الروض
الأنف ت الوكيل [وفاة عبد
المطلب: ومارثى به من الشعر]
فلما بلغ رسول الله- صلى الله عليه وَسَلّمَ- ثَمَانِي سِنِينَ هَلَكَ
عَبْدُ الْمُطّلِبِ بْنُ هَاشِمٍ، وَذَلِكَ بَعْدَ الْفِيلِ بِثَمَانِي
سِنِينَ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي الْعَبّاسُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ
مَعْبَدِ بْنِ عَبّاسٍ، عَنْ بَعْضِ أَهْلِهِ: أَنّ عَبْدَ الْمُطّلِبِ
تُوُفّيَ وَرَسُولُ اللهِ- صَلّى الله عليه وسلم- ابن ثمانى سنين
ـــــــــــــــــــــــــــــ
يَا رَسُولَ اللهِ نَزَلْت مِنْ عِنْدِي، وَأَنْتَ بَاكٍ حَزِينٌ مُغْتَمّ.
فَبَكَيْت لِبُكَائِك.
ثُمّ عُدْت إلَيّ، وَأَنْتَ فَرِحٌ مُبْتَسِمٌ، فَمِمّ ذَا يَا رَسُولَ
اللهِ، فَقَالَ: ذَهَبْت لِقَبْرِ آمِنَةَ أُمّي، فَسَأَلْت أَنْ
يُحْيِيَهَا، فَأَحْيَاهَا فَآمَنَتْ بِي «1» ؛ أَوْ قال: فامنت.
وردها الله عز وجل.
__________
(1) قال ابن كثير فى البداية عن حديث ابن أبى الزناد: منكر جدا. وقال فى
التفسير عن أحد الأحاديث: وأغرب منه وأشد نكارة مارواه الخطيب البغدادى فى
كتاب السابق واللاحق بسند مجهول عن عائشة فى حديث فيه قصة أن الله أحيا أمه
الخ وقال الدارقطنى: باطل، وكذا مارواه السهيلى فى الروض بسند فيه جماعة
مجهولون أن الله أحيا له أباه وأمه» وقال ابن دحية عن حديث إحياء الأم:
«هذا الحديث موضوع يرده القرآن والإجماع. قال تعالى: «ولا الذين يموتون،
وهم كفار» وقال: «فيمت وهو كافر» فمن مات كافرا لم ينفعه الإيمان بعد
الرجعة، بل لو آمن عند المعاينة لم ينفعه، وكيف بعد الإعادة» ص 168 ح 1
المواهب. وقيل إن أمه ماتت وسنه أربع كما حكى العراقى ومغلطاى، وقيل: ست
وبه قطع ابن إسحاق، وقيل: سبع كما حكاه ابن عبد البر، وقيل: تسع، وينسب إلى
حكاية مغلطاى أيضا، وقيل: اثنتا عشرة سنة وشهر وعشرة أيام، وينسب إلى حكاية
مغلطاى. وقيل: ثمان، وهو قول ابن حبيب.
(2/188)
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَدّثَنِي مُحَمّدُ
بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيّبِ: أَنّ عَبْدَ الْمُطّلِبِ لَمّا حَضَرَتْهُ
الْوَفَاةُ، وَعَرَفَ أَنّهُ مَيّتٌ جَمَعَ بَنَاتِهِ، وَكُنّ سِتّ
نِسْوَةٍ: صَفِيّةَ، وَبَرّةَ، وَعَاتِكَةَ، وَأُمّ حَكِيمٍ الْبَيْضَاءَ،
وَأُمَيْمَةَ، وَأَرْوَى، فَقَالَ لَهُنّ: ابْكِينَ عَلَيّ حَتّى أَسْمَعَ
مَا تَقُلْنَ قَبْلَ أَنْ أَمُوتَ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَلَمْ أَرَ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ
بِالشّعْرِ يَعْرِفُ هَذَا الشّعْرَ، إلّا أَنّهُ لَمّا رَوَاهُ عَنْ
مُحَمّدِ بْنِ سَعِيدِ بن المسيب، كتبناه:
فقالت صفيّة بنة عبد المطّلب تبكى أباها:
أَرِقْتُ لِصَوْتِ نَائِحَةٍ بِلَيْلٍ ... عَلَى رَجُلٍ بِقَارِعَةِ
