الروض
الأنف ت السلامي
ما قيل من الشعر في أمر الخندق وبني قريظة
شعر ضرار
<459> وقال ضرار بن الخطاب بن مرداس، أخو بني محارب بن فهر، في يوم
الخندق: <460>
ومشفقة تظن بنا الظنونا ... وقد قدنا عرندسة طحونا
كأن زهاءها أحد إذا ما ... بعدت أركانه للناظرينا
ترى الأبدان فيها مسبغات ... على الأبطال واليلب الحصينا
ـــــــ
فصل في أشعار يوم الخندق
شعر ضرار
<459> ذكر فيها شعر ضرار بن الخطاب:
على الأبطال واليلب الحصينا
ليلب الترسة وقيل الدرق وقيل بيضات ودروع كانت تتخذ من جلود الإبل
ويشهد لهذا قول حبيب
هذه الأسنة والماذي قد كثرا ... فلا الصياصي لها قدر ولا اليلب
(6/254)
وجردا كالقداح
مسومات ... نؤم بها الغواة الخاطيينا
كأنهم إذا صالوا وصلنا ... بباب الخندقين مصافحونا
أناس لا نرى فيهم رشيدا ... وقد قالوا ألسنا راشدينا
فأحجرناهم شهرا كريتا ... وكنا فوقهم كالقاهرينا
مزاوحهم وتغدو كل يوم ... عليهم في السلاح مدججينا
بأيدينا صوارم مرهفات ... نقد بها المفارق والشؤونا
كأن وميضهن معريات ... إذ لاحت بأيدي مصلتينا
وميض عقيقة لمعت بليل ... ترى فيها العقائق مستبينا
فلولا خندق كانوا لديه ... لدمرنا عليهم أجمعينا
ولكن حال دونهم وكانوا ... به من خوفنا متعوذينا
فإن نرحل فإنا قد تركنا ... لدى أبياتكم سعدا رهينا
إذا جن الظلام سمعت نوحى ... على سعد يرجعن الحنينا
وسوف نزوركم عما قريب ... كما زرناكم متوازرينا
بجمع من كنانة غير عزل ... كأسد الغاب قد حمت العرينا
شعركعب في الرد على ضرار:
فأجابه كعب بن مالك، أخو بني سلمة، فقال:
ـــــــ<461>
أي لا حاجة بعد وجود الدروع الماذية إلى اليلب وبعد الأسنة إلى
الصياصي، وهي القرون وكانت أسنتهم منها في الجاهلية. قال الشاعر
يهزهز صعدة جرداء فيها ... نقيع السم أو قرن محيق
شعر كعب
<460> وذكر في شعر كعب:
(6/255)
وسائلة تسائل
ما لقينا ... ولو شهدت رأتنا صابرينا
صبرنا لا نرى لله عدلا ... على ما نابنا متوكلينا
وكان لنا النبي وزير صدق ... به نعلو البرية أجمعينا
نقاتل معشرا ظلموا وعقوا ... وكانوا بالعداوة مرصدينا
نعاجلهم إذا نهضوا إلينا ... بضرب يعجل المتسرعينا
ترانا في فضافض سابغات ... كغدران الملا متسربلينا
وفي أيماننا بيض خفاف ... بها نشفي مراح الشاغبينا
بباب الخندقين كأن أسدا ... شوابكهن يحمين العرينا
فوارسنا إذا بكروا وراحوا ... على الأعداء شوسا معلمينا
لننصر أحمدا والله حتى ... نكون عباد صدق مخلصينا
ويعلم أهل مكة حين ساروا ... وأحزاب أتوا متحزبينا
بأن الله ليس له شريك ... وأن الله مولى المؤمنينا
فإما تقتلوا سعدا سفاها ... فإن الله خير القادرينا
سيدخله جنانا طيبات ... تكون مقامة للصالحينا
كما قد ردكم فلا شريدا ... بغيظكم خزايا خائبينا
