الروض
الأنف ت الوكيل [ذِكْرُ وَرَقَةَ بْنِ نَوْفَلِ بْنِ
أَسَدِ بْنِ العزى وعبيد الله ابن جَحْشٍ وَعُثْمَانَ بْنِ الْحُوَيْرِثِ
وَزَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَاجْتَمَعَتْ قُرَيْشٌ يَوْمًا فِي عِيدٍ لَهُمْ
عِنْدَ صَنَمٍ مِنْ أَصْنَامِهِمْ، كَانُوا يُعَظّمُونَهُ وَيَنْحَرُونَ
لَهُ، وَيَعْكُفُونَ عِنْدَهُ، وَيُدِيرُونَ بِهِ، وَكَانَ ذَلِكَ عِيدًا
لَهُمْ، فِي كُلّ سَنَةٍ يَوْمًا، فَخَلَصَ مِنْهُمْ أَرْبَعَةُ نَفَرٍ
نَجِيّا، ثُمّ قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: تَصَادَقُوا، وَلْيَكْتُمْ
بَعْضُكُمْ على بعض، قالوا: أجل، وهم: ورقة ابن نوفل بْنِ أَسَدِ بْنِ
عَبْدِ الْعُزّى بْنِ قُصَيّ بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤى، وَعُبَيْدِ
اللهِ بْنِ جَحْشِ بْنِ رِئَابِ بْنِ يعمر بن صبرة بن مرة بن كبير بن غنم
ابن دُودَانَ بْنِ أَسَدِ بْنِ خُزَيْمَةَ، وَكَانَتْ أُمّهُ أميمة بنت عبد
المطلب. وعثمان ابن الْحُوَيْرِثِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى بْنِ
قُصَيّ، وزيد بن عمرو بن نفيل ابن عَبْدِ الْعُزّى بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ
قُرْطِ بن رياح بن رزاح بن عدي بن كعب ابن لُؤَيّ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ
لِبَعْضٍ: تَعَلّمُوا وَاَللهِ مَا قَوْمُكُمْ عَلَى شَيْءٍ! لَقَدْ
أَخْطَئُوا دِينَ أَبِيهِمْ إبْرَاهِيمَ! مَا حَجَرٌ نُطِيفُ بِهِ، لَا
يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ، وَلَا يَضُرّ وَلَا يَنْفَعُ؟! يَا قوم التمسوا
لأنفسكم، فَإِنّكُمْ وَاَللهِ مَا أَنْتُمْ عَلَى شَيْءٍ، فَتَفَرّقُوا فى
البلدان يلتمسون الحنيفية، دين إبراهيم.
فَأَمّا وَرَقَةُ بْنُ نَوْفَلٍ فَاسْتَحْكَمَ فِي النّصْرَانِيّةِ،
وَاتّبَعَ الْكُتُبَ مِنْ أَهْلِهَا، حَتّى عَلِمَ عِلْمًا مِنْ أَهْلِ
الْكِتَابِ. وَأَمّا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ جَحْشٍ، فَأَقَامَ عَلَى مَا هُوَ
عَلَيْهِ مِنْ الِالْتِبَاسِ حَتّى أَسْلَمَ، ثُمّ هَاجَرَ مَعَ
الْمُسْلِمِينَ إلَى الْحَبَشَةِ، وَمَعَهُ امْرَأَتُهُ أُمّ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(2/347)
حَبِيبَةَ بِنْتُ أَبِي سُفْيَانَ
مُسْلِمَةً، فَلَمّا قَدِمَهَا تَنَصّرَ، وَفَارَقَ الْإِسْلَامَ، حَتّى
هَلَكَ هُنَالِكَ نَصْرَانِيّا.
قال ابن إسحاق: فحدثني محمد بن جعفر بن الزّبير؛ قال: كان عبيد الله ابن
جَحْشٍ- حِين تَنَصّرَ- يَمُرّ بِأَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُمْ هُنَالِكَ مِنْ أَرْضِ الْحَبَشَةِ، فَيَقُولُ:
فَقّحْنَا وَصَأْصَأْتُمْ، أَيْ: أَبْصَرْنَا وَأَنْتُمْ تَلْتَمِسُونَ
الْبَصَرَ، وَلَمْ تُبْصِرُوا بَعْدُ، وَذَلِكَ أَنّ وَلَدَ الْكَلْبِ إذَا
أَرَادَ أَنْ يَفْتَحَ عَيْنَيْهِ لِيَنْظُرَ، صَأْصَأَ؛ لِيَنْظُرَ.
وَقَوْلُهُ: فَقّحَ: فَتّحَ عينيه.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَخَلَفَ رَسُولُ اللهِ صَلّى عَلَيْهِ وَسَلّمَ
بَعْدَهُ عَلَى امْرَأَتِهِ أُمّ حَبِيبَةَ بِنْتِ أَبِي سُفْيَانَ بْنِ
حَرْبٍ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ عَلِيّ بْنِ حُسَيْنٍ: أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم بَعَثَ فِيهَا إلَى النّجَاشِيّ عَمْرَو بْنَ
أُمَيّةَ الضّمْرِيّ، فَخَطَبَهَا عَلَيْهِ النّجَاشِيّ؛ فَزَوّجَهُ
إيّاهَا، وَأَصْدَقَهَا عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أربعمائة دِينَارٍ. فَقَالَ مُحَمّدُ بْنُ عَلِيّ: مَا نَرَى
عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ مَرْوَانَ وَقَفَ صَدَاقَ النّسَاءِ على أربعمائة
دِينَارٍ إلّا عَنْ ذَلِكَ. وَكَانَ الّذِي أَمْلَكَهَا للنّبىّ صَلّى الله
عَلَيْهِ وَسَلّمَ خَالِدُ بْنُ سَعِيدِ بن العاص:
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَأَمّا عُثْمَانُ بْنُ الْحُوَيْرِثِ، فَقَدِمَ
عَلَى قَيْصَرَ مَلِكِ الرّومِ فَتَنَصّرَ، وَحَسُنَتْ مَنْزِلَتُهُ
عِنْدَهُ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَلِعُثْمَانَ بْنِ الْحُوَيْرِثِ عِنْدَ
قَيْصَرَ حَدِيثٌ، مَنَعَنِي مِنْ ذِكْرِهِ ما ذكرت فى حديث حرب الفجار.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(2/348)
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَأَمّا زَيْدُ بْنُ
عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ فَوَقَفَ، فَلَمْ يَدْخُلْ فِي يَهُودِيّةٍ وَلَا
نَصْرَانِيّةٍ، وَفَارَقَ دِينَ قَوْمِهِ، فَاعْتَزَلَ الْأَوْثَانَ
والميتة والدم والذبائح التى تذبح على الأوثان، ونهى عن قتل الموؤدة،
وَقَالَ: أَعْبُدُ رَبّ إبْرَاهِيمَ، وَبَادَى قَوْمَهُ بِعَيْبِ مَا هُمْ
عَلَيْهِ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ،
عَنْ أُمّهِ أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما، قال: لَقَدْ رَأَيْت زَيْدَ
بْنَ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ شَيْخًا كَبِيرًا مُسْنِدًا ظَهْرَهُ إلَى
الْكَعْبَةِ، وَهُوَ يَقُولُ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، وَاَلّذِي نَفْسُ
زَيْدِ ابن عَمْرٍو بِيَدِهِ: مَا أَصْبَحَ مِنْكُمْ أَحَدٌ عَلَى دِينِ
إبْرَاهِيمَ غَيْرِي، ثُمّ يَقُولُ: اللهُمّ لَوْ أَنّي أَعْلَمُ أَيّ
الْوُجُوهِ أَحَبّ إلَيْك عَبَدَتْك بِهِ، وَلَكِنّي لَا أَعْلَمُهُ، ثُمّ
يَسْجُدُ عَلَى راحته.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحُدّثْت أَنّ ابْنَهُ سَعِيدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ
عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ وَعُمَرَ بْنَ الْخَطّابِ، وَهُوَ ابْنُ عَمّهِ،
قَالَا لرسول الله صلى الله عليه وسلم:
أنستغفر لِزَيْدِ بْنِ عَمْرٍو؟ قَالَ: نَعَمْ، فَإِنّهُ يُبْعَث أمّة
وحده.
وَقَالَ زَيْدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ فِي فِرَاقِ دِينِ قَوْمِهِ،
وَمَا كَانَ لَقِيَ مِنْهُمْ فِي ذَلِكَ:
أَرَبّا وَاحِدًا، أَمْ أَلْفَ رَبّ ... أَدِينُ إذَا تُقُسّمَتْ
الْأُمُورُ
عَزَلْتُ اللّاتَ وَالْعُزّى جَمِيعًا ... كَذَلِكَ يَفْعَلُ الْجَلْدُ
الصّبُورُ
فَلَا الْعُزّى، أَدِينُ وَلَا ابْنَتَيْهَا ... وَلَا صَنَمَيْ بَنِي
عَمْرٍو أزور
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(2/349)
وَلَا هُبَلًا أَدِينُ، وَكَانَ رَبّا ...
لَنَا فِي الدّهْرِ إذْ حِلْمِي يَسِيرُ
عَجِبْتُ. وَفِي اللّيَالِي مُعْجَبَاتٌ ... وَفِي الْأَيّامِ يَعْرِفُهَا
الْبَصِيرُ
بِأَنّ اللهَ قَدْ أَفْنَى رِجَالًا ... كَثِيرًا كَانَ شَأْنَهُمْ
الْفُجُورُ
وَأَبْقَى آخَرِينَ بِبِرّ قَوْمٍ ... فَيَرْبِلُ مِنْهُمْ الطّفْلُ
الصّغير
وبينا المرء يعثر ثَابَ يَوْمًا ... كَمَا يُتَرَوّحُ الْغُصْنُ الْمَطِيرُ
وَلَكِنْ أَعْبُدُ الرّحْمَنَ رَبّي ... لِيَغْفِرَ ذَنْبِي الرّبّ
الْغَفُورُ
فَتَقْوَى اللهِ رَبّكُمْ احْفَظُوهَا ... مَتَى مَا تَحْفَظُوهَا. لَا
تَبُورُوا
تَرَى الْأَبْرَارَ. دَارُهُمْ جِنَانٌ ... وَلِلْكَفّارِ حَامِيَةً
سَعِيرُ
وَخِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ وَإِنْ يَمُوتُوا ... يلاقوا ما تضيق به الصّدور
وقال زَيْدُ بْنُ عَمْرِو بْنُ نُفَيْلٍ أَيْضًا- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ:
هِيَ لِأُمَيّةَ بْنِ أَبِي الصّلْتِ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. إلّا
الْبَيْتَيْنِ الْأَوّلَيْنِ وَالْبَيْتَ الْخَامِسَ وَآخِرَهَا بَيْتًا.
