الروض الأنف ت السلامي

ذكر غزوة الطائف بعد حنين في سنة ثمان
فلول ثقيف
ولما قدم فل ثقيف الطائف أغلقوا عليهم أبواب مدينتها, وصنعوا الصنائع للقتال.
ـــــــ
غزوة الطائف
ذكر بعض أهل النسب أن الدمون بن الصدف, واسم الصدف: ملك بن مالك بن مرتع بن كندة من حضرموت أصاب دما من قومه فلحق بثقيف فأقام فيهم وقال لهم ألا أبني لكم حائطا يطيف ببلدكم فبناه فسمي به الطائف ، ذكره البكري هكذا قال وإنما هو الدمون بن عبيد بن مالك بن دهقل وهو من الصدف, وله ابنان أدركا النبي - صلى الله عليه وسلم - وبايعاه اسم أحدهما: الهميل والآخر قبيصة, ولم يذكرهما أبو عمر في الصحابة وذكرهما غيره.
وذكر أن أصل أعنابها أن قيس بن منبه وهو ثقيف أصاب دما في قومه أيضا, وهم إياد ففر إلى الحجاز, فمر بامرأة يهودية فآوته وأقام عندها زمانا,

(7/329)


........................................
ـــــــ
ثم انتقل عنها, فأعطته قضبا من الحبلة وأمرته أن يغرسها في أرض وصفتها له فأتى بلاد عدوان, وهم سكان الطائف في ذلك الزمان فمر بسخيلة جارية عامر بن الظرب العدواني وهي ترعى غنما, فأراد سباءها, وأخذ الغنم فقالت له ألا أدلك على خير مما هممت به اقصد إلى سيدي وجاوره فهو أكرم الناس فأتاه فزوجه من بنته زينب بنت عامر فلما جلت عدوان عن الطائف بالحروب التي وقعت بينها أقام قسي, وهو ثقيف, فمنه تناسل أهل الطائف, وسمي قسيا بقسوة قلبه حين قتل أخاه أو ابن عمه وقيل سمي ثقيفا لقولهم فيه ما أثقفه حين ثقف عامرا حتى أمنه وزوجه بنته.
وذكر بعض المفسرين وجها آخر في تسميتها بالطائف فقال في الجنة التي ذكرها الله سبحانه في سورة { ن } حيث يقول { فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ } [القلم 19].
قال كان الطائف جبريل عليه السلام اقتلعها من موضعها, فأصبحت كالصريم وهو الليل أصبح موضعها كذلك ثم سار بها إلى مكة ، فطاف بها حول البيت ثم أنزلها حيث الطائف اليوم فسميت باسم الطائف الذي طاف عليها, وطاف بها, وكانت تلك الجنة بضروان على فراسخ من صنعاء ، ومن ثم كان الماء والشجر بالطائف دون ما حولها من الأرضين وكانت قصة أصحاب الجنة بعد عيسى ابن مريم صلى الله على نبينا وعليه وسلم بيسير ذكر هذا الخبر النقاش وغيره.
فإن قيل فإذا كان ثقيف هو قسي بن منبه كما قال ابن إسحاق وغيره

(7/330)


المتخلفون عن حنين والطائف
ولم يشهد حنينا ولا حصار الطائف عروة بن مسعود ولا غيلان بن سلمة كانا بجرش يتعلمان صنعة الدبابات والمجانيق والضبور.
ـــــــ
فكيف قال سيبويه حاكيا عن العرب: ثقيف بن قسي فجعله ابنا لقسي؟ قيل إنما أراد سيبويه أن الحي سمي ثقيفا, وهم بنو قسي كما قالوا: باهلة بن أعصر وإنما هي أمهم ولكن سمي الحي بها, ثم قيل فيه ابن أعصر كذلك قالوا: ثقيف بن قسي على هذا, ويقوي هذا أن سيبويه إنما قال حاكيا: هؤلاء ثقيف بن قسي.
آلات الحرب في الطائف
فصل : وذكر تعلم أهل الطائف صنعة الدبابات والمجانيق والضبور. الدبابة آلة من آلات الحرب يدخل فيها الرجال فيدبون بها إلى الأسوار لينقبوها, والضبور مثل رءوس الأسفاط يتقى بها في الحرب عند الانصراف وفي العين الضبر جلود يغشى بها خشب يتقى بها في الحرب.
وفي الحديث عن الزهري " أن الله تبارك وتعالى حين مسخ بني إسرائيل قردة مسخ رمانهم المظ وبرهم الذرة وعنبهم الأراك, وجوزهم الضبر "وهو من شجر البرية وله ثمر كالجوز لا نفع فيه فهذا معنى آخر غير الأول وقال أبو حنيفة في الضبر إنه كالجوز ينور ولا يطعم. قال ويقال أظل الظلال ظل الضبرة وظل التنعيمة وظل الحجر, قال وورقها كدار كثيفة فكان ظلها لذلك ألمى كثيفا, وأما المظ الذي تقدم ذكره في الحديث فهو ورمان البر ينور ولا يثمر وله جلنار كما للرمان

(7/331)


مسير الرسول إلى الطائف وشعر كعب
ثم سار رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الطائف حين فرغ من حنين ; فقال كعب بن مالك, حين أجمع رسول الله صلى الله عليه وسلم السير إلى الطائف :
شعر كعب
قضينا من تهامة كل ريب
...
وخيبر ثم أجممنا السيوفا
فلست لحاضن إن لم تروها
...
بساحة داركم منا ألوفا
وننتزع العروش ببطن وج
...
وتصبح دوركم منكم خلوفا
ويأتيكم لنا سرعان خيل
...
يغادر خلفه جمعا كثيفا
ـــــــ
يمتص منه المذخ وهو عسل كثير يشبع من امتصه حتى يملأ بطنه ذكره أبو حنيفة من النبات ".
وأما المجانيق فمعروفة وهي أعجمية عربتها العرب. قال كراع كل كلمة فيها جيم وقاف أو جيم وكاف فهي أعجمية وذلك كالجوالق والجولق وجلق والكيلجة وهي مكيال صغير والكفجلار وهي المغرفة والقبج وهو الحجل وما كان نحو ذلك والميم في منجنيق أصلية عند سيبويه والنون زائدة ولذلك سقطت في الجمع.
حول شعر كعب
وذكر شعر كعب وفيه
وكم من معشر ألبوا علينا
أي جمعوا, وصميم الجذم مفعول بألبوا, وفيه يصف السيوف

(7/332)


إذا نزلوا بساحتكم سمعتم
...
لها مما أناخ بها رجيفا
بأيديهم قواضب مرهفات
...
يزرن المصطلين بها الحتوفا
كأمثال العقائق أخلصتها
...
قيون الهند لم تضرب كتيفا
تخال جدية الأبطال فيها
...
غداة الزحف جاديا مدوفا
أجدهم أليس لهم نصيح
...
من الأقوام كان بنا عريفا
وأنا قد أتيناهم بزحف
...
يحيط بسور حصنهم صفوفا
رئيسهم النبي وكان صلبا
...
نقي القلب مصطبرا عزوفا
رشيد الأمر ذو حكم وعلم
...
وحلم لم يكن نزقا خفيفا
نطيع نبينا ونطيع ربا
...
هو الرحمن كان بنا رءوفا
فإن تلقوا إلينا السلم نقبل
...
ونجعلكم لنا عضدا وريفا
وإن تابوا نجاهدكم ونصبر
...
ولا يك أمرنا رعشا ضعيفا
نجالد ما بقينا أو تنيبوا
...
إلى الإسلام إذعانا مضيفا
نجاهد لا نبالي من لقينا
...
أأهكنا التلاد أم الطريفا
وكم من معشر ألبوا علينا
...
صميم الجذم منهم والحليفا
أتونا لا يرون لهم كفاء
...
فجدعنا المسامع والأنوفا
ـــــــ
كأمثال العقائق أخلصتها
...
قيون الهند لم تضرب كتيفا
العقائق جمع عقيقة وهو البرق تنعق عنه السحاب. وقوله لم تضرب كتيفا, جمع كتيفة وهي صحيفة من حديد صغيرة وأصل الكتيف الضيق من كل شيء.

(7/333)


بكل مهند لين صقيل
...
يسوقهم بها سوقا عنيفا
لأمر الله والإسلام حتى
...
يقوم الدين معتدلا حنيفا
وتنسى اللات والعزى وود
...
ونسلبها القلائد والشنوفا
فأمسوا قد أقروا واطمأنوا
...
ومن لا يمتنع يقبل خسوفا
شعر كنانة في الرد على كعب
فأجابه كنانة بن عبد ياليل بن عمرو بن عمير, فقال
من كان يبغينا يريد قتالنا
...
فإنا بدار معلم لا نريمها
وجدنا بها الآباء من قبل ما ترى
...
وكانت لنا أطواؤها وكرومها
ـــــــ
شعر كنانة
وذكر شعر كنانة بن عبد ياليل الثقفي, وفيه
وكانت لنا أطواؤها وكرومها
الأطواء جمع طوي وهي البئر جمعت على غير قياس توهموا سقوط ياء فعيل منها إذ كانت زائدة. وفيها:
وقد جربتنا قبل عمرو بن عامر
إنما قال هذا جوابا للأنصار لأنهم بنو حارثة بن ثعلبة بن عمرو بن عامر, وعمرو وهو مزيقياء وعامر هو ماء السماء ولم يرد أن الأنصار جربتهم قبل ذلك وإنما أراد إخوتهم وهم خزاعة لأنهم بنو ربيعة بن حارثة بن عمرو بن عامر في أحد القولين وقد كانوا حاربوهم عند نزولهم مكة ، وقال البكري في معنى هذا البيت إنما أراد بني عمرو بن عامر بن صعصعة, وكانوا مجاورين لثقيف وأمهم عمرة بنت عامر بن الظرب العدواني وأختها زينب كانت تحت ثقيف, وأكثر قبائل ثقيف منها, وكانت ثقيف قد أنزلت بني عمرو بن عامر في أرضهم ليعملوا

(7/334)


فأخبرها ذو رأيها وحليمها
وقد علمت إن قالت الحق أننا
...
إذا ما أبت صعر الخدود نقيمها
نقومها حتى يلين شريسها
...
ويعرف للحق المبين ظلومها
علينا دلاص من تراث محرق
...
كلون السماء زينتها نجومها
نرفهها عنا ببيض صوارم
...
إذا جردت في غمرة لا نشيمها
شعر شداد في المسير إلى الطائف
قال ابن إسحاق:
وقال شداد بن عارض الجشمي في مسير رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الطائف:
لا تنصروا اللات إن الله مهلكها
...
وكيف ينصر من هو ليس ينتصر
إن التي حرقت بالسد فاشتغلت
...
ولم يقاتل لدى أحجارها هدر
إن الرسول متى ينزل بلادكم
...
يظعن وليس بها من أهلها بشر
الطريق إلى الطائف
قال ابن إسحاق:
فسلك رسول الله صلى الله عليه وسلم على نخلة اليمانية, ثم على قرن ، ثم على المليح ، ثم على
ـــــــ
فيها, ويكون لهم النصف في الزرع والثمر ثم إن ثقيفا منعتهم ذلك وتحصنوا منهم بالحائط الذي بنوه حول حاضرهم فحاربتهم بنو عمرو بن عامر, فلم يظفروا منهم بشيء وجلوا عن تلك البلاد ولذلك يقول كنانة
وقد جربتنا قبل عمرو بن عامر
البيت ذكره البكري في خبر طويل لخصته.