خزايا لم تنالوا ثم خيرا ... وكدتم أن تكونوا دامرينا
بريح عاصف هبت عليكم ... فكنتم تحتها متكمهينا
شعر ابن الزبعرى:
وقال عبد الله بن الزبعرى السهمي في يوم الخندق:
حي الديار محا معارف رسمها ... طول البلى وتراوح الأحقاب
فكأنما كتب اليهود رسومها ... إلا الكنيف ومعقد الأطناب
ـــــــ
فكنتم تحتها متكمهينا
<461> متفعلين من الكمه وهو العمى، والأظهر في الأكمه أنه الذي يولد
(6/256)
قفرا كأنك لم
تكن تلهو بها ... في نعمة بأوانس أتراب
فاترك تذكر ما مضى من عيشة ... ومحلة خلق المقام يباب
واذكر بلاء معاشر واشكرهم ... ساروا بأجمعهم من الأنصاب
أنصاب مكة عامدين ليثرب ... في ذي غياطل جحفل جبجاب
يدع الخزون مناهجا معلومة ... في كل نشر ظاهر وشعاب
فيها الجياد شوازب مجنوبة ... قب البطون لواحق الأقراب
من كل سلهبة وأجرد سلهب ... كالسيد بادر غفلة الرقاب
جيش عيينة قاصد بلوائه ... فيه وصخر قائد الأحزاب
قرمان كالبدرين أصبح فيهما ... غيث الفقير ومعقل الهراب
حتى إذا وردوا المدينة وارتدوا ... للموت كل مجرب قضاب
شهرا وعشرا قاهرين محمدا ... وصحابه في الحرب خير صحاب
نادوا برحلتهم صبيحة قلتم ... كدنا نكون بها مع الخياب
لولا الخنادق غادروا من جمعهم ... قتلى لطير سغب وذئاب
شعرحسان:
<462> فأجابه حسان بن ثابت الأنصاري فقال
هل رسم دارسة المقام يباب ... متكلم لمحاور بجواب
قفر عفا رهم السحاب رسومه ... وهبوب كل مطلة مرباب
ولقد رأيت بها الحلول يزينهم ... بيض الوجوه ثواقب الأحساب
ـــــــ
أعمى، وقد قيل فيه إنه الذي لا يبصر بالليل شيئا، ذكر هذا القول
البخاري في التفسير
من شعر حسان حول أسماء الله جل وعلا:
<462> وفيه قوله
وجنود ربك سيد الأرباب
(6/257)
فدع الديار
وذكر كل خريدة ... بيضاء آنسة الحديث كعاب
واشك الهموم إلى الإله وما ترى ... من معشر ظلموا الرسول غضاب
ساروا بأجمعهم إليه وألبوا ... أهل القرى وبوادي الأعراب
جيش عيينة وابن حرب فيهم ... متخمطون بحلبة الأحزاب
حتى إذا وردوا المدينة وارتجوا ... قتلى الرسول ومغنم الأسلاب
وغدوا علينا قادرين بأيدهم ... ردوا بغيظهم على الأعقاب
بهبوب معصفة تفرق جمعهم ... وجنود ربك سيد الأرباب
ـــــــ
<463> فيه شاهد لمن زعم أن السيد من أسماء الله وقد كره أكثر العلماء
أن يقول في الدعاء يا سيدي، وأجازه بعضهم واحتج بحديث ليس إسناده
بالقوي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له رجل يا سيد فقال "
السيد الله "
وأما مذهب القاضي في مثل هذا من الأسماء التي يراد بها المدح والتعظيم
فذكر الله به جائز ما لم يرد نهي عنه أو تجمع الأمة على ترك الدعاء به
كما أجمعوا ألا يسمى بفقيه ولا عاقل ولا سخي وإن كان في ذلك مدح.
