الروض
الأنف ت السلامي
أمر إجلاء بني النضير في سنة أربع
خروج الرسول إلى بني النضير يستعينهم في دية قتلى بني عامر وهمهم
بالغدر به:
قال ابن إسحاق:
ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بني النضير يستعينهم في دية
ذينك القتيلين من بني عامر اللذين قتل عمرو بن أمية الضمري، للجوار
الذي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عقد لهما، كما حدثني يزيد بن
رومان، وكان بين بني النضير وبين بني عامر عقد وحلف. فلما أتاهم رسول
الله صلى الله عليه وسلم يستعينهم في دية ذينك القتيلين قالوا: نعم يا
أبا القاسم نعينك على ما أحببت، مما استعنت بنا عليه. ثم خلا بعضهم
ببعض فقالوا: إنكم لن تجدوا الرجل على مثل حاله هذه - ورسول الله صلى
الله عليه وسلم إلى جنب جدار من بيوتهم قاعد - فمن رجل يعلو على هذا
البيت فيلقي عليه صخرة فيريحنا منه؟ فانتدب لذلك عمرو بن جحاش بن كعب
أحدهم فقال أنا لذلك فصعد ليلقي عليه صخرة كما <388> قال ورسول الله
صلى الله عليه وسلم في نفر من أصحابه فيهم أبو بكر وعمر وعلي، رضوان
الله عليهم.
ـــــــ
غزوة بني النضير وما نزل فيها
<387> ذكر ابن إسحاق هذه الغزوة في هذا الموضع وكان ينبغي أن يذكرها
بعد بدر لما روى عقيل بن خالد وغيره عن الزهري، قال كانت غزوة بني
النضير بعد بدر بستة أشهر.
(6/158)
انكشاف نيتهم
للرسول واستعداده لحربهم:
فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم الخبر من السماء بما أراد القوم
فقام وخرج راجعا إلى المدينة ، فلما استلبث النبي صلى الله عليه وسلم
أصحابه قاموا في طلبه فلقوا رجلا مقبلا من المدينة ، فسألوه عنه فقال "
رأيته داخلا المدينة ". فأقبل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى
انتهوا إليه صلى الله عليه وسلم فأخبرهم الخبر، بما كانت اليهود أرادت
من الغدر به وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتهيؤ لحربهم والسير
إليهم.
قال ابن هشام: واستعمل على المدينة ابن أم مكتوم.
قال ابن إسحاق: ثم سار الناس حتى نزل بهم.
قال ابن هشام: وذلك في شهر ربيع الأول فحاصرهم ست ليال ونزل تحريم
الخمر.
ـــــــ
قطع اللينة وتأويله
<388> وذكر نزول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ببني النضير وسيره
إليهم حين نقضوا العهد الذي كان بينهم وبينه وهموا بقتله فلما تحصنوا
في حصونهم وحرق نخلهم نادوه أن يا محمد قد كنت تنهى عن الفساد وتعيبه
وذكر الحديث. قال أهل التأويل وقع في نفوس المسلمين من هذا الكلام شيء
حتى أنزل الله تعالى: {مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ
تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا} [ الحشر 5] الآية. واللينة
ألوان التمر ما عدا العجوة والبرني ففي هذه الآية أن النبي - صلى الله
عليه وسلم - لم يحرق من نخلهم إلا ما ليس بقوت للناس وكانوا يقتاتون
العجوة وفي الحديث "العجوة من الجنة"
(6/159)
حصار الرسول
لهم وتقطيع نخلهم:
قال ابن إسحاق:
فتحصنوا منه في الحصون فأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم بقطع
النخيل والتحريق فيها، فنادوه أن يا محمد قد كنت تنهى عن الفساد،
وتعيبه على من صنعه فما بال قطع النخل وتحريقها؟
تحريض الرهط لهم ثم محاولتهم الصلح
<389> وقد كان رهط من بني عوف بن الخزرج، منهم "عدو الله" عبد الله بن
أبي ابن سلول ووديعة ومالك بن أبي قوقل وسويد وداعس قد بعثوا إلى بني
النضير أن اثبتوا وتمنعوا، فإنا لن نسلمكم إن قوتلتم قاتلنا معكم وإن
أخرجتم خرجنا معكم فتربصوا ذلك من نصرهم فلم يفعلوا، وقذف الله في
قلوبهم الرعب وسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجليهم ويكف عن
دمائهم على أن لهم ما حملت الإبل من أموالهم إلا الحلقة ففعل. فاحتملوا
من أموالهم ما استقلت به الإبل فكان الرجل منهم يهدم بيته عن نجاف بابه
فيضعه على ظهر بعيره فينطلق به. فخرجوا إلى خيبر ومنهم من سار إلى
الشام .
