الروض الأنف ت السلامي

غزوة بني قريظة في سنة خمس
أمر الله لرسوله على لسان جبريل بحرب بني قريظة
فلما كانت الظهر أتى جبريل رسول الله صلى الله عليه وسلم كما حدثني الزهري، معتجرا بعمامة من إستبرق على بغلة عليها رحالة عليها قطيفة من ديباج فقال أوقد وضعت السلاح يا رسول الله؟ قال "نعم" فقال جبريل فما وضعت الملائكة السلاح بعد وما رجعت الآن إلا من طلب القوم إن الله عز وجل يأمرك يا محمد بالمسير إلى بني قريظة فإني عامد إليهم فمزلزل بهم

(6/222)


دعوة الرسول المسلمين للقتال:
فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم مؤذنا، فأذن في الناس "من كان سامعا مطيعا، فلا يصلين العصر إلا ببني قريظة" . واستعمل على المدينة ابن أم مكتوم فيما قال ابن هشام.
تقدم علي وتبليغه الرسول ما سمعه من سفهائهم:
قال ابن إسحاق
<437> وقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب برايته إلى بني قريظة وابتدرها الناس. فسار علي بن أبي طالب، حتى إذا دنا من الحصون سمع منها مقالة قبيحة لرسول الله صلى الله عليه وسلم فرجع حتى لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم بالطريق فقال يا رسول الله لا عليك أن لا تدنو من هؤلاء الأخابث قال "لم؟ أظنك سمعت منهم لي أذى" ؟ قال نعم يا رسول الله قال لو رأوني لم يقولوا من ذلك شيئا. فلما دنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من حصونهم. قال "يا إخوان القردة هل أخزاكم الله وأنزل بكم نقمته" ؟ قالوا: يا أبا القاسم ما كنت جهولا
سأل الرسول عمن مر بهم فقيل دحية فعرف أنه جبريل:
ومر رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفر من أصحابه بالصورين قبل أن يصل إلى بني قريظة فقال "هل مر بكم أحد" ؟ قالوا: يا رسول الله قد مر بنا دحية بن خليفة الكلبي، على
ـــــــ
الحديث عن الصورين ودحية
<437> فصل وذكر خروج النبي صلى الله عليه وسلم إلى بني قريظة حين مر بالصورين والصور القطعة من النخل فسألهم فقالوا: مر بنا دحية بن خليفة الكلبي. هو دحية بفتح

(6/223)


بغلة بيضاء عليها رحالة عليها قطيفة ديباج. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ذلك جبريل بعث إلى بني قريظة يزلزل بهم حصونهم ويقذف الرعب في قلوبهم"
ولما أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بني قريظة نزل على بئر من آبارها من ناحية أموالهم يقال لها بئر أنا.
قال ابن هشام: بئر آنى.
تلاحق الناس بالرسول
<438> قال ابن إسحاق:
ـــــــ
الدال ويقال دحية بكسر الدال أيضا، والدحية بلسان اليمن: الرئيس وجمعه دحاء وفي مقطوع الأحاديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رأى البيت المعمور يدخله كل يوم سبعون ألف دحية تحت يد كل دحية سبعون ألف ملك ذكره القتبي، ورواه ابن سنجر في تفسيره مسندا إلى عبد الله بن الهذيل رواه عنه أبو التياح وذكر أن حماد بن سلمة قال لأبي التياح حين حدثه بهذا الحديث ما الدحية؟ قال الرئيس وأما نسب دحية فهو ابن خليفة بن فروة بن فضالة بن زيد بن امرئ القيس بن الخزرج، والخزرج العظيم البطن ابن زيد مناة بن عامر بن بكر بن عامر الأكبر بن عوف بن عذرة بن زيد اللات بن رقيدة بن ثور بن كلب يذكر من جماله أنه كان إذا قدم المدينة لم تبق معصر وهي المراهقة للحيض إلا خرجت تنظر إليه.
فقه لا يصلين أحدكم العصر إلا في بني قريظة
وذكر قوله عليه السلام "لا يصلين أحدكم العصر إلا في بني قريظة" فغربت عليهم الشمس قبلها، فصلوا العصر بها بعد العشاء الآخرة فما عابهم الله بذلك في كتابه <438> ولا عنفهم به رسوله صلى الله عليه وسلم وفي هذا من الفقه أنه لا يعاب على من أخذ بظاهر

(6/224)


وتلاحق به الناس فأتى رجال منهم من بعد العشاء الآخرة ولم يصلوا العصر لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا يصلين أحد العصر إلا ببني قريظة" فشغلهم ما لم يكن من بد في حربهم وأبوا أن يصلوا، لقول رسول الله حتى تأتوا بني قريظة فصلوا العصر بها، بعد العشاء الآخرة فما عابهم الله بذلك في كتابه ولا عنفهم به رسول الله صلى الله عليه وسلم. حدثني بهذا الحديث أبي إسحاق بن يسار، عن معبد بن كعب بن مالك الأنصاري.
حصارهم ومقالة كعب بن أسد لهم:
[قال]:
وحاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسا وعشرين ليلة حتى جهدهم الحصار وقذف الله في قلوبهم الرعب
ـــــــ
حديث أو آية فقد صلت منهم طائفة قبل أن تغرب الشمس وقالوا: لم يرد النبي - صلى الله عليه وسلم - إخراج الصلاة عن وقتها، وإنما أراد الحث والإعجال فما عنف أحد من الفريقين وفي هذا دليل على أن كل مختلفين في الفروع من المجتهدين مصيب وفي حكم داود وسليمان في الحرث أصل لهذا الأصل أيضا، فإنه قال سبحانه {فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلّاً آتَيْنَا حُكْماً وَعِلْماً} [الانبياء:79] ولا يستحيل أن يكون الشيء صوابا في حق إنسان وخطأ في حق غيره فيكون من اجتهد في مسألة فأداه اجتهاده إلى التحليل مصيبا في استحلاله وآخر اجتهد فأداه اجتهاده ونظره إلى تحريمها، مصيبا في تحريمها، وإنما المحال أن يحكم في النازلة بحكمين متضادين في حق شخص واحد وإنما عسر فهم هذا الأصل على طائفتين الظاهرية والمعتزلة، أما الظاهرية فإنهم علقوا الأحكام بالنصوص فاستحال عندهم أن يكون النص يأتي بحظر وإباحة معا إلا على وجه النسخ وأما المعتزلة، فإنهم علقوا الأحكام بتقبيح العقل وتحسينه فصار حسن الفعل عندهم أو قبحه صفة عين فاستحال عندهم أن يتصف فعل بالحسن في حق زيد والقبح في حق عمرو،

(6/225)


