الروض الأنف ت السلامي

المجلد السابع
غزوة ذي قرد
...
غزوة ذي قرد
غارة ابن حصن على لقاح الرسول:
ثم قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ، فلم يقم بها إلا ليالي قلائل حتى أغار عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر الفزاري، في خيل من غطفان على لقاح لرسول الله صلى الله عليه وسلم بالغابة وفيها رجل من بني غفار وامرأة له فقتلوا الرجل واحتملوا المرأة في اللقاح.
قال ابن إسحاق: فحدثني عاصم بن عمر بن قتادة وعبد الله بن أبي بكر، ومن لا أتهم عن عبد الله بن كعب بن مالك، كل قد حدث في غزوة ذي قرد بعض الحديث:
أنه كان أول من نذر بهم سلمة بن عمرو بن الأكوع الأسلمي غدا يريد الغابة
ـــــــ
غزوة ذي قرد
ويقال فيه: قرد بضمتين هكذا ألفيته مقيدا عن أبي علي والقرد في اللغة الصوف الرديء يقال في مثل عثرت على الغزل بأخرة فلم تدع بنجد قردة.

(7/5)


متوشحا قوسه ونبله ومعه غلام لطلحة بن عبيد الله معه فرس له يقوده حتى إذا علا ثنية الوداع نظر إلى بعض خيولهم فأشرف في ناحية سلع . ثم صرخ واصباحاه، ثم خرج يشتد في آثار القوم وكان مثل السبع حتى لحق بالقوم فجعل يردهم بالنبل ويقول إذا رمى خذها وأنا ابن الأكوع، اليوم يوم الرضع فإذا وجهت الخيل نحوه انطلق هاربا، ثم عارضهم فإذا أمكنه الرمي رمى، ثم قال خذها وأنا ابن الأكوع، اليوم يوم الرضع قال فيقول قائلهم أويكعنا هو أول النهار.
صراخ الرسول وتسابق الفرسان إليه:
قال: وبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم صياح ابن الأكوع فصرخ بالمدينة " الفزع الفزع" فترامت الخيول إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وكان أول من انتهى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من الفرسان المقداد بن عمرو، وهو الذي يقال له المقداد بن الأسود حليف بني زهرة ثم كان أول فارس وقف على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد المقداد من الأنصار، عباد بن بشر بن وقش بن زغبة بن زعوراء، أحد بني عبد الأشهل وسعد بن زيد، أحد بني كعب بن عبد الأشهل وأسيد بن ظهير، أخو بني حارثة بن الحارث يشك فيه وعكاشة بن محصن أخو بني أسد بن خزيمة ; ومحرز بن نضلة أخو بني أسد بن خزيمة، وأبو قتادة الحارث بن ربعي، أخو بني سلمة وأبو عياش وهو عبيد بن زيد بن الصامت، أخو بني زريق. فلما اجتمعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر عليهم سعد بن زيد فيما بلغني، ثم قال اخرج في طلب القوم، حتى ألحقك في الناس.
الرسول ونصيحته لأبي عياش بترك فرسه:
وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بلغني عن رجال من بني زريق لأبي عياش " يا أبا عياش لو أعطيت هذا الفرس رجلا، هو أفرس منك فلحق بالقوم؟ قال أبو عياش فقلت يا رسول الله أنا أفرس الناس ثم ضربت الفرس، فوالله ما جرى بي خمسين
ـــــــ
......................................

