الروض
الأنف ت الوكيل [قصة بحيرى]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمّ إنّ أَبَا طَالِبٍ خَرَجَ فِي رَكْبٍ تَاجِرًا
إلَى الشّامِ، فَلَمّا تَهَيّأَ لِلرّحِيلِ، وَأَجْمَعَ الْمَسِيرَ صَبّ به
رسول الله صلى الله عليه وسلم- فيما يزعمون- فرقّ له، وَقَالَ: وَاَللهِ
لَأَخْرُجَنّ بِهِ مَعِي، وَلَا يُفَارِقُنِي، وَلَا أُفَارِقُهُ أَبَدًا،
أَوْ كَمَا قَالَ. فَخَرَجَ بِهِ مَعَهُ، فَلَمّا نَزَلَ الرّكْبُ بُصْرَى
مِنْ أرض الشام، وبها راهب يُقَالُ لَهُ: بَحِيرَى فِي صَوْمَعَةٍ لَهُ،
وَكَانَ إلَيْهِ عِلْمُ أَهْلِ النّصْرَانِيّةِ، وَلَمْ يَزَلْ فِي تِلْكَ
الصّوْمَعَةِ مُنْذُ قَطّ رَاهِبٌ، إلَيْهِ يَصِيرُ علمهم عن كتاب فيها-
فيما يزعمون
ـــــــــــــــــــــــــــــ
رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- فَأَدْمَتْهُ، وَذَلِك فِي الْحَجّ، فَقَالَ:
أُشْعِرَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ.
وَاَللهِ لَا يَحُجّ بَعْدَ هَذَا الْعَامِ، فَكَانَ كَذَلِكَ «1»
وَاللهَبُ: شَقّ فِي الْجَبَلِ «2» [وَالْجَمْعُ: أَلْهَابٌ وَلُهُوبٌ] .
وَبَنُو ثُمَالَةَ رَهْطُ الْمُبَرّدِ الثّمَالِيّ: هُمْ بَنُو أَسْلَمَ
بْنِ أحجن ابن كَعْب. وَثُمَالَةُ: أُمّهُمْ. وَكَانَتْ الْعِيَافَةُ
وَالزّجْرُ فِي لَهَبٍ قَالَ الشّاعِرُ «3» :
سَأَلْت أَخَا لَهَبٍ لِيَزْجُرَ زَجْرَةً ... وَقَدْ رُدّ زَجْرُ
الْعَالَمِينَ إلَى لَهَبٍ
وَقَوْلُهُ: لِيَعْتَافَ لَهُمْ: وَهُوَ يَفْتَعِلُ مِنْ الْعَيْفِ.
يُقَالُ: عِفْت الطّيْرَ.
وَاعْتَفْتُهَا عِيَافَةً وَاعْتِيَافًا: وَعِفْت الطّعَامَ أَعَافُهُ
عَيْفًا. وَعَافَتْ الطّيْرُ الْمَاءَ عِيَافًا.
__________
(1) هذا خرف أسطورى. فالله وحده هو عالم الغيب.
(2) عند ابن دريد فى الاشتقاق، واللهب: الشعب الضيق فى أعلى الجبل والجمع
ألهاب ولهوب.
(3) هو كثير عزة، والبيت فى نهاية الأرب هكذا:
تيممت لهبا أبتغى العلم عندها ... وقد رد علم الطائفين إلى لهب
(2/216)
يَتَوَارَثُونَهُ كَابِرًا عَنْ كَابِرٍ.
فَلَمّا نَزَلُوا ذَلِكَ الْعَامَ بِبَحِيرَى، وَكَانُوا كَثِيرًا مَا
يَمُرّونَ بِهِ قَبْلَ ذَلِكَ، فَلَا يُكَلّمُهُمْ، وَلَا يَعْرِضُ لَهُمْ،
حَتّى كَانَ ذَلِكَ الْعَامُ. فَلَمّا نَزَلُوا بِهِ قَرِيبًا مِنْ
صَوْمَعَتِهِ صَنَعَ لَهُمْ طَعَامًا كَثِيرًا، وَذَلِكَ- فِيمَا
يَزْعُمُونَ- عَنْ شَيْءٍ رَآهُ وَهُوَ فِي صَوْمَعَتِهِ، يَزْعُمُونَ
أَنّهُ رَأَى رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ
فِي صَوْمَعَتِهِ، يَزْعُمُونَ أَنّهُ رَأَى رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ فِي صَوْمَعَتِهِ فِي الرّكْبِ حَيْن
أَقْبَلُوا، وَغَمَامَةٌ تُظِلّهُ مِنْ بَيْنِ الْقَوْمِ. قَالَ: ثُمّ
أَقْبَلُوا فَنَزَلُوا فِي ظِلّ شَجَرَةٍ قَرِيبًا مِنْهُ، فَنَظَرَ إلَى
الْغَمَامَةِ حَيْنَ أَظَلّتْ الشّجَرَةُ، وَتَهَصّرَتْ أَغْصَانُ
الشّجَرَةِ عَلَى رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَتّى
اسْتَظَلّ تَحْتَهَا، فَلَمّا رَأَى ذَلِكَ بَحِيرَى نَزَلَ مِنْ
صَوْمَعَتِهِ وقد أمر بذلك الطعام فصنع، ثُمّ أَرْسَلَ إلَيْهِمْ، فَقَالَ:
إنّي قَدْ صَنَعْتُ لَكُمْ طَعَامًا يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، فَأَنَا أُحِبّ
أن تحضروا كلّكم، وصغيركم وَكَبِيرُكُمْ، وَعَبْدُكُمْ وَحُرّكُمْ، فَقَالَ
لَهُ رَجُلٌ مِنْهُمْ: وَاَللهِ يَا بَحِيرَى إنّ لَك لَشَأْنًا الْيَوْمَ!