وقد كان حيي بن أخطب دخل مع بني قريظة في حصنهم حين رجعت عنهم قريش وغطفان، وفاء لكعب بن أسد بما كان عاهده عليه.
نصيحة كعب بن أسد لقومه
<439> فلما أيقنوا بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم غير منصرف عنهم حتى يناجزهم قال كعب بن أسد لهم يا معشر يهود قد نزل بكم من الأمر ما ترون، وإني عارض عليكم خلالا ثلاثا، فخذوا أيها شئتم قالوا: وما هي؟ قال نتابع هذا الرجل ونصدقه فوالله لقد تبين لكم أنه لنبي مرسل وأنه للذي تجدونه في كتابكم فتأمنون على دمائكم وأموالكم وأبنائكم ونسائكم قالوا: لا نفارق حكم التوراة أبدا، ولا نستبدل به غيره قال فإذا أبيتم علي هذه فهلم فلنقتل أبناءنا ونساءنا، ثم نخرج إلى محمد وأصحابه رجالا مصلتين السيوف لم نترك وراءنا ثقلا، حتى يحكم الله بيننا وبين محمد فإن نهلك نهلك ولم نترك وراءنا فلا نخشى عليه وإن نظهر فلعمري لنجدن النساء والأبناء قالوا: نقتل هؤلاء المساكين فما خير العيش بعدهم؟ قال فإن أبيتم علي هذه فإن الليلة ليلة السبت وإنه عسى أن يكون محمد وأصحابه قد أمنونا فيها، فانزلوا لعلنا
ـــــــ
كما يستحيل ذلك في الألوان والأكوان وغيرهما من الصفات القائمة بالذوات وأما ما عدا هاتين الطائفتين من أرباب الحقائق فليس الحظر والإباحة عندهم بصفات أعيان وإنما هي صفات أحكام والحكم <439> من الله تعالى يحكم بالحظر في النازلة على من أداه واجتهاده إلى الحظر وكذلك الإباحة والندب والإيجاب والكراهة كلها صفات أحكام فكل مجتهد وافق اجتهاده وجها من التأويل وكان عنده من أدوات الاجتهاد ما يترفع به عن حضيض التقليد إلى هضبة النظر فهو مصيب في اجتهاده مصيب للحكم الذي تعبد به وإن تعبد غيره في تلك النازلة بعينها بخلاف ما تعبد هو به فلا يعد في ذلك إلا على من لا يعرف الحقائق أو عدل به الهوى عن أوضح الطرائق.

(6/226)


نصيب من محمد وأصحابه غرة قالوا: نفسد سبتنا علينا، ونحدث فيه ما لم يحدث من كان قبلنا إلا من قد علمت، فأصابه ما لم يخف عليك من المسخ قال ما بات رجل منكم منذ ولدته أمه ليلة واحدة من الدهر حازما
أبو لبابة وتوبته:
[قال]:
<440> ثم إنهم بعثوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ابعث إلينا أبا لبابة بن عبد المنذر أخا بني عمرو بن عوف وكانوا حلفاء الأوس، لنستشيره في أمرنا، فأرسله رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم فلما رأوه قام إليه الرجال وجهش إليه النساء والصبيان يبكون في وجهه فرق لهم وقالوا له يا أبا لبابة أترى أن ننزل على حكم محمد؟ قال نعم وأشار بيده إلى حلقه إنه الذبح. قال أبو لبابة فوالله ما زالت قدماي من مكانهما حتى عرفت أني قد خنت الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ثم انطلق أبو لبابة على وجهه ولم يأت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ارتبط في المسجد إلى عمود من عمده وقال لا أبرح من عمده وقال لا أبرح مكاني هذا حتى يتوب الله علي مما صنعت، وعاهد الله أن لا أطأ بني قريظة أبدا، ولا أرى في بلد خنت الله ورسوله فيه أبدا
ما نزل في خيانة أبي لبابة:
قال ابن هشام:
ـــــــ
حول قصة أبي لبابة
فصل وذكر أبا لبابة واسمه رفاعة بن عبد المنذر بن زنبر وقيل اسمه مبشر وتوبته <440> وربطه نفسه حتى تاب الله عليه وذكر فيه أنه أقسم ألا يحله إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم وروى حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن علي بن الحسين أن

(6/227)


وأنزل الله تعالى في أبي لبابة فيما قال سفيان بن عيينة، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن عبد الله بن أبي قتادة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [ الأنفال 27] .
قال ابن إسحاق: فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم خبره وكان قد استبطأه قال "أما إنه لو جاءني لاستغفرت له فأما إذ قد فعل ما فعل فما أنا بالذي أطلقه من مكانه حتى يتوب الله عليه"
قال ابن إسحاق: <441> فحدثني يزيد بن عبد الله بن قسيط إن توبة أبي لبابة نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم من السحر وهو في بيت أم سلمة. "فقالت أم سلمة : فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم من السحر وهو يضحك. قالت فقلت: مم تضحك يا رسول الله؟ أضحك الله سنك؟ "قال تيب على أبي لبابة"، قالت قلت: أفلا أبشره يا رسول الله؟ قال "بلى"، إن شئت. قال فقامت على باب حجرتها، وذلك قبل أن يضرب عليهن الحجاب فقالت يا أبا لبابة أبشر فقد تاب الله عليك. قالت فثار الناس إليه ليطلقوه فقال لا والله حتى يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي
ـــــــ
فاطمة أرادت حله حين نزلت توبته فقال قد أقسمت ألا يحلني إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن فاطمة مضغة مني" فصلى الله عليه وعلى فاطمة فهذا حديث يدل على أن من سبها فقد كفر وأن من صلى عليها، فقد صلى على أبيها - صلى الله عليه وسلم - وفيه أنزل الله تعالى: {وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلاً صَالِحاً} [التوبة:102] الآية غير أن المفسرين اختلفوا في ذنبه ما كان فقال ابن إسحاق ما ذكره في السيرة من إشارته على بني قريظة وقال آخرون كان من المخلفين الذين تخلفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك، فنزلت توبة الله عليه في هذه الآية.

(6/228)


يطلقني بيده فلما مر رسول الله صلى الله عليه وسلم خارجا إلى صلاة الصبح أطلقه.
ما نزل في التوبة على أبي لبابة:
قال ابن هشام:
أقام أبو لبابة مرتبطا بالجذع ست ليال تأتيه امرأته في كل وقت صلاة فتحله للصلاة ثم يعود فيرتبط بالجذع فيما حدثني بعض أهل العلم
والآية التي نزلت في توبته قول الله عز وجل: {وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ
ـــــــ
لعل وعسى وليت
<441> فإن قيل ليس في الآية نص على توبته وتوبة الله عليه أكثر من قوله تعالى: {عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ} [التوبة:102]
فالجواب أن عسى من الله واجبة وخبر صدق. فإن قيل وهو سؤال يجب الاعتناء به إن القرآن نزل بلسان العرب، وليست عسى في كلام العرب بخبر ولا تقتضي وجوبا، فكيف تكون عسى واجبة في القرآن وليس بخارج عن كلام العرب؟
وأيضا: فإن لعل تعطي معنى الترجي، وليست من الله واجبة فقد قال {لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ} [ابراهيم:37] فلم يشكروا، وقال {لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} [طه:44] فلم يتذكر ولم يخش فما الفرق بين لعل وعسى حتى صارت عسى واجبة ؟.
قلنا: لعل تعطي الترجي وذلك الترجي مصروف إلى الخلق وعسى مثلها في الترجي، وتزيد عليها بالمقاربة ولذلك قال {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحْمُوداً} [الاسراء:79] ومعناه الترجي مع الخبر بالقرب كأنه قال قرب أن يبعثك، فالترجي مصروف إلى العبد كما في لعل والخبر عن القرب والمقاربة مصروف إلى الله تعالى، وخبره حق ووعده حتم فما تضمنته من الخبر فهو

