الروض الأنف ت الوكيل

 [أمر عوف بن لؤى ونقلته]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَأَمّا عَوْفُ بْنُ لُؤَيّ فَإِنّهُ خَرَجَ- فِيمَا يُزْعِمُونَ- فِي رَكْبٍ مِنْ قُرَيْشٍ، حَتّى إذَا كَانَ بِأَرْضِ غَطَفَانَ بْنِ سَعْدِ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَيْلَانَ، أُبْطِئَ بِهِ، فَانْطَلَقَ مَنْ كَانَ مَعَهُ مِنْ قَوْمِهِ، فَأَتَاهُ ثَعْلَبَةُ بْنُ سَعْدٍ، وَهُوَ أَخُوهُ فِي نَسَبِ بَنِي ذُبْيَانَ- ثَعْلَبَةُ بْنُ سَعْدِ بْنِ ذُبْيَانَ بن بغيض بن ريث بن غطفان.
وعوف بن سعد بن ذبيان بن بغيض بن رَيْثِ بْنِ غَطَفَانَ- فَحَبَسَهُ وَزَوْجَهُ وَالْتَاطَهُ وَآخَاهُ، فَشَاعَ نَسَبُهُ فِي بَنِي ذُبْيَانَ. وَثَعْلَبَةُ- فِيمَا يَزْعُمُونَ- الّذِي يَقُولُ لِعَوْفٍ حِينَ أُبْطِئَ بِهِ، فَتَرَكَهُ قَوْمُهُ:
احْبِسْ عَلَيّ ابْن لُؤَيّ جَمَلَكْ ... تركك القوم ولا مترك لك
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَيَهْزِمُ الْجَيْشَ إذَا الْجَيْشُ أَرْجَحَن ... وَيُرَوّي الْعَيْمَانَ مِنْ مَحْضِ اللّبَنْ «1»
يُقَالُ: كَبَنَ وَأَكْبَنَ: إذَا اشْتَدّ.
وَذَكَرَ قَوْلَ جَرِيرٍ لِبَنِي جُشَمِ «2» بْنِ لُؤَيّ:
بَنِي جُشَمٍ لَسْتُمْ لِهَزّانَ، فَانْتَمُوا ... لِأَعْلَى الرّوَابِي مِنْ لُؤَيّ بْنِ غَالِبٍ
يُقَالُ إنّهُمْ أَعْطَوْا جَرِيرًا عَلَى هَذَا الشّعْرِ أَلْفَ عِيرٍ رُبَيّ، وَكَانُوا يَنْتَسِبُونَ إلَى رَبِيعَةَ، فَمَا انْتَسَبُوا بعد إلا لقريش.
__________
(1) ارجحن: مال واهتز، والعيمة بفتح العين: شهوة اللبن والعطش وهو عيمان، وهى عيمى، وفى نسب مرة بن عوف، يقول ابن حزم فى الجمهرة.. مُرّةُ بْنُ عَوْفِ بْنِ سَعْدِ بْنِ ذُبْيَانَ بن غطفان بن قيس عيلان، وفى الاشتقاق: ذبيان بغيض بن غطفان
(2) كان جشم- وهو الحارث بن لؤى- قد دخلوا فى نزار من عنزة، ثم من ربيعة.

(1/410)


[ «مكانة مرة ونسبه وسادات مرة» :]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الزّبَيْرِ، أَوْ مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ حُصَيْنٍ أَنّ عُمَرَ بْنَ الْخَطّابِ قَالَ: لَوْ كُنْت مُدّعِيًا حَيّا مِنْ الْعَرَبِ، أَوْ مُلْحِقَهُمْ بِنَا لَادّعَيْت بَنِي مُرّةَ بْنِ عَوْفٍ، إنّا لَنَعْرِفُ فِيهِمْ الْأَشْبَاهَ مَعَ مَا نَعْرِفُ مِنْ مَوْقِعِ ذَلِكَ الرّجُلِ حيث وقع، يعنى: عوف بن لؤىّ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَهُوَ فِي نَسَبِ غَطَفَانَ: مُرّةُ بْنُ عَوْفِ بْنِ سَعْدِ بْنِ ذُبْيَانَ ابن بَغِيضِ بْنِ رَيْثِ بْنِ غَطَفَانَ. وَهُمْ يَقُولُونَ إذَا ذُكِرَ لَهُمْ هَذَا النّسَبُ:
مَا نُنْكِرُهُ، وَمَا نَجْحَدُهُ، وَإِنّهُ لَأَحَبّ النّسَبِ إلَيْنَا.
وَقَالَ الْحَارِثُ بْنُ ظَالِمِ بْنِ جُذَيْمَةَ بْنِ يَرْبُوعٍ- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَحَدُ بَنِي مُرّةَ بْنِ عَوْفِ حِينَ هَرَبَ مِنْ النّعْمَانِ بْنِ الْمُنْذِرِ، فلحق بقريش:
فَمَا قَوْمِي بِثَعْلَبَةَ بْنِ سَعْدِ ... وَلَا بِفَزَارَةِ الشّعُرِ الرّقَابَا
وَقَوْمِي- إنْ سَأَلْت- بَنُو لُؤَيّ ... بِمَكّةَ عَلّمُوا مُضَرَ الضّرَابَا
سَفِهْنَا بِاتّبَاعِ بَنِي بَغِيضِ ... وَتَرْكِ الْأَقْرَبِينَ لَنَا انْتِسَابَا
سَفَاهَةَ مُخْلِفٍ لِمَا تُرَوّى ... هَرَاقَ الْمَاءَ، وَاتّبَعَ السّرَابَا
فَلَوْ- طُووِعْت- عَمْرَك- كُنْت فِيهِمْ ... وَمَا أُلْفِيت أَنْتَجِعُ السّحَابَا
وَخَشّ رَوَاحَةُ الْقُرَشِيّ رِحَلِي ... بِنَاجِيَةٍ وَلَمْ يَطْلُبْ ثَوَابَا
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: هَذَا مَا أَنْشَدَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ مِنْهَا.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فقال [أبو زيد] الحصين بن الحمام [بن ربيعة] الْمُرّيّ ثُمّ أَحَدُ بَنِي سَهْمِ بْنِ مُرّةَ يردّ عَلَى الْحَارِثِ بْنِ ظَالِمٍ، وَيَنْتَمِي إلَى غَطَفَانَ:
ـــــــــــــــــــــــــــــ

