الروض
الأنف ت السلامي غزوة بني
المصطلق
وقتها :
قال ابن إسحاق:
فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة بعض جمادى الآخرة ورجبا
ثم غزا بني المصطلق من خزاعة، في شعبان سنة ست.
استعمال أبي ذر على المدينة:
قال ابن هشام: واستعمل على المدينة أبا ذر الغفاري ويقال نميلة بن عبد
الله الليثي.
سبب غزو الرسول لهم:
قال ابن إسحاق: فحدثني عاصم بن عمر بن قتادة وعبد الله بن أبي بكر،
ومحمد بن يحيى بن حبان، كل قد حدثني بعض حديث بني المصطلق قالوا:
بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن بني المصطلق يجمعون له وقائدهم
الحارث بن أبي ضرار أبو جويرية بنت الحارث، زوج رسول الله صلى الله
عليه وسلم فلما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بهم.
ـــــــ
غزوة بني المصطلق
وهم بنو جذيمة بن كعب من خزاعة، فجذيمة هو المصطلق وهو مفتعل من الصلق
وهو رفع الصوت.
وذكر المريسيع، وهو ماء لخزاعة وهو من قولهم رسعت عين الرجل إذا دمعت
من فساد.
(7/18)
خرج إليهم حتى
لقيهم على ماء لهم يقال له المريسيع، من ناحية قديد إلى الساحل، فتزاحف
الناس واقتتلوا، فهزم الله بني المصطلق وقتل من قتل منهم ونفل رسول
الله صلى الله عليه وسلم أبناءهم ونساءهم وأموالهم فأفاءهم عليه.
موت ابن صبابة:
وقد أصيب رجل من المسلمين من بني كلب بن عوف بن عامر بن ليث بن بكر
يقال له هشام بن صبابة، أصابه رجل من الأنصار من رهط عبادة بن الصامت،
وهو يرى أنه من العدو فقتله خطأ.
جهجاه وسنان وما كان من ابن أبي:
فبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم على ذلك الماء وردت واردة الناس
ومع عمر بن الخطاب أجير له من بني غفار، يقال له جهجاه بن مسعود يقود
فرسه فازدحم جهجاه وسنان بن وبر الجهني حليف بني عوف بن الخزرج على
الماء فاقتتلا، فصرخ الجهني يا معشر الأنصار، وصرخ جهجاه يا معشر
المهاجرين فغضب عبد الله بن أبي ابن سلول وعنده رهط من قومه فيهم زيد
بن أرقم غلام حدث فقال أوقد فعلوها، قد نافرونا وكاثرونا في بلادنا،
والله ما أعدنا وجلابيب قريش
ـــــــ
وذكر سنان بن وبرة وقال غيره هو سنان بن تميم من جهينة بن سود بن أسلم
حليف الأنصار.
تحريم دعوى الجاهلية
وذكر أنه نادى: يا للأنصار ونادى جهجاه الغفاري يا للمهاجرين ولم يذكر
ما قال النبي صلى الله عليه وسلم حين سمعهما، وفي الصحيح أنه عليه
السلام حين سمعهما منهما، قال" دعوها فإنها منتنة " يعني: إنها كلمة
خبيثة لأنها من دعوى
(7/19)
إلا كما قال
الأول سمن كلبك يأكلك، أما والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز
منها الأذل.