وَعَجُزُ الْبَيْتِ الْأَوّلِ عَنْ غير ابن إسحاق: -
إلَى اللهِ أُهْدِي مِدْحَتِي وَثَنَائِيَا ... وَقَوْلًا رَصِينًا لاينى
الدّهْرَ بَاقِيَا
إلَى الْمَلِكِ الْأَعْلَى الّذِي لَيْسَ فوقه ... إله، وَلَا رَبّ يَكُونُ
مُدَانِيَا
أَلَا أَيّهَا الْإِنْسَانُ إيّاكَ وَالرّدَى ... فَإِنّك لَا تُخْفِي مِنْ
اللهِ خَافِيَا
وَإِيّاكَ لَا تَجْعَلْ مَعَ اللهِ غَيْرَهُ ... فَإِنّ سَبِيلَ الرّشْدِ
أَصْبَحَ بَادِيَا
حَنَانَيْكَ إنّ الجن كانت رجاءهم ... وأنت إلهى رَبّنَا وَرَجَائِيَا
رَضِيتُ بِكَ- اللهُمّ- رَبّا فَلَنْ أرى ... أدين إلها غيرك الله ثانيا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(2/350)
وَأَنْتَ الّذِي مِنْ فَضْلِ مَنّ
وَرَحْمَةٍ ... بَعَثْتَ إلَى مُوسَى رَسُولًا مُنَادِيَا
فَقُلْت لَهُ: يَا اذْهَبْ وَهَارُونَ فَادْعُوَا ... إلَى اللهِ
فِرْعَوْنَ الّذِي كَانَ طَاغِيَا
وَقُولَا لَهُ: أَأَنْتَ سَوّيْت هَذِهِ ... بِلَا وَتَدٍ، حَتّى
اطْمَأَنّتْ كَمَا هِيَا
وَقُولَا لَهُ: أَأَنْتَ رَفّعْت هَذِهِ ... بِلَا عُمُدٍ، أَرْفِقْ- إذَا-
بِك بَانِيَا
وَقُولَا لَهُ: أَأَنْتَ سَوّيْت وَسْطَهَا ... مُنِيرًا، إذَا مَا جَنّهُ
اللّيْلُ هَادِيَا
وَقُولَا لَهُ: مَنْ يُرْسِلُ الشّمْسَ غُدْوَةً ... فَيُصْبِحُ مَا مَسّتْ
مِنْ الْأَرْضِ ضَاحِيَا
وَقُولَا لَهُ: مَنْ يُنْبِتُ الْحَبّ فِي الثّرَى ... فَيُصْبِحُ مِنْهُ
الْبَقْلُ يَهْتَزّ رَابِيَا
وَيُخْرِجُ مِنْهُ حَبّهُ فِي رؤسه ... وَفِي ذَاكَ آيَاتٌ لِمَنْ كَانَ
وَاعِيَا
وَأَنْتَ بِفَضْلٍ مِنْك نَجّيْتَ يُونُسَا ... وَقَدْ بَاتَ فِي أضعاف حوت
لياليا
وإنى لَوْ سَبّحْت بِاسْمِك رَبّنَا ... لَأُكْثِرُ- إلّا مَا غَفَرْت-
خَطَائِيَا
فَرَبّ الْعِبَادِ أَلْقِ سَيْبًا وَرَحْمَةً ... علىّ، وبارك فى بنىّ
وماليا
وقال زيد بن عمرو يعاتب امرأته صفية بنت الْحَضْرَمِيّ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَاسْمُ الْحَضْرَمِيّ: عَبْدُ الله أَحَدُ الصّدِفِ،
وَاسْمُ الصّدِفِ:
عَمْرُو بْنُ مَالِكٍ أَحَدُ السّكُونِ بْنِ أَشْرَسَ بْنِ كِنْدَى،
وَيُقَالُ: كِنْدَةُ بْنُ ثَوْرِ بْنِ مُرَتّعِ بْنِ عُفَيْر بْنِ عَدِيّ
بْنِ الْحَارِثِ بْنِ مُرّةَ بْنِ أدد ابن زيد بن مهسع ابن عمرو ابن
عَرِيبِ بْنِ زَيْدِ بْنِ كُهْلَانَ بْنِ سَبَأٍ، وَيُقَالُ: مُرَتّعُ بْنِ
مَالِكِ بْنِ زَيْدِ بْنِ كَهْلَانَ بْنِ سبأ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(2/351)
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ زَيْدُ بْنُ
عَمْرٍو قَدْ أَجْمَعَ الْخُرُوجَ مِنْ مَكّةَ، لِيَضْرِبَ فِي الْأَرْضِ
يَطْلُبُ الْحَنِيفِيّةَ دِينَ إبْرَاهِيمَ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ،
فَكَانَتْ صَفِيّةُ بِنْتُ الْحَضْرَمِيّ كَلّمَا رَأَتْهُ قَدْ تَهَيّأَ
لِلْخُرُوجِ، وَأَرَادَهُ، آذَنَتْ بِهِ الخطّاب بن نفيل، وكان الخطّاب ابن
نُفَيْلٍ عَمّهُ وَأَخَاهُ لِأُمّهِ، وَكَانَ يُعَاتِبُهُ عَلَى فِرَاقِ
دِينِ قَوْمِهِ، وَكَانَ الْخَطّابُ قَدْ وَكّلَ صفيّة به، وقال: إذا
رأيتيه قدهمّ بِأَمْرٍ فَآذِنِينِي بِهِ- فَقَالَ زَيْدٌ:
لَا تَحْبِسِينِي فى الهوا ... ن صفىّ مادابى وَدَابُهُ
إنّي إذَا خِفْت الْهَوَا ... نَ، مُشَيّعٌ ذُلُلَ رِكَابِهِ
دُعْمُوصُ أَبْوَابَ الْمُلُو ... كِ وَجَائِبٌ للخرق نابه
قطّاع أسباب تذل ... بِغَيْرِ أَقْرَانٍ صِعَابه
وَإِنّمَا أَخَذَ الْهَوَا ... نُ الْعِيرَ إذْ يُوهَى إهَابُهُ
وَيَقُولُ: إنّي لَا أذلّ ... بِصَكّ جَنْبَيْهِ صِلَابه
وَأَخِي ابْنُ أُمّي، ثُمّ عمّى ... لا يواتينى خطابه
وإذا يعاتبنى بسو ... ء قُلْتُ: أَعْيَانِي جَوَابُهُ
وَلَوْ أَشَاءُ لَقُلْت: مَا ... عِنْدِي مَفَاتِحُهُ وَبَابُهْ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحُدّثَتْ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو
بْنِ نُفَيْلٍ:
أَنّ زَيْدًا إذا كان اسْتَقْبَلَ الْكَعْبَةَ دَاخِلَ الْمَسْجِدِ، قَالَ:
لَبّيْكَ حَقّا حَقّا، تَعَبّدًا وَرِقّا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(2/352)
عذت بما عاذ به إبراهيم، مُسْتَقْبِلَ
الْقِبْلَةَ، وَهُوَ قَائِم إذْ قَالَ:
أَنْفِي لَك اللهُمّ عَانٍ رَاغِمْ ... مَهْمَا تُجَشّمُنِي فَإِنّي جَاشِم
الْبِرّ أَبْغِي لَا الْخَالَ، لَيْسَ مُهَجّر كمن فال.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: الْبِرّ أَبْقَى لَا الْخَال، لَيْسَ
مُهَجّر كَمَنْ قَالَ: قَالَ وَقَوْلُهُ: «مُسْتَقْبِلَ الْكَعْبَةِ» عَنْ
بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ زَيْدُ بْنُ عَمْرِو بْنُ نفيل:
وَأَسْلَمْتُ وَجْهِي لِمَنْ أَسْلَمَتْ ... لَهُ الْأَرْضُ تَحْمِلُ
صَخْرًا ثِقَالًا
دَحَاهَا فَلَمّا رَآهَا اسْتَوَتْ ... عَلَى الْمَاءِ، أَرْسَى عَلَيْهَا
الْجِبَالَا
وَأَسْلَمْتُ وَجْهِي لِمَنْ أَسْلَمَتْ ... لَهُ الْمُزْنُ تَحْمِلُ
عَذْبًا زُلَالًا
إذَا هِيَ سِيقَتْ إلَى بَلْدَةٍ ... أَطَاعَتْ، فَصَبّتْ عَلَيْهَا سجالا
وَكَانَ الْخَطّابُ قَدْ آذَى زَيْدًا، حَتّى أَخْرَجَهُ إلَى أَعَلَى
مَكّةَ، فَنَزَلَ حِرَاءَ مُقَابِلَ مَكّةَ، وَوَكّلَ بِهِ الْخَطّابُ
شَبَابًا مِنْ شَبَابِ قُرَيْشٍ وسفهاء من سفائهم، فَقَالَ لَهُمْ: لَا
تَتْرُكُوهُ يَدْخُلُ مَكّةَ، فَكَانَ لَا يَدْخُلُهَا إلّا سِرّا
مِنْهُمْ، فَإِذَا عَلِمُوا بِذَلِكَ، آذَنُوا بِهِ الْخَطّابَ،
فَأَخْرَجُوهُ، وَآذَوْهُ كَرَاهِيَةَ أَنْ يُفْسِدَ عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ،
وَأَنْ يُتَابِعَهُ أَحَدٌ مِنْهُمْ عَلَى فِرَاقِهِ. فَقَالَ- وَهُوَ
يُعَظّمُ حُرْمَتَهُ عَلَى مَنْ اسْتَحَلّ مِنْهُ مَا اسْتَحَلّ مِنْ قومه:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(2/353)
لا همّ إنّي مُحْرِمٌ لَا حِلّهْ ...
وَإِنّ بَيْتِي أَوْسَطَ الْمَحِلّهْ
عِنْدَ الصّفَا لَيْسَ بِذِي مُضِلّهُ
ثُمّ خَرَجَ يَطْلُبُ دِينَ إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السّلَامُ، وَيَسْأَلُ
الرّهْبَانَ وَالْأَحْبَارَ، حَتّى.
بَلَغَ الْمَوْصِلَ وَالْجَزِيرَةَ كُلّهَا، ثُمّ أَقْبَلَ فَجَالَ الشّامَ
كُلّهُ، حَتّى انْتَهَى إلَى رَاهِبٍ بِمَيْفَعَةٍ مِنْ أَرْضِ
الْبَلْقَاءِ، كَانَ يَنْتَهِي إلَيْهِ عِلْمُ أَهْلِ النّصْرَانِيّةِ
فِيمَا يَزْعُمُونَ، فَسَأَلَهُ عَنْ الْحَنِيفِيّةِ دِينِ إبْرَاهِيمَ،
فَقَالَ: إنّك لتطب دِينًا مَا أَنْتَ بِوَاجِدٍ مَنْ يَحْمِلُك عَلَيْهِ
الْيَوْمَ، وَلَكِنْ قَدْ أَظَلّ زَمَانُ نَبِيّ يَخْرُجُ مِنْ بِلَادِك
الّتِي خَرَجْت.