ما كنت تصنع هذا بنا، وقد كنّا نمرّبك كَثِيرًا، فَمَا شَأْنُك الْيَوْمَ؟!
قَالَ لَهُ بَحِيرَى: صَدَقْتَ، قَدْ كَانَ مَا تَقُولُ، وَلَكِنّكُمْ
ضَيْفٌ، وَقَدْ أَحْبَبْتُ أَنْ أُكْرِمَكُمْ، وَأَصْنَعَ لَكُمْ طَعَامًا،
فَتَأْكُلُوا مِنْهُ كُلّكُمْ. فَاجْتَمِعُوا إلَيْهِ، وَتَخَلّفَ رَسُولُ
اللهِ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- مِنْ بَيْنِ الْقَوْمِ، لِحَدَاثَةِ
سِنّهِ، فِي رِحَالِ الْقَوْمِ تَحْتَ الشّجَرَةِ، فَلَمّا نَظَرَ بَحِيرَى
فِي الْقَوْمِ لَمْ يَرَ الصّفَةَ الّتِي يَعْرِفُ وَيَجِدُ عِنْدَهُ،
فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ: لَا يَتَخَلّفَنّ أَحَدٌ مِنْكُمْ عَنْ
طَعَامِي، قَالُوا لَهُ:
يَا بَحِيرَى، مَا تَخَلّفَ عَنْك أَحَدٌ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَأْتِيَكَ
إلّا غُلَامٌ، وَهُوَ أَحْدَثُ الْقَوْمِ سِنّا، فَتَخَلّفَ فِي
رِحَالِهِمْ، فَقَالَ: لَا تَفْعَلُوا، اُدْعُوهُ، فَلِيَحْضُرْ هَذَا
الطّعَامَ مَعَكُمْ قَالَ: فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ قريش مع القوم: واللّات
وَالْعُزّى، إنْ كَانَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(2/217)
لَلُؤْمٌ بِنَا أَنْ يَتَخَلّفَ ابْنُ
عَبْدِ اللهِ بن عبد المطّلب عن طعام من بيننا، ثم قام إليه فاحتضنه،
وأجلسه مع القوم. فلما رَآهُ بَحِيرَى، جَعَلَ يَلْحَظُهُ لَحْظًا
شَدِيدًا، وَيَنْظُرُ إلى أشياء من جسده، وقد كَانَ يَجِدُهَا عِنْدَهُ
مِنْ صِفَتِهِ، حَتّى إذَا فَرَغَ الْقَوْمُ مِنْ طَعَامِهِمْ
وَتَفَرّقُوا، قَامَ إلَيْهِ بحيرى، فقال: يا غلام، أسألك بحقّ اللّات
وَالْعُزّى إلّا مَا أَخْبَرْتَنِي عَمّا أَسْأَلُكَ عَنْهُ، وَإِنّمَا
قَالَ لَهُ بَحِيرَى ذَلِكَ؛ لِأَنّهُ سَمِعَ قَوْمَهُ يَحْلِفُونَ
بِهِمَا، فَزَعَمُوا أَنّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال: لا تسألنى
باللات والعزّى شيئا، فو الله مَا أَبْغَضْتُ شَيْئًا قَطّ بُغْضَهُمَا،
فَقَالَ لَهُ بَحِيرَى: فَبِاَللهِ إلّا مَا أَخْبَرْتَنِي عَمّا أَسْأَلُك
عنه، فقال له:
سلنى عمّا بد الك. فجعل يسأله عن أشياء من حاله من نَوْمِهِ وَهَيْئَتِهِ
وَأُمُورِهِ، فَجَعَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يُخْبِرُهُ، فَيُوَافِقُ ذَلِكَ مَا عِنْدَ بَحِيرَى مِنْ صِفَتِهِ، ثُمّ
نَظَرَ إلَى ظَهْرِهِ، فَرَأَى خَاتَمَ النّبُوّةِ بَيْنَ كَتِفَيْهِ عَلَى
مَوْضِعِهِ مِنْ صِفَتِهِ الّتِي عِنْدَهُ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَكَانَ مِثْلَ أَثَرِ الْمِحْجَمِ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمّا فَرَغَ، أَقْبَلَ عَلَى عَمّهِ أَبِي
طَالِبٍ، فَقَالَ لَهُ: مَا هَذَا الْغُلَامُ مِنْك؟ قَالَ: ابْنِي. قَالَ
لَهُ بَحِيرَى: مَا هُوَ بِابْنِك، وَمَا يَنْبَغِي لِهَذَا الْغُلَامِ
أَنْ يَكُونَ أَبُوهُ حَيّا، قَالَ: فَإِنّهُ ابْنُ أَخِي، قَالَ: فَمَا
فَعَلَ أَبُوهُ؟ قَالَ: مَاتَ وَأُمّهُ حُبْلَى بِهِ، قَالَ: صَدَقْت،
فَارْجِعْ بِابْنِ أَخِيك إلَى بلده، واحذر عليه يهود، فو الله لَئِنْ
رَأَوْهُ، وَعَرَفُوا مِنْهُ مَا عَرَفْتُ لَيَبْغُنّهُ شَرّا، فَإِنّهُ
