الروض
الأنف ت الوكيل بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ وبه
نستعين
الحمد لله رَبّ الْعَالَمِينَ، وَصَلَوَاتُهُ عَلَى سَيّدِنَا مُحَمّدٍ
وَآلِهِ أجمعين
[ «ذِكْرُ سَرْدِ النّسَبِ الزّكِيّ» ]
«مِنْ مُحَمّدٍ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلّمَ- إلَى آدَمَ
عَلَيْهِ السّلَامُ»
قَالَ أَبُو مُحَمّدٍ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ هشام:
هَذَا كِتَابُ سِيرَةِ رَسُولِ اللهِ- صّلى اللهُ عليه وآله وسلم- محمد بن
عبد الله ابن عَبْدِ الْمُطّلِبِ، وَاسْمُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ: شَيْبَةُ
بْنُ هاشم، واسم هاشم: عمرو بن
ـــــــــــــــــــــــــــــ
تَرْجَمَةُ ابْنِ هِشَامٍ:
وَأَمّا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ هِشَامٍ، فَمَشْهُورٌ بِحَمْلِ الْعِلْمِ،
مُتَقَدّمٌ فِي عِلْمِ النّسَبِ وَالنّحْوِ، وَهُوَ حِمْيَرِيّ مَعَافِرِيّ
مِنْ مِصْرَ، وَأَصْلُهُ مِنْ الْبَصْرَةِ، وَتُوُفّيَ بِمِصْرِ سَنَةَ
ثَلَاثَ عَشْرَةَ وَمِائَتَيْنِ، وَلَهُ كِتَابٌ فِي أَنْسَابِ حِمْيَرَ
وَمُلُوكِهَا، وَكِتَابٌ فِي شَرْحِ مَا وَقَعَ فِي أَشْعَارِ السّيَرِ
مِنْ الْغَرِيبِ- فِيمَا ذُكِرَ لِي- وَالْحَمْدُ لِلّهِ كَثِيرًا،
وَصَلَوَاتُهُ عَلَى نَبِيّهِ مُحَمّدٍ وسلامه.
(1/43)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
تَفْسِيرُ نَسَبِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ
ذَكَرْنَا فِي كِتَابِ التّعْرِيفِ وَالْإِعْلَامِ بِمَا أُبْهِمَ فِي
الْقُرْآنِ مِنْ الْأَسْمَاءِ الْأَعْلَامِ «1» مَعَانِيَ بَدِيعَةً،
وَحِكْمَةً مِنْ اللهِ بَالِغَةً فِي تَخْصِيصِ نَبِيّهِ مُحَمّدٍ- صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِهَذَيْنِ الِاسْمَيْنِ: مُحَمّدٍ
وَأَحْمَدَ، فَلْتَنْظُرْ هُنَاكَ، وَلَعَلّنَا أَنْ نَعُودَ إلَيْهِ فِي
بَابِ مَوْلِدِهِ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ- إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى.
عَبْدُ الْمُطّلِبِ:
وَأَمّا جَدّهُ عَبْدُ الْمُطّلِبِ، فَاسْمُهُ عَامِرٌ فِي قَوْلِ ابْنِ
قُتَيْبَةَ «2» ، وَشَيْبَةُ فِي قَوْلِ ابْنِ إسْحَاقَ «3» وَغَيْرِهِ،
وَهُوَ الصّحِيحُ. وَقِيلَ: سُمّيَ شَيْبَةُ لِأَنّهُ وُلِدَ، وَفِي
رَأْسِهِ شَيْبَةٌ «4» ، وَأَمّا غَيْرُهُ مِنْ الْعَرَبِ مِمّنْ اسْمُهُ
شَيْبَةُ، فَإِنّمَا قصد فى تسميتهم
__________
(1) فى نكت الهميان للصفدى: والأعلام.
(2) ذكر رأيه هذا فى كتابه المعارف، وتابعه عليه صاحب القاموس المجد
الشيرازى.
(3) وكذلك ذكر ابن دريد فى الاشتقاق، والطبرى فى تاريخه. وذكر ابن دريد:
أنه مشتق من قولهم: شاب شيبة حسنة، وشيبا حسنا. ثم قال: وأحسب أن اشتقاق
الشيب من اختلاط البياض بالسواد من قولهم: شبت الشئ بالشئ أشوبه شوبا إذا
خلطته.
(4) وهو رأى القسطلانى فى المواهب اللدنية، وقد جزم به فى شرحه للبخارى.
ويذكر شارح المواهب أن أباه أوصى أمه بذلك. ثم ذكر تعليلا لإضافة شيبة إلى
الحمد: إنه رجاء أن يكبر ويشيخ، ويكثر حمد الناس له. ويقول الطبرى عن سبب
تسميته بشيبة: كان فى رأسه شيبة. ويقول ابن دريد أن المطلب أصله مطتلب على
وزن مفتعل بكسر العين، وأن اشتقاقه من الطلب، ويقول القسطلانى فى المواهب:
وإنما قيل له عبد المطلب؛ لأن أباه هاشما قال لأخيه-
(1/44)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
بِهَذَا الِاسْمِ التّفَاؤُلُ لَهُمْ، بِبُلُوغِ سِنّ الْحُنْكَةِ «1»
وَالرّأْيِ، كَمَا سُمّوا بِهَرِمِ وَكَبِيرٍ، وَعَاشَ عَبْدُ الْمُطّلِبِ
مِائَةً وَأَرْبَعِينَ سَنَةً «2» وَكَانَ لِدَةَ «3» عُبَيْدِ بْنِ
الْأَبْرَصِ الشّاعِرِ، غَيْرَ أَنّ عُبَيْدًا مَاتَ قبله بعشرين سنة، قتله
المنذر أبو النّعان بْنُ الْمُنْذِرِ، وَيُقَالُ: إنّ عَبْدَ الْمُطّلِبِ
أَوّلُ مَنْ خَضّبَ بِالسّوَادِ مِنْ الْعَرَبِ، وَاَللهُ أَعْلَمُ.
وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ سَبَبَ تَلْقِيبِهِ بِعَبْدِ المطلب. والمطلب
مفتعل مز الطّلَبِ.
هَاشِمٌ:
وَأَمّا هَاشِمٌ فَعَمْرٌ- كَمَا ذُكِرَ- وَهُوَ اسْمٌ مَنْقُولٌ مِنْ
أَحَدِ أَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ. من
__________
المطلب- وهو بمكة حين حضرته الوفاة: أدرك عبدك، ويذكر الزرقانى فى شرحه
للمواهب: إنه قال ذلك استعطافا، أو على عادة العرب فى قولهم لليتيم المربى
فى حجر شخص: عبده، فسماه عبدا باعتبار الأول، لأنه رأى نفسه محتضرا، وأنه
لا يقوم على ابنه غيره، وذكر القسطلانى وشارح المواهب رأيا آخر فى سبب
تسميته بهذا وهو: أن عمه المطلب جاء به إلى مكة رديفه، وهو بهيئة رثة، فكان
يسئل عنه، فيقول: هو عبدى. حياء من أن يقول: ابن أخى. فلما أدخله مكة وأحسن
من حاله. أظهر أنه ابن أخيه. وذكر الزرقانى فى شرحه للمواهب: إنه سمى بهذا،
لأن أباه لما مات بغزة، وكان خرج إليها تاجرا وترك أمه بالمدينة، فأقامت
عند أهلها من الخزرج، فكبر عبد المطلب، فجاء عمه المطلب، فأخذه، ودخل به
مكة، فرآه الناس مردفه، فقالوا: هذا عبد المطلب، فغلبت عليه، وإلى الرأى
الثانى ذهب الطبرى فى قصة طويلة.
(1) التجربة والبصر بالأمور.
(2) كذلك ذكر عالم النسب الزبير بن بكار، وحكاه ابن سيد الناس عن أبى
الربيع عنه، وحكاه مغلطاى، وتبعه القسطلانى فى شرحه للبخارى. وقيل إنه عاش
120 سنة.
(3) اللّدة «بكسر اللام وفتح الدال» من ولد معك فى وقت واحد.
(1/45)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الْعَمْرِ الّذِي هُوَ الْعُمْرُ، أَوْ الْعَمْرِ الّذِي هُوَ مِنْ عُمُورِ
الْأَسْنَانِ، وَقَالَهُ الْقُتَبِيّ:
أَوْ الْعَمَرِ الّذِي هُوَ طَرَفُ الْكُمّ، يُقَالُ: سَجَدَ عَلَى
عَمَرَيْهِ أَيْ: عَلَى كُمّيْهِ، أَوْ الْعَمْرِ الّذِي هُوَ الْقُرْطُ،
كَمَا قَالَ التّنّوخِيّ:
وَعَمْرُو هِنْدٍ كَأَنّ اللهَ صَوّرَهُ ... عَمْرَو «1» بْنَ هِنْدٍ
يَسُومُ النّاسَ تَعْنِيتَا
وَزَادَ أَبُو حَنِيفَةَ وَجْهًا خَامِسًا، فَقَالَ فِي الْعُمْرِ الّذِي
هُوَ اسْمٌ لِنَخْلِ السّكّرِ، وَيُقَالُ فِيهِ عَمْرٌ أَيْضًا، قَالَ:
يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَحَدَ الْوُجُوهِ الّتِي بِهَا سُمّيَ الرّجُلُ:
عَمْرًا وَقَالَ: كَانَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى يَسْتَاكُ بِعَسِيبِ «2»
الْعُمْرِ.
عَبْدُ مَنَافٍ:
وَعَبْدُ مَنَافٍ اسْمُهُ: الْمُغِيرَةُ- كَمَا ذُكِرَ- وَهُوَ مَنْقُولٌ
مِنْ الْوَصْفِ، وَالْهَاءُ فِيهِ لِلْمُبَالَغَةِ، أَيْ: إنّهُ مُغِيرٌ
عَلَى الْأَعْدَاءِ أَوْ مُغِيرٌ مِنْ أَغَارَ الْحَبْلَ، إذَا أَحْكَمَهُ،
وَدَخَلَتْهُ الْهَاءُ، كَمَا دَخَلَتْ فِي عَلّامَةٍ وَنَسّابَةٍ؛
لِأَنّهُمْ قَصَدُوا قَصْدَ الْغَايَةِ، وَأَجْرَوْهُ مَجْرَى الطّامّةِ
وَالدّاهِيَةِ، وَكَانَتْ الْهَاءُ أَوْلَى بِهَذَا الْمَعْنَى لِأَنّ
مَخْرَجَهَا غَايَةُ الصّوْتِ، وَمُنْتَهَاهُ، وَمِنْ ثَمّ لَمْ يُكَسّرْ
مَا كَانَتْ فِيهِ هذه الهاء، فيقال فى
__________
(1) يقول إن قرط هند مثل عمرو بن هند أحد الملوك فى الجاهلية.
(2) العسيب: جريدة النخل المستقيمة يكشط خوصها. وما لم ينبت عليه الخوص.
وقد ذكر ابن دريد فى الاشتقاق كثيرا مما قيل هنا. كما ذكر أن هاشما سمى
بهذا لهشمه الخبز للثريد. وقال الطبرى: «وإنما قيل له هاشم، لأنه أول من
هشم الثريد لقومه بمكة وأطعمه» ، وفيه قال الشاعر:
عمرو الذى هشم الثريد لقومه ... ورجال مكة مسنتون عجاف
وإليه ذهب القسطلانى فى المواهب وغيره.
(1/46)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
عَلّامَةٍ: عَلَالِيمُ، وَفِي نَسّابَةٍ: نَسَاسِيبُ؛ كَيْ لَا يَذْهَبَ
اللّفْظُ الدّالّ عَلَى الْمُبَالَغَةِ، كَمَا لَمْ يُكَسّرْ الِاسْمُ
الْمُصَغّرُ؛ كَيْ لَا تَذْهَبَ بِنْيَةُ التّصْغِيرِ وَعَلَامَتُهُ.
وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْهَاءُ فِي مُغِيرَةَ لِلتّأْنِيثِ، وَيَكُونُ
مَنْقُولًا مِنْ وَصْفِ كَتِيبَةٍ، أَوْ خَيْلٍ مُغِيرَةٍ، كَمَا سُمّوا
بِعَسْكَرِ. وَعَبْدُ مَنَافٍ هَذَا كَانَ يُلَقّبُ قَمَرَ الْبَطْحَاءِ-
فِيمَا ذَكَرَ الطّبَرِيّ «1» - وَكَانَتْ أُمّهُ حُبّى قَدْ أَخْدَمَتْهُ
مَنَاةَ «2» ، وَكَانَ صَنَمًا عَظِيمًا لَهُمْ، وَكَانَ سُمّيَ بِهِ
عَبْدُ مَنَاةَ، ثُمّ نَظَرَ قُصَيّ فَرَآهُ يُوَافِقُ عَبْدَ مَنَاةَ بْنَ
كِنَانَةَ، فَحَوّلَهُ: عَبْدَ مَنَافٍ. ذَكَرَهُ الْبَرْقِيّ وَالزّبَيْرُ
أَيْضًا، وَفِي الْمُعَيْطِيّ عن أبى نعيم قال: قت لِمَالِكِ: مَا كَانَ
اسْمُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ؟ قَالَ: شَيْبَةُ. قُلْت:
فَهَاشِمٌ؟ قَالَ: عَمْرٌو، قُلْت: فَعَبْدُ مَنَافٍ؟ قَالَ: لَا أَدْرِي
«3» .
َقُصَيّ:
وَقُصَيّ اسْمُهُ: زَيْدٌ، وَهُوَ تَصْغِيرُ قَصِيّ أَيْ: بَعِيدٌ لِأَنّهُ
بَعُدَ عَنْ عَشِيرَتِهِ فِي بِلَادِ قُضَاعَةَ حِينَ احْتَمَلَتْهُ أُمّهُ
فَاطِمَةُ مَعَ رَابّهِ «4» رَبِيعَةَ بْنِ حرام، على
__________
(1) انظر ص 181 ج 2 المطبعة الحسينية تاريخ الطبرى.
(2) جعلته خادما له.
(3) ويقول ابن دريد فى الاشتقاق: «ومناف: صنم. واشتقاقه من ناف ينوف، وأناف
ينيف إذا ارتفع وعلا. والنوف: السنام، وبه سمى الرجل: نوفا ... واسم عبد
مناف: المغيرة، والمغيرة: الخيل تغير على القوم، وفى التنزيل:
(فَالْمُغِيراتِ صُبْحاً) العاديات: 3. والمغيرة: مفعلة من الغارة.. يقال:
أغار الرجل على القوم يغير إغارة، والاسم الغارة، وموضع الغارة: مغار.
ويقال: أغرت الحبل أغيره إغارة إذا شددت فتله. ويقال: غرت أهلى أغيرهم غيرة
إذا مرتهم من الميرة «الميرة: الطعام يجمع للسفر» انظر ص 16 وما بعدها:
الاشتقاق لابن دريد مطبعة السنة المحمدية.
(4) الرابّ: زوج الأم يربى ابنها من غيره.