ثم أقبل على من حضره من قومه فقال لهم هذا ما فعلتم بأنفسكم أحللتموهم
بلادكم وقاسمتموهم أموالكم أما والله لو أمسكتم عنهم ما بأيديكم
لتحولوا إلى غير داركم. فسمع ذلك زيد بن أرقم فمشى به إلى رسول الله
صلى الله عليه وسلم وذلك عند فراغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من
عدوه فأخبره الخبر، وعنده عمر بن الخطاب، فقال مر به عباد بن بشر
فليقتله فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم فكيف يا عمر إذا تحدث
الناس أن محمدا يقتل أصحابه لا ولكن أذن بالرحيل وذلك في ساعة لم يكن
رسول الله صلى الله عليه وسلم يرتحل فيها، فارتحل الناس
اعتذار ابن أبي للرسول
وقد مشى عبد الله بن أبي ابن سلول إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
حين بلغه أن زيد بن أرقم قد بلغه ما سمع منه فحلف بالله ما قلت ما قال
ولا تكلمت به - وكان في قومه شريفا عظيما - فقال من حضر رسول الله صلى
الله عليه وسلم من الأنصار من أصحابه يا رسول الله عسى أن يكون الغلام
قد أوهم في حديثه ولم يحفظ ما قال الرجل حدبا على ابن أبي ابن سلول
ودفعا عنه
ـــــــ
الجاهلية وجعل الله المؤمنين إخوة وحزبا واحدا، فإنما ينبغي أن تكون
الدعوة يا للمسلمين فمن دعا في الإسلام بدعوى الجاهلية فيتوجه للفقهاء
فيها ثلاثة أقوال أحدها : أن يجلد من استجاب لها بالسلاح خمسين سوطا
اقتداء بأبي موسى الأشعري في جلده النابغة الجعدي خمسين سوطا، حين سمع
يا لعامر فأقبل يشتد بعصبة له. والقول الثاني : أن فيها الجلد دون
العشرة لنهيه عليه السلام أن يجلد أحد فوق العشرة إلا في حد والقول
الثالث اجتهاد الإمام في ذلك على حسب ما يراه من سد الذريعة وإغلاق باب
الشر إما بالوعيد وإما بالسجن وإما بالجلد.
فإن قيل إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعاقب الرجلين حين دعوا بها
قلنا: قد قال دعوها
(7/20)
الرسول وأسيد
ومقالة ابن أبي:
قال ابن إسحاق:
فلما استقل رسول الله صلى الله عليه وسلم وسار لقيه أسيد بن حضير فحياه
بتحية النبوة وسلم عليه ثم قال يا نبي الله والله لقد رحت في ساعة
منكرة ما كنت تروح في مثلها، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم
أوما بلغك ما قال صاحبكم؟ قال وأي صاحب يا رسول الله؟ قال عبد الله بن
أبي . قال وما قال؟ قال زعم أنه إن رجع إلى المدينة ليخرجن الأعز منها
الأذل قال فأنت يا رسول الله والله تخرجه منها إن شئت، هو والله الذليل
وأنت العزيز ثم قال يا رسول الله ارفق به فوالله لقد جاءنا الله بك،
وإن قومه لينظمون له الحرز ليتوجوه فإنه ليرى أنك قد استلبته ملكا.
سير الرسول بالناس ليشغلهم عن الفتنة:
ثم مشى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس يومهم ذلك حتى أمسى،
وليلتهم حتى أصبح وصدر يومهم ذلك حتى آذتهم الشمس ثم نزل بالناس فلم
يلبثوا أن وجدوا مس
ـــــــ
فإنها منتنة فقد أكد النهي فمن عاد إليها بعد هذا النهي وبعد وصف النبي
صلى الله عليه وسلم لها بالإنتان وجب أن يؤدب حتى يشم نتنها، كما فعل
أبو موسى رحمه الله بالجعدي فلا معنى لنتنها إلا سوء العاقبة فيها
والعقوبة عليها.
جهجاه
وأما جهجاه فهو ابن مسعود بن سعد بن حرام وهو الذي روى عن النبي صلى
الله عليه وسلم" المؤمن يأكل في معى واحد والكافر يأكل في سبعة أمعاء "
وهو كان صاحب هذه القصة فيما روى ابن أبي شيبة والبزار، وقد قيل أيضا:
إن الرجل الذي
(7/21)
الأرض فوقعوا
نياما، وإنما فعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ليشغل الناس عن
الحديث الذي كان بالأمس من حديث عبد الله بن أبي.
تنبؤ الرسول بموت رفاعة:
ثم راح رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس وسلك الحجاز حتى نزل على
ماء بالحجاز فويق النقيع ; يقال له بقعاء. فلما راح رسول الله صلى الله
عليه وسلم هبت على الناس ريح شديدة آذتهم وتخوفوها ; فقال رسول الله
صلى الله عليه وسلم لا تخافوها، فإنما هبت لموت عظيم من عظماء الكفار .