الصّعِيدِ
فَفَاضَتْ عِنْدَ ذَلِكُمْ دُمُوعِي ... عَلَى خَدّي كَمُنْحَدِرِ
الْفَرِيدِ
عَلَى رَجُلٍ كَرِيمٍ غَيْرِ وَغْلٍ ... لَهُ الْفَضْلُ الْمُبِينُ عَلَى
الْعَبِيدِ
عَلَى الْفَيّاضِ شَيْبَةَ ذِي الْمَعَالِي ... أَبِيكِ الْخَيْرِ وَارِثِ
كُلّ جُودِ
صَدُوقٍ فِي الْمَوَاطِنِ غَيْرِ نِكْسٍ ... وَلَا شَخْتِ الْمَقَامِ وَلَا
سَنِيدٍ
طَوِيلِ الْبَاعِ، أَرْوَعَ شَيْظَمِيّ ... مُطَاعٍ فِي عَشِيرَتِهِ
حَمِيدٍ
رَفِيعِ الْبَيْتِ أَبْلَجَ ذِي فُضُولٍ ... وَغَيْثِ النّاسِ فِي الزّمَنِ
الْحَرُودِ
كَرِيمِ الْجَدّ لَيْسَ بِذِي وُصُومِ ... يَرُوقُ عَلَى الْمُسَوّدِ
وَالْمَسُودِ
عَظِيمِ الْحِلْمِ مِنْ نَفَرٍ كِرَامٍ ... خَضَارِمَةٍ مَلَاوِثَة أُسُودٍ
فَلَوْ خَلَدَ امْرُؤٌ لِقَدِيمِ مَجْدٍ ... وَلَكِنْ لَا سَبِيلَ إلَى
الْخُلُودِ
لَكَانَ مُخَلّدًا أُخْرَى اللّيَالِي ... لِفَضْلِ الْمَجْدِ وَالْحَسَبِ
التّليد
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(2/189)
وَقَالَتْ بَرّةُ بِنْتُ عَبْدِ
الْمُطّلِبِ تَبْكِي أَبَاهَا:
أَعَيْنَيّ جُودَا بِدَمْعٍ دِرَرْ ... عَلَى طَيّبِ الْخِيمِ
وَالْمُعْتَصَر
عَلَى مَاجِدِ الْجِدّ وَارَى الزّنَادَ ... جَمِيلِ الْمُحَيّا عَظِيمِ
الخَطَر
عَلَى شَيْبَةِ الْحَمْدِ ذِي الْمَكْرُمَات ... وَذِي الْمَجْدِ وَالْعِزّ
والمُفْتَخَر
وَذِي الْحِلْمِ وَالْفَصْلِ فِي النّائِبَاتِ ... كَثِيرِ الْمَكَارِمِ،
جَمّ الْفَجَر
لَهُ فَضْلُ مَجْدٍ عَلَى قَوْمِهِ ... مُنِيرٍ، يَلُوحُ كَضَوْءِ القَمَر
أَتَتْهُ الْمَنَايَا، فَلَمْ تُشْوِهِ ... بِصَرْفِ اللّيالى، وريب القدر
وَقَالَتْ عَاتِكَةُ بِنْتُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ تَبْكِي أَبَاهَا:
أَعَيْنِيّ جُودَا، وَلَا تَبْخَلَا ... بِدَمْعِكُمَا بَعْدَ نَوْمِ
النيام
أعينىّ واسحنفرا واسكبا ... وشوبا بكاء كما بِالْتِدَامِ
أَعَيْنِيّ، وَاسْتَخْرِطَا وَاسْجُمَا ... عَلَى رَجُلٍ غَيْرِ نِكْسٍ
كَهام
عَلَى الْجَحْفَلِ الْغَمْرِ فِي النّائِبَاتِ ... كَرِيمِ الْمَسَاعِي،
وَفِيّ الذّمَام
عَلَى شَيْبَةِ الْحَمْدِ، وَارَى الزّنَاد ... وَذِي مَصْدَق بَعْدُ
ثَبْتِ الْمَقَامِ
وَسَيْفٍ لَدَى الْحَرْبِ صَمْصَامَةٍ ... وَمُرْدَى الْمُخَاصِمِ عِنْدَ
الخصام
وسهل الخليقة طلق اليدين ... وف عدملي صَمِيمٍ لُهام
تَبَنّكَ فِي بَاذِخٍ بَيْتُهُ ... رفيع الذّؤابة صعب المرام
وَقَالَتْ أُمّ حَكِيمٍ الْبَيْضَاءِ بنتُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ تبكى أباها:
أَلَا يَا عَيْنُ جُودِي وَاسْتَهِلّي ... وَبَكّي ذَا النّدى والمكرمات
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(2/190)
أَلَا يَا عَيْنُ وَيْحَك أَسْعِفِينِي ...