(7/335)


بحرة الرغاء من لهية فابتنى بها مسجدا فصلى فيه.
قال ابن إسحاق: فحدثني عمرو بن شعيب:
أنه أقاد يومئذ ببحرة الرغاء حين نزلها, بدم وهو أول دم أقيد به في الإسلام رجل من بني ليث قتل رجلا من هذيل, فقتله به وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بلية بحصن مالك بن عوف فهدم ثم سلك في طريق يقال لها: الضيقة, فلما توجه فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم سأل عن اسمها, فقال " ما اسم هذه الطريق؟ " فقيل له الضيقة, فقال " بل هي اليسرى ", ثم خرج منها على نخب حتى نزل تحت سدرة يقال لها: الصادرة ، قريبا من مال رجل من ثقيف, فأرسل إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم " إما أن تخرج وإما أن نخرب عليك حائطك " فأبى أن يخرج فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بإخرابه.
ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزل قريبا من الطائف ، فضرب به عسكره فقتل به ناس من أصحابه بالنبل وذلك أن العسكر اقترب من حائط الطائف ، فكانت النبل تنالهم ولم يقدر المسلمون على أن يدخلوا حائطهم أغلقوه دونهم فلما أصيب أولئك النفر من أصحابه بالنبل وضع عسكره عند مسجده الذي بالطائف اليوم فحاصرهم بضعا وعشرين ليلة.
قال ابن هشام: ويقال سبع عشرة ليلة.
قال ابن إسحاق:
ومعه امرأتان من نسائه إحداهما أم سلمة بنت أبي أمية ضرب لهما قبتين ثم صلى بين القبتين. ثم أقام فلما أسلمت ثقيف بنى على مصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن أمية بن وهب بن معتب بن مالك مسجدا, وكانت في ذلك المسجد سارية فيما يزعمون لا تطلع الشمس عليها يوما من الدهر إلا سمع لها نقيض فحاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقاتلهم قتالا شديدا, وتراموا النبل.
ـــــــ
.....................................

(7/336)


الرسول أول من رمى بالمنجنيق
قال ابن هشام:
ورماهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمنجنيق. حدثني من أثق به أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أول من رمى في الإسلام بالمنجنيق رمى أهل الطائف.
يوم الشدخة
قال ابن إسحاق:
حتى إذا كان يوم الشدخة عند جدار الطائف ، دخل نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت دبابة ثم زحفوا بها إلى جدار الطائف ليحرقوه فأرسلت عليهم ثقيف سكك الحديد محماة بالنار فخرجوا من تحتها, فرمتهم ثقيف بالنبل فقتلوا منهم رجالا, فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقطع أعناب ثقيف, فوقع الناس فيها يقطعون.
المفاوضة مع ثقيف:
وتقدم أبو سفيان بن حرب والمغيرة بن شعبة إلى الطائف ، فناديا ثقيفا: أن
ـــــــ
أول من رمى بالمنجنيق في الجاهلية والإسلام
فصل وذكر حصار الطائف ، وأن أول من رمى بالمنجنيق في الإسلام النبي صلى الله عليه وسلم. قال المؤلف وأما في الجاهلية فيذكر أن جذيمة بن مالك بن فهم بن غنم بن دوس, وهو المعروف بالأبرش أول من رمى بالمنجنيق وكان من ملوك الطوائف وكان يرعف بالوضاح ويقال له أيضا: منادم الفرقدين لأنه ربأ بنفسه عن منادمة الناس فكان إذا شرب نادم الفرقدين عجبا بنفسه ثم نادم بعد ذلك مالكا وعقيلا اللذين يقول فيهما متمم [بن نويرة يرثي أخاه مالكا]:
وكنا كندماني جذيمة حقبة
...
من الدهر حتى قيل لن يتصدعا
ويذكر أيضا أنه أول من أوقد الشمع.

(7/337)


أمنونا حتى نكلمكم فأمنوهما, فدعوا نساء من نساء من قريش وبني كنانة ليخرجن إليهما, وهما يخافان عليهن السباء فأبين منهن آمنة بنت أبي سفيان كانت عند عروة بن مسعود له منها داود بن عروة.
قال ابن هشام:
ويقال إن أم داود ميمونة بنت أبي سفيان, وكانت عند أبي مرة بن عروة بن مسعود فولدت له داود بن أبي مرة.
قال ابن إسحاق:
والفراسية بنت سويد بن عمرو بن ثعلبة, لها عبد الرحمن بن قارب, والفقيمية أميمة بنت الناسئ أمية بن قلع ; فلما أبين عليهما, قال لهما ابن الأسود بن مسعود "يا أبا سفيان ويا مغيرة ألا أدلكما على خير مما جئتما له إن مال بني الأسود بن مسعود حيث قد علمتما, وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين الطائف ، نازلا
ـــــــ
غيلان بن سلمة:
وذكر حلي بادية بنت غيلان وهو غيلان بن سلمة الثقفي, وهو الذي أسلم, وعنده عشر نسوة فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يمسك أربعا, ويفارق سائرهن فقال فقهاء الحجاز: يختار أربعا, وقال فقهاء العراق: بل يمسك التي تزوج أولا, ثم التي تليها إلى الرابعة واحتج فقهاء الحجاز بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يستفصله أيتهن تزوج أول وتركه للاستفصال دليل على أنه مخير حتى جعل الأصوليون منهم هذا أصلا من أصول العموم فقال أبو المعالي في كتاب البرهان ترك الاستفصال

(7/338)


بواد يقال له العقيق, إنه ليس بالطائف مال أبعد رشاء ولا أشد مؤنة ولا أبعد عمارة من مال بني الأسود وإن محمدا إن قطعه لم يعمر أبدا, فكلماه فليأخذ لنفسه أو ليدعه لله وللرحم فإن بيننا وبينه من القرابة ما لا يجهل فزعموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تركه لهم"
رؤيا الرسول وتفسير ابي بكر لها
وقد بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأبي بكر الصديق وهو محاصر ثقيفا: " يا أبا بكر, إني رأيت أني أهديت لي قعبة مملوءة زيدا, فنقرها ديك فهراق ما فيه ا. فقال أبو بكر: ما أظن أن تدرك منهم يومك هذا ما تريد. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا لا أرى ذلك "
ارتحال المسلمين وسبب ذلك
ثم إن خويلة بنت حكيم بن أمية بن حارثة بن الأوقص السلمية وهي امرأة عثمان قالت يا رسول الله أعطني إن فتح الله عليك الطائف حلي بادية ابنة غيلان بن سلمة أو حلي الفارعة بنت عقيل وكانتا من أحلى نساء ثقيف.
ـــــــ
في حكايات الأحوال مع الاحتمال يتنزل منزلة العموم في المقال كحديث غيلان. وغيلان هذا هو الذي قدم على كسرى, فسأله أي ولده أحب إليه؟ فقال غيلان الغائب حتى يقدم والمريض حتى يفيق والصغير حتى يكبر فقال له كسرى: ما غذاؤك في بلدك؟ قال الخبز. قال هذا عقل الخبز تفضيلا لعقله على عقول أهل الور
ونسب المبرد هذه الحكاية مع كسرى إلى هوذة بن علي الحنفي, والصحيح عند الإخباريين ما قدمناه وكذلك قال أبو الفرج.
بادية بنت غيلان
وأما بادية ابنته فقد قيل فيها: بادنة بالنون والصحيح بالياء وكذلك روي عن مالك وهي التي قال فيها هيت المخنث لعبد الله بن أبي أمية" إن فتح الله عليكم الطائف, فإني أدلك على بادية بنت غيلان فإنها تقبل بأربع وتدبر بثمان

(7/339)


فذكر لي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها:" وإن كان لم يؤذن لي في ثقيف يا خويلة؟ " فخرجت خويلة فذكرت ذلك لعمر بن الخطاب فدخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ما حديث حدثتنيه خويلة زعمت أنك قلته؟ قال " قد قلته " ; قال أوما أذن لك فيهم يا رسول الله؟ قال: " لا ". قال أفلا أؤذن بالرحيل؟ قال " بلى ". قال فأذن عمر بالرحيل
ـــــــ
فسمعه النبي صلى الله عليه وسلم فقال " قاتلك الله لقد أمعنت النظر وقال لا يدخلن هؤلاء عليكن " ثم نفاه إلى روضة خاخ فقيل إنه يموت بها جوعا فأذن له أن يدخل المدينة كل جمعة يسأل الناس ويروى في الحديث زيادة لم تقع في الصحيح بعد قوله وتدبر بثمان مع ثغر كالأقحوان إن قامت تثنت وإن قعدت تبنت وإن تكلمت تغنت يعني من الغنة والأصل تغننت فقلبت إحدى النونين ياء وهي هيفاء شموع نجلاء كما قال قيس بن الخطيم
بيضاء فرعاء يستضاء بها
...
كأنها خوط بانة قصف
تنترق الطرف وهي لاهية
...
كأنما شف وجهها نزف
تنام عن كبر شأنها فإذا قا
...
مت رويدا تكاد تنغرف
وفي هذا البيت صحف ابن دريد أعني قوله تغترق فقال هو بالعين المهملة حتى هجي بذلك فقيل
ألست قدما جعلت تعترق ال
...
طرف بجهل مكان تغترق

(7/340)


عيينة وما كان يخفي من نيته
فلما استقل الناس نادى سعيد بن عبيد بن أسيد بن أبي عمرو بن علاج ألا إن الحي مقيم. قال يقول عيينة بن حصن: أجل والله مجدة كراما, فقال له رجل من المسلمين قاتلك الله يا عيينة, أتمدح المشركين بالامتناع من رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد جئت تنصر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إني والله ما جئت لأقاتل ثقيفا معكم
ـــــــ
وقلت: كان الخباء من أدم
...
وهو حباء يهدى ويصطدق
وكان صحف أيضا قول مهلهل فقال فيه الخباء وبادية هذه كانت تحت عبد الرحمن بن عوف, فولدت له جويرية وهي امرأة المسور بن مخرمة.
المخنثون الذين كانوا بالمدينة
وكان المخنثون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة هيت هذا, وهرم وماتع وإنه ولم يكونوا يزنون بالفاحشة الكبرى, وإنما كان تأنيثهم لينا في القول وخضابا في الأيدي والأرجل كخضاب النساء ولعبا كلعبهن وربما لعب بعضهم بالكرج وفي مراسيل أبي داود"أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه رأى لاعبا يلعب بالكرج فقال " لولا أني رأيت هذا يلعب به على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - لنفيته من المدينة" .
عيينة
وذكر عيينة بن حصن, واسمه حذيفة وإنما قيل له عيينة لشتر كان بعينه.

(7/341)


ولكني أردت أن يفتح محمد الطائف ، فأصيب من ثقيف جارية أتطئها, لعلها تلد لي رجلا, فإن ثقيفا قوم مناكير.
ونزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم في إقامته ممن كان محاصرا بالطائف عبيد, فأسلموا, فأعتقهم رسول الله صلى الله عليه وسلم.
عتقاء ثقيف
قال ابن إسحاق: وحدثني من لا أتهم عن عبد الله بن مكدم عن رجال من ثقيف, قالوا:
لما أسلم أهل الطائف تكلم نفر منهم في أولئك العبيد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا, أولئك عتقاء الله "وكان ممن تكلم فيهم الحارث بن كلدة.
قال ابن هشام: وقد سمى ابن إسحاق من نزل من أولئك العبيد.
إطلاق أبي بن مالك من يد مروان وشعر الضحاك في ذلك
قال ابن إسحاق:
وقد كانت ثقيف أصابت أهلا لمروان بن قيس الدوسي وكان قد أسلم, وظاهر
ـــــــ
العبيد الذين نزلوا من حصن الطائف
وذكر العبيد الذين نزلوا من الطائف ، ولم يسمهم ومنهم أبو بكرة نفيع بن مسروح تدلى من سور الطائف على بكرة فكني أبا بكرة وهو من أفاضل الصحابة ومات بالبصرة ومنهم الأزرق وكان عبدا للحارث بن كلدة المتطبب وهو زوج سمية مولاة الحارث أم زياد بن أبي سفيان وأم سلمة بن الأزرق وبنو سلمة بن الأزرق ولهم صيت وذكر بالمدينة وقد انتسبوا إلى غسان, وغلط ابن قتيبة في المعارف فجعل سمية هذه المذكورة أم عمار بن ياسر, وجعل سلمة بن الأزرق أخا عمار بن ياسر لأمه وقد ذكر أن الأزرق خرج من الطائف ، فأسلم وسمية قد كانت قبل ذلك بزمان قتلها أبو جهل وهي إذ ذاك تحت ياسر