فلما قدموا المدينة وجدوا رفاعة بن زيد بن التابوت أحد بني قينقاع وكان
عظيما من عظماء يهود وكهفا للمنافقين مات في ذلك اليوم
ما نزل في ابن أبي من القرآن:
ونزلت السورة التي ذكر الله فيها المنافقين في ابن أبي ومن كان على مثل
أمره فلما نزلت أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بأذن زيد بن أرقم ثم
قال هذا الذي أوفى الله بأذنه " وبلغ عبد الله بن عبد الله بن أبي الذي
كان من أمر أبيه.
ـــــــ
قال فيه عليه السلام هذه المقالة هو ثمامة بن أثال الحنفي، ذكره ابن
إسحاق، وقيل بل هو أبو بصرة [جميل بن بصرة] الغفاري، قاله أبو عبيد،
ومات جهجاه هذا بعد قتل عثمان رحمه الله أخذته الأكلة في ركبته فمات
منها، وكان قد كسر بركبته عصا رسول الله صلى الله عليه وسلم - التي كان
يخطب بها، وذلك أنه انتزعها من عثمان حين أخرج من المسجد ومنع من
الصلاة فيه فكان هو أحد المعينين عليه حتى كسر العصا على ركبته فيما
ذكروا، فابتلي بما ابتلي به من الأكلة. نعوذ بالله من عقوبته ونستجير
به من الأهواء المضلة.
(7/22)
طلب ابن عبد
الله بن أبي أن يتولى هو قتل ابيه وعفو الرسول عنه:
قال ابن إسحاق: فحدثني عاصم بن عمر بن قتادة:
أن عبد الله أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إنه
بلغني أنك تريد قتل عبد الله بن أبي فيما بلغك عنه فإن كنت لا بد فاعلا
فمرني به فأنا أحمل إليك رأسه فوالله لقد علمت الخزرج ما كان لها من
رجل أبر بوالده مني، وإني أخشى أن تأمر به غيري فيقتله فلا تدعني نفسي
أنظر إلى قاتل عبد الله بن أبي يمشي في الناس فأقتله فأقتل [رجلا]
مؤمنا بكافر فأدخل النار فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بل نترفق
به ونحسن صحبته ما بقي معنا .
تولي قوم ابن أبي مجازاته:
وجعل بعد ذلك إذا أحدث الحدث كان قومه هم الذين يعاتبونه ويأخذونه
ويعنفونه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر بن الخطاب، حين بلغه
ذلك من شأنهم كيف ترى يا عمر أما والله لو قتلته يوم قلت لي اقتله
لأرعدت له آنف لو أمرتها اليوم بقتله لقتلته ; قال قال عمر قد والله
علمت لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أعظم بركة من أمري
ـــــــ
موقف عبد الله الصحابي من أبيه المنافق ودلالته :
وذكر مقالة عبد الله بن أبي، وأن ابنه عبد الله بن عبد الله استأذن
النبي صلى الله عليه وسلم في قتل أبيه من أجل تلك المقالة وفي هذا
العلم العظيم والبرهان النير من أعلام النبوة فإن العرب كانت أشد خلق
الله حمية وتعصبا، فبلغ الإيمان منهم ونور اليقين من قلوبهم إلى أن
يرغب الرجل منهم في قتل أبيه وولده تقربا إلى الله وتزلفا إلى رسوله مع
أن الرسول - عليه السلام - أبعد الناس نسبا منهم وما تأخر إسلام قومه
وبني عمه وسبق إلى الإيمان به الأباعد إلا لحكمة عظيمة إذ لو بادر أهله
وأقربوه إلى الإيمان به لقيل قوم أرادوا الفخر برجل منهم وتعصبوا له
فلما بادر إليه الأباعد وقاتلوا على حبه من كان منهم أو من غيرهم علم
أن ذلك عن بصيرة صادقة ويقين قد تغلغل في قلوبهم ورهبة من الله أزالت
صفة قد كانت
(7/23)
مقيس بن صبابة
وحيلته في الأخذ بثأر أخيه وشعره في ذلك:
قال ابن إسحاق:
وقدم مقيس بن صبابة من مكة مسلما، فيما يظهر فقال يا رسول الله جئتك
مسلما، وجئتك أطلب دية أخي، قتل خطأ. فأمر له رسول الله صلى الله عليه
وسلم بدية أخيه هشام بن صبابة ; فأقام عند رسول الله صلى الله عليه
وسلم غير كثير ثم عدا على قاتل أخيه فقتله ثم خرج إلى مكة مرتدا "فقال
في شعر يقوله:
شفى النفس أن قد مات بالقاع مسندا
...