(6/229)


خَلَطُوا عَمَلاً صَالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [التوبة:102]
إسلام بعض بني هدل:
قال ابن إسحاق:
ثم إن ثعلبة بن سعية، وأسيد بن سعية، وأسد بن عبيد، وهم نفر من بني هدل ليسوا من بني قريظة ولا النضير نسبهم فوق ذلك هم بنو عم القوم أسلموا تلك الليلة التي نزلت فيها بنو قريظة على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم.
عمرو بن سعدى
وخرج في تلك الليلة عمرو بن سعدى القرظي، فمر بحرس رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه محمد بن مسلمة تلك الليلة فلما رآه قال من هذا؟ قال أنا عمرو بن سعدى - وكان عمرو قد أبى أن يدخل مع بني قريظة في غدرهم برسول الله صلى الله عليه وسلم وقال لا أغدر بمحمد أبدا - فقال محمد بن مسلمة حين عرفه اللهم لا تحرمني
ـــــــ
الواجب دون الترجي الذي هو محال على الله تعالى ومصروف إلى العبد وليس في لعل من تضمن الخبر مثل ما في عسى، فمن ثم كانت عسى واجبة إذا تكلم الله بها، ولم تكن كذلك لعل.
<442> فإن قيل فهل يجوز في ليت ما كان في لعل من ورودها في كلام الباري سبحانه على أن يكون التمني مصروفا إلى العبد كما كان الترجي في لعل كذلك؟
قلنا: هذا غير جائز وإنما جاز ذلك في لعل على شرط وصورة نحو أن يكون قبلها فعل وبعدها فعل والأول سبب للثاني نحو قوله {يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [النحل: من الآية90] فقال بعض الناس لعل هاهنا بمعنى كي أي كي تذكروه وأنا أقول لم يذهب منها معنى الترجي، لأن الموعظة مما يرجى أن تكون سببا للتذكر فعلى هذه الصورة وردت في القرآن ونحو قوله أيضا :{فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ} [هود:12] هي هاهنا توقع

(6/230)


إقالة عثرات الكرام ثم خلى سبيله. فخرج على وجهه حتى أتى باب مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة تلك الليلة ثم ذهب فلم يدر أين توجه من الأرض إلى يومه هذا، فذكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم شأنه فقال ذاك رجل نجاه الله بوفائه وبعض الناس يزعم أنه كان أوثق برمة فيمن أوثق من بني قريظة حين نزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأصبحت رمته ملقاة ولا يدرى أين ذهب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه تلك المقالة والله أعلم أي ذلك كان.
نزول بني قريظة على حكم الرسول وتحكيم سعد:
[قال] <443>
Fفلما أصبحوا نزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم فتواثبت الأوس، فقالوا: يا رسول الله إنهم موالينا دون الخزرج، وقد فعلت في موالي إخواننا بالأمس ما قد علمت - وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل بني قريظة قد حاصر بني قينقاع وكانوا حلفاء الخزرج، فنزلوا على حكمه فسأله إياهم عبد الله بن أبي ابن سلول فوهبهم له. فلما كلمته الأوس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ألا ترضون يا معشر الأوس أن يحكم فيهم رجل منكم" ؟ قالوا: بلى، قال رسول الله فذاك إلى سعد بن معاذ وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم
ـــــــ
وتخوف أي ما أصابك من التكذيب مما يتخوف ويتوقع منه ضيق الصدر فهذا هو الجائز في لعل وأما أن ترد في القرآن داخلة على الابتداء والخبر مثل أن تقول مبتدئا: لعل زيدا يؤمن فهذا غير جائز لأن الرب سبحانه لا يترجى، وإن صرف الترجي إلى حق المخلوق وموضوعها في كلام العرب أن يكون المتكلم بها لا يستقيم أيضا إلا على الصورة التي قدمنا من كونها بمعنى: كي ووقوعها بين السبب والمسبب وإذا ثبت هذا فلا إشكال في ليت أنها لا تكون في كلام الباري سبحانه لأن التمني محال عليه والترجي والتوقع والتخوف كذلك حتى تزيلها عن الموضع الذي يكون معناها فيه للمتكلم بها.
من أسماء السماء
فصل <443> وذكر حكم سعد في بني قريظة وقول النبي عليه السلام له " لقد

(6/231)


قد جعل سعد بن معاذ في خيمة لامرأة من أسلم، يقال لها: رفيدة في مسجده كانت تداوي الجرحى، وتحتسب بنفسها على خدمة من كانت به ضيعة من المسلمين وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قال لقومه حين أصابه السهم بالخندق "اجعلوه في خيمة رفيدة حتى أعوده من قريب" . فلما حكمه رسول الله صلى الله عليه وسلم في بني قريظة أتاه قومه فحملوه على حمار قد وطئوا له بوسادة من أدم وكان رجلا جسيما جميلا، ثم أقبلوا معه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم يقولون يا أبا عمرو، أحسن في مواليك، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم - إنما ولاك ذلك لتحسن فيهم فلما أكثروا عليه قال لقد آن لسعد أن لا تأخذه في الله لومة لائم. فرجع بعض من كان معه من قومه إلى دار بني عبد الأشهل، فنعى لهم رجال بني قريظة قبل أن يصل إليهم سعد عن كلمته التي سمع منه. فلما انتهى سعد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "قوموا إلى سيدكم" - فأما المهاجرون من قريش، فيقولون إنما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم الأنصار، وأما الأنصار، فيقولون قد عم بها رسول الله صلى الله عليه وسلم - فقاموا إليه فقالوا: يا أبا عمرو، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ولاك أمر مواليك لتحكم فيهم فقال سعد بن معاذ: عليكم بذلك عهد الله وميثاقه، أن الحكم فيهم لما حكمت؟ قالوا: نعم وعلى من هاهنا، في الناحية التي فيها رسول الله وهو معرض عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إجلالا له فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم قال سعد فإني أحكم فيهم أن تقتل الرجال وتقسم الأموال وتسبى الذراري والنساء .
رضاء الرسول بحكم سعد:
قال ابن إسحاق:
فحدثني عاصم بن عمر بن قتادة، عن عبد الرحمن بن عمرو بن سعد بن معاذ، عن علقمة بن وقاص الليثي، قال
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لسعد "لقد حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبعة أرقعة.
ـــــــ
حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبعة أرقعة " هكذا في السيرة أرقعة وفي

(6/232)