من هاجر منهم إلى خيبر
فكان أشرافهم من سار منهم إلى خيبر: سلام بن أبي الحقيق وكنانة بن
الربيع بن أبي الحقيق وحيي بن أخطب. فلما نزلوها دان لهم أهلها.
قال ابن إسحاق:
فحدثني عبد الله بن أبي بكر أنه حدث
ـــــــ
وثمرها يغذو أحسن غذاء والبرني أيضا كذلك. وقال أبو <389> حنيفة معناه
بالفارسية حمل مبارك لأن بر معناه حمل وني معناه جيد أو مبارك فعربته
العرب، وأدخلته في كلامها، وفي حديث وفد عبد القيس أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم - قال لهم
(6/160)
أنهم استقلوا
بالنساء والأبناء والأموال معه الدفوف والمزامير والقيان يعزفن خلفهم
وإن فيهم لأم عمرو صاحبة عروة بن الورد العبسي، التي ابتاعوا منه وكانت
إحدى نساء بني غفار، بزهاء وفخر ما رئي مثله من حي من الناس في زمانهم.
تقسيم الرسول أموالهم بين المهاجرين
وخلوا الأموال لرسول الله صلى الله عليه وسلم فكانت لرسول الله صلى
الله عليه وسلم خاصة يضعها حيث يشاء فقسمها رسول الله صلى الله عليه
وسلم على المهاجرين الأولين دون الأنصار. إلا أن سهل بن حنيف وأبا
دجانة سماك بن خرشة ذكرا فقرا، فأعطاهما رسول الله صلى الله عليه وسلم.
من أسلم من بني النضير
<390> ولم يسلم من بني النضير إلا رجلان يامين بن عمر أبو كعب بن عمرو
بن جحاش ; وأبو سعد بن وهب، أسلما على أموالهما فأحرزاها.
تحريض يامين على قتل ابن جحاش
قال ابن إسحاق: - وقد حدثني بعض آل يامين: أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم قال ليامين ألم تر ما لقيت من ابن عمك، وما هم به من
ـــــــ
وذكر البرني: "إنه من خير تمركم وإنه دواء وليس بداء" رواه منهم مزيدة
العصري، ففي قوله تعالى: {مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ} [الحشر:5] ولم
يقل من نخله على العموم تنبيه على كراهة قطع ما يقتات ويغذو من شجر
العدو إذا رجي أن يصير إلى المسلمين وقد كان الصديق رضي الله عنه يوصي
الجيوش ألا يقطعوا شجرا مثمرا، وأخذ بذلك أبو عمرو عبد الرحمن بن عمرو]
، الأوزاعي، فإما تأولوا حديث بني النضير وإما رأوه خاصا للنبي عليه
السلام ولم <390> يختلفوا أن سورة الحشر نزلت في بني النضير ولا
اختلفوا في أموالهم لأن المسلمين لم يوجفوا عليها بخيل ولا ركاب وإنما
قذف الرعب في قلوبهم وجلوا عن منازلهم إلى خيبر، ولم يكن ذلك عن قتال
من المسلمين لهم فقسمها النبي صلى الله عليه وسلم بين
(6/161)
شأني؟ فجعل
يامين بن عمير لرجل جعلا على أن يقتل له عمرو بن جحاش، فقتله فيما
يزعمون
ما نزل في بني النضير من القرآن
ونزل في بني النضير سورة الحشر بأسرها، يذكر فيها ما أصابهم الله به من
نقمته. وما سلط عليهم به رسوله صلى الله عليه وسلم وما عمل فيه فيهم
فقال تعالى: {هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ
الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ
يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ
اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ
فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ
وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ} [الحشر:2] وذلك لهدمهم بيوتهم عن نجف
أبوابهم إذا احتملوها. { فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ}
{وَلَوْلا أَنْ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلاءَ} وكان لهم من الله