بِدَمْعٍ مِنْ دُمُوعٍ هَاطِلَاتٍ
وَبَكّي خَيْرَ مَنْ رَكِبَ الْمَطَايَا ... أَبَاكِ الْخَيْر تَيّارَ
الْفُرَاتِ
طَوِيلَ الْبَاعِ شَيْبَةَ ذَا الْمَعَالِي ... كَرِيمَ الْخِيمِ مَحْمُودَ
الْهِبَاتِ
وَصُولًا لِلْقَرَابَةِ هِبْرَزِيّا ... وَغَيْثًا فِي السّنِينَ
الْمُمْحِلَاتِ
وَلَيْثًا حَيْنَ تَشْتَجِرُ الْعَوَالِي ... تَرُوقُ لَهُ عُيُونُ
النّاظِرَاتِ
عَقِيلَ بَنِي كِنَانَةَ وَالْمُرَجّى ... إذَا مَا الدّهْرُ أَقْبَلَ
بِالْهَنَاتِ
وَمَفْزَعَهَا إذَا مَا هَاجَ هَيْجٌ ... بِدَاهِيَةٍ، وَخَصْمَ
الْمُعْضِلَات
فَبَكّيهِ، وَلَا تسمي بِحُزْنٍ ... وبكّى، ما بقيت، الباكيات
وَقَالَتْ أُمَيْمَةُ بِنْتُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ تَبْكِي أَبَاهَا:
أَلَا هَلَك الرّاعِي الْعَشِيرَةَ ذُو الْفَقْدِ ... وَسَاقِي الْحَجِيجِ،
وَالْمُحَامِي عَنْ الْمَجْدِ
وَمَنْ يُؤْلَفُ الضّيْفَ الْغَرِيبَ بُيُوتَهُ ... إذَا مَا سَمَاءُ
النّاس تَبْخَلُ بِالرّعْدِ
كَسَبْتَ وَلَيَدًا خَيْرَ مَا يَكْسِبُ الْفَتَى ... فَلَمْ تَنْفَكِكْ
تَزْدَادُ يَا شَيْبَةَ الْحَمْدِ
أَبُو الْحَارِثِ الْفَيّاضُ، خَلّى مَكَانَهُ ... فَلَا تُبْعِدَنْ،
فَكُلّ حَيّ إلَى بُعْدٍ
فَإِنّي لَبَاكٍ- مَا بَقِيتُ- وَمُوجَعٌ ... وَكَانَ لَهُ أَهْلًا لِمَا
كَانَ مِنْ وَجْدِي
سَقَاكَ وَلِيّ النّاسِ فِي القَبرُ مُمْطِرًا ... فَسَوْفَ أُبَكّيهِ،
وَإِنْ كَانَ فِي اللّحْدِ
فَقَدْ كَانَ زَيْنًا لِلْعَشِيرَةِ كُلّهَا ... وَكَانَ حَمِيدًا حَيْثُ
ما كان من حمد
وَقَالَتْ أَرْوَى بِنْتُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ تَبْكِي أَبَاهَا:
بَكَتْ عَيْنَيّ، وَحُقّ لَهَا الْبُكَاءُ ... عَلَى سَمْحٍ، سجيّته الحياء
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(2/191)
عَلَى سَهْلِ الْخَلِيقَةِ أبْطَحيّ ...