(7/6)


ذراعا حتى طرحني، فعجبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لو أعطيته أفرس منك، وأنا أقول أنا أفرس الناس "فزعم رجال من بني زريق أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطى فرس أبي عياش معاذ بن ماعص أو عائذ بن ماعص بن قيس بن خلدة وكان ثامنا، وبعض الناس يعد سلمة بن عمرو بن الأكوع أحد الثمانية ويطرح أسيد بن ظهير، أخا بني حارثة والله أعلم أي ذلك كان. ولم يكن سلمة يومئذ فارسا، وقد كان أول من لحق بالقوم على رجليه. فخرج الفرسان في طلب القوم حتى تلاحقوا.
سبق محرز إلى القوم ومقتله:
قال ابن إسحاق: فحدثني عاصم بن عمر بن قتادة:
أن أول فارس لحق بالقوم محرز بن نضلة أخو بني أسد بن خزيمة -وكان يقال لمحرز الأخرم ويقال له قمير- وأن الفزع لما كان جال فرس لمحمود بن مسلمة في الحائط، حين سمع صاهلة الخيل وكان فرسا صنيعا جاما، فقال نساء من نساء بني عبد الأشهل حين رأين الفرس يجول في الحائط بجذع نخل هو مربوط فيه يا قمير هل لك في أن تركب هذا الفرس؟ فإنه كما ترى، ثم تلحق برسول الله صلى الله عليه وسلم وبالمسلمين؟ قال نعم فأعطينه إياه. فخرج عليه فلم يلبث أن بذ الخيل بجمامه حتى أدرك القوم فوقف لهم بين أيديهم ثم قال قفوا يا معشر بني اللكيعة حتى يلحق بكم من وراءكم من أدباركم من المهاجرين والأنصار. قال وحمل عليه رجل منهم فقتله وجال الفرس، فلم يقدر عليه حتى وقف على آريه من بني عبد الأشهل فلم يقتل من المسلمين غيره
رأي ابن هشام فيمن قتل مع محرز:
قال ابن هشام:
"وقتل يومئذ من المسلمين مع محرز وقاص بن مجزز المدلجي، فيما ذكر غير واحد من أهل العلم".
ـــــــ
.......................................

(7/7)


أسماء أفراس المسلمين:
قال ابن إسحاق: وكان اسم فرس محمود ذا اللمة.
قال ابن هشام:
"وكان اسم فرس سعد بن زيد: لاحق واسم فرس المقداد بعزجة ويقال سبحة واسم فرس عكاشة بن محصن ذو اللمة واسم فرس أبي قتادة: حزوة وفرس عباد بن بشر لماع وفرس أسيد بن ظهير: مسنون وفرس أبي عياش جلوة".
ـــــــ
أسماء أفراس المسلمين:
وذكر ابن إسحاق في هذه الغزوة أسماء خيل جماعة ممن حضرها، فذكر بعزجة فرس المقداد، والبعزجة شدة جري في مغالبة كأنه منحوت من بعج إذا شق وعز أي غلب. وأما سبحة فمن سبح إذا علا علوا في اتساع ومنه سبحان الله وسبحات الله عظمته وعلوه لأن الناظر المفكر في [الله] سبحانه يسبح في بحر لا ساحل له وقد ذكرنا في معنى هذه الكلمة حقائق ودقائق أسرار في شرح سبحان الله وبحمده. وأما حزوة فمن حزوت الطير إذا زجرتها، أو من حزوت الشيء إذا أظهرته. قال الشاعر:
ترى الأمعز المحزو فيه كأنه ... من الحر واستقباله الشمس مسطح
وجلوة من جلوت السيف وجلوت العروس كأنها تجلو الفم عن قلب صاحبها، ومسنون من سننت الحديدة إذا صقلتها.