(1/47)
عَبْدِ مَنَافٍ، وَاسْمُ عَبْدِ مَنَافٍ:
الْمُغِيرَةُ بْنُ قصىّ، بن كلاب، بن مرّة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
مَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي الْكِتَابِ- إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى-
وَصُغّرَ عَلَى فُعَيْلٍ وَهُوَ تَصْغِيرُ فَعِيلٍ «1» ، لِأَنّهُمْ
كَرِهُوا اجْتِمَاعَ ثَلَاثِ يَاءَاتٍ، فَحَذَفُوا إحْدَاهُنّ وَهِيَ
الْيَاءُ الزّائِدَةُ الثّانِيَةُ الّتِي تَكُونُ فِي فَعِيلٍ نَحْوَ
قَضِيبٍ، فَبَقِيَ عَلَى وَزْنِ فَعِيلٍ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ
الْمَحْذُوفُ لَامَ الْفِعْلِ، فَيَكُونُ وَزْنُهُ فُعَيّا، وَتَكُونُ
يَاءُ التّصْغِيرِ هِيَ الْبَاقِيَةَ مَعَ الزّائِدَةِ، فَقَدْ جَاءَ مَا
هُوَ أَبْلَغُ فِي الْحَذْفِ مِنْ هَذَا، وَهِيَ قِرَاءَةُ قُنْبُلٍ: يَا
بُنَيْ بِبَقَاءِ يَاءِ التّصْغِيرِ وَحْدَهَا، وَأَمّا قِرَاءَةُ حَفْصٍ
يَا بُنَيّ فَإِنّمَا هِيَ يَاءُ التّصْغِيرِ مَعَ يَاءِ الْمُتَكَلّمِ،
وَلَامُ الْفِعْلِ مَحْذُوفَةٌ، فَكَانَ وَزْنُهُ فُعَيّ وَمَنْ كَسَرَ
الْيَاءَ: قَالَ يَا بُنَيّ فَوَزْنُهُ: يَا فُعَيْل، وَيَاءُ المتكلم هى
المحذوفة فى هذه القراءة «2» .
__________
(1) قال ابن دريد: «وقصى تصغير قاص، وإنما سمى قصيا، لأنه قصا عن قومه،
فكان فى بنى عذرة مع أخيه لأمه: يقال قصا الرجل يقصو قصوا.. واسم قصى:
زيد.. وزيد مصدر من زاد الشئ يزيد زيدا» . ويذكر الطبرى أن كلابا والد قصى
هلك بعد أن أنجب زهرة وزيدا- أى قصيا-، فتزوجت بربيعة بن حرام- وزهرة رجل-
وزيد فطيم، فاحتملها إلى بلاده من أرض بنى عذرة من أشراف الشام، فاحتملت
معها زيدا لصغره، وتخلف زهرة فى قوم.. وشب زيد فى حجر ربيعة، فنسمى زيد.
قصيا لبعد داره عن دار قومه «الطبرى ص 81 ج 2.
(2) ويقول العكبرى فى إعراب يا بنى- ابن نوح- من سورة هود «يا بنى يقرأ
بكسر الياء، وأصله. بنيى بياء التصغير وياء هى لام الكلمة، وأصلها واو عند
قوم، وياء عند آخرين، والياء الثالثة: ياء المتكلم، ولكنها حذفت لدلالة
الكسرة عليها فرارا من توالى الياءات، ولأن النداء موضع تخفيف، وقيل حذفت
من اللفظ لالتقائها مع الراء فى اركب، ويقرأ بالفتح- أى فتح الياء- وفيه-
(1/48)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
كِلَابٌ:
وَأَمّا كِلَابٌ فَهُوَ مَنْقُولٌ: إمّا مِنْ الْمَصْدَرِ الّذِي هُوَ
مَعْنَى الْمُكَالَبَةِ نَحْوَ:
كَالَبْت الْعَدُوّ مُكَالَبَةً وَكِلَابًا، وَإِمّا مِنْ الْكِلَابِ
جَمْعُ كَلْبٍ، لِأَنّهُمْ يُرِيدُونَ الْكَثْرَةَ، كَمَا سَمّوْا
بِسِبَاعِ وأنمار «1» . وقيل لأبى الرّقيش [الكلابى] «2»
__________
وجهان أحدهما: أنه أبدل الكسرة فتحة، فانقلبت ياء الإضافة ألفا، ثم حذفت
الألف، كما حذفت الياء مع الكسرة لأنها أصلها، والثانى أن الألف حذفت من
اللفظ لالتقاء الساكنين. ويقول البيضاوى فى تفسير قوله سبحانه: (يا بُنَيَّ
ارْكَبْ مَعَنا) : «الجمهور كسروا الياء، لتدل على ياء الإضافة المحذوفة فى
جميع القرآن غير ابن كثير؛ فإنه وقف عليها فى لقمان فى الموضع الأول باتفاق
الرواة، وفى الثالث فى رواية قنبل وعاصم فإنه فتح ههنا اقتصارا على الفتح
من الألف المبدلة من ياء الإضافة» وأقول: إذا أضيف المختوم بياء مشددة إلى
ياء المتكلم تجمعت فيه ثلاث ياءات متوالية. وهذا ممنوع فى الغالب. ولهذا
يكون لمثل هذا الاسم ثلاث أحوال: حذف ياء المتكلم مع بقاء ما قبلها مكسورا
فى كل حال؛ لتكون الكسرة دليلا على الياء المحذوفة. والحال الثانية: قلب
ياء المتكلم ألفا، ثم تحذف الألف مع فتح ما قبلها ليكون الفتح دليلا عليها.
والحال الأخيرة: حذف إحدى الياءين الأوليين وإدغام الثانية فى ياء المتكلم،
فتنشأ ياء مشددة مكونة من ياءين، أولاهما: ساكنة، والأخرى وهى ياء المتكلم
مفتوحة، وصورة هذه كتلك السابقة. ويفضل النحاة الاقنصار على الحال الأولى.
وإسكان الياء من بنى قراءة شاذة «شواذ القرآن لابن خالويه، ص 60.
(1) فى القاموس: المكالبة: المشارة والمضايقة. يقول ابن دريد: «وأهل الحجاز
يسمون الجرئ الذى يخاصم الناس: مكالبا» .
(2) الزيادة من القلائد للقلقشندى وهو الدقيش. فى اللسان: الدقشة «بفتح-
(1/49)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الْأَعْرَابِيّ: لِمَ تُسَمّونَ أَبْنَاءَكُمْ بِشَرّ الْأَسْمَاءِ نَحْوَ:
كَلْبٍ وَذِئْبٍ، وَعَبِيدَكُمْ بِأَحْسَنِ الْأَسْمَاءِ نَحْوَ: مَرْزُوقٍ
وَرَبَاحٍ؟ فَقَالَ: إنّمَا نُسَمّي أَبْنَاءَنَا لِأَعْدَائِنَا،
وَعَبِيدَنَا لِأَنْفُسِنَا، يُرِيدُ أَنّ الْأَبْنَاءَ عُدّةُ
الْأَعْدَاءِ «1» ، وَسِهَامٌ فِي نُحُورِهِمْ، فَاخْتَارُوا لَهُمْ هَذِهِ
الْأَسْمَاءَ.
مُرّة:
وَمُرّةُ مَنْقُولٌ مِنْ وَصْفِ الْحَنْظَلَةِ وَالْعَلْقَمَةِ، وَكَثِيرًا
مَا يُسَمّونَ بِحَنْظَلَةَ وَعَلْقَمَةَ، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْهَاءُ
لِلْمُبَالَغَةِ، فَيَكُونُ مَنْقُولًا مِنْ وَصْفِ الرّجُلِ
بِالْمَرَارَةِ، وَيُقَوّي هَذَا قَوْلُهُمْ: تَمِيمُ بْنُ مُرّ،
وَأَحْسَبُهُ مِنْ الْمُسَمّيْنَ بِالنّبَاتِ، لِأَنّ أَبَا حَنِيفَةَ
ذَكَرَ أَنّ الْمُرّةَ بَقْلَةٌ تُقْلَعُ، فَتُؤْكَلُ بِالْخَلّ والزيت
يشبه ورقها ورق الهندباء «2» .
__________
الدال وسكون القاف وفتح الشين: دويبة رقشاء، وقيل: رقطاء أصغر من العظاءة.
وأبو الدقيش كنية. قال الأزهرى: أبو الدقيش كنية. واسمه: الدّقش. قال يونس:
سألت أبا الدقيش: ما الدقش؟ فقال: لا أدرى. قلت: ما الدقيش؟ فقال: ولا هذا.
قلت: فاكتنيت بما لا تعرف ما هو؟!، قال: إنما الكنى والأسماء علامات» وفى
القاموس: الدّقشة بالفتح: دويبة رقطاء «أى سوداء يشوبها نقط بياض» أصغر من
القطاة، أو طائر أرقش. «أى فيه نقط بياض وسواد» . والدّقش كالنقش وفى حياة
الحيوان للدميرى: «الّدقيش بضم الدال وفتح القاف. طائر صغير أصغر من
الصّرد. وتسميه العامة الدقناش» أقول: والصرد طائر أكبر من العصفور ضخم
الرأس والمنقار يصيد صغار الحشرات، ولم أجد الرقيش.
(1) فى القلائد للقلقشندى «معدة للأعداء» : ص 22
(2) فى القاموس: والمرة بالضم شجرة أو بقلة. والهندباء أو الهندبا-
(1/50)
بن كعب بن لؤىّ بْنِ فِهْرِ بْنِ مَالِكِ
بْنِ النّضْرِ بْنِ كنانة بن خزيمة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
كَعْبٌ:
وَأَمّا كَعْبٌ فَمَنْقُولٌ إمّا مِنْ الْكَعْبِ الّذِي هُوَ قِطْعَةٌ مِنْ
السّمْنِ «1» ، أَوْ مِنْ كَعْبِ الْقَدَمِ وَهُوَ عِنْدِي أَشْبَهُ،
لِقَوْلِهِمْ: ثَبَتَ ثُبُوتَ الْكَعْبِ، وَجَاءَ فِي خَبَرِ ابْنِ
الزّبَيْرِ أَنّهُ كَانَ يُصَلّي عِنْدَ الْكَعْبَةِ يَوْمَ قُتِلَ،
وَحِجَارَةُ الْمَنْجَنِيقِ «2» تَمُرّ بِأُذُنَيْهِ، وَهُوَ لَا
يَلْتَفِتُ كأنه كعب راتب «3» .
وكعب ابن لُؤَيّ هَذَا أَوّلُ مَنْ جَمَعَ يَوْمَ الْعَرُوبَةِ ولم تسمّ
العروبة «4» .
__________
بكسر الهاء وفتح الدال أو كسرها: بقل زراعى معروف حولىّ من الفصيلة
المركبة، يطبخ ورقه أو تخلط به «السّلطة» وهو عند باعة الخضروات.
(1) فى القاموس «كتلة من السمن، وقدر صبّة من اللبن وفى الاشتقاق لابن
دريد: بقية السمن فى النحى.
(2) آلة قديمة من آلات الحصار كانت ترمى بها حجارة ثقيلة على الأسوار؛
فتهدمها وهى مؤنثة معرّبة.
(3) أى ثابت.
(4) كان يوم الجمعة يسمى فى الجاهلية يوم العروبة، وقد ذكر فى تسميته بيوم
الجمعة عدة أقوال، منها: ما ذكر هنا، ومنها ما أخرجه عبد بن حميد عن ابن
سيرين بسند صحيح إليه فى قصة تجميع الأنصار مع أسعد بن زرارة، فصلى بهم،
وذكرهم، فسموه الجمعة حين اجتمعوا إليه، وقيل: سمى بهذا لاجتماع الناس
للصلاة فيه، وبهذا جزم ابن حزم، وقال: إنه اسم إسلامى لم يكن فى الجاهلية،
ورد الحافظ بأن أهل اللغة قالوا: إن العروبة اسم قديم كان للجاهلية، وقالوا
فى الجمعة: هو يوم العروبة، فالظاهر أنهم غيروا الأسماء لسبعة الأيام-
وكانت تسمى: (أول، أهون، جبار، دبار، مؤنس، عروبة، شيار) وذكر الجوهرى أن
العرب كانت تسمى يوم الاثنين أهون، وهذا يشعر بأنهم أحدثوا لها أسماء وهى
هذه المتعارفة كالسبت والأحد ودبار بضم الدال وكسرها.
(1/51)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الْجُمُعَةَ إلّا مُنْذُ جَاءَ الْإِسْلَامُ فِي قَوْلِ بَعْضِهِمْ،
وَقِيلَ هُوَ أَوّلُ مَنْ سَمّاهَا الْجُمُعَةَ، فَكَانَتْ قُرَيْشٌ
تَجْتَمِعُ إلَيْهِ فِي هَذَا الْيَوْمِ، فَيَخْطُبُهُمْ «1»
وَيُذَكّرُهُمْ بِمَبْعَثِ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
«2» - وَيُعْلِمُهُمْ أَنّهُ مِنْ وَلَدِهِ، وَيَأْمُرُهُمْ بِاتّبَاعِهِ
وَالْإِيمَانِ بِهِ، وَيَنْشُدُ فِي هَذَا أَبْيَاتًا مِنْهَا قوله:
باليتنى شاهد فحواء دعوته ... إذا قريش تبغي الحق خذلانا «3»
__________
(1) وذكر مثل هذا الزبير فى كتاب النسب، وبه جزم الفراء، وغيره. وقيل إن
قصيا هو الذى كان يجمعهم، ذكره ثعلب فى أماليه.
(2) التعبير الدقيق الذى ذكره الزبير فى كتاب النسب «ويأمرهم بتعظيم الحرم،
ويخبرهم بأنه سيبعث نبى» وهذا يمكن تصديقه. ففى كتب أهل الكتاب بشارات بنبى
يبعث اسمه أحمد. أما من أبوه ومن أيّة قبيلة يكون؟ فهذا ما لم يكن معروفا
لأحد بدليل أن محمدا نفسه لم يكن يعرف شيئا عن هذا قبل بعثه فالله يقول له-
(وَما كُنْتَ تَرْجُوا أَنْ يُلْقى إِلَيْكَ الْكِتابُ إِلَّا رَحْمَةً
مِنْ رَبِّكَ، فَلا تَكُونَنَّ ظَهِيراً لِلْكافِرِينَ) القصص: 86. ويقول
ابن كثير فى تفسيرها (أى ما كنت تظن قبل إنزال الوحى إليك أن الوحى ينزل
عليك (إلا رحمة من ربك) أى إنما أنزل الوحى عليك من الله من رحمته بك
وبالعباد بسببك) فكيف ننسب إلى كعب بن لؤى أنه كان يعلم ما لم يكن يعلمه
الرسول- صلى الله عليه وسلم- عن نفسه؟! الحق أن مكانة الرسول- صلى الله
عليه وسلم- فوق هذا، ولا تحتاج إلى أساطير كهذه لدعمها، فهو بالوحى فوق كل
إنسان فى الوجود وإن كان مثلهم فى بشريته. وقد ذكر الزرقانى فى شرحه على
المواهب أن ما أورده القسطلانى عن كعب- وهو نفس ما ذكره السهيلى- «قد رواه
أبو نعيم فى الدلائل عن كعب الأحبار مطولا. وفى آخره: وكان بين موت كعب
ومبعث النبى- صلى الله عليه وسلم- 560 سنة»
(3) الفحوى: معنى الكلام ولحنه وفيها لغات ويروى نجواء بدل فحواء، و (حين
العشيرة تبغى) بدلا من (إذا-
(1/52)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَقَدْ ذَكَرَ الْمَاوَرْدِيّ هَذَا الْخَبَرَ عَنْ كَعْبٍ فِي كِتَابِ
الْأَحْكَامِ لَهُ.