مِنْهَا، يُبْعَثُ بِدِينِ إبْرَاهِيمَ الْحَنِيفِيّةِ، فَالْحَقّ بِهَا،
فَإِنّهُ مَبْعُوثٌ الْآنَ، هذا زمانه، وقد كان شامّ اليهودية
وَالنّصْرَانِيّةَ، فَلَمْ يَرْضَ شَيْئًا مِنْهُمَا، فَخَرَجَ سَرِيعًا،
حِينَ قَالَ لَهُ ذَلِكَ الرّاهِبُ مَا قَالَ، يُرِيدُ مَكّةَ، حَتّى إذَا
تَوَسّطَ بِلَادَ لَخْمٍ، عدوا عليه فقتلوه- فَقَالَ وَرَقَةُ بْنُ
نَوْفَلِ بْنِ أَسَدٍ يَبْكِيهِ:
رَشَدْتَ، وَأَنْعَمْت ابْنَ عَمْرٍو، وَإِنّمَا ... تَجَنّبْتَ تَنّورًا
مِنْ النّارِ حَامِيَا
بِدِينِكَ رَبّا لَيْسَ رَبّ كَمِثْلِهِ ... وَتَرْكُكَ أَوْثَانَ
الطّوَاغِي كَمَا هِيَا
وَإِدْرَاكُك الدّينَ الّذِي قَدْ طَلَبْتَهُ ... وَلَمْ تَكُ عَنْ
تَوْحِيدِ رَبّك سَاهِيَا
فَأَصْبَحْتَ فِي دَارٍ كَرِيمٍ مُقَامُهَا ... تُعَلّلُ فِيهَا
بِالْكَرَامَةِ لَاهِيَا
تُلَاقِي خَلِيلَ اللهِ فِيهَا، وَلَمْ تَكُنْ ... مِنْ النّاسِ جَبّارًا
إلَى النّار هَاوَيَا
وَقَدْ تُدْرِكُ الْإِنْسَانَ رَحْمَةُ رَبّهِ ... وَلَوْ كَانَ تَحْتَ
الْأَرْضِ سَبْعِينَ وَادِيَا
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: يُرْوَى لِأُمَيّةَ بْنِ أَبِي الصّلْتِ الْبَيْتَانِ
الْأَوّلَانِ مِنْهَا، وَآخِرُهَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(2/354)
بَيْتًا فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. وَقَوْلُهُ:
«أَوْثَانِ الطّوَاغِي» عن غير ابن إسحاق.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ذِكْرُ حَدِيثِ وَرَقَةَ بْنِ نَوْفَلٍ:
فَصْلٌ: وَذَكَرَ حَدِيثَ وَرَقَةَ بْنِ نَوْفَلٍ «1» ، وَعُبَيْدِ اللهِ
بْنِ جحش، وعثمان ابن الْحُوَيْرِثِ، وَزَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ
وَمَا تناجوا به، وقال: زيد بن عمرو ابن نُفَيْلٍ إلَى آخِرِ النّسَبِ،
وَالْمَعْرُوفُ فِي نَسَبِهِ وَنَسَبِ ابْنِ عَمّهِ عُمَرَ بْنِ
الْخَطّابِ:
نُفَيْلُ بْنُ رِيَاحِ «2» بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ قُرْطِ بن رزاح «3»
بتقديم رياح على
__________
(1) نسب ورقة، هو ابن نوفل بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى بْنِ قُصَيّ
بن كلاب وقد تقدم الكلام عنه. وفى الصحيحين ما يدل على أنه لقى النبى،
ولكنه مات قبل أن يدعو رسول الله إلى الإسلام. وحديث رؤية النبى لورقة فى
الجنة حديث منقطع، وحديث أنه سأل رسول الله «ص» عن كيفية مجىء الوحى، وأنه
قال: يأتينى من السماء وجناحاه لؤلؤ، وباطن قدميه أخضر. هذا مروى عن طريق
روح بن مسافر، وهو أحد الضعفاء، والحديث فى روايته سماع ابن عباس من ورقة،
وابن عساكر يقول: لم يسمع ابن عباس من ورقة، ولا أعرف أحدا قال: إنه أسلم.
(2) فى الإصابة: نفيل بن عبد العزى بن رياح.
(3) فى الإصابة بعده: ابن عدى بن كعب بن لؤى بن غالب. وإليك ما ذكر المصعب
الزبيرى عن هذا النسب: عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى بن رياح ابن عبد
الله بن قرط بن رزاح بن عدى بن كعب بن لؤى بن غالب بن فهر «346 نسب قريش»
ورزاح بكسر الراء وفتحها. والفتح عند الدارقطنى. وقد وردت عن زيد عدة
أحاديث، منها مارواه البخارى، وفيه: «كان يحيى الموؤدة يقول للرجل، إذا
أراد أن يقتل ابنته: لا تقتلها أنا أكفيكها مؤنتها، فيأخذها، فإذا ترعرعت
قال لأبيها: إن شئت دفعتها إليك، وإن شئت كفيتك مؤنتها» . وحديث إسناد ظهره
إلى الكعبة- وسيأتى فى الروض- أخرجه البخارى من-
(2/355)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
عَبْدِ اللهِ، وَرِزَاحٌ بِكَسْرِ الرّاءِ قَيّدَهُ الشّيْخُ أَبُو بَحْرٍ،
وَزَعَمَ الدّارَقُطْنِيّ أَنّهُ رَزَاحٌ بِالْفَتْحِ، وَإِنّمَا رِزَاحٍ
بِالْكَسْرِ: رِزَاحُ بْنُ رَبِيعَةَ أَخُو قُصَيّ لِأُمّهِ الّذِي
تَقَدّمَ ذِكْرُهُ «1» .
الزّوَاجُ مِنْ امْرَأَةِ الْأَبِ فِي الْجَاهِلِيّةِ:
وَأُمّ زَيْدٍ هِيَ: الْحَيْدَاءُ بِنْتُ خَالِدٍ الْفَهْمِيّةُ، وَهِيَ
امْرَأَةُ جَدّهِ نُفَيْلٍ وَلَدَتْ لَهُ الْخَطّابَ «2» فَهُوَ أَخُو
الْخَطّابِ لِأُمّهِ، وَابْنُ أَخِيهِ، وَكَانَ ذَلِكَ مُبَاحًا فِي
الْجَاهِلِيّةِ بِشِرْعِ مُتَقَدّمٍ «3» ، وَلَمْ تَكُنْ مِنْ الْحُرُمَاتِ
الّتِي انْتَهَكُوهَا، وَلَا مِنْ الْعَظَائِمِ الّتِي ابْتَدَعُوهَا،
لِأَنّهُ أَمْرٌ كَانَ فِي عَمُودِ نَسَبِ رَسُولِ الله- صلى الله
__________
طريق هشام من طريق الليث تعليقا، والنسائى من طريق أبى أسامة. والبغوى من
طريق على بن مسهر كلهم عن هشام، وزادوا فيه: «يحيى الموؤدة يقول للرجل إن
أراد أن يقتل ابنته: لا تقتلها، فأنا أكفيك مئونتها» ، وورد فى رواية
الطبرانى أنه كان يسجد للكعبة بدلا من راحته وقال عنه ابن دريد فى الجمهرة:
رفض الأوثان فى الجاهلية، وامتنع من أكل ما ذبح لغير الله- عز وجل- والتزم
الحنيفية دين إبراهيم، إلى أن قتله أهل ميفعة، قرية من قرى البلقاء بقرب
دمشق من. لخم أو جذام.
(1) والحديث الذى ذكره ابن إسحاق، وفيه سؤال سعيد بن زيد وعمر، بن الخطاب
لرسول صلى الله عليه وسلم الاستغفار لزيد ... فى رواية أحمد والطبرانى
والبزار أن سعيدا هو الذى سأل، وقال البيهقى عن الحديث: فيه المسعودى وقد
اختلط، وبقية رجاله ثقات.
(2) وكان عمرو بن نفيل قد خلف على امرأة أبيه بعد أبيه، وكان لها من نفيل
أخوه الخطاب.
(3) من أين له هذا؟
(2/356)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَكِنَانَةُ تَزَوّجَ امْرَأَةَ أَبِيهِ خُزَيْمَةَ،
وَهِيَ بَرّةُ بِنْتُ مُرّ، فَوَلَدَتْ لَهُ النّضْرَ بْنَ كِنَانَةَ،
وَهَاشِمٌ أَيْضًا قَدْ تَزَوّجَ امْرَأَةَ أَبِيهِ وَافِدَةً فَوَلَدَتْ
لَهُ ضَعِيفَةَ «1» ، وَلَكِنْ هُوَ خَارِجٌ عَنْ عَمُودِ نَسَبِ رَسُولِ
اللهِ- صَلَّى الله عليه وسلم- لأنها لم تلدجدّا لَهُ، أَعْنِي: وَاقِدَةَ،
وَقَدْ قَالَ عَلَيْهِ السّلَامُ: أَنَا مِنْ نِكَاحٍ لَا مِنْ سِفَاحٍ «2»
، وَلِذَلِكَ قَالَ سُبْحَانَهُ: (وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آباؤُكُمْ
مِنَ النِّساءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ) النّسَاءُ: 22. أَيْ: إلّا مَا
سَلَفَ مِنْ تَحْلِيلِ ذَلِكَ قَبْلَ الْإِسْلَامِ: وَفَائِدَةُ هَذَا
الِاسْتِثْنَاءِ أَلّا يُعَابَ نسب رسول الله صلى الله عليه وسلم «3»
وَلِيُعْلَمَ أَنّهُ لَمْ يَكُنْ فِي أَجْدَادِهِ مَنْ كان لغيّة «4» ولا
من سفاح. ألا نرى أَنّهُ لَمْ يَقُلْ فِي شَيْءٍ نَهَى عَنْهُ فِي
الْقُرْآنِ: إِلّا مَا قَدْ سَلَفَ، نَحْوَ قوله: (وَلا تَقْرَبُوا
الزِّنى) وَلَمْ يَقُلْ إلّا مَا قَدْ سَلَفَ: (وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ
الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ) الْإِسْرَاءُ: 30 وَلَمْ يَقُلْ إلّا مَا قَدْ
سَلَفَ، وَلَا فِي شَيْءٍ مِنْ الْمَعَاصِي الّتِي نَهَى عَنْهَا إلّا فِي
هَذِهِ، وَفِي الْجَمْعِ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ؛ لِأَنّ الْجَمْعَ بَيْنَ
الْأُخْتَيْنِ قَدْ كَانَ مُبَاحًا أَيْضًا فِي شَرْعِ مَنْ قَبْلَنَا،
وَقَدْ جَمَعَ يَعْقُوبُ بَيْنَ رَاحِيلَ وَأُخْتِهَا لِيَا «5»
فَقَوْلُهُ: إِلّا مَا قد سلف
__________
(1) يقول المصعب الزبيرى فى نسب قريش ص 17: «وكانت ضعيفة بنت هاشم عند عبد
مناف بن زهرة بن كلاب، فولدت له عبد يغوث، وعبيد يغوث»
(2) لا ريب فى طهارة نسبه الشريف، ولا ريب فى أنه كان من نكاح صحيح بين عبد
الله أبيه وآمنة أمه. لكن هذه الأحاديث التى ترفع هذه الكلية، حتى آدم
أحاديث ضعيفة، ولهذا لم يخرجها أحد من أصحاب الكتب الستة، فلا تراها إلا
عند ابن سعد وابن عساكر وابن أبى شيبة. وأحسن تعبير عن هذه الحقيقة جزء من
حديث أخرجه أبو نعيم: «لم يلتق أبواى قط على سفاح» .
(3) لا يجوز قصر الاية على ما ذكر وحده.