سبب نزول بني قريضة على حكم سعد في رأي ابن هشام
<444> قال ابن هشام:
حدثني بعض من أثق به من أهل العلم:
أن علي بن أبي طالب صاح وهم محاصرو بني قريظة يا كتيبة الإيمان، وتقدم هو والزبير بن العوام، وقال والله لأذوقن ما ذاق حمزة أو لأفتحن حصنهم فقالوا: يا محمد ننزل على حكم سعد بن معاذ
مقتل بني قريظة
قال ابن إسحاق:
<445> ثم استنزلوا، فحبسهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة في دار بنت الحارث امرأة من
ـــــــ
الصحيح من فوق سبع سموات والمعنى واحد لأن الرقيع من أسماء السماء لأنها رقعت بالنجوم ومن أسمائها: الجرباء وبرقع وفي غير رواية البكائي أنه عليه السلام قال في حكم سعد "بذلك طرقني الملك سحرا" .
فوقية الله سبحانه
وفيه من الفقه تعليم حسن اللفظ إذا تكلمت بالفوق مخبرا عن الله سبحانه ألا تراه كيف قال بحكم الله من فوق سبع سموات ولم يقل فوق على الظرف فدل على أن الحكم نازل من فوق وهو حكم الله تعالى، وهذا نحو من قوله تعالى: {يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ} [النحل:50] ، أي يخافون عقابا ينزل من فوقهم وهو عقاب ربهم.

(6/233)


بني النجار ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى سوق المدينة، التي هي سوقها اليوم فخندق بها خنادق ثم بعث إليهم فضرب أعناقهم في تلك الخنادق يخرج بهم إليه أرسالا، وفيهم عدو الله حيي بن أخطب، وكعب بن أسد، رأس القوم وهم ست مائة أو سبع مائة والمكثر لهم يقول كانوا بين الثمان مائة والتسع مائة. وقد قالوا لكعب بن أسد، وهم يذهب بهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسالا: يا كعب ما تراه يصنع بنا؟ قال أفي كل موطن لا تعقلون؟ ألا ترون الداعي لا ينزع وأنه من ذهب به منكم لا يرجع؟ هو والله القتل فلم يزل ذلك الدأب حتى فرغ منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم
ـــــــ
فإن قيل أوليس بجائز أن يخبر عنه سبحانه أنه فوق سبع سموات؟ قلنا: ليس في هذه الآية ولا في هذا الحديث دليل على إطلاق ذلك فإن جاز فبدليل آخر وكذلك قول زينب زوجني الله من نبيه من فوق سبع سموات وإنما معناه أن تزويجه إياها نزل من فوق سبع سموات ولا يبعد في الشرع وصفه سبحانه بالفوق على المعنى الذي يليق بجلاله لا على المعنى الذي يسبق للوهم من التحديد ولكن لا يتلقى إطلاق ذلك الوصف مما تقدم من الآية والحديثين لارتباط حرف الجر بالفعل حتى صار وصفا له لا وصفا للباري سبحانه وقد أملينا في حديث الأمة التي قال لها: أين الله؟ قالت في السماء مسألة بديعة شافية رافعة لكل لبس والحمد لله.
كيسة:
فصل: وذكر حبس بني قريظة في دار بنت الحدث كذا وقع في هذا الكتاب <445> والصحيح عندهم بنت الحارث واسمها: كيسة بنت الحارث بن كريز بن

(6/234)


مقتل ابن أخطب و شعر ابن جوال فيه:
<446> وأتي بحيي بن أخطب عدو الله وعليه حلة له فقاحية - قال ابن هشام: فقاحية ضرب من الوشي - قد شقها عليه من كل ناحية قدر أنملة لئلا يسلبها، مجموعة يداه إلى عنقه بحبل. فلما نظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أما والله ما لمت نفسي في عداوتك، ولكنه من يخذل الله يخذل لما أقبل على الناس فقال أيها الناس إنه لا بأس بأمر الله كتاب وقدر وملحمة كتبها الله على بني إسرائيل ثم جلس فضربت عنقه
فقال جبل بن جوال الثعلبي:
ـــــــ
حبيب بن عبد شمس، وكانت تحت مسيلمة الكذاب، ثم خلف عليها عبد الله بن عامر بن كريز، وكيسة أخرى مذكورة في النساء وهي بنت عبد الحميد بن عامر بن كريز وكيسة بنت أبي بكرة، روت عن أبيها عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان ينهى عن الحجامة يوم الثلاثاء أشد النهي ويقول فيه ساعة لا يرقأ فيها الدم وأما كيسة بسكون الياء فهي بنت أبي كثير تروي عن أمها عن عائشة في الخمر لا طيب الله من تطيب بها، ولا شفى من استشفى بها ذكره البخاري في الأشربة في بعض روايات الكتاب ووقع اسمها في السيرة من غير رواية ابن هشام: زينب بنت الحارث النجارية فالله أعلم. وأما كيسة بنت الحارث فهي التي أنزل في دارها وفد بني حنيفة وسيأتي ذكرها.
رفيدة
وذكر رفيدة وهي امرأة من أسلم الذي كان سعد يمرض في خيمتها لم يذكرها أبو عمر وزادها أبو علي الغساني في كتاب أبي عمر حدثني بتلك الزوائد

(6/235)


لعمرك ما لام ابن أخطب نفسه ... ولكنه من يخذل الله يخذل
لجاهد حتى أبلغ النفس عذرها ... وقلقل يبغي العز كل مقلقل
المرأة القتيل من بني قريظة
قال ابن إسحاق: وقد حدثني محمد بن جعفر بن الزبير، عن عروة بن الزبير، عن عائشة أم المؤمنين أنها قالت لم يقتل من نسائهم إلا امرأة واحدة. قالت والله إنها لعندي تحدث معي،
ـــــــ
أبو بكر بن طاهر عنه وحدثني عنه أيضا عن أبي عمر أنه قال لأبي علي أمانة الله في عنقك، متى عثرت على اسم من أسماء الصحابة لم أذكره إلا ألحقته في كتابي الذي في الصحابة.
غزوة الخندق:
فصل: <446> وذكر في غزوة الخندق ثعلبة بن سعية، وأسد بن سعية، وأسيد بن سعية وهم من بني هدل وقد تكلمنا في الجزء الثاني من هذا الكتاب على سعية وسعنة بالنون وذكرنا الاختلاف في أسيد وأسيد وذكرنا خبرا عجيبا لزيد بن سعية بالياء ومن قال من النسابين هدل بسكون الدال في بني هدل فأغنى ذلك عن إعادته.
قتل المرتدة
وأما حديث المرأة المقتولة من بني قريظة ففيها دليل لمن قال بقتل المرتدة

(6/236)