قال المؤلف والذي أقول في السيد أنه اسم يعتبر بالإضافة لأنه في أصل
الوضع بعض ما أضيف إليه. تقول فلان سيد قيس، إذا كان واحدا منهم ولا
يقال في قيس هو سيد تميم لأنه ليس واحدا منهم فكذلك لا يقال في الله
تعالى: هو سيد الناس ولا سيد الملائكة وإنما يقال ربهم فإذا قلت: سيد
الأرباب وسيد الكرماء جاز لأن معناه أكرم الكرماء وأعظم الأرباب ثم
يشتق له من اسم الرب فيوصف بالربوبية ولا يوصف بالسؤدد لأنه ليس له على
الإطلاق وقد جاء في شعر حسان الذي يرثي به رسول الله صلى الله عليه
وسلم
يا ذا الجلال وذا العلا والسؤدد
يصف الرب ولكن لا تقوم الحجة في إطلاق هذه الأسماء إلا أن يسمعها
الرسول عليه السلام فلا ينكرها، كما سمع شعر كعب فلم ينكره
(6/258)
فكفى الإله
المؤمنين قتالهم ... وأثابهم في الأجر خير ثواب
من بعد ما قنطوا ففرق جمعهم ... تنزيل نصر مليكنا الوهاب
وأقر عين محمد وصحابه ... وأذل كل مكذب مرتاب
عاتي الفؤاد موقع ذي ريبة ... في الكفر ليس بطاهر الأثواب
علق الشقاء بقلبه ففؤاده ... في الكفر آخر هذه الأحقاب
شعر كعب:
وأجابه كعب بن مالك أيضا، فقال:
أبقى لنا حدث الحروب بقية ... من خير نحلة ربنا الوهاب
بيضاء مشرفة الذرى ومعاطنا ... حم الجذوع غزيرة الأحلاب
ـــــــ
وإنما وصف على الوجه الذي قدمناه، وعلى المعنى الذي بيناه
من شعر كعب
<464> وقول كعب
بيضاء مشرفة الذرى ومعاطنا
يعني: الآطام وقوله معاطنا يعني: منابت النخل عند الماء شبهها بمعاطن
الإبل وهي مباركها عند الماء.
وقوله حم الجذوع وصفها بالحمة وهي السواد لأنها تضرب إلى السواد من
الخضرة والنعمة وشبه ما يجتنى منها بالحلب فقال غزيرة الأحلاب.
(6/259)
كاللوب يبذل
جمها وحفيلها ... للجار وابن العم والمنتاب
ونزائعا مثل السراج نمى بها ... علف الشعير وجزة للقضاب
ـــــــ
وقوله كاللوب اللوب جمع لوبة واللاب جمع لابة وهي الحرة، يقال ما بين
لابتيها مثل فلان ولا يقال ذلك في كل بلد فقد قال شبيب بن شبيبة لرجل
نسبه إلى التصحيف في حديث السقط إنه يظل محبنطئا على باب الجنة فقال له
شبيب بالظاء منقوطة فقال الرجل أخطأت، إنما هو بالطاء. قال الراجز
إني إذا استنشدت لا أحبنطي ... ولا أحب كثرة التمطي
<465> فقال له شبيب: أتلحنني وما بين لابتيها أفصح مني، فقال له الرجل
وهذه لحنة أخرى، أو للبصرة لابتان؟ إنما اللابتان للمدينة والكوفة .
وقوله يبذل جمها وحفيلها، أي الكثير منها، والمنتاب الزائر مفتعل من
ناب ينوب إذا ألم
وقوله: ونزائعا مثل السراج يعني: الخيل العربية التي نزعت من الأعداء.
وقوله مثل السراج بالجيم كذا وقع في الأصل أي كل واحد منها كالسراج
ووقع في الحاشية بالحاء وفسره فقال جمع سرحان وهو الذئب وهذا الجمع
إنما جاز على تقدير حذف الزائدتين من الاسم وهي الألف والنون ولو جمعه
على لفظه لقال سراحين.
وقوله وجزة المقضاب المقضاب مزرعة وجزتها ما يجز منها للخيل.
(6/260)
عري الشوى منها
وأردف نحضها ... جرد المتون وسائر الآراب
قودا تراح إلى الصياح إذ غدت ... فعل الضراء تراح للكلاب
وتحوط سائمة الديار وتارة ... تردي العدا وتثوب بالأسلاب
حوش الوحوش مطارة عند الوغى ... عبس اللقاء مبينة الإنجاب
علفت على دعة فصارت بدنا ... دخس البضيع خفيفة الأقصاب
يغدون بالزغف المضاعف شكه ... وبمترصات في الثقاف صياب
وصوارم نزع الصياقل غلبها ... وبكل أروع ماجد الأنساب
ـــــــ
وقوله عري الشوى منها، يعني: القوائم. والنحض اللحم. والآراب المفاصل
واحدهما إرب وفي الحديث أمرت أن أسجد على سبعة آراب.