(4) الزّنا، وتقال بكسر الغين وفتحها.
(5) هما فى سفر التكوين: راحيل وليئة ابنتا لابان، وقصتهما مع يعقوب-
(2/357)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الْتِفَاتَةٌ إلَى هَذَا الْمَعْنَى، وَتَنْبِيهٌ عَلَى هَذَا الْمَغْزَى،
وَهَذِهِ النّكْتَةُ لُقّنْتهَا مِنْ شَيْخِنَا الْإِمَامِ الْحَافِظِ
أَبِي بَكْرٍ مُحَمّدِ بْنِ الْعَرَبِيّ- رَحِمَهُ الله- وزيد هذا هو: والد
سعيد ابن زَيْدٍ أَحَدِ الْعَشْرَةِ الّذِينَ شُهِدَ لَهُمْ بِالْجَنّةِ،
وأم سعيد: فاطمة بنت نعجة ابن خَلَفٍ الْخُزَاعِيّ [عِنْدَ الزّبَيْرِ:
بَعْجَةُ بْنُ أُمَيّةَ بْنِ خُوَيْلِدِ بْنِ خَالِدِ بْنِ اليمعر بْنِ
خُزَاعَةَ] .
تَفْسِيرُ بَعْضِ قَوْلِ ابْنِ جَحْشٍ:
وَذَكَرَ قَوْلَ عَبْدِ اللهِ بْنِ جَحْشٍ حِينَ تَنَصّرَ بالحبشة: فقّحنا
وصأصأتم، وشرح فقّحنا لقوله: فَقّحَ الْجُرْوُ: إذَا فَتَحَ عَيْنَيْهِ،
وَهَكَذَا ذَكَرَهُ أَبُو عُبَيْدٍ، وَزَادَ: جَصّصَ أَيْضًا، وَذَكَرَ
أَبُو عُبَيْدٍ: بَصّصَ بِالْبَاءِ حَكَاهَا عَنْ أَبِي زَيْدٍ «1» ،
وَقَالَ الْقَالِيّ: إنّمَا رَوَاهُ الْبَصْرِيّونَ عَنْ أَبِي زَيْدٍ
بِيَاءِ مَنْقُوطَةٍ بِاثْنَتَيْنِ، لِأَنّ الْيَاءَ تُبْدَلُ مِنْ
الْجِيمِ كَثِيرًا كَمَا تَقُولُ: أَيَلٌ وَأَجَلٌ، وَلِرِوَايَةِ أَبِي
عُبَيْدٍ وَجْهٌ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ بَصّصَ مِنْ الْبَصِيصِ، وَهُوَ
الْبَرِيقُ.
بَعْضُ الّذِينَ تَنَصّرُوا:
فَصْلٌ: وَذَكَرَ عُثْمَانُ بْنُ الْحُوَيْرِثِ مَعَ زَيْدٍ، وَوَرَقَةَ
وَعُبَيْدَ اللهِ بْنَ جَحْشٍ، ثُمّ قَالَ: وَأَمّا عُثْمَانُ بْنُ
الْحُوَيْرِثِ فَإِنّهُ ذَهَبَ إلَى الشّامِ، وَلَهُ فِيهَا مَعَ قَيْصَرٍ
خَبَرٌ، وَلَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ الْخَبَرَ، وَذَكَرَ الْبَرْقِيّ عَنْ
ابْنِ إسْحَاقَ أَنّ عُثْمَانَ بْنَ الْحُوَيْرِثِ قَدِمَ عَلَى قَيْصَرٍ،
فَقَالَ لَهُ: إنّي أَجْعَلُ لَك خرجا على قريش إن جاؤا
__________
- فى الإصحاح التاسع والعشرين من التكوين، وفيه أن لابان خدع يعقوب وزوجه
غير التى كان يريدها أولا، لأنها الكبرى، ثم زوجه ليئة.
(1) فى القاموس: يصص الجرو: جصص. وانظر ص 136 نوادر أبى زيد
(2/358)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الشّامَ لِتِجَارَتِهِمْ، وَإِلّا مَنَعْتهمْ، فَأَرَادَ قَيْصَرٌ أَنْ
يفعل فخرج سعيد بن العاصى ابن أُمَيّةَ وَأَبُو ذِئْبٍ، وَهُوَ: هِشَامُ
بْنُ شُعْبَةَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي قَيْسِ بْنِ عبدودّ بْنِ
نَصْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ حِسْلِ بْنِ عَامِرٍ إلَى الشّامِ، فَأُخِذَا
فَحُبِسَا، فَمَاتَ أَبُو ذِئْبٍ فِي الْحَبْسِ، وَأَمّا سَعِيدُ بْنُ
الْعَاصِي، فَإِنّهُ خَرَجَ الْوَلِيد بْن الْمُغِيرَةَ، وَهُوَ أُمَيّةُ
فَتَخَلّصُوهُ فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ، رَوَاهُ ابْنُ إسْحَاقَ عن يعقوب بن
عتبة بن المغيرة ابن الْأَخْنَسِ. وَأَبُو ذِئْبٍ الّذِي ذُكِرَ هُوَ: جَدّ
الفقيه محمد بن عبد الرحمن ابن الْمُغِيرَةِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ أَبِي
ذِئْبٍ، يُكَنّى: أَبَا الْحَارِثِ مِنْ فُقَهَاءِ الْمَدِينَةِ، وَأُمّهُ
بُرَيْهَةُ بِنْتُ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ أَبِي ذِئْبٍ، وَأَمّا الزبير
فذكر أن قيصر كَانَ قَدْ تَوّجَ عُثْمَانَ، وَوَلّاهُ أَمْرَ مَكّةَ،
فَلَمّا جَاءَهُمْ بِذَلِكَ أَنِفُوا مِنْ أَنْ يَدِينُوا لِمَلِكِ،
وَصَاحَ الْأَسْوَدُ بْنُ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى: أَلَا إنّ مَكّةَ
حَيّ لَقَاحٌ لَا تَدِينُ لِمَلِكِ «1» ، فَلَمْ يَتِمّ لَهُ مُرَادُهُ،
قَالَ: وَكَانَ يُقَالُ لَهُ: الْبِطْرِيقُ «2» ، وَلَا عَقِبَ لَهُ،
وَمَاتَ بِالشّامِ مَسْمُومًا، سَمّهُ عَمْرُو بْنُ جَفْنَةَ الغسنّانى
الملك.
اعتزال زيد بن عمر بْنِ نُفَيْلٍ الْأَوْثَانَ:
فَصْلٌ: وَذَكَرَ اعْتِزَالَ زَيْدٍ الْأَوْثَانَ وَتَرْكَهُ
طَوَاغِيتَهُمْ، وَتَرْكَهُ أَكْلَ مَا نُحِرَ [عَلَى الْأَوْثَانِ] «3»
وَالنّصُبِ. رَوَى الْبُخَارِيّ عَنْ مُحَمّدِ بن أبى بكر،
__________
(1) أى لا تخضع للملوك.
(2) فى القاموس: البطريق: ككبريت، القائد من قواد الروم تحت يده عشرة آلاف
رجل، ثم الطرخان على خمسة آلاف، ثم القوه مس على مائتين، والمختال.
(3) ما بين القوسين زدته من السيرة.
(2/359)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَالَ: أَخْبَرَنَا فُضَيْلُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا موسى،
قال: حدثنى سالم ابن عَبْدِ اللهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ: أَنّ
النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَقِيَ زيد ابن عَمْرِو بْنِ
نُفَيْلٍ بِأَسْفَلَ بَلْدَحَ «1» قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ عَلَى النّبِيّ-
عَلَيْهِ السّلَامُ- الْوَحْيُ، فَقُدّمَتْ إلَى النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، سُفْرَةٌ أَوْ قَدّمَهَا إلَيْهِ النّبِيّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَبَى أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا، ثُمّ قَالَ
زَيْدٌ: إنّي لَسْت آكُلُ مَا تَذْبَحُونَ عَلَى أَنْصَابِكُمْ، وَلَا
آكُلُ إلّا مَا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ، وَأَنّ زَيْدَ بْنَ عَمْرِو
بْنِ نُفَيْلٍ كَانَ يَعِيبُ عَلَى قُرَيْشٍ ذَبَائِحَهُمْ، وَيَقُولُ:
الشّاةُ خَلَقَهَا اللهُ، وَأَنْزَلَ لَهَا مِنْ السّمَاءِ الْمَاءَ،
وَأَنْبَتَ لَهَا مِنْ الْأَرْضِ الْكَلَأَ، ثُمّ تَذْبَحُونَهَا عَلَى
غَيْرِ اسْمِ اللهِ؟! إنْكَارًا لِذَلِك، وَإِعْظَامًا لَهُ. قَالَ مُوسَى
بْنُ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللهِ: وَلَا أَعْلَمُ إلّا مَا تَحَدّثَ بِهِ
عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنّ زَيْدَ بْنَ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ خَرَجَ إلَى
الشّامِ يَسْأَلُ عن الدين، وينّبعه، فَلَقِيَ عَالِمًا مِنْ الْيَهُودِ
فَسَأَلَهُ عَنْ دِينِهِمْ، وَقَالَ لَهُ إنّي لَعَلّي أَنْ أَدِينَ
بِدِينِكُمْ، فَأَخْبِرُونِي، فَقَالَ: لَا تَكُونُ عَلَى دِينِنَا، حَتّى
تَأْخُذَ بِنَصِيبِك مِنْ غَضَبِ اللهِ، قَالَ زَيْدٌ: مَا أَفِرّ إلّا
مِنْ غَضَبِ اللهِ، وَلَا أَحْمِلُ مِنْ غَضَبِ اللهِ شَيْئًا أَبَدًا،
وَأَنّى أَسْتَطِيعُهُ، فَهَلْ تَدُلّنِي عَلَى غَيْرِهِ؟ قَالَ: مَا
أَعْلَمُهُ إلّا أَنْ يَكُونَ حَنِيفًا، قَالَ: وَمَا الْحَنِيفُ؟
قَالَ: دِينُ إبْرَاهِيمَ، لَمْ يَكُنْ يَهُودِيّا وَلَا نَصْرَانِيّا،
وَلَا يَعْبُدُ إلّا اللهَ، فَخَرَجَ زَيْدٌ فَلَقِيَ عَالِمًا مِنْ
النّصَارَى، فَذَكَرَ مِثْلَهُ، فَقَالَ لَنْ: تَكُونَ عَلَى دِينِنَا،
حَتّى تَأْخُذَ بِنَصِيبِك مِنْ لَعْنَةِ اللهِ، قَالَ: مَا أَفِرّ إلّا
مِنْ لَعْنَةِ اللهِ، وَلَا أَحْمِلُ مِنْ لَعْنَةِ اللهِ، وَلَا مِنْ
غَضَبِهِ شَيْئًا أَبَدًا، وَأَنّى أَسْتَطِيعُ، فَهَلْ تَدُلّنِي عَلَى
غَيْرِهِ؟ قَالَ: ما أعلمه إلا أن
__________
(1) بلدح: واد قبل مكة من جهة المغرب، أو مكان فى طريق التنعيم.
