين حذف التنوين نصب وجعله كالاسم الذي لا
(6/144)
رأس السرية
مرثد وأميرهم ... وابن البكير إمامهم وخبيب
وابن لطارق وابن دثنة منهم ... وافاه ثم حمامه المكتوب
والعاصم المقتول عند رجيعهم ... كسب المعالي إنه لكسوب
منع المقادة أن ينالوا ظهره ... حتى يجالد إنه لنجيب
قال ابن هشام: ويروى: حتى يجدل إنه لنجيب.
قال ابن هشام وأكثر أهل العلم بالشعر ينكر لحسان.
ـــــــ
ينصرف وهو في موضع الخفض مفتوح لكان وجها وقياسا صحيحا، لأن الخفض تابع
التنوين فإذا زال التنوين زال الخفض لئلا يلتبس بالمضاف إلى ضمير
المتكلم لأن ضمير المتكلم وإن كان ياء فقد يحذف ويكتفي بالكسرة منه
وزوال التنوين في أكثر ما لا ينصرف إنما هو لاستغناء الاسم عنه إذ هو
علامة الانفصال عن الإضافة فكل اسم لا يتوهم فيه الإضافة لا يحتاج إلى
التنوين لكنه إذا لم ينون لم يخفض لما ذكرناه من التباسه بالمضاف إلى
المتكلم وقد تقدم في أشعار أحد:
كنار أبي حباحب والظبينا
بفتح الباء من حباحب في موضع الخفض وكان حق كل علم ألا ينون لأنه مستغن
عن الإضافة كما لم ينون جميع أنواع المعارف ولكنه نون ما نون معه للسر
الذي بيناه في أسرار ما لا ينصرف من الأسماء وقد أملينا في ذلك جزءا،
ولكن الخفض في طارق ووحشي مروي، ووجهه أنه لما كان ضرورة شعر ولم يكثر
في كلامهم لم يتبعوا الخفض فيه التنوين إذ لا يتوهم إضافته إلى المتكلم
إذ لا يقع إلا نادرا في شعر فاللبس فيه بعيد.
اشتقاق اسم خبيب وهذيل:
وقوله: وابن البكير إمامهم وخبيب <378> أردف حرف الروي بياء مفتوح ما
قبلها،
(6/145)
وقد تقدم القول
فيه مرتين. وخبيب في اللغة تصغير خب وهو الماكر من الرجال للخداع ويجوز
أن يكون تصغير خاب من الخبيب فيكون. من باب تصغير الترخيم وهو الذي
ينبني على حذف الزوائد وأما هذيل فقالوا فيه إنه مصغر تصغير للترخيم
لأنه من هوذل الرجل ببوله إذا باعد به فكأنه تصغير مهوذل على حذف
الزوائد ويجوز أن يكون تصغير هذلول وهو التل الصغير من الرمل على تصغير
الترخيم أيضا.
سالت بدون همزة:
وقوله: سالت هذيل رسول الله فاحشة ليس على تسهيل الهمزة في سالت ولكنها
لغة بدليل قولهم تسايل القوم ولو كان تسهيلا، لكانت الهمزة بين بين ولم
يستقم وزن الشعر بها، لأنها كالمتحركة وقد تقلب ألفا ساكنة كما قالوا:
المنساة، ولكنه شيء لا يقاس عليه وإذا كانت سال لغة في سأل فيلزم أن
يكون المضارع يسيل ولكن قد حكى يونس سلت تسال مثل خفت تخاف هو عنده من
ذوات الواو وقال الزجاج الرجلان يتسايلان وقال النحاس والمبرد يتساولان
وهو مثل ما حكى يونس.
(6/146)
|