وقوله قودا، أي طوال الأعناق والضراء الكلاب الضارية وفي الحديث إن
قيسا ضراء الله في الأرض أي أشده الضارية والكلاب جمع كالب وهو صاحب
الكلاب الذي يصيد بها.
وقوله عبس اللقاء جمع عبوس.
<466> وقوله دخس البضيع. البضع اللحم المستطيل والدخيس من اللحم
الكثير.
وقوله خفيفة الأقصاب يعني: جمع قصب وهو المعى ومنه سمي الجزار قصابا،
وقوله يعدون بالزغف أي بالدروع.
وقوله: شكه حلقه ونسجه وقوله
وبمترصات في الثقاف صباب
المترصات المحكمة يعني: الرماح المثقفة.
وقوله نزع الصياقل علبها، أي جسأتها وخشونة درئها، يقال علب
(6/261)
يصل اليمين
بمارن متقارب ... وكلت وقيعته إلى خباب
وأغر أزرق في القناة كأنه ... في طخية الظلماء ضوء شهاب
وكتيبة ينفي القران قتيرها ... وترد حد قواحذ النشاب
جأوى ململمة كأن رماحها ... في كل مجمعة ضريمة غاب
يأوي إلى ظل اللواء كأنه ... في صعدة الخطي فيء عقاب
أعيت أبا كرب وأعيت تبعا ... وأبت بسالتها على الأعراب
ومواعظ من ربنا نهدى بها ... بلسان أزهر طيب الأثواب
عرضت علينا فاشتهينا ذكرها ... من بعدما عرضت على الأحزاب
حكما يراها المجرمون بزعمهم ... حرجا ويفهمها ذوو الألباب
جاءت سخينة كي تغالب ربها ... فليغلبن مغالب الغلاب
ـــــــ
اللحم إذا لم يكن رخصا، ... وعلب النبات إذا جسأ.
وقوله بمارن متقارب. المازن اللين ووقيعته صقله وخباب اسم صيقل.
وقوله وأغر أزرق يعني: الرمح وطخية الظلماء أي شدتها، وطخاء القلب
ظلمته ومنه قوله عليه السلام في السفرجل " إنه يذهب بطخاء القلب" .
<467> وقول كعب:
جاءت سخينة كي تغالب ربها
كان هذا الاسم مما سميت به قريش قديما، ذكروا أن قصيا كان إذا ذبحت
ذبيحة أو نحرت نحيرة بمكة أتى بعجزها، فصنع منه خزيرة وهو لحم يطبخ ببر
فيطعمه الناس فسميت قريش بها سخينة. وقيل إن العرب كانوا إذا
(6/262)
<465> <466>
<467> قال ابن هشام: حدثني من أثق به قال حدثني عبد الملك بن يحيى بن
عباد بن عبد الله بن الزبير، قال:
لما قال كعب بن مالك:
جاءت سخينة كي تغالب ربها ... فليغلبن مغالب الغلاب
قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم " لقد شكرك الله يا كعب على قولك
هذا" .
قال ابن إسحاق <468> وقال كعب بن مالك في يوم الخندق:
من سره ضرب يمعمع بعضه ... بعضا كمعمعة الأباء المحرق
ـــــــ
أسنتوا أكلوا العلهز وهو الوبر والدم وتأكل قريش الخزيرة والفتة فنفست
عليهم ذلك فلقبوهم سخينة ولم تكن قريش تكره هذا اللقب ولو كرهته ما
استجاز كعب أن يذكره ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - منهم ولتركه
أدبا مع النبي عليه السلام إذ كان قرشيا، ولقد استنشد عبد الملك بن
مروان ما قاله الهوازني في قريش:
يا شدة ما شددنا غير كاذبة ... على سخينة لولا الليل والحرم
فقال ما زاد هذا على أن استثنى، ولم يكره سماع التلقيب بسخينة فدل هذا
على أن هذا اللقب لم يكن مكروها عندهم ولا كان فيه تعيير لهم بشيء
يكره.