لُؤَيّ:
وَأَمّا لُؤَيّ، فَقَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيّ هُوَ تَصْغِيرُ اللّأْيِ،
وَهُوَ الثّوْرُ الْوَحْشِيّ وَأَنْشَدَ:
يَعْتَادُ أَدِحْيَةً بَقَيْنَ بِقَفْرَةِ ... مَيْثَاءَ يَسْكُنُهَا
اللّأْيُ وَالْفَرْقَدُ «1»
قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: اللّأْيُ هِيَ الْبَقَرَةُ. قَالَ: وَسَمِعْت
أَعْرَابِيّا يَقُولُ: بِكَمْ لَاءَكَ هَذِهِ، وَأَنْشَدَ فِي وَصْفِ
فَلَاةٍ:
كَظَهْرِ اللّأْيِ لَوْ يَبْتَغِي رِيّةً بِهَا ... نَهَارًا لأعيت فى بطون
الشّواجن «2»
__________
- قريس تبغّى) والمعنى- كما ذكر الزرقانى- (يتمنى إدراك زمن دعوته- صلى
الله عليه وسلم- للناس، وقريش يعارضونه، ويطلبون خذلان دينه؛ لينصره ويظهر
دينه»
(1) يعتاد: ينتاب. الأدحية- وفيها لغات-: أمكنة بيض النعام. ميثاء: لينة
سهلة. الفرقد: ولد البقر
(2) البيت للطرماح وهو فى اللسان: تبتغى على البناء للمجهول، وعيت بدلا من
أعيت. وقد فسره بقوله: هذه الصحراء كظهر بقرة وحشية ليس فيها أكمة ولا
وهدة. وفى مكان آخر من اللسان فى مادة لأى:
كظهر اللأى لو يبتغى رية بها ... لعنت وشقّت فى بطون الشواجن
يبتغى بالبناء للمجهول، وفتح زاء ريّة. ورواه فى مادة ورى. وشجن بروايات
مختلفة.
(1/53)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الشّوَاجِنُ: شُعَبُ الْجِبَالِ، وَالرّيّةُ: مَقْلُوبٌ مِنْ وَرَى
الزّنْدُ «1» ، وَأَصْلُهُ:
وِرْيَةٌ، وَهُوَ الْحُرَاقُ الّذِي يُشْعَلُ بِهِ الشّرَرَةُ مِنْ
الزّنْدِ، وَهُوَ عِنْدِي تَصْغِيرُ لَأْيٍ، وَاللّأْيُ: الْبُطْءُ،
كَأَنّهُمْ يُرِيدُونَ مَعْنَى الْأَنَاةِ، وَتَرْكِ الْعَجَلَةِ، وَذَلِكَ
أَنّي أَلْفَيْته فِي أَشْعَارِ بَدْرٍ مُكَبّرًا عَلَى هَذَا اللّفْظِ فِي
شِعْرِ أَبِي أُسَامَةَ، حَيْثُ يَقُولُ:
فَدُونَكُمْ بَنِي لَأْيٍ أَخَاكُمْ ... وَدُونَكِ مَالِكًا يَا أُمّ
عَمْرِو «2»
مَعَ مَا جَاءَ فِي بَيْتِ الْحُطَيْئَةِ فِي غَيْرِهِ:
أَتَتْ آلَ شَمّاسِ بْنِ لَأْيٍ، وَإِنّمَا ... أَتَاهُمْ بِهَا
الْأَحْلَامُ وَالْحَسَبُ الْعِدّ «3»
وَقَوْلُهُ أَيْضًا:
فَمَاتَتْ أُمّ جَارَةِ آلِ لَأْيٍ ... وَلَكِنْ يَضْمَنُونَ لَهَا قراها
__________
(1) ورى الزّند: خرجت ناره، وورى الزّند كذلك وأورى الزّند خرجت ناره
وأخرجها.
(2) ستأتى القصيدة كاملة فى الشعر الذى قيل فى قتلى بدر من المشركين.
والشاهد فيه قوله: بنى لأى يريد: بنى لؤى.
(3) البيت فى اللسان والقصيدة فى الأغانى، والحطيئة هو أبو مليكة جرول
الشاعر المشهور. كان من أكبر الهجائين والمداحين فى عصره، وصم بدناءة الخلق
ورقة الدين، إلا أن شعره طار بذكره. جاء عنه فى مهذب الأغانى: «وهو من فحول
الشعراء ومتقدميهم، ومن فصحائهم، متصرف فى جميع فنون الشعر من المدح
والهجاء والفخر والنسيب، مجيد فى ذلك أجمع» وهو مخضرم أدرك الجاهلية
والإسلام، فأسلم ثم ارتد» والبيت من عيون قصائده فى المدح. والأحلام: جمع
حلم: العقل والأناة وضبط النفس. والحسب: ما يعدّه الإنسان من مناقبه أو شرف
آبائه، والعدّ: القديم
(1/54)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَفِي الْحَدِيثِ مِنْ قَوْلِ أَبِي هُرَيْرَةَ
[وَالرّاوِيَةُ يَوْمَئِذٍ يُسْتَقَى عَلَيْهَا] أَحَبّ إلَيّ مِنْ شَاءٍ
وَلَاءٍ، فَاللّاءُ هَهُنَا جَمْعُ اللّائِي، وَهُوَ الثّوْرُ، مِثْلُ
الْبَاقِرِ وَالْجَامِلِ، وَتَوَهّمَ ابْنُ قُتَيْبَةَ أَنّ قَوْلَهُ:
لَاءٍ مِثْلُ مَاءٍ فَخَطّأَ الرّوَايَةَ، وَقَالَ: إنّمَا هُوَ أَلْآءُ
مِثْلُ: أَلْعَاعٍ جَمْعُ لَأْيٍ، وَلَيْسَ الصّوَابُ إلّا مَا تَقَدّمَ،
وَأَنّهُ لَاءٍ مِثْلُ جَاءٍ «1» .
فِهْرٌ وَغَيْرُهُ:
وَأَمّا فِهْرٌ «2» فَقَدْ قِيلَ: إنّهُ لَقَبٌ، وَالْفِهْرُ مِنْ
الْحِجَارَةِ: الطّوِيلُ، واسمه
__________
(1) ما بين قوسين من اللسان. قال ابن الأثير فى النهاية تعليقا على هذا
الحديث: «قال القتيبى- يعنى ابن قتيبة- هكذا رواه نقلة الحديث: لاء بوزن
جاء، وإنما هو ألأء بوزن العاع، وهى الثيران، واحدها. لأى بوزن قفا، وجمعه
أقفاء يريد: «بعير يستقى عليه يومئذ خير من اقتناء البقر والغنم، كأنه أراد
الزراعة لأن أكثر من يقتنى الثيران والغنم الزراعون» . ويقول ابن دريد:
(واشتقاق لؤى من أشياء، إما تصغير لواء الجيش وهو ممدود، أو تصغير لوى
الرمل (أى ما التوى من الرمل أو منقطعه) وهو مقصور، أو تصغير لأى تقديره:
لعى، وهو الثور الوحشى، والّلوى اعوجاج فى ظهر القوس. واللوى: الوجع يعترى
البطن، وتقول لويت الرجل دينه ألويه ليّا إذا مطلته.
(2) لم يذكر هنا غالبا وهو- كما يقول ابن دريد- فاعل من قولهم: غلب يغلب
غلبا. ويقول ابن دريد: الفهر: الحجر الأملس يملأ الكف أو نحوه، وهو مؤنث
يدلك على ذلك أنهم صغروا فهرا: فهيرة، وقال الخشى ص 3: يذكر ويؤنث، وخطأ
الأصمعى من يؤنثه
(1/55)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قُرَيْشٌ، وَقِيلَ: بَلْ اسْمُهُ فِهْرٌ، وَقُرَيْشٌ لَقَبٌ لَهُ عَلَى مَا
سَيَأْتِي الِاخْتِلَافُ فِيهِ- إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى- وَمَالِكٌ
وَالنّضْرُ وَكِنَانَةُ لَا إشْكَالَ فِيهَا «1» .
خُزَيْمَةُ:
وَخُزَيْمَةُ وَالِدُ كِنَانَةَ تَصْغِيرُ خَزَمَةَ، وَهِيَ وَاحِدَةُ
الْخَزَمِ «2» ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ تَصْغِيرَ خَزْمَةَ، وَكِلَاهُمَا
مَوْجُودٌ فِي أَسْمَاءِ الْأَنْصَارِ وَغَيْرِهِمْ، وَهِيَ الْمَرّةُ
الْوَاحِدَةُ مِنْ الْخَزْمِ، وَهُوَ: شد الشئ وَإِصْلَاحُهُ، وَقَالَ
أَبُو حَنِيفَةَ: الْخَزَمُ مِثْلُ الدّوْمِ تُتّخَذُ مِنْ سَعَفِهِ
الْحِبَالُ، وَيُصْنَعُ مِنْ أَسَافِلِهِ خَلَايَا لِلنّحْلِ، وَلَهُ
ثَمَرٌ لَا يَأْكُلُهُ النّاسُ، ولكن تألفه الغربان وتستطيبه.
__________
(1) مالك فاعل من (ملك) والنضر هو أبو جميع قريش، والنضر: الذهب بعينه،
والنضار: الخالص من كل شئ، وربما سمى الذهب: نضارا، وكل شئ استحسن فهو
نضير. وابن كنانه: الكنانة: كنانة النّبل إذا كانت من أدم «جلد» فهى كنانة
فإن كانت من خشب، فهى جفير، وإن كانت من قطعتين مقرونتين فهى قرن، والكنانة
تجمع هذا كله.. وكن كل شئ: ما اكتننت فى ظله.
(2) الخزم: شجر تتخذ من لحائه الحبال، وهو خوص الدّوم. وكانت أسفاط النساء
تعمل منه. والدّوم: شجر عظام من الفصيلة النخلية يكثر فى صعيد مصر، وفى
بلاد العرب وله ثمار فى غلظ التفاحة ذات قشر صلب أحمر، ونواة ضخمة ذات لبّ،
وضخام الشجر من كل نوع، ومفرد خزم: خزمة.
(1/56)
ابن مُدْرِكَةَ، وَاسْمُ مُدْرِكَةَ:
عَامِرُ بْنُ إلْيَاسَ بْنِ مُضَرَ بْنِ نِزَارِ بْنِ مَعَدّ بْنِ
عَدْنَانَ بن أدّ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
مُدْرِكَةُ وَإِلْيَاسُ:
وَأَمّا مُدْرِكَةُ «1» فَمَذْكُورٌ فِي الْكِتَابِ، وَإِلْيَاسُ أَبُوهُ،
قَالَ فِيهِ ابْنُ الْأَنْبَارِيّ: إلْيَاسُ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ،
وَجَعَلَهُ مُوَافِقًا لِاسْمِ إلْيَاسَ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-، وَقَالَ فِي اشْتِقَاقِهِ أَقْوَالًا مِنْهَا: أَنْ يَكُونَ
فِعْيَالًا مِنْ الْأَلْسِ «2» ، وَهِيَ الْخَدِيعَةُ وَأَنْشَدَ: مِنْ
فَهّةِ الْجَهْلِ وَالْأَلْسَةِ «3» .
وَمِنْهَا أَنّ الْأَلْسَ: اخْتِلَاطُ الْعَقْلِ، وَأَنْشَدُوا:
إنّي إذًا لَضَعِيفُ الْعَقْلِ مَأْلُوسُ.
وَمِنْهَا: أَنّهُ إفْعَالٌ مِنْ قَوْلِهِمْ: رَجُلٌ أَلْيَسُ، وَهُوَ
الشّجَاعُ الّذِي لَا يَفِرّ. قَالَ الْعَجّاجُ:
أَلْيَسُ عَنْ حَوْبَائِهِ سخى «4» .
__________
(1) لقب مدركة؛ لأنه أدرك الإبل التى كانت قد ضلت، وهو من أدرك يدرك إدراكا
أى: لحق.
(2) يقال فيه: ألس- بفتح فكسر- غش وخدع. وألس بضم فكسر: اختلط عقله. وابن
الأنبارى هو: أبو محمد بن القاسم كان من الحفاظ وعلامة فى النحو واللغة،
توفى سنة 328 هـ. والأنبار بلدة قديمة على الفرات.
(3) الفهة والفهاهة والفهفهة: العى والزلة والجهلة.
(4) ليس- بفتح فكسر- ليسا بفتح فسكون شجع، والحوباء: النفس أو روع القلب.
(1/57)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَقَالَ آخَرُ:
أَلْيَسُ كَالنّشْوَانِ وَهُوَ صَاحٍ.
وَفِي غَرِيبِ الْحَدِيثِ لِلْقُتَبِيّ «1» أَنّ فُلَانًا: أَلْيَسُ
أَهْيَسُ ألدّملحس.
إنْ سُئِلَ أَزَزَ، وَإِنْ دُعِيَ انْتَهَزَ. وَقَدْ فسره، وزعم أن أهيس
مقلوب
__________
(1) يعنى: ابن قتيبة، وقد نقله اللسان، وفيه فى مادة ليس: الأهوس الذى يدق
كل شئ ويأكله.. وربما ذموه بقولهم: أهيس أليس، فإذا أرادوا الذم عنى
بالأهيس: الأهوس، وهو الكثير الأكل، وبالأليس: الذى لا يبرح بيته، وهذا ذم.
والألد الخصم الجدل، والملحس: الحريص، أو الذى يأخذ كل ما قدر عليه، أو
الشجاع. جمعها: ملاحس. الأزز: فى القاموس: امتلاء المجلس، والضيق والممتلئ.
وحلب الناقة. وفى النهاية لابن الأثير- المسجد أزز ممتلئ بالناس، وأتيت
الوالى، والمجلس أزز: كثير الزحام ليس فيه متسع، والناس أزز إذا انضم بعضهم
إلى بعض. وانتهز: قبل وأسرع. وقد جاء فى النهاية لابن الأثير: «وفى حديث
أبى الأسود: عليكم فلانا فإنه أهيس أليس ألدّ ملحس» وعقب بقوله عن ملحس:
«هو الذى لا يظهر له شئ إلا أخذه، وهو مفعل من اللحس ويقال: التحست منه حقى
أى: أخذته» وفى فتح البارى: إلياس بهمزة قطع وهو اسم عبرانى، وفى اللسان فى
مادة ليس: «وإلياس اسم أعجمى، وقد سمت به العرب، وهو إلياس بن مضر» وفى
مكان آخر فى مادة سلل: «قال المفضل بن سلمة- وقد ذكر إلياس النبى عليه
السلام- فأما الياس بن مضر فألفه ألف وصل، واشتقاقه من اليأس وهو السّل،
وقال الزبير بن بكار: الياس بن مضر هو أول من مات من السل، فسمى السل يأسا،
ومن قال إنه إلياس بقطع الألف على لفظ النبى عليه الصلاة والسلام، أنشد بيت
قصى: أمهتى خندف والياس أبى» وفى رأى ابن الأنبارى ستكون همزة إلياس
مكسورة، وفى رأى قاسم بن ثابت: ستكون الهمزة مفتوحة لأنها همزة أداة
التعريف ال.