وتضحك ظهرا وبطنا، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقتل رجالها في السوق إذ هتف هاتف باسمها: أين فلانة؟ قالت أنا والله قالت قلت لها: ويلك، ما لك؟ قالت أقتل قلت: ولم؟ قالت لحدث أحدثته، قالت فانطلق بها، فضربت عنقها، فكانت عائشة تقول فوالله ما أنسى عجبا منها، طيب نفسها، وكثرة ضحكها، وقد عرفت أنها تقتل
<447> قال ابن هشام:
وهي التي طرحت الرحا على خلاد بن سويد، فقتلته.
شأن الزبير بن باطا
قال ابن إسحاق:
وقد كان ثابت بن قيس بن الشماس كما ذكر لي ابن شهاب الزهري، أتى الزبير بن باطا القرظي وكان يكنى أبا عبد الرحمن وكان الزبير قد من على
ـــــــ
من النساء أخذا بعموم قوله عليه السلام "من بدل دينه فاضربوا عنقه" وفي هذا الحديث مع العموم قوة أخرى، وهو تعليق الحكم بالعلة وهو التبديل والردة ولا حجة مع هذا لمن زعم من أهل العراق بأن لا تقتل المرأة لنهيه عليه السلام عن قتل النساء والولدان وللاحتجاج للفريقين وما نزل به كل واحد منهم موطن غير هذا.
الزبير بن باطا
فصل
<447> وذكر حديث ثابت بن قيس مع الزبير بن باطا، وهو الزبير بفتح الزاي وكسر الباء جد الزبير بن عبد الرحمن المذكور في الموطأ في كتاب النكاح

(6/237)


ثابت بن قيس بن شماس في الجاهلية. ذكر لي بعض ولد الزبير أنه كان من عليه يوم بعاث أخذه فجز ناصيته ثم خلى سبيله - فجاءه ثابت وهو شيخ كبير فقال يا أبا عبد الرحمن هل تعرفني؟ قال وهل يجهل مثلي مثلك، قال إني قد أردت أن أجزيك بيدك عندي، قال إن الكريم يجزي الكريم ثم أتى ثابت بن قيس رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إنه قد كانت للزبير علي منة وقد أحببت أن أجزيه بها، فهب لي دمه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "هو لك" ، فأتاه فقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد وهب لي دمك، فهو لك، قال شيخ كبير لا أهل له ولا ولد فما يصنع بالحياة؟ قال فأتى ثابت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال بأبي أنت وأمي يا رسول الله هب لي امرأته وولده قال "هم لك" . قال فأتاه فقال قد وهب لي رسول الله صلى الله عليه وسلم أهلك وولدك، فهم لك، قال أهل بيت بالحجاز لا مال لهم فما بقاؤهم على ذلك؟ فأتى ثابت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله ماله قال "هو لك" . فأتاه ثابت فقال قد أعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم مالك، فهو لك، قال أي ثابت ما فعل الذي كأن وجهه مرآة صينية يتراءى فيها عذارى الحي كعب بن أسد؟ قال قتل قال فما فعل سيد الحاضر والبادي حيي بن أخطب؟ قال قتل قال فما فعل مقدمتنا إذا شددنا، وحاميتنا إذا فررنا، عزال بن سموأل؟ قال قتل قال فما فعل المجلسان؟ يعني بني كعب بن قريظة وبني عمرو بن قريظة؟ قال ذهبوا قتلوا. قال فإني أسألك يا ثابت بيدي عندك إلا ألحقتني بالقوم فوالله ما في العيش بعد هؤلاء من خير فما أنا بصابر لله قتلة دلو ناضح حتى ألقى الأحبة. فقدمه ثابت فضرب عنقه.
فلما بلغ أبا بكر الصديق قوله ألقى الأحبة. قال يلقاهم والله في نار جهنم خالدا فيها مخلد.
ـــــــ
واختلف في الزبير بن عبد الرحمن فقيل الزبير بفتح الزاي وكسر الباء كاسم جده وقيل الزبير وهو قول البخاري في التاريخ.
<448> وذكر فيه قول الزبير
فما أنا بصابر لله فتلة دلو ناضح

(6/238)


<448> قال ابن هشام: قبلة دلو ناضح. وقال زهير بن أبي سلمى في " قبلة":
وقابل يتغنى كلما قدرت ... على العراقي يداه قائما دفقا
وهذا البيت في قصيدة له.
قال ابن هشام: ويروى: وقابل يتلقى، يعني قابل الدلو يتناول.
أمر عطية ورفاعة
قال ابن إسحاق:
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمر بقتل كل من أنبت منهم.
قال ابن إسحاق: وحدثني شعبة بن الحجاج عن عبد الملك بن عمير، عن عطية القرظي، قال
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمر أن يقتل من بني قريظة كل من أنبت منهم وكنت
ـــــــ
وقال ابن هشام: إنما هو قبلة دلو بالقاف والباء وقابل الدلو هو الذي يأخذها من المستقى.
وذكر أبو عبيد الحديث في الأقوال على غير ما قالاه جميعا، فقال قال الزبير يا ثابت ألحقني بهم فلست صابرا عنهم إفراغة دلو.
الإنبات أصل في معرفة البلوغ
وذكر حديث عطية القرظي، وهو جد محمد بن كعب القرظي، وذكر أنه لم يكن أنبت فترك ففي هذا أن الإنبات أصل في معرفة البلوغ إذا جهل الاحتلام ولم تعرف سنوه.

(6/239)


غلاما، فوجدني لم أنبت فخلوا سبيلي.
<449> قال [ابن إسحاق] وحدثني أيوب بن عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي صعصعة أخو بني عدي بن النجار
أن سلمى بنت قيس، أم المنذر أخت سليط ابن أخت سليط بن قيس - وكانت إحدى خالات رسول الله صلى الله عليه وسلم قد صلت معه القبلتين وبايعته بيعة النساء - سألته رفاعة بن سموأل القرظي، وكان رجلا قد بلغ فلاذ بها، وكان يعرفهم قبل ذلك فقالت
ـــــــ
حلة حيي
وذكر حيي بن أخطب حين قدم إلى القتل وعليه حلة فقاحية. الحلة: إزار ورداء وأصل تسميتها بهذا إذا كان الثوبان جديدين كما حل طيهما، فقيل له حلة لهذا، ثم استمر عليه الاسم قاله الخطابي.
وقوله فقاحية نسبت إلى الفقاح وهو الزهر إذا انشقت أكمته وانضرجت براعيمه وتفتقت أخفيته فيقال له حينئذ فقح وهو فقاح. والقنابع أيضا في معنى البراعيم واحدها: قنبعة وأما الفقاع بالعين فهو الفطر ويقال له أيضا: آذان الكمأة من كتاب النبات.
<449> ويروى أيضا: حلة شقحية وهو سنح البسر إذا تلون. قاله الخطابي.
ولكنه من يخذل الله يخذل
بنصب الهاء من اسم الله ويصحح هذه الرواية أن في الخبر قول النبي صلى الله عليه وسلم "ألم يمكن الله منك؟ فقال بلى، ولقد قلقلت كل مقلقل ولكن من يخذلك يخذل" فقوله يخذلك كقول الآخر في البيت

(6/240)