نقمة {لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيَا} أي بالسيف {وَلَهُمْ فِي
الْآخِرَةِ عَذَابُ النَّارِ} مع ذلك. {مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ
أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا} . واللينة ما خالف
العجوة من النخل {فَبِإِذْنِ اللَّهِ} أي فبأمر الله قطعت لم يكن
فسادا، ولكن كان نقمة من الله {وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ}
[الحشر:3،2،-5]
ـــــــ
المهاجرين ليرفع بذلك مؤنتهم عن الأنصار، إذ كانوا قد ساهموهم في
الأموال والديار غير أنه أعطى أبا دجانة وسهل بن حنيف لحاجتهما، وقال
غير ابن إسحاق: وأعطى ثلاثة من الأنصار، وذكر الحارث بن الصمة فيهم.
حول أول سورة الحشر
وقوله سبحانه {يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي
الْمُؤْمِنِينَ} [الحشر: 2] أي يخربونها من داخل والمؤمنون من خارج
وقيل معنى بأيديهم بما كسبت أيديهم من نقض العهد وأيدي المؤمنين أي
بجهادهم.
<391> وقوله {لِأَوَّلِ الْحَشْرِ} [الحشر:2] روى موسى بن عقبة أنهم
قالوا له إلى أين تخرج يا محمد؟ قال إلى الحشر يعني: أرض المحشر وهي
الشام،
(6/162)
تفسير ابن هشام
لبعض الغريب
<391> قال ابن هشام:
اللينة من الألوان وهي ما لم تكن برنية ولا عجوة من النخل فيما حدثنا
أبو عبيدة.
قال ذو الرمة:
كأن قتودي فوقها عش طائر ... على لينة سوقاء تهفو جنوبها
وهذا البيت في قصيدة له.
{وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ} [الحشر:6] قال ابن
إسحاق: يعني من بني النضير { وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ
مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكَابٍ
وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ
عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [الحشر:6] أي له خاصة.
تفسير ابن هشام لبعض الغريب:
قال ابن هشام:
أوجفتم: حركتم وأتعبتم في السير. قال تميم بن أبي بن مقبل أحد بني عامر
بن صعصعة
ـــــــ
وقيل إنهم كانوا من بسط لم يصبهم جلاء قبلها، فلذلك قال لأول الحشر
والحشر الجلاء وقيل إن الحشر الثاني، هو حشر النار التي تخرج من قعر
عدن فتحشر الناس إلى الموقف تبيت معهم حيث باتوا، وتقيل معهم قالوا،
وتأكل من تخلف والآية متضمنة لهذه الأقوال كلها، ولزائد
(6/163)
مذاويد بالبيض
الحديث صقالها ... عن الركب أحيانا إذا الركب أوجفوا
وهذا البيت في قصيدة له وهو الوجيف. "و" قال أبو زيد الطائي، واسمه
حرملة بن المنذر
مسنفات كأنهن قنا الهن د ... لطول الوجيف جدب المرود
وهذا البيت في قصيدة له.
<392> قال ابن هشام: السناف البطان. والوجيف "أيضا ): وجيف القلب
والكبد وهو الضربان. قال قيس بن الخطيم الظفري
إنا وإن قدموا التي علموا ... أكبادنا من ورائهم تجف
وهذا البيت في قصيدة له.
{مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ
وَلِلرَّسُولِ} [الحشر: 7]
قال ابن إسحاق:
ـــــــ
عليها، فإن قوله لأول الحشر يؤذن أن ثم حشرا آخر فكان هذا الحشر
والجلاء إلى خيبر، ثم أجلاهم عمر من خيبر إلى تيماء وأريحا، وذلك حين
بلغه التثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لا يبقين دينان بأرض
العرب
<392> وقوله {فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا}
[الحشر:2] يقال نزلت في قتل كعب بن الأشرف.