(1/58)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الْوَاوِ، وَأَنّهُ مَرّةً مِنْ الْهَوَسِ، وَجُعِلَتْ وَاوُهُ يَاءً
لِازْدِوَاجِ الْكَلَامِ، فَالْأَلْيَسُ:
الثّابِتُ الّذِي لَا يَبْرَحُ، وَاَلّذِي قَالَهُ غَيْرُ ابْنِ
الْأَنْبَارِيّ أَصَحّ، وَهُوَ أَنّهُ الْيَاسُ سُمّيَ بِضَدّ الرّجَاءِ،
وَاللّامُ فِيهِ لِلتّعْرِيفِ، وَالْهَمْزَةُ هَمْزَةُ وَصْلٍ، وَقَالَهُ
قَاسِمُ ابن ثَابِتٍ فِي الدّلَائِلِ «1» ، وَأَنْشَدَ أَبْيَاتًا
شَوَاهِدَ مِنْهَا قَوْلُ قُصَيّ:
إنّي لَدَى الْحَرْبِ رَخِيّ اللّبَبِ ... أمّهتى خندف والياس أبى «2»
__________
(1) هو ابن حزم العوفى المالكى الأندلسى الفقيه المحدث توفى سنة 302 هـ.
(2) اللبب، المنحر، وموضع القلادة من الصدر، وما يشد فى صدر الدّابة، ليمنع
استئخار الرّحل. وإنه لرخىّ اللبب: واسع البال لا يضيق بها، وفى سعة حال.
ويقال: فلان فى لبب رخى: فى سعة وخصب وأمن. والمراد هنا بيان كثرة مبارزته
للأقران مما سبب ارتخاء اللبب من كثرة الجرى. وخندف زوجة الياس بن مضر هى:
ليلى بنت حلوان بن عمران، وكان الياس بن مضر خرج فى نجعة، فنفرت إبله من
أرنب، فخرج إليها عمرو فأدركها، وخرج عامر فتصيدها، وطبخها، وانقمع عمير فى
الخباء، وخرجت أمهم تسرع، فقال لها الياس: أين تخندفين؟ فقالت: ما زلت
أخندف فى إثركم، فلقبوا- أى أولاد الياس- مدركة، وهو عامر- كما فى نسب
قريش- وطابخة، وهو عمرو كما ذكر المصدر السابق وقمعة «الطبرى والقاموس»
وخندف والخندوف: المتبختر فى مشيه كبرا وبطرا. أقول ذكر الزرقانى فى شرح
المواهب عن الياس: «وفى سيرة مغلطاى اسمه حبيب، وفى الخميس إنما سمى الياس،
لأن أباه كبر، ولم يولد له، فولد على الكبر واليأس، فسمى: الياس، وكنيته:
أبو عمر. وفى الطبرى أن الياس قال لعمرو ابنه: إنك قد أدركت ما طلبتا. وقال
لعامر: وأنت قد أنضجت ما طبختا، وقال لعمير: وأنت قد أسأت، وانقمعتا.
وأمهتى: والدتى، وقيل إن جمع الأم فى البهائم. أمات، وفى الناس: أمهات.
وقال آخرون. أمهات واحدها أمهة. وقيل: الهاء زائدة، وقيل أصلية. وقد ورد فى
اللسان:
(1/59)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَيُقَالُ: إنّمَا سُمّيَ السّلّ دَاءَ يَاسٍ؛ وَدَاءَ الياس، لأن الياس بن
مضرمات مِنْهُ. قَالَ ابْنُ هَرْمَةَ.
يَقُولُ الْعَاذِلُونَ إذَا رَأَوْنِي ... أُصِبْت بِدَاءِ يَاسٍ، فَهُوَ
مُودِي
وَقَالَ ابْنُ أَبِي عَاصِيَةَ:
فَلَوْ كَانَ دَاءُ إلْيَاسَ بى، وأعاننى ... طبيب بأرواح العقيق شفانيا
__________
-
إنى لدى الحرب رخىّ لببى ... عند تناديهم بهال وهب
معتزم الصولة عال نسبى ... أمهتى خندف والياس أبى
وهال: زجر للخيل، وهب: دعاء لها. وفى باب الهاء ورد فى اللسان هكذا
عند تناديهم بهال وهب ... أمهتى خندف، والياس أبى
حيدرة خالى لقيط وعلى ... وحاتم الطائىّ وهاب الئمئ
وفيه: وقد جاءت الأمهة فيما لا يعقل وفى إعراب ثلاثين سورة لابن خالويه:
«ولقيط وعدى» وفى خزانة الأدب للبغدادى أن قوله: «وحاتم الطائى وهاب المئى»
هو من رجز أورده أبو زيد فى نوادره فى موضعين فى أحدهما: نسبه إلى إمرأة من
بنى عقيل تفخر بأخوالها من اليمن وهو:
حيدة خالى ولقيط وعلى ... وحاتم الطائى وهاب المئى
ولم يكن كخالك العبد الدعى ... يأكل أزمان الهزال والسّنى
هنات غير ميت غير ذكى
وأقول: لا يعقل أن يكون البيت الأول من كلام قصى لأنه كان قبل أن يولد حاتم
«انظر اللسان وإعراب ثلاثين سورة لابن خالويه والأمالى والسمط وشرح شواهد
الشافية»
(1/60)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَقَالَ عُرْوَةُ بْنُ حِزَامٍ «1» :
بِي إلْيَاسُ أَوْ دَاءُ الْهُيَامِ أَصَابَنِي ... فَإِيّاكَ عَنّي لَا
يَكُنْ بك مابيا
ويذكر عَنْ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنّهُ قَالَ: لَا
تَسُبّوا إلْيَاسَ، فَإِنّهُ كَانَ مُؤْمِنًا «2» وَذَكَرَ أَنّهُ كَانَ
يَسْمَعُ فِي صُلْبِهِ تَلْبِيَةَ النبى- صلى الله عليه وسلم- بِالْحَجّ
«3» . يَنْظُرُ فِي كِتَابِ الْمَوْلِدِ لِلْوَاقِدِيّ.
وَإِلْيَاسُ أَوّلُ مَنْ أَهْدَى الْبُدْنَ «4» لِلْبَيْتِ. قَالَهُ
الزّبَيْرُ. وَأُمّ إلْيَاسَ:
الرّبَابُ بِنْتُ حُمَيْرَةَ بْنِ مَعَدّ بْنِ عَدْنَانَ قَالَهُ
الطّبَرِيّ «5» ، وَهُوَ خِلَافُ مَا قَالَهُ ابْنُ هِشَامٍ فِي هَذَا
الْكِتَابِ.
وَأَمّا مُضَرُ، فَقَدْ قَالَ الْقُتَبِيّ هُوَ مِنْ الْمَضِيرَةِ، أو من
اللبن الماضر، والمضيرة
__________
(1) فى الأغانى وتزيين الأسواق أنه للمجنون.
(2) قال البرهان الزركشى: لا أدرى أنا حال هذا الحديث. والذى فى الجامع
الصغير: «لا تسبوا مضر، فإنه كان قد أسلم» رواه ابن سعد عن عبد الله بن
خالد مرسلا، وهو ضعيف.
(3) أسطورة لا يشرف النبى «ص» أن نخترعها له.
(4) مفردها بدنة جمعها: بدن وبدن. قيل: هى البعير ذكرا كان، أو أنثى،
والهاء فيها للوحدة لا للتأنيث، ونقل عن مالك أنه كان يتعجب ممن يخص البدنة
بالأنثى. ويقول الأزهرى فى التهذيب: البدنة لا تكون إلا من الإبل، وأما
الهدى فمن الإبل والبقر والغنم، وفى الصحاح للجوهرى أن البدنة ناقة أو بقرة
تنحر بمكة سميت بذلك لأنهم كانوا يسمنونها.
(5) الذى فى الطبرى: الرباب بنت حيدة، فلا يكون مخالفا لابن هشام.
(1/61)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
شئ يُصْنَعُ مِنْ اللّبَنِ «1» ، فَسُمّيَ: مُضَرَ لِبَيَاضِهِ «2» ،
وَالْعَرَبُ تُسَمّي الْأَبْيَضَ أَحْمَرَ، فَلِذَلِكَ قِيلَ: مُضَرُ
الْحَمْرَاءُ، وَقِيلَ بَلْ أَوْصَى لَهُ أَبُوهُ بِقُبّةِ حَمْرَاءَ،
وَأَوْصَى لِأَخِيهِ رَبِيعَةَ بِفَرَسِ، فَقِيلَ: مُضَرُ الْحَمْرَاءُ،
وَرَبِيعَةُ الْفَرَسِ.
وَمُضَرُ أَوّلُ مَنْ سَنّ لِلْعَرَبِ حداء الإبل «3» ، وكان أحسن النّاس
صوتا فِيمَا زَعَمُوا- وَسَنَذْكُرُ سَبَبَ ذَلِكَ فِيمَا بَعْدُ- إنْ
شَاءَ اللهُ تَعَالَى-، وَفِي الْحَدِيثِ الْمَرْوِيّ: «لَا تَسُبّوا
مُضَرَ وَلَا رَبِيعَةَ، فَإِنّهُمَا كَانَا مُؤْمِنَيْنِ «4» » ذَكَرَهُ
الزّبَيْرُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ.
نِزَارٌ وَمَعَدّ:
وَأَمّا نِزَارُ، فَمِنْ النّزْرِ وَهُوَ الْقَلِيلُ، وَكَانَ أَبُوهُ
حِينَ وُلِدَ لَهُ، وَنَظَرَ إلَى
__________
(1) مضر اللبن بفتح الميم والضاد مضرا ومضرا بسكون الضاد وفتحها ومضورا
حمض، وابيض، فهو ماضر.
(2) وقيل لأنه كان يمضر القلوب لحسنه وجماله لأنه كان يأخذ بقلب من يراه:
وقيل اسمه: عمرو، وكنيته: أبو الياس.
(3) وفى القاموس: «ومضر الحمراء، لأنه أعطى الذهب من ميراث أبيه وربيعة
أعطى الخيل، أو لأن شعارهم كان فى الحرب: الرايات الحمر» وفى نهاية الأرب
أن أولاد نزار اقتسموا ميراثه: فخرج الفرس من نصيب ربيعة، فسمى ربيعة
الفرس، وكان لمضر الناقة الحمراء، فسمى مضر الحمراء.» وأما حداؤه للابل ففى
الكامل لابن الأثير 2: 11 لأنه سقط عن بعيره، فجعل يقول: يا يداه، فأتته
الإبل
(4) رواه الديلمى فى مسند الفردوس.
(1/62)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
النّورِ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، وَهُوَ نُورُ النّبُوّةِ الّذِي كان ينتقل فى
الأصلاب «1» إلى محمد
__________
(1) يغلو بعض الناس فى تقديس الرسول- صلى الله عليه وسلم- تقديسا ينزع بهم
إلى تأليهه، أو يسبغ عليه ما أسبغ الأسطوريون على يسوع، فيرددون ماردده
المؤلف هنا، وحقائق التاريخ تكذب هذه المفتريات، والقرآن يدمغها بأنها
ضلالة، والأحاديث الصحيحة تنفيها. فإن هذه المفتريات تزعم أن الرسول- صلى
الله عليه وسلم- كان نورا يتنقل فى الأصلاب من آدم إلى عبد الله، وأن هذا
النور كان يشرق فى جباه هؤلاء الذين كان ينتقل فى أصلابهم. ويستشهدون على
هذا بقوله سبحانه- (وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ) وأيضا بما رواه
البزار وابن أبى حاتم من طريقين- عن ابن عباس- أنه قال فى هذه الآية: «يعنى
تقلبه من صلب نبى إلى صلب نبى حتى أخرجه نورا» والآية القرآنية لا تعطى هذا
المفهوم، وإليك ما يقوله ابن كثير فى تفسير قوله تعالى (الَّذِي يَراكَ
حِينَ تَقُومُ، وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ) الشعراء: 218، 219. «قال
ابن عباس: (الذى يراك حين تقوم) . يعنى إلى الصلاة، وقال عكرمة: يرى قيامه
وركوعه وسجوده. وقال الحسن: (الذى يراك حين تقوم) إذا صليت وحدك، وقال
الضحاك: (الذى يراك حين تقوم) أى من فراشك، أو مجلسك، وقال قتادة: (الذى
يراك) قائما وجالسا، وعلى حالاتك وقوله تعالى: (وتقلبك فى الساجدين) قال
قتادة: (الذى يراك حين تقوم، وتقلبك فى الساجدين) قال: فى الصلاة يراك
وحدك، ويراك فى الجمع، وهذا قول عكرمة، وعطاء الخراسانى، والحسن البصرى
ويقول البغوى: «وقيل معناه: يرى تصرفك وذهابك ومجيئك فى أصحابك المؤمنين،
وقيل تصرفك فى أحوالك كما كانت الأنبياء من قبلك» . أماما نقله البزار وابن
أبى حاتم عن ابن عباس فهو كلام مفترى على حبر هذه الأمة ابن عباس؛ ولهذا لم
يخرجه أحد من رواة الحديث فى صحيحه أو مسنده أو سننه، وقول ابن عباس الذى
نقله ابن كثير يدمغ ما نقله البزار بأنه موضوع. ثم إنا-
(1/63)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَرِحَ فَرَحًا شَدِيدًا بِهِ،
وَنَحَرَ وَأَطْعَمَ، وَقَالَ: إنّ هَذَا كُلّهُ نَزْرٌ لِحَقّ هَذَا
الْمَوْلُودِ، فَسُمّيَ: نِزَارًا لِذَلِكَ «1» .
وَأَمّا مَعَدّ أَبُوهُ فَقَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيّ: فِيهِ ثَلَاثَةُ
أَقْوَالٍ، أَحَدُهَا، أَنْ يَكُونَ مَفْعَلًا مِنْ الْعَدّ، وَالثّانِي
أَنْ يَكُونَ فَعَلّا مِنْ مَعَدَ فِي الْأَرْضِ أَيْ: أَفْسَدَ كَمَا
قَالَ.