تضرج ثوبيه دماء الأخادع
وكانت هموم النفس من قبل قتله
...
تلم فتحميني وطاء المضاجع
حللت به وتري وأدركت ثؤرتي
...
وكنت إلى الأوثان أول راجع
ثأرت به فهرا وحملت عقله
...
سراة بني النجار أرباب فارع
وقال مقيس بن صبابة أيضا:
ـــــــ
سدكت في نفوسهم من أخلاق الجاهلية لا يستطيع إزالتها إلا الذي فطر
الفطرة الأولى، وهو القادر على ما يشاء وأما عبد الله بن عبد الله فكان
من كتاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وكان اسمه حباب وبه كان يكنى
أبوه فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله مات شهيدا باليمامة
رضي الله عنه وروى الدارقطني مسندا "أن النبي - صلى الله عليه وسلم -
مر على جماعة فيهم عبد الله بن أبي فسلم عليهم ثم ولى، فقال عبد الله
لقد عنا ابن أبي كبشة في هذه البلاد فسمعها ابنه عبد الله فاستأذن
النبي صلى الله عليه وسلم في أن يأتيه برأس أبيه فقال لا، ولكن بر أباك
" وذكر ابن إسحاق في هذا الخبر أن النبي صلى الله عليه وسلم حين بلغته
مقالة عبد الله بن أبي: متن الناس يومهم ذلك ويروى مشى، فأما متن فقال
صاحب العين يقال ساروا سيرا مماتنا، أي بعيدا.
(7/24)
جللته ضربة
باءت لها وشل
...
من ناقع الجوف يعلوه وينصرم
فقلت والموت تغشاه أسرته
...
لا تأمنن بني بكر إذ ظلموا
شعار المسلمين
قال ابن هشام:
وكان شعار المسلمين يوم بني المصطلق: يا منصور، أمت أمت.
قتلى بني المصطلق
قال ابن إسحاق:
وأصيب من بني المصطلق يومئذ ناس، وقتل علي بن أبي طالب منهم رجلين
مالكا وابنه وقتل عبد الرحمن بن عوف رجلا من فرسانهم يقال له أحمر أو
أحيمر
أمر جويرية بنت الحارث
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أصاب منهم سبيا كثيرا، فشاء قسمه
في المسلمين وكان فيمن أصيب يومئذ من السبايا جويرية بنت الحارث بن أبي
ضرار، زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ـــــــ
حول حديث جويرية "ملاحة ومليح"
فصل وذكر جويرية بنت الحارث، ووقوعها في السهم لثابت بن قيس، أو لابن
عم له ثم جاءت تستعين في كتابتها، قالت عائشة وكانت امرأة حلوة ملاحة.
الملاح أبلغ من المليح في كلام العرب، وكذلك الوضاء أبلغ من الوضيء
والكبار كذلك أبلغ من الكبير غير أنه لا يوصف الباري سبحانه بهذا اللفظ
فيقال فيه كبار بمعنى كبير لأنه على بنية الجمع نحو ضراب وشهاد فكان
لفظ الكبير ونحوه أبعد من الاشتراك وأدل على الوحدانية والله أعلم.