كَائِنٌ لَابْنِ أَخِيك هَذَا شَأْنٌ عظيم، فأسرع به إلى بلاده.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(2/218)
فخرج به عمّه أبو طالب سَرِيعًا، حَتّى
أَقْدَمَهُ مَكّةَ حَيْنَ فَرَغَ مِنْ تِجَارَتِهِ بِالشّامِ فَزَعَمُوا
فِيمَا رَوَى النّاسُ: أَنّ زُرَيْرًا وَتَمّامًا وَدَرِيسًا- وَهُمْ
نَفَرٌ مِنْ أَهْلِ الكتاب- قد كانوا رأوا مِنْ رَسُولِ اللهِ- صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِثْلَ مَا رَآهُ بَحِيرَى فِي ذَلِكَ
السّفَرِ الّذِي كَانَ فِيهِ مَعَ عَمّهِ أَبِي طَالِبٍ، فَأَرَادُوهُ،
فَرَدّهُمْ عَنْهُ بَحِيرَى، وَذَكّرَهُمْ اللهَ وَمَا يَجِدُونَ فِي
الْكِتَابِ مِنْ ذِكْرِهِ وَصِفَتِهِ، وَأَنّهُمْ إنْ أَجْمَعُوا لِمَا
أَرَادُوا بِهِ لَمْ يَخْلُصُوا إلَيْهِ، وَلَمْ يَزَلْ بِهِمْ، حَتّى
عَرَفُوا مَا قَالَ لَهُمْ، وَصَدّقُوهُ بِمَا قَالَ، فَتَرَكُوهُ
وَانْصَرَفُوا عَنْهُ. فَشَبّ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- وَاَللهِ تَعَالَى يَكْلَؤُهُ، وَيَحْفَظُهُ وَيَحُوطُهُ مِنْ
أَقْذَارِ الْجَاهِلِيّةِ، لِمَا يُرِيدُ بِهِ مِنْ كَرَامَتِهِ ورسالته،
حتى بلغ أن كان رجلا أفضل قَوْمِهِ مُرُوءَةً، وَأَحْسَنَهُمْ خُلُقًا،
وَأَكْرَمَهُمْ حَسَبًا، وَأَحْسَنَهُمْ جِوَارًا، وَأَعْظَمَهُمْ حِلْمًا،
وَأَصْدَقَهُمْ حَدِيثًا، وَأَعْظَمَهُمْ أَمَانَةً، وَأَبْعَدَهُمْ مِنْ
الْفُحْشِ وَالْأَخْلَاقِ الّتِي تُدَنّسُ الرّجَالَ، تَنَزّهًا
وَتَكَرّمًا، حَتّى مَا اسْمُهُ فِي قَوْمِهِ إلّا الْأَمِينُ، لِمَا
جَمَعَ اللهُ فِيهِ مِنْ الأمور الصالحة.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم- فِيمَا ذُكِرَ لِي- يُحَدّثُ عَمّا
كَانَ اللهُ يَحْفَظُهُ بِهِ فِي صِغَرِهِ وَأَمْرِ جَاهِلِيّتِهِ، أَنّهُ
قَالَ:
لَقَدْ رَأَيْتنِي فِي غِلْمَانِ قُرَيْشٍ نَنْقُلُ حِجَارَةً لِبَعْضِ مَا
يَلْعَبُ بِهِ الْغِلْمَانُ، كُلّنَا قَدْ تَعَرّى، وَأَخَذَ إزَارَهُ،
فَجَعَلَهُ عَلَى رَقَبَتِهِ، يَحْمِلُ عَلَيْهِ الْحِجَارَةَ، فَإِنّي
لَأُقْبِلُ مَعَهُمْ كَذَلِكَ وأدبر، إذ لكمنى لا كم مَا أَرَاهُ، لَكْمَةً
وَجِيعَةً، ثُمّ قَالَ:
شُدّ عَلَيْك إزَارَك. قَالَ: فَأَخَذْتُهُ وَشَدَدْتُهُ عَلَيّ، ثُمّ
جَعَلْت أَحْمِلُ الْحِجَارَةَ عَلَى رَقَبَتِي وَإِزَارِي عَلَيّ من بين
أصحابى.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(2/219)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قِصّةُ بَحِيرَى:
فَصْلٌ: فِي قِصّةِ بَحِيرَى وَسَفَرِ أَبِي طَالِبٍ بِالنّبِيّ- صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقَعَ فِي سِيَرِ الزّهْرِيّ أَنّ بَحِيرَى
كَانَ حبرا من يهود تيسماء «1» ، وَفِي الْمَسْعُودِيّ: أَنّهُ كَانَ مِنْ
عَبْدِ الْقَيْسِ، وَاسْمُهُ: سَرْجِسُ، وَفِي الْمَعَارِفِ لَابْنِ
قُتَيْبَةَ، قَالَ: سُمِعَ قَبْلَ الْإِسْلَامِ بِقَلِيلِ هَاتِفٌ
يَهْتِفُ: أَلَا إنّ خَيْرَ أَهْلِ الْأَرْضِ ثَلَاثَةٌ: بَحِيرَى،
وَرِبَابُ بْنُ الْبَرَاءِ الشّنّيّ «2» وَالثّالِثُ: الْمُنْتَظَرُ،
فَكَانَ الثّالِثُ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال الْقُتَبِيّ:
وَكَانَ قَبْرُ رِبَابٍ الشّنّيّ، وَقَبْرُ وَلَدِهِ مِنْ بَعْدِهِ، لَا
يَزَالُ يُرَى عَلَيْهَا طَشّ، وَالطّشّ: الْمَطَرُ الضّعِيفُ «3» .