وَخَارِبَيْنِ خَرَبَا فَمَعَدَا ... مَا يَحْسِبَانِ اللهَ إلّا رَقَدَا
«2»
__________
- نسأل: أكان آزر والد إبراهيم من الساجدين؟ وحسبنا هذا، ولن نتعرض لغيره
ممن تنقل الرسول- صلى الله عليه وسلم- فى أصلابهم كما يزعمون. والله تعالى
يأمر فى القرآن نبيه أن يصدع بهذه الآيات: (قُلْ: إِنَّما أَنَا بَشَرٌ
مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ) ذكرت مرة فى
سورة الكهف، وأخرى فى فصّلت، (قُلْ: ما كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ،
وَما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي، وَلا بِكُمْ) الأحقاف (ما كُنْتَ تَدْرِي
مَا الْكِتابُ، وَلَا الْإِيمانُ) (وَما كُنْتَ تَرْجُوا أَنْ يُلْقى
إِلَيْكَ الْكِتابُ إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ) أفمن خصائص البشرية ما
يزعم المفترون؟ وهل تقلّب الرسل جميعا تقلب محمد، فهو ليس بدعا من الرسل؟
وإذا ثبت أن الرسول- صلى الله عليه وسلم- ببرهان القرآن- لم يكن يعرف
إيمانا ولا كتابا قبل بعثته، فمن أين هذه النبوة التى كان يشرق نورها على
جباه أصلابه؟ إن حقائق القرآن تشهد لمحمد- صلى الله عليه وسلم- بأنه خاتم
الرسل، وعلى خلق عظيم، وبأنه بالمؤمنين رءوف رحيم، وبأنه ما افترى على الله
كذبا. فلنشهد له بما شهد له به القرآن، لا بما يزينه الشيطان.
(1) وقال صاحب الأغانى: سمى بذلك لأنه كان فريد عصره، وقيل: لقب به
لنحافته؛ وعن الماوردى أنه كان مهزول البدن، فقال له ملك الفرس: ما لك يا
نزار: ومعناها فى الفارسية، مهزول.
(2) فى اللسان: معد فى الأرض: إذا أبعد فى الذهاب، والخارب: اللص أو سارق
الإبل. والرجز هو: -
(1/64)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَإِنْ كَانَ لَيْسَ فِي الْأَسْمَاءِ مَا هُوَ عَلَى وَزْنِ فَعَلٍ
بِفَتْحِ الْفَاءِ إلّا مَعَ التّضْعِيفِ، فَإِنّ التّضْعِيفَ يُدْخِلُ فِي
الْأَوْزَانِ مَا لَيْسَ فِيهَا كَمَا قَالُوا. شَمّرَ وَقُشَعْرِيرَةَ،
وَلَوْلَا التّضْعِيفُ مَا وُجِدَ مِثْلُ هَذَا، وَنَحْوُ ذَلِكَ الثّالِثِ
أَنْ يَكُونَ مِنْ الْمَعَدّيْنِ، وَهُمَا مَوْضِعُ عَقِبَيْ الْفَارِسِ
مِنْ الْفَرَسِ «1» وَأَصْلُهُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ مِنْ
الْمَعْدِ بِسُكُونِ الْعَيْنِ، وَهُوَ الْقُوّةُ، وَمِنْهُ اشْتِقَاقُ
الْمَعِدَةِ.
عَدْنَانُ:
وَأَمّا عَدْنَان فَفَعْلَانُ مِنْ عَدَنَ إذَا أَقَامَ، وَلِعَدْنَانَ
أَخَوَانِ: نَبْتٌ وَعَمْرٌو فِيمَا ذَكَرَ الطّبَرِيّ «2» .
النّسَبُ قَبْلَ عَدْنَانَ:
وَأُدَدٌ مَصْرُوفٌ. قَالَ ابْنُ السّرَاجِ. هُوَ مِنْ الْوُدّ
وَانْصَرَفَ، لِأَنّهُ مِثْلُ ثُقَبٍ، وَلَيْسَ مَعْدُولًا كعمر، وهو معنى
قول سيبويه.
__________
- أخشى عليها طيئا وأسدا: وخاربين خربا فمعدا: لا يحسبان الله إلا رقدا أى:
اختلساها واختطفاها. قال ابن برى عن معد: الميم أصلية، قال: وكذا ذكر
سيبويه: قولهم معدّ فقال: الميم أصلية لقولهم تمعدد قال ولا يحمل على تمفعل
مثل تمسكن لقلته ونزارته. وفى مادة معد نقل اللسان عن اللحيانى: معد الشئ
معدا وامتعد: اختطفه، فذهب به، وقيل اختسله. ثم استشهد بهذا الرجز، ومعد فى
الأرض يمعد «بضم العين» معدا ومعودا: إذا ذهب.
(1) فى اللسان أيضا: المعدان: الجنبان من الإنسان وغيره.. والمعدان من
الفرس ما بين رءوس كتفيه إلى مؤخر متنه.
(2) هما أخواه لأبيه كما فى الطبرى.
(1/65)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَقَدْ قِيلَ فِي عَدْنَانَ: هُوَ ابْنُ مَيْدَعَةَ وقيل ابن يحثم «1» قاله
القتيبىّ وَمَا بَعْدَ عَدْنَانَ مِنْ الْأَسْمَاءِ مُضْطَرَبٌ فِيهِ،
فَاَلّذِي صَحّ عَنْ رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
أَنّهُ انْتَسَبَ إلَى عَدْنَانَ لَمْ يَتَجَاوَزْهُ، بَلْ قَدْ رُوِيَ
عَنْ طَرِيقِ ابْنِ عَبّاسٍ أَنّهُ لَمّا بَلَغَ عَدْنَانَ. قَالَ «كَذَبَ
النّسّابُونَ مَرّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا» «2» ، وَالْأَصَحّ فِي هَذَا
الْحَدِيثِ أَنّهُ مِنْ قَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ «3» ، وَرُوِيَ عَنْ
عُمَرَ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنّهُ قَالَ: إنّمَا نَنْتَسِبُ إلَى
عَدْنَانَ، وَمَا فَوْقَ ذَلِكَ لا ندرى ما هو وأصحّ شئ رُوِيَ فِيمَا
بَعْدَ عَدْنَانَ مَا ذَكَرَهُ الدّوْلَابِيّ «4» أَبُو بِشْرٍ مِنْ
طَرِيقِ مُوسَى بْنِ يَعْقُوبَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ وَهْبِ بْنِ
زَمَعَةَ الزّمَعِيّ، عَنْ عَمّتِهِ، عَنْ أُمّ سَلَمَةَ عَنْ النّبِيّ-
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنّهُ قَالَ: «مَعَدّ بْنُ عَدْنَانَ
بْنِ أُدَدِ بْنِ زَنْدٍ- بِالنّونِ- بْنِ الْيَرَى بْنِ أَعْرَاقِ الثّرَى
«5» » قَالَتْ أمّ سلمة. فزند هو
__________
(1) الذى فى المعارف لابن قتيبة: يجثوم.
(2) أخرجه ابن عساكر، وابن سعد والديلمى فى مسند الفردوس وقال ابن عبد البر
فى الإنباه: ليس بالإسناد القوى.
(3) كان ابن مسعود إذا قرأ قوله تعالى: (أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَؤُا
الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ
بَعْدِهِمْ لا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ) يقول: كذب النسابون. يعنى أنهم
يدعون علم الأنساب، ونفى الله علمها عن العباد بقوله سبحانه: لا يعلمهم
(إلا الله) الزرقانى فى المواهب.
(4) هو: أبو بشر محمد بن أحمد بن حماد بن سعيد الأنصارى الرازى الدولابى
روى عنه ابن أبى حاتم وابن عدى وابن حبان والطبرانى وغيرهم. قال الدارقطنى
تكلموا فيه. وقال ابن يونس: ضعيف ولد سنه 224 ومات 310 هـ.
(5) هو فى الطبرى بدون ال، وفى غيره: برى- بالباء- وهو الصواب، فالبرى:
التراب وهو يناسب معنى ما بعده. والحديث مكذوب، فالرسول-
(1/66)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الْهَمَيْسَعُ، وَالْيَرَى هُوَ: نَبْتٌ، وَأَعْرَاقُ الثّرَى هُوَ:
إسْمَاعِيلُ؛ لِأَنّهُ ابْنُ إبْرَاهِيمَ، وَإِبْرَاهِيمُ لَمْ تَأْكُلْهُ
النّارُ، كَمَا أَنّ النّارَ لَا تَأْكُلُ الثّرَى.
وقد قال الدّار قطنىّ: لَا نَعْرِفُ زَنْدًا إلّا فِي هَذَا الْحَدِيثِ،
وَزَنْدُ بْنُ الْجَوْنِ وَهُوَ أَبُو دُلَامَةَ الشّاعِرُ.
قَالَ الْمُؤَلّفُ: وَهَذَا الْحَدِيثُ عِنْدِي لَيْسَ بِمُعَارِضِ لِمَا
تَقَدّمَ مِنْ قَوْلِهِ: كَذَبَ النّسّابُون، وَلَا لِقَوْلِ عُمَرَ-
رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- لِأَنّهُ حَدِيثٌ مُتَأَوّلٌ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ
قَوْلُهُ: «ابْنِ الْيَرَى، ابْنِ أَعْرَاقِ الثّرَى» كَمَا قَالَ:
«كُلّكُمْ بَنُو آدَمَ، وَآدَمُ مِنْ تُرَابٍ» «1» لَا يُرِيدُ أَنّ
الهميسع ومن دونه ابن لإسمعيل لِصُلْبِهِ، وَلَا بُدّ مِنْ هَذَا
التّأْوِيلِ أَوْ غَيْرِهِ؛ لِأَنّ أَصْحَابَ الْأَخْبَارِ لَا
يَخْتَلِفُونَ فِي بُعْدِ الْمُدّةِ مَا بَيْنَ عَدْنَانَ وَإِبْرَاهِيمَ،
وَيَسْتَحِيلُ فِي الْعَادَةِ أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا أَرْبَعَةُ آبَاءٍ
أَوْ سَبْعَةٌ، كَمَا ذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ، أَوْ عَشْرَةٌ أَوْ
عِشْرُونَ؛ فَإِنّ الْمُدّةَ أَطْوَلُ مِنْ ذلك كلّه،
__________
- الذى نزل الله عليه القرآن لا يمكن أن يفترى ما يكذب القرآن: فالله تعالى
يقول: «لا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ» وقد سبق ذكر ما قاله عمر وابن
مسعود وقد قال عروة بن الزبير: «ما وجدنا أحدا يعرف بعد معد بن عدنان»
ويروى ابن عبد البر فى الإنباه قول عكرمة: «أضلت نزار نسبها» وسئل مالك
عَنْ الرّجُلِ يَرْفَعُ نَسَبَهُ إلَى آدَمَ، فَكَرِهَ ذلك وقال: من أخبره
بذلك؟ وقال الحافظ أبو الخطاب عمر بن حسن بن على بن محمد المشهور بأنه: ابن
دحية: «أجمع العلماء- والإجماع حجة- عَلَى أَنّ رَسُولَ اللهِ- صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم- إنما انتسب إلى عدنان ولم يتجاوزه» وأكثر هذه
الأنساب التى بعد عدنان منقول عن أسفار اليهود.
(1) رواه البزار عن حذيفة وروى قريبا منه أبو داود والترمذى، والبيهقى
وتأويل السهيلى لا يناسب مكانة عالم مثله.
(1/67)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَذَلِكَ. أَنّ مَعَدّ بْنَ عَدْنَانَ كَانَ فِي مُدّةِ بُخْتَنَصّرَ «1»
ابْنِ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً.
قَالَ الطّبَرِيّ: وَذُكِرَ أَنّ اللهَ تَعَالَى أَوْحَى فِي ذَلِكَ
الزّمَانِ إلَى إرْمِيَاءَ بْنِ حَلْقِيَا «2» أَنْ اذْهَبْ إلَى
بُخْتَنَصّرَ، فَأَعْلِمْهُ أَنّي قَدْ سَلّطْته على العرب،
__________
(1) يذكر المسعودى عن كثير ممن عنى بأخبار الفرس أنه كان مرزبان العراق
والمغرب، وأنه هو الذى وطئ الشام، وفتح بيت المقدس، وسبى بنى إسرائيل
«المرزبان يراد به صاحب ربع المملكة وقائد عسكر ووزير وصاحب ناحية من
النواحى، وواليها» وأسفار اليهود تلقبه: «نبوخذ نصّر» ويقول الدكتور بوست
فى قاموسه: «إنه لقب لملك بابل، وهو مذكور فى أسفار الملوك والأيام وعزرا
ونحميا وأستير وأرميا ولا سيما فى دانيال» ويقول: إنه مات سنة 561 قبل
الميلاد وأن مدة ملكه أربع وأربعون سنة وأقول: إنه يلقب فى أسفار اليهود
بأنه ملك بابل، وقد خرب أورشليم (القدس) هدم معابدها وقصور ملكها، وأحرق كل
بيوتها ما عدا بيوت الكرامين والفلاحين وقضى على كهانهم، واستولى على كل
كنوز المعابد «انظر الجزء الثانى من قاموس الدكتور بوست، والإصحاح الأخير
من سفر أرميا» وانظر ص 280 ج 1 الطبرى طبع الحسينية، وص 292 أيضا ففيه قصة
معد الخرافية مع بختنصر وكان سن معد 12 سنة
(2) يقول عنه بوست فى قاموسه: «أحد أنبياء العبرانيين العظام، وهو ابن
حلقيا من نسل الكهنة» ثم يزعم أنه كان حديث السن حينما أقامه الله نبيا
فلذلك رفض الدعوة أولا، غير أن الله وعده بالمعونة والنعمة فيما دعاه إليه،
وذكر بوست نفس ما يقوله السهيلى، وفى الطبرى مثله مما يقطع بأن المرجع
واحد، وهو أسفار اليهود. وقد ذكر بوست أن نبوته تشمل مدة ست وأربعين سنة
بين سنة 628 وسنة 586 قبل الميلاد ... وكان من نبواته فى شأن ما سينزل ببنى
إسرائيل، لأنهم عبدوا الأصنام، وحادوا عن طريق الرب، واتبعو الملذات- هو
لفظ بوست- والفساد. وله سفر هو الرابع والعشرون من أسفار العهد القديم.
(1/68)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَاحْمِلْ مَعَدّا عَلَى الْبُرَاقِ كَيْلَا تُصِيبُهُ النّقْمَةُ فِيهِمْ
«1» ، فَإِنّي مُسْتَخْرِجٌ مِنْ صُلْبِهِ نَبِيّا كَرِيمًا أَخْتِمُ بِهِ
الرّسُلَ، فَاحْتَمَلَ مَعَدّا عَلَى الْبُرَاقِ إلَى أَرْضِ الشّامِ،
فَنَشَأَ مَعَ بَنِي إسْرَائِيلَ، وَتَزَوّجَ هُنَاكَ امْرَأَةً اسْمُهَا:
مُعَانَةُ بِنْتُ جَوْشَنَ مِنْ بَنِي دُبّ بْنِ جُرْهُمٍ، وَيُقَالُ فِي
اسْمِهَا: نَاعِمَةٌ. قَالَهُ الزّبَيْرُ، وَمِنْ ثَمّ وَقَعَ فِي كِتَابِ
الإسرائيليين نَسَبُ مَعَدّ، ثَبّتَهُ فِي كُتُبِهِ رَخِيَا، وَهُوَ يُورَخ
«2» كَاتِبُ إرْمِيَاءَ. كَذَلِكَ ذَكَرَ أَبُو عُمَرَ النّمَرِيّ «3»
حُدّثْت بِذَلِكَ عَنْ الْغَسّانِيّ عَنْهُ، وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ
إبْرَاهِيمَ فِي ذَلِكَ النّسَبِ نَحْوٌ مِنْ أَرْبَعِينَ جَدّا، وَقَدْ
ذَكَرَهُمْ كُلّهُمْ أَبُو الْحَسَنِ الْمَسْعُودِيّ عَلَى اضْطِرَابٍ فِي
الأسماء، ولذلك
__________
(1) الذى فى الطبرى أن الله أوحى إلى إرميا وبرخيا أن الله سلط بختنصر على
أهل عربة، كما سلطه على قومهما بنى إسرائيل، وأنه قال لهما: فعليكما بمعد
ابن عدنان، فخرجا حتى سبقا بختنصر، فلقيهما عدنان، فطوياه إلى معد، فحمله
برخيا إلى البراق وردف خلفه، فانتهيا إلى حزان، وطويت الأرض لإرميا!! ص 292
ج 1 الطبرى، وهو كلام يحتاج إلى كلام يثبته!!