وقوله تعالى: {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ
الْقُرَى} [ الحشر 7]
(6/164)
ما يوجف عليه
المسلمون بالخيل والركاب وفتح بالحرب عنوة فلله وللرسول – {مَا أَفَاءَ
اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ
وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ
كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا
آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا}
[الحشر: 7] يقول هذا قسم آخر فيما أصيب بالحرب بين المسلمين على ما
وضعه الله عليه.
ثم قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا} يعني عبد الله
بن أبي وأصحابه ومن كان على مثل أمرهم { يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ
الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ} [الحشر:11] يعني بني
النضير إلى قوله {كَمَثَلِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَرِيباً ذَاقُوا
وَبَالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [الحشر:15] يعني بني
قينقاع. ثم القصة.. إلى قوله {كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ
لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ
إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِين} [الحشر:16] {فَكَانَ
عَاقِبَتَهُمَا أَنَّهُمَا فِي النَّارِ خَالِدَيْنِ فِيهَا وَذَلِكَ
جَزَاءُ الظَّالِمِينَ}
ما قيل في بني النضير من الشعر
وكان مما قيل في بني النضير من الشعر قول ابن لقيم العيثمي ويقال قاله
قيس بن بحر بن طريف. قال ابن هشام: قيس بن بحر الأشجعي - فقال <393>
أهلي فداء لامرئ غير هالك ... أحل اليهود بالحسي المزنم
ـــــــ
وروي عن مالك أنه قال هم بنو قريظة، وأهل التأويل على أنها عامة في
جميع القرى المفتتحة على المسلمين وإن اختلفوا في حكمها، فرأى قوم
قسمها كما تقسم الغنائم ورأى بعضهم للإمام أن يقفها، وسيأتي بيان هذه
المسألة في غزوة خيبر إن شاء الله.<393> وذكر شعر العبسي في إجلاء
اليهود، فقال
أحل اليهود بالحسي المزنم
يريد أحلهم بأرض غربة وفي غير عشائرهم والزنيم والمزنم الرجل يكون في
القوم وليس منهم أي أنزلهم بمنزلة الحسي أي المبعد الطريد وإنما
(6/165)
يقيلون في جمر
الغضاة وبدلوا ... أهيضب عودي بالودي المكمم
فإن يك ظني صادقا بمحمد ... تروا خيله بين الصلا ويرمرم
يؤم بها عمرو بن بهثة إنهم ... عدو وما حي صديق كمجرم
عليهن أبطال مساعير في الوغى ... يهزون أطراف الوشيج المقوم
وكل رقيق الشفرتين مهند ... توورثن من أزمان عاد وجرهم
فمن مبلغ عني قريشا رسالة ... فهل بعدهم في المجد من متكرم
بأن أخاكم فاعلمن محمدا ... تليد الندى بين الحجون وزمزم
فدينوا له بالحق تجسم أموركم ... وتسموا من الدنيا إلى كل معظم
نبي تلاقته من الله رحمة ... ولا تسألوه أمر غيب مرجم
فقد كان في بدر لعمري عبرة ... لكم يا قريشا والقليب الملمم
غداة أتى في الخزرجية عامدا ... إليكم مطيعا للعظيم المكرم
معانا بروح القدس ينكي عدوه ... رسولا من الرحمن حقا بمعلم
ـــــــ
جعل الطريد الذليل حسيا لأنه عرضة الأكل والحسي والحسو ما يحسى من
الطعام حسوا، أي أنه لا يمتنع على آكل ويجوز أن يريد بالحسي معنى الغذي
من الغنم وهو الصغير - الضعيف الذي لا يستطيع الرعي يقال بدلوا بالمال
الدثر والإبل الكوم رذال المال وغذاء الغنم والمزنم منه فهذا وجه يحتمل
وقد أكثرت النقير عن الحسي في مضانه من اللغة فلم أجد نصا شافيا أكثر
من قول أبي علي الحسية والحسي ما يحسى من الطعام وإذ قد وجدنا الغذي
واحد غذاء الغنم فالحسي في معناه غير ممتنع أن يقال والله أعلم.