(7/342)


رسول الله صلى الله عليه وسلم على ثقيف, فزعمت ثقيف, وهو الذي تزعم به ثقيف أنها من قيس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لمروان بن قيس: خذ يا مروان بأهلك أول رجل من قيس تلقاه فلقي أبي بن مالك القشيري, فأخذه حتى يؤدوا إليه أهله فقام في ذلك الضحاك بن سفيان الكلابي, فكلم ثقيفا حتى أرسلوا أهل مروان وأطلق لهم أبي بن مالك "فقال الضحاك بن سفيان في شيء كان بينه وبين أبي بن مالك
أتنسى بلائي يا أبي بن مالك
...
غداة الرسول معرض عنك أشوس
يقودك مروان بن قيس بحبله
...
ذليلا كما قيد الذلول المخيس
فعادت عليك من ثقيف عصابة
...
متى يأتهم مستقبس الشر يقبسوا
فكانوا هم المولى فعادت حلومهم
...
عليك وقد كادت بك النفس تيأس
قال ابن هشام: "يقبسوا" عن غير ابن إسحاق.
الشهداء المسلمين يوم الطائف
قال ابن إسحاق:
ـــــــ
أبي عمار كما تقدم في باب المبعث فتبين غلط ابن قتيبة ووهمه وكذلك قال أبو عمر النمري كما قلت. ومن أولئك العبيد المنبعث وكان اسمه المضطجع فبدل النبي صلى الله عليه وسلم اسمه وكان عبدا لعثمان بن عامر بن معتب.
ومنهم يحنس النبال وكان عبدا لبعض آل يسار.
ومنهم وردان جد الفرات بن زيد بن وردان, وكان لعبد الله بن ربيعة بن خرشة وإبراهيم بن جابر وكان أيضا لخرشة وجعل النبي - صلى الله عليه وسلم - ولاء هؤلاء العبيد لسادتهم حين أسلموا. كل هذا ذكره ابن إسحاق في غير رواية ابن هشام.

(7/343)


هذه تسمية من استشهد من المسلمين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الطائف :
من قريش
من قريش, ثم من بني أمية بن عبد شمس: سعيد بن سعيد بن العاص بن أمية, وعرفطة بن جناب حليف لهم من الأسد بن الغوث.
قال ابن هشام: ويقال ابن حباب.
قال ابن إسحاق:
ومن بني تيم بن مرة عبد الله بن أبي بكر الصديق, رمي بسهم فمات منه بالمدينة بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ومن بني مخزوم عبد الله بن أبي أمية بن المغيرة, من رمية رميها يومئذ.
ومن بني عدي بن كعب: عبد الله بن عامر بن ربيعة, حليف لهم.
ومن بني سهم بن عمرو: السائب بن الحارث بن قيس بن عدي, وأخوه عبد الله بن الحارث.
ومن بني سعد بن ليث جليحة بن عبد الله.
من الأنصار
واستشهد من الأنصار:
من بني سلمة: ثابت بن الجذع.
ـــــــ
وذكر أبو عمر فيهم نافع بن مسروح, وهو أخو نفيع أبي بكرة ويقال فيه وفي أخيه ابن الحارث بن كلدة.
وذكر ابن سلام فيهم نافعا مولى غيلان بن سلمة الثقفي, وذكر أن ولاءه رجع إلى غيلان حين أسلم وأحسبه وهما من ابن سلام أو ممن رواه عنه وإنما المعروف نافع بن غيلان والله أعلم.

(7/344)


ومن بني مازن بن النجار الحارث بن سهل بن أبي صعصعة.
ومن بني ساعدة المنذر بن عبد الله.
ومن الأوس: رقيم بن ثابت بن ثعلبة بن زيد بن لوذان بن معاوية.
فجميع من استشهد بالطائف من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم اثنا عشر رجلا, سبعة من قريش, وأربعة من الأنصار, ورجل من بني ليث.
شعر في حنين والطائف
فلما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الطائف بعد القتال والحصار قال بجير بن زهير بن أبي سلمى يذكر حنينا والطائف
كانت علالة يوم بطن حنين
...
وغداة أوطاس ويوم الأبرق
ـــــــ
من نسب بجير بن زهير
وذكر شعر بجير بن زهير بن أبي سلمى, واسم أبي سلمى: ربيعة, وهو من بني لاطم بن عثمان وهي مزينة, عرفوا بأمهم وقد قدمنا أنها بنت كلب بن وبرة وأن أختها الحوأب وبها سمي ماء الحوأب وعثمان هو ابن أد بن طابخة.
حول شعر بجير
وقوله:
كانت علالة يوم بطن حنين
هذا من الإقواء الذي تقدم ذكره وهو أن ينقص حرفا من آخر القسيم الأول من الكامل وهو الذي كان الأصمعي يسميه المقعد.

(7/345)


جمعت بإغواء هوازن جمعها
...
فتبدوا كالطائر المتمزق
لم يمنعوا منا مقاما واحدا
...
إلا جدارهم وبطن الخندق
ولقد تعرضنا لكيما يخرجوا
...
فتحصنوا منا بباب مغلق
ترتد حسرانا إلى رجراجة
...
شهباء تلمع بالمنايا فيلق
ملمومة خضراء لو قذفوا بها
...
حضنا لظل كأنه لم يخلق
مشي الضراء على الهراس كأننا
...
قدر تفرق في القياد وتلتقي
ـــــــ
وقوله كانت علالة. العلالة جري بعد جري أو قتال بعد قتال يريد أن هوازن جمعت جمعها علالة في ذلك اليوم وحذف التنوين من علالة ضرورة وأضمر في كانت اسمها, وهو القصة وإن كانت الرواية بخفض يوم فهو أولى من التزام الضرورة القبيحة بالنصب ولكن ألفيته في النسخة المقيدة وإذا كان اليوم مخفوضا بالإضافة جاز في علالة أن يكون منصوبا على خبر كان فيكون اسمها عائدا على شيء تقدم ذكره ويجوز الرفع في علالة مع إضافتها إلى يوم على أن تكون كان تامة مكتفية باسم واحد ويجوز أن تجعلها اسما علما للمصدر مثل برة وفجار وينصب يوم على الظرف كما تقيد في النسخة.
وقوله ترتد حسرانا, جمع: حسير وهو الكليل. والرجراجة الكتيبة الضخمة من الرجرجة وهي شدة الحركة والاضطراب. وفيلق من الفلق وهي الداهية. والهراس شوك معروف والضراء الكلاب وهي إذا مشت في الهراس ابتغت لأيديها موضعا, ثم تضع أرجلها في موضع أيديها, شبه الخيل بها. والفدر الوعول المسنة. والنهيء الغدير, سمي بذلك لأنه ماء نهاه ما ارتفع من الأرض عن السيلان فوقف.

(7/346)


في كل سابغة إذا ما استحصنت
...
كالنهي هبت ريحه المترقرق
جدل تمس فضولهن نعالنا
...
من نسج داود وآل محرق
أمر أموال هوازن وسباياها وعطايا المؤلفة قلوبهم منها وإنعام رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها
دعاء الرسول لهوزان
ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حين انصرف عن الطائف على دحنا حتى نزل الجعرانة فيمن معه من الناس ومعه من هوازن سبي كثير وقد قال له رجل من أصحابه يوم ظعن عن ثقيف: يا رسول الله ادع عليهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " اللهم اهد ثقيفا وأت بهم ".
من الرسول على هوزان
ثم أتاه وفد هوازن بالجعرانة وكان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من سبي هوازن ستة آلاف من الذراري والنساء ومن الإبل والشاء ما لا يدرى ما عدته.
ـــــــ
وقوله جدل: جمع جدلاء وهي الشديدة الفتل ومن رواه: جدل فمعناه: ذات جدل.
وقوله وآل محرق يعني عمر بن هند ملك الحيرة ، وقد تقدم في أول الكتاب سبب تسميته بمحرق وفي زمانه ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما ذكروا - والله أعلم.
دحنا ومسح ظهر آدم
فصل وذكر انصراف النبي صلى الله عليه وسلم عن الطائف على دحنا. ودحنا هذه هي التي خلق من تربها آدم صلى الله على نبينا وعليه وفي الحديث " إن الله خلق آدم من

(7/347)


قال ابن إسحاق: فحدثني عمرو بن شعيب, عن أبيه عن جده عبد الله بن عمرو:
أن وفد هوازن أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أسلموا, فقالوا: يا رسول إنا أصل وعشيرة, وقد أصابنا من البلاء ما لم يخف عليك, فامنن علينا, من الله عليك. قال وقام رجل من هوازن, ثم أحد بني سعد بن بكر, يقال له زهير يكنى أبا صرد فقال يا رسول الله إنما في الحظائر عماتك وخالاتك وحواضنك اللاتي كن يكفلنك, ولو أنا ملحنا للحارث بن أبي شمر, أو النعمان بن المنذر, ثم نزل منا بمثل الذي نزلت به رجونا عطفه وعائدته علينا, وأنت خير المكفولين
ـــــــ
دحنا, ومسح ظهره بنعمان الأراك "رواه ابن عباس, وكان مسح ظهر آدم بعد خروجه من الجنة باتفاق من الروايات واختلفت الرواية في مسح ظهره فروي ما تقدم وهو أصح, وروي أن ذلك كان في سماء الدنيا قبل هبوطه إلى الأرض وهو قول السدي, وكلتا الروايتين ذكرهما الطبري.
وقوله حتى نزل الجعرانة ، بسكون العين فيها هو أصح الروايتين وقد ذكر الخطابي أن كثيرا من أهل الحديث يشددون الراء وقد ذكر أن المرأة التي نقضت غزلها من بعد قوة كانت تلقب بالجعرانة واسمها: ريطة بنت سعد وأن الموضع يسمى بها, والله أعلم.
حول قول زهير أبي صرد
فصل : وذكر زهيرا أبا صرد وقوله للنبي صلى الله عليه وسلم ولو أنا ملحنا للحارث بن أبي شمر, أو للنعمان بن المنذر وقد تقدم في أول الكتاب التعريف بالحارث وبالنعمان وملحنا: أرضعنا, والملح الرضاع قال الشاعر

(7/348)


قال ابن هشام: ويروى: ولو أنا مالحنا الحارث بن أبي شمر, أو النعمان بن المنذر.
قال ابن إسحاق: فحدثني عمرو بن شعيب, عن أبيه عن جده عبد الله بن عمرو, قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " بناؤكم ونساؤكم أحب إليكم أم أموالكم؟ " فقالوا: يا رسول الله خيرتنا بين أموالنا وأحسابنا, بل ترد إلينا نساءنا وأبناءنا, فهو أحب إلينا, فقال لهم " أما ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لكم وإذا ما أنا صليت الظهر بالناس فقوموا فقولوا: إنا نستشفع برسول الله إلى المسلمين وبالمسلمين إلى رسول الله في أبنائنا ونسائنا, فسأعطيكم عند ذلك وأسأل لكم " فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس الظهر قاموا فتكلموا بالذي أمرهم به فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " وأما ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لكم ". فقال المهاجرون: وما كان لنا فهو لرسول الله صلى الله عليه وسلم. وقالت الأنصار: وما كان لنا فهو لرسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال الأقرع بن حابس أما أنا وبنو تميم فلا. وقال عيينة بن حصن أما أنا وبنو فزارة فلا. وقال عباس بن مرداس أما أنا وبنو سليم فلا فقالت بنو سليم: بلى, ما كان لنا فهو لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال يقول عباس بن مرداس لبني سليم وهنتموني.
ـــــــ
فلا يبعد الله رب العبا
...
د والملح ما ولدت خالده
هم المطعمو الضيف شحم السنام
...
والكاسر و الليلة البارده
وهم يكسرون صدور القنا
...
بالخيل تطرد أو طارده
فإن يكن الموت أفناهم
...
فللموت ما تلد الوالده
وأما زهير الذي ذكره فهو ابن صرد يكنى أبا صرد وقيل أبا جرول, وكان من رؤساء بني جشم ولم يذكر ابن إسحاق شعره في النبي صلى الله عليه وسلم ذلك اليوم في رواية البكائي وذكره في رواية إبراهيم بن سعد عنه وهو
أمنن علينا رسول الله في كرم
...
فإنك المرء نرجوه وننتظر