شعر آخر لكعب:
وفي شعر كعب أيضا:
من سره ضرب يمعمع بعضه
<468> المعمعة صوت
(6/263)
فليأت مأسدة
تسن سيوفها ... بين المذاد وبين جزع الخندق
دربوا بضرب المعلمين وأسلموا ... مهجات أنفسهم لرب المشرق
في عصبة نصر الإله نبيه ... بهم وكان بعبده ذا مرفق
ـــــــ
النار فيما عظم وكثف من الشعراء والقصباء ونحوها، والكلحبة صوتها فيما
دق كالسراج ونحوه والقطمطة صوت الغليان وكذلك الغرغرة والجعجعة صوت
الرحى، والدردبة صوت الطبل.
وقوله: الأباء هو القصب واحدتها أباءة والهمزة الآخرة فيها بدل من ياء
قاله ابن جني، لأنه عنده من الأباية كأن القصب يأبى على من أراده بمضغ
أو نحوه ويشهد لما قاله ابن جني قول الشاعر [بشر بن أبي خازم] :
يراه الناس أخضر من بعيد ... وتمنعه المرارة والإباء
وقوله فليأت مأسدة هي الأرض الكثيرة الأسد وكذلك المسبعة الأرض الكثيرة
السباع ويجوز أن يكون مأسدة جمع أسد كما قالوا: مشيخة ومعلجة حكى
سيبويه مشيخة ومشيوخاء ومعلجة ومعلوجاء وألفيت أيضا في النبات مسلوماء
لجماعة السلم ومشيوحاء للشيح بالحاء المهملة الكثير.
وقوله تسن سيوفها، بنصب الفاء وهو الأصح عند القاضي أبي الوليد ووقع في
الأصل عند أبي بحر تسن سيوفها بالرفع ومعنى الرواية الأولى: تسن أي
تصقل ومعنى الرواية الثانية أي تسن للأبطال ولمن بعدها من الرجال سنة
الجرأة والإقدام.
(6/264)
في كل سابغة
تخط فضولها ... كالنهي هبت ريحه المترقرق
بيضاء محكمة كأن قتيرها ... حدق الجنادب ذات شك موثق
جدلاء يحفزها نجاد مهند ... صافي الحديدة صارم ذي رونق
تلكم مع التقوى تكون لباسنا ... يوم الهياج وكل ساعة مصدق
نصل السيوف إذا قصرن بخطونا ... قدما ونلحقها إذا لم تلحق
ـــــــ
وقوله في وصف الدرع:
جدلاء يحفزها نجاد مهند
جدلاء من الجدل وهو قوة الفتل ومنه الأجدل للصقر وفي هذا البيت دليل
على قوة امتناع الصرف في أجدل وأنه من باب أفعل الذي مؤنثه فعلاء ومن
صرفه شبهه <469> بأرنب وأفكل وهو أضعف الوجهين وإن كانوا قد قالوا في
جمعه أجادل مثل أرانب فقد قالوا أيضا: الأجارع والأباطح في جمع أجرع
وأبطح ولكنهم لا يصرفونهما من حيث قالوا في المؤنث بطحاء وجرعاء وكذلك
القول في أبرق وبرقاء.
وقوله: يحفزها نجاد مهند كقول [أبي قيس] بن الأسلت في وصف الدرع
أحفزها عني بذي رونق ... أبيض مثل الملح قطاع
وذلك أن الدرع إذا طالت فضولها حفزوها، أي شمروها فربطوها بنجاد السيف.
وقوله
تلكم مع التقوى تكون لباسنا
من أجود الكلام وأملح الالتفاتات لأنه قول انتزعه من قول الله تعالى:
{وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ} [ الأعراف 26] . وقال الشاعر
إني كأني أرى من لا وفاء له ... ولا أمانة وسط القوم عريانا
(6/265)
فترى الجماجم
ضاحيا هاماتها ... بله الأكف كأنها لم تخلق
نلقى العدو بفخمة ملمومة ... تنفي الجموع كقصد رأس المشرق
ونعد للأعداء كل مقلص ... ورد ومحجول القوائم أبلق
تردي بفرسان كأن كماتهم ... عند الهياج أسود طل ملثق
ـــــــ
وموضع الإجادة والإحسان من قول كعب أنه جعل لباس الدرع تبعا للباس
التقوى، لأن حرف مع تعطي في الكلام أن ما بعده هو المتبوع وليس بتابع
وقد احتج الصديق على الأنصار يوم السقيفة بأن قال لهم أنتم الذين
آمنوا، ونحن الصادقون وإنما أمركم الله أن تكونوا معنا فقال {يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ
الصَّادِقِينَ} [ التوبة 119] . والصادقون هم المهاجرون.
