الروض
الأنف ت الوكيل [وَفَاةُ آمِنَةَ وَحَالُ رَسُولُ اللهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ جَدّهِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ
بَعْدَهَا]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ رَسُولُ اللهِ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ- مَعَ أُمّهِ آمِنَةَ بِنْتِ وَهْبٍ، وَجَدّهِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ
بْنِ هَاشِمٍ فِي كَلَاءَةِ اللهِ وَحِفْظِهِ، يُنْبِتُهُ اللهُ نَبَاتًا
حَسَنًا، لِمَا يُرِيدُ بِهِ مِنْ كَرَامَتِهِ، فَلَمّا بَلَغَ رَسُولُ
اللهِ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- سِتّ سِنِينَ، تُوُفّيَتْ أُمّهُ
آمِنَةُ بِنْتُ وَهْبٍ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَدّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ
مُحَمّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ:
أَنّ أُمّ رَسُولِ اللهِ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- آمِنَةُ
تُوُفّيَتْ وَرَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- ابْنُ سِتّ
سِنِينَ بِالْأَبْوَاءِ، بَيْنَ مَكّةَ وَالْمَدِينَةِ، كَانَتْ قَدْ
قَدِمَتْ بِهِ عَلَى أخواله من بنى عدىّ بن النّجّار، تُزِيرُهُ إيّاهُمْ،
فَمَاتَتْ، وَهِيَ رَاجِعَةٌ بِهِ إلَى مكّة.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أُمّ عَبْدِ الْمُطّلِبِ بْنِ هاشم: سلمى بنت عمرو
النجّارية فهذه الخئولة الّتِي ذَكَرَهَا ابْنُ إسْحَاقَ لِرَسُولِ اللهِ-
صَلّى الله عليه وسلم- فيهم.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ رَسُولُ اللهِ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ- مَعَ جَدّهِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ بْنِ هَاشِمٍ، وَكَانَ يُوضَعُ
لِعَبْدِ الْمُطّلِبِ فِرَاشٌ فى ظلّ الكعبة، فكان بنوه يجلسون جول
فِرَاشِهِ ذَلِكَ، حَتّى يَخْرَجَ إلَيْهِ، لَا يَجْلِسُ عَلَيْهِ أَحَدٌ
مِنْ بَنِيهِ إجْلَالًا لَهُ، قَالَ: فَكَانَ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَأْتِي، وَهُوَ غُلَامٌ جَفْرٌ، حَتّى
يَجْلِسَ عَلَيْهِ، فَيَأْخُذَهُ أَعْمَامُهُ، لِيُؤَخّرُوهُ عَنْهُ،
فَيَقُولُ عَبْدُ الْمُطّلِبِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(2/181)
إذا رأى ذلك منهم: دعوا ابنى، فو الله إنّ
لَهُ لَشَأْنًا، ثُمّ يُجْلِسُهُ مَعَهُ عَلَى الْفِرَاشِ وَيَمْسَحُ
ظَهْرَهُ بِيَدِهِ، وَيَسُرّهُ مَا يَرَاهُ يصنع.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
رَعْيُهُ الْغَنَمَ:
فَصْلٌ: وَذَكَرَ قَوْلَ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«مَا مِنْ نَبِيّ إلّا وَقَدْ رَعَى الْغَنَمَ.. قِيلَ: وَأَنْتَ يَا
رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: وَأَنَا» وَإِنّمَا أَرَادَ ابْنُ إسْحَاقَ بِهَذَا
الْحَدِيثِ رِعَايَتَهُ الْغَنَمَ فِي بَنِي سَعْدٍ مَعَ أَخِيهِ مِنْ
الرّضَاعَةِ، وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصّحِيحِ أَنّهُ رَعَاهَا بِمَكّةَ
أَيْضًا عَلَى قَرَارِيطَ لِأَهْلِ مَكّةَ. ذَكَرَهُ الْبُخَارِيّ،