(7/349)


فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أما من تمسك منكم بحقه من هذا السبي فله بكل إنسان ست فرائض من أول سبي أصيبه فردوا إلى الناس أبناءهم ونساءهم.
قال ابن إسحاق: وحدثني أبو وجزة يزيد بن عبيد السعدي:
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطى علي بن أبي طالب رضي الله عنه جارية يقال لها: ريطة بنت هلال بن حيان بن عميرة بن هلال بن ناصرة بن قصية بن نصر بن سعد بن بكر, وأعطى عثمان بن عفان جارية يقال لها: زينب بنت حيان بن عمرو بن حيان, وأعطى عمر بن الخطاب جارية فوهبها لعبد الله بن عمر ابنه.
ـــــــ
امنن على بيضة قد عاقها قدر
...
ممزق شملها في دهرها غير
يا خير طفل ومولود ومنتخب
...
في العالمين إذا ما حصل البشر
إن لم تداركهم نعماء تنشرها
...
يا أرجح الناس حلما حين يختبر
امنن على نسوة قد كنت ترضعها
...
إذ فوك تملأه من محضها الدرر
إذ كنت طفلا صغيرا كنت ترضعها
...
وإذ يزينك ما تأتي وما تدر
لا تجعلنا كمن شالت نعامته
...
واستبق منا منه معشر زهر
يا خير من مرحت كمت الجياد به
...
عند الهياج إذا ما استوقد الشرر
إنا لنشكر آلاء وإن كفرت
...
وعندنا بعد هذا اليوم مدخر
إنا نؤمل عفوا منك تلبسه
...
هذي البرية إذ تعفو وتنتصر
فاغفر عفا الله عما أنت راهبه
...
يوم القيامة إذ يهدى لك الظفر
من أحكام السبايا
فصل وذكر رد السبايا إلى هوازن, وأنه من لم تطب نفسه بالرد عوضه مما كان بيده واستطاب نفوس الباقين وذلك أن المقاسم كانت قد وقعت فيهم ولا

(7/350)


قال ابن إسحاق: فحدثني نافع مولى عبد الله بن عمر, عن عبد الله بن عمر,
قال:
بعثت بها إلى أخوالي من بني جمح ليصلحوا لي منها, ويهيئوها, حتى أطوف
ـــــــ
يجوز للإمام أن يمن على الأسرى بعد القسم ويجوز له ذلك قبل المقاسم كما فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - بأهل خيبر حين من عليهم وتركهم عمالا للمسلمين في أرضهم التي افتتحوها عنوة كذلك قال أبو عبيد, قال ولا يجوز للإمام أن يمن عليهم فيردهم إلى دار الحرب ولكن على أن يؤدوا الجزية ويكونوا تحت حكم المسلمين قال والإمام مخير في الأسرى بين القتل والفداء والمن والاسترقاق والفداء بالنفوس لا بالمال كذلك قال أكثر الفقهاء هذا في الرجال وأما الذراري والنساء فليس إلا الاسترقاق أو المفاداة بالنفوس دون المال كما تقدم.
وذكر الجارية التي أعطيها عبد الله بن عمر, وأنه بعث بها إلى أخواله من بني جمح ليصلحوا له منها كي يصيبها, وهذا لأنها كانت قد أسلمت لأنه لا يجوز وطء وثنية ولا مجوسية بملك يمين ولا بنكاح حتى تسلم وإن كانت ذات زوج فلا بد أيضا من استبرائها, وأما الكتابيات فلا خلاف في جواز وطئهن بملك اليمين وقد روي عن طائفة من التابعين منهم عمرو بن دينار إباحة وطء المجوسية والوثنية بملك اليمين وقول الله تعالى: {وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} [البقرة: 221] تحريم عام إلا ما خصصته آية المائدة من الكتابيات والنكاح يقع على الوطء بالعقد والملك.
حول سبي حنين:
وكان سبي حنين ستة آلاف رأس وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - قد ولى أبا سفيان

(7/351)


بالبيت ثم آتيهم وأنا أريد أن أصيبها إذا رجعت إليها. قال فخرجت من المسجد حين فرغت, فإذا الناس يشتدون فقلت: ما شأنكم؟ قالوا: رد علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءنا وأبناءنا ; فقلت: تلكم صاحبتكم في بني جمح فاذهبوا فخذوها, فذهبوا إليها, فأخذوها.
قال ابن إسحاق:
ـــــــ
ابن حرب أمرهم وجعله أمينا عليهم قاله الزبير وفي حديث آخر ذكره الزبير بإسناد حسن أن أبا جهم بن حذيفة العدوي كان على الأنفال يوم حنين, فجاءه خالد بن البرصاء فأخذ من الأنفال زمام شعر فمانعه أبو جهم فلما تمانعا ضربه أبو جهم بالقوس فشجه منقلة فاستعدى عليه خالد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال له خذ خمسين شاة ودعه فقال أقدني منه فقال خذ مائة ودعه فقال أقدني منه فقال خذ خمسين ومائة ودعه وليس لك إلا ذلك ولا أقصك من وال عليك فقومت الخمسون والمائة بخمس عشرة فريضة من الإبل فمن هنالك جعلت دية المنقلة خمس عشرة فريضة.
إعطاء المؤلفة قلوبهم من الغنائم:
فصل وأما إعطاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المؤلفة قلوبهم من غنائم حنين حتى تكلمت الأنصار في ذلك وكثرت منهم القالة وقالت يعطي صناديد العرب ولا يعطينا, وأسيافنا تقطر من دمائهم فللعلماء في هذه المسألة ثلاثة أقوال
أحدها أنه أعطاهم من خمس الخمس وهذا القول مردود لأن خمس الخمس ملك له ولا كلام لأحد فيه.

(7/352)


وأما عيينة بن حصن فأخذ عجوزا من عجائز هوازن, وقال حين أخذها: أرى عجوزا إني لأحسب لها في الحي نسبا, وعسى أن يعظم فداؤها فلما رد رسول الله صلى الله عليه وسلم السبايا بست فرائض أبى أن يردها, فقال له زهير أبو صرد خذها عنك, فوالله ما فوها ببارد ولا ثديها بناهد ولا بطنها بوالد ولا زوجها بواجد ولا درها بماكد. فردها بست فرائض حين قال له زهير ما قال فزعموا أن عيينة لقي الأقرع
ـــــــ
القول الثاني : أنه أعطاهم من رأس الغنيمة وأن ذلك مخصوص بالنبي صلى الله عليه وسلم لقوله تبارك وتعالى: {قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ} [الأنفال 1] وهذا القول أيضا يرده ما تقدم من نسخ هذه الآية وقد تقدم الكلام عليها في غزوة بدر غير أن بعض العلماء احتج لهذا القول بأن الأنصار لما انهزموا يوم حنين فأيد الله رسوله وأمده بملائكته فلم يرجعوا حتى كان الفتح رد الله تعالى أمر المغانم إلى رسوله من أجل ذلك فلم يعطهم منها شيئا وقال لهم " ألا ترضون يا معشر الأنصار أن يذهب الناس بالشاة والبعير وترجعوا برسول الله إلى رحالكم " فطيب نفوسهم بذلك بعدما فعل ما أمر به.
والقول الثالث : وهو الذي اختاره أبو عبيد أن إعطاءهم كان من الخمس حيث يرى أن فيه مصلحة للمسلمين.
فصل ومما لم يذكر ابن إسحاق يوم حنين "أن خالد بن الوليد أثقل بالجراحة يومئذ فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم يقول من يدلني على رحل خالد حتى دل عليه فوجده قد أسند إلى مؤخرة رحله فنفث على جرحه فبرئ "ذكره الكشي.
وصف عجوز ابن حصن
فصل وذكر عيينة بن حصن وقول زهير بن صرد له في العجوز التي أخذها: ما فوها ببارد ولا ثديها بناهد ولا درها بماكد ويقال أيضا: بناكد يريد ليست بغزيرة الدر والنوق النكد الغزيرات اللبن وأحسبه من الأضداد

(7/353)


بن حابس فشكا إليه ذلك فقال إنك والله ما أخذتها بيضاء غريرة ولا نصفا وثيرة.
إسلام مالك بن عوف النصري
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لوفد هوازن, وسألهم عن مالك بن عوف ما فعل؟ فقالوا: هو بالطائف مع ثقيف, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبروا مالكا أنه إن أتاني مسلما رددت عليه أهله وماله وأعطيته مائة من الإب ل فأتي مالك بذلك فخرج إليه من الطائف. وقد كان مالك خاف ثقيفا على نفسه أن يعلموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له ما قال فيحبسوه فأمر براحلته فهيئت له وأمر بفرس له فأتي به إلى الطائف, فخرج ليلا, فجلس على فرسه فركضه حتى أتى راحلته حيث أمر بها أن تحبس فركبها
ـــــــ
لأنه قد يقال أيضا نكد لبنها إذا نقص قاله صاحب العين والصحيح عند أكثرهم أن النكد هي القليلات اللبن من قوله عز وجل {لا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِداً} [الأعراف 58] وأن المكد بالميم هي الغزيرات اللبن قال ابن سراج لأنه من مكد في المكان إذا أقام فيه وقد يقال أيضا: نكد في معنى مكد أي ثبت.
الأقرع بن حابس
وذكر "الأقرع بن حابس وكان من المؤلفة قلوبهم ثم حسن إسلامه بعد وهو الذي قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين نزلت {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ} [آل عمران: 97] أفي كل عام يا رسول الله؟ قال لو قلتها لوجبت "وهو الذي "قال للنبي صلى الله عليه وسلم حين أقطع أبيض بن حمال الماء الذي بمأرب أتدري ما أقطعته يا رسول الله؟ إنما أقطعته الماء العد فاسترجعه النبي - صلى الله عليه وسلم "- وهو حديث مشهور غير أنه لم يسم قائل هذا الكلام فيه إلا الدارقطني في روايته وزاد فيه

(7/354)


فلحق برسول الله صلى الله عليه وسلم فأدركه بالجعرانة أو بمكة فرد عليه أهله وماله وأعطاه مائة من الإبل وأسلم فحسن إسلامه" فقال مالك بن عوف حين أسلم:
ما إن رأيت ولا سمعت بمثله
...
في الناس كلهم بمثل محمد
أوفى وأعطى للجزيل إذا اجتدي
...
ومتى تشأ يخبرك عما في غد
إذا الكتيبة عردت أنيابها
...
بالسمهري وضرب كل مهند
فكأنه ليث على أشباله
...
وسط الهباءة خادر في مرصد
فاستعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم على من أسلم من قومه وتلك القبائل ثمالة وسلمة وفهم فكان يقاتل بهم ثقيفا, لا يخرج لهم سرح إلا أغار عليه حتى ضيق عليهم فقال أبو محجن بن حبيب بن عمرو بن عمير الثقفي:
هابت الأعداء جانبنا
...
ثم تغزونا بنو سلمه
ـــــــ
أيضا: "قال أبيض على أن يكون صدقة مني يا رسول الله على المسلمين فقال نعم "وأما نسب الأقرع بن حابس فهو ابن حابس بن عقال بن محمد بن سفيان بن مجاشع [بن دارم] التميمي المجاشعي الدارمي وأما عيينة فاسمه حذيفة بن حصن بن حذيفة بن بدر الفزاري, وقد تقدم ذكره.
مالك بن عوف
فصل : وذكر تولية النبي صلى الله عليه وسلم مالك بن عوف على ثمالة وبني سلمة وفهم. وثمالة هم بنو أسلم بن أحجن أمهم ثمالة وقول أبي محجن فيه
هابت الأعداء جانبنا
...
ثم تغزونا بنو سلمه
هكذا تقيد في النسخة بكسر اللام والمعروف في قبائل قيس: سلمة بالفتح إلا أن يكونوا من الأزد, فإن ثمالة المذكورين معهم حي من الأزد وفهم من دوس, وهم من الأزد أيضا, وأمهم جديلة وهي من غطفان بن قيس بن غيلان على أنه لا يعرف في الأزد سلمة إلا في الأنصار, وهم من الأزد وسلمة أيضا في