قال الله تعالى: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ} إلى قوله {أُولَئِكَ
هُمُ الصَّادِقُونَ} [ الحشر 8] .
حكم بله وما بعدها:
وقوله بله الأكف بخفض الأكف هو الوجه وقد روي بالنصب لأنه مفعول أي دع
الأكف فهذا كما تقول رويد زيد ورويد زيد بلا تنوين مع النصب وبله كلمة
بمعنى <470> دع وهي من المصادر المضافة إلى ما بعدها وهي عندي من لفظ
البله والتباله وهو من الغفلة لأن من غفل عن الشيء تركه ولم يسأل عنه
وكذلك قوله بله الأكف أي لا تسأل عن الأكف إذا كانت الجماجم ضاحية
مقطعة وفي الحديث يقول الله تعالى: "أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين
رأت ولا أذن سمعت بله ما أطلعتهم عليه" .
وقوله بفخمة ملمومة أي كتيبة مجموعة. وقوله كفصد رأس المشرق الصحيح فيه
ما رواه ابن هشام عن أبي زيد كرأس قدس المشرق لأن قدس جبل معروف من
ناحية المشرق. وقوله
عند الهياج أسود طل ملثق
(6/266)
صدق يعاطون
الكماة حتوفهم ... تحت العماية بالوشيج المزهق
أمر الإله بربطها لعدوه ... في الحرب إن الله خير موفق
لتكون غيظا وحيطا ... للدار إن دلفت خيول النزق
ويعيننا الله العزيز بقوة ... منه وصدق الصبر ساعة نلتقي
ونطيع أمر نبينا ونجيبه ... وإذا دعا لكريهة لم نسبق
ومتى يناد إلى الشدائد نأتها ... ومتى نر الحومات فيها نعنق
من يتبع قول النبي فإنه ... فينا مطاع الأمر حق مصدق
فبذاك ينصرنا ويظهر عزنا ... ويصيبنا من نيل ذلك بمرفق
إن الذين يكذبون محمدا ... كفروا وضلوا عن سبيل المتقي
<469> <470> <471> قال ابن هشام: أنشدني بيته
تلكم مع التقوى تكون لباسنا
وبيته
من يتبع قول النبي
أبو زيد. وأنشدني:
تنفي الجموع كرأس قدس المشرق.
قال ابن إسحاق: وقال كعب بن مالك في يوم الخندق:
لقد علم الأحزاب حين تألبوا ... علينا وراموا ديننا ما نوادع
ـــــــ
الطل معروف واللثق ما يكون عن الطل من زلق وطين والأسد أجوع ما تكون
وأجرأ في ذلك الحين.
قصيدة كعب العينية
<471> وقوله في العينية:
(6/267)
أضاميم من قيس
بن عيلان أصفقت ... وخندف لم يدروا بما هو واقع
يذودوننا عن ديننا ونذودهم ... عن الكفر والرحمن راء وسامع
إذا غايظونا في مقام أعاننا ... على غيظهم نصر من الله واسع
وذلك حفظ الله فينا وفضله ... علينا ومن لم يحفظ الله ضائع
هدانا لدين الحق واختاره لنا ... ولله فوق الصانعين صنائع
<472> قال ابن هشام: وهذه الأبيات في قصيدة له.
قال ابن إسحاق:
ـــــــ
أضاميم من قيس بن عيلان أصفقت
واحد الأضاميم إضمامة وهو كل شيء مجتمع يقال إضمامة من الناس وإضمامة
من كتب.