وَقَالَ فِيهِ: فَصَبّ «4» رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- بِعَمّهِ. الصّبَابَةُ:
رقّة الشوق، يقال: صببت- بكسر الماء- أَصَبّ، وَيُذْكَرُ عَنْ بَعْضِ
السّلَفِ أَنّهُ قَرَأَ: أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجاهِلِينَ
يوسف: 33
__________
(1) بليد فى أطراف الشام، بينها وبين وادى القرى على طريق حاج دمشق.
(2) هو فى المعارف: أرباب بن رئاب من عبد القيس.
(3) نص قول ابن قتيبة فى المعارف: «كان لا يموت أحد من ولد أرباب فيدفن إلا
رأوا طشا على قبره» ونص كلامه عن الرسول- كما زعموا- صلى الله عليه وسلم-
«وآخر لم يأت بعد. النبى (ص) » ص 30 تحت باب: من كان على دين قبل مبعث
النبى «ص» وهو خبر مصنوع ولا شك
(4) وفى رواية- كما جاء فى الطبرى وشرح الخشنى- ضبّ، وفسرها الأخير بقوله:
تعلق به وامتسك.
(2/220)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَفِي غَيْرِ رِوَايَةِ أَبِي بَحْرٍ: ضَبَثَ بِهِ رسول الله- صلى الله
عليه وسلم- أي:
لَزِمَهُ قَالَ الشّاعِرُ:
كَأَنّ فُؤَادِي فِي يَدٍ ضَبَثَتْ بِهِ ... مُحَاذِرَةً أَنْ يَقْضِبَ
الْحَبْلَ قَاضِبُهُ
فَكَانَ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذْ ذَاكَ
ابْنَ تِسْعِ سِنِينَ فِيمَا ذَكَرَ بَعْضُ مَنْ أَلّفَ فِي السّيَرِ،
وَقَالَ الطّبَرِيّ: ابْنَ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً «1» .
مِنْ صِفَاتِ خَتْمِ النّبُوّةِ:
وَذُكِرَ فِيهِ خَاتَمُ النّبُوّةِ وَقَوْلُ ابْنِ هِشَامٍ: كَانَ كَأَثَرِ
الْمِحْجَمِ يَعْنِي: أَثَرَ الْمِحْجَمَةِ الْقَابِضَةِ عَلَى اللّحْمِ،
حَتّى يَكُونَ نَاتِئًا. وَفِي الْخَبَرِ أَنّهُ كَانَ حَوْلَهُ حِيلَانٌ
فِيهَا شَعَرَاتٌ سُودٌ. وَفِي صِفَتِهِ أَيْضًا أَنّهُ كَانَ
كَالتّفّاحَةِ، وَكَزِرّ الْحَجَلَةِ وَفَسّرَهُ التّرْمِذِيّ تَفْسِيرًا
وَهِمَ فِيهِ فَقَالَ: زِرّ الْحَجَلَةِ يُقَالُ: إنّهُ بُيّضَ لَهُ
فَتَوَهّمَ الْحَجَلَةَ مِنْ الْقَبَجِ»
وَإِنّمَا هِيَ حَجَلَةُ السّرِيرِ، وَاحِدَةُ: الْحِجَالِ، وَزِرّهَا
الّذِي يَدْخُلُ فِي عُرْوَتِهَا- قَالَ عَلِيّ- رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِ-
لِأَهْلِ العراق: يا أشباه الرجال:
__________
(1) فى الطبرى: وهو ابن تسع سنين، وقيل، ثلاث عشرة. حكاه أبو عمر وقال ابن
الجوزى، اثنتا عشرة سنة وشهران وعشرة أيام. وفى سيرة مغلطاى: وشهر
(2) هو الحجل، وفى اللسان أنه الكروان، وأنه معرب، وهو بالفارسية. كبج
معرب؛ لأن القاف والجيم لا يجتمعان فى كلمة واحدة من كلام العرب، وقد ضبط
البخارى الحجل بضم الحاء، وقال: إنه من حجل الفرس «بضم الحاء وسكون الجيم»
الذى بين عينيه، وهو بعيد لأن الذى بين العينين اسمه الغرة لا الحجل،
والتحجيل فى القوائم.
(2/221)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَلَا رِجَالُ، وَيَا طَغَامَ الْأَحْلَامِ. وَيَا عُقُولَ رَبّاتِ
الْحِجَالِ «1» . وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ: كَانَ كَبَيْضَةِ الْحَمَامَةِ،
وَفِي حَدِيثِ عَيّاذِ «2» بْنِ عَبْدِ عَمْرٍو، قَالَ: رَأَيْت خَاتَمَ
النّبُوّةِ، وَكَانَ كَرُكْبَةِ الْعَنْزِ. ذَكَرَهُ النّمِرِيّ مُسْنَدًا
فِي كِتَابِ الِاسْتِيعَابِ، فَهَذِهِ خمس
__________
(1) من خطبة منسوبة إلى على بن أبى طالب، وقد رواها المبرد فى أول الكامل
وهى فى كتاب نهج البلاغة الذى جمع فيه الشريف الرضى خطبا رائعة، ونسبها إلى
على. وفى رأى كثير أنها للشريف نفسه، وفى المبرد كما هنا. ومعنى طغام: من
لا معرفة عنده- كما ذكر المبرد- أو أوغاد الناس. ورذال الطير، مفردها:
طغامة وفى نهج البلاغة «وحلوم الأطفال وعقول ربات الحجال» برفع حلوم وعقول.