(7/355)


وأتانا مالك بهم
...
ناقضا للعهد والحرمه
وأتونا في منازلنا
...
ولقد كنا أولي نقمه
قسم الفيء
قال ابن إسحاق:
ولما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من رد سبايا حنين إلى أهلها, ركب واتبعه الناس يقولون يا رسول الله أقسم علينا فيئنا من الإبل والغنم حتى ألجئوه إلى شجرة فاختطفت عنه رداءه فقال أدوا علي ردائي أيها الناس فوالله أن لو كان لكم بعدد شجر تهامة نعما لقسمته عليكم ثم ما ألفيتموني بخيلا ولا جبانا ولا كذابا , ثم قام إلى جنب بعير. فأخذ وبرة من سنامه فجعلها بين أصبعيه ثم رفعها, ثم قال أيها الناس والله ما لي من فيئكم ولا هذه الوبرة إلا الخمس والخمس مردود عليكم. فأدوا الخياط والمخيط فإن الغلول يكون على أهله عارا ونارا وشنارا يوم القيامة . قال فجاء رجل من الأنصار بكبة من خيوط شعر فقال يا رسول الله أخذت هذه الكبة أعمل بها برذعة بعير لي دبر فقال أما نصيبي منها فلك قال أما إذ بلغت هذا فلا حاجة لي بها, ثم طرحها من يده"
ـــــــ
جعفى هم وسلمة بن عمرو بن ذهل بن مران بن جعفي وسلمة في جهينة أيضا سلمة بن نصر بن غطفان بن قيس بن جهينة وجعفي من مذحج وجهينة من قضاعة.
وأما محجن فاسمه مالك بن حبيب, وقيل عبد الله بن حبيب بن عمرو بن عمير بن عوف بن عقدة بن غيرة بن عوف بن قيس الثقفي وقد تقدم نسب أحجن عند ذكرنا لهب بن أحجن قبل باب المبعث.
وذكر أبا السنابل بن بعكك واسمه حبة أحد بني عبد الدار وكان شاعرا

(7/356)


قال ابن هشام: وذكر زيد بن أسلم,عن أبيه
أن عقيل بن أبي طالب دخل يوم حنين على امرأته فاطمة بنت شيبة بن ربيعة, وسيفه متلطخ دما, فقالت إني قد عرفت أنك قد قتلت, فماذا أصبت من غنائم المشركين؟ فقال دونك هذه الإبرة تخيطين بها ثيابك, فدفعها إليها, فسمع منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من أخذ شيئا فليرده حتى الخياط والمخيط . فرجع عقيل فقال ما أرى إبرتك إلا قد ذهبت, فأخذها, فألقاها في الغنائم.
عطاء المؤلفة قلوبهم
قال ابن إسحاق:
وأعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم المؤلفة قلوبهم وكانوا أشرافا من أشراف الناس يتألفهم ويتألف بهم قومهم فأعطى أبا سفيان بن حرب مائة بعير وأعطى ابنه معاوية مائة بعير وأعطى حكيم بن حزام مائة بعير وأعطى الحارث بن الحارث بن كلدة, أخا بني عبد الدار مائة بعير.
قال ابن هشام: نصير بن الحارث بن كلدة, ويجوز أن يكون اسمه الحارث أيضا.
قال ابن إسحاق:
وأعطى الحارث بن هشام مائة بعير وأعطى سهيل بن عمرو مائة بعير وأعطى حويطب بن عبد العزى بن أبي قيس مائة بعير وأعطى العلاء بن جارية الثقفي حليف بني زهرة مائة بعير وأعطى عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر مائة بعير وأعطى الأقرع
ـــــــ
وحديثه مع سبيعة الأسلمية حين آمت من زوجها مذكور في الصحاح.

(7/357)


ابن حابس التميمي مائة بعير. وأعطى مالك بن عوف النضري مائة بعير وأعطى صفوان بن أمية مائة بعير فهؤلاء أصحاب المئين.
وأعطى دون المائة رجالا من قريش, منهم مخرمة بن نوفل الزهري, وعمير بن وهب الجمحي, وهشام بن عمرو أخو بني عامر بن لؤي, لا أحفظ ما أعطاهم وقد عرفت أنها دون المائة وأعطى سعيد بن يربوع بن عنكثة بن عامر بن مخزوم خمسين من الإبل وأعطى السهمي خمسين من الإبل.
قال ابن هشام: واسمه عدي بن قيس.
شعر ابن مرداس يستقبل ما أخذ وإرضاء الرسول له
قال ابن إسحاق:
وأعطى عباس بن مرداس أباعر فسخطها, فعاتب فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عباس بن مرداس يعاتب رسول الله صلى الله عليه وسلم
كانت نهابا تلافيتها
...
بكري على المهر في الأجرع
وإيقاظي القوم أن يرقدوا
...
إذا هجع الناس لم أهجع
فأصبح نهبي ونهب العبيد
...
بين عيينة والأقرع
وقد كنت في الحرب ذا تدرإ
...
فلم أعط شيئا ولم أمنع
إلا أفائل أعطيتها
...
عديد قوائمها الأربع
وما كان حصن ولا حابس
...
يفوقان شيخي في المجمع
وما كنت دون امرئ منهما
...
ومن تضع اليوم لا يرفع
قال ابن هشام: أنشدني يونس النحوي:
فما كان حصن ولا حابس
...
يفوقان مرداس في المجمع
قال ابن إسحاق:
ـــــــ
............................................

(7/358)


فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اذهبوا به فاقطعوا عني لسانه فأعطوه حتى رضي فكان ذلك قطع لسانه الذي أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال ابن هشام: وحدثني بعض أهل العلم "أن عباس بن مرداس أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم أنت القائل
فأصبح نهبي ونهب العبيد بين الأقرع وعيينة؟
فقال أبو بكر الصديق: بين عيينة والأقرع فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هما واحد فقال أبو بكر أشهد أنك كما قال الله {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ} [يس: 69].
قال ابن هشام: وحدثني من أثق به من أهل العلم في إسناد له عن ابن شهاب الزهري, عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن "ابن عباس, قال
ـــــــ
قول النبي صلى الله عليه وسلم لمرداس:
فصل وذكر "قول النبي صلى الله عليه وسلم لعباس بن مرداس أنت القائل فأصبح نهبي ونهب العبيد بين الأقرع وعيينة؟
فقال أبو بكر الصديق: بين عيينة والأقرع فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هما واحد يعني في المعنى, وأما في الفصاحة فالذي أجري على لسانه صلى الله عليه وسلم هو الأفصح في تنزيل الكلام وترتيبه وذلك أن القبلية تكون بالفضل نحو قوله تعالى: {مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ} [النساء 69] وتكون بالرتبة نحو قوله تعالى حين ذكر اليهود والنصارى, فقدم اليهود لمجاورتهم المدينة ، فهم في الرتبة قبل النصارى, وقبلية بالزمان نحو ذكر التوراة والإنجيل بعده ونوحا وإبراهيم وقبلية بالسبب وهو أن يذكر ما هو علة الشيء وسبب وجوده ثم يذكر المسبب بعده وهو كثير في الكلام مثل أن يذكر معصية وعقابا أو طاعة وثوابا فالأجود في حكم الفصاحة تقديم السبب.

(7/359)


بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم من قريش وغيرهم فأعطاهم يوم الجعرانة من غنائم حنين.
من بني أمية بن عبد شمس: أبو سفيان بن حرب بن أمية, وطليق بن سفيان بن أمية, وخالد بن أسيد بن أبي العيص بن أمية.
ومن بني عبد الدار بن قصي: شيبة بن عثمان بن أبي طلحة بن عبد العزى بن عثمان بن عبد الدار, وأبو السنابل بن بعكك بن الحارث بن عميلة بن السباق بن عبد الدار, وعكرمة بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار.
ومن بني مخزوم بن يقظة زهير بن أبي أمية بن المغيرة, والحارث بن هشام بن المغيرة, وخالد بن هشام بن المغيرة وهشام بن الوليد بن المغيرة, وسفيان بن عبد الأسد بن عبد الله بن عمر بن مخزوم, والسائب بن أبي السائب بن عائذ بن عبد الله بن عمر بن مخزوم.
ومن بني عدي بن كعب: مطيع بن الأسود بن حارثة بن نضلة وأبو جهم بن حذيفة بن غانم.
ومن بني جمح بن عمرو. صفوان بن أمية بن خلف, وأحيحة بن أمية بن خلف, وعمير بن وهب بن خلف.
ومن بني سهم عدي بن قيس بن حذافة.
ومن بني عامر بن لؤي: حويطب بن عبد العزى بن أبي قيس بن عبد ود وهشام بن عمرو بن ربيعة بن الحارث بن حبيب.
ـــــــ
القبلية بين الأقرع وعيينة
والأقرع وعيينة من باب قبلية المرتبة وقبلية الفضل أما قبلية الرتبة فإنه من خندف, ثم من بني تميم فهو أقرب إلى النبي صلى الله عليه وسلم من عيينة فترتب في الذكر قبله وأما قبلية الفضل فإن الأقرع حسن إسلامه وعيينة لم يزل معدودا في أهل الجفاء حتى ارتد وآمن بطليحة وأخذ أسيرا فجعل الصبيان يقولون له - وهو يساق

(7/360)


ومن أفناء القبائل من بني بكر بن عبد مناة بن كنانة نوفل بن معاوية بن عروة بن صخر بن رزن بن يعمر بن نفاثة بن عدي بن الديل.
ومن بني قيس, ثم من بني عامر بن صعصعة ثم من بني كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة علقمة بن علاثة بن عوف بن الأحوص بن جعفر بن كلاب, ولبيد بن ربيعة بن مالك بن جعفر بن كلاب.
ومن بني عامر بن ربيعة: خالد بن هوذة بن ربيعة بن عمرو بن عامر بن ربيعة بن عامر بن صعصعة وحرملة بن هوذة بن ربيعة بن عمرو.
ومن بني نصر بن معاوية مالك بن عوف بن سعيد بن يربوع.
ومن بني سليم بن منصور عباس بن مرداس بن أبي عامر, أخو بني الحارث بن بهثة بن سليم.
ومن بني غطفان, ثم من بني فزارة عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر.
ومن بني تميم ثم من بني حنظلة الأقرع بن حابس بن عقال من بني مجاشع بن دارم.
سئل الرسول عن عدم إعطائه جعيلا فأجاب
قال ابن إسحاق: وحدثني محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي:
ـــــــ
إلى أبي بكر - ويحك يا عدو الله ارتددت بعد إيمانك, فيقول والله ما كنت آمنت, ثم أسلم في الظاهر ولم يزل جافيا أحمق حتى مات وبحسبك تسمية النبي صلى الله عليه وسلم له " الأحمق المطاع "ومما يذكر من جفائه أن عمرو بن معدي كرب نزل به

(7/361)


أن قائلا قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم من أصحابه يا رسول الله أعطيت عيينة بن حصن والأقرع بن حابس مائة مائة وتركت جعيل بن سراقة الضمري فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أما والذي نفس محمد بيده لجعيل بن سراقة خير من طلاع الأرض كلهم مثل عيينة بن حصن والأقرع بن حابس ولكني تألفتهما ليسلما, ووكلت جعيل بن سراقة إلى إسلامه "
اعتراض ذي الخويصرة التميمي
قال ابن إسحاق: وحدثني أبو عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر, عن مقسم أبي القاسم مولى عبد الله بن الحارث بن نوفل قال:
خرجت أنا وتليد بن كلاب الليثي حتى أتينا عبد الله بن عمرو بن العاص, وهو يطوف بالبيت معلقا نعله بيده فقلنا له هل حضرت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين كلمه التميمي يوم حنين؟ قال نعم "جاء رجل من بني تميم يقال له ذو الخويصرة فوقف عليه وهو يعطي الناس فقال يا محمد قد رأيت ما صنعت في هذا اليوم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أجل فكيف رأيت؟ " فقال لم أرك عدلت ; قال فغضب النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال " ويحك إذا لم يكن العدل عندي, فعند من يكون؟ " فقال عمر بن الخطاب: يا
ـــــــ
ضيفا, فقال له عيينة هل لك في الخمر نتنادم عليها؟ فقال عمرو: أليست محرمة في القرآن؟ فقال عيينة إنما قال فهل أنتم منتهون فقلنا نحن لا, فشربا.
حديث ذي الخويصرة
وذكر حديث ذي الخويصرة التميمي, وما قال فيه النبي عليه السلام وفي شيعته وقال في حديث آخر " يخرج من ضئضئه قوم تحقرون صلاتكم إلى صلاتهم وصيامكم إلى صيامهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية " الحديث فكان كما قال - صلى الله عليه وسلم - وظهر صدق الحديث في الخوارج, وكان