(2/360)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
يَكُونَ حَنِيفًا، قَالَ: وَمَا الْحَنِيفُ؟ قَالَ: دِينُ إبْرَاهِيمَ لَمْ
يَكُنْ يَهُودِيّا وَلَا نَصْرَانِيّا، وَلَا يَعْبُدُ إلّا اللهَ، فَلَمّا
رَأَى زَيْدٌ قَوْلَهُمْ فِي إبْرَاهِيمَ خَرَجَ، فَلَمّا بَرَزَ رَفَعَ
يَدَيْهِ، فَقَالَ:
اللهُمّ إنّي أُشْهِدُك أَنّي عَلَى دِينِ إبْرَاهِيمَ. وَقَالَ اللّيْثُ:
كَتَبَ إلَيّ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ
أَبِي بَكْرٍ الصّدّيقِ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَتْ: رَأَيْت زَيْدَ
بْنَ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ قَائِمًا مُسْنِدًا ظَهْرَهُ إلَى الْكَعْبَةِ،
يَقُولُ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، وَاَللهِ مَا مِنْكُمْ عَلَى دِينِ
إبْرَاهِيمَ غَيْرِي، وكان يحيى الموؤدة، يَقُولُ لِلرّجُلِ إذَا أَرَادَ
أَنّ يَقْتُلَ ابْنَتَهُ: لا تقتلها، أكفيك مئونتها، فَيَأْخُذُهَا،
فَإِذَا تَرَعْرَعَتْ قَالَ لِأَبِيهَا: إنْ شِئْت دفعتها إليك، وإن شئت
كفيتك مئونتها. إلَى هَاهُنَا انْتَهَى حَدِيثُ الْبُخَارِيّ.
وَفِيهِ سُؤَالٌ يُقَالُ: كَيْفَ وَفّقَ اللهُ زَيْدًا إلَى تَرْكِ أَكْلِ
مَا ذُبِحَ عَلَى النّصُبِ، وَمَا لَمْ يُذْكَرْ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ،
وَرَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ أَوْلَى
بِهَذِهِ الْفَضِيلَةِ فى الجاهلية لما ثبت الله له؟ فَالْجَوَابُ مِنْ
وَجْهَيْنِ، أَحَدُهُمَا: أَنّهُ لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ حِينَ لَقِيَهُ
بِبَلْدَحَ، فَقُدّمَتْ إلَيْهِ السّفْرَةُ أن رسول الله- صلى الله عليه
وسلم- أَكَلَ مِنْهَا، وَإِنّمَا فِي الْحَدِيثِ أَنّ زَيْدًا قَالَ حِينَ
قُدّمَتْ السّفْرَةُ:
لَا آكُلُ مِمّا لَمْ يُذْكَرْ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ: الْجَوَابُ الثّانِي
«1» : أن زيدا إنما فعل ذلك برأى
__________
(1) جوابه الثانى غير مقبول، وزعمه أن ما ذبح لغير الله لم يكن محرما فى
دين إبراهيم قول بغير دليل. والأنصاب: أحجار كانت حول الكعبة يذبحون عليها
للأصنام. وإليك بعض الأراء حول هذا الحديث. قال ابن بطال: كانت السفرة
لقريش قدموها للنبى، فأبى أن يأكل منها، فقدمها النبى «صلى الله عليه وسلم»
لزيد بن عمرو، فأبى أن يأكل منها، وقال مخاطبا لقريش الذين قدموها أولا:
إنا لانأكل ما ذبح على أنصابكم. وقال صاحب الفتح: وما قاله محتمل، لكن لا
أدرى من أين له الجزم بتلك.
(2/361)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
رَآهُ، لَا بِشِرْعِ مُتَقَدّمٍ، وَإِنّمَا تَقَدّمَ شَرْعُ إبْرَاهِيمَ
بِتَحْرِيمِ الْمَيْتَةِ، لَا بِتَحْرِيمِ مَا ذُبِحَ لِغَيْرِ اللهِ،
وَإِنّمَا نَزَلَ تَحْرِيمُ ذَلِكَ فِي الْإِسْلَامِ، وَبَعْضُ
الْأُصُولِيّينَ يَقُولُونَ: الْأَشْيَاءُ قَبْلَ وُرُودِ الشّرْعِ عَلَى
الْإِبَاحَةِ، فَإِنْ قُلْنَا بِهَذَا، وَقُلْنَا أن رسول الله- صلى الله
عليه وسلم كَانَ يَأْكُلُ مِمّا ذُبِحَ عَلَى النّصُبِ، فَإِنّمَا فَعَلَ
أَمْرًا مُبَاحًا، وَإِنْ كَانَ لَا يَأْكُلُ مِنْهَا فَلَا إشْكَالَ،
وَإِنْ قُلْنَا أَيْضًا: إنّهَا لَيْسَتْ عَلَى الْإِبَاحَةِ، وَلَا عَلَى
التّحْرِيمِ، وَهُوَ الصّحِيحُ، فَالذّبَائِحُ خَاصّةٌ لَهَا أَصْلٌ فِي
تَحْلِيلِ الشّرْعِ الْمُتَقَدّمِ كَالشّاةِ وَالْبَعِيرِ، وَنَحْوِ
ذَلِكَ، مِمّا أَحَلّهُ اللهُ تَعَالَى فِي دِينِ مَنْ كَانَ قَبْلَنَا،
وَلَمْ يَقْدَحْ فِي ذَلِكَ التّحْلِيلِ الْمُتَقَدّمِ مَا ابْتَدَعُوهُ،
حَتّى جَاءَ الْإِسْلَامُ، وَأَنْزَلَ اللهُ سُبْحَانَهُ: (وَلا تَأْكُلُوا
مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ) الْأَنْعَامُ: 121. أَلَا
تَرَى كَيْفَ بَقِيَتْ ذَبَائِحُ أَهْلِ الْكِتَابِ عِنْدَنَا عَلَى أَصْلِ
التّحْلِيلِ بِالشّرْعِ الْمُتَقَدّمِ، وَلَمْ يَقْدَحْ فِي التّحْلِيلِ
مَا أحدثوه من
__________
- وقال الخطابى. كان النبى «صلى الله عليه وسلم» لا يأكل مما يذبحون عليها
للأصنام، ويأكل ما عدا ذلك، وإن كانوا لا يذكرون اسم الله عليه، لأن الشرع
لم يكن نزل بعد، بل لم ينزل الشرع بمنع أكل ما لم يذكر اسم الله عليه إلا
بعد المبعث بمدة طويلة. وقال صاحب الفتح: وهذا الجواب أولى مما ارتكبه ابن
بطال، وعلى تقدير أن يكون زيد بن حارثه ذبح على الحجر المذكور، فإنما يحمل
على أنه إنما ذبح عليه لغير الأصنام. وأما قوله تعالى: «وما ذبح على
النصيب» ، فالمراد به ما ذبح عليها للأصنام، وفى الفتح أيضا: أن الجواب على
قوله: فذبحنا شاة على بعض الأنصاب يعنى: الحجارة التى ليست بأصنام، ولا
معبودة وإنما هى من آلات الجزار التى يذبح عليها؛ لأن النصب فى الأصل حجر
كبير، فمنها ما يكون عندهم من جملة الأصنام، فيذبحون له، وعلى اسمه، ومنها
مالا يعبد، بل يكون عندهم من آلات الذبح، فيذبح الذابح عليه لا للصنم، وكان
امتناع زيد منها حسما للمادة.
(2/362)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الْكُفْرِ، وَعِبَادَةِ الصّلْبَانِ، فَكَذَلِكَ كَانَ مَا ذَبَحَهُ أَهْلُ
الْأَوْثَانِ مُحَلّا بِالشّرْعِ الْمُتَقَدّمِ، حَتّى خَصّهُ القرآن
بالتحريم.
زيد وصعصعة والموؤدة:
فصل: وذكر خبر الموؤدة، وَمَا كَانَ زَيْدٌ يَفْعَلُ فِي ذَلِكَ، وَقَدْ
كَانَ صَعْصَعَةُ بْنُ مُعَاوِيَةَ جَدّ الْفَرَزْدَقِ رَحِمَهُ اللهِ
يَفْعَلُ مِثْلَ ذَلِكَ، وَلَمّا أَسْلَمَ سَأَلَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَلْ لِي فِي ذَلِكَ مِنْ أَجْرٍ؟ فَقَالَ فِي
أَصَحّ الرّوَايَتَيْنِ:
لَك أَجْرُهُ إذَا مَنّ اللهُ عَلَيْك بِالْإِسْلَامِ، وَقَالَ الْمُبَرّدُ
فِي الْكَامِلِ عَنْ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
كَلَامًا لَمْ يَصِحّ لَفْظُهُ وَلَا مَعْنَاهُ، وَلَا يَشْهَدُ لَهُ
أَصْلٌ.
وَالْأُصُولُ تَشْهَدُ لَهُ بِهَذِهِ الرّوَايَةِ الّتِي ذَكَرْنَاهَا؛
لِمَا ثَبَتَ أَنّ الْكَافِرَ إذَا أَسْلَمَ، وَحَسُنَ إسْلَامُهُ، كُتِبَ
لَهُ كُلّ حَسَنَةٍ كَانَ زَلَفَهَا، وَهَذَا الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ
الْبُخَارِيّ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ: كُلّ حَسَنَةٍ كَانَ زَلَفَهَا،
وَذَكَرهَا الدّارَقُطْنِيّ وَغَيْرُهُ، ثُمّ يَكُونُ الْقِصَاصُ بَعْدَ
ذَلِكَ: الْحَسَنَةُ بعشر أمثالها، والموؤدة مَفْعُولَةٌ مِنْ وَأَدَهُ
إذَا أَثْقَلَهُ قَالَ الْفَرَزْدَقُ:
وَمِنّا الّذِي مَنَعَ الْوَائِدَا ... تِ، وَأَحْيَا الْوَئِيدَ، فَلَمْ
يُوأَدِ
يَعْنِي: جَدّهُ صَعْصَعَةَ بْنَ مُعَاوِيَةَ بْنِ نَاجِيَةَ بْنِ عِقَالِ
بْنِ مُحَمّدِ بْنِ سُفْيَانَ بْنِ مُجَاشِعٍ. وَقَدْ قِيلَ: كَانُوا
يَفْعَلُونَ ذَلِكَ غَيْرَةً عَلَى الْبَنَاتِ، وَمَا قَالَهُ اللهُ فِي
الْقُرْآنِ هُوَ الْحَقّ مِنْ قَوْلِهِ: (خَشْيَةَ إِمْلاقٍ) وَذَكَرَ
النّقّاشُ فِي التّفْسِيرِ:
أَنّهُمْ كَانُوا يَئِدُونَ مِنْ الْبَنَاتِ، مَا كَانَ مِنْهُنّ زَرْقَاءَ
أَوْ برشاء أو شيماء أو
(2/363)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
كَشْحَاءَ «1» تَشَاؤُمًا مِنْهُمْ بِهَذِهِ الصّفَاتِ قَالَ اللهُ تعالى:
وَإِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ «2» التّكْوِيرُ:
8: 9.