وربات الحجال: النساء. وبداية الخطبة كما فى النهج: «أما بعد، فإن الجهاد
باب من أبواب الجنة، فتحه الله لخاصة أوليائه، وهو لباس التقوى، ودرع الله
الحصينة الخ» انظر ص 74 وما بعدها نهج البلاغة ط الرحمانية، وص 164 ج 1 شرح
نهج البلاغة لابن أبى الحديد ط 3 دار الفكر لبنان.
(2) أما عياذ فترجمته فى الإصابة عياذ بن عمرو، أو ابن عبد عمرو الأزدى أو
السلمى أو عباد بدلا من عياذ، وكان- كما جاء فى بعض الروايات- يخدم النبى
«ص» فخاطبه يهودى، فسقط رداؤه عن منكبيه- وكان النبى صلى الله عليه وسلم-
يكره أن يرى الخاتم. يقول عياد. فسويته عليه، فقال: من فعل هذا؟ فقلت، أنا.
قال: تحول إلى، فجلست بين يديه، فوضع يده على رأسى، فأمرها على وجهى وصدرى،
وكان الخاتم على طرف كتفه الأيسر، كأنه رقبة عنز وهذه رواية ابن منده
والطبرانى، ومن تبعهما وسنده ضعيف، وللخطيب من هذا الوجه، وفيه أن الخاتم
مثل ركبة الغنز، وفى سنده من لا يعرف «الإصابة باختصار» هذا وقد سبق الحديث
عن الخاتم. ويقول ابن حجر فى الفتح ما ورد من أن الخاتم كان كأثر المحجم،
أو الشامة السوداء، أو الخضراء- كما فى تاريخ ابن أبى خيثمة- المكتوب
عليها: محمد رسول الله- كما فى تاريخ الحاكم وغيره، أو سر فإنك المنصور، لم
يثبت منها شىء، ولا يغتر بشىء مما وقع فى صحيح ابن حبان، فإنه غفل حيث صحح
ذلك.
(2/222)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
رِوَايَاتٍ فِي صِفَةِ الْخَاتَمِ: كَالتّفّاحَةِ وَكَبَيْضَةِ
الْحَمَامَةِ، وَكَزِرّ الْحَجَلَةِ، وَكَأَثَرِ الْمِحْجَمِ وَكَرُكْبَةِ
الْعَنْزِ وَرِوَايَةٌ سَادِسَةٌ: وَهِيَ رِوَايَةُ عَبْدِ اللهِ بْنِ
سَرْجِسَ: قَالَ: رَأَيْت خَاتَمَ النّبُوّةِ كَالْجُمْعِ يَعْنِي:
كَالْمِحْجَمَةِ، [وهى الْآلَةِ الّتِي يَجْتَمِعُ بِهَا دَمُ الْحِجَامَةِ
عِنْدَ الْمَصّ] لَا كَجُمْعِ الْكَفّ، وَمَعْنَاهُ كَمَعْنَى الْأَوّلِ
أَيْ كَأَثَرِ الْجُمْعِ. وَقَدْ قِيلَ فِي الْجُمْعِ: إنّهُ جُمْعُ
الْكَفّ: قَالَهُ الْقُتَبِيّ «1» : وَاَللهُ أَعْلَمُ.
وَرِوَايَةٌ سَابِعَةٌ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ- رَضِيَ اللهُ
عَنْهُ- وَقَدْ سُئِلَ عَنْ خَاتَمِ النّبُوّةِ: فَقَالَ: بِضْعَةٌ
نَاشِزَةٌ «2» هَكَذَا: وَوَضَعَ طَرَفَ السّبّابَةِ فِي مِفْصَلِ
الْإِبْهَامِ، أَوْ دُونَ الْمِفْصَلِ، ذَكَرَهَا يُونُسُ عَنْ ابْنِ
إسْحَاقَ، وَفِي صِفَتِهِ أَيْضًا رِوَايَةٌ ثَامِنَةٌ، وَهِيَ رِوَايَةُ
مَنْ شَبّهَهُ بِالسّلْعَةِ «3» ، وَذَلِكَ لِنُتُوّهِ، وَقَدْ تَقَدّمَ
حَدِيثٌ، فِيهِ عَنْ أَبِي ذَرّ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- مَرْفُوعًا بَيَانُ
وضع الخاتم بين كتفيه
__________
(1) يقول الزرقانى فى شرح المواهب عن تفسير السهيلى. «وهو تكلف والمتبادر
فى تفسير ابن قتيبة، وقد تبعه عليه عياض، والنووى والمصنف وغيرهم» ص 157 ج
1 وجمع بضم الجيم. وحكى ابن الجوزى وابن دحية كسرها، وجزم به فى المفهم.
والجمع صورة الكف بعد أن تجمع الأصابع وتضمها وحديث ابن سرجس فى مسلم ومسند
أحمد.
(2) حديث الخدرى رواه الترمذى فى الشمائل.
(3) حديث السلعة رواه البيهقى، وبضعة ناشزة: قطعة لحم مرتفعة، وتروى بضعة
بفتح الباء، وضمها وكسرها «انظر المواهب ص 155 ج 1» ولأحمد عن الخدرى: لحم
ناشز بين كتفيه، وللبيهقى، والبخارى فى التاريخ عنه: لحمة ناتئة وأحمد وابن
سعد من طرق عن أبى رمثة، والسلعة: زيادة تحدث فى البدن كالغدة تتحرك إذا
حركت، وقد تكون من حمصة إلى بطيخة.