(7/362)


رسول الله ألا أقتله؟ فقال " لا, دعه فإنه سيكون له شيعة يتعمقون في الدين حتى يخرجوا منه كما يخرج السهم من الرمية ينظر في النصل فلا يوجد شيء ثم في القدح فلا يوجد شيء ثم في الفوق فلا يوجد شيء سبق الفرث والدم "
قال ابن إسحاق: وحدثني محمد بن علي بن الحسين أو جعفر بمثل حديث أبي عبيدة وسماه ذا الخويصرة.
شعر حسان في حرمان الأنصار
قال ابن إسحاق: وحدثني عبد الله بن أبي نجيح, عن أبيه بمثل ذلك.
قال ابن هشام: ولما أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أعطى قريشا وقبائل العرب, ولم يعط الأنصار شيئا, قال حسان بن ثابت يعاتبه في ذلك
زادت هموم فماء العين منحدر
...
سحا إذا حفلته عبرة درر
ـــــــ
أولهم من ضئضئي ذلك الرجل أي من أصله وكانوا من أهل نجد التي قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم " منها يطلع قرن الشيطان " فكان بدؤهم من ذي الخويصرة وكان آيتهم ذو الثدية الذي قتله علي رضي الله عنه وكانت إحدى يديه كثدي المرأة واسم ذي الثدية نافع ذكره أبو داود, وغيره يقول اسمه حرقوص [بن زهير] وقول أبي داود أصح, والله أعلم.
شعر حسان في عتابه صلى الله عليه وسلم
وذكر شعر حسان وفيه

(7/363)


وجدا بشماء إذ شماء بهكنة
...
هيفاء لا ذنن فيها ولا خور
دع عنك شماء إذ كانت مودتها
...
نزرا وشر وصال الواصل النزر
وأت الرسول فقل يا خير مؤتمن
...
للمؤمنين إذا ما عدد البشر
علام تدعى سليم وهي نازحة
...
قدام قوم هم آووا وهم نصروا
سماهم الله أنصارا بنصرهم
...
دين الهدى وعوان الحرب تستعر
وسارعوا في سبيل الله واعترفوا
...
للنائبات وما خاموا وما ضجروا
والناس ألب علينا فيك ليس لنا
...
إلا السيوف وأطراف القنا وزر
نجالد الناس لا نبقي على أحد
...
ولا نضيع ما توحي به السور
ولا تهر جناة الحرب نادينا
...
ونحن حين تلظى نارها سعر
كما رددنا ببدر دون ما طلبوا
...
أهل النفاق وفينا ينزل الظفر
ونحن جندك يوم النعف من أحد
...
إذ حزبت بطرا أحزابها مضر
فما ونينا وما خمنا وما خبروا
...
منا عثارا وكل الناس قد عثروا
وجد الأنصار لحرمانهم فاسترضاهم الرسول
قال ابن هشام: حدثني زياد بن عبد الله قال حدثنا ابن إسحاق: قال وحدثني عاصم بن عمر بن قتادة, عن محمود بن لبيد, عن أبي سعيد الخدري قال:
لما أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أعطى من تلك العطايا, في قريش وفي قبائل العرب, ولم يكن في الأنصار منها شيء وجد هذا الحي من الأنصار في أنفسهم حتى كثرت منهم القالة حتى قال قائلهم لقد لقي والله رسول الله صلى الله عليه وسلم قومه فدخل
ـــــــ
هيفاء لا ذنن فيها ولا خور
الذنن الغدر والتفل والذنين المخاط والذنن أيضا ألا ينقطع حيض المرأة يقال امرأة دناء ولو روي بالدال المهملة لكان جيدا أيضا, فإن الدنن بالدال هو قصر العنق وتطامنها, وهو عيب. والبهكنة الضخمة.

(7/364)


عليه سعد بن عبادة, فقال يا رسول الله إن هذا الحي من الأنصار قد وجدوا عليك في أنفسهم لما صنعت في هذا الفيء الذي أصبت, قسمت في قومك, وأعطيت عطايا عظاما في قبائل العرب, ولم يك في هذا الحي من الأنصار منها شيء. قال " فأين أنت من ذلك يا سعد؟ " قال يا رسول الله ما أنا إلا من قومي, قال " فاجمع لي قومك في هذه الحظيرة " قال فخرج سعد فجمع الأنصار في تلك الحظيرة قال فجاء رجال من المهاجرين فتركهم فدخلوا, وجاء آخرون فردهم فلما اجتمعوا له أتاه سعد فقال قد اجتمع لك هذا الحي من الأنصار, فأتاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ثم قال " يا معشر الأنصار: ما قالة بلغتني عنكم وجدة وجدتموها علي في أنفسكم؟ ألم آتكم ضلالا فهداكم الله, وعالة فأغناكم الله وأعداء فألف الله بين قلوبكم " قالوا: بلى, الله ورسوله أمن وأفضل ثم قال " ألا تجيبونني يا معشر الأنصار؟ " قالوا: بماذا نجيبك يا رسول الله؟ لله ولرسوله المن والفضل قال صلى الله عليه وسلم " أما والله لو شئتم لقلتم فلصدقتم ولصدقتم أتيتنا مكذبا فصدقناك, ومخذولا فنصرناك, وطريدا فآويناك, وعائلا فآسيناك. أوجدتم يا
ـــــــ
حول عتاب النبي للأنصار
فصل : وذكر قول النبي - صلى الله عليه وسلم - للأنصار " ما قالة بلغتني عنكم وجدة وجدتموها في أنفسكم "هكذا الرواية جدة والمعروف عند أهل اللغة موجدة إذا أردت الغضب وإنما الجدة في المال.
وقوله عليه السلام في لعاعة من الدنيا تألفت بها قوما, ليسلموا . اللعاعة بقلة ناعمة وهذا نحو من قوله عليه السلام: "المال حلوة خضرة "واللعة من هذا المعنى, وهي المرأة المليحة العفيفة واللعلع السراب ولعاعه بصيصه.

(7/365)


معشر الأنصار في أنفسكم في لعاعة من الدنيا تألفت بها قوما ليسلموا, ووكلتكم إلى إسلامكم ألا ترضون يا معشر الأنصار, أن يذهب الناس بالشاة والبعير وترجعوا برسول الله إلى رحالكم؟ فوالذي نفس محمد بيده لولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار, ولو سلك الناس شعبا وسلكت الأنصار شعبا, لسلكت شعب الأنصار. اللهم ارحم الأنصار, وأبناء الأنصار, وأبناء أبناء الأنصار"
قال فبكى القوم حتى أخضلوا لحاهم وقالوا: رضينا برسول الله قسما وحظا. ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم وتفرقوا
عمرة الرسول من الجعرانة واستخلافه عتاب بن أسيد على مكة ، وحج عتاب بالمسلمين سنة ثمان
اعتمار الرسول واستخلافه ابن أسيد على مكة
قال ابن إسحاق:
ـــــــ
جعيل بن سراقة
وذكر جعيل بن سراقة وقول النبي - صلى الله عليه وسلم - فيه ووكلت جعيل بن سراقة إلى إسلامه .
نسب ابن إسحاق جعيلا إلى ضمرة وهو معدود في غفار, لأن غفارا, هم بنو مليل بن ضمرة من بني ليث بن بكر بن عبد مناة بن كنانة. وأما حديث التميمي الذي قال للنبي صلى الله عليه وسلم حين أعطى المؤلفة قلوبهم لم أرك عدلت, فغضب النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال "إذا لم يكن العدل عندي, فعند من يكون؟ "وقال أيضا: " إني أرى قسمة ما أريد بها وجه الله "فقال صلى الله عليه وسلم " أيأمنني الله في السماء ولا تأمنوني " أو كما قال صلى الله عليه وسلم فالرجل هو ذو الخويصرة كذلك جاء ذكره في الحديث.

(7/366)


ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من الجعرانة معتمرا, وأمر ببقايا الفيء فحبس بمجنة بناحية مر الظهران ، فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من عمرته انصرف راجعا إلى المدينة واستخلف عتاب بن أسيد على مكة ، وخلف معه معاذ بن جبل, يفقه الناس في الدين ويعلمهم القرآن واتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم ببقايا الفيء.
قال ابن هشام: وبلغني عن زيد بن أسلم أنه قال لما استعمل النبي صلى الله عليه وسلم عتاب بن أسيد على مكة رزقه كل يوم درهما, فقام فخطب الناس فقال "أيها الناس أجاع الله كبد من جاع على درهم, فقد رزقني رسول الله صلى الله عليه وسلم درهما كل يوم فليست بي حاجة إلى أحد"
وقت العمرة
قال ابن إسحاق:
وكانت عمرة رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذي القعدة فقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة في بقية ذي القعدة أو في ذي الحجة.
قال ابن هشام:
ـــــــ
ويذكر عن الواقدي أنه قال هو حرقوص بن زهير السعدي من سعد تميم وقد كان لحرقوص هذا مشاهد محمودة في حرب العراق مع الفرس أيام عمر ثم كان خارجيا, وفيه يقول نحيبة الخارجي
حتى ألاقي في الفردوس حرقوصا
ولذلك قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم " إنه سيكون من ضئضئه قوم تحقرون صلاتكم إلى صلاتهم "وذكر صفة الخوارج, وليس ذو الخويصرة هذا ذا الندية الذي قتله علي بالنهر وأن ذلك اسمه نافع ذكره أبو داود, وكلام الواقدي حكاه ابن الطلاع في الأحكام له.