الْعُزّى:
فَصْلٌ: وَذَكَرَ شِعْرَ زَيْدِ بْنِ عَمْرٍو وَفِيهِ: عَزَلْت اللّاتَ
وَالْعُزّى جَمِيعًا. فَأَمّا اللّاتُ فَقَدْ تَقَدّمَ ذِكْرُهَا، وَأَمّا
الْعُزّى، فَكَانَتْ نَخَلَاتٍ مُجْتَمِعَةً، وَكَانَ عَمْرُو بْنُ لُحَيّ
قَدْ أَخْبَرَهُمْ- فِيمَا ذُكِرَ- أَنّ الرّبّ يُشْتِي بِالطّائِفِ عِنْدَ
اللّاتِ، وَيُصَيّفُ بالعزّى، فغظموها وَبَنَوْا لَهَا بَيْتًا، وَكَانُوا
يَهْدُونَ إلَيْهِ كَمَا يَهْدُونَ إلَى الْكَعْبَةِ، وَهِيَ الّتِي بَعَثَ
رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَالِدَ بْنَ الوليد
ليكسرها، فقال له سادنها: يا خالد احذرها؛ فإنها تجدع
__________
(1) الزرقاء: العمياء أو من بها ذلك. والبرشاء: من فى لونها نقط مختلفة
حمراء، وأخرى سوداء أو غبراء. والشيماء: من كثرت فى بدنها الشامات،
والشامة. علامة فى البدن، يخالف لونها لون سائره، والكشحاء: الموسومة
بالنار فى كشحها بسبب داء فى كشحها، وربما كانت: الكسحاء.
(2) ورد فى فتح البارى ص 115 ج 7: «كان أهل الجاهلية يدفنون البنات وهن
بالحياة، ويقال: كان أصلها من الغيرة عليهن لما وقع لبعض العرب حيث سبى بنت
آخر فاستفرشها، فأراد أبوها أن يفتديها منه، فخيرها، فاختارت الذى سباها،
فحلف أبوها: ليقتلن كل بنت تولد له، فتبع على ذلك» غير أن القرآن ذكر أن
وأدهن كان خشية الفقر، أو من الفقر. ولهذا قال سبحانه: «نحن نرزقهم وإياكم»
لمن كانوا يئدون خشية الفقر، وقال لمن يئدون من الفقر: «نحن نرزقكم وإياهم»
. عجل لهم البشارة برزق الوالدين، فهى فى هذا المقام أولى بالذكر.
(2/364)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَتُكَنّعُ، «1» فَهَدَمَهَا خَالِدُ وَتَرَكَ مِنْهَا جَذْمَهَا «2»
وَأَسَاسَهَا، فَقَالَ قَيّمُهَا:
وَاَللهِ لِتَعُودُنّ وَلَتَنْتَقِمُنّ مِمّنْ فَعَلَ بِهَا هَذَا،
فَذَكَرَ- وَاَللهُ أَعْلَمُ- أَنّ رَسُولَ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قَالَ لِخَالِدِ: هَلْ رَأَيْت فِيهَا شَيْئًا؟ فَقَالَ: لَا،
فَأَمَرَهُ أَنْ يَرْجِعَ، وَيَسْتَأْصِلَ بَقِيّتَهَا بِالْهَدْمِ،
فَرَجَعَ خَالِدٌ، فَأَخْرَجَ أَسَاسَهَا، فَوَجَدَ فِيهَا امْرَأَةً
سَوْدَاءَ مُنْتَفِشَةَ الشّعْرِ تَخْدِشُ وَجْهَهَا، «3» ، فَقَتَلَهَا
وَهَرَبَ الْقَيّمُ، وَهُوَ يَقُولُ: لَا تُعْبَدُ الْعُزّى بَعْدُ
الْيَوْمَ. هَذَا مَعْنَى مَا ذَكَرَ أَبُو سَعِيدٍ النّيْسَابُورِيّ فِي
الْمَبْعَثِ. وَذَكَرَهُ الْأَزْرَقِيّ أَيْضًا وَرَزِينٌ.
مَعْنَى يَرْبُلُ:
وَقَوْلُهُ: فَيَرْبُلُ مِنْهُمْ الطّفْلُ الصّغِيرُ. أَلْفَيْت فِي
حَاشِيَةِ الشّيْخِ أَبِي بَحْرٍ رَبَلَ الطّفْلُ يَرْبُلُ إذَا شَبّ
وَعَظُمَ. يَرْبَلُ بِفَتْحِ الْبَاءِ أَيْ يَكْبَرُ وَيَنْبُتُ، وَمِنْهُ
أُخِذَ تَرْبِيلُ الْأَرْضِ «4» . وَقَوْلُهُ: كَمَا يَتَرَوّحُ الْغُصْنُ:
أَيْ: يَنْبُتُ وَرَقُهُ بَعْدَ سقوطه «5» .
__________
(1) فى بعض الروايات ورد: أن ذلك كان حين أرسل خالد إلى ذى الخلصة ليهدمها،
وفيها صنم يعبدونه، فقال له السادن: «لا تفعل، فإنها مكنعتك» بضم الميم
وفتح الكاف وتضعيف النون مع كسرها أى مقبضة يديك، ومشلتهما.
(2) الجذم بكسر الجيم وفتحها: الأصل
(3) يجب أن نفهم أنها إن صح الحديث شيطانة من الإنس كانت تخدع الناس
بحيلها، فيظنون أن للعزى حياة وقدرة أو جنيا يتلبس بها
(4) فى القاموس: ربلوا يربلون! - بكسر الباء أو ضمها فى المضارع، كثروا أو
كثرت أموالهم وأولادهم وفى الخشنى: ربل الطفل يربل بضم الباء فى المضارع:
شب وعظم، والربل: ما اخضر من الشجر
(5) عند الخشنى: يهتز ويخضر
(2/365)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
إعْرَابُ نَعْتِ النّكِرَةِ الْمُتَقَدّمِ:
وَقَوْلُهُ: وَلِلْكُفّارِ حَامِيَةً سَعِيرُ. نَصَبَ حَامِيَةً عَلَى
الْحَالِ مِنْ سَعِيرٍ؛ لِأَنّ نَعْتَ النّكِرَةِ إذَا تَقَدّمَ عَلَيْهَا
نُصِبَ عَلَى الْحَالِ، وَأَنْشَدَ سِيبَوَيْهِ فِي مِثْلِهِ:
لِمَيّةَ مُوحِشًا طَلَلُ «1»
وَأَنْشَدَ أَيْضًا [لَذِي الرّمّةِ] :
وَتَحْتَ الْعَوَالِي وَالْقَنَا مُسْتَكِنّةٌ ... ظِبَاءٌ أَعَارَتْهَا
الْعُيُونُ الْجَآذِرُ
__________
(1) يرى ابن الحاجب فى أماليه على أبيات المفصّل أنه يجوز أن تكون كلمة
موحشا حالا من الضمير فى «لمية» لأن جعل الحال من المعرفة أولى من جعلها من
النكرة متقدمة عليها، لأن هذا هو الكثير الشائع، وذلك قليل، فكان أولى،
ويذهب ابن جنى فى شرح الحماسة والزمخشرى فى تفسير: «وجعلنا فيها فجاجا
سبلا» والخبيصى فى شرحه لكافية ابن الحاجب يذهبون إلى أن موحشا حال من طلل،
لأنها وصف لنكرة، وتقدمت عليها، والكرمانى يرى أن موحشا لا يجوز أن تكون
حالا من طلل؛ لأنها مبتدأ، والحال لا تكون إلا من الفاعل أو المفعول،
والبيت هو:
لمية موحشا طلل ... يلوح كأنه خلل
والخلل- بكسر الخاء- جمع خلة وهى بطائن يغشى بها أجفان السيوف منقوشة
بالذهب وغيره والبيت ينسب لكثير عزة كما فعل سيبويه ص 276 ح 1 الكتاب، ومن
يقول بهذا يرويه «لعزة موحشا، لأن عزة اسم محبوبة كثير، وقيل إن البيت لذى
الرمة، ومن يقول بهذا يرويه: «لمية موحشا» لأن مية اسم محبوبة ذى الرمة
انظر ص 344 ج 2، ص 189 ج 3 خزانة الأدب للبغدادى طبع السلفية وهناك آخر:
لمية موحشا طلل قديم ... عفاه كل أسحم مستديم
(2/366)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَالْعَامِلُ فِي هَذَا الْحَالِ: الِاسْتِقْرَارُ الّذِي يَعْمَلُ فِي
الظّرْفِ، وَيَتَعَلّقُ بِهِ حَرْفُ الْجَرّ، وَهَذَا الْحَالُ عَلَى
مَذْهَبِ أَبِي الْحَسَنِ الْأَخْفَشِ لَا اعْتِرَاضَ فِيهَا؛ لِأَنّهُ
يَجْعَلُ النّكِرَةَ الّتِي بَعْدَهَا مُرْتَفِعَةً بِالظّرْفِ ارْتِفَاعَ
الْفَاعِلِ، وَأَمّا عَلَى مَذْهَبِ سيبويه، فالمسئلة عَسِيرَةٌ جِدّا؛
لِأَنّهُ يَلْزَمُهُ أَنْ يَجْعَلَهَا حَالًا مِنْ الْمُضْمَرِ فِي
الِاسْتِقْرَارِ؛ لِأَنّهُ مَعْرِفَةٌ، فَذَلِكَ أَوْلَى مِنْ أَنْ يَكُونَ
حَالًا مِنْ نَكِرَةٍ، فَإِنْ قُدّرَ الِاسْتِقْرَارُ آخِرَ الْكَلَامِ،
وَبَعْدَ الْمَرْفُوعِ كَانَ ذَلِكَ فَاسِدًا؛ لِتَقَدّمِ الْحَالِ عَلَى
الْعَامِلِ الْمَعْنَوِيّ وَلِلِاحْتِجَاجِ لَهُ وَعَلَيْهِ مَوْضِعٌ
غَيْرَ هَذَا.
مِنْ مَعَانِي شِعْرِ زَيْدٍ:
فَصْلٌ: وَأَنْشَدَ أَيْضًا لِزَيْدِ: إلَى اللهِ أَهْدِي مِدْحَتِي
وَثَنَائِيَا. وَفِيهِ: أَلَا أَيّهَا الْإِنْسَانُ إيّاكَ وَالرّدَى.
تَحْذِيرٌ مِنْ الرّدَى، وَالرّدَى هُوَ الْمَوْتُ، فَظَاهِرُ اللّفْظِ
مَتْرُوكٌ، وَإِنّمَا هُوَ تَحْذِيرٌ مِمّا يَأْتِي بِهِ الْمَوْتُ،
وَيُبْدِيهِ وَيَكْشِفُهُ مِنْ جَزَاءِ الْأَعْمَالِ؛ وَلِذَلِكَ قَالَ:
فَإِنّك لَا تُخْفِي مِنْ اللهِ خَافِيَا. وَفِيهِ:
وَإِنّي وَإِنْ سَبّحْت بِاسْمِك رَبّنَا ... لَأُكْثِرُ إلّا مَا غَفَرْت
خَطَائِيَا
مَعْنَى الْبَيْتِ: إنّي لَأُكْثِرُ مِنْ هَذَا الدّعَاءِ الّذِي هُوَ
بِاسْمِك رَبّنَا إلّا مَا غَفَرْت «وَمَا» بَعْدَ إلّا زَائِدَةٌ، وَإِنْ
سَبّحْت: اعْتِرَاضٌ بَيْنَ اسْمِ إنّ وَخَبَرِهَا، كَمَا تَقُولُ: إنّي
لَأُكْثِرُ مِنْ هَذَا الدّعَاءِ الّذِي هُوَ بِاسْمِك رَبّنَا إلّا
وَاَللهِ يَغْفِرُ لِي لَأَفْعَلُ كَذَا، وَالتّسْبِيحُ هُنَا بِمَعْنَى
الصّلَاةِ، أَيْ: لَا أَعْتَمِدُ وَإِنْ صَلّيْت إلّا عَلَى دُعَائِك
وَاسْتِغْفَارِك مِنْ خَطَايَايَ.