وَذَكَرَ الْبُخَارِيّ عَنْهُ أَيْضًا أَنّهُ قَالَ: مَا هَمَمْت بِشَيْءِ
مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيّةِ إلّا مَرّتَيْنِ، وَرَوَى أَنّ إحْدَى
الْمَرّتَيْنِ كَانَ فِي غَنَمٍ يَرْعَاهَا هُوَ وَغُلَامٌ مِنْ قُرَيْشٍ،
فَقَالَ لِصَاحِبِهِ: اكْفِنِي أَمْرَ الْغَنَمِ حَتّى آتِيَ مَكّةَ،
وَكَانَ بِهَا عُرْسٌ فِيهَا لَهْوٌ وَزَمْرٌ، فَلَمّا دَنَا مِنْ الدّارِ
لِيَحْضُرَ ذَلِكَ، أُلْقِيَ عَلَيْهِ النّوْمُ، فَنَامَ حَتّى ضَرَبَتْهُ
الشّمْسُ عِصْمَةً مِنْ اللهِ لَهُ. وَفِي الْمَرّةِ الْآخِرَةِ قَالَ
لِصَاحِبِهِ مِثْلَ ذَلِكَ، وَأُلْقِيَ عَلَيْهِ النّوْمُ فِيهَا، كَمَا
أُلْقِيَ فِي الْمَرّةِ الْأُولَى. ذَكَرَ هَذَا الْمَعْنَى ابْنُ إسْحَاقَ
فِي غَيْرِ رواية البكّائىّ. وفى غريب الحديث للقتبنىّ: «بُعِثَ مُوسَى-
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ رَاعِي غَنَمٍ، وَبُعِثَ
دَاوُدُ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ رَاعِي غَنَمٍ،
وَبُعِثْت، وَأَنَا رَاعِي غَنَمِ أَهْلِي بِأَجْيَادِ»
» وَإِنّمَا جَعَلَ اللهُ هَذَا فى الأنبياء
__________
(1) جبل بمكة، وهما أجيادان كبير وصغير، وهما محلتان بمكة. وقيل فيه: جياد
بغير ألف وقد سبق.
(2/182)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
تَقْدِمَةً لَهُمْ، لِيَكُونُوا رُعَاةَ الْخَلْقِ، وَلِتَكُونَ أُمَمُهُمْ
رعايالهم، وَقَدْ رَأَى رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
أَنّهُ يَنْزِعُ عَلَى قَلِيبٍ «1» وَحَوْلَهَا غَنَمٌ سود، وغنم عفر «2» .
قال: ثم جاء أبوبكر- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- فَنَزَعَ نَزْعًا ضَعِيفًا،
وَاَللهُ يَغْفِرُ لَهُ، ثُمّ جَاءَ عُمَرُ فَاسْتَحَالَتْ غَرْبًا «3»
يَعْنِي: الدّلْوَ، فَلَمْ أَرَ عَبْقَرِيّا يَفْرِي فَرِيّهُ «4»
فَأَوّلَهَا النّاسُ فِي الْخِلَافَةِ لِأَبِي بَكْرٍ، وَعُمَر رَضِيَ
اللهُ عَنْهُمَا، وَلَوْلَا ذِكْرُ الْغَنَمِ السّودِ وَالْعُفْرِ
لَبَعُدَتْ الرّؤْيَا عَنْ مَعْنَى الْخِلَافَةِ وَالرّعَايَةِ؛ إذْ
الْغَنَمُ السّودُ وَالْعُفْرُ عِبَارَةٌ عَنْ الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ،
وَأَكْثَرُ الْمُحَدّثِينَ لَمْ يَذْكُرُوا الْغَنَمَ فِي هَذَا
الْحَدِيثِ. ذَكَرَهُ الْبَزّارُ فِي مُسْنَدِهِ، وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ
أَيْضًا، وَبِهِ يَصِحّ الْمَعْنَى، وَاَللهُ أَعْلَمُ.
فِي كَفَالَةِ الْعَمّ:
فَصْلٌ: وَذَكَرَ كَوْنَ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي
كَفَالَةِ عمه يكلؤه
__________
(1) القليب: البئر قبل أن تبنى بالحجارة ونحوها يذكر ويؤنث. وقال أبو
عبيدة: هى البئر العادية القديمة. ونزع الدلو: استقى بها.
(2) العفر: جمع عفراء: ما يعلو بياضها حمرة، أو البيضاء ليست بالشديدة
البياض، أو التى فى سراتها حمرة، وخاصرتها بيضاء. والسّراة: أعلى الظهر
والوسط
(3) الدّلو العظيمة.
(4) يعمل عمله العظيم، ويقطع قطعه. وفريه تقال: بفتح الفاء وسكون الراء
وفتح الياء أيضا، والحديث متفق عليه بدون ذكر الغنم. وحديث: أنا أعربكم
رواه ابن سعد والطبرانى، وفى رواته مبشر بن عبيد، وهو متروك، وقال السيوطى:
ضعيف.