يا نبي الله بأبي أنت وأمي، هب لي رفاعة، فإنه قد زعم أنه سيصلي ويأكل لحم الجمل قال فوهبه لها فاستحيته
قسم فيء بني قريظة
قال ابن إسحاق:
ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قسم أموال بني قريظة ونساءهم وأبناءهم على المسلمين وأعلم في ذلك اليوم سهمان الخيل وسهمان الرجال وأخرج منها الخمس فكان للفارس ثلاثة أسهم الفرس سهمان ولفارسه سهم وللراجل من ليس له فرس سهم. وكانت الخيل يوم بني قريظة ستة وثلاثين فرسا، وكان أول فيء وقعت فيه السهمان وأخرج منها الخمس فعلى سنتها وما مضى من رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها وقعت المقاسم ومضت السنة في المغازي.
<450> ثم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سعد بن زيد الأنصاري أخا بني عبد الأشهل بسبايا من
ـــــــ
ولكنه من يخذل الله يخذل
لأنه إنما نظم في البيت كلام حيي.
سلمى بنت أيوب
وذكر حديثه عن أيوب بن عبد الرحمن عن عبد الله بن أبي صعصعة وألفيت في حاشية الشيخ قال وقع في تاريخ البخاري أن أيوب نفسه هو المخبر أن سلمى بنت قيس هي سلمى بنت أيوب بن عبد الرحمن بن عبد الله وهو الصحيح والله أعلم.
سلمى بنت قيس
وقوله عن سلمى بنت قيس، هي سلمى بنت قيس بن عمرو بن عبيد بن مالك بن عمرو بن عدي بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار.

(6/241)


سبايا بني قريظة إلى نجد ، فابتاع لهم بها خيلا وسلاحا.
شأن ريحانة
[قال] :
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد اصطفى لنفسه من نسائهم ريحانة بنت عمرو بن خنافة إحدى نساء بني عمرو بن قريظة فكانت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى توفي عنها وهي في ملكه وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عرض عليها أن يتزوجها، ويضرب عليها الحجاب فقالت يا رسول الله بل تتركني في ملكك، فهو أخف علي وعليك، فتركها. وقد كانت حين سباها قد تعصت بالإسلام وأبت إلا اليهودية فعزلها رسول الله صلى الله عليه وسلم ووجد في نفسه لذلك من أمرها. فبينا هو مع أصحابه إذ سمع وقع نعلين خلفه فقال إن هذا لثعلبة بن سعية يبشرني بإسلام ريحانة فجاءه فقال يا رسول الله قد أسلمت ريحانة فسره ذلك من أمرها
ما نزل في الخندق وبني قريظة
قال ابن إسحاق:
وأنزل الله تعالى في أمر الخندق ، وأمر بني قريظة من القرآن القصة في سورة الأحزاب، يذكر فيها ما نزل من البلاء ونعمته عليهم وكفايته إياهم فرج ذلك عنهم بعد مقالة من قال من أهل النفاق{<451> {ريَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ
ـــــــ
تفسير آيات قرآنية
<450> وقوله تعالى: {وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ} [الأحزاب:10] والقلب لا ينتقل من موضعه ولو انتقل إلى الحنجرة لمات صاحبه والله سبحانه لا يقول إلا الحق ففي هذا دليل على أن التكلم بالمجاز على جهة المبالغة فهو حق إذا فهم المخاطب عنك، وهذا كقوله تعالى: {يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ} [الكهف:77] [ الكهف: 77] ، أي مثله كمثل من يريد أن يفعل الفعل وبهم به فهو من مجاز التشبيه وكذلك هؤلاء مثلهم فيما بلغهم من الخوف والوهل وضيق

(6/242)


إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيراً} [الأحزاب:9] والجنود قريش وغطفان وبنو قريظة، وكانت الجنود التي أرسل الله عليهم مع الريح الملائكة. يقول الله تعالى: {إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا} [الأحزاب:10] فالذين جاءوهم من فوقهم بنو قريظة، والذين جاءوهم من أسفل منهم قريش وغطفان. يقول الله "تبارك و" تعالى: {هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيداً وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً} [الأحزاب:12] لقول معتب بن قشير إذ يقول ما قال {وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَاراً} [الأحزاب:13} لقول أوس بن قيظي ومن كان على رأيه من قومه {وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطَارِهَا} [الأحزاب:14] أي المدينة .
تفسير ابن هشام لبعض الغريب
قال ابن هشام:
ـــــــ
الصدر كمثل المنخلع قلبه من موضعه وقيل هو على حذف المضاف. تقديره بلغ وجيف القلوب الحناجر وأما قوله {إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ} [غافر:18] فلا معنى لحمله على <451> المجاز لأنه في صفة هول القيامة والأمر فيه أشد مما تقدم لا سيما وقد قال في أخرى: {لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاء ٌ} [ إبراهيم 43] ، أي قد فارق القلب الفؤاد وبقي فارغا هواء وفي هذا دليل على أن القلب غير الفؤاد كأن الفؤاد هو غلاف القلب ويؤيده قول النبي صلى الله عليه وسلم في أهل اليمن: "ألين قلوبا وأرق أفئدة" مع قوله تعالى: {فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ} [ الزمر 22] . ولم يقل القاسية أفئدتهم، والقسوة ضد اللين، فتأمله.

(6/243)


الأقطار الجوانب وواحدها: قطر، وهي الأقتار وواحدها: قتر. قال الفرزدق:
كم من غنى فتح الإله لهم به ... والخيل مقعية على الأقطار
ويروى: " على الأقتار ". وهذا البيت في قصيدة له.
<452> {ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ} أي الرجوع إلى الشرك {لَآتَوْهَا وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إِلَّا يَسِيراً وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ لا يُوَلُّونَ الْأَدْبَارَ وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْؤُولاً} [الأحزاب:15] فهم بنو حارثة، وهم الذين هموا أن يفشلوا يوم أحد مع بني سلمة حين همتا بالفشل يوم أحد، ثم عاهدوا الله أن لا يعودوا لمثلها أبدا، فذكر لهم الذين أعطوا من أنفسهم ثم قال تعالى: {قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذاً لا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلا ً , قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللَّهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءاً أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيّاً وَلا نَصِيراً قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ} أي أهل النفاق {وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلاً} [الأحزاب:18] لا أي إلا دفعا وتعذيرا {أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ} أي للضغن الذي في أنفسهم {فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ} أي إعظاما له وفرقا منه {فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ} أي في القول بما لا تحبون لأنهم لا يرجون آخرة ولا تحملهم حسبة فهم يهابون الموت هيبة من لا يرجون ما بعده.
ـــــــ
<452> وقوله تعالى: {قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ } [الأحزاب:18] أي المخذلين لإخوانهم فيعوقونهم بالتخذيل عن الطاعة لقولهم هلم إلينا. تقول عاقني الأمر عن كذا، وعوقني فلان عن كذا، أي صرفني عنه.