(7/367)


وقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة لست ليال بقين من ذي القعدة فما زعم أبو عمرو المدني.
قال ابن إسحاق:
وحج الناس تلك السنة على ما كانت العرب تحج عليه وحج بالمسلمين تلك السنة عتاب بن أسيد, وهي سنة ثمان وأقام أهل الطائف على شركهم وامتناعهم في طائفهم ما بين ذي القعدة إذ انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى شهر رمضان من سنة تسع.
أمر كعب بن زهير بعد الانصراف عن الطائف
تخوف بجير على أخيه كعب ونصيحته له
ولما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من منصرفه عن الطائف كتب بجير بن زهير بن أبي سلمى إلى أخيه كعب بن زهير يخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قتل رجالا بمكة ممن كان يهجوه ويؤذيه وأن من بقي من شعراء قريش, ابن الزبعرى وهبيرة بن أبي وهب, قد هربوا في كل وجه فإن كانت لك في نفسك حاجة فطر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه لا يقتل أحدا جاءه تائبا, وإن أنت لم تفعل فانج إلى نجائك من الأرض وكان كعب بن زهير قد قال
ألا أبلغا عني بجيرا رسالة
...
فهل لك فيما قلت ويحك هل لكا؟
فبين لنا إن كنت لست بفاعل
...
على أي شيء غير ذلك دلكا
على خلق لم ألف يوما أباله
...
عليه وما تلفي عليه أبا لكا
فإن أنت لم تفعل فلست بآسف
...
ولا قائل إما عثرت لعا لكا
ـــــــ
شعر بجير وكعب ابني زهير
فصل : وذكر قصة بجير بن زهير بن أبي سلمى, واسم أبي سلمى: ربيعة بن رياح أحد بني مزينة

(7/368)


سقاك بها المأمون كأسا روية
...
فأنهلك المأمون منها وعلكا
قال ابن هشام: ويروى " المأمور ". وقوله " فبين لنا " عن غير ابن إسحاق.
وأنشدني بعض أهل العلم بالشعر وحديثه
من مبلغ عني بجيرا رسالة
...
فهل لك فيما قلت بالخيف هل لكا
شربت مع المأمون كأسا روية
...
فأنهلك المأمون منها وعلكا
وخالفت أسباب الهدى واتبعته
...
على أي شيء ويب غيرك دلكا
على خلق لم تلف أما ولا أبا
...
عليه ولم تدرك عليه أخا لكا
فإن أنت لم تفعل فلست بآسف
...
ولا قائل إما عثرت لعا لكا
قال وبعث بها إلى بجير فلما أتت بجيرا كره أن يكتمها رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنشده إياها, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما سمع " سقاك بها المأمون" صدق وإنه لكذوب أنا المأمون : ولما سمع "على خلق لم تلف أما ولا أبا عليه" قال " أجل لم يلف عليه أباه ولا أمه "
ـــــــ
وفي شعر كعب إلى أخيه بجير
سقاك به المأمون كأسا روية
ويروى: المحمود في غير رواية ابن إسحاق, أراد بالمحمود محمدا - صلى الله عليه وسلم - وكذلك المأمون والأمين كانت قريش تسمي بهما النبي صلى الله عليه وسلم قبل النبوة.
وقوله لأخيه بجير
على خلق لم تلف أما ولا أبا
...
عليه ولم تدرك عليه أخا لكا
إنما قال ذلك لأن أمهما واحدة وهي كبشة بنت عمار السحيمية فيما ذكر ابن الأعرابي عن ابن الكلبي.
وقوله إما عثرت لعا لكا, كلمة تقال للعاثر دعاء له بالإقالة قال الأعشى:

(7/369)


ثم قال بجير لكعب
من مبلغ كعبا فهل لك في التي
...
تلوم عليها باطلا وهي أحزم
إلى الله "لا العزى ولا اللات" وحده
...
فتنجو إذا كان النجاء وتسلم
لدى يوم لا ينجو وليس بمفلت
...
من الناس إلا طاهر القلب مسلم
فدين زهير وهو لا شيء دينه
...
ودين أبي سلمى علي محرم
قال ابن إسحاق:
ـــــــ
فالتعس أدنى لها
...
من أن يقال لعا لها
وأنشد أبو عبيد:
فلا لعا لبني فعلان إذ عثروا
وقول بجير
ودين زهير وهو لا شيء دينه
رواية مستقيمة وقد رواه القالي فقال وهو لا شيء غيره وفسره على التقديم والتأخير أراد ودين زهير غيره وهو لا شيء.
ورواية ابن إسحاق أبعد من الإشكال وأصح, والله أعلم.
وكعب هذا من فحول الشعراء هو وأبوه زهير وكذلك ابنه عقبة بن كعب بن زهير يعرف عقبة بالمضرب وابن عقبة العوام شاعر أيضا, وهو الذي يقول:

(7/370)


وإنما يقول كعب " المأمون ", ويقال " المأمور " في قول ابن هشام: لقول قريش الذي كانت تقوله لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
قدوم كعب على الرسول وقصيدته اللامية
قال ابن إسحاق:
فلما بلغ كعبا الكتاب ضاقت به الأرض وأشفق على نفسه وأرجف به من كان في حاضره من عدوه فقالوا: هو مقتول فلما لم يجد من شيء بدا, قال قصيدته التي يمدح فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر فيها خوفه وإرجاف الوشاة به من عدوه
ـــــــ
ألا ليت شعري هل تغير بعدنا
...
ملاحة عيني أم عمرو وجيدها
وهل بليت أثوابها بعد جدة
...
ألا حبذ أخلاقها وجديدها
ومما يستحسن ويستجاد من قول كعب
لو كنت أعجب من شيء لأعجبني
...
سعي الفتى وهو مخبوء له القدر
يسعى الفتى لأمور ليس يدركها
...
فالنفس واحدة والهم منتشر
والمرء ما عاش ممدود له أمل
...
لا تنتهي العين حتى ينتهي الأثر
وقوله:
إن كنت لا ترهب ذمي
...
لما تعرف من صفحي عن الجاهل
فاخش سكوتي إذ أنا منصت
...
فيك لمسموع خنا القائل
فالسامع الذم شريك له
...
ومطعم المأكول كالآكل
مقالة السوء إلى أهلها
...
أسرع من منحدر سائل
ومن دعا الناس إلى ذمه
...
ذموه بالحق وبالباطل

(7/371)


ثم خرج حتى قدم المدينة ، فنزل على رجل كانت بينه وبينه معرفة من جهينة, كما ذكر لي, فغدا به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين صلى الصبح فصلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أشار له إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال هذا رسول الله فقم إليه فاستأمنه.
فذكر لي أنه قام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جلس إليه فوضع يده في يده وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يعرفه فقال يا رسول الله إن كعب بن زهير قد جاء ليستأمن منك تائبا مسلما, فهل أنت قابل منه إن أنا جئتك به؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " نعم ", قال أنا يا رسول الله كعب بن زهير.
قال ابن إسحاق: فحدثني عاصم بن عمر بن قتادة:
أنه وثب عليه رجل من الأنصار, فقال يا رسول الله دعني وعدو الله أضرب عنقه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " دعه عنك, فإنه قد جاء تائبا, نازعا عما كان عليه " فقال فغضب كعب على هذا الحي من الأنصار, لما صنع به صاحبهم وذلك أنه لم يتكلم فيه رجل من المهاجرين إلا بخير فقال في قصيدته التي قال حين قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم
بانت سعاد فقلبي اليوم متبول
...
متيم إثرها لم يفد مكبول
وما سعاد غداة البين إذ رحلوا
...
إلا أغن غضيض الطرف مكحول
هيفاء مقبلة عجزاء مدبرة
...
لا يشتكى قصر منها ولا طول
ـــــــ
قصيدة بانت سعاد
وذكر قصيدته
بانت سعاد فقلبي اليوم متبول
وفيها قوله
شجت بذي شبم.
يعني: الخمر وشجت كسرت من أعلاها لأن الشجة لا تكون إلا في

(7/372)


تجلو عوارض ذي ظلم إذا ابتسمت
...
كأنه منهل بالروح معلول
شجت بذي شيم من ماء محنية
...
صاف بأبطح أضحى وهو مشمول
تنفي الرياح القذى عنه وأفرطه
...
من صوب غادية بيض يعاليل
فيا لها حلة لو أنها صدقت
...
بوعدها أو لو إن النصح مقبول
لكنها خلة قد سيط من دمها
...
فجع وولع وإخلاف وتبديل
فما تدوم على حال تكون بها
...
كما تلون في أثوابها الغول
وما تمسك بالعهد الذي زعمت
...
إلا كما يمسك الماء الغرابيل
ـــــــ
الرأس والشيم البرد وأفرطه أي ملأه. والبيض اليعاليل السحاب وقيل جبال ينحدر الماء من أعلاها, واليعاليل أيضا: الغدران واحدها يعلول لأنه يعل الأرض بمائه.
وقوله
يا ويحها خلة قد سيط من دمها
أي خلط بلحمها ودمها هذه الأخلاق التي وصفها بها من الولع وهو الخلف والكذب والمطل يقال ساط الدم والشراب إذا ضرب بعضه ببعض.
وقال الشاعر يصف عبد الله بن عباس:
صموت إذا ما زين الصمت أهله
...
وفتاق أبكار الكلام المختم
وعى ما حوى القرآن من كل حكمة
...
وسيطت له الآداب باللحم والدم
والغول التي تتراءى بالليل. والسعلاة ما تراءى بالنهار من الجن, وقد أبطل رسول الله صلى الله عليه وسلم حكم الغول حيث قال " لا عدوى ولا غول " وليس يعارض هذا ما روي من قوله عليه السلام " إذا تغولت الغيلان فارفعوا أصواتكم

(7/373)


فلا يغرنك ما منت وما وعدت
...
إن الأماني والأحلام تضليل
كانت مواعيد عرقوب لها مثلا
...
وما مواعيدها إلا الأباطيل
أرجو وآمل أن تدنو مودتها
...
وما إخال لدينا منك تنويل
أمست سعاد بأرض لا يبلغها
...
إلا العتاق النجيبات المراسيل
ولن يبلغها إلا عذافرة
...
لها على الأين إرقال وتبغيل
من كل نضاخة الذفرى إذا عرقت
...
عرضتها طامس الأعلام مجهول
ترمي الغيوب بعيني مفرد لهق
...
إذا توقدت الحزان والميل
ـــــــ
بالأذان " وكذلك حديث أبي أيوب مع الغول حين أخذها, لأن قوله عليه السلام " لا غول إنما أبطل به ما كانت الجاهلية تتقوله من أخبارها وخرافاتها معها ".
وقوله
كانت مواعيد عرقوب لها مثلا
هو عرقوب بن صخر من العماليق الذين سكنوا يثرب ، وقيل بل هو من الأوس والخزرج, وقصته في إخلاف الوعد مشهورة حين وعد أخاه بجنا نخلة له وعدا من بعد وعد ثم جذها ليلا, ولم يعطه شيئا.
والتبغيل ضرب من السير سريع والحزان جمع حزن وهو ما غلظ من الأرض. والميل ما اتسع منها.
وقوله ترمي النجاد وأنشده أبو علي ترمي الغيوب وهو جمع غيب وهو ما غار من الأرض كما قال ابن مقبل
لزم الغلام وراء الغيب بالحجر
وقوله:

(7/374)


ضخم مقلدها فعم مقيدها
...
في خلقها عن بنات الفحل تفضيل
غلباء وجناء علكوم مذكرة
...
في دفها سعة قدامها ميل
وجلدها من أطوم ما يؤيسه
...
طلح بضاحية المتنين مهزول
حرف أخوها أبوها من مهجنة
...
وعمها خالها قوداء شمليل
يمشي القراد عليها ثم يزلقه
...
منها لبان وأقراب زهاليل
عيرانة قذفت بالنحض عن عرض
...
مرفقها عن بنات الزور مفتول
كأنما فات عينيها ومذبحها
...
من خطمها ومن اللحيين برطيل
تمر مثل عسيب النخل ذا خصل
...
في غارز لم تخونه الأحاليل
قنواء في حرتيها للبصير بها
...
عتق مبين وفي الخدين تسهيل
تخدي على يسرات وهي لاحقة
...
ذوابل مسهن الأرض تحليل
ـــــــ
حرف أبوها أخوها من مهجنة
...
وعمها خالها قوداء شمليل
القوداء الطويلة العنق. والشمليل السريعة. والحرف الناقة الضامر.
وقوله من مهجنة أي من إبل مهجنة مستكرمة هجان.
وقوله أبوها أخوها أي أنهما من جنس واحد من الكرم وقيل إنها من فحل حمل على أمه فجاءت بهذه الناقة فهو أبوها وأخوها, وكانت للناقة التي هي أم هذه بنت أخرى من الفحل الأكبر فعمها خالها على هذا, وهو عندهم من أكرم النتاج والقول الأول ذكره أبو علي القالي عن أبي سعيد فالله أعلم.
وقوله أقراب زهاليل أي خواصر ملس واحدها: زهلول والبرطيل حجر طويل ويقال للمعول أيضا: برطيل.
وقوله
ذوابل وقعهن الأرض تحليل

(7/375)