(2/183)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَيَحْفَظُهُ. فَمِنْ حِفْظِ اللهُ لَهُ فِي ذَلِكَ أَنّهُ كَانَ يَتِيمًا
لَيْسَ لَهُ أَبٌ يَرْحَمُهُ، وَلَا أُمّ تَرْأَمُهُ «1» لِأَنّهَا
مَاتَتْ، وَهُوَ صَغِيرٌ، وَكَانَ عِيَالُ أَبِي طَالِبٍ ضَفَفًا،
وَعَيْشُهُمْ شَظَفًا «2» ، فَكَانَ يُوضَعُ الطّعَامُ لَهُ وَلِلصّبْيَةِ
مِنْ أَوْلَادِ أَبِي طَالِبٍ، فَيَتَطَاوَلُونَ إلَيْهِ، وَيَتَقَاصَرُ
هُوَ، وَتَمْتَدّ أَيْدِيهِمْ، وَتَنْقَبِضُ يَدُهُ تَكَرّمًا مِنْهُ
وَاسْتِحْيَاءً وَنَزَاهَةَ نَفْسٍ وَقَنَاعَةَ قَلْبٍ، فَيُصْبِحُونَ
غُمْصًا رُمْصًا، مُصْفَرّةً أَلْوَانُهُمْ «3» وَيُصْبِحُ هُوَ- عَلَيْهِ
السّلَامُ- صَقِيلًا دَهِينًا «4» كَأَنّهُ فِي أَنْعَمِ عَيْشٍ، وَأَعَزّ
كِفَايَةٍ، لُطْفًا مِنْ اللهِ- عَزّ وَجَلّ- بِهِ. كَذَلِكَ ذَكَرَهُ
القتبىّ.
فى غريب الحديث.
صوت آمِنَةَ وَزِيَارَتُهُ لَهَا:
فَصْلٌ: وَذَكَرَ مَوْتَ أُمّهِ آمِنَةَ بِالْأَبْوَاءِ، وَهُوَ مَوْضِعٌ
مَعْرُوفٌ بَيْنَ مَكّةَ
__________
(1) تحبه وتحنو عليه وتعطف. والمذكور فى السيرة مع الحفظ والكلاءة. هو: عبد
المطلب، لا أبو طالب كما فى الروض.
(2) الضفف: كثرة العيال. والشظف والشظاف: الضيق والشدة، ويبس العيش وشدته.
(3) الرمص- كما فى الصحاح- وسخ يجتمع فى الموق، فإن سال فهو غمص، وإن جمد
فهو رمص، يقال: عين رمصاء، وهو أرمص. وهو أغمص، وهى غمصاء.
(4) صقيل: مجلو. ودهين: مدهون بالدهن كناية عن حسنه ونضارته. وفى حديث
الرضاع كلمات نفسرها هنا: ظئر: أصلها الناقة التى تعطف على ولد غيرها، فتدر
عليه، فسميت المرأة التى ترضع ولد غيرها ظئرا. والجفر: الغليظ الشديد.
منتقع: متغير. الحافل: الممتلئة الضرع. اربعى علينا: أقيمى وانظرى. والعجف:
الهزال «عن الخشنى ص 56»
(2/184)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَالْمَدِينَةِ، وَهُوَ إلَى الْمَدِينَةِ أَقْرَبُ كَأَنّهُ سُمّيَ
بِجَمْعِ بَوّ، وَهُوَ جِلْدُ الْحُوَارِ «1» الْمَحْشُوّ بِالتّبْنِ
وَغَيْرِهِ، وَقِيلَ: سُمّيَ بِالْأَبْوَاءِ لِتَبَوّءِ السّيُولِ فِيهِ،
وَكَذَلِكَ ذُكِرَ عَنْ كَثِيرٍ. ذَكَرَهُ قَاسِمُ بْنُ ثَابِتٍ.
وَفِي الْحَدِيثِ أَنّ رَسُولَ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
زَارَ قَبْرَ أُمّهِ بِالْأَبْوَاءِ فِي أَلْفِ مُقَنّعٍ، فَبَكَى
وَأَبْكَى، وَهَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ «2» ، وَفِي الصّحِيحِ أَيْضًا أَنّهُ
قَالَ: اسْتَأْذَنْت رَبّي فِي زِيَارَةِ قَبْرِ أُمّي، فَأَذِنَ لِي،
وَاسْتَأْذَنْته أَنْ أَسْتَغْفِرَ لَهَا، فَلَمْ يَأْذَنْ لِي «3» . وَفِي
مُسْنَدِ الْبَزّارِ مِنْ حَدِيثِ بُرَيْدَةَ أَنّهُ- صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِينَ أَرَادَ أَنْ يَسْتَغْفِرَ لِأُمّهِ، ضَرَبَ
جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السّلَامُ فِي صَدْرِهِ، وَقَالَ لَهُ: لَا
تَسْتَغْفِرْ لِمَنْ كَانَ مُشْرِكًا، فَرَجَعَ وَهُوَ حَزِينٌ.