والمزنم أيضا: صغار الإبل وسائر هذا الشعر مع ما يعده من الأشعار ليس
فيه عويص من الغريب ولا مستغلق من الكلام.
(6/166)
رسولا من
الرحمن يتلو كتابه ... فلما أنار الحق لم يتلعثم
أرى أمره يزداد في كل موطن ... علوا لأمر حمه الله محكم
قال ابن هشام: عمرو بن بهثة، من غطفان. وقوله " بالحسي المزنم " عن غير
ابن إسحاق:
قال ابن إسحاق:
وقال علي بن أبي طالب: يذكر إجلاء بني النضير وقتل كعب بن الأشرف.
قال ابن هشام:
قالها رجل من المسلمين غير علي بن أبي طالب، فيما ذكر لي بعض أهل العلم
بالشعر ولم أر أحدا منهم يعرفها لعلي
عرفت ومن يعتدل يعرف ... وأيقنت حقا ولم أصدف
عن الكلم المحكم اللاء من ... لدى الله ذي الرأفة الأرأف
رسائل تدرس في المؤمنين ... بهن اصطفى أحمد المصطفى
ـــــــ
الكاهنان
<394> وما ذكر من أمر الكاهنين فهما قريظة والنضير وفي الحديث يخرج في
الكاهنين رجل يدرس القرآن درسا لم يدرسه أحد قبله ولا يدرسه أحد بعده
فكانوا يرونه أنه محمد بن كعب القرظي وهو محمد بن كعب بن عطية وسيأتي
خبر جده عطية في بني قريظة والكاهن في اللغة بمعنى الكاهل وهو الذي
يقوم بحاجة أهله إذا خلف عليهم يقال هو كاهن أبيه وكاهله قاله الهروي،
فيحتمل أن يكون سمي الكاهنان بهذا.
(6/167)
فأصبح أحمد
فينا عزيزا ... عزيز المقامة والموقف
فيا أيها الموعدوه سفاها ... ولم يأت جورا ولم يعنف
ألستم تخافون أدنى العذاب ... وما آمن الله كالأخوف
وأن تصرعوا تحت أسيافه ... كمصرع كعب أبي الأشرف
غداة رأى الله طغيانه ... وأعرض كالجمل الأجنف
فأنزل جبريل في قتله ... بوحي إلى عبده ملطف
فدس الرسول رسولا له ... بأبيض ذي هبة مرهف
فباتت عيون له معولات ... متى ينع كعب لها تذرف
وقلن لأحمد ذرنا قليلا ... فإنا من النوح لم نشتف
ـــــــ
خروج بني النضير إلى خيبر:
فصل: <395> وذكر ابن إسحاق خروج بني النضير إلى خيبر، وأنهم استقلوا
بالنساء والأبناء والأموال معهم - الدفوف والمزامير والقيان يعزفن
خلفهم وأن فيهم لأم عمرو صاحبة عروة بن الورد التي ابتاعوا منه وكان
إحدى نساء بني غفار. انتهى كلام ابن إسحاق، ولم يذكر اسمها في رواية
البكائي عنه وذكره في غيرها، وهي سلمى، قال الأصمعي: اسمها: ليلى بنت
شعواء وقال أبو الفرج هي سلمى أم وهب امرأة من كنانة كانت ناكحا في
مزينة، فأغار عليها عروة بن الورد فسباها، وذكر الحديث وقول أبي الفرج
إنها من كنانة لا يدفع قول ابن إسحاق إنها من غفار، لأن غفار من كنانة
غفار بن مليل بن ضمرة بن ليث بن بكر بن عبد مناة بن كنانة. وعروة بن
الورد بن زيد ويقال ابن عمرو بن ناشب بن هدم بن عوذ بن غالب بن قطيعة
بن عبس فهو عبسي غطفاني قيسي، لأن عبسا هو ابن بغيض بن ريث بن غطفان
قال فيه عبد الملك بن مروان: ما يسرني أن أحدا من العرب ولدني إلا عروة
بن الورد لقوله
(6/168)
فخلاهم ثم قال