(7/8)


قال ابن إسحاق: وحدثني بعض من لا أتهم عن عبد الله بن كعب بن مالك:
أن مجزرا إنما كان على فرس لعكاشة بن محصن يقال له الجناح فقتل مجزر واستلبت الجناح.
القتلى من المشركين:
ولما تلاحقت الخيل قتل أبو قتادة الحارث بن ربعي، أخو بني سلمة حبيب بن عيينة بن حصن وغشاه برده ثم لحق بالناس.
وأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسلمين.
استعمال ابن أم مكتوم على المدينة:
قال ابن هشام: واستعمل على المدينة ابن أم مكتوم.
ـــــــ
سلمة بن الأكوع:
وذكر سلمة بن الأكوع، واسم الأكوع سنان وخبر سلمة في ذلك اليوم أطول مما ذكره ابن إسحاق، وأعجب فإنه استلب وحده في ذلك اليوم من العدو وهو راجل قبل أن تلحق به الخيل ثلاثين بردة وثلاثين درقة وقتل منهم بالنبل كثيرا، فكلما هربوا أدركهم وكلما راموه أفلت منهم وشهرة حديثه تغني عن سرده فإنه في كتب الحديث المشهورة وقيل إن سلمة هذا هو الذي كلمه الذئب وقيل إن الذي كلمه الذئب هو أهبان بن صيفي وهو حديث مشهور.

(7/9)


قال ابن إسحاق:
فإذا حبيب مسجى ببرد أبي قتادة، فاسترجع الناس وقالوا: قتل أبو قتادة ; فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس بأبي قتادة ولكنه قتيل لأبي قتادة، وضع عليه برده لتعرفوا أنه صاحبه.
وأدرك عكاشة بن محصن أوبارا وابنه عمرو بن أوبار، وهما على بعير واحد فانتظمهما بالرمح فقتلهما جميعا، واستنقذوا بعض اللقاح وسار رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزل بالجبل من ذي قرد وتلاحق به الناس فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم به وأقام عليه يوما وليلة وقال له سلمة بن الأكوع: يا رسول الله لو سرحتني في مائة رجل لاستنقذت بقية السرح وأخذت بأعناق القوم؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بلغني: " إنهم الآن ليغبقون في غطفان"
ـــــــ
شرح اليوم يوم الرضع:
وقوله اليوم يوم الرضع يريد يوم اللئام أي يوم جبنهم وفي قولهم لئيم راضع أقوال ذكرها ابن الأنباري. قيل الراضع هو الذي رضع اللؤم في ثديي أمه أي غذي به وقيل هو الذي يرضع ما بين أسنانه يستكثر من الجشع بذلك. وشاهد هذا القول قول امرأة من العرب تذم رجلا: إنه لأكلة ثكلة يأكل من جشعه خلله أي ما يتخلل بين أسنانه. قال ابن قتيبة: ولم أسمع في الجشع والحرص أبلغ من هذا، ومن قولهم هو يثير الكلاب من مرابضها، أي يلتمس تحتها عظما يتعرقه وقيل في اللئيم الراضع غير ما ذكرناه مما هو معروف عند الناس ومذكور في كتبهم.
وقوله: اليوم يوم الرضع بالرفع فيهما، وبنصب الأول ورفع الثاني، حكى سيبويه: اليوم يومك، على أن تجعل اليوم ظرفا في موضع خبر للثاني، لأن ظروف الزمان يخبر بها عن زمان مثلها إذا كان الظرف يتسع ولا يضيق على الثاني، مثل أن تقول الساعة يومك، وقد قيل في قوله تعالى: {فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ}

(7/10)