(2) واسم بروخ فى سفر أرميا: باروخ يقال إنه حمل رسالة إرميا إلى بابل تخبر
بما سيحل بالمدينة من قصاص الله، وكان باروخ فى جملة من عاد إلى مصر والذى
ورد فى سفر عزرا: معداى، وقد ذكره بين بنى الكهنة الذين اتخذوا نساء غريبة،
وذكر أنه من بنى بالى. أما معديا المذكور فى نحميا، فكان كاهنا، ويقول
الطبرى وكان رجل من مسلمة بنى إسرائيل قد قرأ من كتبهم، فذكر أن بروخ بن
ناريا كاتب إرميا أثبت نسب معد ووضعه فى كتبه.
(3) أبو عمر بن عبد البر: واسمه، يوسف بن عبد الله بن محمد شيخ علماء
الأندلس وكبير محدثيها فى عصره توفى سنه 463، وفتحوا الميم فى النسبة إلى
ثمر استيحاشا لتوالى الكسرات لأن فيه حرفا واحدا غير مكسور.
(1/69)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَاَللهُ أَعْلَمُ- أَعْرَضَ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
عَنْ رَفْعِ نَسَبِ عَدْنَانَ إلَى إسْمَاعِيلَ، لِمَا فِيهِ مِنْ
التّخْلِيطِ، وَتَغْيِيرٍ فِي الْأَلْفَاظِ، وَعَوَاصَةِ تِلْكَ
الْأَسْمَاءِ مَعَ قِلّةِ الْفَائِدَةِ فِي تحصيلها. وقد ذكرى الطّبَرِيّ
نَسَبَ عَدْنَانَ إلَى إسْمَاعِيلَ مِنْ وُجُوهٍ ذَكَرَ فِي أَكْثَرِهَا
نَحْوًا مِنْ أَرْبَعِينَ أَبًا، وَلَكِنْ بِاخْتِلَافِ فِي الْأَلْفَاظِ
«1» ، لِأَنّهَا نُقِلَتْ مِنْ كُتُبٍ عِبْرَانِيّةٍ، وَذُكِرَ مِنْ وَجْهٍ
قَوِيّ فِي الرّوَايَةِ عَنْ نُسّابِ الْعَرَبِ، أَنّ نَسَبَ عَدْنَانَ
يرجع إلى قيذر «2» بن إسمعيل، وَأَنّ قَيْذَرَ كَانَ الْمَلِكَ فِي
زَمَانِهِ، وَأَنّ مَعْنَى قَيْذَرَ: الْمَلِكُ إذَا فُسّرَ، وَذَكَرَ
الطّبَرِيّ فى عمود هذا النسب بور ابن شُوحَا، وَهُوَ أَوّلُ مَنْ عَتَرَ
الْعَتِيرَةَ، وَأَنّ شُوحَا هُوَ:
سَعْدُ رَجَبٍ، وَأَنّهُ أَوّلُ مَنْ سنّ رجبا للعرب. والعتيرة هى
الرّجبيّة «3» .
__________
(1) ولكى تعرف مدى اضطرابهم فى هذا أنهم ذكروا- وحملوها لابن عباس ظلما- أن
بين عدنان وإسماعيل ثلاثين أبا لا يعرفون، وقيل هم أربعة أو سبعة أو ثمانية
أو تسعة أو عشرة أو خمسة عشر أو عشرون أو ثمانية وثلاثون أو تسعة وثلاثون،
أو أربعون، أو فوق هذا
(2) فى القاموس: قيذار وكذلك فى بعض نسخ مروج الذهب للمسعودى، وفى
المطبوعة: قيدار، وفى كتاب نسب قريش: قيذار وفى الطبرى: قيدر وقيذر وقيذار،
وقد ذكر نقلا عن ابن إسحاق هذه الحقيقه عن علم الأنساب: «وذلك أنه أخذ من
أهل الكتاب الأول» صفحة 192 ج 2 الطبرى وفى ص 194 «وتأويل قيدر: صاحب ملك»
(3) انظر ص 193 ج 2 من الطبرى، وقد كان الرجل- كما فى اللسان وغيره- يقول
فى الجاهلية: إن بلغت إبلى مائة عترت عنها عتيرة، فإذا بلغت مائة ضنّ
بالغنم، فصاد ظبيا فذبحه، وعن الأزهرى، أن العرب فى الجاهلية كانت إذا طلب
أحدهم أمرا نذر: لئن ظفر به ليذبحن من غنمه فى رجب كذا، وكذا، وهى العتائر
أيضا، فإذا ظفر به فربما ضاقت نفسه عن ذلك، وضنّ بغنمه، وهى الربيض، فيأخذ
عددها ظباء-
(1/70)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَذَكَرَ فِي هَذَا النّسَبِ عُبَيْدَ بْنَ ذِي يَزَنَ بْنِ هَمَاذَا،
وَهُوَ الطّعّانُ، وَإِلَيْهِ تُنْسَبُ الرّمَاحُ الْيَزَنِيّةُ «1» ،
وَذَكَرَ فِيهِمْ أَيْضًا دَوْسَ الْعُتُقَ، وَكَانَ مِنْ أَحْسَنِ النّاسِ
وَجْهًا، وَكَانَ يُقَالُ فِي الْمَثَلِ: أَعْتَقُ مِنْ دَوْسٍ «2» ،
وَهُوَ الّذِي هزم جيش قطورا بن جرهم.
__________
- فيذبحها فى رجب مكان تلك الغنم، وقد عتر بفتح التاء يعتر بكسرها عترا
بسكونها إذا ذبح العتيرة. وهكذا كان الأمر فى صدر الإسلام، وأوله، ثم قضى
عليه ولعل للرجبية المعروفة الآن نسبا إلى ذلك. ورجبية السيد البدوى أيضا.
ويقول الخطابى: العتيرة: تفسيرها فى الحديث: أنها شاة تذبح فى رجب. وأما
العتيرة التى كانت تعتبرها الجاهلية، فهى الذبيحة التى كانت تذبح للأصنام،
فيصب دمها على رأسها «النهاية لابن الأثير» والرّجبيّة: ما كان يذبح
للأصنام فى الجاهلية فى رجب، ويقول المسعودى فى أسباب تسمية العرب لشهورها:
«ورجب لخوفهم إياه، يقال: رجبت الشئ إذا خفته» وابن الأثير يقول: «أضاف
رجبا إلى مضر؛ لأنهم كانوا يعظمونه خلاف غيرهم» والرأيان غير متضادين.
(1) الذى فى الطبرى عن ابن إبداعى: «وهو عبيد، وهو يزن الطعان، وهو أول من
قاتل بالرماح، فنسبت إليه- ابن همادى.
(2) من العتق، وهو الكرم والجمال والنجابة والشرف والحربة، فى الطبرى «يقول
العرب: أعتق من دوس لأمرين: أما أحدهما، فلحسنه وعتقه، والآخر لقدمه. جاء
الطفيل بن عمرو الدوسى إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وقال: إن دوسا
قد هلكت. عصت وأبت فادع الله عليهم، فظن الناس أنه يدعو عليهم فقال: اللهم
اهد دوسآ وأت بهم «متفق عليه» . وعن أبى هريرة قال: قال لى النبى: ممن أنت؟
قلت: من دوس. قال: ما كنت أرى أن فى دوس أحدا فيه خير «الترمذى» وقال: حديث
حسن صحيح. وأقول: إن الأول أشبه بخلق الرسول صلى الله عليه وسلم.
(1/71)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وذكر فيهم إسمعيل ذَا الْأَعْوَجِ، وَهُوَ فَرَسُهُ، وَإِلَيْهِ تُنْسَبُ
الْخَيْلُ الْأَعْوَجِيّةُ «1» ، وَهَذَا هُوَ الّذِي يُشْبِهُ، فَإِنْ
بُخْتَنَصّرَ كَانَ بَعْدَ سُلَيْمَانَ بِمِئَتَيْنِ مِنْ السّنِينَ،
لِأَنّهُ كَانَ عَامِلًا عَلَى الْعِرَاقِ «لَكَيْ لهراسب» ثُمّ لِابْنِهِ
«كَيْ بستاسب «2» » إلَى مُدّةِ بهمن قَبْلَ غلبة الإسكندر على دارا بن
دارا بن بهمن، وذلك قريب من مدة عيسى بن مريم فأين هذه المدة من مدة
إسمعيل؟
وَكَيْفَ يَكُونُ بَيْنَ مَعَدّ وَبَنِيهِ مَعَ هَذَا سَبْعَةُ آبَاءٍ،
فَكَيْفَ أَرْبَعَةٌ وَاَللهُ أَعْلَمُ؟.
وَكَانَ رُجُوعُ مَعَدّ إلَى أَرْضِ الْحِجَازِ بَعْدَ مَا رَفَعَ اللهُ
بَأْسَهُ عَنْ الْعَرَبِ وَرَجَعَتْ بَقَايَاهُمْ الّتِي كَانَتْ فِي
الشّوَاهِقِ إلَى مَحَالّهِمْ وَمِيَاهِهِمْ بَعْدَ أَنْ دَوّخَ
بِلَادَهُمْ بُخْتَنَصّرُ، وَخَرّبَ الْمَعْمُورَ، واستأصل أهل حضور «3» ،
وهم
__________
(1) الأعوج: فحل كريم تنسب الخيل الكرام إليه. وأعوج أيضا فرس عدى بن أيوب،
وفرس كان لكندة فأخذته بنو سليم، فصار إلى بنى هلال وليس فى العرب فحل أشهر
منه، ولا أكثر نسلا، وقيل كان لبنى آكل المرار ثم صار لبنى هلال بن عامر
«عن اللسان» .
(2) اسمهما هكذا فى الطبرى «كى لهراسب وبشتاسب» ، ويذكر الطبرى والمسعودى
أن مدة ملك الأول 120 سنة والآخر 112 سنة ويذكر أن بختنصر عاش أكثر من 300
سنه. ص 282 ج 1 الطبرى وص 228 ج 1 المسعودى مطبعة السعادة، ويذكر بوست أن
مدة ملك بختنصر كان 44 سنه، ويقول عن سليمان إنه ملك أربعين سنة من 1021،
981 قبل الميلاد، فيكون بينه وبين بختنصر أكثر من 400 سنة. والله أعلم
بالصواب.
(3) بلدة باليمن من أعمال زبيد؛ وتروى بالألف الممدودة «مراصد الاطلاع» .
(1/72)
وَيُقَالُ أُدَدُ بْنُ مُقَوّمِ بْنِ
نَاحُورَ بْنِ تَيْرَح بْنِ يَعْرُبَ بْنِ يَشْجُبَ بْنِ نَابِتِ بن
إسماعيل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الّذِينَ ذَكَرَهُمْ اللهُ تَعَالَى فِي قَوْلِهِ: (وَكَمْ قَصَمْنا مِنْ
قَرْيَةٍ) الأنبياء الآية؛ وَذَلِكَ لِقَتْلِهِمْ شُعَيْبَ بْنَ ذِي
مَهْدَمٍ «1» نَبِيّا أَرْسَلَهُ اللهُ إلَيْهِمْ؛ وَقَبْرُهُ بِصِنّينَ
جَبَلٌ بِالْيَمَنِ، وَلَيْسَ بِشُعَيْبِ الْأَوّلِ صَاحِبِ مَدْيَنَ «2» .
ذَلِكَ شُعَيْبُ بْنُ عَيْفِي، وَيُقَالُ فِيهِ ابْنَ صَيْفُونٍ،
وَكَذَلِكَ أَهْلُ عَدَنٍ، قَتَلُوا نَبِيّا أُرْسِلَ إلَيْهِمْ اسْمُهُ:
حَنْظَلَةُ بْنُ صَفْوَانَ، فَكَانَتْ سَطْوَةُ اللهِ بِالْعَرَبِ
لِذَلِكَ، نَعُوذُ بِاَللهِ مِنْ غَضَبِهِ وَأَلِيمِ عِقَابِهِ.
عَوْدٌ إلَى النّسَبِ:
ثُمّ نَعُودُ إلَى النّسَبِ. فَأَمّا مُقَوّمٌ «3» بِكَسْرِ الْوَاوِ،
وَأَبُو أُدَدٍ فَمَفْهُومُ المعنى،
__________
(1) فى القاموس «وذو مهدم كمنبر ومقعد: قيل لحمير وملك الحبش» ولا نقطع
بنبوة شعيب هذا إذ لم يرد به نص صريح.
(2) فى مروج الذهب ص 49 ج 1 «شعيب بن نويت- وفى نسخة نويل بن راعويل بن مر
بن عنقاء، بن مدين، بن إبراهيم. وفى تفسير الطبرى- لقصة شعيب فى الأعراف-
أنه شعيب بن ميكيل بن يشجر واسمه بالسريانية: بثرون، ونسب البغوى فى تفسيره
إلى عطاء أنه شعيب بن توبة بن مدين بن إبراهيم، وإلى ابن إسحاق أنه شعيب بن
ميكائيل بن يسحر بن إبراهيم. وهكذا كلما بعدنا عن الحق اضطرب القول والفكر.
ومدين تجاه تبوك على بحر القلزم بينهما ست مراحل ويقول بوست: إنها كانت
تمتد من خليج العقبة إلى موآب وطور سيناء، أو من شبه جزيرة سيناء إلى
الفرات. وقال الشيخ النجار فى قصص الأنبياء: «عن قوم شعيب كانوا نزولا فى
بلاد الحجاز- مما يلى الشام على خط عرض يوافق خط عرض قفط فى البر الإفريقى
إلى الجنوب من القصير فى الجهة المقابلة» وقفط مدينة بالصعيد الأعلى كما
جاء فى مراصد الاطلاع.
(3) فى الطبرى مقوّم وفى المعارف بتشديد الواو مع كسر.