وأما معنى: الملاحة فذهب قوم إلى أنها من الملحة وهي البياض، تقول
(7/25)
قال ابن إسحاق:
وحدثني محمد بن جعفر بن الزبير، عن عروة بن الزبير، عن عائشة قالت:
لما قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم سبايا بني المصطلق وقعت جويرية
بنت الحارث في السهم لثابت بن قيس بن الشماس أو لابن عم له فكاتبته على
نفسها، وكانت امرأة حلوة ملاحة لا يراها أحد إلا أخذت بنفسه فأتت رسول
الله صلى الله عليه وسلم تستعينه في كتابتها قالت عائشة فوالله ما هو
إلا أن رأيتها على باب حجرتي فكرهتها، وعرفت أنه سيرى منها صلى الله
عليه وسلم ما رأيت، فدخلت عليه فقالت يا رسول الله أنا جويرية بنت
ـــــــ
العرب: عنب ملاحي والصحيح في معنى المليح، أنه مستعار من قولهم طعام
مليح إذا كان فيه من الملح بقدر ما يصلحه ولذلك إذا بالغوا في المدح
قالوا: مليح قزيح فمليح من ملحت القدر وقزيح من قزحتها إذا طيبت نكهتها
بالأفاوية وهي الأقزاح وبذلك على بعد هذا المعنى من البياض قولهم في
الأسود مليح وفي العينين إذا اشتد سوادهما وحسنهما كما جاء في تفسير
قوله سبحانه {وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي} [طه: 39]. أنها
ملاحة في العينين وقال الأصمعي: الحسن في العينين والجمال في الأنف
والملاحة في الفم. وقالت امرأة خالد بن صفوان لبعلها: إنك لجميل يا أبا
صفوان فقال وكيف وليس عندي رداء الجمال ولا برنسه ولا عموده؟ ثم قال
عموده الطول وأنا ربعة وبرنسه سواد الشعر وأنا أشمط ورداؤه البياض،
وأنا آدم ولكن قولي: إنك مليح ظريف. فعلمها أن الملاحة قد تكون من صفة
الآدم فهي إذا ليست من معنى البياض في شيء وإنما هي ضد المساسة.
غيرة نساء النبي صلى الله عليه وسلم والنظر إلى المرأة
وقول عائشة في جويرية فوالله ما هو إلا أن رأيتها على باب حجرتي
(7/26)
الحارث بن أبي
ضرار، سيد قومه وقد أصابني من البلاء ما لم يخف عليك، فوقعت في السهم
لثابت بن قيس بن الشماس أو لابن عم له فكاتبته على نفسي فجئتك أستعينك
على كتابتي، قال فهل لك في خير من ذلك؟ قالت وما هو يا رسول الله؟ قال
أقضي عنك كتابتك وأتزوجك ; قالت نعم يا رسول الله قال قد فعلت . قالت
وخرج الخبر إلى الناس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد تزوج جويرية
ابنة الحارث بن أبي ضرار، فقال الناس أصهار رسول الله صلى الله عليه
وسلم وأرسلوا ما بأيديهم قالت فلقد أعتق بتزويجه إياها مائة أهل بيت من
بني المصطلق فما أعلم امرأة كانت أعظم على قومها بركة منها
قال ابن هشام:
ويقال لما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة بني المصطلق
ومعه جويرية بنت الحارث، وكان بذات الجيش دفع جويرية إلى رجل من
الأنصار وديعة وأمره
ـــــــ
فكرهتها. فيه ما كان عليه أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - من
الغيرة عليه والعلم بموقع الجمال منه كما قد روي أنه - عليه السلام -
أنه خطب امرأة فأرسل عائشة لتنظر إليها، فلما رجعت إليه قالت ما رأيت
طائلا، فقال بلى لقد رأيت : خالا قد خدها اقشعرت منه كل شعرة في جسدك.
وأما نظره عليه السلام لجويرية حتى عرف من حسنها ما عرف فإنما ذلك
لأنها كانت امرأة مملوكة ولو كانت حرة ما ملأ عينه منها، لأنه لا يكره
النظر إلى الإماء وجائز أن يكون نظر إليها، لأنه نوى نكاحها، كما نظر
إلى المرأة التي قالت له إني قد وهبت نفسي لك يا رسول الله فصعد فيها
النظر ثم صوب ثم أنكحها من غيره وقد ثبت عنه عليه السلام الرخصة في
النظر إلى المرأة عند إرادة نكاحها، "وقال للمغيرة حين شاوره في نكاح
امرأة لو نظرت إليها، فإن ذلك أحرى أن يؤدم بينكما " وقال مثل ذلك
لمحمد بن مسلمة حين أراد نكاح ثبيتة بنت الضحاك، وقد أجازه مالك في
إحدى الروايتين عنه ذكرها ابن أبي زيد. وفي مسند البزار من طريق أبي
بكرة " لا حرج أن ينظر الرجل إلى المرأة إذا أراد
(7/27)