تقسيم الفيء بين المسلمين
فقسم رسول الله صلى الله عليه وسلم في أصحابه في كل مائة رجل جزورا، وأقاموا عليها، ثم رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم قافلا حتى قدم المدينة .
امرأة الغفاري وما نذرت مع الرسول
وأقبلت امرأة الغفاري على ناقة من إبل رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قدمت عليه فأخبرته الخبر، فلما فرغت قالت يا رسول الله إني قد نذرت لله أن أنحرها إن نجاني الله عليها; قال فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: " بئس ما جزيتها أن حملك الله عليها ونجاك بها ثم تنحرينها إنه لا نذر في معصية الله ولا فيما لا تملكين إنما هي ناقة من إبلي، فارجعي إلى أهلك على بركة الله" .
والحديث عن امرأة الغفاري وما قالت وما قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أبى الزبير المكي عن الحسن بن أبي الحسن البصري.
ـــــــ
[المدثر: 9] أن يومئذ ظرف ليوم عسير وذلك أن ظروف الزمان أحداث وليست بجثث فلا يمتنع فيها مثل هذا، كما لا يمتنع في سائر الأحداث
وقوله عليه السلام للغفارية واسمها ليلى، ويقال هي امرأة أبي ذر حين أخبرته أنها نذرت إن الله نجاها، عليها أن تنحرها، قال فتبسم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثم قال " بئس ما جزيتها أن حملك الله عليها ونحاك بها، ثم تنحرينها إنه لا نذر في معصية الله ولا في ما لا تملكين "فيه حجة للشافعي ومن قال بقوله إن ما أحرزه العدو من مال إنه لهم بلا ثمن قبل القسم وبعده لأنه لا يخرجه من ملكه حوز العدو له وقال مالك هو أولى به قبل القسم وصاحبه بعد القسم أولى به بالثمن وفيه قولان آخران لأهل العراق.
حول النذر والطلاق والعتق:
وقوله عليه السلام " إنه لا نذر في معصية الله ولا فيما لا تملكين "وقوله

(7/11)


شعر حسان في ذي قرد:
وكان مما قيل من الشعر في يوم ذي قرد قول حسان بن ثابت:
لولا الذي لاقت ومس نسورها
...
بجنوب ساية أمس في التقواد
للقينكم يحملن كل مدجج
...
حامي الحقيقة ماجد الأجداد
ـــــــ
عليه السلام " لا نذر لأحد فيما لا يملك ولا طلاق لأحد فيما لا يملك ولا عتق لأحد فيما لا يملك "حديث مروي من طريق عبد الله بن عمرو، ومن طريق أبي هريرة ولكنه لم يخرج في الصحيحين لعلل في أسانيده وقد قال بهذا الحديث أن لا طلاق قبل الملك جماعة من الصحابة وفقهاء التابعين وفقهاء الأمصار وسواء عندهم عين امرأة أو لم يعين وإليه مال البخاري رحمه الله ورواه ابن كنانة عن مالك وابن وهب، واحتج ابن عباس في هذه المسألة بقوله تعالى: {إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ} [الأحزاب: 49] قال فإذا لا طلاق إلا بعد نكاح وقال شريك القاضي: النكاح عقد والطلاق حل، فلا يكون الحل إلا بعد العقد.
من شرح شعر حسان أعضاء الخيل:
وذكر شعر حسان:
لولا الذي لاقت ومس نسورها
يعني: الخيل والنسر كالنواة في باطن الحافر وفي الفرس عشرون عضوا، كل عضو منها يسمى باسم طائر فمنها النسر والنعامة والهامة والسمامة والسعدانة وهي الحمامة والقطاة الذباب والعصفور والغراب والصرد والصقر والخرب والناهض وهو فرخ العقاب والخطاب ذكرها وبقيتها الأصمعي، وروى فيها

(7/12)


ولسر أولاد اللقيطة أننا
...
سلم غداة فوارس المقداد
كنا ثمانية وكانوا جحفلا
...
لجبا فشكوا بالرماح بداد
ـــــــ
شعرا لأبي حزرة جرير وهو:
وأقب كالسرحان تم له
...
ما بين هامته إلى النسر
رحبت نعامته ووفر فرخه
...
وتمكن الصردان في النحر
وأناف بالعصفور في سعف
...
هام أشم موثق الجذر
وازدان بالديكين صلصله
...
ونبت دجاجته عن الصدر
والناهضان أمر جلزهما
...
فكأنما عثما على كسر
مسحنفر الجنبين ملتئم
...
ما بين شيمته إلى الغر
وصفت سماناه وحافره
...
وأديمه ومنابت الشعر
وسما الغراب لموقعيه معا
...
فأبين بينهما على قدر
واكتن دون قبيحه خطافه
...
ونأت سمامته على الصقر
وتقدمت عنه القطاة له
...
فنأت بموقعها عن الحر
وسما على نقويه دون حداته
...
خربان بينهما مدى الشبر
يدع الرضيم إذا جرى فلقا
...
بتوائم كمواسم سمر
ركبن في محض الشوى سبط
...
كفت الوثوب مشدد الأسر
بداد وفجار:
وقوله فشكوا بالرماح بداد. بداد من التبدد وهو التفرق وهو في موضع