اظعنوا ... دحورا على رغم الآنف
وأجلى النضير إلى غربة ... وكانوا بدار ذوي زخرف
إلى أذرعات ردافي وهم ... على كل ذي دبر أعجف
فأجابه سماك اليهودي، فقال <396>
إن تفخروا فهو فخر لكم ... بمقتل كعب أبي الأشرف
غداة غدوتم على حتفه ... ولم يأت غدرا ولم يخلف
فعل الليالي وصرف الدهور ... يديل من العادل المنصف
بقتل النضير وأخلافها ... وعقر النخيل ولم تقطف
فإن لا أمت نأتكم بالقنا ... وكل جسام معا مرهف
بكف كمي به يحتمي ... متى يلق قرنا له يتلف
مع القوم صخر وأشياعه ... إذا غاور القوم لم يضعف
كليث بترج حمى غيله ... أخي غابة هاصر أجوف
ـــــــ
أتهزأ مني أن سمنت، وقد ترى ... بجسمي مس الحق والحق
جاهد إني امرئ عافي إنائي شركة ... وأنت امرئ عافي إنائك
واحد أقسم جسمي في جسوم كثيرة ... وأحسو قراح الماء والماء بارد
<396> وكان يقال: من قال إن حاتما أسمح العرب، فقد ظلم عروة بن الورد
قال أبو الفرج وكان عروة يتردد على بني النضير فيستقرضهم إذا احتاج
ويبيع منهم إذا غنم فرأوا عنده سلمى، فأعجبتهم فسألوه أن يبيعها، منهم
فأبى فسقوه الخمر واحتالوا عليه حتى ابتاعوها منه وأشهدوا عليه وفي ذلك
يقول
(6/169)
شعر كعب في
إجلاء بني النضير وقتل ابن الأشرف
قال ابن إسحاق:
وقال كعب بن مالك يذكر إجلاء بني النضير وقتل كعب بن الأشرف: <397>
لقد خزيت بغدرتها الحبور ... كذاك الدهر ذو صرف يدور
وذلك أنهم كفروا برب ... عزيز أمره أمر كبير
وقد أوقوا معا فهما وعلما ... وجاءهم من الله النذير
نذير صادق أدى كتابا ... وآيات مبينة تنير
فقالوا: ما أتيت بأمر صدق ... وأنت بمنكر منا جدير
فقال بلى لقد أديت حقا ... يصدقني به الفهم الخبير
فمن يتبعه يهد لكل رشد ... ومن يكفر به يجز الكفور
فلما أشربوا غدرا وكفرا ... وحاد بهم عن الحق النفور
أرى الله النبي برأي صدق ... وكان الله يحكم لا يجور
فأيده وسلطه عليهم ... وكان نصيره نعم النصير
فغودر منهم كعب صريعا ... فذلت بعد مصرعه النضير
على الكفين ثم وقد علته ... بأيدينا مشهرة ذكور
بأمر محمد إذ دس ليلا ... إلى كعب أخا كعب يسير
فما كره فأنزله بمكر ... ومحمود أخو ثقة جسور
فتلك بنو النضير بدار سوء ... أبارهم بما اجترموا المبير
غداة أتاهم في الزحف رهوا ... رسول الله وهو بهم بصير
وغسان الحماة موازروه ... على الأعداء وهو لهم وزير
فقال السلم ويحكم فصدوا ... وحالف أمرهم كذب وزور
ـــــــ
سقوني الخمر ثم تكنفوني ... عداة الله من كذب وزور
<397> وروي أيضا أن قومها افتدوها منه وكان يظن أنها لا تختار عليه
أحدا، ولا
(6/170)
فذاقوا غب
أمرهم وبالا ... لكل ثلاثة منهم بعير
وأجلوا عامدين لقينقاع ... وغودر منهم نخل ودور
شعر سماك في الرد على كعب:
فأجابه سماك اليهودي، فقال:
أرقت وضافني هم كبير ... بليل غيره ليل قصير
أرى الأخبار تنكره جميعا ... وكلهم له علم خبير