(1/411)


أَلَا لَسْتُمْ مِنّا، وَلَسْنَا إلَيْكُمْ ... بَرِئْنَا إلَيْكُمْ مِنْ لُؤَيّ بْنِ غَالِبِ
أَقَمْنَا عَلَى عِزّ الْحِجَازِ، وَأَنْتُمْ ... بِمُعْتَلَجِ الْبَطْحَاءِ بَيْنَ الْأَخَاشِبِ
يَعْنِي: قُرَيْشًا. ثُمّ نَدِمَ الْحُصَيْنُ عَلَى مَا قَالَ، وَعَرَفَ مَا قَالَ الْحَارِثُ بْنُ ظَالِمٍ، فَانْتَمَى إلَى قُرَيْشٍ، وَأَكْذَبَ نَفْسَهُ، فَقَالَ:
نَدِمْت عَلَى قَوْلٍ مَضَى كُنْتُ قُلْتُهُ ... تَبَيّنْتُ فِيهِ أَنّهُ قَوْلُ كَاذِبٍ
فَلَيْتَ لِسَانِي كَانَ نِصْفَيْنِ مِنْهُمَا ... بَكِيمٌ، وَنِصْفٌ عِنْدَ مَجْرَى الْكَوَاكِبِ
أَبُونَا كِنَانِيّ بِمَكّةَ قَبْرُهُ ... بِمُعْتَلَجِ الْبَطْحَاءِ بَيْنَ الْأَخَاشِبِ
لَنَا الرّبُعُ مِنْ بَيْتِ الْحَرَامِ وِرَاثَةً ... وَرُبُعُ الْبِطَاحِ عِنْدَ دَارِ ابْنِ حَاطِبِ
أَيْ أَنّ بَنِي لُؤَيّ كَانُوا أَرْبَعَةً: كَعْبًا، وَعَامِرًا، وَسَامَةَ، وَعَوْفًا.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي مَنْ لَا أَتّهِمُ أَنّ عُمَرَ بْنَ الْخَطّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ لِرِجَالِ مِنْ بَنِي مُرّةَ: إنْ شِئْتُمْ أن ترجعوا إلى نسبكم، فارجعوا إليه.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ الْقَوْمُ أَشْرَافًا فِي غَطَفَانَ، هُمْ سَادَتُهُمْ وَقَادَتْهُمْ.
مِنْهُمْ: هَرِمُ بْنِ سنان بن أبى حارثة، وَخَارِجَةُ بْنُ سِنَانِ بْنِ أَبِي حَارِثَةَ، وَالْحَارِثُ ابن عَوْفٍ، وَالْحُصَيْنُ بْنُ الْحُمَامِ، وَهَاشِمُ بْنُ حَرْمَلَةَ الّذِي يَقُولُ لَهُ الْقَائِلُ:
أَحْيَا أَبَاهُ هَاشِمَ بن حرمله ... يوم الهباءات ويوم اليعمله
ترى الملوك عنده مغربله ... يَقْتُلُ ذَا الذّنْبِ، وَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ

(1/412)


قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَنْشَدَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ هَذِهِ الأبيات لعامر الخصفىّ: خصفة ابن قَيْسِ بْنِ عَيْلَانَ:
أَحْيَا أَبَاهُ هَاشِمُ بْنُ حرمله ... يوم الهبا آت ويوم اليعمله
ترى الملوك عنده مغربله ... يَقْتُلُ ذَا الذّنْبِ، وَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهْ
وَرُمْحُهُ للوالدات مثكله
وَحَدّثَنِي أَنّ هَاشِمًا قَالَ لِعَامِرِ: قُلْ فِيّ بَيْتًا جَيّدًا أُثِبْكَ عَلَيْهِ، فَقَالَ عَامِرٌ الْبَيْتَ الْأَوّلَ، فَلَمْ يُعْجِبْ هَاشِمًا، ثُمّ قَالَ الثّانِيَ، فَلَمْ يُعْجِبْهُ، ثُمّ قَالَ الثّالِثَ، فَلَمْ يُعْجِبْهُ، فلما قال الرابع:
يَقْتُلُ ذَا الذّنْبِ، وَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهْ
أَعْجَبَهُ، فَأَثَابَهُ عَلَيْهِ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَذَلِك الذى أراد الكميت بن زيد [بن الأخنس الأسدى فِي قَوْلِهِ:
وَهَاشِمَ مُرّةَ الْمُفْنِي مُلُوكًا ... بِلَا ذَنْبٍ إلَيْهِ وَمُذْنِبِينَا
وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ له. وقول عامر: يوم الهباءات. عن غير أبى عبيد
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: قَوْمٌ لَهُمْ صِيتٌ وَذِكْرٌ فِي غَطَفَانَ وَقَيْسٍ كُلّهَا، فَأَقَامُوا عَلَى نَسَبِهِمْ، وَفِيهِمْ كَانَ الْبَسْلُ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ

(1/413)