قيس عيلان وقيس كبة
وقوله من قيس بن عيلان هو المشهور عند أهل النسب وبعضهم يقول إن قيسا
هو عيلان لا ابنه قال وعرف قيس بن عيلان بفرس كان له يسمى: عيلانا، كما
عرف قيس كبة من بجيلة بفرس اسمه كبة وكان هو وقيس عيلان متجاورين فكان
إذا ذكر أحدهما وقيل أي القيسين هو قيل قيس عيلان أو قيس كبة وقيل إن
عيلان اسم كلب، كان له وقيل عيلان اسم جبل ولد عنده وقيل اسم غلام لمضر
كان حضنه <472> وقيل كان جوادا أتلف ماله فأدركه عيلة فسمي عيلان ومما
يحتج به للقول الآخر قول رؤبة
وقيس عيلان ومن تقيسا
(6/268)
وقال كعب بن
مالك في يوم الخندق:
ألا أبلغ قريشا أن سلعا ... وما بين العريض إلى الصماد
نواضح في الحروب مدربات ... وخوص ثقبت من عهد عاد
رواكد يزخر المرار فيها ... فليست بالجمام ولا الثماد
كأن الغاب والبردي فيها ... أجش إذا تبقع للحصاد
ـــــــ
شعر كعب في الخندق
وقوله في الدالية وما بين العريض إلى الصماد العريض : موضع والصماد:
جمع صمد وهو ما غلظ من الأرض.
وقوله نواضح في الحروب. يعني: حدائق نخل تسقى بالنضح وأراد بالخوص
آبارا، وإنما جعل البئر خوصا لأن العين الخوصاء هي الغائرة وجمعها خوص.
فعيون الماء في الآبار كذلك غائرة.
وأنشد أبو عبيد في وصف الإبل
محبسة بزلا كأن عيونها ... عيون الركايا أنكزتها المواتح
وقوله يزخر المرار فيها. المرار اسم نهر. <473> وقوله
كأن الغاب والبردي فيها ... أجش إذا تبقع للحصاد
يريد صوت حفيف الريح كصوت الأجش وهو الأبح، وقد يوصف النبات أيضا
بالغنة من أجل حفيف الريح فيه فيقال روضة غناء وقد قيل إنما ذلك من أجل
صوت الذباب الذي يكون فيه قاله أبو حنيفة.
وقوله: تبقع للحصاد أي صارت فيه بقع بيض من اليبس يقال للزرع إذا
(6/269)
ولم نجعل
تجارتنا اشتراء الحم ... ير لأرض دوس أو مراد
بلاد لم تثر إلا لكيما ... نجالد إن بشطم للجلاد
أثر سكة الأنباط فيها ... فلم تر مثلها جلهات واد
ـــــــ
صار كذلك ارقاط واسحام واسحار وإذا أخذ السبل الحب قيل ألحم وأسفى من
السفى، وأشع من الشعاع بفتح الشين وكسرها، وهو السفى، ويقال أسبل الزرع
من السبل كما يقال بعير حظل وأحظل المكان من الحنظل وهي لغة أهل
الحجاز، وبنو تميم يقولون سبل وأما همدان فيسمون السنبل سبولا،
والواحدة سبولة فقياس لغتهم أن يقال أسبل وإنما فخرت الأنصار في هذا
الشعر والذي قبله بنخلها وآطامها، إشارة إلى عزها ومنعتها، وأنها لم
تغلب على بلادها على قديم الدهر كما أجليت أكثر الأعاريب عن محالها،
وأزعجها الخوف عن مواطنها، وهذا المعنى أراد حسان في قوله
أولاد جفنة حول قبر أبيهم ... قبر ابن مارية الكريم المفضل
لأن إقامتهم حول قبور آبائهم وأجدادهم دليل على منعتهم وألا مغالب لهم
على ما تخيروه من بقاع الأرض وآثروه عند ارتيادهم. وقوله
أثرنا سكة الأنباط فيها
السكة النخل المصطف، أي حرثناها وغرسناها، كما تفعل الأنباط في أمصارها
لا تخاف عليها كيد كائد وإياها أراد النبي صلى الله عليه وسلم بقوله
خير المال سكة مأبورة .
والسكة أيضا: السنة وهي الحديدة التي يشق بها الفدان
(6/270)
قصرنا كل ذي
حضر وطول ... على الغايات مقتدر جواد
أجيبونا إلى ما نجتديكم ... من القول المبين والسداد
وإلا فاصبروا لجلاد يوم ... لكم منا إلى شطر المداد
نصبحكم بكل أخي حروب ... وكل مطهم سلس القياد
وكل طمرة خفق حشاها ... تدف دفيف صفراء الجراد
ـــــــ
الأرض ويقال لها أيضا: المان وهو تفسير الأصمعي، وفسره أبو عبيد على
المعنى الآخر وأنها النخل ويقال أيضا: أبيثت الأرض في معنى أثيرت قاله
أبو حنيفة ويروى في الحماسة
هلم إليها قد أبيثت زروعها
<474> أي أثيرت وفي الغريب المصنف
وحق بني شغارة أن يقولوا ... لصخر الغي ماذا تستبيث
وغلط أبو عبيد [القاسم بن سلام] فجعل تستبيث من نبيثة البئر وهو
ترابها، ولو كان كذلك لقال تستنبيث بنون قبل الباء.