وكانوا الدارسين لكل علم ... به التوراة تنطق والزبور
قتلتم سيد الأخبار كعبا ... وقدما كان يأمن من يجير
تدلى نحو محمود أخيه ... ومحمود سريرته الفجور
فغادره كأن دما نجيعا ... يسيل على مدارعه عبير
فقد وأبيكم وأبي جميعا ... أصيبت إذ أصيب به النضير
فإن نسلم لكم نترك رجالا ... بكعب حولهم طير تدور
كأنهم عتائر يوم عيد ... تذبح وهي ليس لها نكير
ـــــــ
تفارقه فاختارت قومها، فندم وكان له منها بنون فقالت له والله ما أعلم
امرأة من العرب أرخت سترا على بعل مثلك أغض طرفا، ولا أندى كفا ولا
أغنى غناء وإنك لرفيع العماد كثير الرماد خفيف على ظهور الخيل ثقيل على
متون الأعداء راض للأهل والجار وما كنت لأوثر عنك أهلي، لولا أني كنت
أسمع بنات عمك يقلن فعلت أمة عروة وقال أمة عروة فأجد من ذلك الموت
والله لا يجامع وجهي وجه غطفانية أبدا، فاستوص ببنيك <398> خيرا، قال
ثم تزوجها بعده رجل من بني النضير فسألها أن تثني عليه في نادي قومه
كما أثنت على عروة فقالت
(6/171)
ببيض لا تليق
لهن عظما ... صوافي الحد أكثرها ذكور
كما لاقيتم من بأس صخر ... بأحد حيث ليس لكم نصير
شعر ابن مرداس في امتداح رجال بني النضير
وقال عباس بن مرداس أخو بني سليم يمتدح رجال بني النضير:
لو أن أهل الدار لم يتصدعوا ... رأيت خلال الدار ملهى وملعبا
فإنك عمري هل أريك ظعائنا ... سلكن على ركن الشطاة فتيأبا
عليهن عين من ظباء تبالة ... أوانس يصبين الحليم المجربا
إذا جاء باغي الخير قلن فجاءة ... له بوجوه كالدنانير مرحبا
وأهلا فلا ممنوع خير طلبته ... ولا أنت تخشى عندنا أن تؤنبا
فلا تحسبني كنت مولى ابن مشكم ... سلام ولا مولى حيي بن أخطبا
شعر خوات في الرد على ابن مرداس
فأجابه خوات بن جبير، أخو بني عمرو بن عوف، فقال:
تبكي على قتلى يهود وقد ترى ... من الشجو لو تبكي أحب وأقربا
فهلا على قتلى ببطن أرينق ... بكيت ولم تعول من الشجو مسهبا
إذا السلم دارت في صديق رددتها ... وفي الدين صدادا وفي الحرب ثعلبا
ـــــــ
اعفني، فإني لا أقول إلا ما علمته، فأبى أن يعفيها، فجاءت حتى وقفت على
النادي، وهو فيه فقالت عموا صباحا، ثم قالت إن هذا أمرني أن أثني عليه
بما علمت فيه ثم قالت له والله إن شملتك لالتفاف وإن شربك لاشتفاف وإن
<399> ضجعتك لانجعاف وإنك لتشبع ليلة تضاف وتنام ليلة تخاف فقال له
قومه قد كنت في غنى عن هذا، وفيها يقول عروة بن الورد
(6/172)
عمدت إلى قدر
لقومك تبتغي ... لهم شبها كيما تعز وتغلبا
فإنك لما أن كلفت تمدحا ... لمن كان عيبا مدحه وتكذبا
رحلت بأمر كنت أهلا لمثله ... ولم تلف فيهم قائلا لك مرحبا
فهلا إلى قوم ملوك مدحتهم ... تبنوا من العز المؤثل منصبا
إلى معشر صاروا ملوكا وكرموا ... ولم تلف فيهم طالب العرف مجدبا
أولئك أخرى من يهود بمدحة ... تراهم وفيهم عزة المجد ترتبا