كَرِيمِ الْخِيمِ، نِيّتُهُ الْعَلَاءُ
عَلَى الْفَيّاضِ شَيْبَةَ ذِي الْمَعَالِي ... أَبِيكِ الْخَيْرِ لَيْسَ
لَهُ كِفَاءُ
طَوِيلِ الْبَاعِ أَمْلَسَ، شَيْظميّ ... أَغَرّ كَأَنّ غُرّتَهُ ضِيَاءُ
أَقَبّ الْكَشْحِ، أَرُوعَ ذِي فُضُولٍ ... لَهُ الْمَجْدُ الْمُقَدّمُ
وَالسّنَاءُ
أَبِيّ الضّيْمِ، أَبْلَجَ هِبْرَزِيّ ... قَدِيمِ الْمَجْدِ لَيْسَ له
خفاء
وَمَعْقِلِ مَالِكٍ، وَرَبِيعِ فِهْرٍ ... وَفَاصِلِهَا إذَا اُلْتُمِسَ
الْقَضَاءُ
وَكَانَ هُوَ الْفَتَى كَرَمًا وَجُودًا ... وَبَأْسًا حَيْنَ تَنْسَكِبُ
الدّمَاءُ
إذَا هَابَ الْكُمَاةُ الْمَوْتَ حَتّى ... كَأَنّ قُلُوبَ أَكْثَرِهِمْ
هَوَاءُ
مَضَى قُدُمًا بِذِي رُبَدٍ خَشِيبٍ ... عَلَيْهِ حَيْنَ تُبْصِرهُ
الْبَهَاءُ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَزَعَمَ لِي مُحَمّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ
الْمُسَيّبِ أَنّهُ أَشَارَ بِرَأْسِهِ، وَقَدْ أصمت: أن هكذا فابكيننى.
قال ابن هشام: الْمُسَيّبُ بْنُ حَزْنِ بْنِ أَبِي وَهْبِ بْنِ عمرو بن
عائذ بن عمران ابن مخزوم.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ حُذَيْفَةُ بْنُ غَانِمٍ أَخُو بَنِي عَدِيّ
بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيّ يَبْكِي عَبْدَ الْمُطّلِبِ بْنَ هَاشِمِ بْنِ
عَبْدِ مَنَاف، وَيَذْكُرُ فَضْلَهُ، وَفَضْلَ قُصَيّ عَلَى قُرَيْشٍ،
وَفَضْلَ وَلَدِهِ مِنْ بَعْدِهِ عَلَيْهِمْ، وَذَلِكَ أَنّهُ أُخِذَ
بِغُرْمِ أَرْبَعَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ بِمَكّةَ، فَوَقَفَ بِهَا فَمَرّ بِهِ
أَبُو لَهَبٍ عَبْدُ الْعُزّى بن عبد المطّلب، فافتكّه:
أَعَيْنِيّ جُودَا بِالدّمُوعِ عَلَى الصّدْرِ ... وَلَا تَسْأَمَا،
أُسْقِيتُمَا سَبَلَ الْقَطْرِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(2/192)
وَجُودَا بِدَمْعٍ، وَاسْفَحَا كُلّ
شَارِقٍ ... بُكَاءَ امْرِئٍ لَمْ يُشْوِهِ نَائِبُ الدّهْرِ
وَسُحّا، وَجُمّا، وَاسْجُمَا مَا بَقِيتُمَا ... عَلَى ذِي حَيَاءٍ مِنْ
قُرَيْشٍ، وَذِي سِتْرِ
عَلَى رَجُلٍ جَلْدِ الْقُوَى، ذِي حَفِيظَةٍ ... جَمِيلِ الْمُحَيّا
غَيْرِ نِكْسٍ وَلَا هَذْرِ
على الماجد البهلول ذى الباع والّلهى ... رَبِيعِ لُؤَى فِي الْقُحُوط
وَفِي الْعُسْرِ
عَلَى خير حَافٍ مِنْ مُعَدّ وَنَاعِلٍ ... كَرِيمَ الْمَسَاعِي، طَيّبَ
الْخِيمِ وَالنّجْرِ
وَخَيْرُهُمْ أَصْلًا وَفَرْعًا وَمَعْدِنًا ... وَأَحْظَاهُمْ
بِالْمُكْرَمَاتِ وَبِالذّكْرِ
وَأَوْلَاهُمْ بِالْمَجْدِ وَالْحِلْمِ وَالنّهَى ... وَبِالْفَضْلِ عِنْدَ
الْمُجْحِفَاتِ مِنْ الْغُبْرِ