(2/223)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
مَتَى كَانَ، وَرَوَى التّرْمِذِيّ «1» فِي مُصَنّفِهِ، قَالَ: حَدّثَنَا
الْفَضْلُ بْنُ سَهْلٍ أَبُو الْعَبّاسِ الْأَعْرَجُ الْبَغْدَادِيّ،
حَدّثَنَا عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ غَزْوَانَ أَبُو نُوحٍ، أَخْبَرَنَا
يُونُسُ، عَنْ أَبِي إسْحَاقَ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي مُوسَى، عَنْ
أَبِيهِ قَالَ: خَرَجَ أَبُو طَالِبٍ إلَى الشّامِ، وَخَرَجَ مَعَهُ
النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي أَشْيَاخٍ مِنْ
قُرَيْشٍ، فَلَمّا أَشْرَفُوا عَلَى الرّاهِبِ هَبَطُوا، فَحَلّوا
رِحَالَهُمْ: فَخَرَجَ إلَيْهِمْ الرّاهِبُ، وَكَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ
يَمُرّونَ بِهِ، فَلَا يَخْرُجُ إلَيْهِمْ، وَلَا يَلْتَفِتُ: فَجَعَلَ
يَتَخَلّلُهُمْ الرّاهِبُ:
وَهُمْ يَحِلّونَ رِحَالَهُمْ: حَتّى جَاءَ فَأَخَذَ بِيَدِ رَسُولِ اللهِ-
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقَالَ: هَذَا سَيّدُ الْعَالَمِينَ،
هَذَا رَسُولُ رَبّ الْعَالَمِينَ، يَبْعَثُهُ اللهُ رَحْمَةً
لِلْعَالَمِينَ.
فَقَالَ لَهُ أَشْيَاخٌ مِنْ قُرَيْشٍ: مَا عِلْمُك؟. فَقَالَ: إنّكُمْ
حِينَ أَشْرَفْتُمْ مِنْ الْعَقَبَةِ لَمْ يَبْقَ حَجَرٌ، وَلَا شَجَرٌ
إلّا خَرّ سَاجِدًا: وَلَا يَسْجُدَانِ إلّا لِنَبِيّ، وَإِنّي أَعْرِفُهُ
بِخَاتَمِ النّبُوّةِ أَسْفَلَ مِنْ غُضْرُوفِ كَتِفِهِ. وَيُقَالُ:
غُرْضُوفٌ مِثْلُ التّفّاحَةِ. ثُمّ رَجَعَ:
فَصَنَعَ لَهُمْ طَعَامًا، فَلَمّا أَتَاهُمْ بِهِ- وَكَانَ هُوَ فِي
رَعِيّةِ الْإِبِلِ- قَالَ: أَرْسِلُوا إلَيْهِ.
فَأَقْبَلَ وَعَلَيْهِ غَمَامَةٌ تُظِلّهُ، فَلَمّا دَنَا مِنْ الْقَوْمِ
وَجَدَهُمْ قَدْ سَبَقُوهُ إلَى فَيْءِ الشّجَرَةِ، فَلَمّا جَلَسَ مَالَ
فَيْءُ الشّجَرَةِ عَلَيْهِ، فَقَالَ: اُنْظُرُوا إلَى فَيْءِ الشّجَرَةِ
مَالَ عَلَيْهِ، قَالَ: فَبَيْنَمَا هُوَ قَائِمٌ عَلَيْهِمْ، وَهُوَ
يُنَاشِدُهُمْ أَلّا يَذْهَبُوا بِهِ إلَى الرّومِ، فَإِنّ الرّومَ إنْ
رَأَوْهُ عَرَفُوهُ بِالصّفَةِ، فَيَقْتُلُونَهُ، فَالْتَفَتَ فَإِذَا
سَبْعَةٌ قَدْ أَقْبَلُوا مِنْ الرّومِ، فَاسْتَقْبَلَهُمْ، فَقَالَ: مَا
جَاءَ بِكُمْ فَقَالُوا: جِئْنَا أَنّ هَذَا النّبِيّ خَارِجٌ فى هذا
الشهر،
__________
(1) ورواه أيضا الحاكم وصححه والبيهقى فى الدلائل وأبو نعيم والخرائطى وابن
أبى عساكر، وابن أبى شيبة.
(2/224)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فَلَمْ يَبْقَ طَرِيقٌ إلّا بُعِثَ إلَيْهِ بِأُنَاسِ، وَإِنّا قَدْ
اخْتَرْنَا خِيرَةَ بَعْثِنَا إلَى طَرِيقِك هَذَا، فَقَالَ: هَلْ
خَلْفَكُمْ أَحَدٌ هُوَ خَيْرٌ مِنْكُمْ، فَقَالُوا: إنّمَا اخْتَرْنَا
خِيرَةً لِطَرِيقِك «1» هَذَا، قَالَ: أَفَرَأَيْتُمْ أَمْرًا أَرَادَ
اللهُ أَنْ يَقْضِيَهُ: هَلْ يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ مِنْ النّاسِ رَدّهُ؟
قَالُوا: لَا، قَالَ: فَبَايَعُوهُ «2» وَأَقَامُوا مَعَهُ. قَالَ:
أَنْشُدُكُمْ بِاَللهِ أَيّكُمْ وَلِيّهُ؟
قَالُوا: أَبُو طَالِبٍ، فَلَمْ يَزَلْ يُنَاشِدُهُ حَتّى رَدّهُ أَبُو
طَالِبٍ، وَبَعَثَ مَعَهُ أَبُو بَكْرٍ بَلَالًا- رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-
وزوّده الراهب من الكعك والزيت «3» ، قال
__________
(1) فى لفظ الحديث اضطراب وخطأ، وفى المواهب وشرحها ما يأتى: ج 1 ص 195:
«فلم يبق طريق إلا بعث إليها بأناس، وأنا مذ أخبرنا خبره بَعْثِنَا إلَى
طَرِيقِك هَذَا، فَقَالَ: هَلْ خَلْفَكُمْ أحد هو خير منكم؟ قالوا: إنما
أخبرنا خبره بطريقك هذا، وانظر الخصائص للسيوطى ح 1 ص 208 و 142 ح 1 السيرة
الحلبية.