(6/244)


تفسير ابن هشام لبعض الغريب
قال ابن هشام:
سلقوكم بالغوا فيكم بالكلام فأحرقوكم وآذوكم. تقول العرب: خطيب سلاق وخطيب مسلق ومسلاق. قال أعشى بني قيس بن ثعلبة
فيهم المجد والسماحة والن ... جدة فيهم والخاطب السلاق
وهذا البيت في قصيدة له.
{يَحْسَبُونَ الْأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُوا} قريش وغطفان {وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزَابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ فِي الْأَعْرَابِ يَسْأَلونَ عَنْ أَنْبَائِكُمْ وَلَوْ كَانُوا فِيكُمْ مَا قَاتَلُوا إِلَّا قَلِيلا} [الأحزاب:20]
ثم أقبل على المؤمنين فقال {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ} [الأحزاب:21] أي لئلا يرغبوا بأنفسهم عن نفسه ولا عن مكان هو به.
ثم ذكر المؤمنين وصدقهم وتصديقهم بما وعدهم الله من البلاء يختبرهم به فقال {وَلَمَّا رَأى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَاناً وَتَسْلِيماً} [الأحزاب:22] أي صبرا على البلاء وتسليما للقضاء وتصديقا للحق لما <453> كان الله تعالى وعدهم ورسوله صلى الله عليه وسلم ثم قال {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَه} [الأحزاب:23] أي فرغ من عمله ورجع إلى ربه كمن استشهد يوم بدر ويوم أحد.
تفسير ابن هشام لبعض الغريب
قال ابن هشام:

(6/245)


قضى نحبه مات والنحب النفس فيما أخبرني أبو عبيدة وجمعه نحوب قال ذو الرمة
عشية فر الحارثيون بعد ما ... قضى نحبه في ملتقى الخيل هوبر
وهذا البيت في قصيدة له. وهوبر من بني الحارث بن كعب أراد زيد بن هوبر. والنحب "أيضا ): النذر قال جرير بن الخطفى:
بطخفة جالدنا الملوك وخيلنا ... عشية بسطام جرين على نحب
يقول على نذر كانت نذرت أن تقتله فقتلته وهذا البيت في قصيدة له. وبسطام بسطام بن قيس بن مسعود الشيباني، وهو ابن ذي الجدين حدثني أبو عبيدة أنه كان فارس ربيعة بن نزار. وطخفة : موضع بطريق البصرة . والنحب "أيضا ): الخطار وهو الرهان. قال الفرزدق:
وإذ نحبت كلب على الناس أينا ... على النحب أعطى للجزيل وأفضل
والنحب "أيضا ): البكاء. ومنه قولهم ينتحب. والنحب "أيضا ): الحاجة والهمة تقول ما لي عندهم نحب. قال مالك بن نويرة اليربوعي:
وما لي نحب عندهم غير أنني ... تلمست ما تبغي من الشدن الشجر
وقال نهار بن توسعة أحد بني تيم اللات بن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن علي بن بكر بن وائل.
قال ابن هشام: هؤلاء موالي بني حنيفة
ونجى يوسف الثقفي ركض ... دراك بعد ما وقع اللواء
ولو أدركنه لقضين نحبا ... به ولكل مخطأة وقاء
والنحب "أيضا": السير الخفيف المر.

(6/246)


<454> قال ابن إسحاق:
{وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ} أي ما وعد الله به من نصره والشهادة على ما مضى عليه أصحابه. يقول الله تعالى: {وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً} [الأحزاب:23] أي ما شكوا وما ترددوا في دينهم وما استبدلوا به غيره. {لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَحِيماً وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ} أي قريشا وغطفان {لَمْ يَنَالُوا خَيْراً وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيّاً عَزِيزاً وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ} أي بني قريظة {مِنْ صَيَاصِيهِمْ } [الأحزاب: 24-26] والصياصي: الحصون والآطام التي كانوا فيها.
قال ابن هشام:
قال سحيم عند بني الحسحاس وبنو الحسحاس من بني أسد بن خزيمة:
وأصبحت الثيران صرعى وأصبحت ... نساء تميم يبتدرن الصياصيا
ـــــــ
<453> <454> وذكر الصياصي وأنها الحصون واستشهد بقول سحيم يصف سيلا:
وأصبحت الثيران صرعى، وأصبحت ... نساء تميم يبتدرن الصياصيا
وألفيت في حاشية الشيخ أبي بحر رحمه الله على هذا البيت الصياصي: قرون الثيران المذكورة فيه لا ما توهم ابن هشام أنها الحصون والآطام يقول لما أهلك هذا السيل الثيران وغرقها أصبحت نساء تميم يبتدرن أخذ قرونها، لينسجن بها البجد وهي الأكسية قال هذا يعقوب عن الأصمعي. ويصحح هذا أنه لا حصون في بادية الأعراب قال المؤلف ويصحح هذا التفسير أيضا رواية أحمد بن داود له فإنه أنشده في كتاب النبات له فقال فيه يلتقطن الصياصيا ولم يقل يبتدرن وأنشد

(6/247)


وهذا البيت في قصيدة له. والصياصي "أيضا ): القرون. قال النابغة الجعدي:
وسادة رهطي حتى بقي ... ت فردا كصيصة الأعضب
يقول أصاب الموت سادة رهطي. وهذا البيت في قصيدة له.
وقال أبو داود الإيادي:
فذعرنا سحم الصياصي بأيدي ... هن نضح من الكحيل وقار
<455> وهذا البيت في قصيدة له. والصياصي أيضا: الشوك الذي للنساجين فيما أخبرني أبو عبيدة. وأنشدني لدريد بن الصمة الجشمي جشم بن معاوية بن بكر بن هوازن:
نظرت إليه والرماح تنوشه ... كوقع الصياصي في النسيج الممدد
وهذا البيت في قصيدة له. والصياصي "أيضا": التي تكون في أرجل الديكة ناتئة كأنها القرون الصغار والصياصي "أيضا ): الأصول. أخبرني أبو عبيدة أن العرب تقول جذ الله صيصيته أي أصله.
قال ابن إسحاق:
{وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقاً تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقاً} [الأحزاب:26] أي قتل الرجال وسبي الذراري والنساء {وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضاً لَمْ
ـــــــ
فذعرنا سحم الصياصي بأيدي ... هن نضح من الكحيل وقار
<455> الكحيل القطران والقار الزفت شبه السواد الذي في أيديهن بنضح من ذلك الكحيل والقار يصف بعر وحش وأنشد لدريد بن الصمة
كوقع الصياصي في النسيج الممدد
وحمله الأصمعي على ما تقدم في البيت قبل هذا من أنها القرون التي ينسج بها، لا أنها شوك كما قال ابن هشام.