عَلَى شَيْبَةِ الْحَمْدِ الّذِي كَانَ وَجْهُهُ ... يُضِيءُ سَوَادَ
اللّيْلِ كَالْقَمَرِ البدر
وساقى الحجيج ثم للخبز هاشم ... وعبد مناف، ذلك السيد الفهري
طوى زَمزَما عِنْدَ الْمَقَامِ، فَأَصْبَحَتْ ... سِقَايَتُهُ فَخْرًا
عَلَى كُلّ ذِي فَخْرٍ
لِيَبْكِ عَلَيْهِ كُلّ عَانٍ بِكُرْبَةٍ ... وَآلُ قُصَيّ مِنْ مُقِلّ
وَذِي وَفْرٍ
بَنُوهُ سَرَاةَ، كَهْلُهُمْ وَشَبَابُهُمْ ... تَفَلّقَ عَنْهُمْ بَيْضَةُ
الطّائِرِ الصّقْرِ
قُصَيّ الّذِي عَادَى كِنَانَةَ كُلّهَا ... وَرَابَطَ بَيْتَ اللهِ فِي
الْعُسْرِ وَالْيُسْرِ
فَإِنْ تَكُ غَالَتْهُ الْمَنَايَا وَصَرْفُهَا ... فَقَدْ عَاشَ مَيْمُونَ
النّقِيبَةِ وَالْأَمْرِ
وَأَبْقَى رِجَالًا سَادَةً غَيْرَ عُزّلٍ ... مصاليت، أَمْثَالَ
الرّدَيْنِيّةِ السّمْرِ
أَبُو عُتْبَةَ الْمُلْقَى إلىّ حباءه ... أغرّ، هجان اللّون من نفرغرّ
وَحَمْزَةُ مِثْلُ الْبَدْرِ، يَهْتَزّ لِلنّدَى ... نَقِيّ الثّيَابِ
وَالذّمَامِ مِنْ الْغَدْرِ
وَعَبْدُ مَنَاف مَاجِدٌ ذُو حَفِيظَةٍ ... وَصُولٌ لِذِي الْقُرْبَى
رَحِيمٌ بِذِي الصّهْرِ
كُهُولُهُمْ خَيْرُ الْكُهُولِ، وَنَسْلُهُمْ ... كَنَسْلِ الْمُلُوكِ، لَا
تَبُورُ وَلَا تَحَرّى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(2/193)
مَتَى مَا تُلَاقِي مِنْهُمْ الدّهْرَ
نَاشِئًا ... تَجِدْهُ بإجريّا أوائله يجرى
هُمْ مَلَئُوا الْبَطْحَاءَ مَجْدًا وَعِزّةً ... إذَا اُسْتُبِقَ
الْخَيْرَاتُ فِي سَالِفِ الْعَصْرِ
وَفِيهِمْ بُنَاةٌ لِلْعُلَا، وَعِمَارَةٌ ... وَعَبْدُ مَنَاف جَدّهُمْ،
جَابِرُ الْكَسْرِ
بِإِنْكَاحِ عَوْفٍ بِنْتَه، لِيُجِيرَنَا ... مِنْ أَعْدَائِنَا إذْ
أَسْلَمَتْنَا بَنُو فِهْرِ
فَسِرْنَا تهامي الْبِلَادِ وَنَجْدَهَا ... بِأَمْنِهِ حَتّى خَاضَتْ
الْعِيرُ فِي الْبَحْرِ
وَهُمْ حَضَرُوا وَالنّاسُ بَادٍ فَرِيقُهُمْ ... وَلَيْسَ بِهَا إلّا
شُيُوخُ بَنِي عَمْرِو
بَنَوْهَا دِيَارًا جَمّةً، وَطَوَوْا بِهَا ... بئارا تسحّ الماء من ثبج
البحر
لَكَيْ يَشْرَبَ الْحُجّاجُ مِنْهَا، وَغَيْرُهُمْ ... إذَا ابْتَدَرُوهَا
صُبْحَ تَابِعَةِ النّحْرِ
ثَلَاثَةُ أَيّامٍ تَظَلّ رِكَابُهُمْ ... مُخَيّسَةً بَيْنَ الْأَخَاشِب
وَالْحِجْرِ
وَقِدْمًا غَنِيّنَا قَبْلَ ذَلِكَ حِقْبَةً ... وَلَا نَسْتَقِي إلّا
بِخُمّ أَوْ الْحَفْرِ
وَهُمْ يَغْفِرُونَ الذّنْبَ يُنْقَمُ دُونَهُ ... وَيَعْفُونَ عَنْ قَوْلِ
السّفَاهَةِ وَالْهُجْرِ
وَهُمْ جَمَعُوا حِلْفَ الْأَحَابِيشِ كلّها ... وَهُمْ نَكّلُوا عَنّا
غُوَاةَ بَنِي بَكْرِ
فَخَارِجَ، إمّا أَهْلكُنّ، فَلَا تَزَلْ ... لَهُمْ شَاكِرًا حَتّى
تُغَيّبَ فِي الْقَبْرِ