وَفِي الْحَدِيثِ زِيَادَةٌ فِي غَيْر الصّحِيحِ أَنّهُ سُئِلَ عَنْ
بُكَائِهِ، فَقَالَ: ذَكَرْت ضَعْفَهَا وَشِدّةَ عَذَابِ اللهِ، إنْ كان
صحّ هذا.
__________
(1) ولد الناقة حتى يفصل. وذكر صاحب المراصد: أن الأبواء قرية من أعمال
الفرع «والفرع: قرية من نواحى الربذة عن يسار السقيا، بينها وبين المدينة
ثمانية برد» من المدينة بينها وبين الجحفة مما يلى المدينة ثلاثة وعشرون
ميلا. وقيل: جبل عن يمين آره ويمين المصعد إلى مكة من المدينة.
(2) رواه أحمد وفيه: «ثم أقبل علينا بوجهه وعيناه تذرفان، فقام إليه عمر
ابن الخطاب، وفداه بالأب والأم، وقال: رسول الله، مالك؟ قال: إنى سألت ربى
عز وجل فى الاستغفار لأمى، فلم يأذن لى، فدمعت عيناى رحمة لها من النار» .
(3) مسلم وابن ماجة.
(2/185)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ مَا يُصَحّحُهُ، وَهُوَ أَنّ رَجُلًا قَالَ لَهُ: يَا
رَسُولَ اللهِ: أَيْنَ أَبِي؟ فَقَالَ: فِي النّارِ، فَلَمّا وَلّى
الرّجُلُ، قَالَ عَلَيْهِ السّلَامُ: إنّ أَبِي وَأَبَاك فِي النّارِ «1» ،
وَلَيْسَ لَنَا أَنْ نَقُولَ نَحْنُ هَذَا «2» فِي أَبَوَيْهِ- صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السّلَامُ: لَا تُؤْذُوا
الْأَحْيَاءَ بِسَبّ الْأَمْوَاتِ، وَاَللهُ عَزّ وَجَلّ يَقُولُ: إِنَّ
الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ [لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي
الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ]
__________
(1) فى رواية مسلم: فلما قفا: دعاه، فقال: إن أبى وأباك فى النار. والحديث
رواه أبو داود أيضا. وقيل عن الرجل الذى سأل: أنه أبو رزين العقيلى أو حصين
بن عبيد والد عمران. وفى مسند أحمد أن أبا رزين سأل عن أمه: أين هى، فقال:
كذلك. هذا، وقد ذكر البيهقى عدة أحاديث فى هذا، ثم قال بعد روايته لها فى
دلائل النبوة: «وكيف لا يكون أبواه وجده- عليه الصلاة والسلام- بهذه الصفة
فى الاخرة، وقد كانوا يعبدون الوثن، حتى ماتوا، ولم يدينوا دين عيسى بن
مريم عليه السلام، وكفرهم لا يقدح فى نسبه- عليه الصلاة والسلام- لأن أنكحة
الكفار صجيحة. ألا تراهم يسلون مع زوجاتهم، فلا يلزمهم تجديد العقد، ولا
مفارقتهن إذا كان مثله يجوز فى الإسلام» ويقول ابن كثير: «وإخباره عن أبويه
وجده عبد المطلب بأنهم من أهل النار لا ينافى الحديث الوارد عنه من طرق
متعددة أن أهل الفترة والأطفال والمجانين والصم يمتحنون فى العرصات يوم
القيامة كما بسطناه سندا ومتنا- فى تفسيرنا- عند تفسير قوله تعالى: (وَما
كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا) الإسراء: 15. فيكون منهم من
يجيب، ومنهم من لا يجيب. فيكون هؤلاء من جملة من لا يجيب، فلا منافاة ولله
الحمد والمنة» ص 281 ج 2 البداية، ورغم هذا فإنى أذكر بقول الله: (تلك أمة
قد خلت لها ما كسبت، ولكم ما كسبتم ولا تسئلون عما كانوا يعملون) البقرة:
141.