(6/248)


تَطَأُوهَا} يعني خيبر {وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرا} [الأحزاب:27]
وفاة سعد بن معاذ وما ظهر مع ذلك
قال ابن إسحاق: فلما انقضى شأن بني قريظة انفجر بسعد بن معاذ جرحه فمات منه شهيدا.
قال ابن إسحاق:
حدثني معاذ بن رفاعة الزرقي، قال حدثني من شئت من رجال قومي:
أن جبريل عليه السلام أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قبض سعد بن معاذ من جوف الليل معتجرا بعمامة من إستبرق فقال يا محمد من هذا الميت الذي فتحت له أبواب السماء واهتز له العرش؟ قال فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم سريعا يجر ثوبه إلى سعد فوجده قد مات.
ـــــــ
اهتزاز العرش
وذكر اهتزاز العرش وقد تكلم الناس في معناه وظنوا أنه مشكل وقال بعضهم الاهتزاز هاهنا بمعنى الاستبشار بقدوم روحه وقال بعضهم يريد حملة العرش ومن عنده <456> من الملائكة استبعادا منهم لأن يهتز العرش على الحقيقة ولا بعد فيه لأنه مخلوق وتجوز عليه الحركة والهزة ولا يعدل عن ظاهر اللفظ ما وجد إليه سبيل وحديث اهتزاز العرش لموت سعد صحيح. قال أبو عمر هو ثابت من طرق متواترة وما روي من قول البراء بن عازب في معناه أنه سرير سعد اهتز لم يلتفت إليه العلماء وقالوا: كانت بين هذين الحيين من الأنصار ضغائن. وفي لفظ الحديث اهتز عرش

(6/249)


<456> قال ابن إسحاق:
وحدثني عبد الله بن أبي بكر، عن عمرة بنت عبد الرحمن قالت:
أقبلت عائشة قافلة من مكة، ومعها أسيد بن حضير فلقيه موت امرأة له فحزن عليها بعض الحزن فقالت له عائشة يغفر الله لك يا أبا يحيى، أتحزن على امرأة وقد أصبت بابن عمك، وقد اهتز له العرش
قال ابن إسحاق: وحدثني من لا أتهم عن الحسن البصري، قال كان سعد رجلا بادنا، فلما حمله الناس وجدوا له خفة فقال رجال من المنافقين والله إن كان لبادنا، وما حملنا من جنازة أخف منه فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال "إن له حملة غيركم، والذي نفسي بيده لقد استبشرت الملائكة بروح سعد واهتز له العرش"
قال ابن إسحاق:
وحدثني معاذ بن رفاعة عن محمد بن عبد الرحمن بن عمرو بن الجموح، عن جابر بن عبد الله، قال:
لما دفن سعد ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سبح رسول الله صلى الله عليه وسلم فسبح الناس معه ثم كبر فكبر الناس معه فقالوا: يا رسول الله مم سبحت؟ قال "لقد تضايق على هذا العبد الصالح قبره، حتى فرجه الله عنه"
قال ابن هشام:
ومجاز هذا الحديث قول عائشة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن للقبر لضمة لو كان أحد منها ناجيا لكان سعد بن معاذ"
ـــــــ
الرحمن رواه أبو الزبير عن جابر يرفعه ورواه البخاري من طريق الأعمش عن أبي صالح وأبي سفيان كلاهما عن جابر ورواه من الصحابة جماعة غير جابر منهم أبو سعيد الخدري، وأسيد بن حضير ورميثة بنت عمرو، ذكر ذلك الترمذي. والعجب لما روي عن مالك رحمه الله من إنكاره <457> للحديث

(6/250)


قال ابن إسحاق: ولسعد يقول رجل من الأنصار:
وما اهتز عرش الله من موت هالك ... سمعنا به إلا لسعد أبي عمرو
<457> وقالت أم سعد حين احتمل نعشه وهي تبكيه - قال ابن هشام - وهي كبيشة بنت رافع بن معاوية بن عبيد بن ثعلبة بن عبد بن الأبجر وهو خدرة بن عوف بن الحارث بن الخزرج:
ويل أم سعد سعدا ... صرامة وحدا
وسوددا ومجدا ... وفارسا معدا
سد به مسدا ... يقد هاما قدا
يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم كل نائحة تكذب إلا نائحة سعد بن معاذ
شهداء يوم الخندق
قال ابن إسحاق:
ولم يستشهد من المسلمين يوم الخندق إلا ستة نفر.
من بني عبد الأشهل سعد بن معاذ، وأنس بن أوس بن عتيك بن عمرو، وعبد الله بن سهل. ثلاثة نفر.
ـــــــ
وكراهيته للتحدث به مع صحة نقله وكثرة الرواة له ولعل هذه الرواية لم تصح عن مالك والله أعلم

(6/251)


من بني جشم:
<45ومن بني جشم بن الخزرج، ثم من بني سلمة الطفيل بن النعمان وثعلبة بن غنمة. رجلان.
من بني النجار:
ومن بني النجار ثم من بني دينار: كعب بن زيد أصابه سهم غرب فقتله.
تفسير ابن هشام لبعض الغريب
قال ابن هشام: سهم غرب وسهم غرب بإضافة وغير إضافة وهو الذي لا يعرف من أين جاء ولا من رمى به.
قتلى المشركين
وقتل من المشركين ثلاثة نفر.
من بني عبد الدار:
من بني عبد الدار بن قصي: منبه بن عثمان بن عبيد بن السباق بن عبد الدار، أصابه سهم فمات منه بمكة.
قال ابن هشام: هو عثمان بن أمية بن منبه بن عبيد بن السباق.
عرض المشركين على الرسول شراء جسد نوفل:
<458> قال ابن إسحاق:
ومن بني مخزوم بن يقظة نوفل بن عبد الله بن المغيرة، سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبيعهم جسده وكان اقتحم الخندق ، فتورط فيه فقتل فغلب المسلمون على جسده. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا حاجة لنا في جسده ولا بثمنه، فخلى بينهم وبينه".
قال ابن هشام: أعطوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بجسده عشرة آلاف درهم فيما بلغني عن الزهري.

(6/252)


من بني عامر:
قال ابن إسحاق:
بن لؤي، ثم من بني مالك بن حسل عمرو بن عبد ود، قتله علي بن أبي طالب رضوان الله عليه.
قال ابن هشام: وحدثني الثقة أنه حدث عن ابن شهاب الزهري أنه قال قتل علي بن أبي طالب يومئذ عمرو بن عبد ود وابنه حسل بن عمرو.
قال ابن هشام: ويقال عمرو بن عبد ود، ويقال عمرو بن عبد.
شهداء المسلمين يوم بني قريظة
قال ابن إسحاق: واستشهد يوم بني قريظة من المسلمين ثم من بني الحارث بن الخزرج: خلاد بن سويد بن ثعلبة بن عمرو، طرحت عليه رحى، فشدخته شدخا شديدا، فزعموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "إن له لأجر شهيدين"
ومات أبو سنان بن محصن بن حرثان، أخو بني أسد بن خزيمة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم محاصر بني قريظة فدفن في مقبرة بني قريظة التي يدفنون فيها اليوم وإليه دفنوا أمواتهم في الإسلام.
بشر الرسول المسلمين بغزو قريش
ولما انصرف أهل الخندق عن الخندق ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بلغني: "لن تغزوكم قريش بعد عامكم هذا، ولكنكم تغزونهم" . فلم تغزهم قريش بعد ذلك وكان هو الذي يغزوها، حتى فتح الله عليه مكة .

(6/253)