(2) معناه: بايعوا بحيرا على ألا يأخذوا النبى «ص» ولا يؤذوه على حسب ما
أرسلوا فيه، وأقاموا مع بحيرا خوفا على أنفسهم إذا رجعوا بدونه، انظر ص 285
ح 2 البداية والمواهب، ومن أسماء بحيرا: جرجس وجرجيس. وأكرر مرة أخرى بحجة
من القرآن أن رسول الله «ص» لم يكن هو نفسه يعرف عن أمر نبوته شيئا قبل أن
ينزل عليه الوحى، والايات التى جعلت آيات له- كما ورد فى القرآن والإنجيل
والتوراة- لا تتعلق بصفات جسمية، وإنما بالحقائق النورانية من دعوته صلى
الله عليه وسلم، فهو نبى أمى اسمه: أحمد يأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر،
ويحل الطيبات، ويحرم الخبائث، ويضع الأغلال والإصر عن البشر.
(3) يقول القسطلانى والزرقانى فى المواهب وشرحه: «وضعف الذهبى الحديث- حديث
بحيرى- لقوله فى آخره: وبعث معه أبوبكر بلالا، فإن أبا بكر إذ ذاك لم يكن
متأهلا. قال ابن سيد الناس: لأنه حينئذ لم يبلغ عشر سنين، فإن المصطفى أزيد
منه بعامين، وكان له يومئذ تسعة أعوام على ما قاله الطبرى وغيره، أو اثنا
عشر عاما على ما قاله آخرون، ولا اشترى
(2/225)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ، لَا نَعْرِفُهُ إلّا مِنْ
هَذَا الْوَجْهِ. وَمِمّا قَالَهُ أبو طالب فى هذه القصة:
__________
بلالا. قال اليعمرى: لأنه لم ينتقل لأبى بكر إلا بعد ذلك بأزيد من ثلاثين
عاما، فإنه كان لبنى خلف الجمحيين. وعندما عذب فى الله اشتراه أبوبكر رحمة
له، واستنقاذا له من أيديهم. ولفظ الذهبى فى الميزان فى ترجمة عبد الرحمن
ابن غزوان: كان يحفظ وله مناكير، وأنكر ماله: حديث عن يونس بن أبى إسحاق عن
أبى بكر بن أبى موسى عن أبى موسى فى سفر النبى «ص» وهو مراهق مع أبى طالب
إلى الشام. ومما يدل على أنه باطل قوله: وبعث معه أبوبكر بلالا، وبلال لم
يكن خلق، وأبوبكر كان صبيا، وقال فى تلخيص المستدرك بعد ما ذكر تصحيح
الحاكم للحديث: قلت: أظنه موضوعا؛ فبعضه باطل» ويقول عنه عباس الدورى: ليس
فى الدنيا أحد يحدث به- أى بهذا الحديث- غير قراد أبى نوح- أى عبد الرحمن
بن غزوان- وقد سمعه منه أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين لغرابته وانفراده. وفى
رواية الترمذى لم يذكر اسم الراهب، وهو تارة يهودى، وتارة نصرانى، وتارة
بحيرى، وأخرى سرجس وغيره!! هذا وبصرى التى فى القصة بلد بالشام، وهى قصبة
كورة حوران. ولا ريب فى أن قصة بحيرى مخترعة وإفك صراح، وقد استغلها عدو
الإسلام، فزعموا أنه- صلى الله عليه وسلم- اقتبس دينه مما تعلمه من رهبان
النصارى وأحبار اليهود، وقد تردى فى هذه المهلكة مؤرخ ينتسب إلى الإسلام،
فزعم أن رحلتى الرسول إلى الشام كان لهما أثر هما فيما صدر عنه من تشريع.