(2/367)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
تَفْسِيرُ حَنَانَيْكَ:
وَقَوْلُهُ: حَنَانَيْكَ بِلَفْظِ التّثْنِيَةِ، قَالَ النّحْوِيّونَ:
يُرِيدُ حَنَانًا بَعْدَ حَنَانٍ، كَأَنّهُمْ ذَهَبُوا إلَى التّضْعِيفِ
وَالتّكْرَارِ، لَا إلَى الْقَصْرِ عَلَى اثْنَيْنِ خَاصّةً دُونَ مَزِيدٍ.
قَالَ الْمُؤَلّفُ رَحِمَهُ اللهُ: وَيَجُوزُ أَنْ يُرِيدَ حَنَانًا فِي
الدّنْيَا، وَحَنَانًا فِي الْآخِرَةِ، وَإِذَا قِيلَ هَذَا لِمَخْلُوقِ
نَحْوَ قَوْلِ طَرَفَةَ:
أَبَا مُنْذِرٍ أَفْنَيْت فَاسْتَبْقِ بَعْضَنَا ... حَنَانَيْكَ بَعْضُ
الشّرّ أَهْوَنُ مِنْ بَعْضٍ
فَإِنّمَا يُرِيدُ: حَنَانَ دَفْعٍ، وَحَنَانَ نَفْعٍ؛ لِأَنّ كُلّ مَنْ
أَمّلَ مَلِكًا، فَإِنّمَا يُؤَمّلُهُ لِيَدْفَعَ عنه ضيرا، أو ليجلب إليه
خيرا.
تديعة أَدِينُ:
وَقَوْلُهُ: فَلَنْ أَرَى أَدِينُ إلَهًا. أَيْ: أَدِينُ لِإِلَهِ،
وَحَذَفَ اللّامَ وَعَدّى الْفِعْلَ؛ لِأَنّهُ فِي مَعْنَى: أَعْبُدُ
إلَهًا.
حَوْلَ اسْمِ اللهِ:
وَقَوْلُهُ: غَيْرَك اللهُ بِرَفْعِ الْهَاءِ، أَرَادَ: يَا أَللهُ،
وَهَذَا لَا يَجُوزُ فِيمَا فِيهِ الْأَلِفُ وَاللّامُ، إلّا أَنّ حُكْمَ
الْأَلِفِ وَاللّامِ فِي هَذَا اللّفْظِ الْمُعَظّمِ يُخَالِفُ حُكْمَهَا
فِي سَائِرِ الْأَسْمَاءِ، أَلَا تَرَى أَنّك تَقُولُ: يَا أَيّهَا
الرّجُلُ، وَلَا يُنَادَى اسْمُ اللهِ بِيَا أَيّهَا، وَتُقْطَعُ
هَمْزَتُهُ فِي النّدَاءِ، فَتَقُولُ: يَا أَللهُ، وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ
فِي اسْمِ غَيْرِهِ إلَى أَحْكَامٍ كَثِيرَةٍ يُخَالِفُ فِيهَا هَذَا
الِاسْمُ لِغَيْرِهِ مِنْ الْأَسْمَاءِ الْمُعَرّفَةِ، وَلَعَلّ بَعْضَ
(2/368)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ذَلِكَ أَنْ يُذْكَرَ فِيمَا بَعْدُ- إنْ شَاءَ اللهُ- وَقَدْ
اسْتَوْفَيْنَاهُ فِي غَيْرِ هَذَا الْكِتَابِ، وَفِيهِ بَيْتٌ حَسَنٌ لَمْ
يَذْكُرْهُ ابْنُ إسْحَاقَ، وَذَكَرَهُ أَبُو الْفَرَجِ «1» فِي أَخْبَارِ
زَيْدٍ وَهُوَ:
أَدِينُ إلَهًا يُسْتَجَارُ، وَلَا أَرَى ... أَدِينُ لِمَنْ لَمْ يَسْمَعْ
الدّهْرَ دَاعِيَا
حَذَفَ الْمُنَادَى مَعَ بَقَاءِ الْيَاءِ:
وَفِيهِ: فَقُلْت: أَلَا يَا اذْهَبْ «2» عَلَى حَذْفِ الْمُنَادَى،
كَأَنّهُ قَالَ: أَلَا يَا هذا اذهب، كما قرىء: أَلَا يَا اُسْجُدُوا،
يُرِيدُ: يَا قَوْمُ اُسْجُدُوا، وَكَمَا قَالَ غَيْلَانُ:
أَلَا يَا اسْلَمِي يَا دارمىّ على البلى «3»
__________
(1) فى كتابه الأغانى.
(2) الذى فى السيرة: فقلت له: يا اذهب، وفى بعض نسخها: فقلت له: اذهب.
(3) هو لذى الرمة، غيلان بن عقبة من بنى صعب بن مالك بن عبد مناة ويكنى أبا
الحارث. انظر ص 74 ج 1 خزانة الأدب، ففيها تفصيل الأسباب التى من أجلها لقب
غيلان بذى الرمة، وفى الروض بعضها، وبيت الشعر كما قال، وبقيته: «ولا زال
منهلا بجرعائك القطر» . ويرى الجوهرى فى الصحاح أن قوله سبحانه: «ألا يا
اسجدوا» بالتخفيف معناه: يا هؤلاء اسجدوا، فخذف المنادى اكتفاء بحرف
النداء. وقال غيره: إن يا فى هذا الموضع إنما هى للتنبيه، كأنه قال: ألا
اسجدوا، فلما أدخلت عليه ياء التنبيه سقطت الألف التى فى اسجدوا، لأنها ألف
وصل، وذهبت الألف التى فى «يا» لاجتماع الساكنين، لأنها والسين ساكنتان (م
24- روض الأنف ج 2)
(2/369)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَفِيهِ: اذْهَبْ وَهَارُونَ، عَطْفًا عَلَى الضّمِيرِ فِي اذْهَبْ، وَهُوَ
قَبِيحٌ إذَا لَمْ يُؤَكّدْ، وَلَوْ نَصَبَهُ عَلَى الْمَفْعُولِ مَعَهُ
لَكَانَ جَيّدًا.
تَصْرِيفُ اطْمَأَنّتْ وَأَشْيَاءَ:
وَقَوْلُهُ: اطْمَأَنّتْ كَمَا هِيَا، وَزْنُهُ افْلَعَلّتْ، لِأَنّ
الْمِيمَ أَصْلُهَا أَنْ تَكُونَ بَعْدَ الْأَلِفِ، لِأَنّهُ مِنْ
تَطَأْمَنَ أَيْ: تَطَأْطَأَ، وَإِنّمَا قَدّمُوهَا لِتَبَاعُدِ
الْهَمْزَةِ الّتِي هِيَ عَيْنُ الْفِعْلِ مِنْ هَمْزَةِ الْوَصْلِ،
فَتَكُونُ أَخَفّ عَلَيْهِمْ فِي اللّفْظِ كَمَا فَعَلُوا فِي أَشْيَاءَ
حِينَ قَلَبُوهَا فِي قَوْلِ الْخَلِيلِ وَسِيبَوَيْهِ فِرَارًا مِنْ
تَقَارُبِ الْهَمْزَتَيْنِ «1» . كَمَا هِيَا. مَا:
زَائِدَةٌ لِتَكُفّ الْكَافَ عَنْ الْعَمَلِ، وَتُهَيّئُهَا لِلدّخُولِ
عَلَى الْجُمَلِ، وَهِيَ: اسْمٌ مُبْتَدَأٌ، وَالْخَبَرُ مَحْذُوفٌ،
التّقْدِيرُ: كَمَا هِيَ عَلَيْهِ، وَالْكَافُ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلَى
الْحَالِ مِنْ الْمَصْدَرِ الّذِي دَلّ عَلَيْهِ، اطْمَأَنّ، كَمَا
تَقُولُ: سِرْت مِثْلَ سَيْرِ زَيْدٍ؛ فَمِثْلُ حَالٌ مِنْ سَيْرِك الّذِي
سِرْته، وَفِيهِ: أَرْفِقْ إذًا بِك بَانِيَا. أَرْفِقْ تَعَجّبٌ، وَبِك
فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ لِأَنّ الْمَعْنَى: رَفَقْت، وَبَانِيًا تَمْيِيزٌ،
لِأَنّهُ يَصْلُحُ أَنْ يُجَرّ بِمِنْ، كَمَا تَقُولُ: أَحْسِنْ بِزَيْدِ
مِنْ رَجُلٍ، وَحَرْفُ الْجَرّ مُتَعَلّقٌ بِمَعْنَى التعجب؛ إذ قد
__________
(1) وزن أشياء عند الأخفش: أفعلاء. وعند غيره أفعال، وعند سيبويه والخليل،
لفعاء، ويقول الخليل: أشياء اسم للجمع، كان أصله: فعلاء، شيئاء فاستثقلت
الهمزتان، فقلبوا الهمزة الأولى إلى أول الكلمة، فجعلت لفعاء، كما قلبوا
أنوقا، فقالوا: أينقا، وكما قلبوا، قووسا: قسيا. وقول الخليل هو مذهب
سيبويه والمازنى، وجميع البصريين إلا الزيادى منهم. أما الأخفش، فيقول: أصل
أشياء، أشيئاء على وزن أشيعاع، فاجتمعت همزتان بينهما ألف فحذفت الهمزة
الأولى.
(2/370)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
عُلِمَ أَنّك مُتَعَجّبٌ مِنْهُ، وَلِبَسْطِ هَذَا الْمَعْنَى وَكَشْفِهِ
مَوْضِعٌ غَيْرَ هَذَا- إنْ شَاءَ اللهُ- وَبَعْدَ قَوْلِهِ:
وَقَدْ بَاتَ فِي أَضْعَافِ حُوتٍ لَيَالِيَا
بَيْتٌ لَمْ يَذْكُرْهُ ابْنُ إسْحَاقَ، وَوَقَعَ فِي جَامِعِ ابْنِ وَهْبٍ
وَهُوَ:
وَأَنْبَتَ يَقْطِينًا عَلَيْهِ بِرَحْمَةِ ... مِنْ اللهِ لَوْلَا ذَاكَ
أَصْبَحَ ضَاحِيَا «1»
صَفِيّةُ بِنْتُ الْحَضْرَمِيّ:
وَذَكَرَ صَفِيّةَ بِنْتَ الْحَضْرَمِيّ، وَاسْمُ الْحَضْرَمِيّ: عَبْدُ
اللهِ بْنُ عَمّارٍ «2» ، وَسَيَأْتِي ذِكْرُ نَسَبِهَا عِنْدَ ذِكْرِ
أَخِيهَا بَعْدَ.