شعر ابن مرداس في الرد على خوات
فأجابه عباس بن مرداس السلمي، فقال
هجوت صريح الكاهنين وفيكم ... لهم نعم كانت من الدهر ترتبا
أولئك أحرى لو بكيت عليهم ... وقومك لو أدوا من الحق موجبا
من الشكر إن الشكر خير مغبة ... وأوفق فعلا للذي كان أصوبا
فكنت كمن أمسى يقطع رأسه ... ليبلغ عزا كان فيه مركبا
فبك بني هارون واذكر فعالهم ... وقتلهم للجوع إذ كنت مجدبا
أخوات أذر الدمع بالدمع وابكهم ... وأعرض عن المكروه منهم ونكبا
ـــــــ
أرقت وصحبتي بمضيق عمق ... لبرق في تهامة مستطير
إذا قلت استهل على قديد ... يحور ربابه حور الكسير
سقى سلمى، وأين محل سلمى ... إذا حلت مجاورة السرير
إذا حلت بأرض بني علي ... وأهلك بين أمرة وكير
ذكرت منازلا من أم وهب ... محل الحي أسفل ذي النقير
وآخر معهد من أم وهب ... معرسنا فويق بني النضير
(6/173)
فإنك لو
لاقيتهم في ديارهم ... لألفيت عما قد تقول منكبا
سراع إلى العليا كرام لدى الوغى ... يقال لباغي الخير أهلا ومرحبا
شعر لكعب أو ابن رواحة في الرد على ابن مرداس
<400> فأجابه كعب بن مالك، أو عبد الله بن رواحة، فيما قال ابن هشام،
فقال:
لعمري لقد حكت رحى الحرب بعدما ... أطارت لؤيا قبل شرقا ومغربا
بقية آل الكاهنين وعزها ... فعاد ذليلا بعدما كان أغلبا
فطاح سلام وابن سعية عنوة ... وقيد ذليلا للمنايا ابن أخطبا
وأجلب يبغي العز والذل يبتغي ... خلاف يديه ما جنى حين أجلبا
كتارك سهل الأض والحزن همه ... وقد كان ذا في الناس أكدى وأصعبا
وشأس وعزال وقد صليا بها ... وما غيبا عن ذاك فيمن تغيبا
ـــــــ
وقالت ما تشاء فقلت: ألهو ... إلى الإصباح آثر ذي أثير
بآنسة الحديث رضاب فيها ... بعيد النوم كالعنب العصير
أطعت الآمرين بصرم سلمى ... فطاروا في بلاد اليستعور
سقوني الخمر ثم تكنفوني ... عداة الله من كذب وزور
وقالوا ليست بعد فداء سلم ... بمغن ما لديك ولا فقير
ولا وأبيك لو كاليوم أمري ... ومن لك بالتدبر في الأمور
إذا لملكت عصمة أم وهب ... على ما كان من حسك الصدور
فيا للناس كيف غلبت نفسي ... على شيء ويكرهه ضميري
قوله السرير موضع في ناحية كنانة وقوله اليستعور هو موضع قبل حرة
المدينة، فيه عضاه من سمر وطلح وقال أبو حنيفة اليستعور شجر يستاك به
(6/174)
وعوف بن سلمى
وابن عوف كلاهما ... وكعب رئيس القوم حان وخيبا
فبعدا وسحقا للنضير ومثلها ... إن أعقب فتح أو إن الله أعقبا
قال ابن هشام: قال أبو عمرو المدني:
ثم غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد بني النضير بني
المصطلق.وسأذكر حديثهم إن شاء الله في الموضع الذي ذكره ابن إسحاق فيه.
ـــــــ
ينبت بالسراة واليستعور أيضا من أسماء الدواهي، والياء في اليستعور
أصلية فهذا شرح ما أومأ إليه ابن إسحاق من حديث أم عمرو، وإنما هي أم
وهب كما تكرر في شعره.
(6/175)
|