وأقول: لو أنها حدثت لتواتر خبرها، ولأجّ فى مكة وما حولها من القرى، ولبدا
من رسول الله العلم بما جاءه ليلة الوحى الأولى، وكيف، وهو كما أكد القرآن-
لم يكن يعرف حتى الإيمان قبل الوحى!!. هذا وفى رواياته متناقضات، فبحيرى من
يهود تيماء، كما جاء فى بعض السنن للزهرى، وفى مروج الذهب وغيره أنه كان
نصرانيا من عبد القيس. والرحلة كانت مع أبى طالب، والرحلة مع أبى بكر،
والرحلة وهو فى سن التاسعة
(2/226)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أَلَمْ تَرَنِي مِنْ بَعْدِ هَمّ هَمَمْته ... بِفُرْقَةِ حُرّ
الْوَالِدَيْنِ كِرَامِ
بِأَحْمَدَ لَمّا أَنْ شَدَدْت مَطِيّتِي ... لِتَرْحَلَ إذْ وَدّعْته
بِسَلَامِ
بَكَى حُزْنًا وَالْعِيسُ قَدْ فَصَلَتْ بِنَا ... وَأَمْسَكْت
بِالْكَفّيْنِ فَضْلَ زِمَامِ
ذَكَرْت أَبَاهُ، ثُمّ رَقْرَقَتْ عَبْرَةٌ ... تَجُودُ مِنْ الْعَيْنَيْنِ
ذَاتُ سِجَامِ
فَقُلْت: تَرُوحُ رَاشِدًا فِي عُمُومَةٍ ... مُوَاسِينَ فِي الْبَأْسَاءِ
غَيْرِ لِئَامِ
فَرُحْنَا مَعَ الْعِيرِ الّتِي رَاحَ أَهْلُهَا ... شَآمِيّ الهوى، والأصل
غير شامى
__________
أو الثانية عشرة أو الثامنة عشرة. وأبوبكر هو الذى يتوجه إلى الراهب فى
رواية، وبحيرا هو الذى ينزل فى رواية، والراهب مجهول الاسم فى رواية،
والراهب سرجس، أو جرجس، أو جرجيس فى رواية!! والراهب يحذر أبا طالب من
الروم، والراهب يحذر أبا طالب من اليهود فى رواية، وعدد الروم سبعة، وعددهم
تسعة فى رواية. هذا والكاتب الهندى خدا بخش- على ما فى قوله من اتهام لابن
عباس بأنه واضع الحديث، وابن عباس برىء من إفكه- يحكم بزيف هذه القصة
فيقول: «ولكن القصة بأكملها ليست حقيقية، بل موضوعة، وهى من صنع خيال ابن
عباس!! وربما تكون قد دونت حوالى سنة 100 هـ» ثم يستعرض موقف الصليبية من
قصة هذا الراهب، فيذكر أمورا مذهلة ترينا إلى أى حد استغل أعداء الدين هذه
القصة المفتراة، فانظر كتابه (الحضارة الإسلامية ترجمة الدكتور الخربوطلى)
من ص 40. ويقول المؤرخ سيديو- رغم اعتد اله: «وكان أول سفره إلى الشام مع
عمه أبى طالب فى سنة 583 م فبلغ بصرى، فاجتمع فيها ببحيرى الذى كان اسمه
لدى النصارى جرجيس أو سرجيس، فنال حظوة عنده» ص 66 تاريخ العرب العام،
ويقول غستاف لوبون عن قصة بحيرى: (وتقول القصة: إن محمدا سافر مرة مع عمه
إلى سورية، فتعرف فى بصرى براهب نسطورى فى دير نصرانى، فتلقى منه علم
التوراة) ص 130 حضارة العرب. وذكر هذا فى مثل هذا الأسلوب الهادىء الذى
يختال بأنه سكينة من اليقين يفتح قلب من لا يعى لهذا الباطل الصريح!!
(2/227)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فَلَمّا هَبَطْنَا أَرْضَ بُصْرَى تَشَرّفُوا ... لَنَا فَوْقَ دُورٍ
يَنْظُرُونَ جِسَامِ
فَجَاءَ بَحِيرَى عِنْدَ ذَلِكَ حاشدا ... لنا بشراب طيّب وطعام
قال: اجْمَعُوا أَصْحَابَكُمْ لِطَعَامِنَا ... فَقُلْنَا: جَمَعْنَا
الْقَوْمَ غَيْرَ غلام «1»
ذَكَرَهُ ابْنُ إسْحَاقَ فِي رِوَايَةِ يُونُسَ عَنْهُ، وَذَكَرَ بَاقِيَ
الشّعْرِ.
حَفِظَهُ فِي الصّغَرِ:
فَصْلٌ: وَذَكَرَ مَا كَانَ اللهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يَحْفَظُهُ بِهِ:
أَنّهُ كَانَ صَغِيرًا يَلْعَبُ مَعَ الْغِلْمَانِ، فتعرّى فلكمه لا كم.
الْحَدِيثُ. وَهَذِهِ الْقِصّةُ إنّمَا وَرَدَتْ فِي الْحَدِيثِ الصّحِيحِ
فِي حِينِ بُنْيَانِ الْكَعْبَةِ، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَنْقُلُ الْحِجَارَةَ مَعَ قَوْمِهِ إلَيْهَا،
وَكَانُوا يَجْعَلُونَ أُزُرَهُمْ عَلَى عَوَاتِقِهِمْ لِتَقِيهِمْ
الْحِجَارَةَ، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
يَحْمِلُهَا عَلَى عَاتِقِهِ، وَإِزَارُهُ مشدود عليه، فَفَعَلَ فَسَقَطَ
مَغْشِيّا عَلَيْهِ، ثُمّ قَالَ: إزَارِي إزَارِي! فَشُدّ عَلَيْهِ
إزَارُهُ، وَقَامَ يَحْمِلُ الْحِجَارَةَ «2» ، وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ:
أَنّهُ لَمّا سَقَطَ، ضَمّهُ الْعَبّاسُ إلَى نَفْسِهِ، وَسَأَلَهُ عَنْ
شَأْنِهِ، فَأَخْبَرَهُ أَنّهُ نُودِيَ مِنْ السّمَاءِ: أَنْ اُشْدُدْ
عَلَيْك إزَارَك يَا مُحَمّدُ، قَالَ: وَإِنّهُ لَأَوّلُ مَا نُودِيَ.
وَحَدِيثُ ابْنِ إسْحَاقَ، إنْ صَحّ أَنّهُ كَانَ ذَلِكَ فِي صِغَرِهِ، إذْ
كَانَ يَلْعَبُ مَعَ الْغِلْمَانِ: فَمَحْمَلُهُ عَلَى أَنّ هَذَا
الْأَمْرَ كَانَ مَرّتَيْنِ: مَرّةً فِي حَالِ صِغَرِهِ، وَمَرّةً فى أول
اكتهاله عند بنيان الكعبة.
__________
(1) تبدو فى الشعر رائحة الوضع، فما عليه من العصر الذى قيل فيه سمة، ولهذا
لم يروه ابن هشام.
(2) الحديث فى البخارى ومسلم.
(2/228)
|