(7/13)


كنا من القوم الذين يلونهم ... ويقدمون عنان كل جواد
كلا ورب الراقصات إلى منى ... يقطعن عرض مخارم الأطواد
حتى نبيل الخيل في عرصاتكم ... ونئوب بالملكات والأولاد
ـــــــ
نصب غير أنه مبني ونصبه كانتصاب المصدر إذا قلت: مشيت القهقرى، وقعدت القرفصاء وكأنه قال طعنوا الطعنة التي يقال لها بداد وبداد مثل فجار من قوله احتملت فجار جعلوه اسما علما للمصدر كما قالوا: فحملت برة فجعل برة علما للبر وسر هذه العلمية في هذا الموطن أنهم أرادوا الفعل الأتم الذي يسمى باسم ذلك الفعل حقيقة فقد يقول الإنسان بر فلان وفجر أي قارب أن يفعل ذلك، أو فعل منه بعضه فإذا قال فعلت برة فإنما يريد البر الذي يسمى برا على الحقيقة فجاء بالاسم العلم الذي هو عبارة عن مسماه حقيقة إذ لا يتصور هذا الضرب من المجاز في الأعلام وكذلك إذا أراد الفجور على الحقيقة وأراد رفع المجاز سماه فجاز تحقيقا للمعنى، أي مثل هذه الفعلة ينبغي أن تسمى باسم الفجور حقيقة وكذلك قالوا في النداء يا فساق ويا فسق فجاءوا بالصيغة المعروفة العلمية المعروفة مع النداء خاصة أي إن هذا الاسم ينبغي أن يكون اسمه الذي يدعى به إذ الاسم العلم ألزم لمسماه من اسم مشتق من فعل فعله لأن الفعل لا يثبت والاسم العلم يثبت فهذا هو معزاهم في هذه الأسماء التي هي على صيغ الأعلام في هذه المواطن فتأملها، وقد بسطنا هذه الغرض بسطا شافيا في أسرار ما ينصرف وما لا ينصرف فلتنظر هنالك فثم ترى سر بنائها على الكسر مع ما يتصل بمعانيها إن شاء الله وألفيت في حاشية الشيخ رحمه الله على قوله فشكوا بالرماح فشلوا باللام الرواية الصحيحة وحقيقة المعنى، ووقع في الأصلين فشكوا بالكاف كما في هذا الأصل. إلى هاهنا انتهى كلام الشيخ والشل باللام الطرد والشك بالكاف الطعن كما قال:

(7/14)


رهوا بكل مقلص وطمرة
...
في كل معترك عطفن روادي
أفنى دوابرها ولاح متونها
...
يوم تقاد به ويوم طراد
فكذاك إن جيادنا ملبونة
...
والحرب مشعلة بريح غواد
وسيوفنا بيض الحدائد تجتلي
...
جنن الحديد وهامة المرتاد
أخذ الإله عليهم لحرامه
...
ولعزة الرحمن بالأسداد
كانوا بدار ناعمين فبدلوا
...
أيام ذي قرد وجوه عباد
غضب سعد على حسان ومحاولة حسان استرضاءه
قال ابن هشام:
فلما قالها حسان غضب عليه سعد بن زيد، وحلف أن لا يكلمه أبدا ; قال انطلق إلى خيلي وفوارسي فجعلها للمقداد فاعتذر إليه حسان وقال والله ما ذاك أردت، ولكن الروي وافق اسم المقداد، وقال أبياتا يرضي بها سعدا:
إذا أردتم الأشد الجلدا
...
أو ذا غناء فعليكم سعدا
سعد بن زيد لا يهد هدا
فلم يقبل منه سعد ولم يغن شيئا.
ـــــــ
شك الفريصة بالمدرى فأنفذها
...
شك المبيطر إذ يشفي من العضد
عود إلى شرح شعر حسان:
وقوله رهوا أي مشيا بسكون ويقال لمستنقع الماء أيضا رهو والرهو أسماء الكركي والرهو المرآة الواسعة.
وقوله روادي، أي تردي بفرسانها، أي: تسرع

