الروض الأنف ت الوكيل

 [حرب الفجار]
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: فَلَمّا بَلَغَ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أربع عَشْرَةَ سَنَةً، أَوْ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً- فِيمَا حَدّثَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ النّحْوِيّ، عَنْ أَبِي عَمْرِو بْنِ الْعَلَاءِ- هَاجَتْ حَرْبُ الْفُجّارِ بَيْنَ قُرَيْشٍ، ومن معها مِنْ كِنَانَةَ، وَبَيْنَ قَيْسِ عَيْلَانَ.
وَكَانَ الّذِي هَاجَهَا أَنّ عُرْوَةَ الرّحّالَ بْنَ عُتْبَةَ بْنِ جعفر بن كلاب بن ربيعة ابن عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ بْنِ مُعَاوِيَةَ بْنِ بَكْرِ بن هوازن، أجار لطيمة للنعمان ابن الْمُنْذَرِ، فَقَالَ لَهُ الْبَرّاضُ بْنُ قَيْسٍ، أَحَدُ بَنِي ضَمْرَةَ بْنِ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ مَنَاةَ ابن كِنَانَةَ: أَتُجِيرُهَا عَلَى كِنَانَةَ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَعَلَى الخلق، فَخَرَجَ فِيهَا عُرْوَةُ الرّحّالُ، وَخَرَجَ الْبَرّاضُ يَطْلُبُ غفلته، حتى إذا كان بتيمن ذى طلّال بِالْعَالِيَةِ، غَفَلَ عُرْوَةُ، فَوَثَبَ عَلَيْهِ الْبَرّاضُ، فَقَتَلَهُ فِي الشّهْرِ الْحَرَامِ، فَلِذَلِكَ سُمّيَ: الْفُجّارَ. وَقَالَ الْبَرّاضُ فِي ذَلِكَ:
وَدَاهِيَةٍ تُهِمّ النّاسَ قَبْلِي ... شَدَدْتُ لَهَا- بَنِي بَكْرٍ- ضُلُوعِي
هَدَمْت بِهَا بُيُوتَ بَنِي كِلَابٍ ... وَأَرْضَعْتُ الْمَوَالِيَ بِالضّرُوعِ
رَفَعْتُ له بذى طلّال كفّى ... فخرّ يميد كالجذع الصّريع
وقال لبيد بْنِ مَالِكِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ كِلَابٍ:
أَبْلِغْ- إنْ عَرَضْت- بَنِي كِلَابٍ ... وَعَامِرَ وَالْخُطُوبُ لَهَا مَوَالِي
وَبَلّغْ إنْ عَرَضْت بَنِي نُمَيْرٍ ... وَأَخْوَالَ الْقَتِيلِ بَنِي هِلَالِ
بِأَنّ الْوَافِدَ الرّحّالَ أَمْسَى ... مقيما عند تيمن ذى طلال
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

(2/229)


وَهَذِهِ الْأَبْيَاتُ فِي أَبْيَاتٍ لَهُ فِيمَا ذَكَرَ ابن هشام.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: فَأَتَى آتٍ قُرَيْشًا، فَقَالَ: إنّ الْبَرّاضَ قَدْ قَتَلَ عُرْوَةَ، وَهُمْ فِي الشّهْرِ الْحَرَامِ بِعُكَاظَ، فَارْتَحَلُوا، وَهَوَازِنُ لَا تَشْعُرُ، ثُمّ بَلَغَهُمْ الْخَبَرُ فَأَتْبَعُوهُمْ، فَأَدْرَكُوهُمْ قَبْل أَنْ يَدْخُلُوا الْحَرَمَ، فَاقْتَتَلُوا حَتّى جَاءَ اللّيْلُ، وَدَخَلُوا الْحَرَمَ، فَأَمْسَكَتْ عَنْهُمْ هَوَازِنُ، ثُمّ الْتَقَوْا بَعْدَ هَذَا الْيَوْمِ أَيّامًا، وَالْقَوْمُ مُتَسَانَدُونَ، عَلَى كُلّ قَبِيلٍ مِنْ قُرَيْشٍ وَكِنَانَةَ رَئِيسٌ مِنْهُمْ، وَعَلَى كُلّ قَبِيلٍ مِنْ قَيْسٍ رَئِيسٌ مِنْهُمْ.
وَشَهِدَ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بعض أَيّامِهِمْ، أَخْرَجَهُ أَعْمَامُهُ مَعَهُمْ، وَقَالَ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كُنْت أَنْبُلُ عَلَى أعمامى، أى: أردّ عنهم، نَبْلَ عَدُوّهِمْ، إذَا رَمَوْهُمْ بِهَا.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: هَاجَتْ حَرْبُ الْفُجّارِ، وَرَسُولُ اللهِ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- ابْنُ عِشْرِينَ سَنَةً، وَإِنّمَا سُمّيَ يَوْمَ الْفُجّارِ، بِمَا اسْتَحَلّ هَذَانِ الْحَيّانِ: كنانة وقيس عيلان فيه المحارم بينهم.
وَكَانَ قَائِدُ قُرَيْشٍ وَكِنَانَةَ حَرْبُ بْنُ أُمّيّةَ بن عبد شمس، وكان الظّفر فى أوّل النهار لقيس على كنانة، حتى إذا كَانَ فِي وَسَطِ النّهَارِ كَانَ الظّفَرُ لِكِنَانَةِ عَلَى قِيسٍ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَحَدِيثُ الْفُجّارِ أطول مما ذكرت، وإنما منعني من استقصائه قَطْعُهُ حَدِيثَ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

(2/230)