(1/73)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَتَيْرَحُ فَيْعَلٌ مِنْ التّرِحَةِ إنْ كَانَ عَرَبِيّا. وَكَذَلِكَ
نَاحُورُ مِنْ النّحْرِ، وَيَشْجُبُ مِنْ الشّجْبِ، وَإِنْ كَانَ
الْمَعْرُوفُ أَنْ يُقَالَ: شَجِبَ بِكَسْرِ الْجِيمِ يَشْجَبُ بِفَتْحِهَا
«1» ، وَلَكِنْ قَدْ يُقَالُ فِي الْمُغَالَبَةِ: شَاجَبْتُهُ، فَشَجَبْته
أَشْجُبُهُ بِضَمّ الْجِيمِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَفَتْحِهَا فِي
الْمَاضِي؛ كَمَا يُقَالُ مِنْ الْعِلْمِ: عَالَمْته فَعَلَمْته بِفَتْحِ
اللّامِ أُعْلِمُهُ بِضَمّهَا. وَقَدْ ذَكَرَهُمْ أَبُو الْعَبّاسِ
النّاشِئُ فِي قَصِيدَتِهِ الْمَنْظُومَةِ فِي نَسَبِ النّبِيّ- صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلَى آدَمَ كَمَا ذَكَرَهُمْ ابْنُ إسْحَاقَ.
وَإِبْرَاهِيمُ مَعْنَاهُ: أَبٌ رَاحِمٌ، وَآزَرُ قِيلَ: مَعْنَاهُ: يَا
أَعْوَجُ، وَقِيلَ: هُوَ اسْمُ صَنَمٍ، وَانْتُصِبَ عَلَى إضْمَارِ
الْفِعْلِ فِي التّلَاوَةِ، وَقِيلَ: هُوَ اسْمٌ لِأَبِيهِ؛ كَانَ يُسَمّى
تارِح وَآزَرُ «2» ، وَهَذَا هُوَ الصّحِيحُ لِمَجِيئِهِ فِي الْحَدِيثِ
مَنْسُوبًا إلَى آزر
__________
(1) فى القاموس شجب كنصر، وفرح شجوبا، وشجبا مثل جلوس، ومثل فرح: هلك
والشّجب: الحاجة والهم، وعمود من عمد البيت، وسقاء يابس يحرّك فيه حصى تذعر
بذلك الإبل، وأبو قبيلة، والطويل، وبالتحريك- شجب- الحزن والعنت يصيب من
مرض أو قتال.. وشجبه: أهلكه وحزنه وشغله، والظبى: رماه.
(2) قرأ عامة قراء الأمصار آزر بالفتح؛ لأنه بدل من أبيه. ولكنه- أى آزر-
ممنوع من التنوين، فيجر بالفتحة. ونسب إلى أبى يزيد والحسن البصرى أنهما
كانا يقرآنها بالرفع على أنها منادى: يا آزر. وقد نقل عن السدى أن آزر اسم
صنم، وإنما ورد منصوبا بمعنى: أتتخذ آزر أصناما آلهة. فجعله مفعولا به لفعل
مضمر. وقد خطأ الطبرى فى تفسيره رأى السدى، وقال: إن العرب لا تنصب اسما
لفعل بعد حرف الاستفهام، لا تقول: أخاك. أكلمت، وهى تريد: أكلمت أخاك. ثم
صوب قراءة من قرأ بفتح الراء من آزر باعتبار-
(1/74)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَأُمّهِ: نُونًا، وَيُقَالُ فِي اسْمِهَا. لُيُوثِي، «1» أَوْ نَحْوِ
هَذَا وَمَا بَعْدَ إبْرَاهِيمَ أَسْمَاءٌ سُرْيَانِيّةٌ فَسّرَ
أَكْثَرَهَا بِالْعَرَبِيّةِ ابْنُ هِشَامٍ فِي غَيْرِ هَذَا الْكِتَابِ،
وَذَكَرَ أَنّ فَالَع «2» مَعْنَاهَا: الْقَسّامُ، وَشَالَخ مَعْنَاهَا:
الرّسُولُ، أَوْ الْوَكِيلُ، وَذَكَرَ أَنّ
__________
- آزر بدلا من أبيه، أو باعتباره نعتاله، وذكر أن المختار عنده هو جعل آزر
اسما لوالد إبراهيم؛ لأن الله تعالى أخبر أنه أبوه، وهو القول المحفوظ من
قول أهل العلم. ورد على من يزعم أن تارح هو اسم لوالد إبراهيم بأنه ليس من
المحال أن يكون له اسمان: تارح وآزر، وجائز أن يكون لقبا. أقول: والذى سبب
هذا الخلاف حول شئ صريح واضح فى القرآن هو أن أسفار اليهود تسمى والد
إبراهيم تارح!! بينما يقطع القرآن بأنه آزر!! فكيف نعبث بالقرآن؛ ليوافق ما
جاء فى أسفار اليهود الذين يحرفون الكلم عن مواضعه؟؟ وفى الطبرى ورد اسم
تارح: تارخ، وكذلك فى المعارف لابن قتيبة. أما مروج الذهب ففى نسخة منه:
تارح، وفى أخرى: تارخ. أما فى سفر التكوين فهو: تارح، وقد تكرر ذكره مرارا.
انظر الطبرى ص 119 ج 1، ص 11 المعارف لابن قتيبة المطبعة العامرية، ومروج
الذهب ص 44 ج 1 وسفر التكوين. أما إبراهيم، فقد ورد فى الإصحاح السابع عشر
من سفر التكوين عنه ما يأتى: «ولما كان أبرام ابن تسع وتسعين سنة ظهر الرب
لأبرام، وقال له: أنا الله القدير. سر أمامى، وكن كاملا، فأجعل عهدى بينى
وبينك، وأكثرك كثيرا جدا، فسقط أبرام على وجهه، وتكلم الله معه قائلا: أما
أنا فهو ذا عهدى معك، وتكون أبا لجمهور من الأمم، فلا يدعى اسمك بعد:
أبرام، بل يكون اسمك: إبراهيم» ويقول «بوست» إن معنى أبرام العبرانى: أبرام
السائح أو المهاجر. أما أبرام فمعناها: أب مرتفع، أما إبراهيم فمعناها: أب
جمهور عظيم.
(1) فى الطبرى ص 159 ج 1: نوثا بنت كريتا، وفى رواية أنموتا.
(2) وهو أيضا كذلك فى المعارف والطبرى ومروج الذهب ونسب قريش أما فى سفر
التكوين إصحاح 9 ففالج، ويذكر المسعودى أنه عاش 230 سنة وفى نسخة 239 سنة.
(1/75)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
إسْمَاعِيلَ تَفْسِيرُهُ: مُطِيعُ اللهِ، وَذَكَرَ الطّبَرِيّ أَنّ بين
فالغ وَعَابِرِ أَبًا اسْمُهُ: قَيّنَن «1» أُسْقِطَ اسْمُهُ فِي
التّوْرَاةِ؛ لِأَنّهُ كَانَ سَاحِرًا، وأرفخشذ «2» تَفْسِيرُهُ: مِصْبَاحٌ
مضئ، وَشَاذّ مُخَفّفٌ بالسريانية «الضّيَاءُ وَمِنْهُ: حم شَاذّ»
بالسريانية وَهُوَ رَابِعُ الْمُلُوكِ بَعْدَ «جيومرث» ، وَهُوَ الّذِي
قَتَلَهُ الضّحّاكُ، وَاسْمُهُ «بيوراسب بْنِ إندراسب» وَالضّحّاكُ
مُغَيّرٌ مِنْ ازدهاق. قَالَ حَبِيبٌ:
وَكَأَنّهُ الضّحّاك فى فتكاته ... بالعالمين وأنت أفريدون «3»
__________
(1) ورد فى سفر التكوين ما يأتى «وعاش أنوش بن شيث بن آدم تسعين سنة وولد
قينان، وعاش أنوش بعد ما ولد قينان 815 سنة.. وعاش قينان سبعين سنة، وولد
مهللّئيل؛ وعاش قينان بعد ما ولد مهللئيل 840 سنة ويذكر الطبرى أن قينان
هو: ابن يانش بن شيث بن آدم، وفى مكان آخر أن قينان هو ابن أنوش بن شيث،
وفى مكان آخر ص 107 ج 1 أن قينان بن أرفخشد ويقول بوست: «قينان بن أرفكشاد
بن سام بن نوح، ولا يذكر فى سلسلة نسب أرفكشاد فى الأصل العبرانى، ويظن أنه
أدخل إدخالا فى الترجمة السبعينية، ومن هذه الترجمة نقل لوقا الإنجيلى
اسمه، فذكره فى جدول أنسابه» أما الطبرى فنص تعبيره عن قينان فى ص 104 ج 1:
«ولا ذكر له فى التوراة، وهو الذى قيل إنه لم يستحق أن يذكر فى الكتب
المنزلة، لأنه كان ساحرا، وسمى نفسه إلها.
(2) كذا فى المروج، وفى القصد والأمم لابن عبد البر وفى الطبرى والمعارف:
أرفخشد.
(3) حم شاذ: هو حمشيد أو جمشيد أو جم وهو أحد ملوك الفرس القدامى. ويقول
المسعودى: وقيل: كان فى زمنه الطوفان، وأن النيروز حدث فى أيامه، وأنه حكم
600 سنة أو 900 أما جيو مرت، فهو- كما يزعم الفرس- أول ملوكهم، وأنه هو
آدم، أو ابن آدم، أما الضحاك، فاسمه: بيوراسب، وهو-
(1/76)
ابن إبْرَاهِيمَ- خَلِيلِ الرّحْمَنِ- بْنِ
تَارِحٍ وَهُوَ آزَرُ بن ناحور بن ساروغ بن راعو ابن فَالَخ بْنِ عَيْبَرَ
بْنِ شَالِخَ بْنِ أَرْفَخْشَذَ بْنِ سَامَ بْنِ نوح بن لمك بن متّوشلخ ابن
أخنوخ، وهو إدريس النبىّ- فيما يزعمون- والله أعلم، وكان أول بنى آدم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
لِأَنّ أفريدون هُوَ الّذِي قَتَلَ الضّحّاكَ، بَعْدَ أَنْ عَاشَ أَلْفَ
سَنَةٍ فِي جَوْرٍ وَعُتُوّ وَطُغْيَانٍ عَظِيمٍ؛ وَذَلِكَ مَذْكُورٌ عَلَى
التّفْصِيلِ فِي تَارِيخِ الطّبَرِيّ وَغَيْرِهِ.
نُوحٌ وَمَنْ قَبْلَهُ:
وَذَكَرَ نُوحًا- عَلَيْهِ السّلَامُ- وَاسْمُهُ: عَبْدُ الْغَفّارِ؛
وَسُمّيَ نُوحًا لِنَوْحِهِ عَلَى ذَنْبِهِ، وَأَخُوهُ: صَابِئُ بْنُ
لَامَك؛ إلَيْهِ يُنْسَبُ دِينُ الصّابِئِينَ «1» فِيمَا ذَكَرُوا وَاَللهُ
أَعْلَمُ.
وَذُكِرَ أَنّ لَامَك وَالِدُ نُوحٍ عَلَيْهِ السّلَامُ. وَلَامَك أَوّلُ
مَنْ اتّخَذَ الْعُودَ لِلْغِنَاءِ بِسَبَبِ يَطُولُ ذِكْرُهُ، وَاِتّخَذَ
مَصَانِعَ الْمَاءِ. وأبوه: متّوشلخ. وذكره
__________
- الازدهاق- والعرب تسميه: الضحاك، - كما يقول الطبرى، فتجعل الحرف الذى
بين السين والزاى فى الفارسية ضادا، والهاء حاء، والقاف كافا، وينقل الطبرى
عن رواته أنه هو النمرود الذى عمل على إحراق إبراهيم، وهو الذى قتل جمشيد.
وقد ذكرته شعراء العرب كثيرا، وافتخر به أبو نواس، وزعم أنه من اليمن.
وأفريدون أو أفريذون هو الذى حكم بعد الضحاك ونكل به، وكان ملك أفريدون كما
فى المروج 500 سنة «انظر ص 97 وما بعدها ج 1 الطبرى» ، ص 220 ج 1 مروج
الذهب. وبيت الشعر لحبيب بن أوس الطائى المشهور بأبى تمام.
(1) هم عبدة الملائكة أو الكواكب وتطلق أيضا على من يخرج من دين إلى دين،
وقد جاء ذكرهم فى القرآن.
(1/77)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
النّاشِئُ فِي قَصِيدَتِهِ «1» فَقَالَ: مَتّوشَلَخ، وَتَفْسِيرُهُ: مَاتَ
الرّسُولُ؛ لِأَنّ أَبَاهُ كَانَ رَسُولًا وَهُوَ «2» خنوخ؛ وَقَالَ ابْنُ
إسْحَاقَ وَغَيْرُهُ: هُوَ إدْرِيسُ النّبِيّ- عَلَيْهِ السّلَامُ- وَرَوَى
ابْنُ إسْحَاقَ فِي الْكِتَابِ الْكَبِيرِ عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ عَنْ
أَبِي ذَرّ عَنْ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنّهُ
قَالَ: «أَوّلُ مَنْ كَتَبَ بِالْقَلَمِ إدْرِيسُ «3» » وَعَنْهُ- عَلَيْهِ
الصّلَاةُ وَالسّلَامُ- أَنّهُ قَالَ: «أَوّلُ مَنْ كَتَبَ بِالْعَرَبِيّةِ
إسْمَاعِيلُ «4» » وَقَالَ أَبُو عُمَرَ: وهذه الرواية أصح من رواية من
__________
(1) هو أبو العباس عبد الله بن محمد الناشئ. وهى قصيدة طويلة وردت فى ابن
كثير والقصد والأمم لابن عبد البر. وموضوعها: مدح الرسول- صلى الله عليه
وسلم- وذكر نسبه إلى آدم، وهى تبلغ ثمانين بيتا تقريبا. وهاك ما قاله عن
متوشلخ
ومن قبل لمك لم يزل متوشلخ ... يذود العدا بالذائدات الشوارب
ص 54 الإنباه على قبائل الرواه لابن عبد البرط 1350 هـ و 157 ج 2 البداية
(2) فى السيرة المطبوعة على هامش «الروض» أخنوح، وفى طبعة الحلبى أما فى
الطبرى فخنوخ.
(3) رواه أحمد عن أبى ذر فى حديث طويل وعند ابن حبان أن إدريس كان أول من
خط بالقلم.
(4) ذكر ابن عبد البر فى كتابه: «القصد والأمم» روايات مختلفة. فعن كعب
الأحبار: أن أول من تكلم بالعربية: جبريل، وأن أول من وضع الكتاب العربى
والسريانى والكتب كلها: آدم، وعن ابن بريدة أن اللسان العربى المبين هو
لسان جرهم، وعن الكلبى أن أول من تكلم بها عمليق، وعنه أيضا أنه يعرب بن
قحطان، وأن عادا تكلمت بها ولم تفصح، وأن الذين تكلموا بها قديما هم قحطان
وعاد وثمود وعملاق وطسم وجديس، وروى عن غيره أن الله-
(1/78)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
رَوَى: أَنّ أَوّلَ مَنْ تَكَلّمَ بِالْعَرَبِيّةِ إسْمَاعِيلُ «1» ؛
وَالْخِلَافُ كَثِيرٌ فِي أَوّلِ مَنْ تَكَلّمَ بِالْعَرَبِيّةِ. وَفِي
أَوّلِ مَنْ أَدْخَلَ الْكِتَابَ الْعَرَبِيّ أَرْضَ الْحِجَازِ.