سمر العجايات يتركن الحصى زيما
...
لم يقهن رءوس الأكم تنعيل
كأن أوب ذراعيها وقد عرقت
...
وقد تلفع بالقور العساقيل
يوما يظل به الحرباء مصطخدا
...
كأن ضاحيه بالشمس مملول
وقال للقوم حاديهم وقد جعلت
...
ورق الجنادب يركضن الحصا قيلوا
شد النهار ذراعا عيطل نصف
...
قامت فجاوبها نكد مثاكيل
نواحة رخوة الضبعين ليس لها
...
لما نعى بكرها الناعون معقول
تفري اللبان بكفيها ومدرعها
...
مشقق عن تراقيها رعابيل
تسعى الغواة جنابيها وقولهم
...
إنك يا ابن أبي سلمى لمقتول
ـــــــ
تحليل أي قليل. يقال ما أقام عندنا إلا كتحليل الألية وكتحلة المقسم وعليه حمل ابن قتيبة قوله عليه السلام " لن تمسه النار إلا تحلة القسم "وغلط أبا عبيد حيث فسره على القسم حقيقة. قال القتبي ليس في الآية قسم لأنه قال {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا} [مريم: 71] ولم يقسم. قال الخطابي: هذه غفلة من ابن قتيبة فإن في أول الآية {فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ} وقوله {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا} داخل تحت القسم المتقدم.
وقوله بالقور العساقيل. القور جمع قارة وهي الحجارة السود. والعساقيل هنا السراب وهذا من المقلوب أراد وقد تلفعت القود بالعساقيل.
وفيها قوله تمشي الغواة بجنبيها, أي بجنبي ناقته.
عن القول والقيل إعرابا ومعنى
وقوله: إنك يا ابن أبي سلمى لمقتول ويروى: وقيلهم وهو أحسن في

(7/376)


وقال كل صديق كنت آمله
...
لا ألهينك إني عنك مشغول
ـــــــ
المعنى, وأولى بالصواب لأن القيل هو الكلام المقول فهو مبتدأ وقوله إنك يا ابن أبي سلمى لمقتول خبر تقول إذا سئلت ما قيلك؟ قيلي: إن الله واحد فقولك: إن الله واحد هو القيل والقول مصدر كالطحن والذبح والقيل اسم للمقول كالطحن والذبح بكسر أوله وإنما حسنت هذه الرواية لأن القول مصدر فيصير إنك يا ابن أبي سلمى في موضع المفعول فيه فيبقى المبتدأ بلا خبر إلا أن تجعل المقول هو القول على المجاز كما يسمى المخلوق خلقا, وعلى هذا يكون قوله عز وجل {وَقِيلِهِ يَا رَبِّ} [الزخرف 88] في موضع البدل من القيل وكذلك قوله {إِلَّا قِيلاً سَلاماً سَلاماً} [الواقعة 26] منتصب بفعل مضمر فهو في موضع البدل من قيلا وكذلك قوله {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلاً} [النساء 122] أي حديثا مقولا, ومن هذا الباب مسألة من النحو ذكرها سيبويه, وابن السراج في كتابه وأخذ الفارسي منهما, أو من ابن السراج فكثيرا ما ينقل من كتابه بلفظه غير أنه أفسد هذه المسألة ولم يفهم ما أراد بها, وذلك أنهما قالا: إذا قلت أول ما أقول إني أحمد الله بكسر الهمزة فهو على الحكاية فظن الفارسي أنه يريد على الحكاية بالقول فجعل إني أحمد الله في موضع المفعول بأقول فلما بقي له المبتدأ بلا خبر تكلف له تقديرا لا يعقل فقال تقديره أول ما أقول إني أحمد الله موجود أو ثابت فصار معنى كلامه إلى أن أول هذه الكلمة التي هي إني أحمد الله موجود أي أول هذه الكلمة موجود فآخرها إذا معدوم وهذا خلف من القول كما ترى, وقد وافقه ابن جني عليه رأيته في بعض مسائله قال قلت لأبي علي لم لا يكون إني أحمد الله في موضع الخبر, كما تقول أول سورة أقرؤها: " {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} [الكوثر: 1] أو نحو هذا ولا يحتاج إلى حذف خبر قال فسكت ولم يجد جوابا, وإنما معنى هذه المسألة أول ما أقول أي أول القيل الذي أقوله إني أحمد الله على حكاية الكلام المقول وهذا الذي أراد سيبويه, وأبو بكر بن السراج فإن فتحت الهمزة

(7/377)


فقلت خلوا سبيلي لا أبا لكم
...
فكل ما قدر الرحمن مفعول
كل ابن أنثى وإن طالت سلامته
...
يوما على آلة حدباء محمول
نبئت أن رسول الله أوعدني
...
والعفو عند رسول الله مأمول
مهلا هداك الذي أعطاك نافلة ال
...
قرآن فيها مواعيظ وتفصيل
لا تأخذني بأقوال الوشاة ولم
...
أذنب ولو كثرت في الأقاويل
لقد أقوم مقاما لو يقوم به
...
أرى وأسمع ما لو يسمع الفيل
لظل يرعد إلا أن يكون له
...
من الرسول بإذن الله تنويل
حتى وضعت يميني ما أنازعه
...
في كف ذي نقمات قيله القيل
فلهو أخوف عندي إذ أكلمه
...
وقيل إنك منسوب ومسئول
من ضيغم بضراء الأرض مخدره
...
في بطن عثر غيل دونه غيل
يغدو فيلحم ضرغامين عيشهما
...
لحم من الناس معفور خراديل
ـــــــ
من أن صار معنى الكلام أول القول لا أول القيل وكانت ما واقعة على المصدر وصار معناه أول قولي الحمد إذ الحمد قول ولم يبين مع فتح الهمزة كيف حمد الله هل قال الحمد لله بهذا اللفظ أو غيره وعلى كسر الهمزة قد بين كيف حمد حين افتتح كلامه بأنه قال إني أحمد الله بهذا اللفظ أو غيره وعلى كسر الهمزة قد بين كيف حمد حين افتتح كلامه بأنه قال إني أحمد الله بهذا اللفظ لا بلفظ آخر فقف على هذه المسألة وتدبرها إعرابا ومعنى, فقل من أحكمها وحسبك أن الفارسي لم يفهم عمن قبله وجاء بالتخليط المتقدم والله المستعان.
عود إلى بانت سعاد:
والخراديل: القطع من اللحم وفي الحديث في صفة الصراط فمنهم الموبق بعمله ومنهم المخردل أي تخردل لحمه الكلاليب التي حول

(7/378)


إذا يساور قرنا لا يحل له
...
أن يترك القرن إلا وهو مفلول
منه تظل سباع الجو نافرة
...
ولا تمشي بواديه الأراجيل
ولا يزال بواديه أخو ثقة
...
مضرج البز والدرسان مأكول
إن الرسول لنور يستضاء به
...
مهند من سيوف الله مسلول
في عصبة من قريش قال قائلهم
...
ببطن مكة لما أسلموا زولوا
زالوا فما زال أنكاس ولا كشف
...
عند اللقاء ولا ميل معازيل
شم العرانين أبطال لبوسهم
...
من نسج داود في الهيجا سرابيل
بيض سوابغ قد شكت لها حلق
...
كأنها حلق القفعاء مجدول
ليسوا مفاريح إن نالت رماحهم
...
قوما وليسوا مجازيعا إذا نيلوا
ـــــــ
الصراط سمعت شيخنا الحافظ أبا بكر رحمه الله يقول تلك الكلاليب هي الشهوات لأنها تجذب العبد في الدنيا عن الاستقامة على سواء الصراط فتمثل له في الآخرة على نحو ذلك.
وقوله بضراء الأرض. الضراء ما واراك من شجر والخمر ما واراك من شجر وغيره.
وقوله بواديه الأراجيل أي الرجالة قيل إنه جمع الجمع كأنه جمع الرجل وهم الرجالة على أرجل ثم جمع أرجلا على أراجل وزاد الياء ضرورة. والدرس الثوب الخلق. والفقعاء شجرة لها ثمر كأنه حلق.
ويروى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - حين أنشده كعب
إن الرسول لنور يستضاء به
...
مهند من سيوف الله مسلول
نظر إلى أصحابه كالمعجب لهم من حسن القول وجودة الشعر.
وقوله

(7/379)


يمشون مشي الجمال الزهر يعصمهم
...
ضرب إذا عرد السود التنابيل
لا يقع الطعن إلا في نحورهم
...
وما لهم عن حياض الموت تهليل
قال ابن هشام: قال كعب هذه القصيدة بعد قدومه على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وبيته " حرف أخوها أبوها " وبيته "يمشي القراد" وبيته "عيرانة قذفت", وبيته "تمر مثل عسيب النخل", وبيته "تفري اللبان" وبيته "إذا يساور قرنا "وبيته "ولا يزال بوادي": عن غير ابن إسحاق.
استرضاء كعب الأنصار بمدحه إياهم
قال ابن إسحاق: وقال عاصم بن عمر بن قتادة:
فلما قال كعب "إذا عرد السود التنابيل", وإنما يريدنا معشر الأنصار, لما كان صاحبنا صنع به ما صنع وخص المهاجرين من قريش من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
ـــــــ
ليس لهم عن حياض الموت تهليل
التهليل أي ينكص الرجل عن الأمر جبنا.
وقوله في الأنصار:
ضربوا عليا يوم بدر ضربة
بنو علي هم بنو كنانة, يقال لهم بنو علي لما تقدم ذكره في هذا الكتاب وأراد ضربوا قريشا لأنهم من بني كنانة.
وقوله إذا عرد السود التنابيل جمع تنبال وهو القصير وقوله عرد أي هرب. قال الشاعر
يعرد عنه صحبه وصديقه
...
وينبش عنه كلبه وهو ضاربه

(7/380)


بمدحته غضبت عليه الأنصار ; فقال بعد أن أسلم يمدح الأنصار, ويذكر بلاءهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وموضعهم من اليمن
من سره كرم الحياة فلا يزل
...
في مقنب من صالحي الأنصار
ورقوا المكارم كابرا عن كابر
...
إن الخيار هم بنو الأخيار
المكرهين السمهري بأذرع
...
كسوالف الهندي غير قصار
والناظرين بأعين محمرة
...
كالجمر غير كليلة الأبصار
والبائعين نفوسهم لنبيهم
...
للموت يوم تعانق وكرار
والقائدين الناس على أديانهم
...
بالمشرفي وبالقنا الخطار
يتطهرون يرونه نسكا لهم
...
بدماء من علقوا من الكفار
دربوا كما دربت ببطن خفية
...
غلب الرقاب من الأسود ضواري
وإذا حللت ليمنعوك إليهم
...
أصبحت عند معاقل الأعفار
ـــــــ
علة السواد في أهل اليمن وشرح بيت لحسان
وجعلهم سودا لما خالط أهل اليمن من السودان عند غلبة الحبشة على بلادهم ولذلك قال حسان في آل جفنة
أولاد جفنة حول قبر أبيهم
...
بيض الوجوه من الطراز الأول
يعني بقوله من الطراز الأول أن آل جفنة كانوا من اليمن ، ثم استوطنوا الشام بعد سيل العرم, فلم يخالطهم السودان كما خالطوا من كان من اليمن ، من الطراز الأول الذي كانوا عليه في ألوانهم وأخلاقهم.
وقوله حول قبر أبيهم أي إنهم لعزهم لم يجلوا عن منازلهم قط, ولا فارقوا قبر أبيهم.

(7/381)


ضربوا عليا يوم بدر ضربة
...
دانت لوقعتها جميع نزار
لو يعلم الأقوام علمي كله
...
فيهم لصدقني الذين أماري
قوم إذا خوت النجوم فإنهم
...
للطارقين النازلين مقاري
في الغر من غسان من جرثومة
...
أغيت محافرها على المنقار
قال ابن هشام: ويقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له حين أنشده "بانت سعاد فقلبي اليوم متبول": " لولا ذكرت الأنصار بخير, فإنهم لذلك أهل "فقال كعب هذه الأبيات وهي في قصيدة له.
قال ابن هشام: وذكر لي عن علي بن زيد بن جدعان أنه قال أنشد كعب بن زهير رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد
بانت سعاد فقلبي اليوم متبول
ـــــــ
مدح آخر لكعب
ومما أجاد فيه كعب بن زهير قوله يمدح النبي صلى الله عليه وسلم
تخدي به الناقة الأدماء معتجرا
...
بالبرد كالبدر جلى ليلة الظلم
ففي عطافيه أو أثناء بردته
...
ما يعلم الله من دين ومن كرم

(7/382)