(2) إذا سئلنا صدعنا بالحق.
(2/186)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الْأَحْزَابَ: 75. وَإِنّمَا قَالَ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- لِذَلِكَ الرّجُلِ هَذِهِ الْمَقَالَةَ، لِأَنّهُ وَجَدَ فِي
نَفْسِهِ، وَقَدْ قِيلَ: إنّهُ قَالَ: أَيْنَ أَبُوك أَنْتَ؟ فَحِينَئِذٍ
قَالَ ذَلِكَ، وَقَدْ رَوَاهُ مَعْمَرُ بْنُ رَاشِدٍ بِغَيْرِ هَذَا
اللّفْظِ، فَلَمْ يَذْكُرْ أَنّهُ قَالَ لَهُ: إنّ أَبِي وَأَبَاك فِي
النّارِ، وَلَكِنْ ذَكَرَ أَنّهُ قَالَ لَهُ: إذَا مَرَرْت بِقَبْرِ
كَافِرٍ، فَبَشّرْهُ بِالنّارِ «1» ، وَرُوِيَ حَدِيثٌ غَرِيبٌ لَعَلّهُ
أَنْ يَصِحّ. وَجَدْته بِخَطّ جَدّي أَبِي عِمْرَانَ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي
الْحَسَنِ الْقَاضِي- رَحِمَهُ اللهُ- بِسَنَدِ فِيهِ مَجْهُولُونَ، ذَكَرَ
أَنّهُ نَقَلَهُ مِنْ كِتَابٍ، اُنْتُسِخَ مِنْ كِتَابِ مُعَوّذِ بْنِ
دَاوُدَ بْنِ مُعَوّذِ الزّاهِدِ يَرْفَعُهُ إلى [عبد الرحمن ابْنُ] أَبِي
الزّنَادِ عَنْ [هِشَامِ بْنِ] عُرْوَةَ، عَنْ [أَبِيهِ عَنْ] عَائِشَةَ-
رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- أَخْبَرَتْ أَنّ رَسُولَ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سَأَلَ رَبّهُ أَنْ يُحْيِيَ أَبَوَيْهِ،
فَأَحْيَاهُمَا لَهُ، وَآمَنَا بِهِ، ثُمّ أَمَاتَهُمَا، وَاَللهُ قَادِرٌ
عَلَى كُلّ شَيْءٍ، وَلَيْسَ تَعْجَزُ رَحْمَتُهُ وَقُدْرَتُهُ عَنْ
شَيْءٍ، وَنَبِيّهُ عَلَيْهِ السّلَامُ أَهْلٌ أَنْ يَخُصّهُ بِمَا شَاءَ
مِنْ فَضْلِهِ، وَيُنْعِمَ عَلَيْهِ بِمَا شَاءَ مِنْ كَرَامَتِهِ-
صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلّمَ- قَالَ الْقُرْطُبِيّ فِي
تَذْكِرَتِهِ: جَزَمَ أَبُو بَكْرٍ الْخَطِيبُ فِي كِتَابِ: السّابِقِ
وَاللّاحِقِ، وَأَبُو حَفْصٍ عُمَرُ بْنُ شَاهِينَ فِي كِتَابِ النّاسِخِ
وَالْمَنْسُوخِ لَهُ فِي الْحَدِيثِ بِإِسْنَادَيْهِمَا عَنْ عَائِشَةَ-
رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- قَالَتْ: حَجّ بِنَا رَسُولُ اللهِ- صَلّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ- حجة الوداع، فمز عَلَى قَبْرِ أُمّهِ، وَهُوَ بَاكٍ
حَزِينٌ مُغْتَمّ، فَبَكَيْت لِبُكَائِهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- ثُمّ إنّهُ نَزَلَ فَقَالَ: يَا حُمَيْرَاءُ اسْتَمْسِكِي،
فَاسْتَنَدْت إلَى جَنْبِ الْبَعِيرِ، فَمَكَثَ عَنّي طَوِيلًا مَلِيّا،
ثُمّ إنّهُ عَادَ إلَيّ، وَهُوَ فَرِحٌ مُتَبَسّمٌ، فقلت له: بأبى أنت وأمى
__________
(1) ورواه البيهقى والبزار والطبرانى فى الكبير وفيه عن الأب: إنه فى النار
وقال عنه ابن كثير: غريب ولم يخرجوه من هذا الوجه.
(2/187)
|