فَقِيلَ: حَرْبُ بْنُ أُمَيّةَ. قَالَهُ الشّعْبِيّ. وقيل: هو شعبان بين
أُمَيّةَ. وَقِيلَ:
عَبْدُ بْنُ قُصَيّ تَعَلّمَهُ بِالْحِيرَةِ أَهْلُ الْحِيرَةِ مِنْ أَهْلِ
الْأَنْبَارِ «2» .
إدْرِيسُ:
قَالَ الْمُؤَلّفُ: ثُمّ نَرْجِعُ الْآنَ إلَى مَا كُنّا بصدده. فنقول: إن
إدريس
__________
- أنطق باللسان العربى يوم تبلبلت الألسن ببابل فى زمن نمرود بن كوش بن
كنعان وعن وهب بن منبه أن أول من تكلم بها هود، وعن غيره أنه إسماعيل مما
يدل على كثرة الاضطراب والخلاف!!
(1) نص كلام ابن عبد البر: «وأظن رواية من روى «كتب» أصح من رواية من روى
«تكلم» . وأولى بالصواب! لأن العرب كانت قبل إسماعيل وقبل أبيه وجده، وقد
يحتمل أن يكون المعنى: أول من تكلم باللغة العربية المبينة الفصيحة، ويحتمل
أن يكون أراد «أول من تكلم بالعربية من ولد إبراهيم صلى الله عليه وسلم» ثم
يقول: «وأولى ما قيل بالصواب فى ذلك- والله أعلم قول من قال: إن آدم عليه
السلام أول من تكلم بالعربية وبالسريانية وغيرهما، وأول من وضع الكتاب بذلك
لأنه علم اللغات» ص 17 وما بعدها القصد والأمم لابن عبد البر.
(2) الحيرة: مدينة كانت على ثلاثة أميال من الكوفة على النجف. كانت مسكن
ملوك العرب فى الجاهلية وهم النعمان وآباؤه، والأنبار مدينة قرب بلخ
بخراسان. ومدينة على الفرات غربى بغداد كانت الفرس تسميها: فيروز سابور.
وهى المقصودة.
(1/79)
أُعْطَى النّبُوّةَ، وَخَطّ بِالْقَلَمِ-
ابْنِ يَرْدِ بْنِ مهْلَيِل بْنِ قَيْنَن بْنِ يانِشَ بْنِ شِيثِ بْنِ
آدَمَ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ.
قَالَ أَبُو مُحَمّدٍ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنِ هِشَامٍ: حَدّثَنَا زياد بن
عبد الله البكائي، عن محمد بْنِ إسْحَاقَ الْمُطّلِبِيّ بِهَذَا الّذِي
ذَكَرْتُ مِنْ نسب محمّد رسول الله صلى الله وَآلِهِ وَسَلّمَ إلَى آدَمَ
عَلَيْهِ السّلَامُ، وَمَا فيه من حديث إدريس وغيره.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
- عَلَيْهِ السّلَامُ- قَدْ قِيلَ: إنّهُ إلْيَاسُ، وَإِنّهُ لَيْسَ بِجَدّ
لِنُوحِ. وَلَا هُوَ فِي عَمُودِ هَذَا النّسَبِ. وَكَذَلِكَ سَمِعْت
شَيْخَنَا الْحَافِظَ أَبَا بَكْرٍ «1» - رَحِمَهُ اللهُ- يَقُولُ-
وَيَسْتَشْهِدُ بِحَدِيثِ الْإِسْرَاءِ- فَإِنّ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كُلّمَا لَقِيَ نَبِيّا مِنْ الْأَنْبِيَاءِ الّذِينَ
لَقِيَهُمْ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ، قَالَ: مَرْحَبًا بِالنّبِيّ الصّالِحِ
وَالْأَخِ الصّالِحِ. وَقَالَ لَهُ آدَمُ: مَرْحَبًا بِالنّبِيّ الصّالِحِ،
وَالِابْنِ الصالح.
وكذلك قَالَ لَهُ إبْرَاهِيمُ. وَقَالَ لَهُ إدْرِيسُ: وَالْأَخُ
الصّالِحُ. فَلَوْ كَانَ فِي عَمُودِ نَسَبِهِ، لَقَالَ لَهُ كَمَا قَالَ
لَهُ أَبُوهُ إبْرَاهِيمُ، وَأَبُوهُ آدَمُ، وَلِخَاطِبِهِ بِالْبُنُوّةِ.
وَلَمْ يُخَاطِبْهُ بِالْأُخُوّةِ. وَهَذَا الْقَوْلُ عِنْدِي أَنْبَلُ،
وَالنّفْسُ إلَيْهِ أَمْيَلُ لَمّا عضّده من هذا الدليل.
__________
(1) يعنى القاضى أبا بكر محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الله بن أحمد بن
العربى المعافرى ولد فى إشبيلية سنة 468 هـ، وله مؤلفات كثيرة، ومن كبار
الآخذين بمذهب مالك. شهد سقوط دولة آل عباد على يد يوسف بن تاشفين فى بدء
شبابه وسقوط دولة بنى تاشفين أو المرابطين أو الملثمين على يد عبد المؤمن
بن على الذى أرسى قواعد دولة الموحدين. وذهب ابن العربى على رأس وفد من
إشبيلية يطلب من عبد المؤمن فى مراكش الاستيلاء على ما بقى من مدائن
الأندلس فى أيدى المرابطين، ولكن حبسه عبد المؤمن، ثم أطلق سراحه، وتوفى
سنه 543 هـ.
(1/80)
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَحَدّثَنِي خَلّادُ
بْنُ قُرّةَ بن خالد السّدوسىّ، عن شيبان ابن زُهَيْرِ بْنِ شَقِيقِ بْنِ
ثَوْرٍ عَنْ قَتَادَةَ بن دعامة، أنه قال:
إسماعيل بن إبراهيم- خليل الرحمن- ابن تارح- وهو آزَرُ- بْنُ نَاحُورَ بْنِ
أسرغ بْنِ أَرْغُو بْنِ فَالَخ بْنِ عَابِرِ بْنِ شَالِخَ بْنِ
أَرْفَخْشَذَ بْنِ سَامَ بْنِ نوح بن لمك بْنِ مَتّوشَلَخ بْنِ أخنوخ بْنِ
يَرْدِ بْنِ مهْلائِيل بْن قاين بْن أَنُوش بْنِ شِيثِ بن آدم صلى الله
عليه وسلم.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَقَالَ: إدْرِيسُ بْنُ يُرِدْ «1» ، وَتَفْسِيرُهُ: الضّابِطُ. ابْنُ
مهْلائِيل، وَتَفْسِيرُهُ:
الْمُمَدّحُ، وَفِي زَمَنِهِ كَانَ بَدْءُ عِبَادَةِ الْأَصْنَامِ «2» .
«ابْنِ قَيْنَانَ» وَتَفْسِيرُهُ: الْمُسْتَوَى. «ابْنِ أَنُوشِ»
وَتَفْسِيرُهُ: الصّادِقُ، وَهُوَ بِالْعَرَبِيّةِ: أَنَشّ؛ وَهُوَ أَوّلُ
مَنْ غَرَسَ النّخْلَةَ، وَبَوّبَ الْكَعْبَةَ «3» وَبَذَرَ الْحَبّةَ
فِيمَا ذَكَرُوا، «ابْنِ شيث» وَهُوَ بالسريانية: شاث. وبالعبرانية:
شيث. وَتَفْسِيرُهُ: عَطِيّةُ اللهِ «ابْنُ آدم» .
__________
(1) يذكر فى الطبرى أيضا بيارد، وكذلك فى سفر التكوين، ويقرر الطبرى أن
إدريس هو خنوخ أو أخنوخ، وأن الله رفعه بعد 365 سنة ص 85 ج 1 الطبرى، ويذكر
المسعودى أن الصابئة تزعم أنه هو هرمس ص 39 ج 1 مروج.
(2) ينسب الطبرى إلى ابن عباس أنه قال: «فى زمان يرد عملت الأصنام، ورجع من
رجع عن الإسلام» ولطالما حمل القوم ابن عباس أوزارهم، ونسبوا إليه ما لم
يقله!! أقول: وليس لإدريس ذكر فى أسفار اليهود. ويرى مؤرخو العرب أنه
أخنوخ، وفى سنة 1773 عثر على ثلاث نسخ من كتاب منسوب إلى أخنوخ، وقد طبع
سنة 1853. والغاية من الكتاب تبرير العناية الإلهية، وقد رفض اليهود وآباء
الكنيسة هذا الكتاب.
(3) أول من أقام الكعبة إبراهيم وإسماعيل، فكيف يقال إن هذا بوبها؟!
(1/81)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
آدَمُ:
وَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: قِيلَ: هُوَ اسْمٌ سُرْيَانِيّ وَقِيلَ: هُوَ
أَفْعَلُ مِنْ الْأُدْمَةِ. وَقِيلَ: أُخِذَ مِنْ لَفْظِ الْأَدِيمِ «1» .
لِأَنّهُ خُلِقَ مِنْ أَدِيمِ الْأَرْضِ. وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ
عَبّاسٍ. وَذَكَرَ قَاسِمُ بْنُ ثَابِتٍ فِي الدّلَائِلِ عَنْ مُحَمّدِ
بْنِ الْمُسْتَنِيرِ. وَهُوَ: قُطْرُبٌ أَنّهُ قَالَ: لَوْ كَانَ مِنْ
أَدِيمِ الْأَرْضِ لَكَانَ عَلَى وَزْنِ فَاعِلٍ، وَكَانَتْ الْهَمْزَةُ
أَصْلِيّةً فَلَمْ يَكُنْ يَمْنَعُهُ مِنْ الصّرْفِ مَانِعٌ، وَإِنّمَا
هُوَ عَلَى وَزْنِ أَفْعَلَ مِنْ الْأُدْمَةِ. وَلِذَلِكَ جَاءَ غَيْرَ
مجرى «2» .
قال المؤلف: وهذا القول ليس بشئ؛ لِأَنّهُ لَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ
مِنْ الْأَدِيمِ وَيَكُونَ عَلَى وَزْنِ أَفْعَلَ. تَدْخُلُ الْهَمْزَةُ
الزّائِدَةُ عَلَى الْهَمْزَةِ الْأَصْلِيّةِ كَمَا تَدْخُلُ عَلَى
هَمْزَةِ الْأُدْمَةِ. فَأَوّلُ الْأُدْمَةِ هَمْزَةٌ أَصْلِيّةٌ.
فَكَذَلِكَ أَوّلُ الْأَدِيمِ هَمْزَةٌ أَصْلِيّةٌ. فَلَا يَمْتَنِعُ أَنْ
يُبْنَى مِنْهَا أَفْعَلُ. فَيَكُونُ غَيْرَ مُجْرًى. كَمَا يُقَالُ:
رَجُلٌ أَعْيَنُ وَأَرْأَسُ مِنْ الْعَيْنِ وَالرّأْسِ. وَأَسْوَقُ
وَأَعْنَقُ مِنْ السّاقِ وَالْعُنُقِ.
مَعَ مَا فِي هَذَا الْقَوْلِ مِنْ الْمُخَالَفَةِ لِقَوْلِ السّلَفِ
الّذِينَ هم أعلم منه لسانا، وأذكى جنانا.
__________
(1) الأديم: ظاهر الشئ والجلد.
(2) أى ممنوع من التنوين.
(1/82)
[ «عمل ابن هشام فى سيرة ابن إسحاق» ]
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَأَنَا إنْ شَاءَ اللهُ مُبْتَدِئٌ هَذَا الْكِتَابَ
بِذِكْرِ إسْمَاعِيلَ بْنِ إبْرَاهِيمَ وَمَنْ وَلَدَ رَسُولَ اللهِ- صَلّى
اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلّمَ- مِنْ وَلَدِهِ، وَأَوْلَادِهِمْ
لِأَصْلَابِهِمْ، الْأَوّلَ فَالْأَوّلَ، مِنْ إسْمَاعِيلَ إلَى رَسُولِ
اللهِ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلّمَ- وَمَا يَعْرِضُ مِنْ
حَدِيثهِمْ، وَتَارِكٌ ذِكْرَ غَيْرِهِمْ مِنْ وَلَدِ إسْمَاعِيلَ عَلَى
هَذِهِ الْجِهَةِ لِلِاخْتِصَارِ، إلَى حَدِيثِ سِيرَةِ رسول الله- صلى
الله عليه وآله وسلم- وَتَارِكٌ بَعْضَ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ إسْحَاقَ فِي
هَذَا الْكِتَابِ، مِمّا لَيْسَ لِرَسُولِ اللهِ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ
وَآلِهِ وَسَلّمَ- فِيهِ ذِكْرٌ، وَلَا نزل فيه من القرآن شئ، وليس سببا
لشئ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ، وَلَا تَفْسِيرًا لَهُ، وَلَا شَاهِدًا
عَلَيْهِ؛ لِمَا ذَكَرْت مِنْ الِاخْتِصَارِ وَأَشْعَارًا ذَكَرَهَا لَمْ
أَرَ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشّعْرِ يَعْرِفُهَا، وَأَشْيَاءَ
بَعْضُهَا يَشْنُعُ الْحَدِيثُ بِهِ، وَبَعْضٌ يَسُوءُ بَعْضَ النّاسِ
ذِكْرُهُ، وَبَعْضٌ لَمْ يُقِرّ لَنَا الْبَكّائِيّ بِرِوَايَتِهِ،
وَمُسْتَقْصٍ- إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى- مَا سِوَى ذَلِك مِنْهُ
بِمَبْلَغِ الرواية له، والعلم به.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
حُكْمُ التّكَلّمِ فِي الْأَنْسَابِ:
قَالَ الْمُؤَلّفُ: وَإِنّمَا تَكَلّمْنَا فِي رَفْعِ هَذَا النّسَبِ عَلَى
مَذْهَبِ مَنْ رَأَى ذَلِكَ مِنْ الْعُلَمَاءِ. وَلَمْ يَكْرَهْهُ كَابْنِ
إسْحَاقَ وَالطّبَرِيّ وَالْبُخَارِيّ والزبيريين.
وَغَيْرِهِمْ مِنْ الْعُلَمَاءِ. وَأَمّا مَالِكٌ- رَحِمَهُ اللهُ- فَقَدْ
سُئِلَ عَنْ الرّجُلِ يَرْفَعُ نَسَبَهُ إلَى آدَمَ فَكَرِهَ ذلك. قيل له:
فإلى إسمعبل، فَأَنْكَرَ ذَلِكَ أَيْضًا. وَقَالَ: وَمَنْ يُخْبِرْهُ
بِهِ؟! وَكَرِهَ أَيْضًا أَنْ يَرْفَعَ فِي نَسَبِ الْأَنْبِيَاءِ مِثْلَ
أَنْ يُقَالَ: إبْرَاهِيمُ بْنُ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ. قَالَ: وَمَنْ
يُخْبِرْهُ بِهِ؟ وَقَعَ هَذَا الكلام لمالك فى الكتاب
(1/83)
|