بالاحتفاظ بها،
وقدم رسول الله المدينة ، فأقبل أبوها الحارث بن أبي ضرار بفداء ابنته
فلما كان بالعقيق نظر إلى الإبل التي جاء بها للفداء فرغب في بعيرين
منها، فغيبهما في شعب من شعاب العقيق، ثم أتى إلى النبي صلى الله عليه
وسلم وقال يا محمد أصبتم ابنتي، وهذا فداؤها، فقال رسول الله صلى الله
عليه وسلم فأين البعيران اللذان غيبتهما بالعقيق، في شعب كذا وكذا؟
فقال الحارث أشهد أن لا إله إلا الله، وأنك محمد رسول الله صلى الله
عليه وسلم فوالله ما اطلع على ذلك إلا الله فأسلم الحارث وأسلم معه
ابنان له وناس من قومه وأرسل إلى البعيرين فجاء بهما، فدفع الإبل إلى
النبي صلى الله عليه وسلم ودفعت إليه ابنته جويرية فأسلمت وحسن
إسلامها، فخطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبيها، فزوجه إياها،
وأصدقها أربعمائة درهم "
الوليد بن عقبة وبنو المصطلق ومانزل في ذلك من القرآن:
قال ابن إسحاق: وحدثني يزيد بن رومان:
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث إليهم بعد إسلامهم الوليد بن عقبة
بن أبي معيط، فلما
ـــــــ
تزوجها، وهي لا تشعر وفي تراجم البخاري: النظر إلى المرأة قبل التزويج
وأورد في الباب قوله عليه السلام لعائشة: أريتك في المنام يجيء بك
الملك في سرقة من حرير فكشفت عن وجهك، فقال هذه امرأتك، فقلت: إن يكن
من عند الله يمضه " وهذا استدلال حسن. وفي قوله إن يكن من عند الله
سؤال لأن رؤياه وحي فكيف يشك في أنها من عند الله.
والجواب أنه لم يشك في صحة الرؤيا، ولكن الرؤيا قد تكون على ظاهرها،
وقد تكون لمن هو نظير المرء أو سميه فمن هاهنا تطرق الشك ما بين أن
تكون على ظاهرها، أو لها تأويل كذلك وسمعت شيخنا يقول في معنى هذا
الحديث ولغيره فيه قول لا أرضاه فلا يخلو نظره عليه السلام إليها من
أحد الأمرين أو يكون ذلك قبل أن يضرب الحجاب وإلا فقد قال الله تعالى
له: {قُلْ
(7/28)
سمعوا به ركبوا
إليه فلما سمع بهم هابهم فرجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره
أن القوم قد هموا بقتله ومنعوه ما قبلهم من صدقتهم فأكثر المسلمون في
ذكر غزوهم حتى هم رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن يغزوهم فبينا هم
على ذلك قدم وفدهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول
الله سمعنا برسولك حين بعثته إلينا، فخرجنا إليه لنكرمه ونؤدي إليه ما
قبلنا من الصدقة فانشمر راجعا، فبلغنا أنه زعم لرسول الله صلى الله
عليه وسلم أنا خرجنا إليه لنقتله ووالله ما جئنا لذلك فأنزل الله تعالى
فيه وفيهم {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ
بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ
فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ وَاعْلَمُوا أَنَّ
فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ
لَعَنِتُّمْ} . [الحجرات 6 - 7 ]. إلى آخر الآية.
وقد أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم من سفره ذلك كما حدثني من لا
أتهم عن الزهري، عن عروة عن عائشة رضي الله عنها، حتى إذا كان قريبا من
المدينة ، وكان معه عائشة في سفره ذلك قال فيها أهل الإفك ما قالوا.
ـــــــ
لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} وهو إمام المتقين وقدوة
الورعين صلى الله عليه وسلم.
جويرية
وأما جويرية فهي بنت الحارث بن أبي ضرار بن حبيب بن عائد بن مالك بن
جذيمة، وجذيمة المصطلق من خزاعة، كان اسمها برة فسماها رسول الله - صلى
الله عليه وسلم - جويرية وقد روي مثل هذا في حديث ميمونة بنت الحارث
وكذلك زينب.
(7/29)
ـــــــ
بنت جحش كان اسمها برة أيضا وزينب بنت أبي سلمة ربيبته عليه السلام كان
اسمها برة فسماهن جمع بغير ذلك الاسم توفيت جويرية في شهر ربيع الأول
سنة ست أو خمس وخمسين من الهجرة وكانت قبل أن تسبى عند مسافع بن صفوان
الخزاعي.
(7/30)
|