(7/15)


شعر آخر لحسان في يوم ذي قرد:
وقال حسان بن ثابت في يوم ذي قرد:
أظن عيينة إذ زارها
...
بأن سوف يهدم فيها قصورا
فأكذبت ما كنت صدقته
...
وقلتم سنغنم أمرا كبيرا
فعفت المدينة إذ زرتها
...
وآنست للأسد فيها زئيرا
فولوا صراعا كشد النعام
...
ولم يكشفوا عن ملط حصيرا
أمير علينا رسول المليك
...
أحبب بذاك إلينا أميرا
رسول نصدق ما جاءه
...
ويتلو كتابا مضيئا منيرا
شعر كعب في يوم ذي قرد للفوارس:
أتحسب أولاد اللقيطة أننا
...
على الخيل لسنا مثلهم في الفوارس
وإنا أناس لانرى القتل سبة
...
ولاننثني عند الرماح المداعس
وإنا لنقري الضيف من قمع الذرا
...
ونضرب رأس الأبلخ المتشاوس
نرد كماة المعلمين إذا انتخوا
...
بضرب يسلي نخوة المتقاعس
ـــــــ
قصيدة أخرى لحسان:
وقول حسان في خيل عيينة:
فولوا سراعا كشد النعام ... لم يكشفوا عن ملط حصيرا
أي لم يغنموا بعيرا، ولا كشفوا عنه حصيرا يعني: بالحصير ما يكنف به حول الإبل من عيدان الحظيرة والملط من قولهم لطت الناقة وألطت بذنبها إذا أدخلته بين رجليها.

(7/16)


بكل فتى حامي الحقيقة ماجد
...
كريم كسرحان الغضاة مخالس
يذودون عن أحسابهم وتلادهم
...
ببيض تقد الهام تحت القوانس
فسائل بني بدر إذا ما لقيتهم
...
بما فعل الإخوان يوم التمارس
إذا ما خرجتم فاصدقوا من لقيتم
...
ولا تكتموا أخباركم في المجالس
وقولوا زللنا عن مخالب خادر
...
به وحر في الصدر ما لم يمارس
قال ابن هشام: أنشدني بيته "وإنا لنقري الضيف" أبو زيد.
شعر شداد لعيينة
قال ابن إسحاق:
وقال شداد بن عارض الجشمي، في يوم ذي قرد لعيينة بن حصن وكان عيينة بن حصن يكنى بأبي مالك:
فهلا كررت أبا مالك
...
وخيلك مدبرة تقتل
ذكرت الإياب إلى عسجر
...
وهيهات قد بعد المقفل
وطمنت نفسك ذا ميعة
...
مسح الفضاء إذا يرسل
إذا قبضته إليك الشمال
...
جاش كما اضطرم المرجل
فلما عرفتم عباد الإله
...
لم ينظر الآخر الأول
عرفتم فوارس قد عودوا
...
طراد الكماة إذا أسهلوا
إذا طردوا الخيل تشقى بهم ... فضاحا وإن يطردوا ينزلوا
فيعتصموا في سواء المقام ... بالبيض أخلصها الصيقل
ـــــــ
........................

(7/17)