الدّعْمُوصِ وَالْخَرْمُ فِي الشّعْرِ:
وَقَوْلُهُ: دُعْمُوصُ أَبْوَابِ الْمُلُوكِ. يُرِيدُ: وَلّاجًا فِي
أَبْوَابِ الْمُلُوكِ، وَأَصْلُ الدّعْمُوصِ: سَمَكَةٌ صَغِيرَةٌ كَحَيّةِ
الْمَاءِ، فَاسْتَعَارَهُ هُنَا، وَكَذَلِكَ جَاءَ فِي حَدِيثِ أَبِي
هُرَيْرَةَ يَرْفَعُهُ: صِغَارُكُمْ دَعَامِيصُ «3» الْجَنّةِ، وَكَمَا
اسْتَعَارَتْ عَائِشَةُ الْعُصْفُورَ
__________
(1) اليقطين: كل شىء ذهب بسطا فى الأرض، ومنه: القرع والبطيخ وغيرهما.
وضاحيا: عاريا بارزا للشمس.
(2) فى السيرة ورد اسم الحضرمى: عبد الله بن عباد. ويقول الخشنى: والصواب:
عماد لا عبّاد. قاله ابن الدباغ وابن أبى الخصال وغيرهما.
(3) رواه أحمد ومسلم والبخارى فى الأدب. وقد فسر الخشنى الدعموص-
(2/371)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
حِينَ نَظَرَتْ إلَى طِفْلٍ صَغِيرٍ قَدْ مَاتَ، فَقَالَتْ: طُوبَى لَهُ
عُصْفُورٌ مِنْ عَصَافِيرِ الْجَنّةِ، لم يعمل سوآ، فَقَالَ لَهَا النّبِيّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَمَا يُدْرِيك؟ إنّ اللهَ خَلَقَ
الْجَنّةَ، وَخَلَقَ لَهَا أَهْلًا، وَخَلَقَ النّارَ، وَخَلَقَ لَهَا
أَهْلًا» أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، وَفِي هَذِهِ الْأَبْيَاتِ خَرْمٌ فِي
مَوْضِعَيْنِ، أَحَدُهُمَا قَوْله:
وَلَوْ أَشَاءُ لَقُلْت مَا ... عِنْدِي مَفَاتِحُهُ وَبَابُهْ
وَالْآخَرُ قَوْلُهُ:
وَإِنّمَا أَخَذَ الْهَوَانَ الْ ... عِيرُ إذْ يُوهَى إهَابُهْ
وَقَدْ تَقَدّمَ مِثْلُ هَذَا فِي شِعْرِ ابْنِ الزّبَعْرَى، وَتَكَلّمْنَا
عَلَيْهِ هُنَالِكَ بِمَا فِيهِ كِفَايَةٌ. وَقَوْلُهُ: وَيَقُولُ. إنّي
لَا أَذِلّ أَيْ: يَقُولُ الْعِيرُ ذَلِكَ بِصَكّ جَنْبَيْهِ صِلَابُهْ،
أَيْ: صِلَابُ مَا يُوضَعُ عَلَيْهِ، وَأَضَافَهَا إلَى الْعِيرِ لِأَنّهَا
عَبْؤُهُ وحمله.
لغويات ونحويات:
وذكر قوله: البرّأبغى لا الخال «1» قال ابن هشام: البرّأبغى: بِالنّصْبِ،
وَالْخَالُ:
الْخُيَلَاءُ وَالْكِبْرُ: وَقَوْلُهُ: لَيْسَ مُهَجّرٌ كَمَنْ قَالَ،
أَيْ: لَيْسَ مَنْ هَجَرَ وَتَكَيّسَ،
__________
- بقوله: «دويبة تغوص فى الماء مرة بعد مرة، يشبه بها الرجل الذى يكثر
الدلوج فى الأشياء، فيعنى أنه يكثر الدخول على الملوك» .
(1) هو فى الطبرانى والبزار مع اختلاف يسير، وفيه المسعودى، وقد اختلط
(2/372)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
كَمَنْ آثَرَ الْقَائِلَةَ وَالنّوْمَ «1» ، فَهُوَ مِنْ: قَالَ يَقِيلُ؛
وَهُوَ ثُلَاثِيّ، وَلَكِنْ لَا يُتَعَجّبُ مِنْهُ. لَا يُقَالُ: مَا
أَقْيَلَهُ!! قَالَ أَهْلُ النّحْوِ: اسْتَغْنَوْا عَنْهُ: بِمَا
أَنْوَمَهُ، وَلِذِكْرِ السّرّ «2» فِي امْتِنَاعِ التّعَجّبِ مِنْ هَذَا
الْفِعْلِ مَوْضِعٌ غَيْرَ هَذَا. وَقَوْلُ زَيْدٍ:
إنّي مُحْرِمٌ لَا حِلّهْ. مُحْرِمٌ أَيْ: سَاكِنٌ بِالْحَرَمِ،
وَالْحِلّةُ: أَهْلُ الْحِلّ. يُقَالُ لِلْوَاحِدِ وَالْجَمِيعِ: حِلّةٌ.
ذَكَرَ لِقَاءَ زَيْدٍ الرّاهِبَ بِمَيْفَعَةَ هَكَذَا تَقَيّدَ فِي
الْأَصْلِ بِكَسْرِ الْمِيمِ مِنْ مَيْفَعَةَ «3» ، وَالْقِيَاسُ فِيهَا:
الْفَتْحُ؛ لِأَنّهُ اسم لموضع أخذ مِنْ الْيَفَاعُ، وَهُوَ الْمُرْتَفِعُ
مِنْ الْأَرْضِ. وَقَوْلُهُ: شَامَ الْيَهُودِيّةَ والنصرانية، هُوَ
فَاعِلٌ مِنْ الشّمّ كَمَا قَالَ يَزِيدُ بْنُ شَيْبَانَ حِينَ سَأَلَ
النّسّابَةَ مَنْ قُضَاعَةُ، ثُمّ انْصَرَفَ، فَقَالَ لَهُ النّسّابَةُ:
شَامَمْتَنَا مُشَامّةُ الذّئْبِ الْغَنَمَ «4» ، ثُمّ تَنْصَرِفُ. فى حديث
ذكره أبو علىّ
__________
(1) تعبير الخشنى فى تفسيرها أبسط، فقد قال: المهجر الذى يسير فى الهاجرة
أى: القائلة وقوله: كمن قال: يريد كمن استراح فى القائلة، ولم يسر ص 74.
(2) فى المطبوعة: السير.
(3) فى المراصد: بفتح الميم وبالفاء المفتوحة: قريبة من أرض البلقاء من
الشام، وهى أيضا فى دار همدان باليمن.
(4) الخبر فى الأمالى لأبى على القالى ص 297 ح 2 ط 2. وفيه أن يزيد سأل
الشيخ: من الرجل؟ ومن القوم؟ فأرمّ القوم ينظرون إلى الشيخ هيبة له، فقال
الشيخ: رجل من مهرة- بفتح الميم وإسكان الهاء وفتح الراء- ابن حيدان- بفتح
الحاء وسكون الياء- ابن عمرو بن الحاف بن قضاعة، فقلت- القائل يزيد- حياكم
الله، وانصرفت فقال الشيخ: قف أيها الرجل، نسبتنا فانتسبنا لك، ثم انصرفت،
ولم تكلمنا.. أو شاممتنا مشامة الذئب الغنم، ثم انصرفت» والخبر كله خبر
أدبى لطيف.
(2/373)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فِي النّوَادِرِ، وَمَعْنَاهُ: اسْتَخْبَرَ، فَاسْتَعَارَهُ مِنْ الشّمّ،
فَنَصَبَ الْيَهُودِيّةَ والنصرانية نَصْبَ الْمَفْعُولِ، وَمَنْ خَفَضَ
جَعَلَ شَامّ اسْمَ فَاعِلٍ مِنْ شَمَمْت، وَالْفِعْلُ أَوْلَى بِهَذَا
الْمَوْضِعِ، كَمَا تَقَدّمَ، وَقَوْلُ وَرَقَةَ: رَشَدْت وَأَنْعَمْت
ابْنَ عَمْرٍو، أَيْ: رَشَدْت وَبَالَغْت فِي الرّشَدِ، كَمَا يُقَالُ:
أَمْعَنْت النّظَرَ وَأَنْعَمْته، وَقَوْلُهُ: وَلَوْ كَانَ تَحْتَ
الْأَرْضِ سَبْعِينَ وَادِيًا بِالنّصْبِ. نَصَبَ سَبْعِينَ عَلَى
الْحَالِ، لِأَنّهُ قَدْ يَكُونُ صِفَةً لِلنّكِرَةِ، كَمَا قَالَ: فَلَوْ
كُنْت فِي جُبّ ثَمَانِينَ قَامَةً «1» وَمَا [يَكُونُ] صِفَةً لِلنّكِرَةِ
يَكُونُ حَالًا مِنْ الْمَعْرِفَةِ، وَهُوَ هُنَا حَالٌ مِنْ الْبُعْدِ،
كَأَنّهُ قَالَ: وَلَوْ بَعُدَ تَحْتَ الْأَرْضِ سَبْعِينَ. كَمَا تَقُولُ:
بَعُدَ طَوِيلًا، أَيْ: بُعْدًا طَوِيلًا، وَإِذَا حَذَفْت الْمَصْدَرَ،
وَأَقَمْت الصّفَةَ مَقَامَهُ لَمْ تَكُنْ إلّا حَالًا، وَقَدْ تقدم قول
سيبويه فى ذلك فى مسئلة: سَارُوا رُوَيْدًا، وَنَحْوِ هَذَا: دَارِي خَلْفَ
دَارِك فَرْسَخًا، أَيْ: تَقْرُبُ مِنْهَا فَرْسَخًا إنْ أَرَدْت
الْقُرْبَ، وَكَذَلِكَ إنْ أَرَدْت الْبُعْدَ، فَالْبُعْدُ وَالْقُرْبُ
مُقَدّرَانِ بِالْفَرْسَخِ، فَلَوْ قُلْت: دَارِي تَقْرُبُ مِنْك قُرْبًا
مُقَدّرًا بِفَرْسَخِ، لَكَانَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ يَقُولُ: قُرْبًا
كَثِيرًا أَوْ قَلِيلًا، فَالْفَرْسَخُ مَوْضُوعٌ مَوْضِعَ كَثِيرٍ أَوْ
قَلِيلٍ فَإِعْرَابُهُ كَإِعْرَابِهِ، وَكَذَلِكَ قَوْلُ الشّاعِرِ:
لَا تَعْجَبُوا فَلَوْ انّ طُولَ قَنَاتِهِ ... ميل إذا نظم الفوارس ميلا
__________
(1) الشعر للأعشى، وهو كما فى اللسان:
لئن كنت فى جب ثمانين قامة ... ورقيت أسباب السماء بسلم
وصف بالثمانين، وإن كان اسما لأنه فى معنى طويل. والبيت من شواهد سيبويه.
(2/374)
|