وَلَا تَنْسَ مَا أَسُدَى ابْنُ لُبْنَى؛ فَإِنّهُ ... قَدْ أَسْدَى يَدًا
مَحْقُوقَةً مِنْك بِالشّكْرِ
وَأَنْتَ ابْنُ لُبْنَى مِنْ قُصَيّ إذَا انْتَمَوْا ... بِحَيْثُ انْتَهَى
قَصْدُ الْفُؤَادِ مِنْ الصّدْرِ
وَأَنْتَ تَنَاوَلْتَ الْعُلَا، فَجَمَعْتَهَا ... إلَى مَحْتِدٍ
لِلْمَجْدِ ذِي ثَبَجِ جَسْرِ
سَبَقْتَ، وَفُتّ الْقَوْمَ بَذْلًا وَنَائِلًا ... وَسُدْت وَلَيَدًا كُلّ
ذى سؤدد غَمْرِ
وَأُمّك سِرّ مِنْ خُزَاعَةَ جَوْهَر ... إذَا حَصّلَ الْأَنْسَابَ يَوْمًا
ذَوُو الْخُبْرِ
إلَى سَبَأِ الْأَبْطَالِ تُنَمّى، وَتَنْتَمِي ... فَأَكْرِمْ بِهَا
مَنْسُوبَةً فِي ذرا الزّهر
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(2/194)
أَبُو شمر مِنْهُمْ، وَعَمْرُو بْنُ
مَالِكٍ ... وَذُو جَدَن مِنْ قَوْمِهَا وَأَبُو الْجَبْرِ
وَأَسْعَدُ قَادَ النّاسَ عِشْرِينَ حِجّةً ... يُؤَيّدُ فِي تِلْكَ
الْمَوَاطِنِ بالنّصر
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: «أُمّك سِرّ مِنْ خُزَاعَةَ» ، يَعْنِي: أَبَا
لَهَبٍ، أُمّهُ: لُبْنَى بِنْتُ هَاجِرٍ الْخُزاَعِيّ. وَقَوْلُهُ:
«بِإِجْرِيّا أَوَائِلُهُ» عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسحاق.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ مَطْرُودُ بْنُ كَعْبٍ الْخُزاَعِيّ يَبْكِي
عَبْدَ الْمُطّلِبِ وبَني عَبْدِ مَنَافٍ:
يَا أَيّهَا الرّجُلُ الْمُحَوّلُ رَحْلَهُ ... هَلّا سَأَلْتَ عَنْ آلِ
عَبْدِ مَنَافِ
هَبَلَتْكَ أُمّك، لَوْ حَلَلْتَ بِدَارِهِمْ ... ضَمِنُوك مِنْ جُرْمٍ
وَمِنْ إقْرَافِ
الْخَالِطِينَ غَنِيّهُمْ بِفَقِيرِهِمْ ... حَتّى يَعُودَ فَقِيرُهُمْ
كَالْكَافِي
الْمُنْعِمِينَ إذَا النّجُومُ تَغَيّرَتْ ... وَالظّاعِنِينَ لِرِحْلَةِ
الْإِيلَافِ
والمنعمين إذَا الرّيَاحُ تَنَاوَحَتْ ... حَتّى تَغِيبَ الشّمْسُ فِي
الرّجّافِ
إمّا هَلَكْتَ أَبَا الْفِعَالِ فَمَا جَرَى ... مِنْ فَوْقِ مِثْلِك
عَقْدُ ذَاتِ نِطَافِ
إلّا أَبِيكَ أَخِي الْمَكَارِمِ وَحْدَهُ ... وَالْفَيْضِ مُطّلِبٍ أَبِي
الأضياف
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمّا هَلَكَ عَبْدُ الْمُطّلِبِ بن هاشم ولى زمزم
والسّقاية عليهما بَعْدَهُ الْعَبّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ، وَهُوَ
يَوْمئِذٍ من أحدث إخوته سنّا، فلم تزل إليه، حتى قام الإسلام وهى بيده.
فَأَقَرّهَا رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَهُ عَلَى
مَا مَضَى مِنْ وِلَايَتِهِ، فَهِيَ إلَى آلِ الْعَبّاسِ، بِوِلَايَةِ
الْعَبّاسِ إيّاهَا، إلَى اليوم.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(2/195)
|