وقوله جلهات واد.
الجلهات من الوادي ما كشفت عنه السيول الشعراء فأبرزته وهو من الجله
وهو انحسار الشعر عن مقدم الرأس.
وقوله صفراء الجراد وهي الخيفانة منها، وهي التي ألقت سرأها، أي بيضها،
وهي أخف طيرانا، والكتفان من الجراد أكبر من الخيفان وأول أمر
(6/271)
وكل مقلص
الآراب نهد ... تميم الخلق من أخر وهادي
خيول لا تضاع إذا أضيعت ... خيول الناس في السنة الجماد
ينازعن الأعنة مصغيات ... إذا نادى إلى الفزع المنادي
إذا قالت لنا النذر استعدوا ... توكلنا على رب العباد
وقلنا لن يفرج ما لقينا ... سوى ضرب القوانس والجهاد
فلم تر عصبة فيمن لقينا ... من الأقوام من قار وبادي
أشد بسالة منا إذا ما ... أردناه وألين في الوداد
إذا ما نحن أشرجنا عليها ... جياد الجدل في الأرب الشداد
قذفنا في السوابغ كل صقر ... كريم غير معتلث الزناد
شم كأنه أسد عبوس ... غداة بدا ببطن الجزع غادي
يغشى هامة البطل المذكى ... صبي السيف مسترخي النحاد
لنظهر دينك اللهم إنا ... بكفك فاهدنا سبل الرشاد
<473> <474> <475> قال ابن هشام بيته
ـــــــ
الجراد دود ويقال له الغمص يلقيه بحر اليمن، وله علامة قبل خروجه وهو
برق يلمع من ذلك البحر سبع عشرة مرة فيعلمون بخروج الجراد قاله أبو
حنيفة.
وقوله غير معتلث الزناد.
<475> الزناد المعتلث هو الذي لا يدرى من أي عود هو وأصل الاعتلاث
الاختلاط يقال علثت الطعام إذا خلطت حنطة بشعير والعلاثة الزند الذي لا
يوري نارا.
(6/272)
قصرنا كل ذي
حضر وطول
والبيت الذي يتلوه والبيت الثالث منه والبيت الرابع منه وبيته
أشم كأنه أسد عبوس
والبيت الذي يتلوه عن أبي زيد الأنصاري.
شعر مسافع في بكاء عمرو
قال ابن إسحاق:
وقال مسافع بن عبد مناف بن وهب بن حذافة بن جمح يبكي عمرو بن عبد ود،
ويذكر قتل علي بن أبي طالب إياه
عمرو بن عبد كان أول فارس ... جزع المذاد وكان فارس يليل
سمح الخلائق ماجد ذو مرة ... يبغي القتال بشكة لم ينكل
ولقد علمتم حين ولوا عنكم ... أن ابن عبد فيهم لم يعجل
حتى تكنفه الكماة وكلهم ... يبغي مقاتله وليس بمؤتلي
ولقد تكنفت الأسنة فارسا ... بجنوب سلع غير نكس أميل
تسل النزال علي فارس غالب ... بجنوب سلع ليته لم ينزل
فاذهب علي فما ظفرت بمثله ... فخرا ولا لاقيت مثل المعضل
نفسي الفداء لفارس من غالب ... لاقى حمام الموت لم يتحلحل
أعني الذي جزع المداد بمهره ... طلبا لثأر معاشر لم يخذل
شعر مسافع في تأنيب الفرسان الذين كانوا مع عمرو :
وقال مسافع أيضا يؤنب فرسان عمرو الذين كانوا معه فأجلوا عنه وتركوه
عمرو بن عبد والجياد يقودها ... خيل تقاد له وخيل تنعل
أجلت فوارسه وغادر رهطه ... ركنا عظيما كان فيها أول
(6/273)
|